إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

Collapse
This topic is closed.
X
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • GAYSH AL GHADAB
    مشرف
    • 13-12-2009
    • 1797

    حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

    الحلقة الاولى

    قوله تعالى (َ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً)(الإسراء 12)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين وصل الله عل محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما

    تفاسير السنة :

    تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج 6 - ص 88
    مقاتل بن علي عن عكرمة عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله تعالى لما أبرم خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسا من نور عرشه وقمرا فكانا جميعا شمسان فأما ما كان في سابق علم الله أن يدعها شمسا فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها فيحولها قمرا فخلقها دون الشمس من العظيم ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض ، فلو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا كان يدرك الأجير إلى متى يعمل ومتى يأخذ أجره ولا يدري الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر ، ولا تدري المرأة كيف تعتد ولا يدري المسلمون متى وقت صلاتهم ومتى وقت حجهم ، ولا يدري الديان متى يحل دينهم ولا تدري الناس متى يبذرون ويزرعون لمعاشهم ومتى يسكنون لراحة أبدانهم فكان الرب سبحانه أنظر لعباده وأرحم بهم فأرسل جبرائيل ( فأمر ) جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور ، فذلك قوله تعالى " * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * ) ( والسواد ) الذي ترونه في جوف القمر يشبه الخطوط ، فهو أثر المحو .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير السمعاني - السمعاني - ج 3 - ص 224 - 225
    قوله : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) أي : علامتين دالتين على أن لهما إلها واحدا . وقيل : علامتين على الليل والنهار ، والمراد من الليل والنهار : هو الشمس والقمر . وقوله : * ( فمحونا آية الليل ) روي عن علي وابن عباس أنهما قالا : المحو هو السواد الذي في القمر . وفي بعض الآثار أن ابن الكواء قام إلى علي فسأله عن هذا فقال : أعمى - أراد عمى القلب - يسأل عن عمياء ! ثم قال : هو السواد الذي في القمر ، وقيل : إن معنى قوله : * ( فمحونا آية الليل ) أي : جعلنا الليل بحيث لا يبصر فيه كما [ لا ] يبصر الكتاب إذا محي . وقال قتادة وجماعة من المفسرين ، وهو محكي أيضا عن ابن عباس قالوا : إن الله تعالى خلق الشمس والقمر مضيئين نيرين كل واحد منهما مثل الآخر في الضياء ، فلم يكن يعرف الليل من النهار ، والنهار من الليل ، فأمر جبريل حتى مسح بجناحه ‹ صفحة 225 › * ( وكل شيء فصلناه تفصيلا ( 12 ) وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 ) اقرأ كتابك ) * * وجه القمر . قال مقاتل : انتقص مما كان تسعة وستون جزءا ، وبقي جزء واحد . وقوله : * ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي : مضيئة نيرة ، وقيل : ذات أبصار أي : يبصر بها . وقوله : * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) بالنهار .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير النسفي - النسفي - ج 2 - ص 280
    ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتيتن يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعا كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) * لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم * ( ولتعلموا ) * باختلاف الجديدين * ( عدد السنين والحساب ) * يعنى حساب الآجال ومواسم الأعمال ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    زاد المسير - ابن الجوزي - ج 5 - ص 11 - 12
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا " 12 " قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) * أي : علامتين يدلان على قدرة خالقهما . * ( فمحونا آية الليل ) * فيه قولان : أحدهما : أن آية الليل : القمر ، ومحوها : ما في بعض القمر من الاسوداد . وإلى هذا المعنى ذهب علي [ رضي الله عنه ] ، وابن عباس في آخرين . والثاني : آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل ; فنسب المحو إلى الظلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها ، ذكره ابن الأنباري . ويروى أن الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواء ، فأرسل الله جبريل فأمر جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء . قوله تعالى : * ( وجعلنا آية النهار ) * يعني : الشمس * ( مبصرة ) * فيه ثلاثة أقوال : أحدها : منيرة ، قاله قتادة . قال ابن الأنباري : وإنما صلح وصف الآية بالإبصار على جهة المجاز ، كما يقال : لعب الدهر ببني فلان . والثاني : أن معنى * ( مبصرة ) * : مبصرا بها ، قاله ابن قتيبة . ‹ صفحة 12 › والثالث : أن معنى * ( مبصرة ) * مبصرة ، فجرى " مفعل " ، مجرى " مفعل " ، والمعنى : أنها تبصر الناس ، أي : تريهم الأشياء ، قاله ابن الأنباري . ومعاني الأقوال تتقارب . قوله تعالى : * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) * أي : لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار * ( ولتعلموا عدد السنين والحساب ) * بمحو آية الليل ، ولولا ذلك ، لم يعرف الليل من النهار ، ولم يتبين العدد . * ( وكل شئ ) * أي : ما يحتاج إليه ، * ( فصلناه تفصيلا ) * بيناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير القرطبي - القرطبي - ج 10 - ص 227 - 228
    قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنه تفصيلا ( 12 ) قوله تعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) أي علامتين على وحدانيتنا ووجودنا وكمال علمنا وقدرتنا . والآية فيهما : إقبال كل منهما من حيث لا يعلم ، وإدباره إلى حيث لا يعلم . ونقصان أحدهما بزيادة الآخر وبالعكس آية أيضا . وكذلك ضوء النهار وظلمة الليل . وقد مضى هذا . ( 1 ) . ( فمحونا آية الليل ) ولم يقل : فمحونا الليل ، فلما أضاف الآية إلى الليل والنهار دل على أن الآيتين المذكورتين لهما لا هما . و " محونا " معناه طمسنا . وفى الخبر أن الله تعالى أمر جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء وكان كالشمس في النور ، والسواد الذي يرى في القمر من أثر المحو . قال ابن عباس : جعل الله الشمس سبعين جزءا والقمر سبعين جزءا ، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس ، فالشمس على مائة ( وتسع ) وثلاثين جزءا والقمر على جزء واحد . وعنه أيضا : خلق الله شمسين من نور عرشه ، وجعل ما سبق في علمه أن يكون شمسا مثل الدنيا على قدرها ما بين مشارقها إلى مغاربها ، وجعل القمر دون الشمس ، فأرسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجهه ثلاث مرات وهو يومئذ شمس فطمس ضوءه وبقى نوره ، فالسواد الذي ترونه في القمر أثر المحو ، ولو تركه شمسا لم يعرف الليل من النهار ذكر ‹ صفحة 228 › عنه الأول الثعلبي ، والثاني المهدوي ، وسيأتي مرفوعا . وقال على رضي الله عنه وقتادة : يريد بالمحو اللطخة السوداء التي في القمر ، ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيتميز به الليل من النهار . ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي جعلنا شمسه مضيئة للأبصار . قال أبو عمرو بن العلاء : أي يبصر بها . قال الكسائي : وهو من قول العرب أبصر النهار إذا أضاء ، وصار بحالة يبصر بها . وقيل : هو كقولهم خبيث مخبث إذا كان أصحابه خبثاء . ورجل مضعف إذا كانت دوابه ضعافا ، فكذلك النهار مبصرا إذا كان أهله بصراء .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    دقائق التفسير - ابن تيمية - ج 2 - ص 218 - 219
    ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ) * وهذا والله أعلم لمعنى تظهر به حكمة ما في الكتاب وما جاءت به الشريعة من اعتبار الشهر والعام الهلالي دون الشمسي إن كل واحد من الشهر والعام ينقسم في اصطلاح الأمم إلى عددي وطبيعي فأما الشهر الهلالي فهو طبيعي وسنته عددية واما الشهر الشمسي فعددي وسنته طبيعية فأما جعل شهرنا هلاليا فحكمته ظاهرة لأنه طبيعي وإنما علق بالهلال دون الاجتماع لأنه أمر مضبوط بالحس لا يدخله ‹ صفحة 219 › خلل ولا يفتقر إلى حساب بخلاف الاجتماع فإنه أمر خفي يفتقر إلى حساب وبخلاف الشهر الشمسي لو ضبط وأما السنة الشمسية فإنها وإن كانت طبيعية فهي من جنس الاجتماع ليس أمرا ظاهرا للحس بل يفتقر إلى حساب سير الشمس في المنازل وإنما الذي يدركه الحس تقريب ذلك فإن انقضاء الشتاء ودخول الفصل الذي تسميه العرب الصيف ويسميه غيرها الربيع أمر ظاهر بخلاف محاذاة الشمس لجزء من أجزاء الفلك يسمى برج كذا أو محاذاتها لإحدى نقطتي الرأس أو الذنب فإنه يفتقر إلى حساب ولما كانت البروج اثني عشر فمتى تكرر الهلالي اثني عشر فقد انتقل فيها كلها فصار ذلك سنة كاملة تعلقت به أحكام ديننا من المؤقتات شرعا أو شرطا إما بأصل الشرع كالصيام والحج وإما بسبب من العبد كالعدة ومدة الإيلاء وصوم الكفارة والنذر وإما بالشرط كالأجل في الدين والخيار والأيمان وغير ذلك
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 3 - ص 29 - 30
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنه تفصيلا ( 12 ) يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام فمنها مخالفته بين الليل والنهار ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصنائع والأعمال والاسفار وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك لهذا قال " لتبتغوا فضلا من ربكم " أي في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك " ولتعلموا عدد السنين والحساب " فإنه لو كان الزمان كله نسقا واحدا وأسلوبا متساويا لما عرف شئ من ذلك كما قال تعالى " قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " وقال تعالى " تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا . وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " وقال تعالى " وله اختلاف الليل والنهار " وقال " يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار " وقال تعالى " فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم " وقال تعالى " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون . والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " ثم إنه تعالى جعل الليل آية أي علامة يعرف بها وهي الظلام وظهور القمر فيه وللنهار علامة وهي النور وطلوع الشمس النيرة فيه وفاوت بين نور القمر وضياء الشمس ليعرف هذا من هذا كما قال تعالى " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق " إلى قوله " لآيات لقوم يتقون " وقال تعالى " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " الآية قال ابن جريج عن عبد الله بن كثير في قوله " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " قال ظلمة الليل وسدف النهار وقال ابن جريج عن مجاهد الشمس آية النهار والقمر آية الليل " فمحونا آية الليل " قال : السواد الذي في القمر وكذلك خلقه الله تعالى وقال ابن جريج قال ابن عباس : كان القمر يضئ كما تضئ الشمس والقمر آية الليل والشمس آية النهار فمحونا آية الليل السواد الذي في القمر وقد روى أبو جعفر بن جرير من طرق متعددة جيدة أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال ويحك أما تقرأ القرآن ؟ فمحونا آية الليل فهذه محوه . وقال قتادة في قوله " فمحونا آية الليل " كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه وجعلنا آية النهار مبصرة أي منيرة وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم وقال ابن أبي نجيح عن ابن عباس " وجعلنا الليل والنهار آيتين " قال ليلا ونهارا كذلك خلقهما الله عز وجل . وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتبا يلقه منشورا ( 13 ) اقرأ كتبك كفى بنفسك ‹ صفحة 30 › اليوم عليك حسيبا ( 14 )
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج 2 - ص 519
    أخرج البيهقي في الدلائل عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال ( كانا شمسين فقال الله * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) * فالسواد الذي رأيت هو المحو )
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج 4 - ص 167
    وأخرج ابن أبى شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال أخبرني غير واحد ان قاضيا من قضاة الشام أتى عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني قال وما رأيت قال رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين قال فمع أيهما كنت قال مع القمر على الشمس قال عمر رضي الله عنه وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فانطلق فوالله لا تعمل لي عملا ابدا قال عطاء رضي الله عنه فبلغني انه قتل مع معاوية يوم صفين * وأخرج ابن عساكر عن علي زيد رضي الله عنه قال سال ابن الكوا عليا رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر قال هو قول الله تعالى فمحونا آية الليل
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    فتح القدير - الشوكاني - ج 3 - ص 215
    وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر عن سعيد المقبري " أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السواد الذي في القمر ، فقال : كانا شمسين قال الله ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) فالسواد الذي رأيت هو المحو . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معنى هذا بأطول منه . قال السيوطي : وإسناده واه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن علي في قوله ( فمحونا آية الليل ) قال : هو السواد الذي في القمر ، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) قال : منيرة
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 27
    وابن عساكر عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال : كانا شمسين وقال قال الله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) * فالسواد الذي رأيت هو المحو ، وفي حديث طويل أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند واه عن ابن عباس مرفوعا أن الله تعالى خلق شمسين من نور عرشه فارسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور وذلك قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) * الآية إلى غير ذلك من الآثار ، والفاء على هذا للتعقيب ، وجعل آية النهار وهي الشمس مبصرة على نحو ما تقدم فتبصر ، وقيل محو القمر اما خلقه كمدا مطموس النور غير مشرق بالذات على ما ذكره أهل الهيئة من أنه غير مضيء في نفسه بل نوره مستفاد من ضوء الشمس فالفاء تفسيرية كما مر وإما نقص ما استفاده من الشمس شيئا فشيئا بحسب الرؤية والإحساس إلى أن ينمحق على ما هو معنى المحو فالفاء للتعقيب ، وذكر الإمام في محوه قولين ، احدهما نقص نوره قليلا قليلا إلى المحاق ، وثانيهما جعله ذا كلف ثم قال : حمله على الوجه الأول أولى لأن اللام في الفعلين بعد متعلق بما هو المذكور قبل وهو محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ، ومحو آية الليل إنما يؤثر في ابتغاء فضل الله تعالى إذا حملنا محو القمر على زيادة نورة القمر ونقصانه لأن سبب حصول هذه الآية مختلف باختلاف أحوال نور القمر وأهل التجارب أثبتوا أن اختلاف أحوال القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم ومصالحه مثل أحوال البحار في المد والجزر ومثل أحوال البحرانات على ما يذكره الأطباء في كتبهم ، وأيضا بسبب زيادة نور القمر ونقصانه يحصل الشهور وبسبب معاودة الشهور يحصل السنون العربية المبنية على رؤية الهلال كما قال سبحانه *
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 27 - 28
    وأنت تعلم أنه متى دل أثر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه أولا لا ينبغي أن يدعي أن غيره أولى ، وهو لعمري وجه لا كلف فيه عند من له عين مبصرة ، وللفلاسفة في هذا المحو المرئى في وجه القمر كلام طويل لا بأس بأن تحيط به خبرا فنقول : ذكر الإمام في المباحث المشرقية أن امتناع بعض المواضع في وجه القمر عن قبول الضوء التام إما أن يكون بسبب خارج عن جرم القمر أو غير خارج عند فإن كان بسبب خارج فإما أن يكون لمثل ما يعرض للمرايا من وقوعاشباح الأشياء فيها فإذا رؤيت تلك الأشياء لم تر براقة فكذلك القمر لما تصورت فيه أشباح الجبال والبحار وجب أن لا ترى تلك المواضع في غاية الاستنارة ، وإما أن يكون ذلك بسبب ساتر والأول باطل ، أما أولا فلأن الأشباح لا تنحفظ هيآتها مع حركة المرآة وبتقدير سكونها لا تستقر تلك الأشباح فيها عند اختلاف مقامات الناظرين والآثار التي في وجه القمر ليست كذلك ، وأما ثانيا فلأن القمر ينعكس الضوء عنه إلى البصر وما كان كذلك لم يصلح للتخييل ، وأما ثالثا فلأنه كان يجب أن تكون تلك الآثار كالكرات لأن الجبال في الأرض كتضريس أو خشونة في سطح كرة وليس لها من المقدار قدر ما يؤثر في كرية الأرض فكيف لأشباحها المرئية في المرآة . ‹ صفحة 28 › وأما إن كان ذلك بسبب ساتر فذلك الساتر إما أن يكون عنصريا أو سماويا والأول باطل ، أما أولا فلأنه كان يجب أن يكون المواضع المتسترة من جرم القمر مختلفة باختلاف مقامات الناظرين ، وأما ثانيا فلأن ذلك الساتر لا يكون هواء صرفا ولا نارا صرفة لأنهما شفافان فلا يحجبان بل لا بد وأن يكون مركبا إما بخارا وإما دخانا وذلك لا يكون مستمرا ، وأما إن كان الساتر سماويا فهو الحق وذلك إنما يكون لقيام أجسام سماوية قريبة المكان جدا من القمر وتكون من الصغر بحيث لا يرى كل واحد منها بل جملتها على نحو مخصوص من الشكل وتكون إما عديمة الضوء أو لها ضوء أضعف من ضوء القمر فترى في حالة إضاءته مظلمة ، وأما إن كان ذلك بسبب عائد إلى ذات القمر فلا يخلو إما أن يكون جوهر ذلك الموضع مساويا لجواهر المواضع المستنيرة من القمر في الماهية أو لا يكون فإن لم يكن كان ذلك لارتكاز أجرام سماوية مخالفة بالنوع للقمر في جرمه كما ذكرناه قبل وهو قريب منه . وإما أن تكون تلك المواضع مساوية الماهية لجرم القمر فحينئذ يمتنع اختصاصها بتلك الآثار إلا بسبب خارجي لكنه قد ظهر لنا أن الأجرام السماوية لا تتأثر بشيء عنصري وبذلك أبطل قول من قال : إن ذلك المحو بسبب انسحاق عرض القمر من مماسة النار ، أما أولا فلأن ذلك يوجب أن يتأدى ذلك في الأزمان الطويلة إلى العدم والفساد بالكلية والأرصاد المتوالية مكذبة لذلك ، وأيضا القمر غير مماس للنار لأنه مفرق في ذلك تدويره الذي هو في حامله الذي بينه وبين النار بعد بعيد بدليل أن النار لو كانت ملاقية لحامله لتحركت بحركته إلى المشرق وليس كذلك لأن حركات الشهب في الأكثر لا تكون إلا إلى جهة المغرب وتلك الحركة تابعة لحركة النار والحركة المستديرة ليست للنار بذاتها فإنها مستقيمة الحركة فذلك لها بالعرض تبعا لحركة الكل فبطل ما قالوه اه‍ .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 28 - 29
    وذكر الآمدي في أبكار الأفكار زيادة على ما يفهم مما ذكر من الأقوال وهي أن منهم من قال : إن ما يرى خيال لا حقيقة له ، ورده بأنه لو كان كذلك لاختلف الناظرون فيه ؛ ومنهم من قال : إنه السواد الكائن في القمر في الجانب الذي لا يلي الشمس ، ورده بأنه لو كان كذلك لما رؤي متفرقا ، ومنهم من قال : إنه وجه القمر فإنه مصور بصوة وجه الإنسان وله عينان وحاجبان وأنف وفم ، ورده بأنه مع بعده يوجب أن يكون فعل الطبيعة عندهم معطلا عن الفائدة لأن فائدة الحاجبين عندهم دفع أذى العرق عن العينين وفائدة الأنفس الشم وفائدة الفم دخول الغذاء وليس للقمر ذلك ، وقد رد عليهم رحمة الله تعالى عليه سائر ما ذكروه . وذكر الإمام في التفسير أن آخر ما ذكره الفلاسفة في ذلك أنه ارتكن في وجه القمر أجسام قليلة الضوء مثل ارتكاز الكواكب في أجرام الأفلاك ولما كانت تلك الأجرام أقل ضوأ من جرم القمر لا جرم شوهدت في وجهه كالكلف في وجه الإنسان وفي ارتكازها في بعض أجزائه دون بعض كونه متشابه الأجزاء عندهم دليل على الصانع المختار كما أن في تخصيص بعض أجزائه بالنور القوي وبعضها بالنور الضعيف مع تشابه الأجزاء دليلا على ذلك . ومثل هذا التخصيص في الدلالة تخصيص بعض جوانب الفلك الذي هو عندهم أيضا جرم بسيط متشابه الأجزاء بارتكاز الكواكب فيه دون البعض الآخر . وزعم بعض أهل الآثار أنه مكتوب في وجه القمر لا إله إلا الله ، وقيل لفظ جميل ، وقيل غير ذلك ‹ صفحة 29 › وأن المحو المرئى هو تلك الكتابة ولا يعول على شيء من ذلك ، نعم مكتوب على كل شيء لا إله إلا الله وكذا جميل ولكن ذلك بمعنى آخر كما لا يخفى .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 29 - 30
    ونقل لي عن أهل الهيئة الجديدة أنهم يزعمون أن القمر كالأرض فيه الجبال والوهاد والأشجار والبحار وأنهم شاهدوا ذلك في أرصادهم وأن المواضع التي لا يرى فيها محوهي البحار والتي فيها محوهى أرضي غير مستوية وزعموا أنه لو وصل أحد إلى القمر لرأى الأرض كذلك ومن هنا قالوا لا يبعد أن يكون معمورا بخلائق نحو عمارة الأرض بل قالوا : إن جميع الكواكب مثله في ذلك قياسا عليه وإن كانت لا يرى فيها لمزيد بعدها ما يرى فيه وبعيد من الحكمة أن يعمر الله تعالى الأرض بالخلق على صغرها ويترك أجساما عظيمة أكثرها أعظم من الأرض خالية بلا خلق على كبرها وهم منذ غرهم القمر تشبثوا بحباله في عمل الحيل للعروج إليه فصنعوا سفنا زئبقية فعرجوا فيها فقبل أن يصلوا إلى كرة البخار انتفخت أجسامهم وضلت كما ضلت من قبل أفهامهم فانقلبوا صاغرين وهبطوا خاسئين ، وأنت تعلم أن كلامهم في هذا الباب مخالف لأصول الفلسفة ولا برهان لهم عليه سوى السفه ومنشؤه محض أنهم رأوا شيئا في القمر ولم يتحققوه وظنوه ما ظنوه وأي مانع من أن يكون قد جعل الله تعالى المحو على وجه يتخيل فيه ذلك بل لا مانع على أصولنا من أن يقال : قد جعل الله تعالى في القمر أجراما تشبه ما حسبوه لكن لم يرد في ذلك شيء عن الصادق صلى الله عليه وسلم وهو الذي عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى ، وما ذكروه من أنه بعيد من الحكمة أن يعمر الله تعالى الأرض الخ يلزم عليه أن يكون ما بين الكواكب ككواكب الدب الأكبر مثلا معمورا بالخلائق كالأرض أيضا فإنه أوسع منها بأضعاف مضاعفة وهم لا يقولون به على انا نقول قد جاء " أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد " فيجوز أن يكون على جرم القمر ملائكة يعبدون الله تعالى بما شاء وكيف شاء بل يجوز أن يكون عند كل ذرة من ذراته ملك كذلك وهذا نوع من العمارة بالخلق ، والأحسن عند من عز عليه وقته عدم الالتفات إلى مثل هذه الخرافات وتضييع الوقت في ردها والله سبحانه الموفق ، ثم ما تقدم من أن المحو نقص ما استفاده القمر من الشمس شيئا فشيئا فيه القول بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس وقد عد الجل من العلماء ذلك في الحدسيات وذكروا أن الشمس مضيئة بنفسها وكلا الأمرين مما ذكره الفلاسفة وليس له في الشرع مستند يعول عليه ، وقد نقله الآمدي وتعقبه فقال : ذكروا أن الشمس نيرة بنفسها وما المانع من كونها سوداء الجرم والله تعالى يخلق فيها النور في أوقات مشاهدتنا لها ، وأن تكون مستنيرة من كواكب أخرى فوقها وهي مستورة عنا ببعض الاجرام السماوية المظلمة كما يحدث للشمس في حالة الكسوف ، وإن سلمنا أنها نيرة بنفسها فلا نسلم أن نور القمر مستفاد منها وما المانع من كون الرب تعالى يخلق فيه النور في وقت دون وقت أو أن يكون مع كونه مركوزا في فلكه دائرا على مركز نفسه وأحد وجهيه نير والآخر مظلم كما كان بعض أجزاء الفلك شفافا وبعضها نيرا وهو متحرك بحركة مساوية لحركة فلكه ويكون وجهه المضيء عند مقابلة الشمس وهو الذي يلينا ويكون الزيادة والنقصان فيما يظهر لنا على حسب بعده وقربه من الشمس فلا يكون مستنيرا من الشمس اه‍ . وأورد أنه إذا ضم الخسوف إلى الزيادة والنقصان قربا وبعدا لا يتم ما ذكره وصح ما ذكروه من الاستفادة . ‹ صفحة 30 › وأجيب بأنه ما المانع من أن يكون الخسوف لحيلولة جرم علوي بيننا وبينه لا لحيلولة الأرض بينه وبين الشمس فلا بد لنفي ذلك من دليل فافهم والله تعالى أعلم وهو المتصرف في ملكه كيفما يشاء * ( لتبتغوا ) * متعلق بقوله تعالى : * ( وجعلنا آية النهار ) * وفي الكلام مقدر أي جعلنا آية النهار مبصرة لتطلبوا لأنفسكم فيه .


    تفاسير الشيعة :

    التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 672 - 673
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * . ‹ صفحة 673 › قال : " أمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه ، فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ، ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس ولم يمح 1 ، لما عرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولاعرف الناس عدد السنين ، وذلك قول الله : " وجعلنا الليل " الآية " 2 .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 6 - ص 225
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا ( 12 ) ) * . اللغة : مبصرة أي : مضيئة منيرة نيرة . قال أبو عمرو : أراد تبصر بها ، كما يقال : ليل نائم وسر كاتم . وقال الكسائي : العرب تقول : أبصر النهار : إذا أضاء . وقيل : المبصرة التي أهلها بصراء فيها ، كما يقال رجل مخبث أي : أهله خبثاء ، ومضعف أي : أهله ضعفاء ، ولا يكتب الواو في يدع في المصحف ، وهي ثابتة في المعنى .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 3 - ص 181
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتطلبوا في بياض النهار أسباب معايشكم ولتعلموا باختلافهما ومقاديرهما عدد السنين والحساب وكل شئ تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا فصلناه تفصيلا بيناه بيانا غير ملتبس في نهج البلاغة وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراهما في مناقل مجراهما وقدر مسيرهما في مدارج مدرجهما ليتميز بين الليل والنهار بهما وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما . وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال لما خلقهما الله عز وجل أطاعا ولم يعصيا شيئا فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا علم الصائم كم يصوم ولا عرف الناس عدد السنين وذلك قول الله عز وجل وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية . وفي الاحتجاج قال ابن الكوا لأمير المؤمنين عليه السلام أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء أما سمعت الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . وعن الصادق عليه السلام لما خلق الله القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو السواد الذي ترونه . والعياشي ما يقرب من الحديثين .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 11 - ص 375
    وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " اسرى 12 أي أذهبنا اثر الابصار من الليل فالمحو قريب المعنى من النسخ يقال نسخت الشمس الظل أي ذهبت باثره ورسمه . وقد قوبل المحو في الآية بالاثبات وهو اقرار الشئ في مستقره بحيث لا يتحرك ولا يضطرب يقال أثبت الوتد في الأرض إذا ركزته فيها بحيث لا يتحرك ولا يخرج من مركزه فالمحو هو إزالة الشئ بعد ثبوته برسمه ويكثر استعماله في الكتاب . ووقوع قوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت " بعد قوله لكل اجل كتاب واتصاله به من جانب وبقوله وعنده أم الكتاب من جانب ظاهر في أن المراد محو الكتب واثباتها في الأوقات والآجال فالكتاب الذي أثبته الله في الاجل الأول ان شاء محاه في الاجل الثاني وأثبت كتابا آخر فلا يزال يمحى كتاب ويثبت كتاب آخر . وإذا اعتبرنا ما في الكتاب من آية وكل شئ آية صح ان يقال لا يزال يمحو آية ويثبت آية
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 13 - ص 50 - 51
    قوله تعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) إلى آخر الآية ، قال في المجمع : مبصرة أي مضيئة منيرة نيرة قال أبو عمرو : أراد يبصر بها كما يقال : ليل نائم وسر كاتم ، وقال الكسائي : العرب تقول : أبصر النهار إذا أضاء . انتهى موضع الحاجة . ‹ صفحة 51 › الليل والنهار هما النور والظلمة المتعاقبان على الأرض من جهة مواجهة الشمس بالطلوع وزوالها بالغروب وهما كسائر ما في الكون من أعيان الأشياء وأحوالها آيتان لله سبحانه تدلان بذاتهما على توحده بالربوبية . ومن هنا يظهر ان المراد بجعلهما آيتين هو خلقهما كذلك لا خلقهما وليستا آيتين ثم جعلهما آيتين والباسهما لباس الدلالة فالاشياء كلها آيات له تعالى من جهة أصل وجودها وكينونتها الدالة على مكونها لا لوصف طار يطرء عليها . ومن هنا يظهر أيضا ان المراد بآية الليل كاية النهار نفس الليل كنفس النهار - على أن تكون الإضافة بيانية لا لامية - والمراد بمحو الليل اظلامه واخفاؤه عن الابصار على خلاف النهار . فما ذكره بعضهم ان المراد بآية الليل القمر ومحوها ما يرى في وجهه من الكلف كما أن المراد بآية النهار الشمس وجعلها مبصرة خلو قرصها عن المحو والسواد . ليس بسديد فان الكلام في الآيتين لا آيتي الآيتين
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 13 - ص 51 - 52
    على أن ما فرع على ذلك من قوله : ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) الخ متفرع على ضوء النهار وظلمة الليل لا على ما يرى من الكلف في وجه القمر وخلو قرص الشمس من ذلك . ونظيره في السقوط قول بعضهم : ان المراد بآية الليل ظلمته وباية النهار ضوءه والمراد بمحو آية الليل امحاء ظلمته بضوء النهار ونظيره امحاء ضوء النهار بظلمة الليل وانما اكتفى بذكر أحدهما لدلالته على الاخر . ولا يخفى عليك وجه سقوطه بتذكر ما أشرنا إليه سابقا فان الغرض بيان وجود الفرق بين الآيتين مع كونهما مشتركتين في الآئية والدلالة ، وما ذكره من المعنى يبطل الفرق . وقوله : ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) متفرع على قوله : ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي جعلناها مضيئة لتطلبوا فيه رزقا من ربكم فان الرزق فضله وعطاؤه تعالى . وذكر بعضهم ان التقدير : لتسكنوا بالليل ولتبتغوا فضلا من ربكم بالنهار الا انه حذف ( لتسكنوا بالليل ) لما ذكره في مواضع اخر وفيه ان التقدير ينافي كون الكلام مسوقا لبيان ترتب الآثار على إحدى الآيتين دون الأخرى مع كونهما معا آيتين . وقوله : ( ولتعلموا عدد السنين والحساب ) أي لتعلموا بمحو الليل وابصار النهار عدد السنين بجعل عدد من الأيام واحدا يعقد عليه ، وتعلموا بذلك حساب الأوقات ‹ صفحة 52 › والآجال ، وظاهر السياق ان علم السنين والحساب متفرع على جعل النهار مبصرا نظير تفرع ما تقدمه من ابتغاء الرزق على ذلك وذلك انا انما نتنبه للاعدام والفقدانات من ناحية الوجودات لا بالعكس والظلمة فقدان النور ولولا النور لم ننتقل لا إلى نور ولا إلى ظلمة ، ونحن وان كنا نستمد في الحساب بالليل والنهار معا ونميز كلا منهما بالآخر ظاهرا لكن ما هو الوجودي منهما أعني النهار هو الذي يتعلق به احساسنا اولا ثم نتنبه لما هو العدمي منها أعني الليل بنوع من القياس ، وكذلك الحال في كل وجودي وعدمي مقيس إليه .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 8 - ص 419 - 420
    وجعلنا الليل والنهار آيتين ثم : فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . ولنا في ذلك هدفان : الأول : لتبتغوا فضلا من ربكم حيث تنطلقون نهارا في الكسب والعمل والمعاش مستثمرين العطايا الإلهية ، وتنعمون ليلا بالراحة والهدوء والاستقرار . والهدف الثاني فهو : ولتعلموا عدد السنين والحساب لكي لا تبقى شبهة لأحد وكل شئ فصلناه تفصيلا . بين المفسرين كلام كثير حول المقصود من " آية الليل " و " آية النهار " وفيما إذا كان ذلك كناية عن نفس الليل والنهار ، أم أن المقصود من " آية الليل " القمر ، ومن " آية النهار " الشمس ( 1 ) . ولكن التدقيق في الآية يكشف عن رجاحة التفسير الأول ، خصوصا وأن المقصود من قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين هو أن كل واحد منهما علامة على إثبات وجود الله ، أما محو آية الليل فهو تمزيق ظلمة الليل وحجب الظلمة فيه بواسطة نور النهار ، الذي يكشف ما كان مستورا بظلمة الليل . وإذا كانت آيات أخرى في القرآن [ آية ( 5 ) من سورة يونس ] تفيد أن الغاية من خلق الشمس والقمر هو تنظيم الحساب إلى سنين وأشهر ، فليس ثمة تنافي بين الآيتين ، إذ من الممكن أن تنتظم حياة الإنسان وحسابه على أساس الليل والنهار ، وعلى أساس الشمس والقمر من دون أي تناف بين الاثنين . في نهج البلاغة نقرأ للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قوله : " وجعل شمسها آية مبصره لنهارها ، وقمرها آية ممحوه من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدر سيرهما في مدارج درجهما ، ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم ‹ صفحة 420 › عدد السنين والحساب بمقاديرهما " ( 1 ) . إن كلام الإمام هنا لا ينافي التفسير الأول ، لأن حساب السنين يمكن أن يكون على أساس الأيام والليالي ، كما يمكن أن يتم ذلك على أساس الشمس والقمر .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 15 - ص 63 - 65
    القول في تأويل قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا ) * . يقول تعالى ذكره : ومن نعمه عليكم أيها الناس ، مخالفته بين علامة الليل وعلامة النهار ، بإظلامه علامة الليل ، وإضاءته علامة النهار ، لتسكنوا في هذا ، وتتصرفوا في ابتغاء رزق الله الذي قدره لكم بفضله في هذا ، ولتعلموا باختلافهما عدد السنين وانقضاءها ، وابتداء دخولها ، وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها ( وكل شئ فصلنه تفصيلا ) يقول : وكل شئ بيناه بيانا شافيا لكم أيها الناس لتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمه ، وتخلصوا له العبادة ، دون الآلهة والأوثان ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك : 16699 - حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ‹ صفحة 64 › الطفيل ، قال : قال ابن الكواء ( 1 ) لعلي : يا أمير المؤمنين ، ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال : ويحك أما تقرأ القرآن ( فمحونا آية الليل ) ، فهذه محوه . 16700 - حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا طلق ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن علي بن ربيعة ، قال : سأل ابن الكواء عليا فقال : ما هذا السواد في القمر ؟ فقال علي : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) هو المحو . 16701 - حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنت عند علي ، فسأله ابن الكواء عن السواد الذي في القمر ؟ فقال : ذاك آية الليل محيت . 16702 - حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا عمران بن حدير ، عن رفيع بن أبي كثير قال : قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه : سلوا عما شئتم ، فقام ابن الكواء فقال : ما السواد الذي في لقمر ، فقال : قاتلك الله ، هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك ؟ قال : ذلك محو الليل . 16703 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : ثنا ابن عفير ، قال : ثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رجلا قال لعلي : ما السواد الذي في القمر ؟ قال : إن الله يقول : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) . 16704 - حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) قال : هو السواد بالليل . * - حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريح ، قال : قال ابن عباس : كان القمر تضئ الشمس ، والقمر آية الليل ، والشمس آية النهار ، فمحونا آية الليل : السواد الذي في القمر . 16705 - حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، قال : ذكر ابن جريح ، عن ‹ صفحة 65 › مجاهد ، في قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : الشمس آية النهار ، والقمر آية الليل ( فمحونا آية الليل ) قال : السواد الذي في القمر ، وكذلك خلقه الله . * - حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريح ، عن مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك خلقهما الله . 16706 - قال ابن جريح : وأخبرنا عبد الله بن كثير ، قال : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) قال : ظلمة الليل وسدفة ( 1 ) النهار . 16707 - حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) : أي منيرة ، وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم . * - حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك جعلهما الله . واختلف أهل العربية في معنى قوله : ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) فقال بعض نحويي الكوفة معناها : مضيئة ، وكذلك قوله : ( والنهار مبصرا ) ( 2 ) معناه : مضيئا ، كأنه ذهب إلى أنه قيل مبصرا ، لإضاءته للناس البصر ، وقال آخرون : بل هو من أبصر النهار : إذا صار الناس يبصرون فيه فهو مبصر ، كقوله : رجل مجبن : إذا كان أهله وأصحابه جبناء ، ورجل مضعف : إذا كانت رواته ضعفاء ، فكذلك النهار مبصرا : إذا كان أهله بصراء



    تفسير الامام احمد الحسن ع :

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين
    عن أبي بصير عنه (ع) : ( فمحونا آية الليل قال هو السواد الذي في القمر )[1] .
    وكذلك عن أمير المؤمنين (ع) : ( عندما سئُل عن السواد الذي في القمر قال (ع) هو قوله تعالى (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ))[2] .
    آية الليل : هي القمر، وآية النهار : هي الشمس.
    والقمر : كوكب مظلم يأخذ نوره من الشمس ، والشمس : نجم مضيء . وفي وجود آيتي الشمس والقمر ، والليل والنهار المترتب على غياب أحداهما وبزوغ الأخرى دليل واضح على التنظيم التفصيلي الدقيق (وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً)
    وفي باطن الآية:- فأن الشمس هو الحجة على الخلق ، والقمر وصيه، فرسول الله (ص) هو الشمس ، وعلي (ع) هو القمر، وهكذا في كل زمان الشمس الحجة على الخلق ، والقمر الوصي الذي يأخذ من الحجة على الخلق . والليل هو الظلام والظلم ودولة الظالمين ، والنهار هو النور والعدل ودولة الحق.
    (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْل):- آية الليل هو القمر وهو الوصي والحجة على الخلق أيضاً ومحوه أي أن الظلم والظلام يغطي حقه ويمنعه إياه ، ولا يجري شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى ولذلك نسب هذا الأمر إليه سبحانه وتعالى ، فلو شاء سبحانه أظهر آية الليل وهو القمر والوصي كما هو الحال في زمن الإمام المهدي (ع).
    (وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ):-وهي الشمس والحجة على الخلق عندما يظهر أمره على رؤوس الأشهاد ، وتطأطأ له الرؤوس ، وتنصاع لحقه الناس.
    ( لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ):- فضل الله سبحانه وتعالى هو : الفضل الأخروي ، وهو الفضل الحقيقي. فلتبتغوا فضلاً من ربكم أي بالعمل الصالح مع الإمام الحجة (ع) ، والجهاد بين يديه . ومن فضل الله العلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه ورسله وبكتبه وقصص الأمم السالفة وحساب يوم القيامة ، وعلم كل شيء فصله الله في كتابه تفصيلا.


    [1]- العياشي ج2 : ص283 .

    [2]- العياشي ج2 : ص283 .




    والحمد لله مالك الملك
    Last edited by GAYSH AL GHADAB; 21-10-2010, 23:54.
    sigpic
  • GAYSH AL GHADAB
    مشرف
    • 13-12-2009
    • 1797

    #2
    رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

    الحلقة الثانية


    س/ ما معنى قوله تعالى : ( وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (الكهف: 54)


    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
    وصل الله عل محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما




    تفاسير السنة :
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

    المجموع - محيى الدين النووي - ج 4 - ص 46
    عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " طرقه وفاطمة ليلة فقال الا تصليان قال فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلت ذلك ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول وكان الانسان أكثر شئ جدلا " رواه البخاري ومسلم
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    فقه السنة - الشيخ سيد سابق - ج 1 - ص 202
    وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال : ( سبحان الله ، ماذا أنزل الليلة من الفتنة ، ماذا أنزل من الخزائن ، من يوقظ صواحب الحجرات ، يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة ) رواه البخاري . عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ، فقال : ( ألا تصليان ؟ ) قال فقالت : يا رسول الله أنفسنا بيد الله . فإن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول : ( وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) متفق عليه .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    صحيح البخاري - البخاري - ج 2 - ص 43
    أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال ألا تصليان فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول وكان الانسان أكثر شئ جدلا
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج 2 - ص 307
    ليس في النوم تفريط ولا ينافيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مر بعلي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وهما نائمان حتى طلعت الشمس أنكر عليهما فقال علي رضي الله عنه إن نواصينا بيد الله إن شاء أنامها وإن شاء أقامها فولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وضرب بيده على فخده قائلا * ( وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) * [ الكهف : 54 ] لأن قصده بذلك حثهما على عدم التفريط بالاسترسال في النوم وهذا قاله حين نام هو وصحبه عن الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس فسلاهم به وقال اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن فيه شيطانا فلما خرجوا قال ( يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة ) كذا هو مشدد الذال أي أذن
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    زاد المسير - ابن الجوزي - ج 5 - ص 110
    قوله تعالى : * ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) * فيمن نزلت قولان : أحدهما : أنه النضر بن الحارث ، وكان جداله في القرآن ، قاله ابن عباس . والثاني : أبي بن خلف ، وكان جداله في البعث حين أتى بعظم قد رم ، فقال : أيقدر الله على إعادة هذا ؟ ! قاله ابن السائب . قال الزجاج : كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل ، والإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا .
    ..................................................
    تفسير القرطبي - القرطبي - ج 11 - ص 5
    ما ذكره لهم من العبر والقرون الخالية . الثاني ما أوضحه لهم من دلائل الربوبية وقد تقدم في " سبحان " ( 1 ) ، فهو على الوجه الأول زجر ، وعلى الثاني بيان . ( وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) أي جدالا ومجادلة والمراد به النضر بن الحرث وجداله في القرآن وقيل : الآية في أبي بن خلف . وقال الزجاج : أي الكافر أكثر شئ جدلا ، والدليل على أنه أراد الكافر قوله " ويجادل الذين كفروا بالباطل " . وروي أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بالرجل يوم القيامة من الكفار فيقول الله له ما صنعت فيما أرسلت إليك فيقول رب آمنت بك وصدقت برسلك وعملت بكتابك فيقول الله له هذه صحيفتك ليس فيها شئ من ذلك فيقول يا رب إني لا أقبل ما في هذه الصحيفة فيقال له هذه الملائكة الحفظة يشهدون عليك فيقول ولا أقبلهم يا رب وكيف أقبلهم ولا هم من عندي ولا من جهتي فيقول الله تعالى هذا اللوح المحفوظ أم الكتاب قد شهد بذلك فقال يا رب ألم تجرني من الظلم قال بلى فقال يا رب لا أقبل إلا شاهدا علي من نفسي فيقول الله تعالى الآن نبعث عليك شاهدا من نفسك فيتفكر من ذا الذي يشهد عليه من نفسه فيختم على فيه ثم تنطق جوارحه بالشرك ثم يخلى بينه وبين الكلام فيدخل النار وإن بعضه ليلعن بعضا يقول لأعضائه لعنكن الله فعنكن كنت أناضل فتقول أعضاؤه لعنك الله أفتعلم أن الله تعالى يكتم حديثا فذلك قوله تعالى : " وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) " أخرجه مسلم بمعناه من حديث أنس أيضا . وفي صحيح مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة [ ليلا ] ( 2 ) فقال : ( ألا تصلون ) فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك ، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول : " وكان الانسان أكثر شئ جدلا " )
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 3 - ص 95
    ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان أكثر شئ جدلا ( 54 ) يقول تعالى ولقد بينا للناس في هذا القرآن ووضحنا لهم الأمور وفصلناها كيلا يضلوا عن الحق ويخرجوا عن طريق الهدى ومع هذا البيان وهذا الفرقان الانسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة . قال الإمام أحمد حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال " ألا تصليان " فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول " وكان الانسان أكثر شئ جدلا " أخرجاه في الصحيحين .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج 3 - ص 532
    وقوله تعالى : ( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) ( الإنسان ) هنا يراد به الجنس ، وقد استعمل صلى الله عليه وسلم الآية على العموم في مروره بعلي ليلا ، وأمره له بالصلاة بالليل ، فقال علي : إنما أنفسنا يا رسول الله بيد الله ، أو كما قال ، فخرج صلى الله عليه وسلم ، وهو يضرب فخذه بيده ، ويقول : ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج 4 - ص 228
    ( وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) * أخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا فقال ألا تصليان فقلت يا رسول الله انما أنفسنا بيد الله ان شاء ان يبعثنا بعثنا وانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلى شيئا ثم سمعته يضرب فخذه ويقول وكان الانسان أكثر شئ جدلا * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله وكان الانسان أكثر شئ جدلا قال الجدل الخصومة خصومة القوم لأنبيائهم وردهم عليهم ما جاؤوا به وكل شئ في القرآن من ذكر الجدل فهو من ذلك الوجه فيما يخاصمونهم من دينهم يردون عليهم ما جاؤوا به والله أعلم
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    فتح القدير - الشوكاني - ج 3 - ص 295
    ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) قال الزجاج : المراد بالإنسان الكافر ، واستدل على أن المراد الكافر بقوله تعالى ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ) وقيل المراد به في الآية النضر بن الحرث ، والظاهر العموم وأن هذا النوع أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال جدلا ، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طرقه وفاطمة ليلا ، فقال : ألا تصليان ؟ فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا ، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) " وانتصاب جدلا على التمييز
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    علل الدارقطني - الدار قطني - ج 3 - ص 98 - 99
    وسئل عن حديث الحسين بن علي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا فقال ألا تصلون قلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فانصرف فسمعته يقول * ( وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) * فقال هو حديث يرويه الزهري عن علي بن الحسين واختلف عنه فرواه الليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي قال ذلك أبو صالح كاتب الليث وقتيبة بن سعيد وحجين بن المثنى عن الليث ‹ صفحة 99 › ويقال إنه هكذا كان في كتاب الليث فقيل له إن الصواب عن الحسين بن علي فرجع إلي الصواب
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 40 - ص 334 - 335
    قال وثنا أحمد بن سلمان نا جعفر بن محمد الخراساني نا قتيبة بن سعيد نا جعفر بن سليمان نا أبو عمران الجوني عن نوف قال ( 5 ) قال عزير فيما يناجي ربه عز وجل يا رب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء قيل له يا عزير اعرض عن هذا قال فعاد فقال يا رب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء قيل له يا عزير أعرض عن هذا وكان الإنسان أكثر شئ جدلا قال فقال يا عزير لتعرض عن هذا أو لأمحونك من النبوة إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون أخبرنا أبو محمد الحسن ( 6 ) بن أبي بكر بن أبي الرضا أنا أبو عاصم الفضيل بن ‹ صفحة 335 › يحيى الفضيلي أنا أبو محمد بن أبي شريح نا محمد بن عقيل بن الأزهر نا الحسن ( 1 ) بن أبي الربيع الجرجاني أنا عبد الرزاق أنا جعفر عن أبي عمران الجوني عن نوف قال قال عزير فيما يناجي ربه يا رب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء فقيل أعرض عن هذا فعاوده فقيل له أعرض عن هذا فعاد فقيل له وكان الإنسان أكثر شئ جدلا وقال يا عزير لتعرض عن هذا أو لأمحون أسمك من الأنبياء إني لا أسأل عن شئ وهم يسألون
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 53 - ص 275
    عن علي بن الحسين أن الحسن بن علي حدثه عن علي ( 2 ) عليه السلام أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) طرقه وفاطمة عليهما السلام قال ألا تصلون قلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله عز وجل فإذا شاء يبعثها بعثنا فانصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قلت ذلك فسمعته يقول وهو مدبر " وكان الإنسان أكثر شئ جدلا "
    تفسير غريب القرآن - فخر الدين الطريحي - ص 450
    ( جدل ) الجدل : الاسم من الجدال وهو المخاصمة قال تعالى : * ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) * ( 3 ) وقال تعالى : * ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) * ( 4 ) أي حاججهم بالتي هي أحسن من الجدل وهو اللد في الخصام وهي مقابلة الحجة بالحجة ،
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفاسير الشيعة :
    التبيان - الشيخ الطوسي - ج 7 - ص 60
    وقوله " ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل " اخبار من الله تعالى انه نقل المعاني في الجهات المختلفة في هذا القرآن ، فتصريف المثل فيه تنقيله في وجوه البيان على تمكين الافهام . والمعنى بينا للناس من كل مثل يحتاجون إليه . ثم اخبر تعالى عن حال الانسان فقال " وكان الانسان أكثر شئ جدلا " أي خصومة . والجدل شدة الفتل عن المذهب بطريق الحجاج . واصله الشدة ، ومنه الأجدل الصقر لشدته ، وسير مجدول شديد الفتل .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 6 - ص 315 - 316
    وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ( 2 ) . وفي موضع آخر أنه ظلوم جهول : إنه كان ظلوما جهولا ( 3 ) ، وفي مكان آخر أنه كفور مبين : إن الإنسان لكفور مبين ( 4 ) ، وفي مكان آخر أنه موجود قليل التحمل والصبر ، يبخل عند النعمة ، ويجزع عند البلاء : إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ( 5 ) ، وفي مورد آخر مغرور : يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ( 6 ) ، وفي موضع آخر أنه موجود يطغى عند الغنى : إن الإنسان ليطغى أن رآه ا ( 7 ) ستغنى . وبناء على هذا فإنا نرى القرآن المجيد قد عرف الإنسان بأنه موجود يتضمن جوانب وصفات سلبية كثيرة ، ونقاط ضعف متعددة . فهل أن هذا هو نفس ذلك الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم وأفضل تكوين : لقد خلقنا الإنسان في أحن تقويم ( 8 ) ؟ وهل أن هذا هو نفس الإنسان الذي علمه الله مالم يعلم : علم الإنسان مالم يعلم ( 9 ) ؟ ‹ صفحة 316 › وهل هو نفس الإنسان الذي علمه الله البيان : خلق الإنسان علمه البيان ( 1 ) . وأخيرا ، فهل أن هذا هو الإنسان الذي حثه الله على السعي والكدح في المسير إلى الله : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ( 2 ) . يجب أن نرى من هم الذين تتكرس فيهم كل نقاط الضعف هذه ، بالرغم من كل هذه الكرامة والمحبة الإلهية ؟ الظاهر أن هذه المباحث تتعلق بمن لم ينشأ في حجر القادة الإلهيين ، بل نشأ ونما كما تنمو الأعشاب ، فلا معلم ولا دليل ، وقد اطلق العنان لشهواته وغاص وسط الأهواء والميول . من الطبيعي أن مثل هذا الإنسان لا يستفيد من إمكاناته وثرواته العظيمة ، ويسخرها في طريق الانحرافات والأخطاء ، وعند ذلك سيظهر كموجود خطر ، وفي النهاية عاجز وبائس . وإلا فالانسان الذي يستفيد من وجود القادة الإلهيين ، ويستغل فكره في مسير الحركة التكاملية والحق والعدل ، فإنه يخطو نحو مرتبة الآدمية ، ويستحق اسم " بني آدم " ويصل إلى درجة لا يرى فيها إلا الله سبحانه ، كما يقول القرآن : ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ( 3 ) .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 9 - ص 303 - 304
    وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ( 54 ) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ( 55 ) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجدل الذين كفروا بالبطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ( 56 ) 2 التفسير 3 في انتظار العقاب : تنطوي هذه الآيات على تلخيص واستنتاج لما ورد في الآيات السابقة ، وهي تشير - أيضا - إلى بحوث قادمة . الآية الأولى تقول : ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل . لقد ذكرنا نماذج من تأريخ الماضين الملئ ، بالإثارة ، وقد أوضحنا للناس الحوادث المرة للحياة واللحظات الحلوة في التأريخ ، وقد قلبنا بيان هذه الأمور بحيث تتقبلها القلوب المستعدة للحق ، وتكون الحجة على الآخرين تامة ، ‹ صفحة 304 › ولا يبقى ثمة مجال للشك . ولكن بالرغم من هذا فإن مجموعة عصاة لم يؤمنوا أبدا : وكان الإنسان أكثر شئ جدلا . " صرفنا " من " تصريف " وتعني التغيير والتحول من حال إلى حال . الهدف من هذا التعبير في الآية أعلاه هو أننا تحدثنا مع الناس بكل لسان يمكن التأثير به عليهم . " جدل " تعني محادثة الآخرين على أساس المنازعة وإظهار نزعة التسلط على الآخرين . ولهذا فإن ( المجادلة ) تعني قيام شخصين بإطالة الحديث في حالة من التشاجر ، وهذه الكلمة في الأصل مأخوذة - وكما يقول الراغب في المفردات - من ( جدلت الحبل ) أي ربطت الحبل بقوة ، وهي كناية عن أن الشخص المجادل يستهدف من خلال جدله أن يحرف الشخص الآخر - بالقوة - عن أفكاره . وقال آخرون : إن أصل ( الجدال ) هو بمعنى المصارعة وإسقاط الآخر على الأرض . وهي تستعمل أيضا في الدلالة على الشجار اللفظي . في كل الأحوال ، يكون المقصود بالناس في الآية هم تلك الفئة التي لا تقوم في وجودها وممارساتها على أصول التربية الإسلامية وقواعدها ، وقد أكثر القرآن في استعمال هذه التعابير ،
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير القرآن - عبد الرزاق الصنعاني - ج 2 - ص 404 - 405
    عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على علي وفاطمة وهما نائمان فقال ألا تصلون ؟ فقال علي يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثها بعثها قال فانصرف ‹ صفحة 405 › عنهم وهو يقول وكان الانسان أكثر شئ جدلا .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 15 - ص 330 - 331
    ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) * . يقول عز ذكره : ولقد مثلنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ، ووعظناهم فيه من كل عظة ، واحتججنا عليهم فيه بكل حجة ليتذكروا فينيبوا ، ويعتبروا فيتعظوا ، وينزجروا عما هم عليه مقيمون من الشرك بالله وعبادة الأوثان وكان الانسان أكثر شئ جدلا يقول : وكان الانسان أكثر شئ مراء وخصومة ، لا ينيب لحق ، ولا ينزجر لموعظة ، كما : 17451 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكان الانسان أكثر شئ جدلا قال : الجدل : الخصومة ، خصومة القوم لأنبيائهم ، وردهم عليهم ما جاءوا به . وقرأ : ان هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون . وقرأ : يريد أن يتفضل عليكم . وقرأ : حتى توفى . . . الآية : ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس . . . الآية . وقرأ : ولو فتحنا عليهم بابا من السماء ‹ صفحة 331 › فظلوا فيه يعرجون قال : هم ليس أنت لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - ص 89 - 90
    جدل : الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله ومنه الجديل ، وجدلت البناء أحكمته ودرع مجدولة . والأجدل الصقر المحكم البنية ، والمجدل القصر المحكم البناء ، ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل ‹ صفحة 90 › كل واحد الآخر عن رأيه ، وقيل الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الانسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصلبة ، قال الله تعالى : ( وجادلهم بالتي هي أحسن - الذين يجادلون في آيات الله - وإن جادلوك فقل الله أعلم - قد جادلتنا فأكثرت جدالنا - وقرئ - جدلنا - ما ضربوه لك إلا جدلا - وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) وقال تعالى : ( وهم يجادلون في الله - يجادلنا في قوم لوط - وجادلوا بالباطل - ومن الناس من يجادل في الله - ولا جدال في الحج - يا نوح قد جادلتنا ) .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (ع) - ابن الدمشقي - ج 1 - ص 241 - 242
    وعن علي رضي الله عنه قال : كنت شاكيا فمر بي رسول الله صلى الله علين وسلم وأنا أو قول اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فارفع عني ؟ وإن كان بلاءا فصبرني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ فأعدت عليه ، فضربني برجله / 35 / أ / وقال : اللهم عافه واشفه . فما اشتكيت وجعي ذاك بعدها ( 3 ) . ‹ صفحة 242 › وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه ليلا فقال : ألا تصلون ؟ فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا . [ قال : ] فانصرف حين قلت ذلك فسمعته وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول : ( وكان الانسان أكثر شئ جدلا )
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    ابن تيمية والإمام علي (ع) - السيد علي الميلاني - ص 68
    وكذب على علي وفاطمة الزهراء فزعم أنه روي : كما في الصحيح عن علي ( رضي الله عنه ) ، قال : طرقني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفاطمة ، فقال : ألا تقومان تصليان ؟ فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، قال : فولى ، وهو يقول : ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا )
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    الأمثال في القرآن الكريم - الشيخ جعفر السبحاني - ص 200
    ثم إنه ربما يعد من أمثال القرآن قوله : ( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) . ( 1 ) والحق أنه ليس تمثيلا مستقلا وإنما يؤكد على ذكر نماذج من الأمثال خصوصا فيما يرجع إلى حياة الماضين التي فيها العبر . ومعنى قوله : ( ولقد صرفنا ) أي بينا في هذا القرآن للناس من كل مثل وإنما عبر عن التبيين بالتصريف لأجل الإشارة إلى تنوعها ليتفكر فيها الإنسان من جهات مختلفة ومع ذلك ( وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) أي أكثر شئ منازعة ومشاجرة من دون أن تكون الغاية الاهتداء إلى الحقيقة .

    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    تفسير الامام احمد الحسن ع
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين

    الإنسان أوسع المخلوقات قدرة على (معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى) . ففطرة الإنسان هي الفطرة الأوسع والأعظم ، وكما ورد في الحديث إن الله خلق آدم على صورته ، أي إن الإنسان مفطور على التحلي بأسماء الله سبحانه ، حتى يصبح هو وجه الله سبحانه في خلقه ، وأسمائه الحسنى في الخلق .
    فالجدل في الآية يعني : الكلام بالحق والاحتجاج به على أهل الباطل.
    والإنسان هو : (علي ابن أبي طالب -ع- ) ، أما الإنسان إذا انتكس فانه يجادل بالباطل ، ولكن مجادلة أهل الباطل سفيهة واهنة إذا ما عرضت على العقل السليم ، الذي يزن الأمور بعيدا عن الهوى والتعصب والتزمت .



    الحمد لله مالك الملك
    sigpic

    Comment

    • GAYSH AL GHADAB
      مشرف
      • 13-12-2009
      • 1797

      #3
      رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

      الحلقة الثالثة

      س/ ما معنى قول إبراهيم (ع) (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)في قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(البقرة:124)؟ . وهل صحيح أن إبراهيم (ع) قالها لأنه كان يحمل هم ذريته ، كما يقول بعض العلماء ؟
      .

      تفاسير الشيعة :

      زبدة البيان - المحقق الأردبيلي - ص 44 - 45
      وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 1 ) . الابتلاء هو الاختبار والامتحان والكلمات هي التكاليف الشاقة على بعض الاحتمالات مثل ذبح الولد وغيره من تكاليفه المذكورة في التفاسير ، وقيل هي السنن الحنيفية العشر خمس في الرأس وخمس في البدن أما الرأس فالمضمضة ، والاستنشاق والفرق ، وقص الشارب ، والسواك ، وأما البدن فالختان ، وحلق العلة ، و تقليم الأظفار ، ونتف الإبطين والاستنجاء بالماء ( 2 ) ونسخ شريعة نبينا صلى الله عليه وآله شريعة من قبلنا لا ينافي إثبات بعض أحكامها لأن المراد نسخ المجموع من حيث هو مجموع والاتمام هنا هو فعل التكاليف تاما ، وعلى ما أمر به ، والإمام : المقتدى به في أفعاله وأقواله ، وهو أحد معنيي الإمام في مجمع البيان وفي الكشاف هو اسم لمن يؤتم به كالإزار لما يؤتزر به ، يعني يأتمون بك في دينهم ، والذرية هو النسل ومن يحصل من الشخص من الأولاد ، والنيل هو الوصول والإدراك ، والعهد هو الإمامة كما هو الظاهر وفي مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام . والظلم كأنه الفسق الذي يصير به الانسان غير عدل كما يفهم من الكشاف حيث قال فيه : وأنما ينال عهدي من كان عادلا بريئا من الظلم ، وإذ ظرف أذكر المحذوف في أمثاله ، والمخاطب هو نبينا صلى الله عليه وآله . وإبراهيم مفعول ابتلى " وربه " فاعله ، والضمير المضاف إليه راجع إلى إبراهيم و " بكلمات " متعلقة بابتلى وفاء فأتمهن للتعقيب وهو فعل ومفعول وفاعله ضمير إبراهيم ، وفاعل قال ضمير الرب والياء اسم إن ، وجاعل خبره : مضاف إلى الكاف الذي هو مفعوله الأول والثاني إماما ، وللناس إما متعلق به أو بمقدر حال عن إماما ، وضمير قال لإبراهيم والواو للاستيناف ومن ابتدائية أو زائدة ، لوجود زيادتها في المثبت ، أو للتبعيض مفعول ‹ صفحة 45 › فعل مقدر ، والتقدير واجعل أو تجعل ذريتي أو بعض ذريتي إماما أيضا على طريق السؤال ، ويحتمل [ كون ] العطف على محذوف والتقدير واجعلني إماما واجعل بعض ذريتي أيضا كذلك . وأما عطفه على الكاف في " جاعلك " كما قاله صاحب الكشاف والقاضي البيضاوي فمما لا أعرف له وجه صحة لأنه حينئذ يصير بعض الذرية مفعولا أو لا للجعل الذي أخبر الله تعالى بفعله ، فيكون من تتمة قوله ، فيلزم أن يكون ذلك البعض أيضا إماما مخبرا بجعله كذلك مع أنه من كلام إبراهيم وسؤاله الإمامة فكأن مقصودهما أنه يسأل الله تعالى أن يجعل البعض أيضا مفعولا الجعل مثله ، كما قلناه ، والعبارة وقعت قاصرة عنه ، ومفيدة لغيره كما ترى . وقد قال صاحب الكشاف مثله في قوله تعالى بعد هذه الآية " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار " فإنه قال " ومن كفر " عطف على " من آمن " كما عطف ومن ذريتي على الكاف في " جاعلك " فزادنا الحيرة و " لا ينال " فعل فاعله عهدي والظالمين مفعوله ، ولا شك أنه أولى من العكس كما قرئ على ما نقل ( 1 ) إذ إسناد النيل إلى العهد أولى فإنه النائل ، لا أنهم يصلون إليه وينالونه ، وأن صح ذلك أيضا لأنه من الجانبين .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      زبدة البيان - المحقق الأردبيلي - ص 47
      [ فقد نفى الله العهد الذي هو الإمامة عمن صدق عليه أنه ظالم في الجملة ] ( 1 ) . فحاصله أن الذي اتصف أو يتصف بالظلم بالفعل أي وقتا ما أو بالإمكان على الخلاف بين المنطقيين لا تناله الإمامة ، وتخصيصه بوقت دون آخر يخرجه عن ظاهره ولا يجوز ذلك إلا بدليل يجوز تخصيص مثله بمثله وليس ، وكذا الكلام في الإمام والخليفة فلزم من كلامه عدم جواز كون من اتصف بفسق ما وقتا ما نبيا وإماما فلا بد من كونهم معصومين من أول عمرهم إلى آخره من الكبائر على زعمه أيضا وهو خلاف مذهب الأشاعرة بل خلاف معتقده ، فإنه يعتقد وقوع الكبائر منهم مثل ما وقع من آدم على نبينا وآله وعليه السلام فإنه سمي بالعصيان والظلم أيضا في قوله تعالى : " وعصى آدم ربه - فتكونا من الظالمين ( 2 ) " بل بوقوع الكفر ممن يعتقد إمامته إلا أن يؤول ذلك بالصغاير وتختص الآية بالنبوة ، وهو بعيد ، إذ الظاهر أن العهد هو الإمامة وهي أعم كما ذهب إليه صاحب الكشاف كما مر وفهم من كلام القاضي أيضا حيث قال : وإن الفاسق لا يصلح للإمامة بعد إثبات العصمة للأنبياء قبل البعثة ، وأيضا للعلة الظاهرة من الآية وهي الظلم .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      منهاج الصالحين - الشيخ وحيد الخراساني - ج 1 - ص 141 - 142
      قوله تعالى : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظلمين } ( 2 ) . دلت الآية على أن الإمامة لأجيال الناس مقام رباني عظيم ، لم يبلغه نبي الله إبراهيم ( عليه السلام ) إلا بعد نجاحه في ابتلائه بكلمات ، منها امتحانه بإلقائه في نار نمرود ، ومنها إسكان زوجته وولده في واد غير ذي زرع ، ومنها اختباره باستعداده لذبح ولده إسماعيل . فبعد أن وصل إبراهيم ( عليه السلام ) إلى مراتب النبوة ، والرسالة ، والخلة ، وبعد أن ابتلي ‹ صفحة 142 › بكلمات فأتمهن ، قال الله تعالى : { إني جاعلك للناس إماما } ، وبسبب عظمة هذا المقام طلبه إبراهيم لذريته فأجابه الله تعالى : { لا ينال عهدي الظلمين } . وعبر الله تعالى عن الإمامة ب‍ ( عهد الله ) الذي لا يناله إلا المعصوم ، إذ لا شك أن إبراهيم لم يسأل الإمامة لجميع ذريته ، فإنه لا يمكن أن يسأل خليل الله من العدل الحكيم الآمر بالعدل والإحسان الإمامة للمتلبس بالظلم والعصيان ، فكان دعاؤه للعدول من ذريته ، ولما كان طلبه عاما لمن هو عادل بالفعل وإن تلبس بالظلم في الماضي كان المقصود من الجواب عدم الاستجابة بالنسبة إلى هذا القسم من الذرية العدول ، فدلت الآية الشريفة أن الإمامة المطلقة مشروطة - بحكم العقل والشرع - بالطهارة والعصمة المطلقة ، فهيهات أن ينالها من عبد اللات والعزى ، وأشرك بالله العظيم ، وقد قال سبحانه : { إن الشرك لظلم عظيم } ( 1 ) .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 - ص 57 - 58
      رواه بأسانيد عن صفوان الجمال قال : كنا بمكة فجرى الحديث في قول الله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال : اتمهن بمحمد وعلى والأئمة من ولد على صلى الله عليهم ، في قول الله " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " ‹ صفحة 58 › ثم قال : انى جاعلك للناس اماما قال : " ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : يا رب ويكون من ذريتي ظالم ؟ قال : نعم فلان وفلان وفلان ومن اتبعهم ، قال : يا رب فعجل لمحمد وعلى ما وعدتني فيهما ، وعجل نصرك لهما واليه أشار بقوله " ومن يرغب عن ملة إبراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين " فالملة الإمامة فلما أسكن ذريته بمكة قال : " ربنا انى أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم " إلى قوله " من الثمرات من آمن " فاستثنى من آمن خوفا ان يقول له لا كما قال له في الدعوة الأولى " ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " فلما قال الله : " ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " قال : يا رب ومن الذين متعتهم ؟ قال : الذين كفروا بآياتي فلان وفلان وفلان ( 1 ) 89 - عن حريز عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله " لا ينال عهدي الظالمين " أي لا يكون اماما ظالما ( 2 )
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 1 - ص 59
      وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس اماما ) قال هو ما ابتلاه الله ( 1 ) مما أراه في نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم عليه السلام وعزم عليها وسلم فلما عزم وعمل بما امره الله قال الله تعالى " إني جاعلك للناس اماما " قال إبراهيم ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم انزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فاخذ الشارب ، واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الأظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهذه خمسة في البدن وهو الحنفية الطهارة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ إلى يوم القيامة
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      التبيان - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 445 - 446
      المعنى : والابتلاء هو الاختبار - وهو مجاز هاهنا لان حقيقته الامر من الله تعالى بخصال الايمان فسمي ذلك اختبارا ، لان ما يستعمل بالامر منا في مثل ذلك على جهة الاختبار والامتحان ، فجرى تشبيها بما يستعمله أهل اللغة عليه . وقال بن الاخشاذ : إنما ذلك على أنه جل ثناؤه يعامل العبد معاملة المختبر الذي لا يعلم لأنه لو جازاهم بعمله فيهم ، كان ظالما لهم . والكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بها فيها خلاف فيروى في بعض الروايات عن ابن عباس ، و ؟ قال قتادة ، وأبو الخلد : انه أمره ( 2 ) إياه بعشرة سنن ( 3 ) خمس في الرأس ، وخمس في الجسد . فاما التي في الرأس فالمضمضة والاستنشاق والفرق وقص الشارب ، والسواك . واما التي في الجسد : فالختان وحلق ‹ صفحة 446 › العانة ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبطين والاستنجاء . وفي احدى الروايتين عن ابن عباس أنه ابتلاه من شرائع الاسلام بثلاثين شيئا عشرة منها في براءة " التائبون العابدون الحامدون . إلى اخرها " وعشرة في الأحزاب : " ان المسلمين والمسلمات إلى اخرها " وعشرة في سورة المؤمنين : إلى قوله " والذين هم على صلاتهم يحافظون " وعشرة في سأل سائل إلى قوله : " والذين هم على صلاتهم يحافظون " فجعلها أربعين سهما وفي رواية ثالثة عن ابن عباس انه امره بمناسك الحج : الوقوف بعرفة والطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار ( 1 ) والإفاضة . قال الحسن : ابتلاه الله بالكوكب وبالقمر وبالشمس ، وبالختان وبذبح ابنه ، وبالنار ، وبالهجرة وكلهن وفى لله فيهن . وقال مجاهد : ابتلاه الله بالآيات التي بعدها وهي " اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " وقال الجبائي : أراد بذلك كلما كلفه ( 2 ) من طاعاته العقيلة والشرعية . وقوله : ( فأتمهن ) معناه وفى بهن على قول الحسن وقال قتادة والربيع : عمل بهن ، فأتمهن . وقال البلخي : الضمير في أتمهن راجع إلى الله . وهو اختيار الحسين بن علي المغربي . قال البلخي : الكلمات هي الإمامة على ما قال مجاهد . قال : لان الكلام متصل ، ولم يفصل بين قوله : " اني جاعلك للناس اماما " وبين ما تقدمه بواو ، فأتمهن الله بان أوجب بها الإمامة له بطاعته ، واضطلاعه ، ومنع ان ينال العهد الظالمين من ذريته ، واخبره بان منهم ظالما فرضي به وأطاعه وكل ذلك ابتلاء واختبار .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      التبيان - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 447
      لمعنى : وقوله : " من ذريتي " معناه واجعل من ذريتي من يؤتم به ، ويقتدى به - على قول الربيع وأكثر المفسرين . وقال بعضهم معناه انه سأل لعقبه ان يكونوا على عهده ، وورثته . كما قال : " واجنبني وبني ان نعبد الأصنام " ( 3 ) فأخبره الله ان في عقبه الظالم المخالف له ، وذريته بقوله : " لا ينال عهدي الظالمين " والأول أظهر . وقال الجبائي قوله : " ومن ذريتي " سؤال منه لله أن يعرفه هل في ذريته من يبعثه نبيا ، كما بعثه هو ، وجعله إماما . وهذا الذي قاله ليس في الكلام ما يدل عليه ، بل الظاهر خلافه . ولو احتمل ذلك لم يمتنع ان يضيف إلى مسألة منه لله ان يفعل ذلك بذريته مع سؤاله تعريفه ذلك .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      التبيان - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 448 - 449
      المعنى : والمراد بالعهد هاهنا فيه خلاف . قال السدي واختاره الجبائي : إنه أراد النبوة . وقال مجاهد : هو الإمامة وهو المروي عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله ( ع ) قالوا : لا يكون الظالم إماما . وقال أبو حذيفة : لا اتخذ إماما ضالا في الدنيا . وقيل : معناه الامر بالوفاء له فيما عقده من ظلمه . وقال ابن عباس : فإذا عقد عليك في ظلم ، فانقضه . وقال الحسن : ليس لهم عند الله عهد يعطيهم عليه خيرا في الآخرة ، فأما في الدنيا ، فقد يعاهدون فيوفى لهم . وكأنه على هذا التأويل طاعة يحتسب بها في الآخرة . ‹ صفحة 449 › وقوله : " لا ينال عهدي الظالمين " يدل على أنه يجوز ان يعطي ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالما ، لأنه لو لم يرد ان يجعل أحدا منهم إماما للناس ، كان يجب أن يقول في الجواب لا ولا ينال عهدي ذريتك . وكان يجوز ان يقول في العربية : لا ينال عهدي الظالمون ، لان ما نالك فقد نلته . وروي ذلك في قراءة ابن مسعود إلا أنه في المصحف ( بالياء ) . تقول نالني خيرك ، ونلت خيرك . واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن الامام لا يكون إلا معصوما من القبائح ، لان الله تعالى نفى ان ينال عهده - الذي هو الإمامة - ظالم ، ومن ليس بمعصوم فهو ظالم : إما لنفسه ، أو لغيره . فان قيل : إنما نفى ان يناله ظالم - في حال كونه كذلك - : فاما إذا تاب وأناب ، فلا يسمى ظالما ، فلا يمتنع أن ينال . قلنا : إذا تاب لا يخرج من أن تكون الآية تناولته - في حال كونه ظالما - فإذا نفي ان يناله ، فقد حكم عليه بأنه لا ينالها ، ولم يفد انه لا ينالها في هذه الحال دون غيرها ، فيجب ان تحمل الآية على عموم الأوقات في ذلك ، ولا ينالها وإن تاب فيما بعد . واستدلوا بها أيضا على أن منزلة الإمامة منفصلة من النبوة ، لان الله خاطب إبراهيم ( ع ) وهو نبي ، فقال له : انه سيجعله إماما جزاء له على اتمامه ما ابتلاه الله به من الكلمات ، ولو كان إماما في الحال ، لما كان للكلام معنى ، فدل ذلك على أن منزلة الإمامة منفصلة من النبوة . وإنما أراد الله أن يجعلها لإبراهيم ( ع ) وقد أملينا رسالة مقررة في الفرق بين النبي ، والامام ، وان النبي قد لا يكون إماما على بعض الوجوه ، فاما الامام فلا شك أنه يكون غير نبي . وأوضحنا القول في ذلك ، من أراده وقف عليه من هناك وإبراهيم ، وابراهم لغتان ، واصله ابراهام فحذفت الألف استخفافا . قال الشاعر : عذت بما عاذبه إبراهم ( 1 )
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج 1 - ص 146 - 147
      ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) * ( 124 ) العامل في " إذ " مضمر نحو " أذكر " ، * ( وإذ ابتلى إبراهيم ) * أي : اختبر إبراهيم * ( ربه بكلمات ) * بأوامر ونواه ، واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين : ما يريده الله وما يشتهيه العبد ، كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك * ( فأتمهن ) * أي : فقام بهن حق القيام وأداهن حق التأدية من غير تفريط وتقصير ، أو يكون تقديره : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات كان كيت وكيت ، ويجوز أن يكون العامل في " إذ " قوله : * ( قال إني جاعلك ) * ، ويكون على القول الأول قد استؤنف الكلام ، كأنه قيل : فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات ؟ فقيل : * ( قال إني جاعلك للناس إماما ) * ، وعلى الثاني هي جملة معطوفة على ما قبلها ، أو يكون بيانا وتفسيرا لقوله : * ( ابتلى ) * . سورة البقرة / 125 ويراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة . وقيل في " الكلمات " : هي خمس في الرأس : الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق ، وخمس في البدن : الختان والاستحداد ( 1 ) والاستنجاء وتقليم الأظفار ونتف الإبط ( 2 ) . وقيل : هي ثلاثون خصلة من شرائع الإسلام : عشر في " البراءة " : * ( التائبون العابدون ) * ( 3 ) وعشر في " الأحزاب " : * ( إن المسلمين والمسلمات ) * ( 4 ) وعشر في " المؤمنون " ( 5 ) و " سأل سائل " إلى قوله : " والذين هم على صلاتهم ‹ صفحة 147 › يحافظون " ( 1 ) ( 2 ) . وقيل : هي مناسك الحج ( 3 ) ، وقيل : هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهي أسماء محمد وأهل بيته عليه وعليهم السلام ، عن الصادق ( عليه السلام ) ( 4 ) . والإمام اسم من يؤتم به ، جعله سبحانه إماما يأتمون به في دينهم ويقوم بتدبيرهم وسياسة أمورهم ، وقوله : * ( ومن ذريتي ) * عطف على الكاف ، كأنه قال : وجاعل بعض ذريتي ؟ كما يقال لك : سأكرمك ، فتقول : وزيدا ؟ * ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) * أي : من كان ظالما من ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنما ينال من لا يفعل ظلما ، وهذا يدل على وجوب العصمة للإمام ، لأن من ليس بمعصوم فقد يكون ظالما إما لنفسه وإما لغيره .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 1 - ص 373 - 374
      المعنى : ( و ) اذكروا ( إذ ابتلى إبراهيم ربه ) أي : اختبر وهو مجاز ، وحقيقته أنه أمر إبراهيم ربه ، وكلفه ، وسمي ذلك اختبارا ، لأن ما يستعمل الأمر منا في مثل ذلك ، يجري على جهة الاختبار والامتحان ، فأجرى على أمره اسم أمور العباد على طريق الاتساع . وأيضا فإن الله تعالى لما عامل عباده معاملة المبتلي المختبر ، إذ لا يجازيهم على ما يعلمه منهم أنهم سيفعلونه قبل أن يقع ذلك الفعل منهم ، كما لا يجازي المختبر للغير ما لم يقع الفعل منه سمى أمره ابتلاء . وحقيقة الابتلاء : تشديد التكليف . وقوله ( بكلمات ) فيه خلاف : فروي عن الصادق أنه ما ابتلاه الله به في نومه من ذبح ولده إسماعيل أبي العرب ، فأتمها إبراهيم ، وعزم عليها ، وسلم لأمر الله . فلما عزم قال الله ثوابا له لما صدق ، وعمل بما أمره الله ( إني جاعلك للناس ‹ صفحة 374 › إماما ) . ثم أنزل عليه الحنيفية ، وهي الطهارة ، وهي عشرة أشياء خمسة منها في الرأس ، وخمسة منها في البدن . فأما التي في الرأس : فأخذ الشارب ، وإعفاء اللحى ، وطم الشعر ، والسواك والخلال . وأما التي في البدن فحلق الشعر من البدن ، والختان ، وتقليم الأظفار ، والغسل من الجنابة ، والطهور بالماء ، فهذه الحنيفية الظاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ ، ولا تنسخ إلى يوم القيامة
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 64 - 65
      ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) قال : " هي التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهي قوله : يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين " ( 5 ) . ( فأتمهن ) قال : " يعني إلى القائم اثنى عشر إماما " ( 6 ) . والقمي : هي ما ابتلاه به مما أراه في نومه من ذبح ولده فأتمها إبراهيم بالعزم والتسليم ( 7 ) . ( قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) . قال : " لا يكون السفيه إمام التقي " ( 8 ) . قال : " فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة " ( 9 ) . ‹ صفحة 65 ›
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 186
      ( 124 ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ، القمي : هو ما ابتلاه به مما رآه في نومه من ذبح ولده فأتمها إبراهيم ( عليه السلام ) وعزم عليها وسلم فلما عزم قال تبارك وتعالى ثوابا لما صدق وسلم وعمل بما أمره الله اني جاعلك للناس إماما فقال إبراهيم ومن ذريتي قال جل جلاله لا ينال عهدي الظالمين أي لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم أنزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فأخذ الشارب واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الأظافر والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهذه الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم ( عليه السلام ) فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة . وفي الخصال عن الصادق ( عليه السلام ) : قال : هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم الا تبت علي فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فقيل له يا بن رسول الله فما يعني بقوله عز وجل : فأتمهن قال يعني اتمهن إلى القائم اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين ( عليهم السلام ) .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 187
      وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) قال إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قال إني جاعلك للناس إماما قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين قال لا يكون السفيه إمام التقي وعنه ( عليه السلام ) من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 1 - ص 121 - 122
      سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، وان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، وان الله اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا ، وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما ، فلما جمع له الأشياء ( قال إني جاعلك للناس إماما ) قال : فمن عظمها في عين إبراهيم ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : لا يكون السفيه امام التقى . 343 - علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسين عن إسحاق بن عبد العزيز أبى السفاتج عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : إن الله اتخذ إبراهيم عليه السلام عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، واتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا ، واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، واتخذه خليلا قبل ان يتخذه إماما ، فلما جمع له هذه الأشياء وقبض يده قال له : يا إبراهيم انى جاعلك للناس إماما ، فمن عظمها في عين إبراهيم قال : يا رب ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين . 344 - في كتاب الاحتجاج للطبرسي ( ره ) عن أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيه : قد خطر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لإبراهيم : ( لا ينال عهدي الظالمين ) أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله ( ان الشرك لظلم عظيم ) ‹ صفحة 122 › فلما علم إبراهيم ان عهد الله تبارك اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام ، قال : واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام )
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج 1 - ص 329
      [ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) ] والثالث : أنه لما ذكر التوراة وفيها الدلالة على شأن عيسى ( عليه السلام ) ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) في النبوة والبشارة بهما ، ذكرهم نعمته عليهم بذلك وما فضلهم به كما عدد النعم في سورة الرحمن ، وكرر بقوله : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " ، فكل تقريع جاء بعد تقريع فإنما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى . وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات : كلفه بأوامر ونواه . والابتداء في الأصل التكليف بالامر الشاق ، من البلاء ، لكنه لما استلزم الاختبار بالنسبة إلى من يجهل العواقب ، ظن ترادفهما ، والضمير لإبراهيم ، وحسن لتقدمه لفظا ، وإن تأخر رتبة ، لان الشرط أحد التقدمين .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 266 - 268
      وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك ‹ صفحة 267 › للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين - 124 . ( بيان ) شروع بجمل من قصص إبراهيم عليه السلام وهو كالمقدمة والتوطئة لآيات تغيير القبلة وآيات أحكام الحج ، وما معها من بيان حقيقة الدين الحنيف الاسلامي بمراتبها : من أصول المعارف ، والأخلاق ، والاحكام الفرعية الفقهية جملا ، والآيات مشتملة على قصة اختصاصه تعالى إياه بالإمامة وبنائه الكعبة ودعوته بالبعثة . فقوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه إلخ ، إشارة إلى قصة اعطائه الإمامة وحبائه بها ، والقصة إنما وقعت في أواخر عهد إبراهيم عليه السلام بعد كبره وتولد إسماعيل ، وإسحق له وإسكانه إسماعيل وأمه بمكة ، كما تنبه به بعضهم أيضا ، والدليل على ذلك قوله عليه السلام على ما حكاه الله سبحانه بعد قوله تعالى له : إني جاعلك للناس إماما ، قال ومن ذريتي ، فإنه عليه السلام قبل مجئ الملائكة ببشارة إسماعيل وإسحق ، ما كان يعلم ولا يظن أن سيكون له ذرية من بعده حتى أنه بعد ما بشرته الملائكة بالأولاد خاطبهم بما ظاهره اليأس والقنوط كما قال تعالى : ( ونبئهم عن ضيف إبراهيم ، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال : إنا منكم وجلون ، قالوا : لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم ، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ؟ قالوا ، بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين ) ، الحجر - 55 ، وكذلك زوجته على ما حكاه الله تعالى في قصة بشارته أيضا إذ قال تعالى : ( وامرأته قائمة فضحكت ، فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحاق يعقوب ، قالت ، يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب ، قالوا أتعجبين من أمر الله ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) هود - 73 ، وكلامهما كما ترى يلوح منه آثار اليأس والقنوط ولذلك قابلته الملائكة بنوع كلام فيه تسليتهما وتطييب أنفسهما فما كان هو ولا أهله يعلم أن سيرزق ذرية ، وقوله عليه السلام : ومن ذريتي ، بعد ‹ صفحة 268 › قوله تعالى : إني جاعلك للناس إماما ، قول من يعتقد لنفسه ذرية ، وكيف يسع من له أدنى دربة بأدب الكلام وخاصة مثل إبراهيم الخليل في خطاب يخاطب به ربه الجليل أن يتفوه بما لا علم له به ؟ ولو كان ذلك لكان من الواجب أن يقول : ومن ذريتي إن رزقتني ذرية أو ما يؤدى هذا المعنى فالقصة واقعة كما ذكرنا في أواخر عهد إبراهيم بعد البشارة . على أن قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال : إني جاعلك للناس إماما ، يدل على أن هذه الإمامة الموهوبة إنما كانت بعد ابتلائه بما ابتلاه الله به من الامتحانات وليست هذه الا أنواع البلاء التي ابتلى عليه السلام بها في حياته ، وقد نص القرآن على أن من أوضحها بلاء قضية ذبح إسماعيل قال تعالى : ( قال يا بني اني أرى في المنام أني أذبحك ، إلى أن قال : ان هذا لهو البلاء المبين ) الصافات - 106 . والقضية انما وقعت في كبر إبراهيم ، كما حكى الله تعالى عنه من قوله : ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل ، واسحق ، ان ربي لسميع الدعاء ) إبراهيم - 41 . ولنرجع إلى ألفاظ الآية فقوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه ، الابتلاء والبلاء بمعنى واحد تقول : ابتليته وبلوته بكذا أي امتحنته واختبرته ، إذا قدمت إليه أمرا أو أوقعته في حدث فاختبرته بذلك واستظهرت ما عنده من الصفات النفسانية الكامنة عنده كالاطاعة والشجاعة والسخاء والعفة والعلم والوفاء أو مقابلاتها ، ولذلك لا يكون الابتلاء إلا بعمل فإن الفعل هو الذي يظهر به الصفات الكامنة من الانسان دون القول الذي يحتمل الصدق والكذب قال تعالى : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ) ن - 17 ، وقال تعالى : ( ان الله
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 1 - ص 366 - 367
      وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) 2 التفسير 3 الإمامة قمة مفاخر إبراهيم ( عليه السلام ) هذه الآية وما بعدها تتحدث عن بطل التوحيد نبي الله الكبير إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، وعن بناء الكعبة وأهمية هذه القاعدة التوحيدية العبادية . والهدف من هذه الآيات - وعددها ثماني عشرة آية - ثلاثة أمور : أولا : أن تكون مقدمة لمسألة تغيير القبلة التي ستطرح بعد ذلك ، كي يعلم المسلمون أن هذه الكعبة من ذكريات إبراهيم محطم الأصنام ، ولكي يفهموا أن التلويث الذي طرأ على الكعبة إذ حولها المشركون إلى بيت للأصنام ، إنما هو تلويث سطحي لا يحط من قيمة الكعبة ومكانتها . ثانيا : لفضح ادعاءات اليهود والنصارى بشأن انتسابهم لإبراهيم ، وأنهم ورثة ‹ صفحة 367 › دينه وطريقته ، ولتوضيح مدى ابتعاد هؤلاء عن ملة إبراهيم . ثالثا : لتفهيم مشركي العرب أيضا ببعدهم عن منهج النبي الكبير محطم الأصنام ، والرد على ما كانوا يتصورونه من ارتباط بينهم وبين إبراهيم . الآية الكريمة تقول أولا : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن . هذه الفقرة من الآية تشير إلى الاختبارات المتتالية التي اجتازها إبراهيم ( عليه السلام ) بنجاح ، وتبين من خلالها مكانة إبراهيم وعظمته وشخصيته . وبعد أن اجتاز هذه الاختبارات بنجاح استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير قال إني جاعلك للناس إماما . وهنا تمنى إبراهيم ( عليه السلام ) أن يستمر خط الإمامة من بعده ، وأن لا يبقى محصورا بشخصه قال ومن ذريتي . لكن الله أجابه : قال لا ينال عهدي الظالمين . وقد استجيب طلب إبراهيم ( عليه السلام ) في استمرار خط الإمامة في ذريته ، لكن هذا المقام لا يناله إلا الطاهرون المعصومون من ذريته لا غيرهم .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 1 - ص 729 - 730
      ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) * يعني جل ثناؤه بقوله : وإذ ابتلى وإذا اختبر ، يقال منه : ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء . ومنه قول الله عز وجل وابتلوا اليتامى يعني به : اختبروهم . وكان اختبار الله تعالى ‹ صفحة 730 › ذكره إبراهيم اختبارا بفرائض فرضها عليه ، وأمر أمره به ، وذلك هو الكلمات التي أوحاهن إليه وكلفه العمل بهن امتحانا منه له واختبارا . ثم اختلف أهل التأويل في صفة الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم نبيه وخليله صلوات الله عليه ، فقال بعضهم : هي شرائع الاسلام ، وهي ثلاثون سهما . ذكر من قال ذلك : 1577 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال : قال ابن عباس : لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم ، ابتلاه الله بكلمات فأتمهن قال : فكتب الله له البراءة ، فقال : وإبراهيم الذي وفى قال : عشر منها في الأحزاب ، وعشر منها في براءة ، وعشر منها في المؤمنين وسأل سائل وقال : إن هذا الاسلام ثلاثون سهما . 1578 - حدثنا إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد الطحان ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم ابتلي بالاسلام فأتمه ، فكتب الله له البراءة ، فقال : وإبراهيم الذي وفى فذكر عشرا في براءة ، فقال : التائبون العابدون الحامدون إلى آخر الآيات ، وعشرا في الأحزاب : إن المسلمين والمسلمات ، وعشرا في سورة المؤمنين ، إلى قوله : والذين هم على صلواتهم يحافظون ، وعشرا في سأل سائل : والذين هم على صلاتهم يحافظون . 1579 - حدثنا عبيد الله بن أحمد بن شبرمة ، قال : ثنا علي بن الحسن ، قال : ثنا خارجة بن مصعب ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الاسلام ثلاثون سهما ، وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم ، قال الله وإبراهيم الذي وفى فكتب الله له براءة من النار . وقال آخرون : هي خصال عشر من سنن الاسلام . ذكر من قال ذلك :
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 1 - ص 732 - 733
      حدثنا سفيان ، قال : حدثني أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال : ابتلي بالآيات التي بعدها : إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين . 1587 - حدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن فالكلمات : إني جاعلك للناس إماما وقوله : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وقوله : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقوله : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل الآية ، وقوله : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآية قال : فذلك كلمة من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم . ‹ صفحة 733 › 1588 - حدثني محمد بن سعيد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن فمنهن : إني جاعلك للناس إماما ومنهن : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ومنهن الآيات في شأن النسك ، والمقام الذي جعل لإبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنوا البيت ومحمد ( ص ) في ذريتهما عليهما السلام . وقال آخرون : بل ذلك مناسك الحج خاصة . ذكر من قال ذلك : 1589 - حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سلم بن قتيبة ، قال : ثنا عمرو بن نبهان ، عن قتادة ، عن ابن عباس في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال : مناسك الحج . * - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان ابن عباس يقول في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال : المناسك . * - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : قال ابن عباس : ابتلاه بالمناسك . * - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : ثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قال : بلغنا عن ابن عباس أنه قال : إن الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم : المناسك . * - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : ثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال : مناسك الحج . * - حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال : منهن مناسك الحج .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

      تفاسير اهل السنة والجماعة:
      تفسير السلمي - السلمي - ج 1 - ص 64
      قوله تعالى : * ( إني جاعلك للناس إماما ) * . أي : جاعلك سفيرا بيني وبين خلقي لتهديهم لاستصلاح الحضرة وهذا هو الإمامة . وقال أبو عثمان : الإمام هو الذي يعاشر على الظاهر ، ولا يؤثر ذلك فيما بينه وبين ربه بسبب كالنبي صلى الله عليه وسلم كان قائما مع الخلق على حد الإبلاغ قائما مع الله على المشاهدة . قوله تعالى : * ( ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) * . قطع بهذا أن يكون أحد يصل إليه بسبب أو نسب ، إلا برضا الأزل وسبق العناية .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج 1 - ص 269
      ( قال إبراهيم ) * * ( ومن ذريتي ) * ) ومن أولادي أيضا . فاجعل أئمة يقتدى بهم وأصل الذرية الأولاد الصغار مشتق من الذر لكثرته ، وقيل : من الذرر وهو الخلق فخفف الهمز وأدخل التشديد عوضا عن الهمز كالبرية . قيل : من الذرو وفيها ثلاث لغات : ذرية بكسر الذال ، وهي قراءة زيد بن ثابت ، وذرية بفتحها وهي قراءة أبي جعفر ، وذرية بضمها وهي قراءة العامة . * ( قال الله ) * * ( لا ينال ) * ) أي لا يصيب . " * ( عهدي الظالمين ) * ) وفيه ثلاث قراءات : عهدي الظالمون ، وهي قراءة ابن مسعود وطلحة ابن مصرف ، وعهدي الظالمين مرتجلة الياء ، وهي قراءة أبي رجاء والأعمش وحمزة ، وعهدي الظالمين بفتح الياء وهي قراءة العامة ، واختلفوا في هذا العهد فقال عطاء بن أبي رباح : رحمتي .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      زاد المسير - ابن الجوزي - ج 1 - ص 125 - 126
      قوله [ تعالى ] : ( ومن ذريتي ) في الذرية قولان : أحدهما : أنها فعلية من الذر ، لأن الله أخرج الخلق من صلب آدم كالذر . والثاني : أن أصلها ذرورة ، على وزن : فعلولة ، ولكن لما كثر أبدل من الراء الأخيرة ياء ، فصارت : ذروية ، ثم أدغمت الواو في الياء ، فصارت : ذرية ، ذكرهما الزجاج ، وصوب الأول . وفي العهد هاهنا سبعة أقوال : أحدها : أنه الإمامة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير . والثاني : أنه الطاعة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : الرحمة ، قاله عطاء وعكرمة . والرابع : الدين ، قاله أبو العالية . والخامس : النبوة ، قاله السدي عن أشياخه . والسادس : الأمان ، قاله أبو عبيدة . والسابع : الميثاق ، قاله ابن قتيبة . والأول أصح . وفي المراد بالظالمين هاهنا قولان : ‹ صفحة 126 › أحدهما : أنهم الكفار ، قاله ابن جبير ، والسدي . والثاني : العصاة ، قاله عطاء .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الرازي - الرازي - ج 4 - ص 36 - 38
      وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدي الظالمين ) * اعلم أنه سبحانه وتعالى لما استقصى في شرح وجوه نعمه على بني إسرائيل ثم في شرح قبائحهم في أديانهم وأعمالهم وختم هذا الفصل بما بدأ به وهو قوله : * ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي ) * إلى قوله : * ( ولا هم ينصرون ) * شرع سبحانه ههنا في نوع آخر من البيان وهو أن ذكر قصة إبراهيم عليه السلام وكيفية أحواله ، والحكمة فيه أن إبراهيم عليه السلام شخص يعترف بفضله جميع الطوائف والملل ، فالمشركين كانوا معترفين بفضله متشرفين بأنهم من أولاده ومن ساكني حرمه وخادمي بيته . وأهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا أيضا مقرين بفضله متشرفين بأنهم من أولاده ، فحكى الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه السلام أمورا توجب على المشركين وعلى اليهود والنصارى قبول قول محمد صلى الله عليه وسلم والاعتراف بدينه والانقياد لشرعه ، وبيانه من وجوه : أحدها : أنه تعالى لما أمره ببعض التكاليف فلما وفى بها ‹ صفحة 37 › وخرج عن عهدتها لا جرم نال النبوة والإمامة وهذا مما ينبه اليهود والنصارى والمشركين على أن الخير لا يحصل في الدنيا والآخرة إلا بترك التمرد والعناد والانقياد لحكم الله تعالى وتكاليفه . وثانيها : أنه تعالى حكى عنه أنه طلب الإمامة لأولاده فقال الله تعالى : * ( لا ينال عهدي الظالمين ) * فدل ذلك على أن منصب الإمامة والرياسة في الدين لا يصل إلى الظالمين ، فهؤلاء متى أرادوا وجدان هذا المنصب وجب عليهم ترك اللجاج والتعصب للباطل . وثالثها : أن الحج من خصائص دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فحكى الله تعالى ذلك عن إبراهيم ليكون ذلك كالحجة على اليهود والنصارى في وجوب الانقياد لذلك . ورابعها : أن القبلة لما حولت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود والنصارى ، فبين الله تعالى أن هذا البيت قبلة إبراهيم الذي يعترفون بتعظيمه ووجوب الاقتداء به فكان ذلك مما يوجب زوال ذلك الغضب عن قلوبهم . وخامسها : أن من المفسرين من فسر الكلمات التي ابتلى الله تعالى إبراهيم بها بأمور يرجع حاصلها إلى تنظيف البدن وذلك مما يوجب على المشركين اختيار هذه الطريقة لأنهم كانوا معترفين بفضل إبراهيم عليه السلام ويوجب عليهم ترك ما كانوا عليه من التلطخ بالدماء وترك النظافة ومن المفسرين من فسر تلك الكلمات بما أن إبراهيم عليه السلام صبر على ما ابتلى به في دين الله تعالى وهو النظر في الكواكب والقمر والشمس ومناظرة عبدة الأوثان ، ثم الانقياد لأحكام الله تعالى في ذبح الولد والإلقاء في النار ، وهذا يوجب على هؤلاء اليهود والنصارى والمشركين الذين يعترفون بفضله أن يتشبهوا به في ذلك ويسلكوا طريقته في ترك الحسد والحمية وكراهة الانقياد لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهذه الوجوه التي لأجلها ذكر الله تعالى قصة إبراهيم عليه السلام . واعلم أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام أمورا يرجع بعضها إلى الأمور الشاقة التي كلفه بها ، وبعضها يرجع إلى التشريفات العظيمة التي خصه الله بها ، ونحن نأتي على تفسيرها إن شاء الله تعالى ، وهذه الآية دالة على تكليف حصل بعده تشريف . أما التكليف فقوله تعالى : * ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) * وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال صاحب الكشاف : العامل في * ( إذا ) * إما مضمر نحو : واذكر إذ ابتلى إبراهيم أو إذ ابتلاه كان كيت وكيت وإما * ( قال إني جاعلك ) * . المسألة الثانية : أنه تعالى وصف تكليفه إياه ببلوى توسعا لأن مثل هذا يكون منا على جهة البلوى والتجربة والمحنة من حيث لا يعرف ما يكون ممن يأمره ، فلما كثر ذلك في العرف بيننا جاز أن يصف الله تعالى أمره ونهيه بذلك مجازا لأنه تعالى لا يجوز عليه الاختبار والامتحان لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات ‹ صفحة 38 › التي لا نهاية لها على سبيل التفصيل من الأزل إلى الأبد ، وقال هشام بن الحكم : إنه كان في الأزل عالما بحقائق الأشياء وماهياتها فقط ، فأما حدوث تلك الماهيات ودخولها في الوجود فهو تعالى لا يعلمها إلا عند وقوعها واحتج عليه بالآية والمعقول ، أما الآية فهي هذه الآية ، قال : إنه تعالى صرح بأنه يبتلي عباده ويختبرهم وذكر نظيره في سائر الآيات كقوله تعالى : * ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) * وقال : * ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) * وقال في هذه السورة بعد ذلك : * ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) * ( البقرة : 155 ) وذكر أيضا ما يؤكد هذا المذهب نحو قوله : * ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) * ( طه : 44 ) وكلمة * ( لعل ) * للترجي وقال : * ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) * ( البقرة : 21 ) فهذه الآيات ونظائرها دالة على أنه سبحانه وتعالى لا يعلم وقوع الكائنات قبل وقوعها ، أما العقل فدل على وجوه . أحدها : أنه تعالى لو كان عالما بوقوع الأشياء قبل وقوعها لزم نفي القدرة عن الخالق وعن الخلق ، وذلك محال فما أدى إليه مثله بيان الملازمة : أن ما علم الله تعالى وقوعه استحال أن لا يقع لأن العلم بوقوع الشيء وبلا وقوع ذلك الشيء متضادان والجمع بين الضدين محال ، وكذلك ما علم الله أنه لا يقع كان وقوعه محالا لعين هذه الدلالة ، فلو كان الباري تعالى عالما بجميع الأشياء الجزئية قبل وقوعها لكان بعضها واجب الوقوع وبعضها ممتنع الوقوع ، ولا قدرة البتة لا على الواجب ولا على الممتنع فيلزم نفي القدرة على هذه الأشياء عن الخالق تعالى وعن الخلق وإنما قلنا : إن ذلك محال أما في حق الخالق فلأنه ثبت أن العالم محدث وله مؤثر وذلك المؤثر يجب أن يكون قادرا إذ لو كان موجبا لذاته لزم من قدمه قدم العالم أو من حدوث العالم حدوثه
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الرازي - الرازي - ج 4 - ص 40 - 41
      اختلف المفسرون في أن ظاهر اللفظ هل يدل على تلك الكلمات أم لا ؟ ‹ صفحة 41 › فقال بعضهم : اللفظ يدل عليها وهي التي ذكرها الله تعالى من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده والدعاء بإبعاث محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن هذه الأشياء أمور شاقة ، أما الإمامة فلأن المراد منها ههنا هو النبوة ، وهذا التكليف يتضمن مشاق عظيمة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يلزمه أن يتحمل جميع المشاق والمتاعب في تبليغ الرسالة ، وأن لا يخون في أداء شيء منها ، ولو لزمه القتل بسبب ذلك ولا شك أن ذلك من أعظم المشاق ، ولهذا قلنا : إن ثواب النبي أعظم من ثواب غيره ، وأما بناء البيت وتطهيره ورفع قواعده ، فمن وقف على ما روي في كيفية بنائه عرف شدة البلوى فيه ، ثم أنه يتضمن إقامة المناسك ، وقد امتحن الله الخليل عليه الصلاة والسلام بالشيطان في الموقف لرمي الجمار وغيره ، وأما اشتغاله بالدعاء في أن يبعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان ، فهذا مما يحتاج إليه إخلاص العمل لله تعالى ، وإزالة الحسد عن القلب بالكلية ، فثبت أن الأمور المذكورة عقيب هذه الآية : تكاليف شاقة شديدة ، فأمكن أن يكون المراد من ابتلاء الله تعالى إياه بالكلمات هو ذلك ، ثم الذي يدل على أن المراد ذلك أنه عقبه بذكره من غير فصل بحرف من حروف العطف فلم يقبل ، وقال : إني جاعلك للناس إماما ، بل قال : * ( إن جاعلك ) * فدل هذا على أن ذلك الابتلاء ليس إلا التكليف بهذه الأمور المذكورة ، واعترض القاضي على هذا القول فقال : هذا إنما يجوز لو قال الله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمها إبراهيم ، ثم أنه تعالى قال له بعد ذلك : إني جاعلك للناس إماما فأتمهن ، إلا أنه ليس كذلك ، بل ذكر قوله : * ( إني جاعلك للناس إماما ) * بعد قوله : * ( فأتمهن ) * وهذا يدل على أنه تعالى امتحنه بالكلمات وأتمها إبراهيم ، ثم أنه تعالى قال له بعد ذلك : * ( إني جاعلك للناس إماما ) * ويمكن أن يجاب عنه بأنه ليس المراد من الكلمات الإمامة فقط ، بل الإمامة وبناء البيت وتطهيره والدعاء في بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، كأن الله تعالى ابتلاه بمجموع هذه الأشياء ، فأخبر الله تعالى عنه أنه ابتلاه بأمور على الإجمال ، ثم أخبر عنه أنه أتمها ، ثم عقب ذلك بالشرح والتفصيل ، وهذا مما لا يعد فيه . القول الثاني : أن ظاهر الآية لا دلالة فيه على المراد بهذه الكلمات وهذا القول يحتمل وجهين ، أحدهما : بكلمات كلفه الله بهن ، وهي أوامره ونواهيه فكأنه تعالى قال : * ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) * مما شاء كلفه بالأمر بها . والوجه الثاني : بكلمات تكون من إبراهيم يكلم بها قومه ، أي يبلغهم إياها ، والقائلون بالوجه الأول اختلفوا في أن ذلك التكليف بأي شيء كان على أقوال . أحدها : قال ابن عباس : هي عشر خصال كانت فرضا في شرعه وهي سنة في شرعنا ، خمس في الرأس وخمس في الجسد ، أما التي في الرأس : فالمضمضة ، والاستنشاق وفرق الرأس ، وقص الشارب ، والسواك ، وأما التي في البدن : فالختان ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، والاستنجاء بالماء . وثانيها : قال بعضهم : ابتلاه بثلاثين خصلة من خصال
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الرازي - الرازي - ج 4 - ص 43 - 44
      ( أتمهن ) * أنه سبحانه علم من حاله أنه يتمهن ويقوم بهن بعد النبوة فلا جرم أعطاه خلعة الإمامة والنبوة . المسألة السابعة : الضمير المستكن في * ( فأتمهن ) * في إحدى القراءتين لإبراهيم بمعنى فقام بهن حق القيام ، وأداهن أحسن التأدية ، من غير تفريط وتوان . ونحوه : * ( وإبراهيم الذي وفى ) * وفي الأخرى لله تعالى بمعنى : فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا . أما قوله تعالى : * ( إني جاعلك للناس إماما ) * فالإمام اسم من يؤتم به كالإزار لما يؤتزر به ، أي يأتمون بك في دينك . وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال أهل التحقيق : المراد من الإمام ههنا النبي ويدل عليه وجوه . أحدها : أن قوله : * ( للناس إماما ) * يدل على أنه تعالى جعله إماما لكل الناس والذي يكون كذلك لا بد وأن يكون رسولا من عند الله مستقلا بالشرع لأنه لو كان تبعا لرسول آخر لكان مأموما لذلك الرسول لا إماما له ، فحينئذ يبطل العموم . وثانيها : أن اللفظ يدل على أنه إمام في كل شيء والذي يكون كذلك لا بد وأن يكون نبيا . وثالثها : أن الأنبياء عليهم السلام أئمة من حيث يجب على الخلق اتباعهم ، قال الله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) * ( الأنبياء : 73 ) والخلفاء أيضا أئمة لأنهم رتبوا في المحل الذي يجب على الناس اتباعهم وقبول قولهم وأحكامهم والقضاة والفقهاء أيضا أئمة لهذا المعنى ، والذي يصلي بالناس يسمى أيضا إماما لأن من دخل في صلاته لزمه الائتمام به . قال عليه الصلاة والسلام : " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ولا تختلفوا على إمامكم " فثبت بهذا أن اسم الإمام لمن استحق الاقتداء به في الدين وقد يسمى بذلك أيضا من يؤتم به في الباطل ، قال الله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) * ( القصص : 41 ) إلا أن اسم الإمام لا يتناوله على الإطلاق بل لا يستعمل فيه إلا مقيدا ، فإنه لما ذكر أئمة الضلال قيده بقوله تعالى : * ( يدعون إلى النار ) * كما أن اسم الإله لا يتناول إلا المعبود الحق ، فأما المعبود الباطل فإنما يطلق عليه اسم الإله مع القيد ، قال الله تعالى : * ( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء ) * ( هود : 101 ) وقال : * ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ) * ( طه : 97 ) إذا ثبت أن اسم الإمام يتناول ما ذكرناه ، وثبت أن الأنبياء في أعلى مراتب الإمامة وجب حمل اللفظ ههنا عليه ، لأن الله تعالى ذكر لفظ الإمام ههنا في معرض الامتنان ، فلا بد وأن تكون تلك النعمة من أعظم النعم ليحسن نسبة الامتنان فوجب حمل هذه الإمامة على النبوة . المسألة الثانية : أن الله تعالى لما وعده بأن يجعله إماما للناس حقق الله تعالى ذلك الوعد ‹ صفحة 44 › فيه إلى قيام الساعة ، فإن أهل الأديان على شدة اختلافها ونهاية تنافيها يعظمون إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويتشرفون بالانتساب إليه إما في النسب وإما في الدين والشريعة حتى إن عبدة الأوثان كانوا معظمين لإبراهيم عليه السلام
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الرازي - الرازي - ج 4 - ص 44
      القائلون بأن الإمام لا يصير إماما إلا بالنص تمسكوا بهذه الآية فقالوا : إنه تعالى بين أنه إنما صار إماما بسبب التنصيص على إمامته ونظيره قوله تعالى : * ( إني جاعل في الأرض خليفة ) * ( البقرة : 30 ) فبين أنه لا يحصل له منصب الخلافة بالتنصيص عليه وهذا ضعيف لأنا بينا أن المراد بالإمامة ههنا النبوة ، ثم إن سلمنا أن المراد منها مطلق الإمامة لكن الآية تدل على أن النص طريق الإمامة وذلك لا نزاع فيه ، إنما النزاع في أنه هل تثبت الإمامة بغير النص ، وليس في هذه الآية تعرض لهذه المسألة لا بالنفي ولا بالإثبات . المسألة الرابعة : قوله : * ( إني جاعلك للناس إماما ) * يدل على أنه عليه السلام كان معصوما عن جميع الذنوب لأن الإمام هو الذي يؤتم به ويقتدى ، فلو صدرت المعصية منه لوجب علينا الاقتداء به في ذلك ، فيلزم أن يجب علينا فعل المعصية وذلك محال لأن كونه معصية عبارة عن كونه ممنوعا من فعله وكونه واجبا عبارة عن كونه ممنوعا من تركه والجميع محال .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الرازي - الرازي - ج 4 - ص 44 - 48
      أما قوله : * ( من ذريتي ) * ففيه مسائل : المسألة الأولى : الذرية : الأولاد وأولاد الأولاد للرجل وهو من ذرأ الله الخلق وتركوا همزها للخفة كما تركوا في البرية وفيه وجه آخر وهو أن تكون منسوبة إلى الذر . المسألة الثانية : قوله ؛ * ( ومن ذريتي ) * عطف على الكاف كأنه قال : وجاعل بعض ذريتي كما يقال لك : سأكرمك ، فتقول : وزيدا . المسألة الثالثة : قال بعضهم : إنه تعالى أعلمه أن في ذريته أنبياء فأراد أن يعلم هل يكون ذلك في كلهم أو في بعضهم وهل يصلح جميعهم لهذا الأمر ؟ فأعلمه الله تعالى أن فيهم ظالما لا يصلح لذلك وقال آخرون : إنه عليه السلام ذكر ذلك على سبيل الاستعلام ولما لم يعلم على وجه المسألة ، فأجابه الله تعالى صريحا بأن النبوة لا تنال الظالمين منهم ، فإن قيل : هل كان إبراهيم عليه السلام مأذونا في قوله : * ( ومن ذريتي ) * أو لم يكن مأذونا فيه ؟ فإن أذن الله تعالى في هذا الدعاء فلم رد ‹ صفحة 45 › دعاءه ؟ وإن لم يأذن له فيه كان ذلك ذنبا ، قلنا : قوله : * ( ومن ذريتي ) * يدل على أنه عليه السلام طلب أن يكون بعض ذريته أئمة للناس ، وقد حقق الله تعالى إجابة دعائه في المؤمنين من ذريته كإسماعيل وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وأيوب ويونس وزكريا ويحيى وعيسى وجعل آخرهم محمدا صلى الله عليه وسلم من ذريته الذي هو أفضل الأنبياء والأئمة عليهم السلام . أما قوله تعالى : * ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) * ففيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ حمزة وحفص عن عاصم : * ( عهدي ) * بإسكان الياء ، والباقون بفتحها ، وقرأ بعضهم : * ( لا ينال عهدي الظالمون ) * أي من كان ظالما من ذريتك فإنه لا ينال عهدي . المسألة الثانية : ذكروا في العهد وجوها . أحدها : أن هذا العهد هو الإمامة المذكورة فيما قبل ، فإن كان المراد من تلك الإمامة هو النبوة فكذا وإلا فلا . وثانيها : * ( عهدي ) * أي رحمتي عن عطاء . وثالثها : طاعتي عن الضحاك . ورابعها : أماني عن أبي عبيد ، والقول الأول أولى لأن قوله : * ( ومن ذريتي ) * طلب لتلك الإمامة التي وعده بها بقوله : * ( إني جاعلك للناس إماما ) * فقوله : * ( لا ينال عهدي الظالمين ) * لا يكون جوابا عن ذلك السؤال إلا إذا كان المراد بهذا العهد تلك الإمامة . المسألة الثالثة : الآية دالة على أنه تعالى سيعطي بعض ولده ما سأل ، ولولا ذلك لكان الجواب : لا ، أو يقول : لا ينال عهدي ذريتك ، فإن قيل : أفما كان إبراهيم عليه السلام عالما بأن النبوة لا تليق بالظالمين ، قلنا : بلى ، ولكن لم يعلم حال ذريته ، فبين الله تعالى أن فيهم من هذا حاله وأن النبوة إنما تحصل لمن ليس بظالم . المسألة الرابعة : الروافض احتجوا بهذه الآية على القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من ثلاثة أوجه . الأول : أن أبا بكر وعمر كانا كافرين ، فقد كانا حال كفرهما ظالمين ، فوجب أن يصدق عليهما في تلك الحالة أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ، وإذا صدق عليهما في ذلك الوقت أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ولا في شيء من الأوقات ثبت أنهما لا يصلحان للإمامة . الثاني : أن من كان مذنبا في الباطن كان من الظالمين ، فإذن ما لم يعرف أن أبا بكر وعمر ما كانا من الظالمين المذنبين ظاهرا وباطنا وجب أن لا يحكم بإمامتهما وذلك إنما يثبت في حق من تثبت عصمته ولما لم يكونا معصومين بالاتفاق وجب أن لا تتحقق إمامتهما البتة . الثالث : قالوا : كانا مشركين ، وكل مشرك ظالم والظالم لا يناله عهد الإمامة فيلزم أن لا ينالهما عهد الإمامة ، أما ‹ صفحة 46 › أنهما كانا مشركين فبالاتفاق ، وأما أن المشرك ظالم فلقوله تعالى : * ( إن الشرك لظلم عظيم ) * ( لقمان : 13 ) وأما أن الظالم لا يناله عهد الإمامة فلهذه الآية ، لا يقال إنهما كانا ظالمين حال كفرهما ، فبعد زوال الكفر لا يبقى هذا الاسم لأنا نقول الظالم من وجد منه الظلم ، وقولنا : وجد منه الظلم أعم من قولنا وجد منه الظلم في الماضي أو في الحال بدليل أن هذا المفهوم يمكن تقسيمه إلى هذين القسمين ، ومورد التقسيم بالتقسيم بالقسمين مشترك بين القسمين وما كان مشتركا بين القسمين لا يلزم انتفاؤه لانتفاء أحد القسمين ، فلا يلزم من نفى كونه ظالما في الحال نفي كونه ظالما والذي يدل عليه نظرا إلى الدلائل الشرعية أن النائم يسمى مؤمنا والإيمان هو التصديق والتصديق غير حاصل حال كونه نائما ، فدل على أنه يسمى مؤمنا لأن الإيمان كان حاصلا قبل ، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون ظالما لظلم وجد من قبل ، وأيضا فالكلام عبارة عن حروف متوالية ، والمشي عبارة عن حصولات متوالية في أحياز متعاقبة ، فمجموع تلك الأشياء البتة لا وجود لها ، فلو كان حصول المشتق منه شرطا في كون الاسم المشتق حقيقة وجب أن يكون اسم المتكلم والماشي وأمثالهما حقيقة في شيء أصلا ، وأنه باطل قطعا فدل هذا على أن حصول المشتق منه ليس شرطا لكون الاسم المشتق حقيقة ؟ والجواب : كل ما ذكرتموه معارض ، بما أنه لو حلف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافرا قبل بسنين متطاولة فإنه لا يحنث ، فدل على ما قلناه ، ولأن التائب عن الكفر لا يسمى كافرا والتائب عن المعصية لا يسمى عاصيا ، فكذا القول في نظائره ، ألا ترى إلى قوله : * ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) * ( هود : 113 ) فإنه نهى عن الركون إليهم حال إقامتهم على الظلم ، وقوله : * ( ما على المحسنين من سبيل ) * ( التوبة : 91 ) معناه : ما أقاموا على الإحسان ، على أنا بينا أن المراد من الإمامة في هذه الآية : النبوة ، فمن كفر بالله طرفة عين فإنه لا يصلح للنبوة . المسألة الخامسة : قال الجمهور من الفقهاء والمتكلمين : الفاسق حال فسقه لا يجوز عقد الإمامة له ، واختلفوا في أن الفسق الطارئ هل يبطل الإمامة أم لا ؟ واحتج الجمهور على أن الفاسق لا يصلح أن تعقد له الإمامة بهذه الآية ، ووجه الاستدلال بها من وجهين . الأول : ما بينا أن قوله : * ( لا ينال عهدي الظالمين ) * جواب لقوله : * ( ومن ذريتي ) * وقوله : * ( ومن ذريتي ) * طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى ، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ، ليكون الجواب مطابقا للسؤال ، فتصير الآية كأنه تعالى قال : لا ينال الإمامة الظالمين ، وكل عاص فإنه ظالم لنفسه ، فكانت الآية دالة على ما قلناه ، فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ‹ صفحة 47 › ظاهرا وباطنا ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة ، قلنا : أما الشيعة فيستدلون بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهرا وباطنا ، وأما نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك ، إلا أنا تركنا اعتبار الباطن فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة ، فإن قيل : أليس أن يونس عليه السلام قال : * ( سبحانك إني كنت من الظالمين ) * ( الأنبياء : 87 ) وقال آدم : * ( ربنا ظلمنا أنفسنا ) * ( الأعراف : 23 ) قلنا : المذكور في الآية هو الظلم المطلق ، وهذا غير موجود في آدم ويونس عليهما السلام . الوجه الثاني : أن العهد قد يستعمل في كتاب الله بمعنى الأمر ، قال الله تعالى : * ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ) * ( يس : 60 ) يعني ألم آمركم بهذا ، وقال الله تعالى : * ( قالوا إن الله عهد إلينا ) * ( آل عمران : 183 ) يعني أمرنا ، ومنه عهود الخلفاء إلى أمرائهم وقضاتهم إذا ثبت أن عهد الله هو أمره فنقول : لا يخلو قوله ؛ * ( لا ينال عهدي الظالمين ) * من أن يريد أن الظالمين غير مأمورين ، وأن الظالمين لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله تعالى ، ولما بطل الوجه الأول لاتفاق المسلمين على أن أوامر الله تعالى لازمة للظالمين كلزومها لغيرهم ثبت الوجه الآخر ، وهو أنهم غير مؤتمنين على أوامر الله تعالى وغير مقتدى بهم فيها فلا يكونون أئمة في الدين ، فثبت بدلالة الآية بطلان إمامة الفاسق ، قال عليه السلام : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ، ودل أيضا على أن الفاسق لا يكون حاكما ، وأن أحكامه لا تنفذ إذا ولي الحكم ، وكذلك لا تقبل شهادته ولا خبره عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فتياه إذا أفتى ، ولا يقدم للصلاة وإن كان هو بحيث لو اقتدي به فإنه لا تفسد صلاته ، قال أبو بكر الرازي : ومن الناس من يظن أن مذهب أبي حنيفة أنه يجوز كون الفاسق إماما وخليفة ، ولا يجوز كون الفاسق قاضيا ، قال : وهذا خطأ ، ولم يفرق أبو حنيفة بين الخليفة والحاكم في أن شرط كل واحد منهما العدالة ، وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة ، وأحكامه غير نافذة ، وكيف يجوز أن يدعي ذلك على أبي حنيفة وقد أكرهه ابن هبيرة في أيام بني أمية على القضاء ، وضربه فامتنع من ذلك فحبس ، فلح ابن هبيرة وجعل يضربه كل يوم أسواطا ، فلما خيف عليه ، قال له الفقهاء : تول له شيئا من عمله أي شيء كان حتى يزول عنك الضرب ، فتولي له عد أحمال التبن التي تدخل فخلاه ، ثم دعاه المنصور إلى مثل ذلك حتى عد له اللبن الذي كان يضرب لسور مدينة المنصور إلى مثل ذلك وقصته في أمر زيد بن علي مشهورة ، وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سرا في وجوب نصرته والقتال معه ، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ، ثم قال : وإنما غلط من غلط في هذه الرواية أن قول أبي حنيفة : أن القاضي إذا كان عدلا في نفسه ، وتولي القضاء من إمام جائر فإن أحكامه نافذة ، والصلاة خلفه جائزة ، لأن القاضي إذا كان عدلا في نفسه ويمكنه تنفيذ ‹ صفحة 48 › الأحكام كانت أحكامه نافذة ، فلا اعتبار في ذلك بمن ولاه ، لأن الذي ولاه بمنزلة سائر أعوانه ، وليس شرط أعوان القاضي أن يكون عدولا ألا ترى أن أهل بلد لا سلطان عليهم لو اجتمعوا على الرضا بتولية رجل عدل منهم القضاء حتى يكونوا أعوانا له على من امتنع من قبول أحكامه لكان قضاؤه نافذا وأن لم يكن له ولاية من جهة إمام ولا سلطان والله أعلم . المسألة السادسة :
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الرازي - الرازي - ج 4 - ص 48
      الآية تدل على عصمة الأنبياء من وجهين . الأول : أنه قد ثبت أن المراد من هذا العهد : الإمامة . ولا شك أن كل نبي إمام ، فإن الإمام هو الذي يؤتم به ، والنبي أولى الناس ، وإذا دلت الآية على أن الإمام لا يكون فاسقا ، فبأن تدل على أن الرسول لا يجوز أن يكون فاسقا فاعلا للذنب والمعصية أولى . الثاني : قال : * ( ولا ينال عهدي الظالمين ) * فهذا العهد إن كان هو النبوة ؛ وجب أن تكون لا ينالها أحد من الظالمين وإن كان هو الإمامة ، فكذلك لأن كل نبي لا بد وأن يكون إماما يؤتم به ، وكل فاسق ظالم لنفسه فوجب أن لا تحصل النبوة لأحد من الفاسقين والله أعلم . المسألة السابعة ؛ اعلم أنه سبحانه بين أن له معك عهدا ، ولك معه عهدا ، وبين أنك متى تفي بعهدك ، فإنه سبحانه يفي أيضا بعهده فقال : * ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) * ( البقرة : 40 ) ثم في سائر الآيات فإنه أفرد عهدك بالذكر ، وأفرد عهد نفسه أيضا بالذكر ، أما عهدك فقال فيه : * ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) * ( البقرة : 177 ) وقال : * ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) * ( المؤمنون : 8 ) وقال : * ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) * ( المائدة : 1 ) وقال : * ( لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) * ( الصف : 32 ) وأما عهده سبحانه وتعالى فقال فيه : * ( ومن أوفى بعهده من الله ) * ( التوبة : 111 ) م بين كيفية عهده إلى أبينا آدم فقال : * ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) * ( طه : 115 ) ثم بين كيفية عهده إلينا فقال : * ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم ) * ( يس : 60 ) ثم بين كيفية عهده مع بني إسرائيل فقال : * ( إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول ) * ( آل عمران : 183 ) ثم بين كيفية عهده مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال : * ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) * ( البقرة : 125 ) ثم بين في هذه الآية أن عهده لا يصل إلى الظالمين فقال : * ( لا ينال عهدي الظالمين ) * فهذه المبالغة الشديدة في هذه المعاهدة تقتضي البحث عن حقيقة هذه المعاهدة فنقول : العهد المأخوذ عليك ليس إلا عهد الخدمة والعبودية ، والعهد الذي التزمه الله تعالى من جهته ليس إلا عهد الرحمة والربوبية ، ثم إن العاقل إذا تأمل في حال هذه المعاهدة لم يجد من نفسه إلا نقض هذا العهد ، ومن ربه إلا الوفاء بالعهد ، فلنشرع في معاقد هذا الباب فنقول : أول إنعامه عليك إنعام الخلق والإيجاد والإحياء وإعطاء العقل والآلة والمقصود من كل ذلك اشتغالك بالطاعة والخدمة والعبودية
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير القرطبي - القرطبي - ج 2 - ص 96 - 100
      قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه ، بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) فيه عشرون مسألة : الأولى - لما جرى ذكر الكعبة والقبلة اتصل ذلك بذكر إبراهيم عليه السلام ، وأنه الذي بنى البيت ، فكان من حق اليهود - وهم من نسل إبراهيم - ألا يرغبوا عن دينه . والابتلاء : الامتحان والاختبار ، ومعناه أمر وتعبد . وإبراهيم تفسيره بالسريانية فيما ذكر الماوردي ، وبالعربية فيما ذكر ابن عطية : أب رحيم . قال السهيلي : وكثيرا ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي أو يقاربه في اللفظ ، ألا ترى أن إبراهيم تفسيره أب راحم ، لرحمته بالأطفال ، ولذلك جعل هو وسارة زوجته كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون صغارا إلى يوم القيامة . قلت : ومما يدل على هذا ما خرجه البخاري من حديث الرؤيا الطويل عن سمرة ، وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الروضة إبراهيم عليه السلام وحوله أولاد الناس . وقد أتينا عليه في كتاب التذكرة ، والحمد لله . وإبراهيم هذا هو ابن تارخ بن ناخور في قول بعض المؤرخين . وفي التنزيل : " وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ( 1 ) وكذلك في صحيح البخاري ، ولا تناقض في ذلك ، على ما يأتي في " الانعام " بيانه إن شاء الله تعالى . وكان له أربع بنين : إسماعيل وإسحاق ومدين ومدائن ، على ما ذكره السهيلي . وقدم على الفاعل للاهتمام ، إذ كون الرب تبارك وتعالى ‹ صفحة 97 › مبتليا معلوم ، وكون الضمير المفعول في العربية متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول ، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام ، فاعلمه . وقراءة العامة " إبراهيم " بالنصب ، " ربه " بالرفع على ما ذكرنا . وروي عن جابر بن زيد أنه قرأ على العكس ، وزعم أن ابن عباس أقرأه كذلك . والمعنى دعا إبراهيم ربه وسأل ، وفيه بعد ، لأجل الباء في قوله : " بكلمات " . الثانية - قوله تعالى : " بكلمات " الكلمات جمع كلمة ، ويرجع تحقيقها إلى كلام الباري تعالى ، لكنه عبر عنها عن الوظائف التي كلفها إبراهيم عليه السلام ، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به ، كما سمي عيسى كلمة ، لأنه صدر عن كلمة وهي " كن " . وتسمية الشئ بمقدمته أحد قسمي المجاز ، قاله ابن العربي . الثالثة - واختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال : أحدها - شرائع الاسلام ، وهي ثلاثون سهما ، عشرة منها في سورة براءة : " التائبون العابدون ( 1 ) " إلى آخرها ، وعشرة في الأحزاب : " إن المسلمين والمسلمات ( 2 ) " إلى آخرها ، وعشرة في المؤمنون : " قد أفلح المؤمنون ( 3 ) " إلى قوله : " على صلواتهم يحافظون " وقوله في " سأل سائل ( 4 ) " : " إلا المصلين " إلى قوله : " والذين هم على صلاتهم يحافظون " . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما ابتلى الله أحدا بهن فقام بها كلها إلا إبراهيم عليه السلام ، ابتلي بالاسلام فأتمه فكتب الله له البراءة فقال : " وإبراهيم الذي وفى ( 5 ) " . وقال بعضهم : بالامر والنهي ، وقال بعضهم : بذبح ابنه ، وقال بعضهم : بأداء الرسالة ، والمعنى متقارب . وقال مجاهد : هي قوله تعالى : إني مبتليك بأمر ، قال : تجعلني للناس إماما ؟ قال نعم . قال : ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ، قال : تجعل البيت مثابة للناس ؟ قال نعم . قال : وأمنا ؟ قال نعم . قال : وترينا مناسكنا وتتوب علينا ؟ قال نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات ؟ قال نعم . وعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم . وأصح من هذا ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن ‹ صفحة 98 › ابن طاوس عن ابن عباس في قوله : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال : ابتلاه الله بالطهارة ، خمس في الرأس وخمس في الجسد : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الشعر . وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والاختتان ، ونتف الإبط ، وغسل مكان الغائط والبول بالماء ، وعلى هذا القول فالذي أتم هو إبراهيم ، وهو ظاهر القرآن . وروى مطر ( 1 ) عن أبي الجلد أنها عشر أيضا ، إلا أنه جعل موضع الفرق غسل البراجم ( 2 ) ، وموضع الاستنجاء ( 3 ) الاستحداد . وقال قتادة : هي مناسك الحج خاصة . الحسن : هي الخلال الست : الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان . قال أبو إسحاق الزجاج : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة ، لان هذا كله مما ابتلي به إبراهيم عليه السلام . قلت : وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم عليه السلام أول من اختتن ، وأول من أضاف الضيف ، وأول من استحد ، وأول من قلم الأظفار ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب ، فلما رأى الشيب قال : ما هذا ؟ قال : وقار ، قال : يا رب زدني وقارا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال : أول من خطب على المنابر إبراهيم خليل الله . قال غيره : وأول من ثرد الثريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل . وروى معاذ بن جبل قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم ) . قلت : وهذه أحكام يجب بيانها والوقوف عليها والكلام فيها ، فأول ذلك " الختان " وما جاء فيه ، وهي المسألة : الرابعة - أجمع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن . واختلف في السن التي اختتن فيها ، ففي الموطأ عن أبي هريرة موقوفا : ( وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش ‹ صفحة 99 › بعد ذلك ثمانين سنة ) . ومثل هذا لا يكون رأيا ، وقد رواه الأوزاعي مرفوعا عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ) . ذكره أبو عمر ( 1 ) . وروي مسندا مرفوعا من غير رواية يحيى من وجوه : ( أنه اختتن حين بلغ ثمانين سنة واختتن بالقدوم ( 2 ) . كذا في صحيح مسلم وغيره " ابن ثمانين سنة " ، وهو المحفوظ في حديث ابن عجلان وحديث الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال عكرمة : اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة . قال : ولم يطف بالبيت بعد على ملة إبراهيم إلا مختون ، هكذا قال عكرمة وقاله المسيب بن رافع ، ذكره المروزي . و " القدوم " يروي مشددا ومخففا . قال أبو الزناد : القدوم ( مشددا ) : موضع . الخامسة - واختلف العلماء في الختان ، فجمهورهم على أن ذلك من مؤكدات السنن ومن فطرة الاسلام التي لا يسع تركها في الرجال . وقالت طائفة : ذلك فرض ، لقوله تعالى : " أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا " . قال قتادة : هو الاختتان ، وإليه مال بعض المالكيين ، وهو قول الشافعي . واستدل ابن سريج ( 3 ) على وجوبه بالاجماع على تحريم النظر إلى العورة ، وقال : لولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إليها من المختون . وأجيب عن هذا بأن مثل هذا يباح لمصلحة الجسم كنظر الطبيب ، والطب ليس بواجب إجماعا ، على ما يأتي في " النحل " بيانه إن شاء الله تعالى . وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه الحجاج بن أرطاة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ) . والحجاج ليس ممن يحتج به . ‹ صفحة 100 › قلت : أعلى ما يحتج به في هذا الباب حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الفطرة خمس الاختتان . . . ) الحديث ، وسيأتي . وروى أبو داود عن أم عطية أن امرأة كانت تختن النساء بالمدينة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تنهكي ( 1 ) فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل ) . قال أبو داود : وهذا الحديث ضعيف راويه مجهول . وفي رواية ذكرها رزين : ( ولا تنهكي فإنه أنور للوجه وأحظى عند الرجل ) . السادسة - فإن ولد الصبي مختونا فقد كفي مؤنة الختان . قال الميموني قال لي أحمد : إن ها هنا رجلا ولد له ولد مختون ، فاغتم لذلك غما شديدا ، فقلت له : إذا كان الله قد كفاك المؤنة فما غمك بهذا !
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير القرطبي - القرطبي - ج 2 - ص 107 - 109
      قوله تعالى : " ومن ذريتي " أصل ذرية ، فعلية من الذر ، لان الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم عليه السلام كالذر حين أشهدهم على أنفسهم . وقيل : هو مأخوذ من ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم ، ومنه الذرية وهي نسل الثقلين ، إلا أن العرب تركت همزها ، والجمع الذراري . وقرأ زيد بن ثابت " ذرية " بكسر الذال و " ذرية " بفتحها . قال ابن جني أبو الفتح عثمان : يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ : أحدها - ذرأ ، والثاني - ذرر ، والثالث - ذرو ، والرابع ذري ، فأما الهمزة فمن ذرأ الله الخلق ، وأما ذرر فمن لفظ الذر ومعناه ، وذلك لما ورد في الخبر ( أن الخلق كان كالذر ) وأما الواو والياء ، فمن ذروت الحب وذريته يقالان جميعا ، وذلك قوله تعالى : " فأصبح هشيما تدروه الرياح ( 1 ) " وهذا للطفه وخفته ، وتلك حال لذر أيضا . قال الجوهري : ‹ صفحة 108 › ذرت الريح التراب وغيره تذروه وتذرويه ذروا وذريا أي نسفته ، ومنه قولهم : ذرى الناس الحنطة ، وأذريت الشئ إذا ألقيته ، كإلقائك الحب للزرع . وطعنه فأذراه عن ظهر دابته ، أي ألقاه . وقال الخليل : إنما سموا ذرية ، لان الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر . وقيل : أهل ذرية ، ذرورة ، لكن لما كثر التضعيف أبدل من إحدى الراءات ياء ، فصارت ذروية ، ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية . والمراد بالذرية هنا الأبناء خاصة ، وقد تطلق على الاباء والأبناء ، ومنه قوله تعالى : " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ( 1 ) " يعني آباءهم . الموفية عشرين - قوله تعالى : " لا ينال عهدي الظالمين " اختلف في المراد بالعهد ، فروى أبو صالح عن ابن عباس أنه النبوة ، وقاله السدي . مجاهد : الإمامة . قتادة : الايمان . عطاء : الرحمة . الضحاك : دين الله تعالى . وقيل : عهده أمره . ويطلق العهد على الامر ، قال الله تعالى : " إن الله عهد إلينا ( 2 ) " أي أمرنا . وقال : " ألم أعهد إليكم يا بني آدم " يعني ألم أقدم إليكم الامر به ، وإذا كان عهد الله هو أوامره فقوله : " لا ينال عهدي الظالمين " أي لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله ولا ( 3 ) يقيمون عليها ، على ما يأتي بيانه بعد هذا آنفا ( 4 ) إن شاء الله تعالى . وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا ينال عهد لله في الآخرة الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به ، وأكل وعاش وأبصر . قال الزجاج : وهذا قول حسن ، أي لا ينال أماني الظالمين ، أي لا أؤمنهم من عذابي . وقال سعيد بن جبير : الظالم هنا المشرك . وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف " لا ينال عهدي الظالمون " برفع الظالمون . الباقون بالنصب . وأسكن حمزة وحفص وابن محيصن الياء في " عهدي " ، وفتحها الباقون . الحادية والعشرون - استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الامام يكون من أهل العدل والاحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك ، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا ينازعوا الامر أهله ، على ما تقدم ( 5 ) من القول فيه . فأما أهل الفسوق والجور والظلم ‹ صفحة 109 › فليسوا له بأهل ، لقوله تعالى : " لا ينال عهدي الظالمين " ولهذا خرج ابن الزبير والحسين ( 1 ) ابن علي رضي الله عنهم . وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج ، وأخرج أهل المدينة بني أمية وقاموا عليهم ، فكانت الحرة التي أوقعها بهم مسلم بن عقبة ( 2 ) . والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الامام الجائر أولى من الخروج عليه ، لان في منازعته والخروج عليه استبدال الامن بالخوف ، وإراقة الدماء ، وانطلاق أيدي السفهاء ، وشن الغارات على المسلمين ، والفساد في الأرض . والأول مذهب طائفة من المعتزلة ، وهو مذهب الخوارج ، فاعلمه .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 1 - ص 169 - 172
      وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) يقول تعالى منبها على شرف إبراهيم خليله عليه السلام وأن الله تعالى جعله إماما للناس يقتدى به في التوحيد حين قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي ولهذا قال " وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " أي واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليهم وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من ‹ صفحة 170 › المؤمنين أذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم أي اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي " فأتمهن " أي قام بهن كلهن كما قال تعالى " وإبراهيم الذي وفى " أي وفى جميع ما شرع له فعمل به صلوات الله عليه وقال تعالى : " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين * ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وقال تعالى " قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم * دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وقال تعالى " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " وقوله تعالى " بكلمات " أي بشرائع وأوامر ونواه فإن الكلمات تطلق ويراد بها الكلمات القدرية كقوله تعالى عن مريم عليها السلام " وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين " وتطلق ويراد بها الشرعية كقوله تعالى " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " أي كلماته الشرعية وهي إما خبر صدق وإما طلب عدل إن كان أمرا أو نهيا ومن ذلك هذه الآية الكريمة " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " أي قام بهن قال " إني جاعلك للناس إماما " أي جزاء على ما فعل كما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله الله للناس قدوة وإماما يقتدي به ويحتذي حذوه . وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام فروي عن ابن عباس في ذلك روايات فقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ابن عباس : ابتلاه الله بالمناسك وكذا رواه أبو إسحق السبيعي عن التميمي عن ابن عباس وقال عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء قال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك " قلت " وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء " قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة . قال وكيع : انتقاص الماء يعني الاستنجاء وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط " ولفظه لمسلم . وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة أخبرنا ابن وهب أخبرنا ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن ابن حنش بن عبد الله الصنعاني عن ابن عباس أنه كان يقول في تفسير هذه الآية " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال عشر ست في الانسان وأربع في المشاعر . فأما التي في الانسان حلق العانة ونتف الإبط والختان وكان ابن هبيرة يقول : هؤلاء الثلاثة واحدة . وتقليم الأظفار وقص الشارب والسواك وغسل يوم الجمعة والأربعة التي في المشاعر الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة . وقال داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم قال الله تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قلت له وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن ؟ قال : الاسلام ثلاثون سهما منها عشر آيات في براءة " التائبون العابدون " إلى آخر الآية وعشر آيات في أول سورة " قد أفلح المؤمنون " و " سأل سائل بعذاب واقع " وعشر آيات في الأحزاب " إن المسلمين والمسلمات " إلى آخر الآية فأتمهن كلهن فكتبت له براءة قال الله " وإبراهيم الذي وفى " هكذا . رواه الحاكم وأبو جعفر بن جرير وأبو محمد بن أبي حاتم بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند به وهذا لفظ ابن أبي حاتم وقال محمد ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال : الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الامر الذي فيه ‹ صفحة 171 › خلافه وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله وما ابتلى به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك كله وأخلصه للبلاء قال الله له " أسلم قال أسلمت لرب العالمين " على ما كان من خلاف الناس وفراقهم . وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبو سعيد الأشج أخبرنا إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن يعني البصري " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال ابتلاه بالكوكب فرضي عنه وابتلاه بالقمر فرضي عنه وابتلاه بالشمس فرضي عنه وابتلاه بالهجرة فرضي عنه وابتلاه بالختان فرضي عنه وابتلاه بابنه فرضي عنه . وقال ابن جرير أخبرنا بشر بن معاذ أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا سعيد عن قتادة قال كان الحسن يقول : أي والله لقد ابتلاه بأمر فصبر عليه - ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك وابتلاه الله بذبح ابنه والختان فصبر على ذلك وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول في قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال ابتلاه الله بذبح ولده وبالنار والكوكب والقمر والشمس وقال : أبو جعفر بن جرير أخبرنا ابن بشار أخبرنا سلم بن قتيبة أخبرنا أبو هلال عن الحسن " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فوجده صابرا : وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " فمنهن " قال إني جاعلك للناس إماما " ومنهن " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل " ومنهن الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت ومحمد بعث في دينهما : وقال : ابن أبي حاتم أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو ؟ قال : تجعلني للناس إماما ؟ قال : نعم قال : ومن ذريتي ؟ " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : تجعل البيت مثابة للناس ؟ قال : نعم قال : وأمنا ؟ قال نعم : قال وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك قال : نعم قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله ؟ قال نعم : قال ابن أبي نجيح سمعته من عكرمة فعرضته على مجاهد فلم ينكره وهكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال ابتلي بالآيات التي بعدها " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال الكلمات " إني جاعلك للناس إماما " وقوله " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل " الآية . قوله " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل " الآية . قال فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم وقال السدي الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه " ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . . . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم " وقال القرطبي : وفي الموطأ وغيره عن يحيى ابن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم عليه السلام أول من اختتن وأول من ضاف الضيف وأول من قلم أظفاره وأول من قص الشارب وأول من شاب فلما رأى الشيب قال : يا رب ما هذا ؟ قال وقار قال : يا رب زدني وقارا وذكر ابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام قال غيره وأول من برد البريد وأول من ضرب بالسيف وأول من استاك وأول من استنجى بالماء وأول من لبس السراويل وروي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وأن اتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم " " قلت " : هذا الحديث لا يثبت والله أعلم ثم شرع القرطبي يتكلم على ما يتعلق بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية . قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر وجائز أن يكون بعض ذلك ولا يجوز ‹ صفحة 172 › الجزم بشئ منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع قال ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له . قال غير أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران أحدهما ما حدثنا به أبو كريب أخبرنا راشد بن سعد حدثني زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 1 - ص 172 - 173
      خليله : الذي وفى ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : " سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون " إلى آخر الآية قال والآخر منهما ما حدثنا به أبو كريب أخبرنا الحسن عن عطية أخبرنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإبراهيم الذي وفى " قال أتدرون ما وفى قالوا الله ورسوله أعلم ؟ قال " وفي عمل يومه أربع ركعات في النهار " ورواه آدم في تفسيره عن حماد بن سلمة وعبد بن حميد عن يونس بن محمد عن حماد بن سلمة عن جعفر بن الزبير به ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين وهو كما قال فإنه لا يجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما وضعفهما من وجوه عديدة فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه والله أعلم . ثم قال ابن جرير ولو قال قائل إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبا لان قوله " إني جاعلك للناس إماما " وقوله " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين " الآية وسائر الآيات التي هي نظير ذلك كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم " قلت " والذي قاله أولا من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله لان السياق يعطي غير ما قالوه والله أعلم . وقوله قال " ومن ذريتي " قال " لا ينال عهدي الظالمين " لما جعل الله إبراهيم إماما سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون وأنه لا ينالهم عهد الله ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قوله تعالى في سورة العنكبوت " وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب " فكل نبي أرسله الله وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ففي ذريته صلوات الله وسلامه عليه وأما قوله تعالى قال " لا ينال عهدي الظالمين " فقد اختلفوا في ذلك فقال خصيف عن مجاهد في قوله " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال إنه سيكون في ذريتك ظالمون وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال لا يكون لي إمام ظالم وفي رواية لا أجعل إماما ظالما يقتدى به . وقال سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال لا يكون إمام ظالم يقتدى به . وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبي أخبرنا مالك بن إسماعيل أخبرنا شريك عن منصور عن مجاهد في قوله " ومن ذريتي " قال أما من كان منهم صالحا فأجعله إماما يقتدى به وأما من كان ظالما فلا ولا نعمة عين وقال سعيد بن جبير " لا ينال عهدي الظالمين " المراد به المشرك لا يكون إمام ظالم يقول لا يكون إمام مشرك . وقال ابن جريج عن عطاء قال " إني جاعلك للناس إماما " قال ومن ذريتي فأبى أن يجعل من ذريته إماما ظالما قلت لعطاء ما عهده قال أمره . وقال ابن أبي حاتم أخبرنا عمرو بن ثور القيساري فيما كتب إلي أخبرنا الفريابي حدثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال الله لإبراهيم " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي " فأبى أن يفعل ثم قال " لا ينال عهدي الظالمين " وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس " قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي أن يوليه شيئا من أمره وإن كان من ذرية خليله ومحسن ستنفذ فيه دعوته وتبلغ له فيه ما أراد من مسألته . وقال العوفي عن ابن عباس " لا ينال عهدي الظالمين " قال يعني لا عهد لظالم عليك في ظلمه أن تطيعه فيه وقال ابن جرير حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله عن إسرائيل عن مسلم الأعور عن مجاهد عن ابن عباس قال لا ينال عهدي الظالمين عهد وإن عاهدته : وروى عن مجاهد وعطاء ومقاتل بن حيان نحو ذلك : وقال الثوري عن هارون بن عنترة عن أبيه قال ليس لظالم عهد وقال : عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة في قوله " لا ينال ‹ صفحة 173 › عهدي الظالمين " قال لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وعاش وكذا قال : إبراهيم النخعي وعطاء والحسن وعكرمة وقال الربيع بن أنس عهد الله الذي عهد إلى عباده دينه يقول لا ينال دينه الظالمين ألا ترى أنه قال " وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين " يقول ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق وكذا روي عن أبي العالية وعطاء ومقاتل بن حيان وقال : جويبر عن الضحاك لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني : وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سعيد الدامغاني أخبرنا وكيع عن الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينال عهدي الظالمين " قال " لا طاعة إلا في المعروف وقال السدي " لا ينال عهدي الظالمين " يقول عهدي نبوتي - فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل عليه السلام أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه كما تقدم عن مجاهد وغيره والله أعلم وقال ابن خويز منداد المالكي : الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ولا شاهدا ولا راويا .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج 1 - ص 311 - 312
      كلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) ) وقوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه . . . ) الآية : قال قتادة : المراد ب‍ " الذين " في هذا الموضع : من أسلم من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، والكتاب على هذا : التأويل القرآن ، وقال ابن زيد : المراد من أسلم من بني إسرائيل ، والكتاب ، على هذا التأويل : التوراة ، و ( آتيناهم ) : معناه : أعطيناهم ، و ( يتلونه ) : معناه : يتبعونه حق اتباعه بامتثال الأمر والنهي ، قال أحمد بن نصر الداوودي . وهذا قول ابن عباس ، قال عكرمة : يقال : فلان يتلو فلانا ، أي : يتبعه ، ومنه : ( والقمر إذا تلاها ) [ الشمس : 2 ] أي : تبعها . انتهى . ‹ صفحة 312 › ولله در من اتبع كلام ربه ، واقتفى سنة نبيه ، وإن قل علمه ، قال القضاعي في اختصاره ل‍ " المدارك " : قال في ترجمة سحنون : كان سحنون يقول : مثل العلم القليل في الرجل الصالح مثل العين العذبة في الأرض العذبة ، يزرع عليها صاحبها ما ينتفع به ، ومثل العلم الكثير في الرجل الطالح مثل العين الخرارة في السبخة تهر الليل والنهار ، ولا ينتفع بها . انتهى .
      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
      تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 1 - ص 392
      ( قال إني جاعلك للناس إماما ) * بالبقاء بعد الفناء ، والرجوع إلى الخلق من الحق ، تؤمهم وتهديهم سلوك سبيلي ، ويقتدون بك فيهتدون * ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) * ( البقرة : 124 ) فلا يكونون خلفائي مع ظلمهم وظلمتهم برؤية الأغيار ومجاوزة الحدود * ( وإذ جعلنا ) * بيت القلب مرجعا للناس ، ومحل أمن وسلامة لهم إذا وصلوا إليه وسكنوا فيه من شر غوائل صفات النفس ، وفتك قتال القوى الطبيعية وإفسادها ، وتخييل شياطين الوهم والخيال وإغوائهم

      تفسير الامام احمد الحسن ع

      بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين
      عندما حمل إبراهيم (ع) وهو شاب الفأس ، وكسر الأصنام . وألقاه النمرود وعلماء الضلالة في النار ، كافئه الله سبحانه وتعالى بدون أن يطلب هو (ع) ، بان جعل الأنبياء اللاحقين بعده من ذريته ، ثم إن إبراهيم (ع) استمر بدعوته الإلهية ، فلما امتحنه الله سبحانه وتعالى بالكلمات ، ونجح إبراهيم (ع) بالامتحان والابتلاء ، خاطبه تعالى فقال له : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) .
      و(مرتبة الإمامة الإلهية) مرتبة عالية ، لم ينلها كل الأنبياء والمرسلين (ع) ، وهنا سال إبراهيم (ع) الله سبحانه وتعالى هذا السؤال( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) - أي وهل ان الأنبياء الذين بشرتني بهم فيما مضى هم (أئمة) أيضاً . فقال تعالى : (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) - أي الظالمين من الأنبياء (ع) ، وظلم الأنبياء ليس كظلم غيرهم ، وإنما هو من نوع (حسنات الأبرار سيئات المقربين)[3] - أي إتيانهم بالعمل:ليس على الوجه الأمثل، بسبب : (التمايز بالمعرفةبينهم) (ع) ، فكل منهم (ع) يعبده سبحانه بحسب معرفته ، ولذا تتفاوت عبادتهم . فتكون (سجدة من محمد - ص - ) أفضل من (عبادة الثقلين)، و(ضربة من علي ع-) بـ (عبادة الثقلين)[4].
      وهذا التمايز بيـِّن بينهم (ع) ، وذكره تعالى : (تلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(البقرة:253)فنفس العمل لو كلف به يونس النبي (ع) ، وكلف به محمد (ص) ، لم يكن إتيان يونس به في نفس مستوى إتيان محمد (ص) ، فهذا التقصير من يونس (ع) في الإتيان بالعمل نسبة إلى مايأتي به محمد (ص) هو ظلم من يونس (ع) ، لان هذا التقصير منعه من نيل رتبة عظيمة فُطِرَ كإنسان لينالها ، وبالتالي فان هناك مرتبة من هذا النوع من الظلم يجب أن يتجاوزها الأنبياء والمرسلين من ذرية إبراهيم (ع) لينالوا مرتبة الإمامة ، ولهذا قال تعالى (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي لا ينال الإمامة كل الأنبياء من ذريتك ياإبراهيم ، إنما ينالها الأنبياء والمرسلين من ذريتك الذين يتجاوزون هذا الظلم ، فيرتقون إلى هذه المرتبة ( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونََ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النمل:10-11) . وقد أشار تعالى في القرآن لبعض الأئمة من ذرية إبراهيم (ع) .
      ومنهم موسى (ع) :-قال تعالى (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى)(طـه:22) ، أي خالية من الظلم ، فالإنسان يأخذ ويعطي باليد ، واليد البيضاء تشير إلى عدالة الإنسان التامة مع الناس ومع الله سبحانه وتعالى ، فموسى (ع) طهر نفسه من الظلم بمرتبة عالية كما في الآية (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
      ومنهم عيسى (ع) :-قال تعالى مخبراً عن عيسى (ع)(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)(مريم:33) أي إن عيسى (ع) نال مرتبة الإمامة ، فهو يعطي الأمان لنفسه وللناس ، وأشار تعالى إلى من لم ينل مرتبة الإمامة ، منهم كيحيى (ع) قال تعالى : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً)(مريم:15) أي انه لم يصل إلى مرتبة الإمامة لكي يعطي للناس ولنفسه الأمان وإنما هو مهد الطريق لعيسى (ع) ، ووجه الناس إليه (ع) .
      أما قول بعضهم إن إبراهيم (ع) كان يحمل هم ذريته ، فإذا كانوا يقصدون انه (ع) أراد لهم الإمامة (ع) فهذا لا ، لان إبراهيم (ع) لم يكن حريصاً على دنيا ، ولا على آخرة ، إنما كان حريصاً على رضا الله سبحانه وتعالى . ودعاء الأنبياء وإبراهيم (ع) لذريتهم إنما هو للصالحين منهم ، بعد علم الأنبياء (ع) بصلاحهم ، ومن قبل إبراهيم (ع) نوح (ع) فانه لعن ابنه بعد أن لعنه الله سبحانه ، وبعد أن علم انه ضال عن الصراط المستقيم ، ومن أهل الجحيم .
      فلم يكن إبراهيم (ع) أو الأنبياء يحملون هم ذريتهم لأنهم أولادهم ، وإلا لكانوا بذلك على درجة كبيرة من حب الأنا والانحراف عن الصراط المستقيم (حاشاهم من ذلك)، وهم خيرة الله من خلقه ، إنما كان إبراهيم والأنبياء (ع) يحملون هم الصالحين من ذريتهم ، لأنهم علموا بصلاحهم ، ولأنهم علموا أن هؤلاء الأبناء الصالحين سوف يخلفونهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، وتحمل العناء والمشقة والأذى من الناس في سبيل : نشر التوحيد وكلمة الله سبحانه وتعالى في أرضه.
      فكان إبراهيم (ع) والأنبياء (ع) يحملون هم الصالحين من ذريتهم ، لأنهم أولياء الله سبحانه ، لا لأنهم أولادهم . والفرق شاسع بين الأمرين ، كالفرق بين حب الله سبحانه ، وحب الدنيا في قلب الصالح والطالح .
      *****

      والحمد لله مالك الملك
      sigpic

      Comment

      • GAYSH AL GHADAB
        مشرف
        • 13-12-2009
        • 1797

        #4
        رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

        الحلقة الرابعة

        س/ قال تعالى (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (الواقعة:11-14) .
        من هم المقربون؟ ومن هم الأولون ؟ ومن هم الآخرون ؟ . ولماذا من الأولين ثلة ومن الآخرين قليل ؟ ! .


        بسم الله الرحمن الرحيم
        وصل الله عل محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما



        تفاسير الشيعة:


        شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج 6 - ص 245 - 246
        قوله تعالى ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) إشارة إلى أن في آخر الزمان يعني بعد نبينا ( صلى الله عليه وآله ) لا يكون في كل وقت وزمان إلا واحد من الأوصياء بخلاف الزمان السابق فإنه كان في عهد واحد جماعة من الأنبياء والأوصياء هذا والظاهر أن الضمير راجع ‹ صفحة 246 › إلى الأولياء بدليل ما بعده ، وفيه حينئذ شكاية من قلة أنصار الإمام حتى صار مقهورا للأعادي مستورا عن الخلق .
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 66 - ص 183 - 184
        ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " إلى آخر الآيات وقد مر تفسير الآيات في باب درجات الايمان " فإنهم " بكسر الهمزة ، وقد يقرأ بفتحها أي فلأنهم أنبياء ، كأنه عليه السلام غلب الأنبياء على الأوصياء لان الأوصياء في الأمم السابقة كان أكثرهم أو كلهم أنبياء فهذا يشمل الأئمة عليهم السلام . وفي حديث جابر ، عن الصادق عليه السلام : فالسابقون هم رسل الله وخاصة الله من خلقه ( 1 ) وفي رواية أخرى الأنبياء والأوصياء ، ويمكن عطف " غير مرسلين " ‹ صفحة 184 › على الأنبياء لكنه أبعد ، وكأن فيه نوع تقية وفي البصائر " مرسلين وغير مرسلين "
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 109 - ص 5 - 6
        الباب الثاني عشر انه عليه السلام السابق في القرآن وفيه نزلت : ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) ( 332 ) ‹ صفحة 6 › في أن : ( والسابقون السابقون ) علي عليه السلام وشيعته ( 332 ) في أن قوله تعالى : ( الذين هم من خشية ربهم مشفقون ) نزلت في علي وولده عليهم السلام ( 334 )

        تفسير فرات الكوفي - فرات بن إبراهيم الكوفي - ص 465 - 466
        عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : سألته عن قول الله [ تعالى . ر ] : ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) قال : ثلة من الأولين : ابن آدم المقتول ومؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب يس ( وقليل من الآخرين ) [ أمير المؤمنين . ر ] علي بن أبي طالب ‹ صفحة 466 › عليه السلام
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 19 - ص 121
        قوله تعالى : " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " الثلة - على ما قيل - الجماعة الكثيرة ، والمراد بالأولين الأمم الماضون للأنبياء السابقين ، وبالآخرين هذه الأمة على ما هو المعهود من كلامه تعالى في كل موضع ذكر فيه الأولين والآخرين معا ومنها ما سيأتي من قوله : " أإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " فمعنى الآيتين : هم أي المقربون جماعة كثيرة من الأمم الماضين وقليل من هذه الأمة . وبما تقدم يظهر أن قول بعضهم : أن المراد بالأولين والآخرين أولوا هذه الأمة وآخروها غير سديد .
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 28 - ص 120 - 121
        حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة أيضا كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة ، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأولين ، وقرأ قول الله عز وجل : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ممن بقي من أهل الاسلام إلى أن تقوم الساعة ، قال : وقد جعل الله فيهم سابقين ، وقرأ قول الله عز ‹ صفحة 121 › وجل : والسابقون أولئك المقربون ، وقال : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين فثلة من الأولين سابقون ، وقليل السابقون من الآخرين ، وقرأ : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين . . . حتى بلغ ثلة من الأولين ، وثلة من الآخرين أيضا ، قال : والسابقون من الأولين أكثروهم من الآخرين قليل ، وقرأ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان . . . الآية ، قال : هؤلاء من أهل الاسلام إلى أن تقوم الساعة .

        تأويل الآيات - شرف الدين الحسيني - ج 2 - ص 643 - 644
        تأويله : قال محمد بن العباس ( رحمه الله ) : حدثنا محمد بن جرير ( 3 ) عن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن الحسين ، عن محمد بن الفرات ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله عز وجل ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) قال " ثلة من الأولين " ابن آدم الذي قتله أخوه ، ومؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار صاحب ياسين " وقليل من الآخرين " علي بن أبي طالب عليه السلام ( 4 ) . وقوله تعالى . ثلة من الأولين ( 39 ) وثلة من الآخرين ( 40 ) 8 - تأويله : قال محمد بن العباس ( رحمه الله ) : حدثنا الحسن ( 5 ) بن علي التميمي عن سليمان بن داود الصيرفي ، عن أسباط ، عن أبي سعيد المدائني قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال : " ثلة من الأولين " حزقيل مؤمن آل فرعون " وثلة من الآخرين " علي بن أبي طالب عليه السلام ( 6 ) . ومعنى الثلة الجماعة وإنما ذكر الواحد بمعنى الجمع تفخيما لشأنه وإجلالا ‹ صفحة 644 › لقدره ، كما قال سبحانه ( إن إبراهيم كان أمة ) ( 1 ) . والأمة الجماعة ، وهذا كثير في القرآن المجيد وغيره .

        تفاسير السنة
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير ابن أبي حاتم - ابن أبي حاتم الرازي - ج 10 - ص 3330
        عن أبي هريرة قال : لما نزلت : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' اني لارجوا ان تكونوا ربع أهل الجنة ، بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم الشطر الثاني ' . قوله تعالى : موضونة اية 15
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير السمرقندي - أبو الليث السمرقندي - ج 3 - ص 370
        ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) * يعني إن السابقين تكون جماعة من الأولين يعني من أول هذه الأمة مثل الصحابة والتابعين * ( وقليل من الآخرين ) * يعني إن السابقين في آخر هذه الأمة يكونون قليلا وقال بعضهم * ( ثلة من الأولين ) * يعني جمع من الأمم الخالية * ( وقليل من الآخرين ) * يعني من هذه الأمة فحزن المسلمون بذلك حتى نزلت * ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) * فطابت أنفسهم والطريق الأول أصح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كلتا الثلتين من أمتي ) وروي عن عبد الله بن يزيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أهل الجنة عشرون ومائة صنف هذه الأمة منها ثمانون صنفا )
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج 9 - ص 211 - 213
        حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عيسى بن موسى أبو محمد وغيره ، عن عروة بن دويم قال : لما أنزل الله عز وجل على رسوله ثلة من الأولين وقليل من الآخرين بكى عمر ح فقال : يا نبي الله ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ؟ آمنا برسول الله وصدقناه ومن ينجو منا قليل فأنزل الله عز وجل " * ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) * ) فدعا رسول الله عمر فقال : ( يا بن الخطاب قد أنزل الله عز وجل فيما قلت ، فجعل : " * ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) * ) . فقال عمر : رضينا عن ربنا ونصدق نبينا ‹ صفحة 212 › فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من آدم إلينا ثلة ومني إلى ( يوم ) القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل من قال لا إله إلا الله ) . وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير ، حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد عن قتادة قال الحسن : حدثني عمر بن أبي حصين عن عبد الله بن مسعود قال : تحدثنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى أكرينا الحديث ثم رجعنا إلى أهلنا فلما أصبحنا غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عرضت علي الأنبياء الليلة بأتباعها من أمتها ، وكان النبي يجيء معه الثلاثة من أمته والنبي معه العصابة من أمته والنبي معه النفر من أمته والنبي معه الرجل من أمته والنبي ما معه من أمته أحد حتى أتى موسى في كبكبة بني إسرائيل ، فلما رأيتهم أعجبوني فقلت : أي رب من هؤلاء ؟ قيل : هذا أخوك موسى بن عمران ومن حفه من بني إسرائيل . قلت : ربي فأين أمتي ؟ قيل : انظر عن يمينك فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال . فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل : هؤلاء أمتك أرضيت ؟ فقلت : رب رضيت ، قيل : انظر عن يسارك فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال . فقلت : رب من هؤلاء ؟ قيل : هؤلاء أمتك أرضيت ؟ قلت : رب رضيت ، فقيل : إن مع هؤلاء سبعين ألفا من أمتك يدخلون الجنة . لا حساب عليهم . قال : فأنشأ كاشة بن محصن رجل من بني أسد بن خزيمة فقال : يا نبي الله إدع ربك أن يجعلني منهم فقال : ( اللهم إجعله منهم ) ثم أنشأ رجل آخر فقال : يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم . قال : ( سبقك بهما عكاشة ) . فقال صلى الله عليه وسلم ( فداكم أبي وأمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا ، وإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الظراب ، فإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الأفق ، فإني قد رأيت ثم أناسا يتهاوشون كثيرا ) . قال : فقلت : من هؤلاء السبعون ألفا ؟ فاتفق رأينا على أنهم أناس ولدوا في الإسلام فلم يزالوا يعملون به حتى ماتوا عليه فنهي حديثهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ليس كذلك ولكنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع أهل الجنة ) فكبرنا ثم ‹ صفحة 213 › قال : ( إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) فكبرنا . ثم قال : ( إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " * ( ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين ) * ) . وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك " * ( ثلة من الأولين ) * ) يعني من سابقي هذه الأمة " * ( وقليل من الآخرين ) * ) من هذه الأمة في آخر الزمان . يدل عليه ما أخبرنا الحسين بن محمد ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني ، حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب محمد بن كثير ، حدثنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية " * ( ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين ) * ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هما جميعا من أمتي ) .
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        أسباب نزول الآيات - الواحدي النيسابوري - ص 270
        قوله تعالى : ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال عروة بن رويم : أنزل الله تعالى - ثلة من الأولين وقليل من الآخرين - بكى عمر وقال : يا رسول الله آمنا بك وصدقناك ومع هذا كله من ينجو منا قليل ، فأنزل الله تعالى - ثلة من الأولين وثلة من الآخرين - فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال : يا عمر بن الخطاب قد أنزل الله فيما قلت ، فجعل ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال عمر : رضينا عن ربنا وتصديق نبينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من آدم إلينا ثلة ، ومنى إلى يوم القيامة ثلة ، ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله .
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير البغوي - البغوي - ج 4 - ص 284 - 285
        ( قوله عز وجل ( لأصحاب اليمين ) يريد أنشأناهن لأصحاب اليمين 39 ( ثلة من الأولين ) من المؤمنين الذين كانوا قبل هذه الأمة 40 ( وثلة من الآخرين ) من مؤمني هذه الأمة هذا قول عطاء ومقاتل أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد العدل ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق ثنا محمد بن عبد العزيز ثنا عيسى بن المساور ثنا الوليد بن مسلم ثنا عيسى بن موسى عن عروة بن رويم قال لما أنزل الله على رسوله ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) بكى عمر رضي الله عنه فقال يا نبي الله آمنا برسول الله ‹ صفحة 285 › صلى الله عليه وسلم وصدقناه ومن ينجو منا قليل فأنزل الله عز وجل ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال \ قد أنزل الله عز وجل فيما قلت \ فقال عمر رضي الله عنه رضينا عن ربنا وتصديق لنبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من آدم إلينا ثلة ومنى إلى يوم القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير البغوي - البغوي - ج 4 - ص 285 - 286
        ورواه عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ عرضت علي الأنبياء الليلة باتباعها حتى أتى علي موسى عليه السلام في كبكبه بني إسرائيل فلما رأيته أعجبوني فقلت أي رب هؤلاء قيل هذا أخوك موسى ومن بني إسرائيل قلت رب فأين أمتي قيل انظر عن يمينك فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال قيل هؤلاء أمتك أرضيت قلت رب رضيت رب رضيت قيل انظر عن يسارك فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال قيل هؤلاء أمتك أرضيت قلت رب رضيت فقيل إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة لا حساب لهم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا وإن عجزتم وقصرتم فكنوا من أهل الظراب وإن عجزتم فكونوا من أهل الأفق فإني قد رأيت ثم أناسا يتهاوشون كثيرا \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة فقال \ أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسملة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر \ وذهب جماعة إلى أن الثلثين جميعا من هذه الأمة وهو قول أبي العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك قالوا ( ثلة من الأولين ) من سابقي هذه الأمة ( وثلة من الآخرين ) من هذه الأمة في آخر الزمان أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد الدينوري ثنا أحمد بن إسحاق الضبي أنا أبي خليفة الفضل بن الحباب ثنا محمد بن كثير أنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‹ صفحة 286 › الواقعة الآية 41 56 \ هما جميعا أمتي
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير النسفي - النسفي - ج 4 - ص 207
        ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) * اى هم ثلة والثلة الأمة من الناس الكثيرة والمعنى ان السابقين كثير من الأولين وهم الأمم من لدن آدم إلى نبينا محمد عليهما السلام وقليل من الآخرين هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم قيل من الأولين من متقدمى هذه الأمة من الآخرين من متاخريها وعن النبي صلى الله عليه وسلم اللثان جميعا من أمتي
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        دقائق التفسير - ابن تيمية - ج 3 - ص 24
        فالسورة مسوقة بصفة الأبرار وجزائهم على التفصيل وذلك والله أعلم لأنهم أعم من المقربين وأكثر منهم ولهذا يخبر سبحانه عنهم بأنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين وعن المقربين السابقين بأنهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين وأيضا فإن في ذكر جزاء الأبرار تنبيها على أن جزاء المقربين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 4 - ص 306
        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما والذي نفسي بيده ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يحيطون الأرض تقول الملائكة لما جاء مع محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما جاء مع الأنبياء عليهم السلام " وحسن أن يذكر ههنا عند قوله تعالى " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين "
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 27 - ص 134 - 135
        لما نزلت * ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) * شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت * ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) * فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة - أو شطر أهل الجنة - وتقاسمونهم النصف الثاني " وظاهره أنه شق عليهم قلة من وصف بها وأن الآية الثانية أزالت ذلك ورفعته وأبدلته بالكثرة ، ويدل على ذلك ما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : لما نزلت * ( ثلة من الأولين وقلل من الآخرين ) * حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‹ صفحة 135 › وقالوا إذا لا يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قليل فنزلت نصف النهار * ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) * فنسخت * ( وقليل من الآخرين ) * وأبى ذلك الزمخشري فقال : إن الرواية غير صحيحة لأمرين : أحدهما : أن الآية الأولى واردة في السابقين ، والثانية : في أصحاب اليمين ، والثاني أن النسخ في الأخبار غير جائز فإذا أخبر تعالى عنهم بالقلة لم يجز أن يخبر عنهم بالكثرة من ذلك الوجه وما ذكر من عدم جواز النسخ في الأخبار أي في مدلولها مطلقا هو المختار . وقيل : يجوز النسخ في المتغير إن كان عن مستقبل لجواز المحو لله تعالى فيما يقدره والاخبار يتبعه ، وعلى هذا البيضاوي ، وقيل : يجوز عن الماضي أيضا وعليه الإمام الرازي . والآمدي ، وأما نسخ مدلول الخبر إذا كان مما لا يتغير كوجود الصانع وحدوث العالم فلا يجوز اتفاقا فإن كان ما نحن فيه مما يتغير فنسخه جائز عند البيضاوي ويوافقه ظاهر خبر أبي هريرة الثاني ، ولا يجوز على المختار الذي عليه الشافعي وغيره فقول " صاحب الكشف " : لا خلاف في عدم جواز النسخ في مثل ما ذكر من الخبر إذ لا يتضمن حكما شرعيا لا يخلو عن شيء . وأقول : قد يتعقب ما ذكره الزمخشري بأن الحديث قد صح وورود الآية الأولى في السابقين والثانية في أصحاب اليمين لا يرد مقتضاه فإنه يجوز أن يقال : إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما سمعوا الآية الأولى حسبوا أن الأمر في هذه الأمة يذهب على هذا النهج فيكون أصحاب اليمين ثلة من الأولين وقليلا منهم فيكثرهم الفائزون بالجنة من الأمم السوالف فحزنوا لذلك فنزل قوله تعالى في أصحاب اليمين : * ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) * وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما قال مما أذهب به حزنهم وليس في هذا نسخ للخبر كما لا يخفى . وقول أبي هريرة فنسخت * ( وقليل من الآخرين ) * إن صح عنه ينبغي تأويله بأن يقال أراد به فأزالت حسبان أن يذكر نحوه في الفائزين بالجنة من هذه الأمة غير السابقين فتدبر ، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : الفرقتان أي في قوله تعالى : * ( ثلة من الأولين وقليل من الأخرين ) * في أمة كل نبي في صدرها ثلة وفي آخرها قليل ، وقيل : هما من الأنبياء عليهم السلام كانوا في صدر الدنيا كثيرين وفي آخرها قليلين . وقال أبو حيان : جاء في الحديث - الفرقتان في أمتي فسابق أول الأمة ثلة وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل - انتهى
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 2 - ص 391
        عن أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على المسلمين فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال أنتم ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الباقي حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا اسود بن عامر ثنا شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله نبئني بأحق الناس منى صحبة فقال نعم والله لتنبأن قال من قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أباك
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 7 - ص 118 - 119
        عن أبي هريرة قال لما نزلت ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) شق ذلك على المسلمين فنزلت ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) . رواه أحمد من حديث محمد بياع الملا عن أبيه ولم أعرفهما ، وبقية رجاله ثقات . وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال جميعهما من هذه ‹ صفحة 119 › الأربعة
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        فتح الباري - ابن حجر - ج 11 - ص 335
        أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على الصحابة فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني
        . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
        المعجم الكبير - الطبراني - ج 10 - ص 5 - 6
        قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم إن استطعتم معبد أنتم وأمي أن تكونوا من السبعين فكونوا فإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أصحاب الظراب فإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أصحاب الأفق فإني قد رأيت أناسا يتهاوشون كثيرا ثم قال إني لأرجو أن يكون من يتبعني من أمتي ربع الجنة فكبر القوم ثم قال إني لأرجو أن يكون شطر أهل الجنة فكبر القوم ثم تلا ‹ صفحة 6 › هذه الآية ثلة من الأولين وقليل من الأخرين فتذاكروا بينهم من هؤلاء السبعون الألف فقال بعضهم قوم ولدوا في الإسلام فماتوا عليه حتى رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون 9766 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين عن ابن مسعود قال أكثروا الحديث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ثم غدونا عليه فقال عرضت علي الأنبياء بأممها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمر ومعه الثلة والنبي ومعه العصابة والنبي ومعه النفر والنبي وليس معه أحد حتى مر علي موسى عليه السلام معه كبكبة من بني إسرائيل فأعجبوني فقلت من هؤلاء فقيل هذا أخوك موسى ومعه بنو إسرائيل قلت فأين أمتي قيل أنظر عن يمينك فنظرت فإذا الظراب قد سد بوجوه الرجال ثم قيل لي أنظر عن يسارك فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال فقيل لي أرضيت قلت رضيت يا رب رضيت يا رب فقيل لي إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب قال النبي صلى الله عليه وسلم فداء لكم أبي وأمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين ألفا فافعلوا فإن قصرتم فكونوا من أهل الظراب فإن قصرتم فكونوا من أهل الأفق فإني قد رأيت ناسا يتهاوشون فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال ادع لي يا رسول الله أن يجعلني من السبعين فدعا له فقام رجل آخر فقال ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال قد سبقك بها عكاشة قال ثم تحدثنا فقلنا من هؤلاء السبعون الألف قوم ولدوا في الإسلام حتى ماتوا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون

        تفسير الامام احمد ع :
        بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين

        المقربون هم : سبعون ألف شيعة علي أبن أبي طالب (ع) ، أو : الإنسان الكامل المذكور في القران ، وهؤلاء فيهم : بعض الأنبياء والمرسلين والأئمة –ع-، وقليل من امة محمد (ص) كـ سلمان ومالك الأشتر والثلاثمائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي -ع-
        و الأولون هم :- الأمم السالفة وفيهم كثير من الأنبياء والمرسلين ، وهم 124 ألف نبي فيهم كثير من المقربين .
        والآخرون هم :- امة محمد (ص) ، وفيهم جماعة من المقربين اقل بكثير من العدد الموجود في الأمم السالفة ، والذين معظمهم أنبياء ومرسلين .
        والمقربون من الأمم السالفة ، وهم أنبياء ومرسلون عددهم إذا قيس إلى عدد بني ادم فهم جماعة قليلة ، ولذلك عبر عنهم بالثلة ، فهم عشرات الآلاف نسبة إلى مليارات البشر .
        أما المقربون من امة محمد (ص) ، فعددهم نسبة إلى هذه الثلة من الأمم السالفة قليل ، فهم مئات نسبةٌ إلى المقربون من الأمم السالفة وهم عشرات الآلاف ، ونسبةٌ إلى بني ادم وهم مليارات .
        وأيضا المقربون هم (شيعة رسول الله محمد - ص-) ، وفي هذه الحالة يدخل فيهم قائدهم وسيدهم : علي (ع) ، فيكون هو وخاصته القليل : (من الآخرين) .



        والحمد لله مالك الملك
        sigpic

        Comment

        • نرجس
          مشرف
          • 04-01-2010
          • 1167

          #5
          رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

          كلام النور احمد ع كونوا كالماء يطهر النجاسة ولكن يتخللها ويسير معها حتى يزيلها عن البدن برقة وبدون اذى للبدن لاتكونوا سكين تقطع اللحم مع النجاسة فتسببوا الم للبدن ربما يجعله يختار النجاسة على طهارتكم من شدة الالم

          Comment

          • GAYSH AL GHADAB
            مشرف
            • 13-12-2009
            • 1797

            #6
            رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

            الحلقة الخامسة


            { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } * { فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } * {فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ

            سؤال/ 7: كيف يليق بنبي من أولي العزم وهو إبراهيم ع أن يقول عن الكوكب أو القمر أو الشمس بأنه ربي؟!


            تفاسير الشيعة

            تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق
            اللغة: يقال جنّ عليه الليل وجنه الليل وأجنه الليل إذا أظلم حتى يستر بظلمته ويقال لكل ما ستر قد جن وأجن ومنه اشتقاق الجن لأنهم استجنّوا عن أعين الناس وقال الهذلي:
            وَماءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرى وَقَدْ جَنَّهُ السّدَفُ الأدْهَمُ
            ويقال أجننت الميت وجننته إذا واريته في اللحد وأفل يأفل أفوالاً إذا غاب قال ذو الرمة:
            مَصابيحُ لَيْسَتْ باللَّواتي يَقُودُها نُجُومٌ وَلا بالآفِلاتِ الدَّوالِكِ
            والبزوغ الطلوع يقال بزغت الشمس إذا طلعت ويسمى ثلاث ليال من أول الشهر الهلال ثم يسمى قمراً إلى آخر الشهر وإنما يسمى قمراً لبياضه وحمار أقمر أبيض والحنيف المائل إلى الحق.

            الإعراب: السؤال يقال لم قال هذا ربي ولم يقل هذه كما قال بازغة. والجواب: إن التقدير هذا النور الطالع ربي ليكون الخبر والمخبر عنه جميعاً على التذكير كما كان جميعاً على التأنيث في رأى الشمس بازغة وقال ابن فضال المجاشعي قولـه { رأى الشمس بازغة } إخبار من الله تعالى وقولـه { هذا ربي } من كلام إبراهيم والشمس مؤنثة في كلام العرب وأما في كلام ما سواهم فيجوز أن لا تكون مؤنثة وإبراهيم (ع) لم يكن عربياً فحكى الله تعالى كلامه على ما كان في لغته ويقال لم أنَّث الشمس وذكَّر القمر والجواب أن تأنيثها تفخيم لها لكثرة ضيائها على حدِّ قولـهم نسَّابة وعلاَّمة وليس القمر كذلك لأنه دونها في الضياء ويقال لم دخلت الألف واللام فيها وهي واحدة ولم تدخل في زيد وعمرو قيل لأن شعاع الشمس يقع عليه اسم الشمس فاحتيج إلى التعريف إذا قصد إلى جرم الشمس أو إلى الشعاع على طريق الجنس أو الواحد من الجنس وليس زيد ونحوه كذلك.

            المعنى: لمَّا تقدم ذكر الآيات التي أراها الله تعالى إبراهيم (ع) بيَّن سبحانه كيف استدلَّ بها وكيف عرف الحق من جهتها فقال { فلما جنَّ عليه الليل } أي أظلم عليه وستر بظلامه كل ضياء { رأى كوكباً } واختلف في الكوكب الذي رآه فقيل هو الزهرة. وقيل: هو المشتري { قال هذا ربي فلما أفل } أي غرب { قال لا أحب الآفلين } واختلف في تفسير هذه الآيات على أقوال:

            أحدها: أن إبراهيم (ع) إنما قال ذلك عند كمال عقله في زمان مهلة النظر وخطور الخاطر الموجب عليه النظر بقلبه لأنه (ع) لما أكمل الله عقله وحرَّك دواعيه على الفكر والتأمل رأى الكوكب فأعظمه وأعجبه نوره وحسنه وقد كان قومه يعبدون الكواكب فقال هذا ربي على سبيل الفكر فلما أفل علم أن الأفول لا يجوز على الإله فاستدلَّ بذلك على أنه محدث مخلوق وكذلك كانت حاله في رؤية القمر والشمس فإنه لما رأى أفولهما قطع على حدوثهما واستحالة إلهيتهما وقال في آخر كلامه { يا قوم إني برىء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض } إلى آخره وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه وهذا اختيار أبي القاسم البلخي وغيره قال وزمان مهلة النظر هي أكثر من ساعة وأقل من شهر ولا يعلم ما بينهما إلا الله تعالى.
            وثانيها: أنهُ إنما قال ذلك قبل بلوغه ولما قارب كمال العقل حرَّكتهُ الخواطر فيما شاهده من هذه الحوادث فلما رأى الكوكب ونوره وإشراقه وزهوره ظنَّ أنهُ ربهُ فلما أفل وانتقل من حال إلى حال قال لا أحب الآفلين { فلما رأى القمر بازغاً } عند طلوعه ورأى كبره وإشراقه وانبساط نوره وضياءه في الدنيا { قال هذا ربي فلما أفل } وصار مثل الكوكب في الأفول والغيبوبة وعلم أنه لا يجوز أن يكون ذلك صفة الإله { قال لئن لم يهدني ربي } إلى رشدي ولم يوفقني ويلطف بي في إصابة الحق من توحيده { لأكونن من القوم الضالين } بعبادة هذه الحوادث { فلما رأى الشمس بازغة } أي طالعة وقد ملأت الدنيا نوراً ورأى عظمها وكبرها { قال هذا ربي هذا أكبر } من الكوكب والقمر { فلما أفلت قال } حينئذ لقومه { يا قوم إني برىء مما تشركون } مع الله الذي خلقني وخلقكم في عبادته من آلهتكم فلما أكمل الله عقله وضبط بفكره النظر في حدوث الأجسام بأن وجدها غير منفكة من المعاني المحدثة وأنه لا بُدَّ لها من محدث قال حينئذ لقومه { إني وجهتُ وجهي } أي نفسي { للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً } أي مخلصاً مائلاً عن الشرك إلى الإخلاص { وما أنا من المشركين } وهذا اختيار أبي علي الجبائي ويسأل عن القول الأول كيف قال (ع) هذا ربي مخبراً وهو غير عالم بما يخبر به والإخبار بما لا يأمن المخبر أن يكون فيه كاذباً قبيح والجواب عنه من وجهين أحدهما: أنه لم يقل ذلك مخبراً وإنما قاله فارضاً ومُقَدِّراً على سبيل التأمل كما يفرض أحدنا إذا نظر في حدوث الأجسام كونها قديمة ليتبيَّن ما يؤدّي إليه الفرض من الفساد ولا يكون بذلك مخبراً في الحقيقة والأخر: أنه أخبر عن ظنِّة قد يجوز أن يظنَّ المتفكر في حال فكره ونظره ما لا أصل له ثم يرجع عنه بالأدلة.

            سؤال آخر: كيف تعجَّب إبراهيم (ع) من رؤية هذه الأشياء تعجُّب من لم يكن رآها وكيف يجوز أن يكون مع كمال عقله لم يشاهد السماء والكواكب والجواب أنه لا يمتنع أن يكون (ع) ما رأى السماء إلا في ذلك الوقت لأنه قد روي أنه أمه كانت ولدته في مغارة خوفاً من أن يقتله نمرود وَمَنْ يكون في المغارة لا يرى السماء فلما قارب البلوغ وبلغ حدَّ التكليف خرج من المغارة ورأى السماء وقد يجوز أيضاً أن يكون قد رأى السماء قبل ذلك إلا أنه لم يفكر في أعلامها لأن الفكر لم يكن واجباً عليه وحين كمل عقله فكَّر في ذلك.
            وثالثها: أن إبراهيم (ع) لم يقل هذا ربي على طريق الشك بل كان عالماً موقناً أن ربه سبحانه لا يجوز أن يكون بصفة الكواكب وإنما قال ذلك على سبيل الإنكار على قومه والتنبيه لهم على أن من يكون إلهاً معبوداً لا يكون بهذه الصفة الدالة على الحدوث ويكون قولـه { هذا ربي } محمولاً على أحد الوجهين إما على أنه كذلك عندكم وفي مذاهبكم كما يقول أحدنا للمشبِّه هذا ربه جسم يتحرك ويسكن وإما على أن يكون قال ذلك مستفهماً وأسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنه وقد كثر مجيء ذلك في كلام العرب قال أوس بن حجر:
            لَعَمْرُكَ لا أَدْري وَإِنْ كُنْتُ دارِياً شُعَيْبُ بْنُ شَهْمَ أَمْ شُعَيْبُ بْنُ مِنْقَرِ
            وقال الأخطل:
            كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بواسِط غَلَسَ الظّلاَمِ مِنَ الرّبابِ خيالا
            وقال عمر بن أبي ربيعة:
            ثُمَّ قالُوا تُحِبُّــــها قُلْـــتُ بَهْراً عَدَدَ القَطْرِ وَالحَصى وَالتُّرابِ
            أي أتحبها؟ وقال آخر:
            رَفَوْني وَقَالُوا يا خُوَيْلِدُ لا تُرَعْ فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ
            أي أَهُمْ هُمْ وروي عن ابن عباس أنه قال في قولـه
            { فلا اقتحم العقبة }
            [البلد: 11] معناه أفلا اقتحم فحذف حرف الاستفهام.

            ورابعها: أنه (ع) إنما قال استخداعاً للقوم يريهم قصور علمهم وبطلان عبادتهم لمخلوق جارٍ عليه أعراض الحوادث فإنهم كانوا يعبدون الشمس والقمر والكواكب وبعضهم يعبدون النيران وبعضهم يعبدون الأوثان فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه قال لهم هذا ربي في زعمكم كما قال
            { أين شركائي الذين كنتم تزعمون }
            [القصص: 62 و 74] فأضافه إلى نفسه حكاية لقولـهم فكأنه قال لهم هذا ربي في قولكم. وقيل: إنه نوى في قلبه الشرط أي إن كان ربكم هذا الحجر كما تزعمون فهذا الكوكب وهذا القمر والشمس ربي ولم يكن الحجر ربهم ولا الكوكب ربه وفي هذه الآيات دلالة على حدوث الأجسام وإثبات الصانع.

            وإنما استدل إبراهيم بالأفول على حدوثها لأن حركتها بالأفول أظهر ومن الشبهة أبعد وإذا جازت عليها الحركة والسكون فلا بُدَّ أن تكون مخلوقة محدثة وإذا كانت محدثَة فلا بُدَّ لها من محدِث، والمحدِث لا بد أن يكون قادراً ليصحَّ منه الإحداث، وإذا أحدثها على غاية الانتظام والإحكام فلا بُدَّ أن يكون عالماً وإذا كان قادراً عالماً وجب أن يكون حيًّا موجوداً.
            وفيها تنبيه لمشركي العرب وزجر لهم عن عبادة الأصنام وحثٌّ لهم على سلوك طريق أبيهم إبراهيم (ع) في النظر والتفكر لأنهم كانوا يعظّمون آباءهم فأعلمهم سبحانه أن اتباع الحق من دين إبراهيم الذي يُقِرُّون بفضله أوجب عليهم.
            القصة: ذكر أهل التفسير والتاريخ أن إبراهيم (ع) ولد في زمن نمرود بن كنعان وزعم بعضهم أن نمرود كان من ولاة كيكاوس وبعضهم قال كان ملكاً برأسه. وقيل لنمرود أنه يولد في بلده هذه السنة مولود يكون هلاكه وزوال ملكه على يده ثم اختلفوا فقال بعضهم إنما قالوا ذلك من طريق التنجيم والتكّهن وقال آخرون بل وجد ذلك في كتب الأنبياء.
            وقال آخرون رأى نمرود كأنَّ كوكباً طلع فذهب بضوء الشمس والقمر فسأل عنه فعُبّر بأنه يولد غلام يذهب ملكه على يده عن السدي فعند ذلك أمر بقتل كل ولد يولد تلك السنة وأمر بأن يعزل الرجال عن النساء وبأن يتفحص عن أحوال النساء فمن وجدت حُبلى تحبس حتى تلد فإن كان غلاماً قتل وإن كانت جارية خُليت حتى حبلت أم إبراهيم فلما دنت ولادة إبراهيم خرجت أمه هاربة فذهبت به إلى غارٍ ولفَّته في خرقة ثم جعلت على باب الغار صخرة ثم انصرفت عنه فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصُّها فتشخب لبناً وجعل يشبُّ في اليوم كما يشبُّ غيره في الجمعة ويشبُّ في الجمعة كما يشبُّ غيره في الشهر ويشبُّ في الشهر كما يشبُّ غيره في السنة فمكث ما شاء الله أن يمكث.
            وقيل: كانت تختلف إليه أمه فكان يمصُّ أصابعه فوجدته يمصُّ من أصبع ماء ومن أصبع لبناً ومن أصبع عسلاً ومن أصبع تمراً ومن أصبع سمناً عن أبي روق ومحمد بن إسحاق ولما خرج من السرب نظر إلى النجم وكان آخر الشهر فرأى الكوكب قبل القمر ثم رأى الشمس فقال ما قال ولما رأى قومه يعبدون الأصنام خالفهم وكان يعيب آلهتهم حتى فشا أمره وجرت المناظرات.
            تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق
            قرأ ابن ذكوان، وحمزة والكسائي وخلف، ويحيى والكسائي عن أبي بكر (رأى) بكسر الراء وامالة الهمزة منه ومن قوله
            { رأى أيديهم }
            في هود، و { رآى قمصه } و
            { رأى برهان ربه }
            في يوسف و
            { رأى نارا }
            في طه و
            { لقد رأى }
            في النجم سبعة مواضع. وهو ما لم يقله ساكن ولم يتصل بمكنى، وافقهم العليمي في { رأى كوكبا } حسب.

            وقرأ أبو عمرو - بفتح الراء - وإِمالة الهمزة فيهن. الباقون بفتح الراء والهمزة. فأن لقي (رأى) ساكنا، وهو ستة مواضع ها هنا: { رأى القمر } و { رأى الشمس } وفي النحل
            { وإذا رأى الذين أشركوا }
            وفي الكهف
            { ورأى المجرمون }
            وفى الاحزاب
            { ولما رأى المؤمنون }
            بكسر الراء وكسر الهمزة فيهن حمزة وخلف وبصير وأبو بكر الا الاعشى. البرجمي. الباقون بفتح الراء والهمزة فان اتصل رأى بمكنى نحو (رآه ورآك ورآها) فكسر الراء وامال الهمزة حيث وقع حمزة والكسائى وخلف ويحيى والكسائي عن أبي بكر.

            وقرأ أبو عمرو والداحوني عن ابن ذكوان - بفتح الراء وامالة الهمزة - الباقون بفتحهما. قال ابو علي الفارسي: وجه قراءة من لم يملها انه ترك الامالة كما تركوا الامالة في قولهم: دعا، ورمى. فلما لم يمل الالف لم يمل الالف التي قبلها، كما أمالها من يرى الامالة ليميل الالف نحو الياء.

            ومن قرأ بين الفتح والكسر كما قرأ نافع، فلا يخلو أن يريد الفتحتين اللتين على الراء والهمزة، او الفتحة التي على الهمزة وحدها، فان كان يريد فتحة الهمزة فأنما أمالها نحو الكسرة ليميل الالف التي في " رأى " نحو الياء كما أمال الفتحة التي على الدال من (هدى) والميم من (رمى). وان كان يريد أنه أمال الفتحتين جميعا التي على الراء والتي على الهمزة، فإِمالة فتحة الهمزة على ما تقدم ذكره، واما امالة الفتحة التي على الراء فأنما أمالها لاتباعه اياها امالة فتحة الهمزة، كأنه امال الفتحة كما أمال الالف في قولك: رأيت عمادا، اذ الفتحة الممالة بمنزلة الكسرة فكما أميلت الفتحة في قولك: من عامر، لكسرة الراء كذلك أميلت فتحة الراء من (رأى) لامالة الفتحة التي على الهمزة. والتقديم والتأخير في ذلك سواء.

            ومن كسر الراء والهمزة فالوجه فيه أنه كسر الراء من (رأى) لان المضارع منه على (يفعل) واذا كان المضارع منه على (يفعل) كان الماضى على (فعل) ألا ترى ان المضارع في الامر العام اذا كان على (يفعل) كان الماضى على فعل. وعلى هذا قالوا: إِيت بيتنا، فكسروا حرف المضارعة. كما كسروا في نحو يحيى، ويعلم، ويفهم. وكسروا الياء أيضا في هذه الحروف، فقالوا: إِيتنا، ولم يكسروها في (يعلم ويفهم) اذا كان الماضى على فعل فيما يترك كسر الراء التي هي فاء، لان العين همزة.
            وحروف الحلق اذا جاءت في كلمة على زنة (فعل) كسرت فيها الفاء لكسر العين في الاسم والفعل، نحو قولهم: غير قعر، ورجل حبر، وفحل، وفي الفعل نحو (شهد ولعب ونعم) فكسرة الياء على هذا كسرة مخلصة محضة، وليست بفتحة ممالة، واما كسرة الهمزة فأنه يراد به امالة فتحتها الى الكسرة، لتميل الالف نحو الياء.

            ومن ترك الامالة اذا لقيها ساكن، فانهم كانوا يميلون الفتحة لميل الالف نحو الياء، فلما سقطت الالف بطلت امالتها بسقوطها، وبطلت بذلك امالة الفتحة نحو الكسرة لسقوط الالف التي كانت الفتحة الممالة لميلها نحو الياء في مثل { رأى الشمس } و { رأى القمر } ونحوهما في جميع القرآن. ومن وافق في بعض ذلك دون بعض أحب الاخذ باللبس.

            ووجه قراءة أبي بكر وحمزة في { رأى الشمس } و { رأى القمر } بكسر الراء وفتح الهمزة في جميع القرآن، أن كسر الراء انما هو للتنزيل الذي ذكرناه، وهو معنى منفصل من إِمالة فتحة الهمزة، ألا ترى انه يجوز ان يعمل هذا المعنى من لا يرى الامالة كما يجوز ان يعمله من يراها. واذا كان كذلك كان انفصال أحدهما من الآخر سائغا غير ممتنع. فأما رواية يحيى عن أبي بكر - بكسر الراء والهمزة معا - فانما يريد بكسرة الهمزة إِمالة فتحتها، فوجه كسر الراء قد ذكروا امالة فتحها مع زوال ما كان يوجب امالتها من حذف الالف، فلأن الالف محذوفة لالتقاء الساكنين. وما يحذف لالتقاء الساكنين ينزل تنزيل المثبت. ألا ترى انهم أنشدوا:
            ولا ذاكر الله الا قليلا
            فنصب الاسم بعد (ذاكر) وان كانت النون محذوفة لما كان الخذف لالتقاء الساكنين. والحذف لذلك في تقدير الاثبات، من حيث كان التقاؤهما غير لازم ولذلك لم تزد الالف في نحو (رمت المرأة) ويشهد لذلك أنهم قالوا: شهد، فكسروا الفاء لكسر العين، ثم أسكنوا فقالوا - شهد، فأبقوا الكسرة في الفاء مع زوال ما كان أصلها وانشد قول الاخطل:
            اذا غاب عنا غاب عنا فرأتنا وان شهد أجدى فضله وجداوله
            وقالوا: صعق، ثم نسبوا اليه فقالوا: صعقي، فأقرُّوا كسرة الفاء مع زوال كسرة العين التي لها كسرت الفاء. وزعم أبو الحسن ان ذلك لغة مع ما فيه من وجوه التلبيس وأنها قراءة.

            يقال: جن عليه الليل، وجنه الليل، وأجنه، وأجنَّ عليه، ومع حذف " على " فأجنه بالالف أفصح من جنه الليل. وكل ذلك مسموع، فلغة أسد جنه الليل، ولغة تميم أجنه، والمصدر من جن عليه جنا وجنونا وجنانا وأجن إِجنانا. ويقال: أتانا فلان في جن الليل. والجن مشتق من ذلك، لانهم استجنوا عن أعين الناس، فلا يُرون، وكلما توارى عن أبصار الناس، فان العرب تقول: قد جن.
            ومنه قول الهذلي:
            وماء وردت قبيل الكرى وقد جنه السدف الادهم
            وقال عبيد:
            وخرق تصيح الهام فيه مع الصدى مخوف اذا ما جنه الليل مرهوب
            وتقول: اجننت الميت اذا واريته في اللحد وجننته وهو مثل جنون الليل في معنى غطيته وسمي الترس مجنا لانه يجن اي يغطي، وقال الشاعر:
            فلما أجن الليل بتنا كأننا على كثرة الاعداء محترسان
            قوله { فلما جن عليه الليل } أي أظلم. وقوله { فلما أفل } معناه غاب يقال: أفل يأفل أفولا، وتقول اين أفلت عنا، واين غبت عنا، قال ذو الرمة:
            مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفات الدوالك
            وقوله { رأى القمر بازغا } أي طالعا، يقال: بزغت الشمس بزوغا اذا طلعت، وكذلك القمر، وقوله للشمس { هذا ربي } وهي مؤنثة معناه هذا الشىء الطالع ربي او على أنه حين ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرَّب في كلامهم، فقال لهم هذا ربي؟!

            وقيل في معنى هذه الآية وجوه أربعة:

            الوجه الاول - ما قاله الجبائي: ان ما حكى الله عن ابراهيم في هذه الآية كان قبل بلوغه، وقبل كمال عقله ولزوم التكليف له، غير انه لمقاربته كمال العقل خطرت له الخواطر وحركته الشبهات والدواعي على الفكر فيما يشاهده من هذه الحوادث، فلما رأى الكوكب - وقيل: انه الزهرة - وبان نوره مع تنبيهه بالخواطر على الفكر فيه وفي غيره ظن انه ربه، وأنه هو المحدث لما شاهده من الاجسام وغيرها { فلما أفل قال لا أحب الآفلين } لانه صار منتقلا من حال الى حال وذلك مناف لصفات القديم { فلما رأى القمر بازغا } عند طلوعه رأى كبره واشراق ما انبسط من نوره في الدنيا { قال هذا ربي } فلما راعاه وجده يزول ويأفل، فصار عنده بحكم الكوكب الذي لا يجوز ان يكون بصفة الاله، لتغيره وانتقاله من حال الى حال، { فلما رأى الشمس بازغة } أي طالعة قد ملأت الدنيا نورا ورأى عظمها وكبرها { قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت } وزالت وغابت، فكانت شبيهة بالكوكب والقمر قال حينئذ لقومه { إني برىء مما تشركون } فلما أكمل الله عقله ضبط بفكره النظر في حدوث الاجسام بأن وجودها غير منفكة من المعاني المحدثة، وأنه لا بدَّ لها من محدث، قال حينئذ لقومه { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.. } الى آخرها.

            والوجه الثإني - ما قاله البلخي وغيره: من أن هذا القول كان من ابراهيم في زمان مهلة النظر، لان مهلة النظر مدة، الله العالم بمقدارها، وهي اكثر من ساعة. وقال البلخي: وأقل من شهر، ولا يدري ما بينهما الا الله، فلما أكمل الله عقله وخطر بباله ما يوجب عليه النظر وحركته الدواعي على الفكر والتأمل له. قال ما حكاه الله، لان ابراهيم (ع) لم يخلق عارفا بالله، وانما اكتسب المعرفة لما أكمل الله عقله، وخوفه من ترك النظر بالخواطر، فلما رأى الكوكب - وقيل هو الزهرة - رأى عظمها واشراقها وما هي عليه من عجيب الخلق، وكان قومه يعبدون الكواكب، ويزعمون أنها آلهة - قال هذا ربي؟! على سبيل الفكر والتأمل لذلك، فلما غابت وأفلت، وعلم ان الافول لا يجوز على الله علم انها محدثة متغيرة لتنقلها، وكذلك كانت حاله في رؤية القمر والشمس، وأنه لما رأى افولهما قطع على حدوثهما واستحالة إِلهيتهما، وقال في آخر كلامه { إني برىء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله وعلمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه.
            فان قيل: كيف يجوز ان يقول: هذا ربي مخبرا، وهو يجوز أن يكون مخبره لا على ما اخبر، لانه غير عالم بذلك، وذلك قبيح في العقول، ومع كمال عقله لا بد أن يلزمه التحرز من الكذب؟!

            قلنا عن ذلك جوابان:

            احدهما - انه قال ذلك فارضا مقدرا، لا مخبرا بل على سبيل الفكر والتأمل، كما يقول الواحد منا لغيره اذا كان ناظرا في شىء ومحتملا بين كونه على إِحدى صفتين: انا نفرضه على احداهما لننظر فيما يؤدي ذلك الفرض اليه من صحة او فساد، ولا يكون بذلك مخبرا، ولهذا يصح من احدنا اذا نظر في حدوث الاجسام وقدمها ان يفرض كونها قديمة ليتبين ما يؤدي اليه ذلك الفرض من الفساد.

            والثإني - انه اخبر عن ظنه وقد يجوز ان يكون المفكر المتأمل ظانا في حال نظره وفكره ما لا اصل له ثم يرجع عنه بالادلة والعلم ولا يكون ذلك منه قبيحا.

            فان قيل: ظاهر الآيات يدل على ان ابراهيم ما كان رأى هذه الكواكب قبل ذلك، لان تعجبه منها تعجب من لم يكن رآها، فكيف يجوز ان يكون الى مدة كمال عقله لم يشاهد السماء وما فيها من النجوم؟!

            قلنا: لا يمتنع ان يكون ما رأى السماء الا في ذلك الوقت، لانه روي أن أمه ولدته في مغارة لا يرى السماء، فلما قارب البلوغ وبلغ حد التكليف خرج من المغارة ورأى السماء وفكر فيها. وقد يجوز أيضا ان يكون رآها غير انه لم يفكر فيها ولا نظر في دلائلها، لان الفكر لم يكن واجبا عليه، فلما كمل عقله وحركته الخواطر فكر في الشىء الذي كان يراه قبل ذلك ولم يكن مفكرا فيه.

            والوجه الثالث - ان ابراهيم لم يقل ما تضمنته الآيات على وجه الشك ولا في زمان مهلة النظر بل كان في تلك الحال عالما بالله وبما يجوز عليه، فانه لا يجوز ان يكون بصفة الكوكب، وانما قال ذلك على سبيل الانكار على قومه والتنبيه لهم على ان ما يغيب وينتقل من حال الى حال لا يجوز ان يكون إِلها معبودا، لثبوت دلالة الحدث فيه
            ويكون قوله { هذا ربي } محمولا على أحد وجهين.

            احدهما - أي هو كذلك عندكم وعلى مذهبكم كما يقول احدنا للمشبه على وجه الانكار عليه: هذا ربي جسم يتحرك ويسكن وان كان عالماً بفساد ذلك.

            والثإني - أن يكون قال ذلك مستفهما وأسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنه، كما قال الاخطل:
            كذبتك عينك أم رايت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا
            وقال آخر:
            لعمرك ما أدري وان كنت داريا بسبع رمين الجمر ام بثمانيا
            وقال ابن أبي ربيعة:
            ثم قالوا تحبها قلت بهرا عدد النجم والحصى والتراب
            وقال أوس بن حجر:
            لعمرك ما أدري وان كنت داريا شعيب بن سهم أم شعيب بن منقر
            وانما أراد أشعيب بن سهم أم شعيب بن منقر.

            فان قيل: حذف حرف الاستفهام انما يجوز اذا كان في الكلام عوضا منه نحو (أم) للدلالة عليه، ولا يستعمل مع فقد العوض، وفى الابيات عوض عن حرف الاستفهام، وليس ذلك في الآية.

            قلنا: قد يحذف حرف الاستفهام مع ثبوت العوض تارة وأخرى مع فقده اذا زال اللبس، وبيت ابن أبي ربيعة ليس فيه عوض ولا فيه حرف الاستفهام، وانشد الطبري:
            رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وانكرت الوجوه هم هم
            أي أهم هم؟، وروي عن ابن عباس في قوله { فلا اقتحم العقبة } أنه قال معناه أفلا اقتحم العقبة، وحذف حرف الاستفهام. واذا جاز ان يحذفوا حرف الاستفهام لدلالة الخطاب جاز أن يحذفوه لدلالة العقل، لان دلالة العقل أقوى من غيرها.

            والوجه الرابع - أن ابراهيم قال ذلك على وجه المحاجة لقومه بالنظر كما يقول القائل: اذا قلنا: ان لله ولدا لزمنا أن نقول له زوجة، وان يطأ النساء وأشباه ذلك، وليس هذا على وجه الاقرار والاخبار والاعتقاد بذلك، بل على وجه المحاجة فيجعلها مذهبا ليرى خصمه المعتقد لها فسادها.

            وكل هذه الآيات فيها تنبيه لمشركي العرب وزجر لهم عن عبادة الاصنام وحث على الاخذ بدين ابراهيم ابيهم وسلوك سبيله في النظر والفكر والتدين، لانهم كانوا قوما يعظمون أسلافهم وآباءهم فأعلمهم الله تعالى ان اتباع الحق من دين ابيهم الذي يقرون بفضله اوجب عليهم ان كان بهم تعظيم الآباء والكراهة لمخالفتهم.

            وفي الآية دلالة على ان معرفة الله ليست ضرورية، لانها لو كانت ضرورية لما احتاج ابراهيم الى الاستدلال على ذلك، ولكان يقول لقومه: كيف تعبدون الكواكب وانتم تعلمون حدوثها وحدوث الاجسام ضرورة، وتعلمون ان لها محدثا على صفات مخصوصة ضرورة، وما كان يحتاج الى تكلف الاستدلال والتنبيه على هذا.

            وقوله { لئن لم يهدني ربي } معناه لئن لم يلطف بي ويسددني ويوفقني لاصابة الحق في توحيده { لأكونن من القوم الضالين } الذين ضلوا عن الحق وأخطأوا طريقه، فلم يصيبوا الهدى.
            وليس الهداية - ها هنا - الادلة، لان الادلة كانت سبقت حال زمان النظر، فان التكليف لا يحسن من دونها ولا يصح مع فقدها.

            وقوله في الشمس { هذا أكبر } يعني من الكواكب وحذف لدلالة الكلام عليه. وقوله { إني وجهت وجهي } معناه أخلصت عبادتي وقصدت بها الى الله الذي خلق السماوات والأرض. وفيه اخبار عن ابراهيم واقرار منه واعتراف بأنه (ع) خالف قومه أهل الشرك، ولم يأخذه في الله لومة لائم، ولم يستوحش من قول الحق لقلة تابعيه. وقال لهم { إني برىء مما تشركون } مع الله - الذي خلقني وخلقكم - في عبادته من آلهتكم بل { وجهت وجهي } في عبادتي الي الذي خلق السماوات ولارض الذي يبقى ولا يفنى، الحي الذي لا يموت. واخبر انه يوجه عبادته ويخلصها له تعالى. والاستقامة في ذلك لربه على ما يجب من التوحيد لا على الوجه الذي توجه له من حيث ليس بحنيف. ومعنى الحنيف هو المائل الى الاستقامة على وجه الرجوع فيه. وقوله { وما أنا من المشركين } إني لست منكم، ولا ممن يدين بدينكم، ويتبع ملتكم أيها المشركون.
            * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق
            عشر آيات ذكر الله سبحانه فيها ما آتاه النبي العظيم ابراهيم عليه السلام من الحجة على المشركين بما هداه إلى توحيده وتنزيهه ثم ذكر هدايته أنبياءه بتطهير سرهم من الشرك، وقد سمى بينهم نوحاً عليه السلام وهو قبل إبراهيم عليه السلام وسته عشر نبياً من ذرية نوح عليهم السلام.

            والآيات في الحقيقة بيان لمصداق كامل من القيام بدين الفطرة والانتهاض لنشر عقيدة التوحيد والتنزيه عن شرك الوثنية وهو الذي انتهض له إبراهيم عليه السلام وحاج له على الوثنية حينما أطبقت الدنيا على الوثنية ظاهراً، ونسوا ما سنه نوح عليه السلام والتابعون له من ذريته الأنبياء من طريقة التوحيد فالآيات بما تشتمل عليه من تلقين الحجة والهداية إلى دين الفطرة كالتبصر لما تقدمها من الحجج التي لقنها الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه السورة بقوله: قل كذا وقل كذا فقد كررت لفظة { قل } في هذه السورة الكريمة أربعين مرة نيف وعشرون منها قبل هذه الآيات فكأنه قيل: واذكر فيما تقوله لقومك وتحاجهم به من أدلة التوحيد ونفي الشريك بتلقيننا إياك ما قاله إبراهيم لأبيه وقومه مما آتيناه من حجتنا على قومه بما كنا نريه من ملكوت السماوات والأرض فقد كان يحاجهم عن إفاضة إلهية عليه بالعلم والحكمة وإراءة منه تعالى لملكوته مبنية على اليقين لا عن فكرة تصنيعية لا تعدو حد التخيل والتصور، ولا تخلو عن التكلف والتعسف الذي لا تهتف به الفطرة الصافية.

            ولحن كلام إبراهيم عليه السلام فيما حكاه الله سبحانه في هذه الآيات إن تدبرنا فيها بأذهان خالية عن التفاصيل الواردة في الروايات والآثار على اختلافها الفاحش، غير مشوبة بالمشاجرات التي وقعت للباحثين من أهل التفسير على خلطهم تفسير الآيات بمضامين الروايات ومحتويات التواريخ وما اشتملت عليه التوراة وأُخرى تشايعها من الإِسرائيليات إلى غير ذلك، وبالجملة لحن كلامه عليه السلام في ما حكي عنه في هذه الآيات يشعر إشعاراً واضحاً بأنه كلام صادر عن ذهن صاف غير مملوء بزخارف الأفكار والأوهام المتنوعة أفرغته في قالب اللفظ فطرته الصافية بما عندها من أوائل التعقل والتفكير ولطائف الشعور والإِحساس.

            فالواقف في موقف النصفة من التدبر في هذه الآيات لا يشك أن كلامه المحكي عنه مع قومه أشبه شيء بكلام إنسان أولي فرضي عاش في سرب من أسراب الأرض أو كهف من كهوف الجبال لم يعاشر إلا بعض من يقوم بواجب غذائه ولباسه لم يشاهد سماء بزواهر نجومها و كواكبها، والبازغ من قمرها وشمسها، ولم يمكث في مجتمع إنساني بأفراده الجمة وبلاده الوسيعة، واختلاف أفكاره، وتشتت مقاصده ومآربه، وأنواع أديانه ومذاهبه، ثم ساقه الاتفاق أن دخل في واحد من المجتمعات العظيمة، وشاهد أُموراً عجيبة لا عهد له بها من أجرام سماوية، وأقطار أرضية، وجماعات من الناس عاكفين على مشاغلهم كادحين نحو مآربهم، ومقاصدهم، لا يصرفهم عن ذلك صارف بين متحرك وساكن، وعامل ومعمول له، وخادم ومخدوم، وآمر ومأمور، ورئيس ومرؤوس منكب على الكسب والعمل، ومتزهد متعبد يعبد الإِله.
            فبهته عجيب ما يراه واستغرقه غريب ما يشاهده فصار يسأل من أنس به عن شأن الواحد بعد الواحد مما اجتذبت إليه نفسه، ووقع عليه بصره، وكثر منه إعجابه نظير ما نراه من حال الصبي إذا نظر إلى جو السماء الوسيعة بمصابيحها المضيئة وزواهرها اللامعة، وعقود كواكبها المنثورة في حالة مطمئنة نراه يسأل أُمه: ما هذه التي اشاهدها وأمتلئ من حبها والإِعجاب بها؟ من الذي علقها هناك؟ من الذي نورها؟ من الذي صنعها؟

            غير أن الذي لا نرتاب فيه أن هذا الإِنسان إنما يبدأ في سؤاله من حقائق الأشياء التي يشاهدها ويتعجب منها بالذي يقرب مما كان يعرفها في حال التوحش والانعزال عن المجتمع وإنما يسأل عن المقاصد والغايات التي لا يقع عليها الحواس.

            وذلك لأن الإِنسان إنما يستعلم حال المجهولات بما عنده من مواد العلم الأولية فلا ينتقل من المجهولات إلا إلى ما يناسب بعض ما عنده من المعلومات، وهذا أمر ظاهر محسوس من حال بعض بسائط العقول كالصبيان وأهل البدو إذا صادفوا أموراً ليس لهم بها عهد فإنهم يبدءون باستعلام حال ما يستأنسون بأمره بعد الاستيناس فيسألون عن حقيقته وعن أسبابه وغاياته.

            والإِنسان المفروض وهو الإِنسان الفطري الأولي تقريباً لما لم يشتغل إلا بأبسط أسباب المعيشة لم يشغل ذهنه ما يشغل ذهن الإِنسان المدني الحضري الذي أحاطت به هذه الاشغال الكثيرة الطبيعية الخارجة عن الحد والحصر التي لا فراغ له عنها ولو لحظة، ولذلك كان الإِنسان المفروض في فراغ من الفكر وخلاء من الذهن، والحوادث الجمة السماوية والأرضية الكونية محيطة به من غير أن يعرف أسبابها الطبيعية فلذلك كان ذهنه أشد استعداداً للانتقال إلى سببها الذي هو أعلى من الأسباب الطبيعية وهو الذي يتنبه له الإِنسان الحضري بعد الفراغ عن إحصاء الأسباب الطبيعية لحوادث الكون فوق هذه الأسباب لو وجد فراغاً، ولذا كان الأسبق إلى ذهن هذا الإِنسان المفروض هو الانتقال إلى هذا السبب الأعلى لو شاهد من الناس الحضريين الاشتغال به والتنسك والعبادة له.

            ومن الشواهد على هذا الذي ذكرنا ما نجد أن الاشتغال بالمراسم الدينية والبحث عن اللاهوت في آسيا أكثر رواجاً وأغلى قدراً منه في أوروبا، وفي القرى والبلاد الصغيرة أحكم موقعاً منه في البلاد العظيمة وعلى هذه النسبة في البلاد العظيمة والسواد الأعظم لما أن المجتمع كلما اتسع نطاقه زادت فيه الحوائج الحيوية، وكثرت وتراكمت الأشغال الإِنسانية فلم تدع للإِنسان فراغاً تستريح فيه نفسه إلى معنوياتها وتتوجه إلى البحث عن مبدئها ومعادها.
            وبالجملة إذا راجعنا قصة إبراهيم عليه السلام المودعة في هذه الآيات وما يناظرها من آيات سورة مريم والأنبياء والصافات وغيرها وجدنا حاله عليه السلام فيما يحاج به أباه وقومه أشبه شيء بحال الإِنسان البسيط المفروض نجده يسأل عن الأصنام ويباحث القوم في شأنها ويتكلم في أمر الكوكب والقمر والشمس سؤاله من لا عهد له بما يصنعه الناس وخاصة قومه الوثنيون في الأصنام يقول لابيه وقومه:
            { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون }
            [الأنبياء: 52] ويقول لابيه وقومه:
            { ما تعبدون. قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين. قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون. قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون }
            [الشعراء: 70 - 74]. فهذا كلام من لم يرَ صنماً ولم يشاهد وثنياً يعبد صنماً وقد كان عليه السلام في مهد الوثنية وهو بابل كلدان، وقد عاش بينهم برهة من الزمان فهل كان مثل هذا التعبير منه عليه السلام: { ما هذه التماثيل } تحقيراً للأصنام وإيماء إلى أنه لا يضعها الموضع الذي يضعها عليه الناس ولا يقر لها بما أقروا به من القداسة والفضل كأنه لا يعرفها كقول فرعون لموسى عليه السلام.
            { وما رب العالمين }
            [الشعراء: 23] وقول كفار مكة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما حكى الله تعالى:
            { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون }
            [الأنبياء: 36]. لكن يبعّده أن إبراهيم عليه السلام ما كان يستعمل في خطاب أبيه آزر إلا جميل الأدب حتى إذا طرده أبوه وهدده بالرجم قال له إبراهيم:
            { سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً }
            [مريم: 47]. فمن المستبعد أن يلقى إليه أول ما يواجهه من الكلام ما يتضمن تحقير شأن آلهته المقدسة عنده في لحن التشويه والإِهانة فيثير به عصبيته ونزعته الوثنية، وقد نهى الله سبحانه في هذه المله التي هي ملة إبراهيم حنيفاً عن سبّ آلهة المشركين لئلا يثير ذلك منهم ميواجهون المسلمين بمثله قال تعالى:
            { ولا تسبـوا الذيـن يدعـون مـن دون الله فيسبوا الله عـدوا بغير علم }
            [الأنعام: 108]. ثم إنه عليه السلام بعد الفراغ مما حاجّ به أباه آزر وقومه في أمر الأصنام يشتغل بأربابها وهي الكوكب والقمر والشمس فيقول لما رأى كوكباً: { هذا ربي } ثم يقول لما رأى القمر بازغاً: { هذا ربي } ثم يقول لما رأى الشمس بازغه: { هذا ربي هذا أكبر } وهذه التعبيرات أيضاً تعبير من كأنه لم ير كوكباً ولا قمراً ولا شمساً، وأوضح التعبيرات دلالة على هذا المعنى قوله عليه السلام في الشمس: هذا ربي هذا أكبر فإن هذا كلام من لا يعرف ما هي الشمس وما هما القمر والكوكب غير أنه يجد الناس يخضعون لها ويعبدونها ويقرّبون لها القرابين كما يرويه التاريخ عن أهل بابل، وهذا كما إذا رأيت شبح إنسان لا تدري أرجُل هو أو إمراة تسأل وتقول: من هذا؟ تريد الشخص لأنك لا تعلم منه أزيد من أنه شخص إنسان فيقال: امرأة فلان أو هو فلان وإذا رأيت شبحاً لا تدري إنسان هو أو حيوان أو جماد تقول ما هذا؟ تريد الشبح أو المشار إليه إذ لا علم لك من حاله إلا بأنه شيء جسماني أياً ما كان فيقال لك: هذا زيد أو هذه امرأة فلان أو هو شاخص كذا ففي جميع ذلك تراعي - وأنت جاهل بالأمر - من شأن أُولي العقل وغيره والذكورية والأنوثية مقدار ما لك به علم، وأما المجيب العالم بحقيقة الحال فعليه أن يراعي الحقيقة.
            فظاهر قوله عليه السلام: هذا ربي وقوله: { هذا ربي هذا أكبر } أنه ما كان يعرف من حال الشمس إلا أنه شيء طالع أكبر من القمر والكوكب يقصده الناس بالعبادة والنسك والإِشارة إلى مثل هذا المعلوم إنما هو بلفظة { هذا } بلا ريب، وأما أنها شمس أي جرم أو صفحة نورانية تدبّر العالم الأرضي بضوئها وترسم الليل والنهار بسيرها بحسب ظاهر الحس أو أنه قمر أو كوكب يطلع كل ليلة من أُفق الشرق ويغيب فيما يقابله من الغرب فلم يكن يعرف ذلك على ما يشعر به هذا الكلام، ولو كان يعرف ذلك لقال في الشمس: هذه ربي هذه أكبر أو قال: إنها ربي إنها أكبر كما راعى هذه النكتة بعد ذلك فيما حاج الملك نمرود وقد كان يعرفها اليوم:
            { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأْت بها من المغرب }
            [البقرة: 258] فلم يقل: فأْت به من المغرب.

            وكما قال لأبيه وقومه على ما حكى الله:
            { ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون }
            [الشعراء: 70 - 74] فبدأ يسأل عن معبودهم بلفظة { ما } إذ لا علم له عندئذ بشيء من حاله إلا أنه شيء ثم لما ذكروا الأصنام وهم لا يعتقدون لها شيئاً من الشعور والإِرادة قالوا: { فنظل لها } بالتأنيث، ثم لما سمع ألوهيتها منهم ومن الواجب أن يتصف الإِله بالنفع والضرر والسمع لدعوة من يدعوه عبّر عنها تعبيراً أولي العقل، ثم لما ذكروا له في قصة كسر الأصنام: { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } حذاء قوله: { فاسألوهم إن كانوا ينطقون } سلب عنها شأن أولي العقل فقال:
            { أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أُف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون }
            [الأنبياء: 66].
            ولا يسعنا أن نتعسف فنقول: إنه عليه السلام أراد بقوله: { هذا ربي هذا أكبر } الجرم أو المشار إليه أو أنه روعي في ذلك حال لغته التي تكلم بها وهي السريانية ليس يراعى فيها التأنيث كأغلب اللغات العجمية فإن ذلك تحكّم، على أنه عليه السلام قال للملك في خصوص الشمس بعينها:
            { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأْتِ بها من المغرب }
            [البقرة: 258] فلم يحك القرآن ما لهج به بالوصف الذي في لغته فما بال هذا المورد { هذا ربي هذا أكبر } اختص بهذه الحكاية.

            ونظير السؤال آت في قوله يسأل قومه عن شان الأصنام:
            { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون }
            [الأنبياء: 52] وكذا قوله في دعائه:
            { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس }
            [إبراهيم: 35 - 36]. وكذا لا يسعنا القول بأنه عليه السلام في تذكيره الإِشارة إلى الشمس صان الإِله عن وصمة الأنوثية تعظيماً أو أن الكلام من باب إتباع المبتدء للخبر الذي هو مذكّر أعني قوله: ربي، وقوله: { أكبر } فكل ذلك تحكّم لا دليل عليه، وسيجيء تفصيل البحث فيها.

            والحاصل أن الذي حكاه الله تعالى في هذه الآيات وما يناظرها من قول إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه في توحيده تعالى ونفي الشريك عنه كلام يدل بسياقه على أنه عليه السلام إنما عاش قبل ذلك في معزل من الجو الذي كان يعيش فيه أبوه وقومه ولم يكن يعرف ما يعرفه معاشر المجتمعين من تفاصيل شؤون أجزاء الكون والسنن الإِجتماعية الدائرة بين الناس المجتمعين، وأنه كان إذ ذاك في أوائل زمن رشده وتمييزه ترك معزله ولحق بأبيه، ووجد عنده أصناماً فسأله عن شأنها فلما أوقفه على ذلك شاجره في ألوهيتها وألزمه الحجة، ثم حاجّ قومه في أمر الأصنام فبكّتهم، ثم رجع إلى عبادتهم لأرباب الأصنام من الكوكب والقمر والشمس فجاراهم في افتراض ربوبيتها الواحد منها بعد الواحد، ولم يزل يراقب أمرها، وكلما غرب واحد منها رفضه وأبطل ربوبيته وافترض ربوبية غيره مما يعبدونه حتى أتى في يومه وليلته على آخرها على ما هو ظاهر الآيات، ثم عاد إلى التوحيد الخالص بقوله: { إني وجهت وجهي للذى فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين } وكأنه تمّ له ذلك في يومين وليلة بينهما تقريباً على ما سنبين إن شاء الله تعالى.

            وكان عليه السلام على بصيرة من أن للعالم خالقاً فاطراً للسماوات والأرض هو الله وحده لا شريك له في ذلك، وإنما يبحث عن أنه هل للناس ومنهم إبراهيم نفسه رب غير الله هو بعض خلقه كشمس أو قمر أو غيرهما يربهم ويدبّر أمرهم ويشارك الله في أمره أو أنه لا رب لهم غير الله سبحانه وحده لا شريك له.

            وفي جميع هذه المراحل التي طواها كان الله سبحانه يمده ويسدده بإراءته ملكوت السماوات والأرض وعطف نفسه الشريفة إلى الجهة التي ينتسب منها الأشياء إلى الله سبحانه خلقاً وتدبيراً فكان إذا رأى شيئاً رآى انتسابه إلى الله وتكوينه وتدبيره بأمره قبل أن يرى نفسيته وآثار نفسيته كما هو ظاهر سياق قوله: { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } الآية، وقوله في ذيل الآيات: { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم } الآية، وقوله:
            { ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين }
            [الأنبياء: 51]. وقول إبراهيم لأبيه فيما حكى الله تعالى:
            { يا أبت إني قد جاءني من العلم ما يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً }
            [مريم: 43] إلى غير ذلك من الآيات.

            ثم حاج الملك نمرود في دعواه الربوبية على ما كان ذلك من دأب كثير من جبابرة السلف ومن نظائر ذلك نشأت الوثنية وكانت لقومه آلهة كثيرة لها أصنام يعبدونها، وفيهم من كان يعبد أرباب الأصنام كالشمس والقمر والكوكب الذي ذكره القرآن الكريم ولعله الزهرة.

            هذا ملخص ما يستفاد من الآيات الكريمة وسنبحث عن مضامينها تفصيلاً بحسب ما نستطيعه إن شاء الله تعالى.

            قوله تعالى: { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } القراءات السبع في آزر بالفتح فيكون عطف بيان أو بدلاً من أبيه وفي بعض القراءات { آزر } بالضم وظاهره أنه منادى مرفوع بالنداء، والتقدير: يا آزر أتتخذ أصناماً آلهة، وقد عد من القراءات " أأزراً تتخذ " مفتتحاً بهمزه الاستفهام، وبعده " أزراً " بالنصب مصدر أزر يأزر بمعنى قوى والمعنى: وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ أصناماً للتقوي والاعتضاد.

            وقد اختلف المفسرون على القراءة الأولى المشهورة والثانية الشاذة في { آزر } أنه اسم علم لأبيه أو لقب أريد بمعناه المدح أو الذم بمعنى المعتضد أو بمعنى الأعرج أو المعوج أو غير ذلك ومنشأ ذلك ما ورد في عدة روايات أن اسم أبيه " تارح " بالحاء المهملة أو المعجمة ويؤيده ما ضبطه التاريخ من اسم أبيه، وما وقع في التوراة الموجودة أنه عليه السلام ابن تارخ.

            كما اختلفوا أن المراد بالأب هو الوالد أو العم أو الجد الامي أو الكبير المطاع ومنشأ ذلك أيضاً اختلاف الروايات فمنها ما يتضمن أنه كان والده وأن إبراهيم عليه السلام سيشفع له يوم القيامة ولكن لا يشفَّع بل يمسخه الله ضبعاً منتناً فيتبرء منه إبراهيم، ومنها ما يدل على أنه لم يكن والده، وأن والده كان موحداً غير مشرك، وما يدل على أن آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا جميعاً موحدين غير مشركين إلى غير ذلك من الروايات، وقد اختلفت في سائر ما قص من أمر إبراهيم اختلافاً عجيباً حتى اشتمل بعضها على نظائر ما ينسبه إليه العهد العتيق مما تنزهه عنه الخلة الإِلهية والنبوة والرسالة.
            وقد أطالوا هذا النمط من البحث حتى انجر إلى غايات بعيدة تغيب عندها رسوم البحث التفسيرى الذي يستنطق الآيات الكريمة عن مقاصدها عن نظر الباحث، وعلى من يريد الإِطلاع على ذلك أن يراجع مفصَّلات التفاسير وكتب التفسير بالمأثور.

            والذي يهدي إليه التدبر في الآيات المتعرضة لقصصه عليه السلام أنه عليه السلام في أول ما عاشر قومه بدأ بشأن رجل يذكر القرآن أنه كان أباه آزر، وقد أصر عليه أن يرفض الأصنام ويتبعه في دين التوحيد فيهديه حتى طرده أبوه عن نفسه وأمره ان يهجره قال تعالى: { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً، إذ قال لأبيه يا ابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً } إلى أن قال
            { قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً }
            [مريم: 46] فسلم عليه إبراهيم ووعده أن يستغفر له، ولعله كان طمعاً منه في إيمانه وتطميعاً له في السعادة والهدى قال تعالى:
            { قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً، واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً }
            [مريم: 47 - 48] والآية الثانية أحسن قرينة على أنه عليه السلام إنما وعده أن يستغفر له في الدنيا لا أن يشفع له يوم القيامة وإن بقي كافراً أو بشرط ان لا يعلم بكفره.

            ثم حكى الله سبحانه إنجازه عليه السلام لوعده هذا واستغفاره لأبيه في قوله:
            { رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }
            [الشعراء: 83 - 89] وقوله: { إنه كان من الضالين } يدل على أنه عليه السلام إنما دعا بهذا الدعاء لأبيه بعد موته أو بعد مفارقته أياه وهجره له لمكان قوله: { كان } وذيل كلامه المحكى في الآيات يدل على أنه كان صورة دعاء أتى بها للخروج عن عهدة ما وعده وتعهد له فإنه عليه السلام يقول: اغفر لهذا الضال يوم القيامة ثم يصف يوم القيامة بأنه لا ينفع فيه شيء إلا القلب السليم.

            وقد كشف الله سبحانه عن هذه الحقيقة بقوله - وهو في صورة الاعتذار -:
            { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأوّاه حليم }
            [التوبة: 114] والآية بسياقها تشهد على أن هذا الدعاء إنما صدر منه عليه السلام في الدنيا وكذلك التبري منه لا أنه سيدعو له ثم يتبرء منه يوم القيامة فإن السياق سياق التكليف التحريمي العام وقد استثنى منه دعاء إبراهيم، وبين أنه كان في الحقيقة وفاء منه عليه السلام بما وعده، ولا معنى لاستثناء ما سيقع مثلاً يوم القيامة عن حكم تكليفي مشروع في الدنيا ثم ذكر التبري يوم القيامة.

            وبالجملة هو سبحانه يبين دعاء إبراهيم عليه السلام لأبيه ثم تبريه منه، وكل ذلك في أوائل عهد إبراهيم ولما يهاجر إلى الأرض المقدسة بدليل سؤاله الحق واللحوق بالصالحين وأولاداً صالحين كما يستفاد من قوله في الآيات السابقة: رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين } الآية وقوله تعالى - ويتضمن التبري عن أبيه وقومه واستثناء الاستغفار أيضاً -:
            { قد كانت لكم أُسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنَّ لك وما أملك لك من الله من شيء }
            [الممتحنة: 4]. ثم يذكر الله تعالى عزمه عليه السلام على المهاجرة إلى الأرض المقدسة وسؤاله أولاداً صالحين بقوله:
            { فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين، وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين، رب هب لي من الصالحين }
            [الصافات: 98 - 100]. ثم يذكر تعالى ذهابه إلى الأرض المقدسة ورزقه صالح الأولاد بقوله:
            { وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين، ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين، ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاّ جعلنا صالحين }
            [الأنبياء: 70 - 72] وقوله:
            { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاّ جعلنا نبياً }
            [مريم: 49]. ثم يذكر تعالى آخر دعائه بمكة وقد وقع في آخر عهده عليه السلام بعد ما هاجر إلى الأرض المقدسة وولد له الأولاد وأسكن إسماعيل مكة وعمِّرت البلدة وبنيت الكعبة، وهو آخر ما حكي من كلامه في القرآن الكريم: { وإذ قال براهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام } إلى أن قال { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة } إلى أن قال { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء } إلى أن قال
            { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب }
            [إبراهيم: 41]. والآية بما لها من السياق وبما احتف بها من القرائن أحسن شاهد على أن والده الذي دعا له فيها غير الذي يذكره سبحانه بقوله: { لأبيه آزر } فإن الآيات كما ترى تنص على أن إبراهيم عليه السلام استغفر له وفاء بوعده ثم تبرأ منه لما تبين له أنه عدو لله، ولا معنى لإِعادته عليه السلام الدعاء لمن تبرأ منه ولاذ إلى ربه من أن يمسه فأبوه آزر غير والده الصلبي الذي دعا له ولامه معاً في آخر دعائه.
            ومن لطيف الدلالة في هذا الدعاء أعني دعاءه الأخير ما في قوله: { ولوالدي } حيث عبّر بالوالد والوالد لا يطلق إلا على الأب الصلبي وهو الذي يلد ويولّد الإِنسان مع ما في دعائه الآخر: { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } والآيات الأخر المشتملة على ذكر أبيه آزر فإنها تعبّر عنه بالأب والأب ربما تطلق على الجد والعم وغيرهما، وقد اشتمل القرآن الكريم على هذا الإِطلاق بعينه في قوله تعالى:
            { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون }
            [البقرة: 133] فإبراهيم جد يعقوب واسماعيل عمه وقد أُطلق على كل منهما الأب، وقوله تعالى فيما يحكى من كلام يوسف عليه السلام:
            { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب }
            [يوسف: 38] فإسحاق جد يوسف وإبراهيم عليه السلام جد أبيه وقد أطلق على كل منهما الأب.

            فقد تحصَّل أن آزر الذي تذكره الآية ليس أباً لإِبراهيم حقيقة وإنما كان معنوناً ببعض الأوصاف والعناوين التي تصحح إطلاق الأب عليه، وأن يخاطبه إبراهيم عليه السلام بيا أبت، واللغة تسوّغ إطلاق الأب على الجد والعم وزوج أُم الإِنسان بعد أبيه وكل من يتولى أُمور الشخص وكل كبير مطاع، وليس هذا التوسع من خصائص اللغة العربية بل يشاركها فيه وفي أمثاله سائر اللغات كالتوسع في إطلاق الأم والعم والأخ والأخت والرأس والعين والفم واليد والعضد والإِصبع وغير ذلك مما يهدي إليه ذوق التلطف والتفنن في التفهيم والتفهم.

            فقد تبين أولاً: ان لا موجب للاشتغال بما تقدمت الإِشارة إليه من الأبحاث الروائية والتاريخية والأدبية في أبيه ولفظة آزر وأنه هل هو اسم علم أو لقب مدح أو ذم أو اسم صنم فلا حاجة إلى شيء من ذلك في الحصول على مراد الآية.

            على أن غالب ما أوردوه في هذا الباب تحكم لا دليل عليه مع ما فيه من إفساد ظاهر الآية وإخلال أمر السياق باعتبار التراكيب العجيبة التي ذكروها للجملة { آزر أتتخذ أصناماً آلهة } من تقديم و تأخير وحذف وتقدير.

            وثانياً: أن والده الحقيقي غير آزر لكن القرآن لم يصرّح باسمه، وإنما وقع في الروايات ويؤيده ما يوجد في التوراة ان اسمه " تارخ ".

            ومن عجيب الوهم ما ذكره بعض الباحثين أن القرآن الكريم كثيراً ما يهمل فيما يذكره من تاريخ الأنبياء والأُمم ويقصّه من قصص الماضين أُموراً مهمة هي من جوهريات القصص كذكر تاريخ الوقوع ومحله والأوضاع الطبيعية والإِجتماعية والسياسية وغيرها المؤثرة في تكوّن الحوادث الدخيلة في تركب الوقائع ومنها ما في مورد البحث فإن من العوامل المقومة لمعرفة حقيقة هذه القصة معرفة اسم أبي إبراهيم ونسبه وتاريخ زمن نشوئه ونهضته ودعوته ومهاجرته.
            وليس ذلك إلا لأن القرآن سلك في قصصه المسلك الجيد الذي يهدي إليه فن القصص الحقيقي وهو أن يختار القاصّ في قصته كل طريق ممكن موصل إلى غايته ومقصده إيصالاً حسناً، ويمثل المطلوب تمثيلاً تاماً بالغاً من غير أن يبالغ في تمييز صحيح ما يقصه من سقيمه، ويحصي جميع ما هو من جوهريات القصة كتاريخ الوقوع ومكانه وسائر نعوته اللازمة فمن الجائز أن يأخذ القرآن الكريم في سبيل النيل إلى مقصده وهو الهداية إلى السعادة الإِنسانية قصصاً دائرة بين الناس أو بين أهل الكتاب في عصر الدعوة وإن لم يوثق بصحتها أو لم يتبين فيما بأيديهم من القصة جميع جهاتها الجوهرية حتى لو كانت قصة تخيُّلية كما قيل بذلك في قصة موسى وفتاه وفي قصة الملأ الذين خرجوا من ديارهم وهم أُلوف حذر الموت وغير ذلك فالفن القصصي لا يمنع شيئاً من ذلك بعد ما ميَّز القاصّ أن القصة أبلغ وسيلة وأسهل طريقة إلى النيل بمقصده.

            وهذا خطأ فان ما ذكره من أمر الفن القصصي حق غير أن ذلك غير منطبق على مورد القرآن الكريم فليس القرآن كتاب تاريخ ولا صحيفة من صحف القصص التخيُّلية وإنما هو كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد نص على أنه كلام الله سبحانه، وأنه لا يقول إلا الحق، وان ليس بعد الحق إلا الضلال، وإنه لا يستعين للحق بباطل، ولا يستمد للهدى بضلال، وأنه كتاب يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وأن ما فيه حجة لمن اخذ به وعلى من تركه في آيات جمَّة لا حاجة إلى إيرادها فكيف يسع لباحث يبحث عن مقاصد القرآن أن يجوّز اشتماله على رأي باطل أو قصة كاذبة باطلة أو خرافة أو تخييل.

            لست أُريد أن مقتضى الإِيمان بالله ورسوله وبما جاء به رسوله أن ينفي عن القرآن أن يشتمل على باطل أو كذب أو خرافة وإن كان ذلك، ولا أن الواجب على كل إنسان سليم العقل صحيح الفكر مستقيم الأمر أن تخضع نفسه للقرآن بتصديقة ونفي كل خطأ وزلة عنه في وسائل من المعارف توسل بها إلى مقاصده، وفي نفس تلك المقاصد وإن كان كذلك.

            وإنما أقول: إنه كتاب يدّعي لنفسه أنه كلام إلهي موضوع لهداية الناس إلى حقيقة سعادتهم يهدي بالحق ويهدي إلى الحق ومن الواجب على من يفسر كتاباً هذا شأنه ويستنطقه في مقاصده ومطالبه أن يفترضه صادقاً في حديثه مقتصراً على ما هو الحق الصريح في خبره وكل ما يسوقه من بيان أو يقيمه من برهان على مقاصده وأغراضه هادياً إلى الصراط الذي لا يتخلله باطل موصلاً إلى غاية لا يشوبها شيء من غير جنس الحق ولا يداخلها أي وهن وفتور.
            وكيف يكون مقصد من المقاصد حقاً على الإِطلاق وقد تسرّب باطل مّا إلى طريقه الذي يدعو إليه المقصد ولا يدعو - على ما يراه - إلا إلى حق؟ وكيف يكون قضية من القضايا قولاً فصلاً ما هو بالهزل وقد تسرب إلى البيان المنتج لها شيء من المسامحة والمساهلة؟ وكيف يمكن أن يكون حديث أو نبأ كلاماً لله الذي يعلم غيب السماوات والأرض وقد دب فيه جهل أو خبط أو خطاء؟ وهل ينتج النور ظلمة أو الجهل معرفة؟.

            فهذا هو المسلك الوحيد الذي لا يحل تعديه في استنطاق القرآن الكريم في مضامين آياته وهو يرى أنه كلام حق لا يشوبه باطل في غرضه وطريق غرضه.

            وأما البحث عن أنه هل هو صادق فيما يدَّعيه لنفسه: أنه كلام الله، وأنه محض الحق في طريقه وغايته؟ وأنه ماذا يقضي به الكتب المقدسة الأخرى كالعهدين وأوستا وغيرها في قضايا قضى بها القرآن؟ وأنه ماذا تهدي إليه الأبحاث العلمية الأخر التاريخية أو الطبيعية أو الرياضية أو الفلسفية أو الاجتماعية أو غيرها؟ فإنما هذه وأمثالها أبحاث خارجة عن وظيفة التفسير ليس من الجائز ان تخلط به أو يقام بها مقامه.

            نعم قوله تعالى:
            { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً }
            [النساء: 82] ينطق بأن هناك شبهات عارضة وأوهاماً متسابقة إلى الأذهان تسوّل لها أن في القرآن اختلافاً كان يتراءى من آية أنها تخالف آية، أو أن يستشكل في آية أنها بمضمونها تخالف الحق والحقيقه وإذ كان القرآن ينص على أنه يهدي إلى الحق فيختلف الآيتان بالأخرة، هذه تدل على أن كل ما تنبئ عنه آية فهو حق وهذه بمضمونها تنبئ نبأ غير حق لكن الآية أعني قوله: { أفلا يتدبرون القرآن } الخ، تصرح القول بأن القرآن تكفي بعض آياته لدفع المشكلة عن بعضها الآخر ويكشف جزء منه عما اشتبه على بعض الأفهام من حال جزء آخر فعلى الباحث عن مراده ومقصده أن يستعين بالبعض على البعض، ويستشهد بالبعض على البعض، ويستنطق البعض في البعض والقرآن الكريم كتاب دعوة وهداية لا يتخطى عن صراطه ولو خطوة وليس كتاب تاريخ ولا قصة وليست مهمته مهمة الدراسة التاريخية ولا مسلكه مسلك الفن القصصي، وليس فيه هوى ذكر الأنساب ولا مقدرات الزمان والمكان، ولا مشخصات أُخر لا غنى للدرس التاريخي أو القصة التخيلية عن إحصائها وتمثيلها.

            فأي فائدة دينية في ان ينسب إبراهيم أنه إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن ارفكشاذ بن سام بن نوح؟ أو أن يقال: انه ولد في أُور الكلدانيين حدود سنة ألفين تقريباً قبل الميلاد في عهد فلان الملك الذي ولد في كذا وملك كذا مدة ومات سنة كذا.
            تفاسير اهل السنة والجماعة
            * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
            يقول تعالى ذكره: فلما واراه الليل وجَنَّةُ، يقال منه: جنّ عليه الليل، وجنَّه الليل، وأجنَّه، وَأجَنَّ عليه، وإذا ألقيت «على» كان الكلام بالألف أفصح منه بغير الألف، «أجنه الليل» أفصح من «أجن عليه»، و «جنَّ عليه الليل» أفصح من «جنَّه»، وكل ذلك مقبول مسموع من العرب. وجَنَّه الليل في أسد وأجنَّه وجنَّه في تميم، والمصدر من جنّ عليه جَنًّا وجُنُوناً وجَنَاناً، ومن أجنّ إجْناناً، ويقال: أتى فلان في جِنِّ الليل، والجنّ من ذلك، لأنهم استَجنُّوا عن أعين بني آدم فلا يُرَوْن وكلّ ما توارى عن أبصار الناس فإن العرب تقول فيه: قد جَنّ ومنه قول الهُذليّ:
            وَماءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرَى وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الأدْهَمُ
            وقال عَبِيد:
            وَخَرْقٍ تَصِيحُ البومُ فِيهِ معَ الصَّدَى مَخُوفٍ إذا ما جَنَّهُ اللَّيْلُ مَرْهُوبِ
            ومنه: أجننت الميت: إذا واريته في اللحد، وجننته. وهو نظير جنون الليل في معنى: غطيته. ومنه قيل للترس: مِجَنّ، لأنه يَجُنّ من استجنّ به فيغطيه ويواريه.

            وقوله: { رَأى كَوْكَباً } يقول: أبصر كوكباً حين طلع { قالَ هَذَا رَبي }. فرُوي عن ابن عباس في ذلك، ما:

            حدثني به المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ } يعني به: الشمس والقمر والنجوم. { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبي } فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لا أحبّ الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي فعبده حتى غاب فلما غاب قال: لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالِّين. فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي، هذا أكبر فعبدها حتى غابت فلما غابت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون.

            حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبي فَلَمَّا أفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ } علم أن ربه دائم لا يزول فقرأ حتى بلغ: { هَذَا رَبي هَذَا أكْبَرُ } وأيّ خلقٍ هو أكبر من الخلقين الأوّلين وأنور.

            وكان سبب قيل إبراهيم ذلك، ما:

            حدثني به محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثني محمد بن إسحاق، فيما ذكر لنا والله أعلم: أن آزر كان رجلاً من أهل كُوثَى من قرية بالسواد سوادِ الكوفة، وكان إذ ذاك مُلْك المشرق لنمرود بن كنعان فلما أراد الله أن يبعث إبراهيم حُجَّة على قومه ورسولاً إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم نبيّ إلاَّ هود وصالح فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله ما أراد، أتى أصحابُ النجوم نمرود، فقالوا له: تعلّمْ أنا نجد في عِلْمنا أن غلاماً يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا.
            فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود، بعث نمرود إلى كلّ امرأة حبلى بقريته، فحبسها عنده، إلاَّ ما كان من أمّ إبراهيم امرأة آزر، فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت امرأة حَدِبَة فيما يُذْكَر لم يعرف الحبل في بطنها. ولما أراد الله أن يبلغ بولدها أراد أن يقتل كلّ غلام ولد في ذلك الشهر من تلك السنة حذَراً على ملكه، فجعل لا تلد امرأة غلاماً في ذلك الشهر من تلك السنة إلاَّ أمر به فذُبح فلما وَجَدت أمّ إبراهيم الطَّلْق، خرجت ليلاً إلى مغارة كانت قريباً منها، فولدت فيها إبراهيم، وأصلحت من شأنه ما يُصْنَع مع المولود، ثم سدّت عليه المغارة، ثم رجعت إلى بيتها. ثم كانت تطالعه في المغارة، فتنظر ما فعل، فتجده حيًّا يمصّ إبهامه، يزعمون والله أعلم أن الله جعل رزق إبراهيم فيها وما يجيئه من مصه. وكان آزر فيما يزعمون، سأل أمّ إبراهيم عن حملها ما فعل؟ فقالت: ولدت غلاماً فمات. فصدّقها، فسكت عنها. وكان اليوم فيما يذكرون على إبراهيم في الشباب كالشهر والشهر كالسنة، فلم يلبث إبراهيم في المغارة إلاَّ خمسة عشر شهراً، حتى قال لأمه: أخرجيني أنظر فأخرجته عِشاء، فنظر وتفكر في خلق السموات والأرض، وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي، ما لي إله غيره ثم نظر في السماء فرأى كوكباً، قال: هذا ربي ثم أتبعه ينظر إليه ببصره، حتى غاب، فلما أفل: لا أحبّ الآفلين ثم طلع القمر فرآه بازغاً، قال: هذا ربي ثم أتبعه بصره حتى غاب، فلما أفَلَ قال: لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالين فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس، أَعْظَمَ الشمس، ورأى شيئاً هو أعظم نوراً من كلّ شيء رآه قبل ذلك، فقال: هذا ربي، هذا أكبر فلما أفلت قال: يا قوم إني برىء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرىء من دين قومه، إلاَّ أنه لم يبادئهم بذلك. وأخبر أنه ابنه، وأخبرته أمّ إبراهيم أنه ابنه، وأخبرته بما كانت صنعت من شأنه، فسُرّ بذلك آزر وفرح فرحاً شديداً. وكان آزر يصنع أصنام قومه التي يعبدونها، ثم يعطيها إبراهيمَ يبيعها، فيذهب بها إبراهيم فيما يذكرون، فيقول: من يشتري ما يضرّه ولا ينفعه؟ فلا يشتريها منه أحد، وإذا بارت عليه، وذهب بها إلى نهر فضرب فيه رءوسها، وقال: اشربي استهزاءً بقومه وما هم عليه من الضلالة حتى فشا عيبه إياها واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته، من غير أن يكون ذلك بلغ نُمرود الملك.
            وأنكر قوم من غير أهل الرواية هذا القول الذي رُوي عن ابن عباس، وعمن رُوِي عنه من أن إبراهيم قال للكوكب أو للقمر: هذا ربي وقالوا: غير جائز أن يكون لله نبيّ ابتعثه بالرسالة أتى عليه وقت من الأوقات وهو بالغ إلاَّ وهو لله موحد وبه عارف ومن كلّ ما يعبد من دونه برىء. قالوا: ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الأوقات وهو به كافر لم يجز أن يختصه بالرسالة، لأنه لا معنى فيه إلاَّ وفي غيره من أهل الكفر به مثله، وليس بين الله وبين أحد من خلقه مناسبة فيحابيه باختصاصه بالكرامة. قالوا: وإنما أكرم من أكرم منهم لفضله في نفسه، فأثابه لاستحقاقه الثواب بما أثابه من الكرامة. وزعموا أن خبر الله عن قيل إبراهيم عند رؤيته الكوكب أو القمر أو الشمس: «هذا ربي»، لم يكن لجهله بأن ذلك غير جائز أن يكون ربه وإنما قال ذلك على وجه الإنكار منه أن يكون ربه، وعلى العيب لقومه في عبادتهم الأصنام، إذ كان الكوكب والقمر والشمس أضوأَ وأحْسَنَ وأبهجَ من الأصنام، ولم تكن مع ذلك معبودة، وكانت آفلة زائلة غير دائمة، والأصنام التي دونها في الحسن وأصغر منها في الجسم، أحقّ أن لا تكون معبودة ولا آلهة. قالوا: وإنما قال ذلك لهم معارضة، كما يقول أحد المتناظرين لصاحبه معارضاً له في قول باطل قال به بباطل من القول على وجه مطالبته إياه بالفرقان بين القولين الفاسدين عنده اللذين يصحح خصمه أحدهما ويدَّعي فساد الآخر. وقال آخرون منهم: بل ذلك كان منه في حال طفوليته وقبل قيام الحجة عليه، وتلك حال لا يكون فيها كفر ولا إيمان. وقال آخرون منهم: وإنما معنى الكلام: أهذا ربي على وجه الإنكار والتوبيخ أي ليس هذا ربي. وقالوا: قد تفعل العرب مثل ذلك، فتحذف الألف التي تدلّ على معنى الاستفهام. وزعموا أن من ذلك قول الشاعر:
            رفُونِي وقالُوا يا خُوَيلِدُ لا تُرَعْ فقلتُ وأنكرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ
            يعني: «أهم هم»؟ قالوا: ومن ذلك قول أوس:
            لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإنْ كُنْتَ دَارِياً شُعَيْثُ بنُ سَهْمٍ أمْ شُعَيْثُ ابنُ مِنْقَرِ
            بمعنى: أشعيث بن سهم؟ فحذف الأولف. ونظائر ذلك. وأما تذكير «هذا» في قوله:
            { فَلَمَّا رأى الشمْسَ بازِغَةً قالَ هَذَا رَبي }
            فإنما هو على معنى: هذا الشيء الطالع ربي.

            وفي خبر الله تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر:
            { لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ }
            الدليل على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم. وأن الصواب من القول في ذلك: الإقرار بخبر الله تعالى الذي أخبر به عنه والإعراض عما عداه.

            وأما قوله { فَلَمَّا أفَلَ } فإن معناه: فلما غاب وذهب. كما:

            حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال ابن إسحاق: الأفول: الذهاب، يقال منه: أفَلَ النجم يأفُلُ ويأْفِلُ أُفُولاً وأَفْلاً: إذا غاب ومنه قول ذي الرُّمة:
            مصابيحُ لَيْسَتْ باللَّوَاتِي يَقُودُها نُجُومٌ وَلا بالآفلاتِ الدَّوَالِكِ
            ويقال: أين أفلت عنا؟ بمعنى: أين غبت عنا.
            * تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
            قال الضحاك عن ابن عباس: إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر، وإنما كان اسمه تارح، رواه ابن أبي حاتم، وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، حدثنا أبي، حدثنا أبو عاصم شبيب، حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ } يعني بآزر: الصنم، وأبو إبراهيم اسمه تارح، وأمه اسمها مثاني، وامرأته اسمها سارة، وأم إسماعيل اسمها هاجر، وهي سرية إبراهيم، وهكذا قال غير واحد من علماء النسب: إن اسمه تارح، وقال مجاهد والسدي: آزر: اسم صنم، قلت: كأنه غلب عليه آزر؛ لخدمته ذلك الصنم، فالله أعلم، وقال ابن جرير: وقال آخرون: هو سب وعيب بكلامهم، ومعناه: معوج، ولم يسنده، ولا حكاه عن أحد. وقد قال ابن أبي حاتم: ذكر عن معتمر بن سليمان، سمعت أبي يقرأ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً } قال: بلغني أنها: أعوج، وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم عليه السلام، ثم قال ابن جرير: والصواب أن اسم أبيه آزر، ثم أورد على نفسه قول النسابين أن اسمه تارح، ثم أجاب بأنه قد يكون له اسمان؛ كما لكثير من الناس، أو يكون أحدهما لقباً، وهذا الذي قاله جيد قوي، والله أعلم. واختلف القراء في أداء قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ } فحكى ابن جرير عن الحسن البصري، وأبي يزيد المدني، أنهما كانا يقرأان: { وإذ قالَ إبراهيمُ لأبيهِ آزرُ أتتخذ أصناماً آلهة } معناه: يا آزرُ أتتخذ أصناماً آلهة، وقرأ الجمهور بالفتح، إما على أنه علم أعجمي لا ينصرف وهو بدل من قوله: { لأَبِيهِ } أو عطف بيان، وهو أشبه، وعلى قول من جعله نعتاً لا ينصرف أيضاً، كأحمر وأسود، فأما من زعم أنه منصوب؛ لكونه معمولاً لقوله: { أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً } تقديره: يا أبت أتتخذ آزر أصناماً آلهة؟ فإنه قول بعيد في اللغة، فإن ما بعد حرف الاستفهام، لا يعمل فيما قبله؛ لأن له صدر الكلام، كذا قرره ابن جرير وغيره، وهو مشهور في قواعد العربية، والمقصود أن إبراهيم وعظ أباه في عبادة الأصنام، وزجره عنها، ونهاه فلم ينته، كما قال: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءَالِهَةً } أي: أتتأله لصنم تعبده من دون الله؟ { إِنِّىۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ } أي: السالكين مسلكك { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي: تائهين، لا يهتدون أين يسلكون، بل في حيرة وجهل، وأمركم في الجهالة والضلال بين واضح لكل ذي عقل سليم. وقال تعالى:
            { وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ إِبْرَٰهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً يٰأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِىۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً يٰأَبَتِ إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـٰنِ وَلِيّاً قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِى يٰإِبْرَٰهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُواْ رَبِّى عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا }
            [مريم:41ـ48] فكان إبراهيم عليه السلام، يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك، وتبين إبراهيم ذلك، رجع عن الاستغفار له وتبرأ منه، كما قال تعالى:
            { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَٰهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }
            [التوبة: 114] وثبت في الصحيح أن إبراهيم، يلقى أباه آزر يوم القيامة، فيقول له آزر: يا بني اليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: أي رب ألم تعدني أنك لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقال: يا إبراهيم انظر ما وراءك، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النار، وقوله: { وَكَذَلِكَ نُرِىۤ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: نبين له وجه الدلالة، في نظره إلى خلقهما، على وحدانية الله عز وجل، في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، كقوله:
            { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }
            [يونس: 101] وقوله:
            { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }
            [الأعراف:185] وقال:
            { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }
            [سبأ: 9] وأما ما حكاه ابن جرير وغيره عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم، قالوا: - واللفظ لمجاهد - فرجت له السموات، فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع، فنظر إلى ما فيهن، وزاد غيره: فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي، ويدعو عليهم، فقال الله له إني أرحم بعبادي منك؛ لعلهم أن يتوبوا، أو يرجعوا. وروى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين عن معاذ وعلي، ولكن لا يصح إسنادهما، والله أعلم، وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس، في قوله: { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } فإنه تعالى جَلاَ لَهُ الأمر؛ سره وعلانيته، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب، قال الله: إنك لا تستطيع هذا، فرده كما كان قبل ذلك، فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عياناً، ويحتمل أن يكون عن بصيرته، حتى شاهده بفؤاده، وتحققه وعرفه، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة، والدلالات القاطعة، كما رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه عن معاذ بن جبل في حديث المنام:
            " أتاني ربي في أحسن صورة، فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء، وعرفت ذلك " وذكر الحديث. قوله: { وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } قيل: الواو زائدة، تقديره: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض؛ ليكون من الموقنين؛ كقوله: { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } وقيل: بل هي على بابها، أي: نريه ذلك ليكون عالماً وموقناً، وقوله تعالى: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } أي: تغشاه وستره { رَأَى كَوْكَباً } أي: نجماً { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ } أي: غاب، قال محمد بن إسحاق بن يسار: الأفول: الذهاب، وقال ابن جرير: يقال: أفَل النجم يأفُل ويأفِل أُفولاً وأَفْلاً: إذا غاب. ومنه قول ذي الرمة:
            مصابيحُ ليسَتْ باللواتي تقودُها نُجُومٌ، ولا بالآفلات الدوالك
            ويقال: أين أفلت عنا؟ بمعنى: أين غبت عنا؟ قال: { لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } قال قتادة: علم أن ربه دائم لا يزول، { فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً } أي: طالعاً { قَالَ هَـٰذَا رَبِّى فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّى } أي: هذا المنير الطالع ربي { هَـٰذَآ أَكْبَرُ } أي: جرماً؛ من النجم ومن القمر، وأكثر إضاءة { فَلَمَّآ أَفَلَتْ } أي: غابت، { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: أخلصت ديني، وأفردت عبادتي { لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي: خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق { حَنِيفًا } أي: في حال كوني حنيفاً، أي: مائلاً عن الشرك إلى التوحيد، ولهذا قال: { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } وقد اختلف المفسرون في هذا المقام: هل هو مقام نظر، أو مناظرة؟ فروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير مستدلاً بقوله: { لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى } الآية، وقال محمد بن إسحاق: قال ذلك حين خرج من السرب الذي ولدته فيه أمه، حين تخوفت عليه من نمروذ بن كنعان، لما كان قد أخبر بوجود مولود يكون ذهاب ملكه على يديه، فأمر بقتل الغلمان عامئذ، فلما حملت أم إبراهيم به، وحان وضعها، ذهبت به إلى سرب ظاهر البلد، فولدت فيه إبراهيم، وتركته هناك، وذكر أشياء من خوارق العادات، كما ذكرها غيره من المفسرين من السلف والخلف، والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كان في هذا المقام مناظراً لقومه، مبيناً لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام، فبين في المقام الأول مع أبيه خطأهم في عبادة الأصنام الأرضية، التي هي على صور الملائكة السماوية؛ ليشفعوا لهم إلى الخالق العظيم، الذين هم عند أنفسهم أحقر من أن يعبدوه، وإنما يتوسلون إليه بعبادة ملائكته؛ ليشفعوا لهم عنده في الرزق والنصر، وغير ذلك مما يحتاجون إليه.
            وبين في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل، وهي الكواكب السيارة السبعة المتحيرة، وهي: القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري وزحل، وأشدهن إضاءة وأشرفهن عندهم الشمس، ثم القمر ثم الزهرة، فبين أولاً صلوات الله وسلامه عليه أن هذه الزهرة لا تصلح للإلهية، فإنها مسخرة مقدرة بسير معين، لا تزيغ عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تملك لنفسها تصرفاً، بل هي جرم من الأجرام خلقها الله منيرة، لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من المشرق ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن الأبصار فيه، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال، ومثل هذه لا تصلح للإلهية، ثم انتقل إلى القمر، فبين فيه مثل ما بين في النجم، ثم انتقل إلى الشمس كذلك، فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار، وتحقق ذلك بالدليل القاطع، { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } أي: أنا بريء من عبادتهن وموالاتهن، فإن كانت آلهة، فكيدوني بها جميعاً، ثم لا تنظرون { إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: إنما أعبد خالق هذه الأشياء، ومخترعها ومسخرها ومقدرها ومدبرها، الذي بيده ملكوت كل شيء، وخالق كل شيء، وربه ومليكه وإلهه، كما قال تعالى:
            { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }
            [الأعراف: 54] وكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظراً في هذا المقام، وهو الذي قال الله في حقه
            { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَٰهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَـٰلِمِينَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَـٰثِيلُ ٱلَّتِىۤ أَنتُمْ لَهَا عَـٰكِفُونَ }
            [الأنبياء:51-52] الآيات، وقال تعالى:
            { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَِنْعُمِهِ ٱجْتَبَٰهُ وَهَدَٰهُ إِلَى صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَٰهُ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِى ٱلأَخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
            [النحل: 120-123] وقال تعالى:
            { قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
            [الأنعام: 161] وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل مولود يولد على الفطرة " وفي صحيح مسلم، عن عياض بن حمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله: إني خلقت عبادي حنفاء " وقال الله في كتابه العزيز:
            { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللهِ }
            [الروم: 30] وقال تعالى:
            { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ }
            [الأعراف: 172] ومعناه على أحد القولين كقوله: { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } كما سيأتي بيانه. فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة قانتاً لله حنيفاً، ولم يك من المشركين، ناظراً في هذا المقام؟ بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة، والسجية المستقيمة، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب، وما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظراً لقومه فيما كانوا فيه من الشرك، لا ناظراً قوله تعالى

            تفسير الامام احمد الحسن ع

            سؤال/ 7: كيف يليق بنبي من أولي العزم وهو إبراهيم ع أن يقول عن الكوكب أو القمر أو الشمس بأنه ربي؟!

            [COLOR="rgb(0, 100, 0)"]الجواب: متوهم من يظن أن هذا الكلام حصل من إبراهيم ع في عالم الشهادة اي في الحياة الدنيا وان كان ابراهيم ع ربما اعاده في هذه الحياة الدنيا للتبكيت بقومه اللذين يعبدون هذه الكواكب او الارواح المحركة لها
            والحقيقة أنّ محمداً وآل محمد حيرت أنوارهم القدسية أصحاب العقول التامة من الأنبياء العظام والملائكة الكرام ، حتى ظنوا أنهم ع الملك العلام سبحانه.
            فابراهيم ع لما كشف له ملكوت السماوات وراى نور القائم ع قال: هذا ربي فلما راى نور علي ع قال هذا ربي فلما راى نور محمد ص قال هذا ربي ولم يستطع ابراهيم ع تمييز انهم عباد الا بعد ان يكشف له عن حقائقهم وتبين افولهم وغيبتهم عن الذات الالهية وعودتهم الى الانا في آنات. وعندها فقط نوجه الى اللذي فطر السماوات .وعلم انهم ع ( صنائع الله والخلق بعد صنائع لهم ) كما ورد في الحديث عنهم ع
            ولإبراهيم (ع) العذر، فقد ورد في دعاء أيام رجب عن الإمام المهدي عليه السلام في وصف محمد وآل محمد (ع) ( لا فرق بينك وبينها إلا انهم عبادك وخلقك ) فسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على محمد وآل محمد الطاهرين والحمد لله رب العالمين .
            قال تعالى ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) (الأنعام75-78).
            وتفسير كلام إبراهيم بأنه في هذه الحياة الدنيا وفي عالم الشهادة وللاحتجاج على عبدة الكواكب أو عبدة الشمس بالخصوص لا ينافي ما قدمت كما إن الرواية الواردة في تفسير هذه الآية بأنها في هذه الحياة الدنيا هي عن الإمام الرضا عليه السلام وللاحتجاج على المأمون العباسي لعنه الله بأن الأنبياء معصومون ومن أين للمأمون العباسي أن يفقه كلام الإمام (ع) لو تكلم في الملكوت ثم إن المأمون مجادل أراد بالسؤال الاحتجاج على الإمام (ع) لا الاستفهام ثم انه لوقال للإمام الرضا (ع) زدني لزاده الإمام (ع) ….
            ثم إن السياق القرآني دال على أن رؤية إبراهيم (ع) للكوكب والقمر والشمس هي رؤية ملكوتية فقد جاء الكلام عنها بعد الكلام عن إراءة إبراهيم (ع) لملكوت السماوات .
            في تفسير القمي قال سئل أبي عبد الله (ع) عن قول إبراهيم هذا ربي أشرك في قوله هذا ربي قال (ع) ( من قال هذا اليوم فهو مشرك ولم يكن إبراهيم مشرك وانما كان في طلب ربه وهو من غيره شرك )
            ورواه العياشي وزاد عن أحدهما (ع) (إنما كان طالباً لربه ولم يبلغ كفراً وانه من فكر من الناس في مثل ذلك فأنه بمنزلته) تفسير الصافي عن تفسير العياشي .
            فلو كان قولة هذا ربي في عالم الشهادة أي في هذه الحياة الدنيا وهو بحث عن الرب فهو قطعا شرك ولا فرق في صدوره عن إبراهيم ( ع ) أو غيره .
            بلى انه من إبراهيم (ع)ليس شركا لانه بحث ملكوتي روحي بعد أن كشف لإبراهيم (ع) ملكوت السموات و الأرض .
            أما من غير إبراهيم (ع) فهو شرك لانه بحث في عالم الشهادة في هذه الحياة الدنيا والأجسام الموجودة فيها .
            ثم أن الإمام (ع) بين أن الذي يبحث عن ربه في الملكوت فليس بمشرك بل هو بمنزلة إبراهيم (ع) (( إن امرنا صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان )) نعم لانه مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان …
            ولزيادة الفائدة انقل جواب لسؤال اخر وجه لوصي ورسول الامام المهدي ع الامام احمد الحسن ع[/COLOR]

            [COLOR="rgb(0, 100, 0)"]س / لماذا رأى إبراهيم (ع) كوكب وقمر وشمس فقط ؟[/COLOR]

            ج / الشمس رسول الله (ص ) والقمر الإمام علي (ع) والكوكب الإمام المهدي (ع ) والشمس والقمر والكوكب في الملكوت كانت تجلي الله في الخلق ولهذا اشتبه بها إبراهيم (ع) ولكن كل بحسبة واختص محمد وعلي والقائم (ع) بأنهم تمام تجلي الله في الخلق في هذه الحياة الدنيا لانهم مُرسِلين وليس فقط مُرسَلين ، و لأن محمد صلى الله علية واله هو صاحب الفتح المبين وهو الذي فتح له مثل سم الإبرة وكشف له شيء من حجاب اللاهوت فرأى من آيات ربه الكبرى وهو مدينة العلم وهي صورة لمدينة الكمالات الإلهية أو الذات الإلهية ، أما علي فلأنه باب مدينة العلم وهو جزء منها وكل ما يفاض منها يفاض من خلاله فمحمد (ص) تجلي الله سبحانه وتعالى واسم الله سبحانه في الخلق وعلي ممسوس بذات الله فعندما لا يبقى محمد ولا يبقى إلا الله الواحد القهار في آنات يكون علي عليه صلوات ربي هو تجلي الله سبحانه في الخلق وفاطمة عليها صلوات ربي معه وهي مخصوصة بأنها باطن القمر وظاهر الشمس ولهذا قال علي (ع) لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقيناً لانه وأن لم يكشف له الغطاء ولكنه بمقام من كشف له الغطاء .
            أما القائم (ع) فهو تجلي اسم الله سبحانه وهو حي وقبل شهادته لطول حياته وطول عبادته مع كمال صفاته واخلاصه فهو يصل صلاته بقنوته وقنوته بصلاته وكأنه لا يفتر عن عبادة الله سبحانه ولانه الجالس على العرش يوم الدين أي يوم القيامة الصغرى وفي القرآن اليوم المعلوم ولانه الحاكم باسم الله بين الأمم في ذلك اليوم فلابد أن يكون مرآة تعكس الذات الالهيه في الخلق ليكون الحاكم هو الله في الخلق فيكون كلام الإمام (ع) هو كلام الله وحكمه هو حكم الله وملك الإمام (ع) هو ملك الله سبحانه وتعالى فيصدق في ذلك اليـوم قوله تعالى في سورة الفاتحة ( ملك يوم الدين ) ويكون الإمام (ع) في ذلك اليوم عين الله ولسان الله الناطق ويد الله .
            من كان له اذنان فليسمع النداء هذا اليماني الموعود

            والمهدي الذي يولد في اخر الزمان
            اليك القارء الكريم التطابق التام بين تفسير الامام احمد الحسن ع مع تفير آبائه الطاهرين من ائمة اهل البيت ع


            تفسير البرهان لهاشم البحراني

            وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ- إلى قوله تعالى- إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [74- 81]

            ابن بابويه: قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبي، عن حمدان ابن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) فقال له المأمون: يا بن رسول الله، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال: «بلى».
            قال: فسأله عن آيات من القرآن في الأنبياء (عليهم السلام)، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله عز و جل في إبراهيم (عليه السلام): فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي.
            فقال الرضا (عليه السلام): «إن إبراهيم (عليه السلام) وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، و صنف يعبد القمر، و صنف يعبد الشمس، و ذلك حين خرج من السرب «1» الذي اخفي فيه، فلما جن عليه الليل فرأى الزهرة قال: هذا ربي؟! على الإنكار و الاستخبار، فلما أفل الكوكب قال: لا أحب الآفلين لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم، فلما رأى القمر بازغا قال: هذا ربي؟! على الإنكار و الاستخبار، فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين «2»، فلما أصبح و رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي؟! هذا أكبر من الزهرة و القمر، على الإنكار و الاستخبار، لا على الإخبار و الإقرار، فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة و القمر و الشمس:
            يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
            و إنما أراد إبراهيم (عليه السلام) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، و يثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة و القمر و الشمس، و إنما تحق العبادة لخالقها، و خالق السماوات و الأرض، و كان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله عز و جل و آتاه كما قال عز و جل: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ «3»». فقال المأمون:
            لله درك، يا بن رسول الله.

            محمد بن الحسن الصفار: عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن مسكان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، قال: «كشط لإبراهيم السماوات السبع حتى نظر إلى ما فوق العرش، و كشط له الأرضون السبع «4»، و فعل بمحمد (صلى الله عليه و آله) مثل ذلك، و إني لأرى صاحبكم و الأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك».
            و عنه: عن أحمد بن محمد، عن البرقي «1»، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل رأى محمد (صلى الله عليه و آله) ملكوت السماوات و الأرض كما رأى إبراهيم (عليه السلام)؟ قال: «بلى- قال- و كذلك أري صاحبكم «2»».
            3514/ [4]- و عنه: عن محمد «3»، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن ثعلبة، عن عبد الرحيم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.
            قال: «كشط الله «4» الأرض حتى رآها و من عليها، [و عن السماء حتى رآها و من فيها] و الملك الذي يحملها، و العرش و من عليه «5»، و كذلك أري صاحبكم».
            / [5]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، رفعه، قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنين (عليه السلام)، و ذكر الحديث، و قال: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ «6» هم العلماء الذين حملهم الله علمه، و ليس يخرج عن هذه الأربعة «7» شي‏ء خلق الله في ملكوته، و هو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه و أراه خليله (عليه السلام) فقال: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ».
            و سيأتي تمام الحديث- إن شاء الله تعالى- عند ذكر العرش»
            .
            3516/ [6]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما رأى إبراهيم (عليه السلام) ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني، فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر، فدعا عليه فمات، حتى رأى ثلاثة
            __________________________________________________
            فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله عز ذكره إليه: يا إبراهيم، إن دعوتك مجابة، فلا تدع على عبادي، فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: عبد يعبدني لا يشرك بي شيئا فأثيبه، و عبد عبد غيري فلن يفوتني، و عبد عبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني».
            و روى ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «1».

            3517/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن إسماعيل بن مرار «2»، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كشط له عن الأرض و من عليها، و عن السماء و من فيها «3»، و الملك الذي يحملها، و العرش و من عليه، و فعل ذلك برسول الله و أمير المؤمنين (عليهما الصلاة و السلام)».
            3518/ [8]- و في كتاب (الاختصاص) للمفيد (رضي الله عنه): عن الحسن «4» بن أحمد بن سلمة اللؤلؤي، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، قال: و كنت مطرقا إلى الأرض فرفع يده إلى فوق، ثم قال: «ارفع رأسك» فرفعت رأسي، فنظرت إلى السقف قد انفرج حتى خلص بصري إلى نور ساطع، و حار بصري دونه، ثم قال لي: «رأى إبراهيم (عليه السلام) ملكوت السماوات و الأرض هكذا» ثم قال لي: «أطرق» فأطرقت، ثم قال: «ارفع رأسك» فرفعت رأسي، فإذا السقف على حاله.
            ثم أخذ بيدي فقام و أخرجني من البيت الذي كنت فيه، و أدخلني بيتا آخر، فخلع ثيابه التي كانت عليه، و لبس ثيابا غيرها، ثم قال لي: «غض بصرك» فغضضت «5» بصري، فقال: «لا تفتح عينيك» فلبثت ساعة، ثم قال لي:
            «تدري أين أنت؟» قلت: لا. قال: «أنت في الظلمة التي سلكها ذو القرنين». فقلت له: جعلت فداك، أ تأذن لي أن أفتح عيني فأراك؟ فقال لي: «افتح فإنك لا ترى شيئا». ففتحت عيني، فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها موضع قدمي.
            ثم سار قليلا و وقف فقال: «هل تدري أين أنت؟» فقلت: لا أدري. فقال: «أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضر (عليه السلام)». و سرنا فخرجنا من ذلك العالم إلى عالم آخر، فسلكنا فيه، فرأينا كهيئة عالمنا هذا في بنائه و مساكنه و أهله، ثم خرجنا إلى عالم ثالث كهيئة الأول و الثاني، حتى وردنا على خمسة عوالم. قال: ثم قال لي:
            «هذه ملكوت الأرض، و لم يرها إبراهيم (عليه السلام) و إنما رأى ملكوت السماوات، و هي اثني عشر عالما، كل عالم‏
            كهيئة ما رأيت، كلما مضى منا إمام سكن إحدى هذه العوالم، حتى يكون آخرهم القائم (عليه السلام) في عالمنا الذي نحن ساكنوه
            ».
            ثم قال لي: «غض بصرك» ثم أخذ بيدي فإذا [نحن‏] «1» في البيت الذي خرجنا منه، فنزع تلك الثياب، و لبس ثيابه التي كانت عليه، و عدنا إلى مجلسنا، فقلت له: جعلت فداك، كم مضى من النهار؟ فقال: «ثلاث ساعات».
            و روى هذا الحديث محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات): عن الحسن بن أحمد بن سلمة، عن محمد بن المثنى، عن عثمان بن زيد «2»، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل:
            وَ كَذلِكَ نُرِي الحديث، إلا أن فيه: «و أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضر (عليه السلام)» فشرب الماء و شربت «3»، و خرجنا من ذلك العالم، و ساق الحديث إلى آخره «4».
            3519/ [9]- الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أبا جهل، أما علمت قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) لما رفع في الملكوت، و ذلك قول ربي وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قوى الله بصره لما رفعه دون السماء، حتى أبصر الأرض و من عليها ظاهرين، فالتفت «5» فرأى رجلا و امرأة على فاحشة، فدعا عليهما بالهلاك، فهلكا، ثم رأى آخرين، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما، فأوحى الله إليه: يا إبراهيم، اكفف دعوتك عن عبادي و إمائي، فإني أنا الغفور الرحيم، الحنان الحليم «6»، لا تضرني ذنوب عبادي، كما لا تنفعني طاعتهم، و لست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي و إمائي، فإنما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة، و لا مهيمن علي و لا على عبادي، و عبادي معي بين خلال ثلاث: إما تابوا إلي فتبت عليهم و غفرت ذنوبهم و سترت عيوبهم، و إما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون «7»، فأرفق بالآباء الكافرين، و أتأنى بالأمهات الكافرات، و أرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم، فإذا تزايلوا حل «8» بهم عذابي، و حاق بهم بلائي، و إن لم يكن هذا و لا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي و كبريائي يا إبراهيم، فخل بيني و بين عبادي. فإني أرحم بهم منك، و خل بيني و بين عبادي فإني أنا الجبار الحليم، العلام الحكيم، أدبرهم بعلمي، و أنفذ فيهم قضائي و قدري.
            ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله تعالى- يا أبا جهل- إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة: عكرمة ابنك، و سيلي من امور المسلمين ما إن أطاع الله [و رسوله‏] فيه كان عند الله جليلا، و إلا فالعذاب نازل عليك».
            3520/ [10]- و قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ أي غاب قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ.
            3521/ [11]- ثم قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن آزر أبا إبراهيم (عليه السلام) كان منجما لنمرود بن كنعان، فقال له: إني أرى في حساب النجوم أن في هذا الزمان يحدث رجل «1» فينسخ هذا الدين، و يدعو إلى دين آخر. فقال النمرود في أي بلاد يكون؟ قال: في هذه البلاد. و كان منزل نمرود بكوثى ربا «2»، فقال له نمرود: قد خرج إلى الدنيا؟ قال آزر: لا. قال: فينبغي أن يفرق بين الرجال و النساء. ففرق بين الرجال و النساء.
            و حملت أم إبراهيم بإبراهيم (عليه السلام) و لم يبن «3» حلمها، فلما حانت ولادتها قالت: يا آزر، إني قد اعتللت و أريد أن اعتزل عنك. و كان في ذلك الزمان، المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها، فخرجت و اعتزلت في غار، و وضعت إبراهيم (عليه السلام)، فهيأته، و قمطته، و رجعت إلى منزلها، و سدت باب الغار بالحجارة، فأجرى الله لإبراهيم (عليه السلام) لبنا من إبهامه، و كانت امه تأتيه. و وكل نمرود بكل امرأة حامل، فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت ام إبراهيم بإبراهيم (عليه السلام) من الذبح، و كان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر، حتى أتى له في الغار ثلاث عشرة سنة.
            فلما كان بعد ذلك زارته امه، فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها، فقال: يا امي، أخرجيني. فقالت له: يا بني، إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك. فلما خرجت امه و خرج من الغار و قد غابت الشمس، نظر إلى الزهرة في السماء، فقال: هذا ربي. فلما أفلت «4» قال: لو كان هذا ربي ما تحرك و لا برح، ثم قال: لا أحب الآفلين- و الآفل: الغائب- فلما نظر إلى المشرق رأى القمر بازغا، قال: هذا ربي، هذا أكبر و أحسن. فلما تحرك و زال قال إبراهيم (عليه السلام): لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فلما أصبح و طلعت الشمس و رأى ضوءها، و قد أضاءت الدنيا لطلوعها قال: هذا ربي، هذا أكبر و أحسن، فلما تحركت و زالت كشف الله له عن السماوات حتى رأى العرش و من عليه، و أراه الله ملكوت السماوات و الأرض، فعند ذلك قال: يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏
            إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فجاء إلى امه و أدخلته دارها و جعلته بين أولادها».
            و سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول إبراهيم (عليه السلام): هذا رَبِّي، أشرك في قوله: هذا رَبِّي؟
            فقال: «لا، بل من قال هذا اليوم فهو مشرك، و لم يكن من إبراهيم (عليه السلام) شرك، و إنما كان في طلب ربه، و هو من غيره شرك».
            «فلما دخلت ام إبراهيم بإبراهيم دارها نظر إليه آزر فقال: من هذا الذي قد بقي في «1» سلطان الملك، و الملك يقتل أولاد الناس؟ قالت: هذا ابنك، ولدته وقت كذا و كذا حين اعتزلت عنك. قال: ويحك، إن علم الملك بهذا زالت منزلتنا عنده. و كان آزر صاحب أمر نمرود و وزيره، و كان يتخذ الأصنام له و للناس، و يدفعها إلى ولده فيبيعونها، و كان في دار الأصنام، فقالت ام إبراهيم لآزر: لا عليك، إن لم يشعر الملك به بقي لنا ولدنا «2»، و إن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه.
            و كان آزر كلما نظر إلى إبراهيم (عليه السلام) أحبه حبا شديدا، و كان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع إخوته، فكان يعلق في أعناقها الخيوط، و يجرها على الأرض و يقول: من يشتري ما لا يضره و لا ينفعه؟! و يغرقها في الماء و الحمأة و يقول لها: اشربي و كلي و تكلمي، فذكر إخوته ذلك لأبيه فنهاه، فلم ينته، فحبسه في منزله و لم يدعه يخرج. و حاجه قومه، فقال إبراهيم (عليه السلام): أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَ قَدْ هَدانِ أي بين لي وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ ثم قال لهم: وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَ لا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي أنا أحق بالأمن حيث أعبد الله، أو أنتم الذين تعبدون الأصنام!!».
            3522/ [12]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق «3» (رضي الله عنه). قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات، قال: حدثنا محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، و ذكر حديث ما ابتلى الله عز و جل به إبراهيم (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): «منها اليقين، و ذلك قول الله عز و جل: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ و منها المعرفة بقدم بارئه، و توحيده، و تنزيهه عن التشبيه، حين نظر إلى الكوكب و القمر و الشمس، فاستدل بأفول كل واحد منها على حدوثه، و بحدوثه «4» على محدثه».
            و الحديث طويل، تقدم بتمامه في قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ «1» و هو حديث حسن.
            3523/ [13]- الشيخ: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الصلت، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله سائل عن وقت المغرب، قال: «إن الله تعالى يقول في كتابه لإبراهيم (عليه السلام):
            فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً فهذا أول الوقت، و آخر ذلك غيبوبة الشفق، و أول وقت العشاء ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل، يعني نصف الليل».
            3524/ [14]- و روى الطبرسي في (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث له في رد سؤال يهودي، قال له اليهودي: فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا.
            قال له علي (عليه السلام): «لقد كان كذلك، و محمد (صلى الله عليه و آله) سقط من بطن امه واضعا يده اليسرى على الأرض، و رافعا يده اليمنى إلى السماء، يحرك شفتيه بالتوحيد».
            قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى، و أحاطت دلالته بعلم الإيمان به».
            قال له علي (عليه السلام): «لقد كان كذلك، و اعطي محمد (صلى الله عليه و آله) أفضل منه، قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى، و أحاطت دلالته بعلم الإيمان به «3»، و تيقظ إبراهيم و هو ابن خمس عشرة سنة، و محمد (صلى الله عليه و آله) كان ابن سبع سنين، قدم تجار من النصارى، فنزلوا بتجارتهم بين الصفا و المروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته و نعته «4» و خبر مبعثه و آياته (صلى الله عليه و آله)، فقالوا له: يا غلام، ما اسمك؟ قال: محمد: قالوا: ما اسم أبيك؟ قال: عبد الله. قالوا: ما اسم هذه؟ و أشاروا بأيديهم إلى الأرض، قال: الأرض. قالوا: فما اسم هذه؟
            و أشاروا بأيديهم إلى السماء، قال: السماء. قالوا: فمن ربهما؟ قال: الله. ثم انتهرهم و قال: أ تشككوني في الله عز و جل؟! ويحك- يا يهودي- لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عز و جل مع كفر قومه، إذ هو بينهم يستقسمون بالأزلام و يعبدون الأوثان، و هو يقول: لا إله إلا الله».
            3525/ [15]- العياشي: عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ
            ، قال: «كان اسم أبيه آزر».
            3526/ [16]- عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، قال: «كشط له عن الأرض حتى رآها و ما فيها، و السماء و ما فيها، و الملك الذي يحملها، و العرش و ما عليه».
            3527/ [17]- عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، قال: «كشط له السماوات السبع حتى نظر إلى السماء السابعة و ما فيها، و الأرضين السبع و ما فيهن، و فعل بمحمد (صلى الله عليه و آله) كما فعل بإبراهيم (عليه السلام)، و إني لأرى صاحبكم قد فعل به مثل ذلك».
            3528/ [18]- عن زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، في قول الله: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، فقال أبو جعفر (عليه السلام): «كشط له عن السموات حتى نظر إلى العرش و ما عليه».
            قال: و السماوات و الأرض و العرش و الكرسي؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «كشط له عن الأرض حتى رآها، و عن السماء و ما فيها، و الملك الذي يحملها، و الكرسي و ما عليه «1»».
            3529/ [19]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.
            قال: «أعطي بصره من القوة ما نفذ السماوات فرأى ما فيها و رأى العرش و ما فوقه «2»، و رأى ما في الأرض و ما تحتها».
            3530/ [20]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أري «3» ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني، فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر، فدعا عليه فمات، حتى رأى ثلاثة، فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله إليه أن: يا إبراهيم: إن دعوتك مجابة، فلا تدع على عبادي، فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: عبد يعبدني و لا يشرك بي شيئا فأثيبه، و عبد يعبد غيري فلن يفوتني، و عبد يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني».
            3531/ [21]- عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: في إبراهيم (عليه السلام) إذ رأى كوكبا، قال: «إنما
            كان طالبا لربه، و لم يبلغ كفرا، و إنه من فكر من الناس في مثل ذلك فإنه بمنزلته».
            3532/ [22]- عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول إبراهيم (صلوات الله عليه): لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ: «أي ناس للميثاق».
            3533/ [23]- عن أبان بن عثمان، عمن ذكره، عنهم (عليهم السلام): «أنه كان من حديث إبراهيم (عليه السلام) أنه ولد في زمان نمرود بن كنعان، و كان قد ملك الأرض أربعة: مؤمنان و كافران: سليمان بن داود، و ذو القرنين، و نمرود بن كنعان، و بخت نصر، و أنه قيل لنمرود: إنه يولد العام غلام يكون هلاككم و هلاك دينكم «1» و هلاك أصنامكم «2» على يديه. و أنه وضع القوابل على النساء، و أمر أن لا يولد هذه السنة ذكر إلا قتلوه. و أن إبراهيم (عليه السلام) حملته امه في ظهرها، و لم تحمله في بطنها، و أنه لما وضعته أدخلته سربا و وضعت عليه غطاء، و أنه كان يشب شبا لا يشبه الصبيان، و كانت تعاهده، فخرج إبراهيم (عليه السلام) من السرب، فرأى الزهرة و لم ير كوكبا أحسن منها، فقال:
            هذا ربي. فلم يلبث أن طلع القمر، فلما رآه هابه، قال: هذا أعظم، هذا ربي. فلما أفل قال: لا أحب الآفلين. فلما رأى النهار، و طلعت الشمس، قال: هذا ربي، هذا أكبر مما رأيت. فلما أفلت قال: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ».
            3534/ [24]- عن حجر، قال: أرسل العلاء بن سيابة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول إبراهيم (عليه السلام):
            هذا رَبِّي و أنه من قال هذا اليوم فهو عندنا مشرك؟ قال: «لم يكن من إبراهيم (عليه السلام) شرك، إنما كان في طلب ربه، و هو من غيره شرك».
            3535/ [25]- عن محمد بن حمران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله فيما أخبر عن إبراهيم (عليه السلام): هذا رَبِّي، قال: «لم يبلغ به شيئا، أراد غير الذي قال».
            3536/ [26]- ابن الفارسي في (روضة الواعظين) و غيره: روي عن مجاهد عن أبي عمرو و أبي سعيد الخدري قالا: كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذ دخل سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، و المقداد بن الأسود «3»، و أبو الطفيل عامر بن واثلة، فجثوا بين يديه و الحزن ظاهر في وجوههم، و قالوا: فديناك بالآباء و الأمهات- يا رسول الله- إنا نسمع من قوم في أخيك و ابن عمك ما يحزننا، و إنا نستأذنك في الرد عليهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):
            «و ما عساهم يقولون في أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب؟».
            فقالوا: يقولون: أي فضل لعلي في سبقه إلى الإسلام، و إنما أدركه الإسلام طفلا، و نحو هذا القول.
            فقال (صلى الله عليه و آله): «أ فهذا يحزنكم؟» قالوا: إي و الله. فقال: «تالله أسألكم: هل علمتم من الكتب السالفة أن إبراهيم (عليه السلام) هرب به أبوه من الملك الطاغي، فوضعته «1» امه بين أثلاث «2» بشاطئ نهر يتدفق «3» بين غروب الشمس و إقبال الليل، فلما وضعته و استقر على وجه الأرض قام من تحتها يمسح وجهه و رأسه، و يكثر من شهادة أن لا إله إلا الله، ثم أخذ ثوبا فامتسح به، و امه تراه «4»، فذعرت منه ذعرا شديدا، ثم مضى يهرول بين يديها مادا عينيه إلى السماء، فكان منه ما قال الله عز و جل وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي إلى قوله: إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.

            والحمد لله مالك الملك
            sigpic

            Comment

            • GAYSH AL GHADAB
              مشرف
              • 13-12-2009
              • 1797

              #7
              رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

              الحلقة السادسة

              سؤال/ 20: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ في سورة الماعون؟

              تفاسير السنة والجماعة :

              تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق

              { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } * { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ} * { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } * {وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ }

              يعني تعالى ذكره بقوله: { أرأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } أرأيت يا محمد الذي يكذّب بثواب الله وعقابه، فلا يطيعه في أمره ونهيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

              حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: { أرأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } قال: الذي يكذّب بحكم الله عزّ وجلّ.

              حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن جُرَيج { يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } قال: بالحساب.

              وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «أرأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ الدِّينَ» فالباء في قراءته صلة، دخولها في الكلام وخروجها واحد.

              وقوله: { فَذِلَكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } يقول: فهذا الذي يكذّب بالدين، هو الذي يدفع اليتيم عن حقه، ويظلمه. يقال منه: دَعَعْت فلاناً عن حقه، فأنا أدعُّه دعًّا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

              حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، { فَذِلكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يدفع حق اليتيم.

              حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يدفع اليتيم فلا يُطعمه.

              حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ }: أي يَقْهَره ويظلمه.

              حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يقهره ويظلمه.

              حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يقهره.

              حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان في قوله: { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يدفعه.

              وقوله: { وَلا يَحُضُّ على طَعامِ المِسْكِينِ } يقول تعالى ذكره: ولا يحثّ غيره على إطعام المحتاج من الطعام.

              وقوله: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِين هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون، لا يريدون الله عزّ وجلّ بصلاتهم، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها.

              واختلف أهل التأويل في معنى قوله: { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنهم يؤخِّرونها عن وقتها، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها. ذكر من قال ذلك:

              حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سكن بن نافع الباهلي، قال: ثنا شعبة، عن خلف بن حَوْشَبِ، عن طلحة بن مُصَرّف، عن مصعب بن سعد، قال: قلت لأبي، أرأيت قول الله عزّ وجلّ: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: أيه تركها؟ قال: لا، ولكن تأخيرها عن وقتها.
              حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن هشام الدَّسْتَوائي، قال: ثنا عاصم بن بهدلة. عن مصعب بن سعد، قال: قلت لسعد: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: أهو ما يحدّث به أحدنا نفسه في صلاته؟ قال: لا، ولكن السهو أن يؤخِّرها عن وقتها.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن مصعب بن سعد { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: السهو: الترك عن الوقت.

              حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا عمران بن تمام البُنَانيّ، قال: ثنا أبو جمرة الضُّبَعِيّ نصر بن عمران، عن ابن عباس، في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الذين يؤخِّرونها عن وقتها.

              وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى: فويل للمصلين { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الذين يُؤِّخرون الصلاة المكتوبة، حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها.

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الترك لوقتها.

              حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو معاوية، عن الأَعمش، عن مسلم، عن مسروق، في قوله: { الَّذِينَ هُم عَنْ صْلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: تضييع مِيقاتها.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: ترك المكتوبة لوقتها.

              حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، قال: أخبرني ابن زَحْر، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } الذين يضيعونها عن وقتها.

              وقال آخرون: بل عُني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها. ذكر من قال ذلك:

              حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فهم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العارية بغضاً لهم، وهو الماعون.

              حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ، ويصلون في العلانية.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الترك لها.

              وقال آخرون: بل عُني بذلك أنهم يتهاونون بها، ويتغافلون عنها ويَلْهُونَ. ذكر من قال ذلك:

              حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: لاهون.

              حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: غافلون.
              حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: ساهٍ عنها، لا يبالي صلَّى أم لم يصلّ.

              حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } يصلون، وليست الصلاة من شأنهم.

              حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: يتهاونون.

              وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله: { ساهُونَ }: لاهون يتغافلون عنها وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها، تضييعها أحياناً، وتضييع وقتها أخرى. وإذا كان ذلك كذلك صحّ بذلك قول من قال: عُنِي بذلك ترك وقتها، وقول من قال: عُنِي به تركها، لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت.

              وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك: أحدهما ما:

              حدثني به زكريا بن أبان المصريّ، قال: ثنا عمرو بن طارق، قال: ثنا عكرِمة بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الملك بن عُمَير، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم، عن { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: " هم الذين يؤخِّرون الصلاة عن وقتها " والآخر منهما ما:

              حدثني به أبو كُرَيب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن شبيان النحويّ، عن جابر الجُعْفِيّ، قال: ثني رجل، عن أبي بَرْزة الأسلميّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزلت هذه الآية: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: " الله أكبرُ هذه خيرٌ لكم من أن لو أُعطيَ كلّ رجل منكم مثلَ جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرجُ خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه "

              حدثني أبو عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يحدّث عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }.

              وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل عن معنى السهو عن الصلاة.

              وقوله: { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } يقول: الذين هم يراؤون الناس بصلاتهم إذا صَلَّوْا، لأنهم لا يصلُّون رغبةً في ثواب، ولا رهبةً من عقاب، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم، فيكفون عن سفك دمائهم، وَسبْي ذراريهم، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستبطنون الكفر، ويُظهرون الإسلامَ، كذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر ومؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ } ساهُونَ قال: هم المنافقون.
              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

              حدثني يونس، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله: { يُرَاءُونَ وَيمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: يراؤون بصلاتهم.

              حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } يعني المنافقين.

              حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: هم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا.

              حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد: ويصلون، وليس الصلاة من شأنهم رياء.

              وقوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته يقال للماء الذي ينزل من السحاب: ماعون ومنه قول أعشى بني ثعلبة.
              بأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَاعُونِهِ إذَا ما سَماؤُهُمُ لَمْ تَغِمْ
              وقال آخر يصف سحاباً:
              يَمُجُّ صَبِيرُهُ المَاعُونَ صَبًّا
              وقال عَبيد الراعي:
              قَوْمٌ على الإسْلامِ لَمَّا يَمْنَعوا ما عُونَهُمْ وَيُضَيِّعوا التَّهْليلا
              يعني بالماعون: الطاعة والزكاة.

              واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من معاني الماعون في هذا الموضع، فقال بعضهم: عُنِيَ به الزكاة المفروضة. ذكر من قال ذلك:

              حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال عليّ رضي الله عنه، في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الزكاة.

              حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال عليّ رضي الله عنه: { المَاعُونَ }: الزكاة.

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، عن أبي صالح، عن عليّ رضي الله عنه قال: { المَاعُونَ }: الزكاة.

              حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عليّ رضي الله عنه { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: يمنعون زكاة أموالهم.

              حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام قالا: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السديّ عن أبي صالح، عن عليّ رضي الله عنه { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الزكاة.

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { المَاعُونَ } قال: الزكاة.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عليّ، مثله.

              حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أن علياً رضي الله عنه كان يقول { المَاعُونَ }: الصدقة المفروضة.

              حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ } أن علياً رضي الله عنه قال: هي الزكاة.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: { المَاعُونَ }: الزكاة.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي المُغيرة، قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون، قال: هو المال الذي لا يؤدَّى حقه قال: قلت: إن ابن أمّ عبد يقول: هو المتاع الذي يتعاطاه الناس بينهم، قال: هو ما أقول لك.

              حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سلمة، قال: سمعت أبا المُغيرة قال: سألت ابن عمر، عن الماعون، فقال: هو منع الحقّ.

              حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن سلمة بن كهيل، قال: سُئل ابن عمر عن الماعون، فقال: هو الذي يُسأل حقَّ ماله ويمنعه، فقال: إن ابن مسعود يقول: هو القدر والدلو والفأس، قال: هو ما أقول لكم.

              حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن خالد، عن سلمة بن كهيل، أن ابن عمر سُئل عن قول الله: { وَيمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الذي يُسأل مال الله فيمنعه، فقال الذي سأله، فإن ابن مسعود يقول: هو الفأس والقدر، قال ابن عمر: هو ما أقول لك.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن خالد، عن سلمة بن كهيل، قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون، فذكر مثله.

              حدثني سليمان بن محمد بن معدي كرب الرُّعَيني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: ثني سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا المغيرة: رجلاً من بني أسد، قال: سألت عبد الله بن عمر عن الماعون، قال: هو منع الحقّ، قلت: إن ابن مسعودٍ قال: هو منع الفأس والدلو قال: هو منع الحقّ.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي المغيرة، عن ابن عمر قال: هي الزكاة.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السُّديّ، عن أبي صالح، عن عليّ، مثله.

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا جابر بن زيد بن رفاعة، عن حسان بن مخارق، عن سعيد بن جُبير، قال: { المَاعُونَ }: الزكاة.

              حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والحسن: الماعون: الزكاة المفروضة.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي عمر، عن ابن الحنفية رضي الله عنه قال: هي الزكاة.
              حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الزكاة.

              حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: هم المنافقون يمنعون زكاة أموالهم.

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: { المَاعُونَ }: الزكاة المفروضة.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة، مثله.

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن عقبة، قال: سمعت الحسن يقول: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: منعوا صدقات أموالهم، فعاب الله عليهم.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن { الَّذِينَ هُمْ يُراءُونَ وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: هو المنافق الذي يمنع زكاة ماله، فإن صلى رأى، وإن فاتته لم يَأس عليها.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال: هي الزكاة.

              وقال آخرون: هو ما يتعاوَرُهُ النَّاس بينهم من مثل الدَّلو والقِدر ونحو ذلك. ذكر من قال ذلك:

              حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن أبي إدريس، عن الأعمش، عن الحكم بن يحيى بن الجزار، عن أبي العبيدين، أنه قال لعبد الله: أخبرني عن الماعون؟ قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم.

              حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت يحيى بن الجزار يحدّث عن أبي العبيدين: رجل من بني تميم ضرير البصر، وكان يسأل عبد الله بن مسعود، وكان ابن مسعود يعرف له، فسأل عبد الله عن الماعون، فقال عبد الله: إن من الماعون منع الفأس والقدر والدلو، خصلتان من هؤلاء الثلاث قال شعبة: الفأس ليس فيه شكّ.

              حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العبيدين، عن عبد الله، مثله.

              حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عليَة، قال: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، أن أبا العبيدين: رجلاً من بني تميم، كان ضرير البصر، سأل ابن مسعود عن الماعون، فقال: هو منع الفأس والدلو، أو قال: منع الفأس والقدر.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، أن أبا العبيدين سأل ابن مسعود، عن الماعون، قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو.

              حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا أبو الجوّاب، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن أبي العبيدين، عن عبد الله، كنا أصحاب محمد نحدَّث أن الماعون: القدر والفأس والدلو. قال أبو بكر: قال أبو الجوّاب، وخالفه زهير بن معاوية فيما:

              حدثنا به الحسن الأشيب، قال: ثنا زُهَير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن أبي العبيدين، حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن أبي العبيدين وسعيد بن عياض، عن عبد الله، قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدّث أن الماعون: الدلو والفأس والقدر، لا يستغنى عنهنّ.
              حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي إسحاق، عن سعد بن عياض قال أبو موسى: هكذا قال غُنْدَر عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن من الماعون: الفأس والدلو والقدر.

              حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياض، يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله.

              قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعد بن عياض، يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، مثله.

              حدثنا خلاد، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن أبي العبيدين، قال: قال عبد الله: الماعون: القدر والفأس والدلو.

              حدثنا خلاد، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا المسعوديّ، قال: أخبرنا سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، وكانت به زمانة، وكان عبد الله يعرف له ذلك، فقال: يا أبا عبد الرحمن ما الماعون؟ قال: ما يتعاطى الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن أبي العبيدين، أنه سأل ابن مسعود، عن الماعون، فقال: ما يتعاطاه الناس بينهم.

              قال: ثنا مهران، عن الحسن وسلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، عن ابن مسعود، قال: الفأس والدلو والقدر وأشباهه.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن المسعوديّ، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، أنه سأل ابن مسعود، عن قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } فذكر نحوه.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن ابن مسعود، قال: الفأس والقدر والدلو.

              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله قال: { المَاعُونَ } منع الفأس والقدر والدلو.

              حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله، أنه سُئل عن الماعون، قال: ما يتعاوره الناس بينهم: الفأس والدلو وشبهه.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن ابن مسعود، قال: الدلو والفأس والقدر.
              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياض، عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الماعون: الفأس والقدر والدلو.

              حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: سُئل عبد الله عن الماعون، قال: ما يتعاوره الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو وشبهه.

              حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم أنه قال: هو عارية الناس: الفأس والقدر والدلو ونحو ذلك، يعني الماعون.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، بمثله.

              قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس مثله، قال: الفأس والدلو.

              حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت الأسديّ، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: { المَاعُونَ }: العارية.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: هو العارية.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.

              حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.

              حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: { الماعُونَ } قال: متاع البيت.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا إسماعيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أراه عن ابن عباس «شكّ أبو كُرَيب» { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: المتاع.

              حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس هو متاع البيت.

              حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: يمنعونهم العارية، وهو الماعون.

              حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة، ومنهم من قال: يمنعون الطاعة، ومنهم من قال: يمنعون العارية.

              حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: لم يجىء أهلها بعد.

              حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: { المَاعُونَ } ما يتعاطى الناس بينهم.

              حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا ابن عُلَية، قال: ثنا ليث، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال: قال عليّ رضي الله عنه: الماعون: منع الزكاة والفأس والدلو والقدر.
              حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم النبيل، قال: ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبير قال: الماعون: العارية.

              حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن أبي مالك، في قول الله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الدلو والقدر والفأس.

              حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو عوانة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك.

              وقال آخرون: الماعون: المعروف. ذكر من قال ذلك:

              حدثنا محمد بن إبراهيم السلمي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا محمد بن رفاعة، قال: سمعت محمد بن كعب يقول: الماعون: المعروف.

              وقال آخرون: الماعون: هو المال. ذكر من قال ذلك:

              حدثني أحمد بن حرب، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، قال: الماعون، بلسان قريش: المال.

              حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهريّ، قال: الماعون: بلسان قريش: المال.

              وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبراً عاماً، من غير أن يخصّ من ذلك شيئاً، أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق، لأن كلّ ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض.


              تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق

              يقول تعالى: أرأيت يا محمد الذي يكذب بالدين، وهو المعاد والجزاء والثواب؟ { فَذَلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي: هو الذي يقهر اليتيم، ويظلمه حقه، ولا يطعمه ولا يحسن إليه، { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } كما قال تعالى:
              { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ }
              [الفجر: 17 ــــ 18] يعني: الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته، ثم قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس وغيره: يعني: المنافقين الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر، ولهذا قال: { لِّلْمُصَلِّينَ } الذين هم من أهل الصلاة، وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية؛ كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعاً؛ فيخرجها عن وقتها بالكلية؛ كما قاله مسروق وأبو الضحى.

              وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: { عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل: في صلاتهم ساهون، وإماعن وقتها الأول، فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم له نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي؛ كما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " فهذا أخر صلاة العصر التي هي الوسطى؛ كما ثبت به النص، إلى آخر وقتها، وهو وقت الكراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن، ولا خشع فيها أيضاً، ولهذا قال: لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تعالى:
              { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }
              [النساء: 142] وقال تعالى ههنا: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ }.

              وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي، حدثني أبي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن يونس عن الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمئة مرة، أعد ذلك للمرائين من أمة محمد؛ لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله "
              وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوساً عند أبي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمّع الناس بعمله، سمّع الله به سامع خلقه، وحقره وصغره " ورواه أيضاً عن غندر ويحيى القطان عن شعبة عن عمرو بن مرة عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، ومما يتعلق بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أن من عمل عملاً لله، فاطلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي، فدخل علي رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية " قال أبو علي هارون بن معروف: بلغني أن ابن المبارك قال: نعم، الحديث للمرائين، وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وسعيد بن بشير متوسط، وروايته عن الأعمش عزيزة،وقد رواه غيره عنه، قال أبو يعلى أيضاً: حدثنا محمد بن المثنى بن موسى، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله الرجل يعمل العمل يسره، فإذا اطلع عليه أعجبه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " له أجران: أجر السر، وأجر العلانية " وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى، وابن ماجه عن بندار، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني، واسمه ضرار بن مرة، ثم قال الترمذي: غريب. وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مرسلاً.

              وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي، حدثني رجل عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ } قال: " الله أكبر، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه " فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يسم، والله أعلم. وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن أبان المصري، حدثنا عمرو بن طارق، حدثنا عكرمة بن إبراهيم، حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال:
              " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " قلت: وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعاً، أو تأخيرها عن أول الوقت، وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن عكرمة بن إبراهيم به، ثم رواه عن أبي الربيع عن جابر عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفاً: سهوا عنها حتى ضاع الوقت، وهذا أصح إسناداً، وقد ضعف البيهقي رفعه، وصحح وقفه، وكذلك الحاكم.

              وقوله تعالى: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أي: لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به، ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى. وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال علي: الماعون: الزكاة، وكذا رواه السدي عن أبي صالح عن علي، وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر، وبه يقول محمد بن الحنفية وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وعطية العوفي، والزهري والحسن وقتادة والضحاك وابن زيد. وقال الحسن البصري: إن صلى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله، وفي لفظ: صدقة ماله. وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون، ظهرت الصلاة فصلوها، وخفيت الزكاة فمنعوها. وقال الأعمش وشعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار: أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر. وقال المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين: أنه سُئِل ابن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.

              وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي العبيدين وسعد بن عياض عن عبد الله قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث: أن الماعون: الدلو والفأس والقدر، لا يستغنى عنهن. وحدثنا خلاد بن أسلم، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وقال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله: أنه سئل عن الماعون فقال: ما يتعاوره الناس بينهم الفأس والدلو وشبهه. وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي الفلاس، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: منع الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك. وقد رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة عن أبي عوانة بإسناده نحوه، ولفظ النسائي: عن عبد الله قال: كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر.
              وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: الماعون: العواري: القدر والميزان والدلو. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } يعني: متاع البيت، وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد: إنها العارية للأمتعة، وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: لم يجىء أهلها بعد. وقال العوفي عن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة، ومنهم من قال: يمنعون الطاعة، ومنهم من قال: يمنعون العارية، رواه ابن جرير. ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: الماعون: منع الناس الفأس والقدر والدلو. وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدلو والإبرة، رواه ابن أبي حاتم.وهذا الذي قاله عكرمة حسن، فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد، وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة، ولهذا قال محمد بن كعب: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: المعروف. ولهذا جاء في الحديث: " كل معروف صدقة ". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: بلسان قريش: المال. وروى ههنا حديثاً غريباً عجيباً في إسناده ومتنه، فقال: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا: حدثنا قيس بن حفص الدارمي، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي، حدثنا عائذ بن ربيعة النميري، حدثني قرة بن دعموص النميري: أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله ما تعهد إلينا؟ قال: " لا تمنعوا الماعون " قالوا: يا رسول الله وما الماعون؟ قال: " في الحجر وفي الحديدة وفي الماء " قالوا: فأي الحديدة؟ قال: " قدوركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به " قالوا: ما الحجر؟ قال: " قدوركم الحجارة " غريب جداً، ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم. وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري فقال: روى ابن قانع بسنده إلى عامر بن ربيعة بن قيس النميري عن علي بن فلان النميري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المسلم أخو المسلم، إذا لقيه حيّاه بالسلام، ويرد عليه ما هو خير منه، لا يمنع الماعون " قلت: يا رسول الله ما الماعون؟ قال: " الحجر والحديد وأشباه ذلك " والله أعلم. آخر تفسير السورة، ولله الحمد والمنة.


              تفاسير الشيعة

              تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


              القراءة: في الشواذ قراءة أبي رجاء العطاردي يَدَع اليتيم بفتح الدال خفيفة.

              الحجة: ومعناه يتركه ويعرض عنه فهو صائر إلى معنى القراءة المشهورة يدُعُّ اليتيم أي يدفعه ويجفو عليه.

              اللغة: الدع الدفع بشدة ومنه الدعدعة تحريكك المكيال ليستوعب الشيء كأنك تدفعه والدعدعة أيضاً زجر المعز والحض والحث والتحريض بمعنى واحد والماعون كل ما فيه منفعة قال الأعشى:
              بِـأَجْوَدَ مِنْهُ بِماعُونِهِ إذا ما سَماؤُهُم لَمْ تُغِــمْ
              وقال الراعي:
              قَوْمٌ عَلَى الإسْلامِ لَمّا يَمْنَعُوا مَاعُونَهُـمْ ويُضَيّعُوا التَّهْلِيلا
              وقال أعرابي: في ناقة له:
              كَيْمـا أَنَّها تُعْطِيــكَ الماعُــون
              أي تنقاد لك وتطيعك وأصله القلة من المعن وهو القليل قال الشاعر:
              فـإنَّ هِـلاكَ مالِــكَ غَيْــرُ مَعْــنِ
              أي غير قليل ويقال ما له ممْعنٌ ولا مَعْن فالماعون القليل القيمة مما فيه منفعة ويقال معن الوادي إذا جرت مياهه قليلاً قليلاً.

              الإعراب: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } اعتمد هنا في الخبر على ما جرى في صلة الموصول الذي هو وصف المجرور باللام المتعلق بالخبر ألا ترى أن قوله { فويل للمصلين } غير محمول على الظاهر والإعتماد على السهو في صلة الذين وقوله { الذين هم يراؤون } يجوز أن يكون مجروراً على أنه صفة للمصلين ويجوز أن يكون منصوباً على إضمار أعني وأن يكون مرفوعاً على إضمارهمْ.

              المعنى: خاطب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { أرأيت } يا محمد { الذي يكذب بالدين } أي هذا الكافر الذي يكذب بالجزاء والحساب وينكر البعث مع وضوح الأمر في ذلك وقيام الحجج على صحته وإنما ذكره سبحانه بلفظ الاستفهام إرادة للمبالغة في الإفهام والتكذيب بالجزاء من أضر شيء على صاحبه لأنه يعدم بذلك أكثر الدواعي إلى الخير والصوارف عن الشر فهو يتهالك في الإسراع إلى الشر الذي يدعوه إليه طبعه إذ لا يخاف عواقب الضرر فيه قال الكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة عن السدي ومقاتل بن حيان. وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب كان ينحر في كل اسبوع جزورين فأتاه يتيم فسأله شيئاً فقرعه بعصاه عن ابن جريج. وقيل: نزلت في رجل من المنافقين عن عطاء عن ابن عباس.

              { فذلك الذي يدع اليتيم } بيَّن سبحانه أن من صفة هذا الذي يكذب بالدين أنه يدفع اليتيم عنفاً به لأنه لا يؤمن بالجزاء عليه فليس له رادع عنه. وقيل: يدعُّ اليتيم أي يدفعه عن حقه بجفوة وعنف ويقهره عن ابن عباس ومجاهد { ولا يحض على طعام المسكين } أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه يعني لا يفعله إذا قدر ولا يحض عليه إذا عجز لأنه يكذب بالجزاء.

              { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } وهم الذين يؤخّرون الصلاة عن أوقاتها عن ابن عباس ومسروق وروي ذلك مرفوعاً.
              وقيل: يريد المنافقين الذين لا يرجون لها ثواباً إن صلوا ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها فإذا كانوا مع المؤمنين صلّوها رياء وإذا لم يكونوا معهم لم يصلّوا وهو قوله { الذين هم يراؤون } عن علي (ع) وابن عباس وقال أنس: الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم يريد بذلك أن السهو الذي يقع للإنسان في صلاته من غير عمد لا يعاقب عليه. وقيل: ساهون عنها لا يبالون صلّوا أم لم يصلّوا عن قتادة. وقيل: هم الذين يتركون الصلاة عن الضحاك. وقيل: الذين إن صلّوها صلّوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عن الحسن. وقيل: هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها ولا سجودها عن أبي العالية وعنه أيضاً قال هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتاً.

              وروى العياشي بالإسناد عن يونس بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن قوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } أهي وسوسة الشيطان فقال لا كل أحد يصيبه هذا ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها وعن أبي أسامة زيد الشحام قال سالت أبا عبد الله (ع) عن قول الله الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو الترك لها والتواني عنها وعن محمد ابن الفضيل عن أبي الحسن (ع) قال هو التضييع لها. وقيل: هم الذين { يراؤون } الناس في جميع أعمالهم لم يقصدوا بها الإخلاص لله تعالى.

              { ويمنعون الماعون } اختلف فيه فقيل هي الزكاة المفروضة عن علي وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وروي ذلك عن أبي عبد الله (ع). وقيل: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر وما لا يمنع كالماء والملح عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وروي ذلك مرفوعاً وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة قال فقلت إن لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه أفعلينا جناح أن نمنعهم فقال لا ليس عليك جناح أن تمنعهم إذا كانوا كذلك. وقيل: هو المعروف كله عن الكلبي



              تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق

              بيان)

              وعيد لمن كان من المنتحلين بالدين متخلقاً بأخلاق المنافقين كالسهو عن الصلاة والرياء في الأعمال ومنع الماعون مما لا يلائم التصديق بالجزاء.

              والسورة تحتمل المكية والمدنية، وقيل: نصفها مكي ونصفها مدني.

              قوله تعالى: { أرأيت الذي يكذِّب بالدين } الرؤية تحتمل الرؤية البصرية وتحتمل أن تكون بمعنى المعرفة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنه سامع فيتوجه إلى كل سامع، والمراد بالدين الجزاء يوم الجزاء فالمكذب بالدين منكر المعاد وقيل المراد به الدين بمعنى الملة.

              قوله تعالى: { فذلك الذي يدعُّ اليتيم } الدع هو الرد بعنف وجفاء، والفاء في { فذلك } لتوهم معنى الشرط والتقدير أرأيت الذي يكذِّب بالجزاء فعرفته بصفاته اللازمة لتكذيبه فإن لم تعرفه فذلك الذي يرد اليتيم بعنف ويجفوه ولا يخاف عاقبة عمله السيء ولو لم يكذب به لخافها ولو خافها لرحمه.

              قوله تعالى: { ولا يحضّ على طعام المسكين } الحض الترغيب، والكلام على تقدير مضاف أي لا يرغب الناس على إطعام طعام المسكين قيل: إن التعبير بالطعام دون الإِطعام للاشعار بأن المسكين كأنه مالك لما يعطى له كما في قوله تعالى:
              { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم }
              [الذاريات: 19] وقيل: الطعام في الآية بمعنى الاطعام.

              والتعبير بالحض دون الاطعام لأن الحض أعم من الحض العملي الذي يتحقق بالإِطعام.

              قوله تعالى: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } أي غافلون لا يهتمون بها ولا يبالون أن تفوتهم بالكلية أو بعض الأوقات أو تتأخر عن وقت فضيلتها وهكذا.

              وفي الآية تطبيق من يكذب بالدين على هؤلاء المصلين لمكان فاء التفريع ودلالة على أنهم لا يخلون من نفاق لأنهم يكذبون بالدين عملاً وهم يتظاهرون بالإِيمان.

              قوله تعالى: { الذين هم يراءون } أي يأتون بالعبادات لمرآة الناس فهم يعملون للناس لا لله تعالى.

              قوله تعالى: { ويمنعون الماعون } الماعون كل ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة كالقرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره، وإلى هذا يرجع متفرقات ما فسر به في كلماتهم.

              (بحث روائي)

              في تفسير القمي في قوله تعالى: { أرأيت الذي يكذب بالدين } قال: نزلت في أبي جهل وكفار قريش، وفي قوله: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال: عنى به تاركين لأن كل إنسان يسهو في الصلاة قال أبو عبد الله عليه السلام: تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر.

              وفي الخصال عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: ليس عمل أحب إلى الله عز وجل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أُمور الدنيا فإن الله عز وجل ذم أقواماً فقال: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها.
              وفي الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل قال: سألت عبداً صالحاً عليه السلام عن قول الله عز وجل: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال هو التضييع.

              أقول: وفي هذه المضامين روايات أُخر.

              وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب { الذين هم يراءون } قال: يراؤن بصلاتهم.

              وفيه أخرج أبو نعيم والديلمي وابن عساكر عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله { ويمنعون الماعون } قال: " ما تعاون الناس بينهم الفاس والقدر والدلو وأشباهه ".

              وفي الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: وقوله عز وجل: { ويمنعون الماعون } هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة.

              أقول: وتفسير الماعون بالزكاة مروي من طرق أهل السنة أيضاً عن علي عليه السلام كما في الدر المنثور ولفظه: الماعون الزكاة المفروضة يراؤون بصلاتهم ويمنعون زكاتهم.

              وفي الدر المنثور أخرج ابن قانع " عن علي بن أبي طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " المسلم أخو المسلم إذا لقيه حياه بالسلام ويرد عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون قلت: يا رسول الله ما الماعون؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الحجر والحديد والماء وأشباه ذلك ".

              أقول: وقد فسر صلى الله عليه وآله وسلم في رواية أُخرى الحديد بقدور النحاس وحديد الفاس والحجر بقدور الحجارة.


              تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق

              قوله { أرأيت } خطاب للنبي صلى الله عليه وآله على وجه التعجيب له من الكافر { الذي يكذب بالدين } وذهابه عن الايمان به مع وضوح الأمر فيه وقيام الدلالة على صحته والمراد بالدين الجزاء من الثواب والعقاب، فالتكذيب بالجزاء من أضرّ شيء على صاحبه، لانه يعدم به أكثر الدواعي إلى الخير، والصوارف عن الشر، فهو يتهالك فى الاسراع إلى الشر الذي يدعوه اليه طبعه لا يخاف عاقبة الضرر فيه.

              وقوله { فذلك الذي يدع اليتيم } وصف الذي يكذب بالدين، فبين أن من صفته أنه يدع اليتيم، ومعناه يدفعه عنفاً، وذلك لانه لا يؤمن بالجزاء عليه، فليس له رادع عنه، كما لمن يقر بأنه يكافئ عليه، دعّه يدعه دعاً إذا دفعه دفعاً شديداً، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة { يدع اليتيم } معناه يدفعه عن حقه. وقوله { ولا يحض على طعام المسكين } معناه ولا يحث على طعام المسكين بخلا به، لأنه لو كان لا يحض عليه عجزاً عنه لم يذم به، وكذلك لو لم يحض عليه من غير قبيح كان منه لم يذم عليه، لأن الذم لا يستحق إلا بما له صفة الوجوب إذ أخل به أو القبيح إذا فعله على وجه مخصوص.

              وقوله { فويل للمصلين } تهديد لمن يصلي على وجه الرياء والسمعة. وإنما أطلق مع انه رأس آية يقتضي تمام الجملة، لأنه معرف بما يدل على انه أراد من يصلي على جهة الرياء والنفاق. ثم بين ذلك بقوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال ابن عباس ومسروق: معناه يؤخرونها عن وقتها، وقال قتادة: معناه غافلون. وقال مجاهد: لاهون كأنهم يسهون للهوهم عنها واللهو يوجب تأخيرها عن وقتها لانه قال عن صلاتهم. وقيل: ساهون فيها { الذين هم يراؤن } معناه إنه يراؤن بصلاتهم الناس دون أن يتقربوا بها إلى الله. وإنما ذم السهو فى الصلاة مع انه ليس من فعل العبد بل هو من فعل الله، لان الذم توجه فى الحقيقة على التعرض للسهو بدخوله فيها على وجه الرياء وقلبه مشغول بغيرها، لا يرى لها منزلة تقتضي صرف الهم اليها.

              وقوله { ويمنعون الماعون } قال ابو عبيدة: كل ما فيه منفعة، فهو الماعون، وقال الاعشى:
              باجود منه بماعونه إذا ما سماؤهم لم تغم
              وقال الراعي:
              قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التنزيلا
              وقال اعرابي فى ناقة: إنها تعطيك الماعون أي تنقاد لك، والماعون أصله القلة من قولهم: المعن القليل قال الشاعر:
              فان هلاك مالك غير معن
              أي غير قليل، فالماعون القليل القيمة مما فيه منفعة من آلة البيت نحو الفاس والمقدحة والابرة والدلو - وهو قول ابن مسعود وابن عباس وإبراهيم وابي مالك وسعيد ابن جبير - وسئل عكرمة فقيل له: من منع ذلك فالويل له؟ قال: لا، ولكن من جمع ذلك بأن صلى ساهياً مرائياً ومنع هذا.
              وقوله { فويل للمصلين } وهو يعني المنافقين، فدل على أن السورة مدنية لانه لم يكن بمكة نفاق، ويقال: معن الوادي إذا جرت مياهه قليلا قليلا. والماء المعين الجاري قليلا قليلا. وأمعن في الامر إذا أبعد فيه قليلا قليلا. وروي عن علي عليه السلام أنه قال: الماعون الزكاة، وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وقال الشاعر:
              بمج صبيره الماعون صبا
              فالصبير السحاب. وقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي لم يجعلها في صلاتهم وإنما جعلها عن صلاتهم، فتأولها من تركها متعمداً. والمراد بالصلاة هنا الفرض.



              سنورد الان بعون الله تفسير الامام احمد الحسن ع


              ج / بسم الله الرحمن الرحيم (( ارءيت الذي يكذب بالدين *فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين *فويل للمصلين *الذين هم عن صلاتهم ساهون *الذين هم يراؤن *ويمنعون الماعون ))
              ارءيت الذي يكذب بالدين : السؤال هنا موجه للمؤمن ، وهو استفهام عن شخص تكون نتيجته هي التكذيب بالجزاء و القيامة أو بالحقيقة التكذيب بوجود الله سبحانه وتعالى ، فأصل تكذيب الدين الجديد ومن جاء به وهو محمد (ص) هو الكفر بالله وبالآخرة وان لم يصرح الكفار بهذا . وعلى كل حال فان هذه النتيجة لم تأتِ بلا مقدمات بل جاءت من مقدمات واقعية وهي دفع اليتيم عن حقه أي الفرد في قومه الذي لا يسبقه سواه بالأخلاق والشرف وطاعة الله ومعرفة الله وهم الأنبياء والمرسلين (ع)والائمة (ع) فهذا الذي يكذب بالجزاء لا يقبل تقدم هؤلاء عليه لانه مصاب بداء إبليس ( أنا خير منه )فلا يقبل أن يتقدم عليه من هو خير منه ثم إن من صفاته أكل أموال اليتامى والأرامل والمساكين وهؤلاء أي الذين يستحوذون على أموال الفقراء ويتمتعون بها هم ومن اتصل بهم ، هم دائما علماء الدين غير العاملين المحاربين للأنبياء والمرسلين والائمة (ع) فقد حارب علماء بني إسرائيل موسى (ع)وحارب علماء اليهود عيسى (ع)وحارب علماء الأحناف واليهود محمد (ص)وحارب العلماء الضالين في هذه الأمة الأئمة (ع) وليس كما يظن أن بعض علماء السنة فقط هم الذين حاربوا الأئمة بل وعلماء الشيعة أيضا فقد حارب كبار علماء الشيعة الإمام علي بن موسى الرضا(ع)وحاولوا دفعه عن حقه لا لشيء فقط ليستأثروا بأموال الصدقات والرئاسة الدينية الباطلة ومن هؤلاء العلماء الشيعة ظاهرا الضالين ((علي بن حمزة البطائني )) وهو من أصحاب الإمام موسى بن جعفر(ع)ومن كبار علماء الشيعة ولكن لما استشهد الأمام موسى بن جعفر (ع) حارب علي بن حمزة البطائني الإمام الرضا (ع)ولكن تصدى شباب الشيعة لهؤلاء العلماء غير العاملين وثبتوا المذهب وبينوا باطل هؤلاء الفقهاء الظلمة ومن هؤلاء الشباب احمد بن محمد بن ابي نصر البيزنطي وهو من خُلَّص أصحاب الإمام الرضا (ع) الممدوحين والنتيجة علماء السوء غير العاملين والطواغيت وأعوانهم واتباعهم هم الذين يدفعون اليتامى عن مقاماتهم ولا يحظون على إعطاء المساكين حقهم .
              واليتامى والمساكين هم الأنبياء والمرسلين والائمة عليهم السلام لأنهم خاضعين متذللين لله غير متكبرين أي مساكين فلا يدانيهم أحد فكل واحد منهم فرد في قومه أي يتيم .
              (( فويل للمصلين )): أي فويل للمنتظرين. فكل مرسل من الله مبشر به ممن سبقه من الأنبياء والمرسلين والائمة (ع) يوجد جماعة من المؤمنين به ينتظرونه ولكن مع الأسف دائماً كان هناك فشل كثير من هؤلاء المنتظرين في نهاية المطاف فقد فشل علماء اليهود في انتظار عيسى (ع) حيث لما أتاهم كذبوه مع انهم كانوا ينتظرونه وفشل علماء اليهود والأحناف في انتظار محمد (ص) حيث أن اليهود أسسوا مدينة يثرب لاستقبال الرسول محمد (ص) عند قيامه فلما قام في مكة وهاجر إلى يثرب كذبه كثير منهم ولم يؤمنوا به وهذه سنة متبعة وهي اليوم تكرر مع القائم (ع) حيث أن علماء الشيعة ينتظرونه ولكنهم اليوم يحاربونه وهذه هي مفارقة كمفارقة لفظي الويل والصلاة في الآية فكيف يكون الويل للمصلين ؟! نعم أن الويل لهم لأنهم يصلّون إلى عكس القبلة فهم يريدون أن يأتيهم الإمام المهدي (ع) وفق أهوائهم وتخرصاتهم العقلية يريدون الإمام المهدي (ع) ياتي لهم ويستأذنهم في إرسال من يرسله إلى الناس ويعطيهم خطة عمله (ع) ليبدوا تحفظاتهم عليها فهم أئمة الكتاب لا أن الكتاب إمامهم !!!
              الذين هم عن صلاتهم ساهون : الذين هم ساهون في الدنيا واللهث وراءها الذين هم ساهون عن الإمام المهدي (ع) فالعمل بين يديه (ع) خير صلاة يؤديها المؤمن وهؤلاء المنتظرون الفاشلون الذين كان عاقبة أمرهم خسرا لما تركوا العمل بين يدي الإمام المهدي (ع) وكذبوا وصيه ورسوله .
              وهذا هو الزمان الذي فيه الناس سكارى حيارى لاهم مسلمون ولا هم نصارى فتجده معمم ويلبس زي ديني شيعي أو سني وساعة يستقبل (……) الذي لا هم له ولا لبلاده إلا القضاء على الإسلام . وساعة يقول السلام عليك يا رسول الله محمد(ص) السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين (ع) وتجده ساعة داعية للديمقراطية الأمريكية والانتخابات فيكون بذلك نصراني غربي الهوى لان الإسلام ودستوره القرآن يرفض أي انتخابات ولا نعرف من الرسول والأئمة (ع) والقرآن الذي بين أيدينا ونتصفحه إلا التعين من الله أو من المعصوم (ع ) الذي هو أيضا من الله بل إن جميع الأديان الإلهية مطبقة على ذلك إلا من اتبع هواه ، فهؤلاء بنو إسرائيل ؛ في قصة طالوت في سورة البقرة لا يعينوا هم الملك بل يطلبون من نبي لهم أن يطلب من الله أن يعين لهم ملكاً قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) (البقرة:246) وقال تعالى ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) (آل عمران: 26) فالملك ملك الله لا ملك الناس فالذي يعين هو الله ومع الأسف كثير من الجهلة الحمقى يطبلون ويزمرون لهؤلاء العلماء غير العاملين ( النصارى ) بل أن الحق أن يسميهم الناس (العلماء الأمريكان)- ويقولون انهم علماء أصمتتهم الحكمة وياليتهم ظلوا صامتين بل صمتوا دهراً ونطقوا كفراً فالنتيجة التي وصلوا إليها السيستاني وأشباهه هي أن الدستور يضعه الناس والحاكم يعينه الناس وأمرهم شورى بينهم ومحمد وعلي صلوات الله عليهم برأي هؤلاء الجهلة مخطئان وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان والحكم برأي السيستاني للشيطان !!!وهؤلاء حتماً مراءون وعملهم كله رياء فبكائهم على الحسين (ع) رياء وصلاتهم رياء هدفهم منها الاستحواذ على قلوب الناس والمناصب الدنيوية العفنة كالرئاسة الدينية ( الذين هم يراءون)
              (ويمنعون الماعون) :- وهؤلاء هم العلماء غير العاملين الذين فشلوا في انتظار الإمام المهدي (ع)، فهم لا يكتفون بتكذيبهم للإمام المهدي (ع) ووصيه ورسوله بل ويمنعون الناس من الجهاد بين يديه وقتال الكفار الذين قاموا بغزوا الدول الإسلامية فهؤلاء العلماء الجبناء الخونة كما وصفهم الله سبحانه في حديث المعراج للرسول (ص) لا يكتفون بأنهم خذلوا الإمام المهدي (ع)بل يمنعون الناس عن نصرته وإعانته فلعنة الله على الظالمين الذين يمنعون الماعون.
              sigpic

              Comment

              • GAYSH AL GHADAB
                مشرف
                • 13-12-2009
                • 1797

                #8
                رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

                الحلقة السابعة

                سؤال/ 20: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ في سورة الماعون؟

                تفاسير السنة والجماعة :

                تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق

                { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } * { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ} * { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } * {وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ }

                يعني تعالى ذكره بقوله: { أرأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } أرأيت يا محمد الذي يكذّب بثواب الله وعقابه، فلا يطيعه في أمره ونهيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

                حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: { أرأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } قال: الذي يكذّب بحكم الله عزّ وجلّ.

                حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن جُرَيج { يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } قال: بالحساب.

                وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «أرأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ الدِّينَ» فالباء في قراءته صلة، دخولها في الكلام وخروجها واحد.

                وقوله: { فَذِلَكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } يقول: فهذا الذي يكذّب بالدين، هو الذي يدفع اليتيم عن حقه، ويظلمه. يقال منه: دَعَعْت فلاناً عن حقه، فأنا أدعُّه دعًّا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

                حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، { فَذِلكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يدفع حق اليتيم.

                حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يدفع اليتيم فلا يُطعمه.

                حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ }: أي يَقْهَره ويظلمه.

                حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يقهره ويظلمه.

                حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يقهره.

                حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان في قوله: { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } قال: يدفعه.

                وقوله: { وَلا يَحُضُّ على طَعامِ المِسْكِينِ } يقول تعالى ذكره: ولا يحثّ غيره على إطعام المحتاج من الطعام.

                وقوله: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِين هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون، لا يريدون الله عزّ وجلّ بصلاتهم، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها.

                واختلف أهل التأويل في معنى قوله: { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنهم يؤخِّرونها عن وقتها، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها. ذكر من قال ذلك:

                حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سكن بن نافع الباهلي، قال: ثنا شعبة، عن خلف بن حَوْشَبِ، عن طلحة بن مُصَرّف، عن مصعب بن سعد، قال: قلت لأبي، أرأيت قول الله عزّ وجلّ: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: أيه تركها؟ قال: لا، ولكن تأخيرها عن وقتها.
                حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن هشام الدَّسْتَوائي، قال: ثنا عاصم بن بهدلة. عن مصعب بن سعد، قال: قلت لسعد: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: أهو ما يحدّث به أحدنا نفسه في صلاته؟ قال: لا، ولكن السهو أن يؤخِّرها عن وقتها.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن مصعب بن سعد { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: السهو: الترك عن الوقت.

                حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا عمران بن تمام البُنَانيّ، قال: ثنا أبو جمرة الضُّبَعِيّ نصر بن عمران، عن ابن عباس، في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الذين يؤخِّرونها عن وقتها.

                وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى: فويل للمصلين { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الذين يُؤِّخرون الصلاة المكتوبة، حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها.

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الترك لوقتها.

                حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو معاوية، عن الأَعمش، عن مسلم، عن مسروق، في قوله: { الَّذِينَ هُم عَنْ صْلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: تضييع مِيقاتها.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: ترك المكتوبة لوقتها.

                حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، قال: أخبرني ابن زَحْر، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } الذين يضيعونها عن وقتها.

                وقال آخرون: بل عُني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها. ذكر من قال ذلك:

                حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فهم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العارية بغضاً لهم، وهو الماعون.

                حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ، ويصلون في العلانية.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: الترك لها.

                وقال آخرون: بل عُني بذلك أنهم يتهاونون بها، ويتغافلون عنها ويَلْهُونَ. ذكر من قال ذلك:

                حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: لاهون.

                حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: غافلون.
                حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: ساهٍ عنها، لا يبالي صلَّى أم لم يصلّ.

                حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } يصلون، وليست الصلاة من شأنهم.

                حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: يتهاونون.

                وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله: { ساهُونَ }: لاهون يتغافلون عنها وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها، تضييعها أحياناً، وتضييع وقتها أخرى. وإذا كان ذلك كذلك صحّ بذلك قول من قال: عُنِي بذلك ترك وقتها، وقول من قال: عُنِي به تركها، لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت.

                وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك: أحدهما ما:

                حدثني به زكريا بن أبان المصريّ، قال: ثنا عمرو بن طارق، قال: ثنا عكرِمة بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الملك بن عُمَير، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم، عن { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال: " هم الذين يؤخِّرون الصلاة عن وقتها " والآخر منهما ما:

                حدثني به أبو كُرَيب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن شبيان النحويّ، عن جابر الجُعْفِيّ، قال: ثني رجل، عن أبي بَرْزة الأسلميّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزلت هذه الآية: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }: " الله أكبرُ هذه خيرٌ لكم من أن لو أُعطيَ كلّ رجل منكم مثلَ جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرجُ خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه "

                حدثني أبو عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يحدّث عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ }.

                وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل عن معنى السهو عن الصلاة.

                وقوله: { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } يقول: الذين هم يراؤون الناس بصلاتهم إذا صَلَّوْا، لأنهم لا يصلُّون رغبةً في ثواب، ولا رهبةً من عقاب، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم، فيكفون عن سفك دمائهم، وَسبْي ذراريهم، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستبطنون الكفر، ويُظهرون الإسلامَ، كذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر ومؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ } ساهُونَ قال: هم المنافقون.
                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

                حدثني يونس، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله: { يُرَاءُونَ وَيمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: يراؤون بصلاتهم.

                حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } يعني المنافقين.

                حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: هم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا.

                حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد: ويصلون، وليس الصلاة من شأنهم رياء.

                وقوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته يقال للماء الذي ينزل من السحاب: ماعون ومنه قول أعشى بني ثعلبة.
                بأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَاعُونِهِ إذَا ما سَماؤُهُمُ لَمْ تَغِمْ
                وقال آخر يصف سحاباً:
                يَمُجُّ صَبِيرُهُ المَاعُونَ صَبًّا
                وقال عَبيد الراعي:
                قَوْمٌ على الإسْلامِ لَمَّا يَمْنَعوا ما عُونَهُمْ وَيُضَيِّعوا التَّهْليلا
                يعني بالماعون: الطاعة والزكاة.

                واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من معاني الماعون في هذا الموضع، فقال بعضهم: عُنِيَ به الزكاة المفروضة. ذكر من قال ذلك:

                حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال عليّ رضي الله عنه، في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الزكاة.

                حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال عليّ رضي الله عنه: { المَاعُونَ }: الزكاة.

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، عن أبي صالح، عن عليّ رضي الله عنه قال: { المَاعُونَ }: الزكاة.

                حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عليّ رضي الله عنه { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: يمنعون زكاة أموالهم.

                حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام قالا: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السديّ عن أبي صالح، عن عليّ رضي الله عنه { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الزكاة.

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { المَاعُونَ } قال: الزكاة.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عليّ، مثله.

                حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أن علياً رضي الله عنه كان يقول { المَاعُونَ }: الصدقة المفروضة.

                حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ } أن علياً رضي الله عنه قال: هي الزكاة.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: { المَاعُونَ }: الزكاة.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي المُغيرة، قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون، قال: هو المال الذي لا يؤدَّى حقه قال: قلت: إن ابن أمّ عبد يقول: هو المتاع الذي يتعاطاه الناس بينهم، قال: هو ما أقول لك.

                حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سلمة، قال: سمعت أبا المُغيرة قال: سألت ابن عمر، عن الماعون، فقال: هو منع الحقّ.

                حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن سلمة بن كهيل، قال: سُئل ابن عمر عن الماعون، فقال: هو الذي يُسأل حقَّ ماله ويمنعه، فقال: إن ابن مسعود يقول: هو القدر والدلو والفأس، قال: هو ما أقول لكم.

                حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن خالد، عن سلمة بن كهيل، أن ابن عمر سُئل عن قول الله: { وَيمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الذي يُسأل مال الله فيمنعه، فقال الذي سأله، فإن ابن مسعود يقول: هو الفأس والقدر، قال ابن عمر: هو ما أقول لك.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن خالد، عن سلمة بن كهيل، قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون، فذكر مثله.

                حدثني سليمان بن محمد بن معدي كرب الرُّعَيني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: ثني سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا المغيرة: رجلاً من بني أسد، قال: سألت عبد الله بن عمر عن الماعون، قال: هو منع الحقّ، قلت: إن ابن مسعودٍ قال: هو منع الفأس والدلو قال: هو منع الحقّ.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي المغيرة، عن ابن عمر قال: هي الزكاة.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السُّديّ، عن أبي صالح، عن عليّ، مثله.

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا جابر بن زيد بن رفاعة، عن حسان بن مخارق، عن سعيد بن جُبير، قال: { المَاعُونَ }: الزكاة.

                حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والحسن: الماعون: الزكاة المفروضة.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي عمر، عن ابن الحنفية رضي الله عنه قال: هي الزكاة.
                حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الزكاة.

                حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: هم المنافقون يمنعون زكاة أموالهم.

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: { المَاعُونَ }: الزكاة المفروضة.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة، مثله.

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن عقبة، قال: سمعت الحسن يقول: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: منعوا صدقات أموالهم، فعاب الله عليهم.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن { الَّذِينَ هُمْ يُراءُونَ وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: هو المنافق الذي يمنع زكاة ماله، فإن صلى رأى، وإن فاتته لم يَأس عليها.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال: هي الزكاة.

                وقال آخرون: هو ما يتعاوَرُهُ النَّاس بينهم من مثل الدَّلو والقِدر ونحو ذلك. ذكر من قال ذلك:

                حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن أبي إدريس، عن الأعمش، عن الحكم بن يحيى بن الجزار، عن أبي العبيدين، أنه قال لعبد الله: أخبرني عن الماعون؟ قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم.

                حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت يحيى بن الجزار يحدّث عن أبي العبيدين: رجل من بني تميم ضرير البصر، وكان يسأل عبد الله بن مسعود، وكان ابن مسعود يعرف له، فسأل عبد الله عن الماعون، فقال عبد الله: إن من الماعون منع الفأس والقدر والدلو، خصلتان من هؤلاء الثلاث قال شعبة: الفأس ليس فيه شكّ.

                حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العبيدين، عن عبد الله، مثله.

                حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عليَة، قال: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، أن أبا العبيدين: رجلاً من بني تميم، كان ضرير البصر، سأل ابن مسعود عن الماعون، فقال: هو منع الفأس والدلو، أو قال: منع الفأس والقدر.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، أن أبا العبيدين سأل ابن مسعود، عن الماعون، قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو.

                حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا أبو الجوّاب، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن أبي العبيدين، عن عبد الله، كنا أصحاب محمد نحدَّث أن الماعون: القدر والفأس والدلو. قال أبو بكر: قال أبو الجوّاب، وخالفه زهير بن معاوية فيما:

                حدثنا به الحسن الأشيب، قال: ثنا زُهَير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن أبي العبيدين، حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن أبي العبيدين وسعيد بن عياض، عن عبد الله، قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدّث أن الماعون: الدلو والفأس والقدر، لا يستغنى عنهنّ.
                حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي إسحاق، عن سعد بن عياض قال أبو موسى: هكذا قال غُنْدَر عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن من الماعون: الفأس والدلو والقدر.

                حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياض، يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله.

                قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعد بن عياض، يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، مثله.

                حدثنا خلاد، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن أبي العبيدين، قال: قال عبد الله: الماعون: القدر والفأس والدلو.

                حدثنا خلاد، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا المسعوديّ، قال: أخبرنا سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، وكانت به زمانة، وكان عبد الله يعرف له ذلك، فقال: يا أبا عبد الرحمن ما الماعون؟ قال: ما يتعاطى الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن أبي العبيدين، أنه سأل ابن مسعود، عن الماعون، فقال: ما يتعاطاه الناس بينهم.

                قال: ثنا مهران، عن الحسن وسلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، عن ابن مسعود، قال: الفأس والدلو والقدر وأشباهه.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن المسعوديّ، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، أنه سأل ابن مسعود، عن قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } فذكر نحوه.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن ابن مسعود، قال: الفأس والقدر والدلو.

                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله قال: { المَاعُونَ } منع الفأس والقدر والدلو.

                حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله، أنه سُئل عن الماعون، قال: ما يتعاوره الناس بينهم: الفأس والدلو وشبهه.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن ابن مسعود، قال: الدلو والفأس والقدر.
                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياض، عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الماعون: الفأس والقدر والدلو.

                حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: سُئل عبد الله عن الماعون، قال: ما يتعاوره الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو وشبهه.

                حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم أنه قال: هو عارية الناس: الفأس والقدر والدلو ونحو ذلك، يعني الماعون.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، بمثله.

                قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس مثله، قال: الفأس والدلو.

                حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت الأسديّ، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: { المَاعُونَ }: العارية.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: هو العارية.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.

                حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.

                حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: { الماعُونَ } قال: متاع البيت.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا إسماعيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أراه عن ابن عباس «شكّ أبو كُرَيب» { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: المتاع.

                حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس هو متاع البيت.

                حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: يمنعونهم العارية، وهو الماعون.

                حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة، ومنهم من قال: يمنعون الطاعة، ومنهم من قال: يمنعون العارية.

                حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: لم يجىء أهلها بعد.

                حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: { المَاعُونَ } ما يتعاطى الناس بينهم.

                حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا ابن عُلَية، قال: ثنا ليث، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال: قال عليّ رضي الله عنه: الماعون: منع الزكاة والفأس والدلو والقدر.
                حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم النبيل، قال: ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبير قال: الماعون: العارية.

                حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن أبي مالك، في قول الله: { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } قال: الدلو والقدر والفأس.

                حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو عوانة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك.

                وقال آخرون: الماعون: المعروف. ذكر من قال ذلك:

                حدثنا محمد بن إبراهيم السلمي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا محمد بن رفاعة، قال: سمعت محمد بن كعب يقول: الماعون: المعروف.

                وقال آخرون: الماعون: هو المال. ذكر من قال ذلك:

                حدثني أحمد بن حرب، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، قال: الماعون، بلسان قريش: المال.

                حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهريّ، قال: الماعون: بلسان قريش: المال.

                وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبراً عاماً، من غير أن يخصّ من ذلك شيئاً، أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق، لأن كلّ ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض.


                تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق

                يقول تعالى: أرأيت يا محمد الذي يكذب بالدين، وهو المعاد والجزاء والثواب؟ { فَذَلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي: هو الذي يقهر اليتيم، ويظلمه حقه، ولا يطعمه ولا يحسن إليه، { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } كما قال تعالى:
                { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ }
                [الفجر: 17 ــــ 18] يعني: الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته، ثم قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس وغيره: يعني: المنافقين الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر، ولهذا قال: { لِّلْمُصَلِّينَ } الذين هم من أهل الصلاة، وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية؛ كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعاً؛ فيخرجها عن وقتها بالكلية؛ كما قاله مسروق وأبو الضحى.

                وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: { عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل: في صلاتهم ساهون، وإماعن وقتها الأول، فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم له نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي؛ كما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " فهذا أخر صلاة العصر التي هي الوسطى؛ كما ثبت به النص، إلى آخر وقتها، وهو وقت الكراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن، ولا خشع فيها أيضاً، ولهذا قال: لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تعالى:
                { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }
                [النساء: 142] وقال تعالى ههنا: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ }.

                وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي، حدثني أبي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن يونس عن الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمئة مرة، أعد ذلك للمرائين من أمة محمد؛ لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله "
                وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوساً عند أبي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمّع الناس بعمله، سمّع الله به سامع خلقه، وحقره وصغره " ورواه أيضاً عن غندر ويحيى القطان عن شعبة عن عمرو بن مرة عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، ومما يتعلق بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أن من عمل عملاً لله، فاطلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي، فدخل علي رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية " قال أبو علي هارون بن معروف: بلغني أن ابن المبارك قال: نعم، الحديث للمرائين، وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وسعيد بن بشير متوسط، وروايته عن الأعمش عزيزة،وقد رواه غيره عنه، قال أبو يعلى أيضاً: حدثنا محمد بن المثنى بن موسى، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله الرجل يعمل العمل يسره، فإذا اطلع عليه أعجبه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " له أجران: أجر السر، وأجر العلانية " وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى، وابن ماجه عن بندار، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني، واسمه ضرار بن مرة، ثم قال الترمذي: غريب. وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مرسلاً.

                وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي، حدثني رجل عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ } قال: " الله أكبر، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه " فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يسم، والله أعلم. وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن أبان المصري، حدثنا عمرو بن طارق، حدثنا عكرمة بن إبراهيم، حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال:
                " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " قلت: وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعاً، أو تأخيرها عن أول الوقت، وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن عكرمة بن إبراهيم به، ثم رواه عن أبي الربيع عن جابر عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفاً: سهوا عنها حتى ضاع الوقت، وهذا أصح إسناداً، وقد ضعف البيهقي رفعه، وصحح وقفه، وكذلك الحاكم.

                وقوله تعالى: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أي: لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به، ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى. وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال علي: الماعون: الزكاة، وكذا رواه السدي عن أبي صالح عن علي، وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر، وبه يقول محمد بن الحنفية وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وعطية العوفي، والزهري والحسن وقتادة والضحاك وابن زيد. وقال الحسن البصري: إن صلى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله، وفي لفظ: صدقة ماله. وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون، ظهرت الصلاة فصلوها، وخفيت الزكاة فمنعوها. وقال الأعمش وشعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار: أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر. وقال المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين: أنه سُئِل ابن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.

                وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي العبيدين وسعد بن عياض عن عبد الله قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث: أن الماعون: الدلو والفأس والقدر، لا يستغنى عنهن. وحدثنا خلاد بن أسلم، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وقال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله: أنه سئل عن الماعون فقال: ما يتعاوره الناس بينهم الفأس والدلو وشبهه. وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي الفلاس، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: منع الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك. وقد رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة عن أبي عوانة بإسناده نحوه، ولفظ النسائي: عن عبد الله قال: كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر.
                وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: الماعون: العواري: القدر والميزان والدلو. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } يعني: متاع البيت، وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد: إنها العارية للأمتعة، وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: لم يجىء أهلها بعد. وقال العوفي عن ابن عباس: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة، ومنهم من قال: يمنعون الطاعة، ومنهم من قال: يمنعون العارية، رواه ابن جرير. ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: الماعون: منع الناس الفأس والقدر والدلو. وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدلو والإبرة، رواه ابن أبي حاتم.وهذا الذي قاله عكرمة حسن، فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد، وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة، ولهذا قال محمد بن كعب: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: المعروف. ولهذا جاء في الحديث: " كل معروف صدقة ". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري: { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } قال: بلسان قريش: المال. وروى ههنا حديثاً غريباً عجيباً في إسناده ومتنه، فقال: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا: حدثنا قيس بن حفص الدارمي، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي، حدثنا عائذ بن ربيعة النميري، حدثني قرة بن دعموص النميري: أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله ما تعهد إلينا؟ قال: " لا تمنعوا الماعون " قالوا: يا رسول الله وما الماعون؟ قال: " في الحجر وفي الحديدة وفي الماء " قالوا: فأي الحديدة؟ قال: " قدوركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به " قالوا: ما الحجر؟ قال: " قدوركم الحجارة " غريب جداً، ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم. وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري فقال: روى ابن قانع بسنده إلى عامر بن ربيعة بن قيس النميري عن علي بن فلان النميري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المسلم أخو المسلم، إذا لقيه حيّاه بالسلام، ويرد عليه ما هو خير منه، لا يمنع الماعون " قلت: يا رسول الله ما الماعون؟ قال: " الحجر والحديد وأشباه ذلك " والله أعلم. آخر تفسير السورة، ولله الحمد والمنة.


                تفاسير الشيعة

                تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


                القراءة: في الشواذ قراءة أبي رجاء العطاردي يَدَع اليتيم بفتح الدال خفيفة.

                الحجة: ومعناه يتركه ويعرض عنه فهو صائر إلى معنى القراءة المشهورة يدُعُّ اليتيم أي يدفعه ويجفو عليه.

                اللغة: الدع الدفع بشدة ومنه الدعدعة تحريكك المكيال ليستوعب الشيء كأنك تدفعه والدعدعة أيضاً زجر المعز والحض والحث والتحريض بمعنى واحد والماعون كل ما فيه منفعة قال الأعشى:
                بِـأَجْوَدَ مِنْهُ بِماعُونِهِ إذا ما سَماؤُهُم لَمْ تُغِــمْ
                وقال الراعي:
                قَوْمٌ عَلَى الإسْلامِ لَمّا يَمْنَعُوا مَاعُونَهُـمْ ويُضَيّعُوا التَّهْلِيلا
                وقال أعرابي: في ناقة له:
                كَيْمـا أَنَّها تُعْطِيــكَ الماعُــون
                أي تنقاد لك وتطيعك وأصله القلة من المعن وهو القليل قال الشاعر:
                فـإنَّ هِـلاكَ مالِــكَ غَيْــرُ مَعْــنِ
                أي غير قليل ويقال ما له ممْعنٌ ولا مَعْن فالماعون القليل القيمة مما فيه منفعة ويقال معن الوادي إذا جرت مياهه قليلاً قليلاً.

                الإعراب: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } اعتمد هنا في الخبر على ما جرى في صلة الموصول الذي هو وصف المجرور باللام المتعلق بالخبر ألا ترى أن قوله { فويل للمصلين } غير محمول على الظاهر والإعتماد على السهو في صلة الذين وقوله { الذين هم يراؤون } يجوز أن يكون مجروراً على أنه صفة للمصلين ويجوز أن يكون منصوباً على إضمار أعني وأن يكون مرفوعاً على إضمارهمْ.

                المعنى: خاطب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { أرأيت } يا محمد { الذي يكذب بالدين } أي هذا الكافر الذي يكذب بالجزاء والحساب وينكر البعث مع وضوح الأمر في ذلك وقيام الحجج على صحته وإنما ذكره سبحانه بلفظ الاستفهام إرادة للمبالغة في الإفهام والتكذيب بالجزاء من أضر شيء على صاحبه لأنه يعدم بذلك أكثر الدواعي إلى الخير والصوارف عن الشر فهو يتهالك في الإسراع إلى الشر الذي يدعوه إليه طبعه إذ لا يخاف عواقب الضرر فيه قال الكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة عن السدي ومقاتل بن حيان. وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب كان ينحر في كل اسبوع جزورين فأتاه يتيم فسأله شيئاً فقرعه بعصاه عن ابن جريج. وقيل: نزلت في رجل من المنافقين عن عطاء عن ابن عباس.

                { فذلك الذي يدع اليتيم } بيَّن سبحانه أن من صفة هذا الذي يكذب بالدين أنه يدفع اليتيم عنفاً به لأنه لا يؤمن بالجزاء عليه فليس له رادع عنه. وقيل: يدعُّ اليتيم أي يدفعه عن حقه بجفوة وعنف ويقهره عن ابن عباس ومجاهد { ولا يحض على طعام المسكين } أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه يعني لا يفعله إذا قدر ولا يحض عليه إذا عجز لأنه يكذب بالجزاء.

                { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } وهم الذين يؤخّرون الصلاة عن أوقاتها عن ابن عباس ومسروق وروي ذلك مرفوعاً.
                وقيل: يريد المنافقين الذين لا يرجون لها ثواباً إن صلوا ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها فإذا كانوا مع المؤمنين صلّوها رياء وإذا لم يكونوا معهم لم يصلّوا وهو قوله { الذين هم يراؤون } عن علي (ع) وابن عباس وقال أنس: الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم يريد بذلك أن السهو الذي يقع للإنسان في صلاته من غير عمد لا يعاقب عليه. وقيل: ساهون عنها لا يبالون صلّوا أم لم يصلّوا عن قتادة. وقيل: هم الذين يتركون الصلاة عن الضحاك. وقيل: الذين إن صلّوها صلّوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عن الحسن. وقيل: هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها ولا سجودها عن أبي العالية وعنه أيضاً قال هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتاً.

                وروى العياشي بالإسناد عن يونس بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن قوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } أهي وسوسة الشيطان فقال لا كل أحد يصيبه هذا ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها وعن أبي أسامة زيد الشحام قال سالت أبا عبد الله (ع) عن قول الله الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو الترك لها والتواني عنها وعن محمد ابن الفضيل عن أبي الحسن (ع) قال هو التضييع لها. وقيل: هم الذين { يراؤون } الناس في جميع أعمالهم لم يقصدوا بها الإخلاص لله تعالى.

                { ويمنعون الماعون } اختلف فيه فقيل هي الزكاة المفروضة عن علي وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وروي ذلك عن أبي عبد الله (ع). وقيل: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر وما لا يمنع كالماء والملح عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وروي ذلك مرفوعاً وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة قال فقلت إن لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه أفعلينا جناح أن نمنعهم فقال لا ليس عليك جناح أن تمنعهم إذا كانوا كذلك. وقيل: هو المعروف كله عن الكلبي



                تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق

                بيان)

                وعيد لمن كان من المنتحلين بالدين متخلقاً بأخلاق المنافقين كالسهو عن الصلاة والرياء في الأعمال ومنع الماعون مما لا يلائم التصديق بالجزاء.

                والسورة تحتمل المكية والمدنية، وقيل: نصفها مكي ونصفها مدني.

                قوله تعالى: { أرأيت الذي يكذِّب بالدين } الرؤية تحتمل الرؤية البصرية وتحتمل أن تكون بمعنى المعرفة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنه سامع فيتوجه إلى كل سامع، والمراد بالدين الجزاء يوم الجزاء فالمكذب بالدين منكر المعاد وقيل المراد به الدين بمعنى الملة.

                قوله تعالى: { فذلك الذي يدعُّ اليتيم } الدع هو الرد بعنف وجفاء، والفاء في { فذلك } لتوهم معنى الشرط والتقدير أرأيت الذي يكذِّب بالجزاء فعرفته بصفاته اللازمة لتكذيبه فإن لم تعرفه فذلك الذي يرد اليتيم بعنف ويجفوه ولا يخاف عاقبة عمله السيء ولو لم يكذب به لخافها ولو خافها لرحمه.

                قوله تعالى: { ولا يحضّ على طعام المسكين } الحض الترغيب، والكلام على تقدير مضاف أي لا يرغب الناس على إطعام طعام المسكين قيل: إن التعبير بالطعام دون الإِطعام للاشعار بأن المسكين كأنه مالك لما يعطى له كما في قوله تعالى:
                { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم }
                [الذاريات: 19] وقيل: الطعام في الآية بمعنى الاطعام.

                والتعبير بالحض دون الاطعام لأن الحض أعم من الحض العملي الذي يتحقق بالإِطعام.

                قوله تعالى: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } أي غافلون لا يهتمون بها ولا يبالون أن تفوتهم بالكلية أو بعض الأوقات أو تتأخر عن وقت فضيلتها وهكذا.

                وفي الآية تطبيق من يكذب بالدين على هؤلاء المصلين لمكان فاء التفريع ودلالة على أنهم لا يخلون من نفاق لأنهم يكذبون بالدين عملاً وهم يتظاهرون بالإِيمان.

                قوله تعالى: { الذين هم يراءون } أي يأتون بالعبادات لمرآة الناس فهم يعملون للناس لا لله تعالى.

                قوله تعالى: { ويمنعون الماعون } الماعون كل ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة كالقرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره، وإلى هذا يرجع متفرقات ما فسر به في كلماتهم.

                (بحث روائي)

                في تفسير القمي في قوله تعالى: { أرأيت الذي يكذب بالدين } قال: نزلت في أبي جهل وكفار قريش، وفي قوله: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال: عنى به تاركين لأن كل إنسان يسهو في الصلاة قال أبو عبد الله عليه السلام: تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر.

                وفي الخصال عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: ليس عمل أحب إلى الله عز وجل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أُمور الدنيا فإن الله عز وجل ذم أقواماً فقال: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها.
                وفي الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل قال: سألت عبداً صالحاً عليه السلام عن قول الله عز وجل: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال هو التضييع.

                أقول: وفي هذه المضامين روايات أُخر.

                وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب { الذين هم يراءون } قال: يراؤن بصلاتهم.

                وفيه أخرج أبو نعيم والديلمي وابن عساكر عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله { ويمنعون الماعون } قال: " ما تعاون الناس بينهم الفاس والقدر والدلو وأشباهه ".

                وفي الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: وقوله عز وجل: { ويمنعون الماعون } هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة.

                أقول: وتفسير الماعون بالزكاة مروي من طرق أهل السنة أيضاً عن علي عليه السلام كما في الدر المنثور ولفظه: الماعون الزكاة المفروضة يراؤون بصلاتهم ويمنعون زكاتهم.

                وفي الدر المنثور أخرج ابن قانع " عن علي بن أبي طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " المسلم أخو المسلم إذا لقيه حياه بالسلام ويرد عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون قلت: يا رسول الله ما الماعون؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الحجر والحديد والماء وأشباه ذلك ".

                أقول: وقد فسر صلى الله عليه وآله وسلم في رواية أُخرى الحديد بقدور النحاس وحديد الفاس والحجر بقدور الحجارة.


                تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق

                قوله { أرأيت } خطاب للنبي صلى الله عليه وآله على وجه التعجيب له من الكافر { الذي يكذب بالدين } وذهابه عن الايمان به مع وضوح الأمر فيه وقيام الدلالة على صحته والمراد بالدين الجزاء من الثواب والعقاب، فالتكذيب بالجزاء من أضرّ شيء على صاحبه، لانه يعدم به أكثر الدواعي إلى الخير، والصوارف عن الشر، فهو يتهالك فى الاسراع إلى الشر الذي يدعوه اليه طبعه لا يخاف عاقبة الضرر فيه.

                وقوله { فذلك الذي يدع اليتيم } وصف الذي يكذب بالدين، فبين أن من صفته أنه يدع اليتيم، ومعناه يدفعه عنفاً، وذلك لانه لا يؤمن بالجزاء عليه، فليس له رادع عنه، كما لمن يقر بأنه يكافئ عليه، دعّه يدعه دعاً إذا دفعه دفعاً شديداً، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة { يدع اليتيم } معناه يدفعه عن حقه. وقوله { ولا يحض على طعام المسكين } معناه ولا يحث على طعام المسكين بخلا به، لأنه لو كان لا يحض عليه عجزاً عنه لم يذم به، وكذلك لو لم يحض عليه من غير قبيح كان منه لم يذم عليه، لأن الذم لا يستحق إلا بما له صفة الوجوب إذ أخل به أو القبيح إذا فعله على وجه مخصوص.

                وقوله { فويل للمصلين } تهديد لمن يصلي على وجه الرياء والسمعة. وإنما أطلق مع انه رأس آية يقتضي تمام الجملة، لأنه معرف بما يدل على انه أراد من يصلي على جهة الرياء والنفاق. ثم بين ذلك بقوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال ابن عباس ومسروق: معناه يؤخرونها عن وقتها، وقال قتادة: معناه غافلون. وقال مجاهد: لاهون كأنهم يسهون للهوهم عنها واللهو يوجب تأخيرها عن وقتها لانه قال عن صلاتهم. وقيل: ساهون فيها { الذين هم يراؤن } معناه إنه يراؤن بصلاتهم الناس دون أن يتقربوا بها إلى الله. وإنما ذم السهو فى الصلاة مع انه ليس من فعل العبد بل هو من فعل الله، لان الذم توجه فى الحقيقة على التعرض للسهو بدخوله فيها على وجه الرياء وقلبه مشغول بغيرها، لا يرى لها منزلة تقتضي صرف الهم اليها.

                وقوله { ويمنعون الماعون } قال ابو عبيدة: كل ما فيه منفعة، فهو الماعون، وقال الاعشى:
                باجود منه بماعونه إذا ما سماؤهم لم تغم
                وقال الراعي:
                قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التنزيلا
                وقال اعرابي فى ناقة: إنها تعطيك الماعون أي تنقاد لك، والماعون أصله القلة من قولهم: المعن القليل قال الشاعر:
                فان هلاك مالك غير معن
                أي غير قليل، فالماعون القليل القيمة مما فيه منفعة من آلة البيت نحو الفاس والمقدحة والابرة والدلو - وهو قول ابن مسعود وابن عباس وإبراهيم وابي مالك وسعيد ابن جبير - وسئل عكرمة فقيل له: من منع ذلك فالويل له؟ قال: لا، ولكن من جمع ذلك بأن صلى ساهياً مرائياً ومنع هذا.
                وقوله { فويل للمصلين } وهو يعني المنافقين، فدل على أن السورة مدنية لانه لم يكن بمكة نفاق، ويقال: معن الوادي إذا جرت مياهه قليلا قليلا. والماء المعين الجاري قليلا قليلا. وأمعن في الامر إذا أبعد فيه قليلا قليلا. وروي عن علي عليه السلام أنه قال: الماعون الزكاة، وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وقال الشاعر:
                بمج صبيره الماعون صبا
                فالصبير السحاب. وقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي لم يجعلها في صلاتهم وإنما جعلها عن صلاتهم، فتأولها من تركها متعمداً. والمراد بالصلاة هنا الفرض.



                سنورد الان بعون الله تفسير الامام احمد الحسن ع


                ج / بسم الله الرحمن الرحيم (( ارءيت الذي يكذب بالدين *فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين *فويل للمصلين *الذين هم عن صلاتهم ساهون *الذين هم يراؤن *ويمنعون الماعون ))
                ارءيت الذي يكذب بالدين : السؤال هنا موجه للمؤمن ، وهو استفهام عن شخص تكون نتيجته هي التكذيب بالجزاء و القيامة أو بالحقيقة التكذيب بوجود الله سبحانه وتعالى ، فأصل تكذيب الدين الجديد ومن جاء به وهو محمد (ص) هو الكفر بالله وبالآخرة وان لم يصرح الكفار بهذا . وعلى كل حال فان هذه النتيجة لم تأتِ بلا مقدمات بل جاءت من مقدمات واقعية وهي دفع اليتيم عن حقه أي الفرد في قومه الذي لا يسبقه سواه بالأخلاق والشرف وطاعة الله ومعرفة الله وهم الأنبياء والمرسلين (ع)والائمة (ع) فهذا الذي يكذب بالجزاء لا يقبل تقدم هؤلاء عليه لانه مصاب بداء إبليس ( أنا خير منه )فلا يقبل أن يتقدم عليه من هو خير منه ثم إن من صفاته أكل أموال اليتامى والأرامل والمساكين وهؤلاء أي الذين يستحوذون على أموال الفقراء ويتمتعون بها هم ومن اتصل بهم ، هم دائما علماء الدين غير العاملين المحاربين للأنبياء والمرسلين والائمة (ع) فقد حارب علماء بني إسرائيل موسى (ع)وحارب علماء اليهود عيسى (ع)وحارب علماء الأحناف واليهود محمد (ص)وحارب العلماء الضالين في هذه الأمة الأئمة (ع) وليس كما يظن أن بعض علماء السنة فقط هم الذين حاربوا الأئمة بل وعلماء الشيعة أيضا فقد حارب كبار علماء الشيعة الإمام علي بن موسى الرضا(ع)وحاولوا دفعه عن حقه لا لشيء فقط ليستأثروا بأموال الصدقات والرئاسة الدينية الباطلة ومن هؤلاء العلماء الشيعة ظاهرا الضالين ((علي بن حمزة البطائني )) وهو من أصحاب الإمام موسى بن جعفر(ع)ومن كبار علماء الشيعة ولكن لما استشهد الأمام موسى بن جعفر (ع) حارب علي بن حمزة البطائني الإمام الرضا (ع)ولكن تصدى شباب الشيعة لهؤلاء العلماء غير العاملين وثبتوا المذهب وبينوا باطل هؤلاء الفقهاء الظلمة ومن هؤلاء الشباب احمد بن محمد بن ابي نصر البيزنطي وهو من خُلَّص أصحاب الإمام الرضا (ع) الممدوحين والنتيجة علماء السوء غير العاملين والطواغيت وأعوانهم واتباعهم هم الذين يدفعون اليتامى عن مقاماتهم ولا يحظون على إعطاء المساكين حقهم .
                واليتامى والمساكين هم الأنبياء والمرسلين والائمة عليهم السلام لأنهم خاضعين متذللين لله غير متكبرين أي مساكين فلا يدانيهم أحد فكل واحد منهم فرد في قومه أي يتيم .
                (( فويل للمصلين )): أي فويل للمنتظرين. فكل مرسل من الله مبشر به ممن سبقه من الأنبياء والمرسلين والائمة (ع) يوجد جماعة من المؤمنين به ينتظرونه ولكن مع الأسف دائماً كان هناك فشل كثير من هؤلاء المنتظرين في نهاية المطاف فقد فشل علماء اليهود في انتظار عيسى (ع) حيث لما أتاهم كذبوه مع انهم كانوا ينتظرونه وفشل علماء اليهود والأحناف في انتظار محمد (ص) حيث أن اليهود أسسوا مدينة يثرب لاستقبال الرسول محمد (ص) عند قيامه فلما قام في مكة وهاجر إلى يثرب كذبه كثير منهم ولم يؤمنوا به وهذه سنة متبعة وهي اليوم تكرر مع القائم (ع) حيث أن علماء الشيعة ينتظرونه ولكنهم اليوم يحاربونه وهذه هي مفارقة كمفارقة لفظي الويل والصلاة في الآية فكيف يكون الويل للمصلين ؟! نعم أن الويل لهم لأنهم يصلّون إلى عكس القبلة فهم يريدون أن يأتيهم الإمام المهدي (ع) وفق أهوائهم وتخرصاتهم العقلية يريدون الإمام المهدي (ع) ياتي لهم ويستأذنهم في إرسال من يرسله إلى الناس ويعطيهم خطة عمله (ع) ليبدوا تحفظاتهم عليها فهم أئمة الكتاب لا أن الكتاب إمامهم !!!
                الذين هم عن صلاتهم ساهون : الذين هم ساهون في الدنيا واللهث وراءها الذين هم ساهون عن الإمام المهدي (ع) فالعمل بين يديه (ع) خير صلاة يؤديها المؤمن وهؤلاء المنتظرون الفاشلون الذين كان عاقبة أمرهم خسرا لما تركوا العمل بين يدي الإمام المهدي (ع) وكذبوا وصيه ورسوله .
                وهذا هو الزمان الذي فيه الناس سكارى حيارى لاهم مسلمون ولا هم نصارى فتجده معمم ويلبس زي ديني شيعي أو سني وساعة يستقبل (……) الذي لا هم له ولا لبلاده إلا القضاء على الإسلام . وساعة يقول السلام عليك يا رسول الله محمد(ص) السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين (ع) وتجده ساعة داعية للديمقراطية الأمريكية والانتخابات فيكون بذلك نصراني غربي الهوى لان الإسلام ودستوره القرآن يرفض أي انتخابات ولا نعرف من الرسول والأئمة (ع) والقرآن الذي بين أيدينا ونتصفحه إلا التعين من الله أو من المعصوم (ع ) الذي هو أيضا من الله بل إن جميع الأديان الإلهية مطبقة على ذلك إلا من اتبع هواه ، فهؤلاء بنو إسرائيل ؛ في قصة طالوت في سورة البقرة لا يعينوا هم الملك بل يطلبون من نبي لهم أن يطلب من الله أن يعين لهم ملكاً قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) (البقرة:246) وقال تعالى ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) (آل عمران: 26) فالملك ملك الله لا ملك الناس فالذي يعين هو الله ومع الأسف كثير من الجهلة الحمقى يطبلون ويزمرون لهؤلاء العلماء غير العاملين ( النصارى ) بل أن الحق أن يسميهم الناس (العلماء الأمريكان)- ويقولون انهم علماء أصمتتهم الحكمة وياليتهم ظلوا صامتين بل صمتوا دهراً ونطقوا كفراً فالنتيجة التي وصلوا إليها السيستاني وأشباهه هي أن الدستور يضعه الناس والحاكم يعينه الناس وأمرهم شورى بينهم ومحمد وعلي صلوات الله عليهم برأي هؤلاء الجهلة مخطئان وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان والحكم برأي السيستاني للشيطان !!!وهؤلاء حتماً مراءون وعملهم كله رياء فبكائهم على الحسين (ع) رياء وصلاتهم رياء هدفهم منها الاستحواذ على قلوب الناس والمناصب الدنيوية العفنة كالرئاسة الدينية ( الذين هم يراءون)
                (ويمنعون الماعون) :- وهؤلاء هم العلماء غير العاملين الذين فشلوا في انتظار الإمام المهدي (ع)، فهم لا يكتفون بتكذيبهم للإمام المهدي (ع) ووصيه ورسوله بل ويمنعون الناس من الجهاد بين يديه وقتال الكفار الذين قاموا بغزوا الدول الإسلامية فهؤلاء العلماء الجبناء الخونة كما وصفهم الله سبحانه في حديث المعراج للرسول (ص) لا يكتفون بأنهم خذلوا الإمام المهدي (ع)بل يمنعون الناس عن نصرته وإعانته فلعنة الله على الظالمين الذين يمنعون الماعون.
                Last edited by GAYSH AL GHADAB; 31-10-2010, 22:08.
                sigpic

                Comment

                • GAYSH AL GHADAB
                  مشرف
                  • 13-12-2009
                  • 1797

                  #9
                  رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

                  الحلقة الثامنة


                  س/ قال تعالى ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (القصص 14-19) .هناك عدة تساؤلات حول هذه الآيات
                  1) هل أن قتل موسى للقبطي كان خطأ أي غير متعمد من قبل موسى (ع) وانما حصل بسبب ضربة؟ ثم هل أن قتل موسى للقبطي من قبل موسى لو كان متعمداً أو خطأ معصية لله أو ترك أولى ؟!
                  2) الموصوف من عمل الشيطان هل هو عملية القتل ؟!
                  3) طلب موسى للمغفرة مما وما هو الذنب الذي ارتكبه؟
                  4) لماذا لم يقتل موسى الرجل القبطي الثاني؟
                  5) لماذا وصف موسى الإسرائيلي بأنه غوي مبين ؟




                  تفاسير السنة
                  تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
                  يقول تعالـى ذكره: { وَدَخَـلَ } موسى { الـمَدِينَةَ } مدينة مَنْف من مصر { عَلـى حِينَ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } وذلك عند القائلة نصف النهار.

                  واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله دخـل موسى هذه الـمدينة فـي هذا الوقت، فقال بعضهم: دخـلها متبعا أثر فرعون، لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد فلـما حضر علـم بركوبه فركب واتبع أثره، وأدركه الـمقـيـل فـي هذه الـمدينة.

                  ذكر من قال ذلك:

                  حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون، ويـلبس مثل ما يـلبس، وكان إنـما يُدعى موسى بن فرعون، ثم إن فرعون ركب مركبـاً ولـيس عنده موسى فلـما جاء موسى قـيـل له: إن فرعون قد ركب، فركب فـي أثره فأدركه الـمقـيـل بأرض يقال لها منف، فدخـلها نصف النهار، وقد تغلقت أسواقها، ولـيس فـي طرقها أحد، وهي التـي يقول الله: { وَدَخَـلَ الـمدَينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها }.

                  وقال آخرون: بل دخـلها مستـخفـيا من فرعون وقومه، لأنه كان قد خالفهم فـي دينهم، وعاب ما كانوا علـيه.

                  ذكر من قال ذلك:

                  حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لَـمَّا بلغ موسى أشده واستوى، آتاه الله حكماً وعلـماً، فكانت له من بنـي إسرائيـل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتـمعون إلـيه، فلـما استد رأيه، وعرف ما هو علـيه من الـحقّ، رأى فراق فرعون وقومه علـى ما هم علـيه حقا فـي دينه، فتكلـم وعادى وأنكر، حتـى ذكر منه، وحتـى أخافوه وخافهم، حتـى كان لا يدخـل قرية فرعون إلا خائفـاً مستـخفـياً، فدخـلها يوما علـى حين غفلة من أهلها.

                  وقال آخرون: بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بـالعصا، فلـم يدخـلها إلا بعد أن كبر وبلغ أشدّه. وقالوا: ومعنى الكلام: ودخـل الـمدينة علـى حين غفلة من أهلها لذكر موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره.

                  ذكر من قال ذلك:

                  حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } قال: لـيس غفلة من ساعة، ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره. وقال فرعون لامرأته: أخرجيه عنـي، حين ضرب رأسه بـالعصا، هذا الذي قُتِلتْ فـيه بنو إسرائيـل، فقالت: هو صغير، وهو كذا، هات جمراً، فأتـي بجمر، فأخذ جمرة فطرحها فـي فـيه فصارت عقدة فـي لسانه، فكانت تلك العقدة التـي قال الله { وَاحُلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يَفْقَهُوا قَوْلِـي } قال: أخرجيه عنـي، فأخرج، فلـم يدخـل علـيهم حتـى كبر، فدخـل علـى حين غفلة من ذكره.

                  وأولـى الأقوال فـي الصحة بذلك أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه: { وَلـمَّا أشُدَّهُ وَاسْتَوَى وَدَخَـلَ الـمَدِينَةَ عَلَـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها }.
                  واختلفوا فـي الوقت الذي عُنى بقوله: { عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } فقال بعضهم: ذلك نصف النهار.
                  ذكر من قال ذلك:
                  حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـحمد بن الـمنكدر، عن عطاء بن يسار، عن ابن عبـاس، قوله: { وَدَخَـلَ الـمَدينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } قال: نصف النهار. قال ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عبـاس، قال: يقولون فـي القائلة، قال: وبـين الـمغرب والعشاء.
                  حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: { وَدَخَـل الـمَدِينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها } قال: دخـلها بعد ما بلغ أشدّه عند القائلة نصف النهار.
                  حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: دخـل نصف النهار.
                  وقوله: { فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } يقول: هذا من أهل دين موسى من بنـي إسرائيـل { وَهَذَا مِنْ عَدُوهِ } من القبط من قوم فرعون { فـاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ } يقول: فـاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى علـى الذي من عدوّه من القبط { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ } يقول: فلكزه ولهزه فـي صدره بجمع كفه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل.
                  ذكر من قال ذلك:
                  حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَـير، قال: أساء موسى من حيث أساء، وهو شديد الغضب شديد القوّة، فمرّ برجل من القبط قد تسخَّر رجلاً من الـمسلـمين، قال: فلـما رأى موسى استغاث به، قال: يا موسى، فقال موسى: خـلّ سبـيـله، فقال: قد همـمت أن أحمله علـيك { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضى عَلَـيْهِ } قال: حتـى إذا كان الغد نصف النهار خرج ينظر الـخبر قال: فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر فـي مثل حدّه قال: فقال: يا موسى، قال: فـاشتدّ غضب موسى، قال: فأهوى، قال: فخاف أن يكون إياه يريد، قال: فقال:
                  { أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْساً بـالأَمْسِ }
                  ؟ قال: فقال الرجل: ألا أراك يا موسى أنت الذي قتلت؟.
                  حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام بن علـيّ، قال: ثنا الأعمش، عن سعيد بن جُبـير { فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلانِ } قال: رجل من بنـي إسرائيـل يقاتل جبـاراً لفرعون { فـاسْتَغاثَهُ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ } فلـما كان من الغد، استصرخ به فوجده يقاتل آخر، فأغاثه، فقال
                  { أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كما قَتَلْتَ نَفْساً بـالأمْسِ }
                  فعرفوا أنه موسى، فخرج منها خائفـا يترقب، قال عثام: أو نـحو هذا.
                  حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْن يَقْتَتِلانِ، هذَا مِنْ شِيعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ } أما الذي من شيعته فمن بنـي إسرائيـل، وأما الذي من عدوّه فقبطيّ من آل فرعون.
                  حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { فَوَجدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلان، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ } يقول: من القبط { فـاسْتَغاثَهُ الَّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الَّذي مِنْ عَدُوّهِ }.
                  حدثنا العبـاس بن الولـيد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم ابن أبـي أيوب، قال: ثنـي سعيد بن جُبـير، عن ابن عبـاس، قال: لـما بلغ موسى أشدّه، وكان من الرجال، لـم يكن أحد من آل فرعون يخـلص إلـى أحد من بنـي إسرائيـل معه بظلـم ولا سخرة، حتـى امتنعوا كلّ الامتناع، فبـينا هو يـمشي ذات يوم فـي ناحية الـمدينة، إذا هو برجلـين يقتتلان: أحدهما من بنـي إسرائيـل، والآخر من آل فرعون، فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـي، فغضب موسى واشتدّ غضبه، لأنه تناوله وهو يعلـم منزلة موسى من بنـي إسرائيـل، وحفظه لهم، ولا يعلـم الناس إلا أنـما ذلك من قِبل الرضاعة من أمّ موسى إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك علـى علـم ما لـم يطلع علـيه غيره، فوكز موسى الفرعونـي فقتله، ولـم يرهما أحد إلا الله والإسرائيـلـي، فـ { قَالَ } موسى حين قتل الرجل { هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطان... } الآية.
                  حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق { فَوَجَدَ فِـيهَا رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } مسلـم، وهذا من أهل دين فرعون كافر { فـاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } وكان موسى قد أوتـي بسطة فـي الـخـلق، وشدّة فـي البطش فغضب بعدوّهما فنازعه { فَوَكَزَهُ مُوسَى } وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله، فـ { قال هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ }.
                  حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } قال: من قومه من بنـي إسرائيـل، وكان فرعون من فـارس من إصطخر.
                  حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، بنـحوه.
                  قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد الله، عن أصحابه { هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } إسرائيـلـي { وَهَذا مِنْ عَدُوّهِ } قبطي { فـاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الَّذِي مِنْ عَدُوّهِ }. وبنـحوه الذي قلنا أيضاً قالوا فـي معنى قوله: { فَوَكَزَهُ مُوسَى }.
                  ذكر من قال ذلك:
                  حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { فَوَكَزَهُ مُوسَى } قال: بجمع كفه.
                  حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.
                  حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { فَوَكَزَهُ مُوسَى } نبـيّ الله، ولـم يتعمد قتله.
                  حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قتله وهو لا يريد قتله.
                  وقوله: { فَقَضَى عَلَـيْهِ } يقول: ففرغ من قتله.
                  وقد بـيَّنت فـيـما مضى أن معنى القضاء: الفراغ بـما أغنـي عن إعادته ههنا. ذكر أنه قتله ثم دفنه فـي الرمل، كما:

                  حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد الله، عن أصحابه { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ } ثم دفنه فـي الرمل.

                  وقوله: { قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ } يقول تعالـى ذكره: قال موسى حين قتل القتـيـل: هذا القتل من تسبب الشيطان لـي بأن هيَّج غضبـي حتـى ضربت هذا فهلك من ضربتـي، { إنَّهُ عَدُو } ّ يقول: إن الشيطان عدوّ لابن آدم { مُضِلّ } له عن سبـيـل الرشاد بتزيـينه له القبـيح من الأعمال، وتـحسينه ذلك له { مُبِـينٌ } يعنـي أنه يبـين عداوته لهم قديـماً، وإضلاله إياهم.
                  { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }
                  يقول تعالـى ذكره مخبراً عن ندم موسى علـى ما كان من قتله النفس التـي قتلها، وتوبته إلـيه منه ومسألته غفرانه من ذلك { رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي } بقتل النفس التـي لـم تأمرنـي بقتلها، فـاعف عن ذنبـي ذلك، واستره علـيّ، ولا تؤاخذنـي به فتعاقبنـي علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
                  ذكر من قال ذلك:
                  حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله: { رَبِّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي } قال: بقتلـي من أجل أنه لا ينبغي لنبـيّ أن يقتل حتـى يؤمر، ولـم يُؤمر.
                  حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: عرف الـمخرج، فقال: { ظَلَـمْتُ نَفْسِي فـاغْفِرْ لـي، فَغَفَرَ لَهُ }.
                  وقوله: { فَغَفَرَ لَهُ } يقول تعالـى ذكره: فعفـا الله لـموسى عن ذنبه ولـم يعاقبه به { إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيـمُ } يقول: إن الله هو الساتر علـى الـمنـيبـين إلـيه من ذنوبهم علـى ذنوبهم، الـمتفضل علـيهم بـالعفو عنها، الرحيـم للناس أن يعاقبهم علـى ذنوبهم بعد ما تابوا منها. وقوله: { قالَ رَبّ بِـمَا أنْعَمْتَ عَلـيَّ } يقول تعالـى ذكره: قال موسى ربّ بـانعامك علـيّ بعفوك عن قتل هذه النفس { فَلَنْ أكُونَ ظَهِيراً للْـمُـجْرِمِينَ } يعنـي الـمشركين، كأنه أقسم بذلك، وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «فَلا تَـجْعَلْنِـي ظَهِيراً للْـمُـجْرِمِينَ» كأنه علـى هذه القراءة دعا ربه، فقال: اللهمّ لن أكون ظهيراً ولـم يستثن علـيه السلام حين قال { فَلَنْ أكُونَ ظَهِيراً للْـمُـجْرِمِينَ } فـابتلـي. وكان قَتادة يقول فـي ذلك ما:
                  حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { فَلَنْ أكُونَ ظَهِيراً للْـمُـجْرِمِينَ } يقول: فلن أعين بعدها ظالِـما علـى فُجره، قال: وقلـما قالها رجل إلا ابتُلـي، قال: فـابتلـي كما تسمعون.
                  { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }
                  يقول تعالـى ذكره: فأصبح موسى فـي مدينة فرعون خائفـاً من جنايته التـي جناها، وقتله النفس التـي قتلها أن يُؤخذ فـيقتل بها { يَتَرقَّبُ } يقول: يترقب الأخبـار: أي ينتظر ما الذي يتـحدّث به الناس، مـما هم صانعون فـي أمره وأمر قتـيـله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
                  ذكر من قال ذلك:
                  حدثنـي العبـاس بن الولـيد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم عن أبـي أيوب، قال: ثنا سعيد بن جُبَـير، عن ابن عبـاس { فأصْبَحَ فِـي الـمَدِينَةِ خائِفـاً يَتَرَقَّبُ } قال: خائفـا من قتله النفس، يترقب أن يؤخذ.
                  حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدّي: { فأصْبَح فـي الـمَدِينَةِ خائِفـا يَتَرَقَّبُ } قال: خاتفـاً أن يُؤخذ.
                  وقوله: { فإذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } يقول تعالـى ذكره: فرأى موسى لـما دخـل الـمدينة علـى خوف مترقبـاً الأخبـار عن أمره وأمر القتـيـل، فإذا الإسرائيـلـي الذي استنصره بـالأمس علـى الفرعونـيّ يقاتله فرعونـيّ آخر، فرآه الإسرائيـلـي فـاستصرخه علـى الفرعونـيّ. يقول: فـاستغاثه أيضاً علـى الفرعونـيّ، وأصله من الصُّراخ، كما يقال: قال بنو فلان: يا صبـاحاه، قال له موسى: { إنَّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ } يقول جَلّ ثناؤه: قال موسى للإسرائيـلـي الذي استصرخه، وقد صادف موسى نادماً علـى ما سلف منه من قتله بـالأمس القتـيـل، وهو يستصرخه الـيوم علـى آخر: إنك أيها الـمستصرخ لغويّ: يقول: إنك لذو غواية، مبـين: يقول: قد تبـيَّنت غوايتك بقتلك أمس رجلاً، والـيوم آخر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل.
                  ذكر من قال ذلك:
                  حدثنـي العبـاس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جُبَـير، عن ابن عبـاس، قال: أتِـي فرعون، فقـيـل له: إن بنـي إسرائيـل قد قتلوا رجلاً من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم فـي ذلك، قال: ابغونـي قاتله ومن يشهد علـيه، لا يستقـيـم أن نقضي بغير بـينة ولا ثَبَتَ فـاطَّلبوا ذلك، فبـينـما هم يطوفون لا يجدون شيئاً، إذ مرّ موسى من الغد، فرأى ذلك الإسرائيـلـي يقاتل فرعونـيا، فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـيّ، فصادف موسى وقد ندم علـى ما كان منه بـالأمس، وكره الذي رأى، فغضب موسى، فمدّ يده وهو يريد أن يبطش بـالفرعونـيّ، فقال للإسرائيـلـي لِـما فعل بـالأمس والـيوم { إنَّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ } ، فنظر الإسرائيـلـي إلـى موسى بعد ما قال هذا، فإذا هو غضبـان كغضبه بـالأمس إذ قتل فـيه الفرعونـيّ، فخاف أن يكون بعد ما قال له: { إنَّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ } إياه أراد، ولـم يكن أراده، إنـما أراد الفرعونـيّ، فخاف الإسرائيـلـي فحاجه، فقال
                  { يا مُوسَى أَتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْساً بـالأَمْسِ؟ إنّ تُرِيدُ إلا أنْ تكُونَ جَبَّـاراً فِـي الأرْضِ }
                  وإنـما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى لـيقتله، فتتاركا.
                  حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قَتادة: { فإذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } قال: الاستنصار والاستصراخ واحد.
                  حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { فإذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } يقول: يستغيثه.
                  حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قتل موسى القتـيـل، خرج فلـحق بـمنزله من مصر، وتـحدّث الناس بشأنه، وقـيـل: قتل موسى رجلاً حتـى انتهى ذلك إلـى فرعون، فأصبح موسى غادياً الغَدَ، وإذا صاحبه بـالأمس معانق رجلاً آخر من عدوّه، فقال له موسى: { إنَّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ } أمس رجلاً، والـيوم آخر؟.
                  حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَـير والشَّيْبـانـي، عن عكرِمة، قال: الذي استنصره: هو الذي استصرخه.
                  تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
                  لما ذكر تعالى مبدأ أمر موسى عليه السلام، ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى، آتاه الله حكماً وعلماً. قال مجاهد: يعني: النبوة، { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قدره له من النبوة والتكليم في قضية قتله ذلك القبطي، الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين، فقال تعالى: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } قال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس: وذلك بين المغرب والعشاء. وقال ابن المنكدر عن عطاء ابن يسار عن ابن عباس: كان ذلك نصف النهار، وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة: { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أي: يتضاربان ويتنازعان { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أي: إسرائيلي { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } أي: قبطي، قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فوجد موسى فرصة، وهي غفلة الناس، فعمد إلى القبطي، { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَى عَلَيْهِ } قال مجاهد: فوكزه، أي: طعنه بجمع كفه. وقال قتادة: وكزه بعصا كانت معه، فقضى عليه، أي: كان فيها حتفه، فمات { قَالَ } موسى: { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ رَب إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } أي: بما جعلت لي من الجاه والعز والنعمة { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً } أي: معيناً { لِّلْمُجْرِمِينَ } أي: الكافرين بك، المخالفين لأمرك.
                  تفاسير الشيعة
                  تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق
                  اللغة: القص إتباع الأثر ومنه القصص في الحديث لأنه يتبع فيه الثاني الأول والقصاص إتباع الجاني في الأخذ بمثل جنايته في النفس فبصر به رآه فبصر لا يتعدى إلا بحرف الجر ورأى يتعدى بنفسه ومعنى بصرت به عن جنب أبصرته عن جنابة أي عن بعد قال الأعشى:
                  أَتَيْــتُ حُــرَيْثاً زائراً عَنْ جِنابَةٍ وَكانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطائِي جامِدا
                  وقيل جنب صفة وقعت موقع الموصوف أي عن مكان جنب والمراضع جمع مرضعة والنصح إخلاص العمل من جانب الفساد وهو نقيض الغش والوكز الدفع. وقيل: هو بجمع الكف ومثله اللكز واللهز.
                  الإعراب: عن جنب الجار والمجرور في موضع نصب على الحال وتقديره فبصرت به بعيدة وإن جعلت جنباً صفة على تقدير من مكان جنب فهو في موضع نصب بأنه ظرف مكان هذا من شيعته وهذا من عدوه جملتان في محل النصب لأنهما صفة رجلين صفة بعد صفة.
                  المعنى: ثم ذكر سبحانه لطف صنعه في تسخيره لفرعون حتى تولى تربية موسى فقال { وقالت } يعني أم موسى { لأخته } يعني أخت موسى واسمها كلثمة عن الضحاك { قصيه } أي اتبعي أثره وتعرفي خبره { فبصرت به عن جنب } في الكلام حذف واقتصار تقديره فذهبت أخت موسى فوجدت آل فرعون قد أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى فبصرت به وهذا من الإيجاز الدال على الإعجاز باللفظ القليل المعنى على المعنى الكثير أي فرأت أخاها موسى عن جنب أي عن بعد عن مجاهد. وقيل: عن جانب تنظر إليه كأنها لا تريده عن قتادة وتقديره عن مكان جنب.
                  { وهم لا يشعرون } أي وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته عن قتادة. وقيل: معناه وهم لا يشعرون أنها جاءت متعرفة عن خبره ويمكن أن يكون سبحانه كرّر هذا القول تنبيهاً على أن فرعون لو كان إلهاً لكان يشعر بهذه الأمور { وحرَّمنا عليه المراضع } المعنى أنه لا يؤتى بمرضع فيقبلها وتأويله منعناهن منه وبغضناهن إليه عن ابن عباس. وقيل: هو جمع مرضع بمعنى الرضاع أي منعناه من الرضاع فهذا تحريم منع لا أن هناك نهياً عن الفعل ومثله قول امرؤ القيس:
                  جالَتْ لِتَصْرَعَني فَقُلْتُ لَهَا اقْصِري إنّـي امْــرُؤٌ صَــرْعي عَلَيْــكَ حَرامِ
                  أي صرعي ممتنع عليك فإني فارس أمنعك من ذلك ويقال فلان حرم على نفسه كذا أي امتنع منه كما يمتنع بالنهي { من قبل } أي من قبل مجيء أخته. وقيل: من قبل رده على أمه { فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم } وهذا يدلّ على أن الله تعالى ألقى محبته في قلب فرعون فلشدة محبته وغاية شفقته عليه طلب له المراضع وكان موسى لا يقبل ثدي واحدة منهن بعد أن أتته مرضع بعد مرضع فلما رأت أخته وجدهم به وحبّهم له ورقّتهم عليه قالت لهم هل أدلّكم على أهل بيت يقبلون هذا الولد ويبذلون النصح في أمره ويحسنون تربيته ويضمنون لكم القيام بأمره.
                  { وهم له ناصحون } يشفقون عليهِ وينصحونُه. وقيل: إنهُ لما قالت أختهُ ذلك. قال هامان: إن هذه المرأة تعرف أن هذا الولد من أيّ أهل بيت هو فقالت هي إنما عنيت أنهم ناصحون للملك فأمسكوا عنها.
                  { فرددناه إلى أمهِ كي تقر عينها ولا تحزن } يعني عين أمه وانطلقت أخت موسى إلى أمها فجاءت بها إليهم فلما وجد موسى ريح أمهِ قبل ثديها وسكن بكاؤه. وقيل: إن فرعون قال لأمهِ كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك فقالت لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أؤتى بصبي إلا ارتضع مني فسر فرعون بذلك { ولتعلم أن وعد الله حق } أراد بهِ ما وعدها الله به في الآية المتقدمة لقوله إن رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين { ولكن أكثرهم لا يعلمون } تحقيق ذلك الوعد كما علمت.
                  { ولما بلغ أشده } أي ثلاثاً وثلاثين سنة { واستوى } أي بلغ أربعين سنة عن مجاهد وقتادة وابن عباس { آتيناه حكماً وعلماً } أي فقهاً وعلماً وعقلاً بدينِهِ ودين آبائه فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبياً. وقيل: نبوة وعلماً عن السدي { وكذلك نجزي المحسنين } وهذه الآية مفسرة في سورة يوسف.
                  { ودخل المدينة } يريد مصر. وقيل: مدينة منف من أرض مصر. وقيل: على فرسخين من أرض مصر { على حين غفلة من أهلها } أراد به نصف النهار والناس قائلون عن سعيد بن جبير. وقيل: ما بين المغرب والعشاء الآخرة عن ابن عباس. وقيل: كان يوم عيد لهم وقد اشتغلوا بلعبهم عن الحسن. وقيل: اختلفوا في سبب دخوله المدينة في هذا الوقت على أقوال:
                  أحدها: أنه كان موسى حين كبر يركب في مواكب فرعون فلما جاء ذات يوم قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره فلما كان وقت القائلة دخل المدينة ليقيل عن السدي والثاني: أن بني إسرائيل كانوا يجتمعون إلى موسى ويسمعون كلامه ولما بلغ أشدَّه خالف قوم فرعون فاشتهر فذلك منه وأخافوه فكان لا يدخل مصر إلا خائفاً فدخلها على حين غفلة عن ابن إسحاق.
                  والثالث: أن فرعون أمر بإخراجه من البلد فلم يدخل إلا الآن عن ابن زيد.
                  { فوجد فيها رجلين يقتتلان } أي يختصمان في الدين عن الجبائي. وقيل: في أمر الدنيا { هذا من شيعته وهذا من عدوه } أي أحدهما إسرائيلي والآخر قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون. وقيل: كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً عن محمد بن إسحاق { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } أي استنصره لينصره عليه وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال ليهنكم الاسم قال قلت وما الاسم قال الشيعة قال أما سمعت الله سبحانه يقول { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه }.
                  { فوكزه موسى } أي دفع في صدره بجمع كفه عن مجاهد. وقيل: ضربه بعصاه عن قتادة { فقضى عليه } أي فقتله وفرغ من أمره { قال هذا من عمل الشيطان } أي بسببه حتى هيَّج غضبي فضربته فهو من إغرائه. قال الحسن: لم يكن يحلّ قتل الكافر يومئذٍ لأن الحال كانت حال الكف عن القتال. وقيل: معناه أن الأمر الذي وقع القتل بسببه من عمل الشيطان أي حصل بوسوسة الشيطان وذكر المرتضى قدس الله روحه فيه وجهين آخرين:
                  أحدهما: أنه أراد أن تزيين قتلي له وتركي لما ندبت إليه من تأخيره وتفويتي ما استحقه عليه من الثواب من عمل الشيطان.
                  والآخر: أنه يريد أن عمل المقتول من عمل الشيطان يبيّن بذلك أنه مخالف لله تعالى مستحق للقتل ثم وصف الشيطان فقال { إنه عدو } لبني آدم { مضل مبين } ظاهر العداوة والإضلال.
                  سؤال: قالوا إن هذا القتل لا يخلو من أن يكون مستحقاً أو غير مستحق فإن كان غير مستحق فالأنبياء (ع) لا يجوز عليهم ذلك عندكم لا قبل النبوة ولا بعدها وإن كان مستحقاً فلا معنى لندمه عليه واستغفاره منه.
                  والجواب: إن القتل إنما وقع على سبيل تخليص المؤمن من يد من أراد ظلمه والبغي عليه ودفع مكروهه عنه ولم يكن مقصوداً في نفسه وكل ألم وقع على هذا الوجه فهو حسن غير قبيح سواء كان القاتل مدافعاً عن نفسه أو عن غيره وسنذكر الوجه في استغفاره منه وندمه عليه.
                  اللغة: الترقب الانتظار والاستصراخ طلب الصراخ على العدو بما يردعه عن الإيقاع به والائتمار التشاور والارتياء يقال ائتمر القوم وارتاءوا بمعنى قال امرؤ القيس:
                  أحارِ ابْنَ عَمْروٍ كَأَنِّي خَمِرْ وَيَعْـدُو عَلَى المَرْءِ ما يَأْتَمِرْ
                  وقال النمر بن تولب:
                  أَرَى النَّاسَ قَد أحْدَثُوا شِيمَةً وَفِـي كُــلّ حـادِثَةٍ يُؤْتَمَرْ
                  الإعراب: { بما أنعمت عليَّ } الباء للقسم ويجوز أن يكون ما حرفاً موصولاً والمعنى بإنعامك عليَّ ويجوز أن يكون اسماً موصولاً والضمير العائد محذوفاً والتقدير بالذي أنعمته عليَّ وجواب القسم لن أكون والفاء لجواب القسم مقدر في الموصول بالجملة الفعلية. { أن أراد أن يبطش } أن الأولى زائدة وأن الثانية مع صلتها منصوبة الموضع بأنها مفعولة إرادة { إني لك من الناصحين } لا يجوز أن تتعلق اللام في لك بالناصحين لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول وإنما تتعلق بمحذوف يفسّره هذا الظاهر تقديره إني من الناصحين لك.
                  المعنى: ثم حكى سبحانه أن موسى (ع) حين قتل القبطي ندم على ذلك و { قال رب إني ظلمت نفسي } في هذا القتل فإنهم لو علموا بذلك لقتلوني. وقال المرتضى قدس الله روحه العزيز إنما قاله على سبيل الانقطاع والرجوع إلى الله تعالى والاعتراف بالتقصير عن أداء حقوق نعمه أو من حيث حرم نفسه الثواب المستحق بفعل الندب { فاغفر لي } معناه قول آدم (ع)
                  { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }
                  [الأعراف: 23] وقبول الاستغفار والتوبة قد يسمى غفراناً { فغفر له إنه هو الغفور } لعباده { الرحيم } بهم المنعم عليهم.
                  { قال } موسى { رب بما أنعمت عليَّ } أي بنعمتك عليَّ من المغفرة وصرف بلاء الأعداء عني { فلن أكون ظهيراً للمجرمين } المعنى فلك عليَّ ألا أكون مظاهراً ومعيناً للمشركين عن ابن عباس وفي هذا دلالة على أن مظاهرة المجرمين جرم ومعصية ومظاهرة المؤمنين طاعة وإنما ظاهر موسى (ع) من كان ظاهره الإيمان وخالف من كان ظاهره الكفر وجاء في الأثر أن رجلاً قال لعطاء بن أبي رياح: إن فلاناً يكتب لفلان ولا يزيد على كتبه دخله وخرجه فإن أخذ منه أجراً كان له غنى وإن لم يأخذ اشتد فقره وفقر عياله فقال عطاء أما سمعت قول الرجل الصالح { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين }.
                  { فأصبح } موسى في اليوم الثاني { في المدينة خائفاً } من قبل القبطي { يترقب } أي ينتظر الأخبار في قتل القبطي عن ابن عباس يعني أنه خاف من فرعون وقومه أن يكونوا عرفوا أنه هو الذي قتل القبطي فكان يتجسس وينتظر الأخبار في شأنه.
                  { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } معناه أن الإسرائيلي الذي كان قد خلصه بالأمس ووكز القبطي من أجله يستصرخ موسى ويستعين به على رجل آخر من القبط خاصمه.
                  قال ابن عباس: لما فشا أمر قتل القبطي قيل لفرعون إن بني إسرائيل قتلت منا رجلاً قال أتعرفون قاتله ومن يشهد عليه قالوا لا فأمرهم بطلبه فبينا هم يطوفون إذ مرَّ موسى من الغد وأتى ذلك الإسرائيلي يطلب نصرته ويستغيث به.
                  { قال له موسى إنك لغوي مبين } أي ظاهر الغواية حيث قاتلت بالأمس رجلاً وتقاتل اليوم الآخر ولم يرد الغواية في الدين والمراد أن من خاصم آل فرعون مع كثرتهم فإنه غوي أي خائب فيما يطلبه عادل عن الصواب فيما يقصده { فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } معناه فلما أخذته الرقة على الإسرائيلي وأراد أن يدفع القبطي الذي هو عدو لموسى والإسرائيلي عنه ويبطش به أي يأخذه بشدة ظن الإسرائيلي أن موسى قصده لما قال له إنك لغوي مبين فقال أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس عن ابن عباس وأكثر المفسرين. وقال الحسن: هو من قول القبطي لأنه قد اشتهر أمر القتل بالأمس وإنه قتله بعض بني إسرائيل.
                  { إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض } أي ما تريد إلا أن تكون عالياً في الأرض بالقتل والظلم. قال عكرمة والشعبي: لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين بغير حق { وما تريد أن تكون من المصلحين } ولما قال الإسرائيلي ذلك علم القبطي أن القاتل موسى فانطلق إلى فرعون وأخبر به فأمر فرعون بقتل موسى وبعث في طلبه { وجاء رجل من أقصى المدينة } أي آخرها فاختصر طريقاً قريباً حتى سبقهم إلى موسى { يسعى } أي يسرع في المشي فأخبره بذلك وأنذره وكان الرجل حزقيل مؤمن آل فرعون. وقيل: رجل اسمه شمعون. وقيل: سمعان { قال يا موسى إن الملأ } أي الأشراف من آل فرعون { يأتمرون بك } أي يتشاورون فيك عن أبي عبيدة. وقيل: يأمر بعضهم { ليقتلوك فاخرج } من أرض مصر { إني لك من الناصحين } في هذا يقال نصحته ونصحت له.
                  تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق
                  (بيان)

                  فصل ثان من قصة موسى عليه السلام فيه ذكر بعض ما وقع بعد بلوغه أشدّه فأدّى إلى خروجه من مصر وقصده مدين.

                  قوله تعالى: { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } الخ، لا ريب أن المدينة التي دخلها على حين غفلة من أهلها هي مصر، وأنه كان يعيش عند فرعون، ويستفاد من ذلك أن القصر الملكي الذي كان يسكنه فرعون كان خارج المدينة وأنه خرج منه ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها، ويؤيد ما ذكرنا ما سيأتي من قوله: { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } على ما سيجيء من الاستظهار.

                  وحين الغفلة من أهل المدينة هو حين يدخل الناس بيوتهم فتتعطل الأسواق وتخلو الشوارع والأزقة من المارة كالظهيرة وأواسط الليل.

                  وقوله: { فوجد فيها رجلين يقتتلان } أي يتنازعان ويتضاربان، وقوله: { هذا من شيعته وهذا من عدوه } حكاية حال تمثل به الواقعة، ومعناه: أن أحدهما كان إسرائيلياً من متّبعيه في دينه - فإن بني إسرائيل كانوا ينتسبون يومئذ إلى آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام في دينهم وإن كان لم يبق لهم منه إلا الإِسم وكانوا يتظاهرون بعبادة فرعون - والآخر قبطياً عدواً له لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل، ومن الشاهد أيضاً على كون هذا الرجل قبطياً قوله في موضع آخر يخاطب ربه:
                  { ولهم عليَّ ذنب فأخاف أن يقتلون }
                  [الشعراء: 14]. وقوله: { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } الإِستغاثة: الاستنصار من الغوث بمعنى النصرة أي طلب الإسرائيلي من موسى أن ينصره على عدوه القبطي.

                  وقوله: { فوكزه موسى فقضى عليه } ضميرا { وكزه } و { عليه } للذي من عدوه والوكز - على ما ذكره الراغب وغيره - الطعن والدفع والضرب بجمع الكف، والقضاء هو الحكم والقضاء عليه كناية عن الفراغ من أمره بموته، والمعنى: فدفعه أو ضربه موسى بالوكز فمات، وكان قتل خطأ ولو لا ذلك لكان من حق الكلام أن يعبّر بالقتل.

                  وقوله: { قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } الإِشارة بهذا إلى ما وقع بينهما من الاقتتال حتى أدى إلى موت القبطي وقد نسبه نوع نسبة إلى عمل الشيطان إذ قال: { هذا من عمل الشيطان } و { من } ابتدائية تفيد معنى الجنس أو نشوئية، والمعنى: هذا الذي وقع من المعاداة والاقتتال من جنس العمل المنسوب إلى الشيطان أو ناش من عمل الشيطان فإنه هو الذي أوقع العداوة والبغضاء بينهما وأغرى على الاقتتال حتى أدى ذلك إلى مداخلة موسى وقتل القبطي بيده فأوقعه ذلك في خطر عظيم وقد كان يعلم أن الواقعة لا تبقى خفيّة مكتومة وأن القبط سيثورون عليه وأشرافهم وملاؤهم وعلى رأسهم فرعون سينتقمون منه ومن كل من تسبب إلى ذلك أشد الانتقام.
                  فعند ذلك تنبه عليه السلام إنه أخطأ فيما فعله من الوكز الذي أورده مورد الهلكة ولا ينسب الوقوع في الخطأ إلى الله سبحانه لأنه لا يهدي إلا إلى الحق والصواب فقضي أن ذلك منسوب إلى الشيطان.

                  وفعله ذاك وإن لم يكن معصية منه لوقوعه خطأ وكون دفاعه عن الإِسرائيلي دفعاً لكافر ظالم، لكن الشيطان كما يوقع بوسوسته الإِنسان في الإِثم والمعصية كذلك يوقعه في أي مخالفة للصواب يقع بها في الكلفة والمشقة كما أوقع آدم وزوجه فيما أوقع من أكل الشجرة المنهيَّة فأدى ذلك إلى خروجهما من الجنة.

                  فقوله: { هذا من عمل الشيطان } انزجار منه عما وقع من الاقتتال المؤدي إلى قتل القبطي ووقوعه في عظيم الخطر وندم منه على ذلك، وقوله: { إنه عدو مضلّ مبين } إشارة منه إلى أن فعله كان من الضلال المنسوب إلى الشيطان وإن لم يكن من المعصية التي فيها إثم ومؤاخذة بل خطأ محضاً لا ينسب إلى الله بل إلى الشيطان الذي هو عدو مضلّ مبين، فكان ذلك منه نوعاً من سوء التدبير وضلال السعي يسوقه إلى عاقبة وخيمة ولذا لما اعترض عليه فرعون بقوله: { وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } أجابه بقوله:
                  { فعلتها إذاً وأنا من الضالين }
                  [الشعراء: 20]. قوله تعالى: { قال ربّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } اعتراف منه عند ربه بظلمه نفسه حيث أوردها مورد الخطر وألقاها في التهلكة، ومنه يظهر أن المراد بالمغفرة المسؤولة في قوله: { فاغفر لي } هو إلغاء تبعة فعله وإنجاؤه من الغم وتخليصه من شر فرعون وملأه، كما يظهر من قوله تعالى:
                  { وقتلت نفساً فنجيناك من الغم }
                  [طه: 40]. وهذا الاعتراف بالظلم وسؤال المغفرة نظير ما وقع من آدم وزوجه المحكي في قوله تعالى:
                  { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }
                  [الأعراف: 23]. قوله تعالى: { قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين } قيل: الباء في قوله: { بما أنعمت } للسببية والمعنى رب بسبب ما أنعمت علي، لك علي أن لا أكون معيناً للمجرمين فيكون عهداً منه لله تعالى وقيل: الباء للقسم والجواب محذوف والمعنى: أُقسم بما أنعمت علي لأتوبن أو لأمتنعن فلن أكون ظهيراً للمجرمين، وقيل: القسم استعطافى وهو القسم الواقع في الإِنشاء كقولك بالله زرني، والمعنى أقسمك أن تعطف علي وتعصمني فلن أكون ظهيراً للمجرمين.

                  والوجه الأول هو الأوجه لأن المراد بقوله: { بما أنعمت علي } - على ما ذكروه - إما إنعامه تعالى عليه إذ حفظه وخلصه من قتل فرعون وردّه إلى أُمه، وإما إنعامه عليه إذ قبل توبته من قتل القبطي وغفر له بناء على أنه علم مغفرته تعالى بإلهام أو رؤيا أو نحوهما وكيف كان فهو إقسام بغيره تعالى، والمعنى أقسم بحفظك إياي أو أقسم بمغفرتك لي، ولم يعهد في كلامه تعالى حكايه قسم من غيره بغيره بهذا النحو.
                  وقوله: { فلن أكون ظهيراً للمجرمين } قيل: المراد بالمجرم من أوقع غيره في الجرم أو من أدّت إعانته إلى جرم كالإِسرائيلي الذي خاصمه القبطي فأوقعت إعانته موسى في جرم القتل فيكون في لفظ المجرمين مجاز في النسبة من حيث تسمية السبب الموقع في الجرم مجرماً.

                  وقيل: المراد بالمجرمين فرعون وقومه والمعنى: أُقسم بإنعامك علي لأتوبن فلن أكون معيناً لفرعون وقومه بصحبتهم وملازمتهم وتكثير سوادهم كما كنت أفعله إلى هذا اليوم.

                  ورد هذا الوجه الثاني بأنه لا يناسب المقام.

                  والحق أن قوله: { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين } عهد من موسى عليه السلام أن لا يعين مجرماً على إجرامه شكراً لله تعالى على ما أنعم عليه، والمراد بالنعمة وقد أُطلقت إطلاقاً الولاية الإِلهية على ما يشهد به قوله تعالى:
                  { فأُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين }
                  [النساء: 69]. وهؤلاء أهل الصراط المستقيم مأمونون من الضلال والغضب لقوله تعالى:
                  { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
                  [الفاتحة: 6ـ7]، وترتب الامتناع عن إعانة المجرمين على الإِنعام بهذا المعنى ظاهر لا سترة عليه.

                  ومن هنا يظهر أن المراد بالمجرمين أمثال فرعون وقومه دون أمثال الإِسرائيلي الذي أعانه فلم يكن في إعانته جرم ولا كان وكز القبطي جرماً حتى يتوب عليه السلام منه كيف؟ وهو عليه السلام من أهل الصراط المستقيم الذين لا يضلون بمعصيته، وقد نص تعالى على كونه من المخلصين الذين لا سبيل للشيطان إليهم بالإِغواء حيث قال:
                  { إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً }
                  [مريم: 51]. وقد نص تعالى أيضاً آنفاً بأنه آتاه حكماً وعلماً وأنه من المحسنين ومن المتقين من أمره أن لا تستخفه عصبية قومية أو غضب في غير ما ينبغي أو إعانة ونصرة لمجرم في إجرامه.

                  وقد كرر { قال } ثلاثاً حيث قيل: { قال هذا من عمل الشيطان } { قال رب إني ظلمت نفسي } { قال رب بما أنعمت علي } وذلك لاختلاف السياق في الجمل الثلاث فالجملة الأولى قضاء منه وحكم، والجملة الثانية استغفار ودعاء، والجملة الثالثة عهد والتزام.

                  قوله تعالى: { فأصبح في المدينة خائفاً يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين } تقييد { أصبح } بقوله: { في المدينة } دليل على أنه بقي في المدينة ولم يرجع إلى قصر فرعون، والاستصراخ الاستغاثة برفع الصوت من الصراخ بمعنى الصياح، والغواية إخطاء الصواب خلاف الرشد.

                  والمعنى: فأصبح موسى في المدينة - ولم يرجع إلى بلاط فرعون - والحال أنه خائف من فرعون ينتظر الشر ففاجأه أن الإِسرائيلي الذي استنصره على القبطي بالأمس يستغيث به رافعاً صوته على قبطي آخر قال موسى للإِسرائيلي توبيخاً وتأنيباً: إنك لغويّ مبين لا تسلك سبيل الرشد والصواب لأنه كان يخاصم ويقتتل قوماً ليس في مخاصمتهم والمقاومة عليهم إلا الشر كل الشر.
                  قوله تعالى: { فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } إلى آخر الآية، ذكر جلّ المفسرين أن ضمير { قال } للإِسرائيلي الذي كان يستصرخه وذلك أنه ظن أن موسى إنما يريد أن يبطش به لما سمعه يعاتبه قبل بقوله: { إنك لغوي مبين } فهاله ما رأى من إرادته البطش فقال: { يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } الخ، فعلم القبطي عند ذلك أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس فرجع إلى فرعون فأخبره الخبر فائتمروا بموسى وعزموا على قتله.

                  وما ذكروه في محله لشهادة السياق بذلك فلا يعبأ بما قيل: إن القائل هو القبطي دون الإِسرائيلي، هذا ومعنى باقي الآية ظاهر، وفي قوله: { أن يبطش بالذي هو عدو لهما } تعريض للتوراة الحاضرة حيث تذكر أن المتقاتلين هذين كانا جميعاً إسرائيليين، وفيه أيضاً تأييد أن القائل: { يا موسى أتريد } الخ، الإِسرائيلي دون القبطي لأن سياقه سياق اللوم والشكوى.

                  قوله تعالى: { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك } الخ، الائتمار المشاورة، والنصيحة خلاف الخيانة.

                  والظاهر كون قوله: { من أقصى المدينة } قيداً لقوله: { جاء } فسياق القصة يعطي أن الإِئتمار كان عند فرعون وبأمر منه، وأن هذا الرجل جاء من هناك وقد كان قصر فرعون في أقصى المدينة وخارجها فأخبر موسى بما قصدوه من قتله وأشار عليه بالخروج من المدينة.

                  وهذا الاستئناس من الكلام يؤيد ما تقدم أن قصر فرعون الذي كان يسكنه كان خارج المدينة، ومعنى الآية ظاهر.

                  قوله تعالى: { فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجِّني من القوم الظالمين } فيه تأييد أنه ما كان يرى قتله القبطي خطأ جرماً لنفسه.

                  (بحث روائي)

                  في تفسير القمي قال: فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى عليه السلام من التوحيد حتى همَّ به فخرج موسى من عنده ودخل المدينة فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون فاستغاثه الذي من شيعته فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضى عليه وتوارى في المدينة.

                  فلما كان الغد جاء آخر فتشبَّث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس؟ فخلّى عن صاحبه وهرب.

                  وفي العيون بإسناده إلى علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى.
                  قال: فأخبرني عن قول الله: { فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان } قال الرضا عليه السلام: إن موسى عليه السلام دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فقضى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات، قال: هذا من عمل الشيطان يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله { إنه } يعني الشيطان { عدوّ مضلّ مبين }.

                  قال المأمون: فما معنى قول موسى: { رب أني ظلمت نفسي فاغفر لي }؟ قال: يقول: وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له إنه هو الغفور الرحيم. قال موسى: رب بما أنعمت عليَّ من القوة حتى قتلت رجلاً بوكزه فلن أكون ظهيراً للمجرمين بل أجاهدهم بهذه القوة حتى ترضى.

                  فأصبح موسى عليه السلام في المدينة خائفاً يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى إنك لغويّ مبين قاتلت رجلاً بالأمس وتقاتل هذا اليوم لأؤدّبنك وأراد أن يبطش به فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما وهو من شيعته قال: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس؟ إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين. قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن.
                  نورد باذن الله تفسير الامام احمد الحسن ع
                  وصي ورسول الامام المهدي محمد بن الحسن ع

                  ج1 / قتل موسى للقبطي متعمد ومقصود وقد حصل بعد أن بلغ موسى اشده وبعد أن آتاه الله الحكمة والعلم . ولم يكن هذا القتل معصية من موسى أو ترك أولى بل كان عملاً صحيحاً باعتباره قتل عدو من أعداء الله وولي من أولياء الشيطان
                  ج2 / الموصوف أنه من عمل الشيطان هو القبطي نفسه باعتباره من صنيعة الشيطان وباعتباره من اتباعه قال تعالى في وصف ابن نوح العاق الكافر ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح)(هود:46) فوصف سبحانه ، أبن نوح بأنه عمل غير صالح وقال تعالى عن موسى (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طـه:41)
                  (والعدو المضل المبين) في الآية هو القبطي نفسه باعتباره من جنود الشيطان ومظهر عداوته لأولياء الله سبحانه
                  ج3 / طلب موسى (ع) للمغفرة من الله وتاب إليه سبحانه من بقاءه في قصر فرعون لعنه الله بعد أن عرف أنه عدو لله سبحانه وتعالى والذنب الذي ارتكبه هو ببقائه في قصر فرعون لعنه الله فقد كثر سواده وان لم يكن راضياً عن فعله ولهذا قال بعد المغفرة ( رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين) أي نعمت المغفرة ونعمت القوة البدنية والمجرمين هم فرعون وجنوده .
                  ج4 / لأن القبطي الثاني لما رأى موسى تكلم بهذه الكلمات وولى فاراً خوفاً من موسى وابلغ فرعون لعنه الله بما عمل موسى (ع) .
                  ج5 / وصف موسى (ع) الإسرائيلي بأنه غوي مبين لأنه أي الإسرائيلي كان المفروض أن يكون حذراً ويختفي ولا يعرض نفسه للاصطدام مع جنود فرعون مرة أخرى وخلال فترة قصيرة وعلى رؤوس الأشهاد ثم يدعوا موسى (ع) ويستصرخه (أي بصوت عالي ) ليتضح للجميع أن من قتل القبطي في اليوم السابق هو موسى (ع).


                  [COLOR="rgb(0, 100, 0)"]الحمد لله مالك الملك[/COLOR]
                  Last edited by GAYSH AL GHADAB; 31-10-2010, 22:09.
                  sigpic

                  Comment

                  • GAYSH AL GHADAB
                    مشرف
                    • 13-12-2009
                    • 1797

                    #10
                    رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

                    الحلقة التاسعة

                    س / ما معنى كلمة إسرائيل ؟ وهل الصهاينة الموجودون اليوم في فلسطين هم بنو إسرائيل أو ما بقي منهم
                    الاية الكريمة
                    تعالى ( يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة 122-123)

                    تفاسير اهل السنة والجماعة
                    تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
                    { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }
                    وهذه الآية عظة من الله تعالـى ذكره للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكير منه لهم ما سلف من أياديه إلـيهم فـي صنعه بأوائلهم استعطافـاً منه لهم علـى دينه، وتصديق رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم فقال: يا بنـي إسرائيـل اذكروا أياديّ لديكم، وصنائعي عندكم، واستنقاذي إياكم من أيدي عدوّكم فرعون وقومه، وإنزالـي علـيكم الـمنّ والسلوى فـي تِـيهكم، وتـمكينـي لكم فـي البلاد، بعد أن كنتـم مذللـين مقهورين، واختصاصي الرسل منكم، وتفضيـلـي إياكم علـى عالـم من كنتم بـين ظهرانـيه، أيام أنتـم فـي طاعتـي بـاتبـاع رسولـي إلـيكم، وتصديقه وتصديق ما جاءكم به من عندي، ودعوا التـمادي فـي الضلال والغيّ.
                    وقد ذكرنا فـيـما مضى النعم التـي أنعم اللَّهُ بها علـى بنـي إسرائيـل، والـمعانـي التـي ذكرّهم جل ثناءه من آلائه عندهم، والعالـم الذي فضلوا علـيه فـيـما مضى قَبْلُ، بـالروايات والشواهد، فكرهنا تطويـل الكتاب بإعادته، إذ كان الـمعنى فـي ذلك فـي هذا الـموضع وهنالك واحداً.
                    { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
                    وهذه الآية ترهيب من الله جل ثناؤه للذين سلفت عظته إياهم بـما وعظهم به فـي الآية قبلها. يقول الله لهم: واتقوا يا معشر بنـي إسرائيـل الـمبدِّلـين كتابـي وتنزيـلـي، الـمـحرّفـين تأويـله عن وجهه، الـمكذّبـين برسولـي مـحمد صلى الله عليه وسلم، عذابَ يوم لا تقضي فـيه نفس عن نفس شيئاً، ولا تغنـي عنها غناءً، أن تهلكوا علـى ما أنتـم علـيه من كفركم بـي، وتكذيبكم رسولـي، فتـموتوا علـيه فإنه يوم لا يقبل من نفس فـيـما لزمها فدية، ولا يشفع فـيـما وجب علـيها من حقّ لها شافع، ولا هم ينصرهم ناصر من الله إذا انتقم منها بـمعصيتها إياه وقد مضى البـيان عن كل معانـي هذه الآية فـي نظيرتها قبل، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع
                    * تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
                    { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
                    قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة، وكررت ههنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم؛ ونعته واسمه وأمره وأمته، فحذرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم من النعم الدنيوية والدينية، ولا يحسدوا بني عمهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم، ولا يحملهم ذلك على الحسد على مخالفته وتكذيبه والحيد عن موافقته، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين
                    تفاسير السلفية
                    * تفسير أيسر التفاسير/ أبو بكر الجزائري (مـ1921م- )
                    { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
                    شرح الكلمات:
                    { إسرائيل }: لقب يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم السلام.
                    { وبنو إسرائيل }: هم اليهود.
                    { العالمين }: البشر الذين كانوا في زمانهم مطلقاً.
                    { لا تجزي }: لا تقضي ولا تغني.
                    { العدل }: الفداء.
                    { شفاعة }: وساطة أحد.
                    معنى الآيتين:
                    يعظ الرحمن عز وجل اليهود فيناديهم بأشرف ألقابهم ويأمرهم بذكر نعمه تعالى عليهم وهي كثيرة، ويأمرهم أن يذكروا تفضيله تعالى لهم على عالمي زمانهم والمراد من ذكر النعم شكرها فهو تعالى في الحقيقة يأمرهم بشكر نعمه وذلك بالإِيمان به وبرسوله والدخول في دينه الحق (الإِسلام).
                    كما يأمرهم باتقاء عذاب يوم القيامة حيث لا تغني نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها فداء ولا تنفعها شفاعة وهذه هي نفس الكافر والمشرك حيث لا شفاعة تنال الكافر أو المشرك، ولا يجد لهم ناصر ينصرهم فيدفع العذاب إذ اتقاء عذاب يوم القيامة يكون بالإِيمان بالله ورسوله والعمل الصالح، بعد التخلي عن الكفر والمعاصي.
                    هداية الآيتين:
                    1- وجوب ذكر نعم الله على العبد ليجد بذلك دافعاً نفسياً لشكرها، إذ غاية الذكر هي الشكر.
                    2- وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة بالإِيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والعصيان.
                    3- استحالة الفداء يوم القيامة، وتعذر وجود شافع يشفع لمن مات على الشرك لا بإخراجه من النار، ولا بتخفيف العذاب عنه

                    تفاسير الشيعة

                    * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق
                    { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }
                    المعنى: هذه الآية قد تقدم ذكر مثلها في رأس نيف وأربعين آية ومضى تفسيرها وقيل في سبب تكريرها ثلاثة أقوال أحدها: أن نعم الله سبحانه لما كانت أصول كل نعمة كرّر التذكير بها مبالغة في استدعائهم إلى ما يلزمهم من شكرها ليقبلوا إلى طاعة ربهم المظاهر نعمه عليهم وثانيها: أنه سبحانه لما ذكر التوراة وفيها الدلالة على شأن عيسى ومحمد (ع) في النبوة والبشارة بهما ذكرهم نعمته عليهم بذلك وما فضلهم به كما عدّد النعم في سورة الرحمن وكرّر قولـه { فبأيّ آلاء ربكما تكذبان } فكل تقريع جاء بعد تقريع فإِنما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى وثالثة غير الثانية إلى آخر السورة وكذلك الوعيد في سورة المرسلات بقولـه
                    { ويل يومئذ للمكذبين }
                    [المرسلات: 15] إنما هو بعد الدلالة على أعمال تعظم التكذيب بما تدعو إليه الأَدلة.
                    * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق
                    { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
                    (بيان)
                    قوله تعالى: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى } ، رجوع إلى الطائفتين بعد الالتفات إلى غيرهم، وهو بمنزلة جمع أطراف الكلام على تفرقها وتشتتها، فكأنه بعد هذه الخطابات والتوبيخات لهم يرجع إلى رسوله ويقول له: هؤلاء ليسوا براضين عنك، حتى تتبع ملتهم التي ابتدعوها بأهوائهم ونظموها بآرائهم، ثم أمره بالرد عليهم بقوله: { قل إن هدى الله هو الهدى } أي أن الاتباع إنما هو لغرض الهدى ولا هدى إلاَّ هدى الله والحق الذي يجب أن يتبع وغيره - وهو ملتكم - ليس بالهدى، فهي أهواءكم ألبستموها لباس الدين وسميتموها باسم الملة، ففي قوله: { قل إن هدى الله } إلخ، جعل الهدى كناية عن القرآن النازل، ثم أُضيف إلى الله فأفاد صحة الحصر في قوله: { إن هدى الله هو الهدى } على طريق قصر القلب، وأفاد ذلك خلو ملتهم عن الهدى، وأفاد ذلك كونها أهواءً لهم، واستلزم ذلك كون ما عند النبي علماً، وكون ما عندهم جهلاً، واتّسع المكان لتعقيب الكلام بقوله: { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير } ، فانظر إلى ما في هذا الكلام من أصول البرهان العريقة، ووجوه البلاغة على إيجازه، وسلاسة البيان وصفائه.
                    قوله تعالى: { الذين آتيناهم الكتاب } يمكن أن تكون الجملة بقرينة الحصر المفهوم من قوله: { أُولئك يؤمنون به } جواباً للسؤال المقدر الذي يسوق الذهن إليه قوله تعالى: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى } إلخ، وهو أنهم إذا لم يكن مطمع في إيمانهم، فمن ذا الذي يؤمن منهم؟ وهل توجيه الدعوة إليهم باطل لغو؟ فأجيب بأن الذين آتيناهم الكتاب والحال أنهم يتلونه حق تلاوته، أُولئك يؤمنون بكتابهم فيؤمنون بك، أو أن أُولئك يؤمنون بالكتاب، كتاب الله المنزل أياً ما كان أو أن أُولئك يؤمنون بالكتاب الذي هو القرآن. وعلى هذا: فالقصر في قوله: { أُولئك يؤمنون به } قصر افراد والضمير في قوله: به على بعض التقادير لا يخلو عن استخدام. والمراد بالذين أوتوا الكتاب قوم من اليهود والنصارى ليسوا متبعين للهوى من أهل الحق منهم، وبالكتاب التوراة والإِنجيل، وإن كان المراد بهم المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالكتاب القرآن، فالمعنى: أن الذين آتيناهم القرآن، وهم يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون بالقرآن، لا هؤلاء المتبعون لأهوائهم، فالقصر حينئذ قصرٍ قلب.
                    قوله تعالى: { يا بني إسرائيل اذكروا } ، إلى آخر الآيتين إرجاع ختم الكلام إلى بدئه، وآخره إلى أوله، وعنده يختتم شطر من خطابات بني إسرائيل.
                    (بحث روائي)
                    في إرشاد الديلمي عن الصادق عليه السلام في قوله: { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته } ، قال: يرتلون آياته ويتفقهون به ويعملون بأحكامه، ويرجون وعده، ويخافون وعيده، ويعتبرون بقصصه، ويأتمرون بأوامره، وينتهون بنواهيه، ما هو والله حفظ آياته، ودرس حروفه، وتلاوة سوره، ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده، وإنما هو تدبر آياته والعمل بأحكامه، قال الله تعالى: { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبّروا آياته }.
                    وفي تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: { يتلونه حق تلاوته } ، قال عليه السلام: الوقوف عند الجنة والنار.
                    أقول: والمراد به التدبر.
                    وفي الكافي عنه عليه السلام: في الآية قال عليه السلام: هم الأئمة.
                    أقول: وهو من باب الجري والانطباق على المصداق الكامل.

                    تفسير الامام احمد الحسن ع وصي ورسول الامام المهدي محمد بن الحسن ع
                    ج/ إسرائيل تعني عبد الله . ويوجد بعض اليهود الموجودين في الأرض المقدسة من ذرية يعقوب النبي (ع) وهو عبد الله وهو إسرائيل عند اليهود والنجمة السداسية عند اليهود هي نجمة داود وتعني المنتصر وهي علامة للمصلح المنتظر عندهم وهو ايليا النبي (ع) الذي رفع قبل أن يبعث عيسى (ع) بمدة طويلة وهم ينتظرون عودته وهو أحد وزراء الإمام المهدي (ع) الآن .
                    ما تقدم بناء على أن إسرائيل تعني يعقوب ولكن الحقيقة إن إسرائيل تعني عبدالله وتعني محمد (ص) وبنو إسرائيل هم ال محمد (ص) وايضا شيعتهم بل والمسلمين عموما بحسب ورودها في القرآن .
                    في تفسير العياشي وغيره عن هارون بن محمد قال سألت ابا عبدالله (ع) عن قوله سبحانه يا بني إسرائيل قال (ع) (( هم نحن خاصة )) .
                    عن محمد بن علي قال سألت الصادق (ع) عن قول الله يا بني إسرائيل قال ((هي خاصة بال محمد (ع) )) وفي سنن أبي داود عن النبي (ص) انه قال (( أنا عبد الله اسمي احمد وأنا عبد الله اسمي إسرائيل فما أمره فقد امرني وما عناه فقد عناني )) .
                    فبعض الآيات في الأئمة خاصة وهم بنو إسرائيل فيها لا سواهم قال تعالى ( يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة 122-123) يا بني إسرائيل أي يا آل محمد (ص) اذكروا نعمتي أي نعمت الولاية والإمامة والهيمنة على جميع العوالم واني فضلتكم على العالمين أي بمعرفتي ( معرفة الله سبحانه وتعالى ) والعلم بأسمائه ومن المعلوم أن محمد وال محمد هم المفضلون على العالمين ولابني يعقوب ولا غيرهم مفضلين على آل محمد (ع) واتقوا يوما : هو يوم الموت وهو اليوم الوحيد الذي لا توجد فيه شفاعة فالعذاب عند الموت لا ينجو منه إلا من صاحب الدنيا ببدنه وقلبه معلق بالملأ الأعلى فلم يرتبط مع الدنيا بحبال وعوالق تحتاج إلى القطع والقلع مما يسبب العذاب والناجون من عذاب الموت هم المقربون وقال تعالى ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ) ( 88 ـ 89 ) . أي حال موته وسادة المقربين هم محمد وال محمد (ع) وبعض الآيات في بني إسرائيل خاصة بالشيعة وعلماء الشيعة وقال تعالى ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ *وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا )( البقرة 101 ـ 102 ) ولما جاءهم رسول من عند الله : أي رسول من الإمام المهدي (ع) لانه بعد بعث الإنسان الكامل (( كلمتك التامة وكلماتك التي تفضلت بها على العالمين )) وهم محمد وال محمد ختمت الرسالة من الله سبحانه وتعالى وبدأ عهد جديد وهو الرسالة من الرسول محمد وال محمد (ع) فـ آل محمد رسل من محمد (ص) يأخذون علمهم منه (ص) بالوحي أو بواسطة ملائكة أو مباشرة منه (ص) فالرسول محمد (ص) ( الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل ) أي الخاتم للرسالة من الله وفاتح الإرسال منه (ص) و من آل بيته (ع) وقد ثبت عند الشيعة أن الإمام المهدي (ع) يرسل محمد بن الحسن ذو النفس الزكية قبل خمسة عشر يوما من قيامه لأهل مكة فيقتلونه فإذا صح هذا الإرسال صح غيره .
                    مصدق لما معهم : من العلم الذي ورثه الشيعة عن أهل البيت (ع) بأن المهدي (ع) حق وانه يقوم بالسيف وانه قبل قيامه يوجد ممهدون يوطئون له سلطانه وان له ذرية وان بعده اثنا عشر من ولده مهديين وانهم أي الشيعة قاطعين بناءا على الروايات التي وردت عنهم (ع) بان الأرض لو خليت من الإمام لساخت بأهلها . فبعد قتل أو بحسب اعتقاد بعضهم موت الإمام المهدي (ع) بمن تستقر الأرض ان لم يكن بأحد ولده الأوصياء من بعده والائمة المهديين كما في الروايات عنهم (ع) وفي صلاة يوم الجمعة التي قال فيها ابن طاوس ( رحمه الله ) وهو ممن التقى بالإمام المهدي (ع) بل ونقل عنه (ع) في زمن الغيبة الكبرى . أن تركت تعقيب العصر يوم الجمعة لعذر من الأعذار فلا تترك هذه الصلاة أبدا لأمر اطلعنا الله جل جلاله عليه ثم ذكر الصلاة التي في نهايتها يقول الإمام (ع) (( وصل على وليك ( أي الإمام المهدي (ع) ) وولاة عهدك والائمة من ولده ومد في أعمارهم وزد في اجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دينا ودنيا وآخره انك على كل شيء قدير )) مفاتيح الجنان ص85
                    ورد في الرواية انه ينزل في مسجد السهلة بعياله وورد أن بعده أحد عشر مهديا من ولده (ع) والروايات كثيرة لست بصدد استقصاءها وانما ذكرت بعضها للحجة على المعاند المتكبر على الله وأولياء الله ومن أراد العلم طلبا للحق فليراجع كتب الحديث ويطلع بنفسه (( نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة 101 ) وهؤلاء هم بعض علماء الشيعة واتباعهم خاصة والكتاب الذي نبذوه وراء ظهورهم هو القرآن والإمام المهدي (ع) والروايات عن أهل بيت العصمة والممهدون للإمام المهدي (ع) وإرساله لهم ، وكذبوا بالحق لما جاءهم وقالوا ساحر أو مجنون أو به جنة كأنهم لا يعلمون . إن هذا هو الحق من الإمام المهدي (ع) .
                    (( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ))أي بعض علماء الشيعة اتبعوا سنن الأمم الماضية واتهاماتهم للأنبياء والمرسلين (ع) وقالوا هذا من الجن ( الشياطين ) وملك سليمان أي ملك المهدي (ع) .
                    (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا )) : وكون الإمام المهدي (ع) هو إمام الأنس والجن فانه يرسل رسوله إلى الأنس والجن وكما أن من الأنس من يؤمن ومن يكفر ومن ينافق ومن يؤمن ويرتد ومن ومن ..كذلك من الجن من يجري عليه ما يجري على الأنس كما أن أمر الإمام المهدي (ع) العظيم والذي يمثل نهاية إبليس لعنه الله وجنده من شياطين الأنس والجن كيف لا يتعرض لمكر من قبل شياطين الجن وخدعهم ومكرهم ؟ ! والقاءاتهم في قضية الإمام المهدي (ع) التي تمثل نهاية باطلهم بأسره هذه المرة .وبعض الآيات في بني إسرائيل خاصة بالمسلمين الذين ظلموا آل محمد (ع) قال تعالى وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً) (الإسراء:4ـ5 ) .(( وقضينا إلى بني إسرائيل … ولتعلن علوا كبيرا )) الفساد الأول من هذه الأمة بقتل فاطمة والإمام علي (ع) والفساد الثاني بقتل الحسن والحسين (ع) والعلو الكبير بما انتهكوا من حرمة الحسين (ع) ومثلوا بجثمانه الطاهر ورفعوا رأسه على رمح وهو خامس أصحاب الكساء وخير خلق الله بعد محمد وعلي وفاطمة والحسن (ع) .
                    والعباد المرسلين في المرة الأولى هم المختار وجنوده الذين سلطهم الله على قتلة الحسين (ع) فقتلوهم .
                    (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً) (الإسراء:7) .
                    وهؤلاء هم أصحاب القائم (ع) وأنصاره سيمكن لهم الله حتى يملكوا شرق الأرض وغربها مع سيدهم محمد بن الحسن المهدي (ع) ويذل الله بهم كل كافر ومنافق ومرتاب .
                    (( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ )) (الإسراء :8 ) … أي يا مسلمين عسى ربكم أن يرحمكم باتباع القائم ونصرته والاعتراف بأنه إمام مفترض الطاعة يجب موالاته وموالاة وليه ومعاداة عدوه
                    (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )) (الإسراء:9) : أي أن الآيات التي مضت من سورة الإسراء ترشدكم إلى التي هي أقوم أي إلى الصراط المستقيم أي الإمام المهدي (ع) .
                    (( وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الإسراء:9) : ويبشر المؤمنين بالقائم (ع) ويعملون لقيامه فالتمهيد لقيام القائم (ع) هو الصالحات وهو الصلاة وهو خير العمل .
                    (( وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (الإسراء:10) : الآخرة هي الإمام المهدي (ع) والممهدين له (ع) وهي ملكوت السماوات والأرض وهي رؤيا المؤمن الصالحة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها والذين لا يؤمنون بالآخرة كفرة وان ادعوا انهم مسلمون .
                    sigpic

                    Comment

                    • GAYSH AL GHADAB
                      مشرف
                      • 13-12-2009
                      • 1797

                      #11
                      رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع


                      الحلقة العاشرة
                      س/ ما معنى السبع المثاني ؟
                      قال تعالى (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87) .

                      تفاسير اهل السنة والجماعة




                      * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
                      { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ }

                      اختلف أهل التأويـل فـي معنى السبع الذي أتـى الله نبـيه صلى الله عليه وسلم من الـمثانـي فقال بعضهم عنـي بـالسبع: السبع السور من أوّل القرآن اللواتـي يُعْرفن بـالطول. وقائلو هذه الـمقالة مختلفون فـي الـمثانـي، فكان بعضهم يقول: الـمثانـي هذه السبع، وإنـما سمين بذلك لأنهن ثُنّـيَ فـيهنّ الأمثالُ والـخبرُ والعِبَر. ذكر من قال ذلك:

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: السبع الطُّولَ.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن سعيد الـجريريّ، عن رجل، عن ابن عمر قال: السبع الطُّوَل.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمَان، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: السبع الطُّوَل.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، مثله.

                      حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن الـحجاج، عن الولـيد بن العيزار، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: هنّ السبع الطُّوَل، ولـم يُعطَهن أحد إلا النبـيّ صلى الله عليه وسلم، وأُعطيَ موسى منهنّ اثنتـين.

                      حدثنا ابن وكيع، وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلـم البَطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: أوتـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم سبعاً من الـمثانـي الطُّوَل، وأوتـي موسى ستًّا، فلـما ألقـى الألواح رُفعت اثنتان وبقـيت أربع.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا علـيّ بن عبد الله بن جعفر، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف. قال إسرائيـل: وذكر السابعة فنسيتها.

                      حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي الطُّوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.

                      حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الآية: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء والـمائدة والأنعام، والأعراف، ويونس، فـيهنّ الفرائض والـحدود.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، بنـحوه.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن ابن أبـي خالد، عن خوّات، عن سعيد بن جبـير، قال: السبع الطُّوَل.
                      حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال أبو بشر: أخبرنا عن سعيد بن جبـير، قال: هنّ السبع الطُّوَل. قال: وقال مـجاهد: هن السبع الطُّول. قال: ويقال: هنّ القرآن العظيـم.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا سعيد، عن جعفر، عن سعيد، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، تُثْنى فـيها الأحكام والفرائض.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح، قال: ثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، قال: هن السبع الطُّوَل.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، يونس. قال: قلت: ما الـمثانـي؟ قال: يثنى فـيهنّ القضاء والقَصص.

                      حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.

                      حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: السبع الطُّوَل.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا أبو خالد القرشي، قال: ثنا سفـيان، عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا أبو خالد، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد ابن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا، عن مـجاهد، قال: هي السبع الطُّوَل.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد بن عبـيد الله، قال: ثنا عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي السبع الطُّوَل.

                      حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ } قال: من القرآن السبع الطُّوَل السبع الأُوَل.

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيـل وابن نـمير، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، قال: هنّ السبع الطُّوَل.

                      حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: السبع الطُّوَل.
                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نـمير، عن سفـيان، عن عبد الله بن عثمان بن خُثَـيـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: هي الأمثال وَالـخَبر والعِبَر.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نـمير، عن إسماعيـل، عن خوّات، عن سعيد بن جبـير، قال: هي السبع الطُّوَل، أعطِيَ موسى ستًّا، وأُعطِيَ مـحمد صلى الله عليه وسلم سبعاً.

                      حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } يعنـي السبع الطُّوَل.

                      وقال آخرون: عنـي بذلك: سبع آيات وقالوا: هن آيات فـاتـحة الكتاب، لأنهنّ سبع إيات. وهم أيضاً مختلفون فـي معنى الـمثانـي، فقال بعضهم: إنـما سمين مثانـي لأنهن يثنـين فـي كلّ ركعة من الصلاة. ذكر من قال ذلك:

                      حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: أخبرنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن أبـي نضرة، قال: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت إلـى عمر حاجة فـي خلافته، فقدمت، الـمدينة لـيلاً، فمثلت بـين أن أتـخذ منزلاً وبـين الـمسجد، فـاخترت الـمسجد منزلاً. فأرقت نشواً من آخر اللـيـل، فإذا إلـى جنبـي رجل يصلـي يقرأ بأمّ الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلـم أعرفه حتـى جَهَر، فإذا هو عُمر، فكانت فـي نفسي، فغدوت علـيه فقلت: يا أمير الـمؤمنـين حاجة مع حاجة قال: هات حاجتك قلت إنـي قدِمت لـيلاً فمثلت بـين أن أتـخذ منزلاً وبـين الـمسجد، فـاخترت الـمسجد، فأرقت نَشْواً من آخر اللـيـل، فإذا إلـى جنبـي رجل يقرأ بأمّ الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلـم أعرفه حتـى جَهَر، فإذا هو أنت، ولـيس كذلك نفعل قِبَلَنا. قال: وكيف تفعلون؟ قال: يقرأ أحدنا أمّ الكتاب، ثم يفتتـح السورة فـيقرؤها. قال: ما لهم يعلَـمُون ولا يعمَلُون؟ ما لهم يعلَـمُون لا يعمَلُون؟ ما لهم يعلَـمُون ولا يعمَلُون؟ وما تبغي عن السبع الـمثانـي وعن التسبـيح صلاة الـخـلق.

                      حدثنـي طُلَـيق بن مـحمد الواسطيّ، قال: أخبرنا يزيد، عن الـجريري، عن أبـي نضرة، عن جابر أو جويبر، عن عُمَر بنـحوه، إلا أنه قال: فقال يقرأ القرآن ما تـيسر أحياناً، ويسبح أحياناً، ما لهم رغبة عن فـاتـحة الكتاب، وما يبتغي بعد الـمثانـي وصلاة الـخـلق التسبـيح.

                      حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ، قال: السبع الـمثانـي: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حفص بن عمر، عن الـحسن بن صالـح وسفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ مثله.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ مثله.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعاً، عن سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ، مثله.
                      حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام، عن ابن سيرين، قال: سئل ابن مسعود عن سبع من الـمثانـي، قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب قال: وقال ابن سيرين عن ابن سيرين عن ابن مسعود: هي فاتحة الكتاب.

                      حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنـي سعيد بن يحيى الأُمَويّ، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبـي، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، أنه قال فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي فـاتـحة الكتاب. فقرأها علـيّ ستًّا، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيـم الآية السابعة. قال سعيد: وقرأها ابن عبـاس علـيّ كما قرأها علـيك، ثم قال الآية السابعة: بسم الله الرحمن الرحيـم، فقال ابن عبـاس: قد أخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم.

                      حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن جريج، أن أبـاه حدّثه، عن سعيد بن جبـير، قال: قال لـي ابن عبـاس: فـاستفتـح ببسم الله الرحمن الرحيـم ثم قرأ فـاتـحة الكتاب، ثم قال: تدري ما هذا؟ { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي }.

                      حدثني مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } يقول: السبع: الـحمد لله رب العالـمين، والقرآن العظيـم. ويقال: هنّ السبع الطول، وهن الـمئون.

                      حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنـي عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا إسحاق، بن سويد، عن يحيى بن يعمر وعن أبـي فـاختة فـي هذه الآية: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآن العَظِيـمَ } قالا: هي أمّ الكتاب.

                      حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن السدي عمن سمع علـيًّا يقول: الـحمد لله ربّ العالـمين، هي السبع الـمثانـي.

                      حدثنا أبو الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت العلاء بن عبد الرحمن، يحدّث عن أبـيه، عن أبـيّ بن كعب، أنه قال: السبع الـمثانـي: الـحمد لله رب العالـمين.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب سبع آيات.
                      قلت للربـيع: إنهم يقولون: السبع الطول. فقال: لقد أنزلت هذه وما أنزل من الطّول شيء.

                      حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، قال: فـاتـحة الكتاب. قال: وإنـما سميت الـمثانـي لأنه يثنى بها كلـما قرأ القرآن قرأها. فقـيـل لأبـي العالـية: إن الضحاك بن مزاحم يقول: هي السبع الطُّوَل. فقال: لقد نزلت هذه السورة سبعاً من الـمثانـي وما أنزل شيء من الطُّوَل.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، قال: ثنا سفـيان، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي جميعاً، عن سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن إبراهيـم، قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن إبراهيـم مثله.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعاً، عن هارون بن أبـي إبراهيـم البربري، عن عبد الله بن عبـيد بن عمير، قال: السبع من المثاني: فاتحة الكتاب.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن ابن جريج، عن أبـي ملـيكة: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب. قال: وذكر فـاتـحة الكتاب لنبـيكم صلى الله عليه وسلم لـم تذكر لنبـيّ قبله.

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن شهر بن حوشب، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنـي مـحمد بن أبـي خداش، قال: ثنا مـحمد بن عبـيد، قال: ثنا هارون البربري، عن عبد الله بن عبـيد بن عمير اللـيثـي فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي الـحمد لله ربّ العالـمين.

                      حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سألت الـحسن، عن قوله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظيـمَ } قال: هي فـاتـحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع، فقرأها: الـحمد لله ربّ العالـمين، حتـى أتـى علـى آخرها، فقال: تثنى فـي كلّ قراءة.

                      حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: فـاتـحة الكتاب.

                      حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآن العَظِيـمَ } ذكر لنا أنهنّ فـاتـحة الكتاب، وأنهن يثنـين فـي كلّ قراءة.

                      حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب تُثْنَى فـي كلّ ركعة مكتوبة وتطوّع.
                      حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا حماد بن زيد وحجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي أبـي عن سعيد بن جبـير، أنه أخبره أنه سأل ابن عبـاس عن السبع الـمثانـي، فقال: أمّ القرآن. قال: سعيد: ثم قرأها، وقرأ منها: بسم الله الرحمن الرحيـم. قال: أبـي: قرأها سعيد كما قرأها ابن عبـاس، وقرأ فـيها بسم الله الرحمن الرحيـم. قال سعيد: قلت لابن عبـاس: فما الـمثانـي؟ قال: هي أم القرآن، استثناها الله لـمـحمد صلى الله عليه وسلم، فرفعها فـي أمّ الكتاب، فذخرها لهم حتـى خرجها لهم، ولـم يعطها لأحد قبله. قال: قلت: لأبـي: أخبرك سعيد أن ابن عبـاس قال له: «بسم الله الرحمن الرحيـم» آية من القرآن؟ قال: نعم. قال ابن جريج: قال عطاء: فـاتـحة الكتاب، وهي سبع بسم الله الرحمن الرحيـم، والـمثانـي: القرآن.

                      حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن عطاء، أنه قال: السبع الـمثانـي: أمّ القرآن.

                      حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد الله العتكي، عن خالد الـحنفـي قاضي مرو فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب.

                      وقال آخرون: عُنـي بـالسبع الـمثانـي معانـي القرآن. ذكر من قال ذلك:

                      حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب الشهيد الشهيديّ، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن زياد بن أبـي مريـم، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: أعطيتك سبعة أجزاء: مُرْ، وانْهَ، وبَشِّرْ، وانذِرْ، واضرب الأمثال، واعدُدِ النعم، وآتـيتك نبأ القرآن.

                      وقال آخرون من الذين قالوا عُنِـي بـالسبع الـمثانـي فـاتـحة الكتاب: الـمثانـي هو القرآن العظيـم. ذكر من قال ذلك:

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيـينة، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن كله مثانـي.

                      حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن كُلُّه مثانـي.

                      حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبـيد أبو زيد، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن مثانـي. وعدّ البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، وبراءة.

                      حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن جريج، عن مـجاهد، وعن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: القرآن كله يُثْنَى.

                      حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قال: الـمثانـي: ما ثنى من القرآن، ألـم تسمع لقول الله تعالـى ذكره:
                      { الله نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـاً مُتَشابِهاً مَثانـي }
                      ؟.

                      حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: الـمثانـي: القرآن، يذكر الله القصة الواحدة مراراً، وهو قوله:
                      { نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـاً مُتَشابِها مَثانِـيَ }
                      وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: عُنـي بـالسبع الـمثانـي السبع اللواتـي هنّ آيات أم الكتاب، لصحة الـخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:

                      حدّثنـيه يزيد بن مخـلد بن خِدَاش الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن العلاء، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمُّ القُرآنِ السَّبْعُ الـمَثانِـي الَّتِـي أُعْطِيتُها "

                      حدثنـي أحمد بن الـمقدام العجلـي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأُبـيّ: " إنّـي أُحِبُّ أنْ أعُلِّـمَكَ سُورةً لَـمْ يَنْزِلْ فِـي التَّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزَّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلُها ". قال: نعم يا رسول الله، قال: " إنّى لاَءَرْجُو أنْ لا تـخْرُج مِنْ هَذَا البـابِ حتـى تَعْلَـمَها ". ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـيدي يحدثنـي، فجعلت أتبـاطأ مخافة أن يبلغ البـابَ قبل أن ينقضي الـحديث فلـما دنوت قلت: يا رسول الله ما السورة التـي وعدتنـي؟ قال: " ما تَقرأُ فـي الصَّلاةِ؟ " فقرأت علـيه أمّ القرآن، فقال: " والَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما أُنْزِل فـي التَّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ ولا فـي الزَّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها، إنَّها السَّبْعُ مِن الـمَثانـي والقُرآنِ العَظِيـمِ الَّذِي أُعْطِيتُهُ ".

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن حبـاب العكلـي، قال: ثنا مالك بن أنـس، قال: أخبرنـي العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولـى لعروة، عن أبـي سعيد مولـى عامر بن فلان، أو ابن فلان، عن أبـيّ بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا افْتَتَـحْت الصَّلاةَ بِـم تَفْتَتِـحُ؟ " قال: الـحمد لله ربّ العالـمين، حتـى ختـمها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هِي السَّبْعُ الـمَثانـي والقُرآنُ العَظِيـمُ الَّذِي أُعْطِيتُ ".

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن عبد الـحميد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، عن أبـيّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أُعَلِّـمُك سُورةً ما أُنْزِل فـي التَّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ وَلاَ فـي الزَّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها؟ " قلت: بلـى. قال: " إنّى لأَرْجُو أنْ لا تَـخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ البـابِ حتـى تَعْلَـمُها " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه، فجعل يحدثنـي ويده فـي يدي، فجعلت أتبـاطأ كراهية أن يخرج قبل أن يخبرنـي بها فلـما قرب من البـاب قلت: يا رسول الله السورة التـي وعدتنـي قال
                      " كَيْفَ تَقْرأُ إذَا افْتَتَـحْتَ الصَّلاةَ؟ " قال: فقرأ فـاتـحة الكتاب. قال: " هِيَ هِيَ، وَهِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي الَّتِـي قالَ اللّهُ تَعالـى: { وَلَقَدْ آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ } الَّذِي أُوتِـيتُ ".

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الـمـحاربـيّ، عن إبراهيـم بن الفضل الـمدنـيّ، عن سعيد الـمقبري، عن أبـي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الرَّكْعَتانِ اللَّتانِ لا يُقْرأُ فِـيهِما كالـخِدَاجِ لَـمْ يُتِـمَّا ". قال رجل: أرأيت إن لـم يكن معي إلاَّ أمّ القرآن؟ قال: " هي حسبك هِيَ أُمُّ القُرآنِ، هِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي ".

                      حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نـمير، عن إبراهيـم بن الفضل، عن الـمقبري، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرَّكْعةُ الَّتِـي لا يُقْرأُ فِـيها كالـخِدَاجِ " قلت لأبـي هريرة: فإن لـم يكن معي إلاَّ أمّ القرآن؟ قال: هي حسبك، هي أمّ الكتاب، وأمّ القرآن، والسبع الـمثانـي.

                      حدثنـي أبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخـلد، عن مـحمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ، ما أنْزَلَ اللّهُ فِـي التَّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزَّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلَها " يعنـي أمّ القرآن " وإنَّها لَهِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي الَّتِـي آتانِـي اللّهُ تَعالـى ".

                      حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن أبـي ذئب، عن سعيد الـمقبري، عن أبـي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " هِيَ أُمُّ القُرآنِ، وهِي فـاتـحَةُ الكِتابِ، وهِي السَّبْعُ الـمَثانـي ".

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا يزيد بن هارون وشبـابة، قالا: أخبرنا ابن أبـي ذئب، عن الـمقبريّ، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي فـاتـحة الكتاب قال: " هِي فـاتِـحَةُ الكِتابِ وهِي السَّبْعُ الـمَثانـي والقُرآنُ العَظِيـمُ ".

                      حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عفـان، قال: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيـم، قال: ثنا العلاء، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى أبـيّ بن كعب فقال: " أتُـحِبُّ أنْ أُعَلِّـمَكَ سُورةً لَـمْ يَنْزِلْ فـي التَّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ ولا فـي الزَّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها؟ " قلت: نعم يا رسول الله، قال: " فَكَيْف تَقْرأُ فـي الصَّلاةِ؟ " فقرأت علـيه أمّ الكتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما أُنْزِلَتْ سُورةٌ فِـي التَّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزَّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلُها، وإنَّها السَّبْعُ الـمَثانِـي والقُرآنُ العَظِيـمُ ".

                      حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا سعيد بن حبـيب، عن حفص بن عاصم، عن أبـي سعيد بن الـمعلـى، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم دعاه وهو يصلـي، فصلـى، ثم أتاه فقال::
                      " ما مَنَعَكَ أنْ تُـجِيبَنِـي؟ " قال: إنـي كنت أصلـي، قال: " ألَـمْ يَقُلِ اللّهُ: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ }؟ " قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاَعَلِّـمَنَّكَ أعْظَمَ سُورَةٍ فِـي القُرآنِ " فكأنه بـينها أو نسي. فقلت: يا رسول الله الذي قلت؟ قال: " الـحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَـمِينَ هِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي والقرآنُ العَظِيـمُ الَّذِي أُوتِـيتُهُ ".

                      فإذ كان الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلنا للذي به استشهدنا، فـالواجب أن تكون الـمثانـي مراداً بها القرآن كله، فـيكون معنى الكلام: ولقد آتـيناك سبع آيات مـما يَثْنـيِ بعض آيه بعضاً. وإذا كان ذلك كذلك كانت الـمثانـي: جمع مَثْناة، وتكون آي القرآن موصوفة بذلك، لأن بعضها يَثْنِـي بعضاً وبعضها يتلو بعضاً بفصول تفصل بـينها، فـيعرف انقضاء الآية وابتداء التـي تلـيها كما وصفها به تعالـى ذكره فقال:
                      { اللّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتَابـاً مُتَشابِها مَثانِـيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْن رَبَّهُمْ }
                      وقد يجوز أن يكون معناها كما قال ابن عبـاس والضحاك ومن قال ذلك إن القرآن إنـما قـيـل له مَثَانى لأن القصص والأخبـار كرّرت فـيه مرّة بعد أخرى. وقد ذكرنا قول الـحسن البصريّ أنها إنـما سميت مَثاني لأنها تُثْنَى فـي كلّ قراءة، وقول ابن عبـاس إنها إنـما سميت مثاني، لأن الله تعالـى ذكره استثناها لـمـحمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبـياء غيره فـادّخرها له.
                      وكان بعض أهل العربـية يزعم أنها سميت مَثَانِـيَ لأن فـيها الرحمن الرحيـم مرّتـين، وأنها تُثْنَى فـي كلّ سورة، يعنـي: بسم الله الرحمن الرحيـم.
                      وأما القول الذي اخترناه فـي تأويـل ذلك، فهو أحد أقوال ابن عبـاس، وهو قول طاوس ومـجاهد وأبـي مالك، وقد ذكرنا ذلك قبل.
                      وأما قوله: { والقُرآنَ العَظِيـمَ } فإن القرآن معطوف علـى السبع، بـمعنى: ولقد آتـيناك سبع آيات من القرآن وغير ذلك من سائر القرآن. كما:
                      حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { والقُرآنَ العَظِيـمَ } قال: سائره: يعنـي سائر القرآن مع السبع من الـمثانـي.

                      حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { والقُرآنَ العَظِيـمَ } يعنـي: الكتاب كله

                      * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق.
                      اختلف العلماء في السبع المثاني؛ فقيل: الفاتحة؛ قاله عليّ بن أبي طالب وأبو هريرة والربيع بن أنس وأبو العالية والحسن وغيرهم، ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة، من حديث أُبَيّ بن كعب وأبي سعيد بن المُعَلَّى. وقد تقدّم في تفسير الفاتحة. وخرّج الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني " قال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا نص، وقد تقدّم في الفاتحة. وقال الشاعر:
                      نشدتكم بمنْزِل القرآن أمِّ الكتاب السبعِ من مثاني
                      وقال ابن عباس: هي السبع الطُّوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال والتوبة معاً؛ إذ ليس بينهما التسمية. روى النَّسائيّ حدّثنا علي بن حُجْر أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل: { سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي } قال: السبع الطُّوَل، وسميت مثاني لأن العبر والأحكام والحدود ثُنّيت فيها. وأنكر قوم هذا وقالوا: أنزلت هذه الآية بمكة، ولم ينزل من الطُّوَل شيء إذ ذاك. وأجيب بأن الله تعالى أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ثم أنزله منها نجوماً، فما أنزله إلى السماء الدنيا فكأنما آتاه محمداً صلى الله عليه وسلم وإن لم ينزل عليه بعد. وممن قال إنها السبع الطول: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد. وقال جرير:
                      جزى الله الفرزدق حين يُمْسِي مُضِيعاً للمفَصّل والمثاني
                      وقيل: المثاني القرآن كله؛ قال الله تعالى: { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } [الزمر: 23]. هذا قول الضحاك وطاوس وأبو مالك، وقاله ابن عباس. وقيل له مثاني لأن الأنباء والقصص ثُنِّيت فيه. وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
                      فقد كان نوراً ساطعاً يهتدى به يُخَصُّ بتنزيل المثاني المعظم
                      أي القرآن. وقيل: المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن من الأمر والنهي والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعديد نِعَم وأنباء قرون؛ قاله زياد بن أبي مريم. والصحيح الأوّل لأنه نصّ. وقد قدمنا في الفاتحة أنه ليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من تسمية غيرها بذلك؛ إلا أنه إذا ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وثبت عنه نص في شيء لا يحتمل التأويل كان الوقوف عنده.

                      قوله تعالى: { وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } فيه إضمار تقديره: وهو أن الفاتحة القرآن العظيم لاشتمالها على ما يتعلق بأصول الإسلام. وقد تقدّم في الفاتحة. وقيل: الواو مقحمة، التقدير: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني القرآن العظِيم. ومنه قول الشاعر:
                      إلى المَلِك الْقَرم وابن الهمام وليثِ الكَتِيبةِ في المُزْدَحم
                      وقد تقدّم عند قوله:
                      { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ }
                      [البقرة: 238].

                      * تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
                      يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرنّ إلى الدنيا، وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه، فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزناً عليهم في تكذيبهم لك ومخالفتهم دينك،
                      { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }
                      [الشعراء: 215] أي: ألن لهم جانبك؛ كقوله:
                      { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
                      [التوبة: 128] وقد اختلف في السبع المثاني ما هي؟ فقال ابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم: هي السبع الطوال، يعنون: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، نص عليه ابن عباس وسعيد بن جبير، وقال سعيد: بين فيهن الفرائض والحدود والقصص والأحكام. وقال ابن عباس: بين الأمثال والخبر والعبر.

                      وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر قال: قال سفيان: المثاني: البقرة. وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال وبراءة سورة واحدة، قال ابن عباس: ولم يعطهن أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأعطي موسى منهن ثنتين، رواه هشيم عن الحجاج عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جبير عنه. وقال الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أوتي النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطُّوَل، وأوتي موسى عليه السلام ستاً، فلما ألقى الألواح، ارتفع اثنتان، وبقيت أربع، وقال مجاهد: هي السبع الطوال، ويقال: هي القرآن العظيم. وقال خصيف عن زياد بن أبي مريم في قوله تعالى: { سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِي } قال: أعطيتك سبعة أجزاء: آمُرُ، وأَنهى، وأبشر، وأنذر، وأضرب الأمثال، وأعدد النعم، وأنبئك بنبأ القرآن. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (والقول الثاني) أنها الفاتحة، وهي سبع آيات. وروي ذلك عن علي وعمر وابن مسعود وابن عباس، قال ابن عباس: والبسملة هي الآية السابعة، وقد خصكم الله بها، وبه قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن عبيد بن عمير وابن أبي مليكة وشهر بن حوشب والحسن البصري ومجاهد.

                      وقال قتادة: ذكر لنا أنهن فاتحة الكتاب، وأنهن يثنين في كل ركعة مكتوبة، أو تطوع، واختاره ابن جرير، واحتج بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد قدمناها في فضائل سورة الفاتحة في أول التفسير، ولله الحمد، وقد أورد البخاري رحمه الله ههنا حديثين: (أحدهما) قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، فدعاني فلم آته، حتى صليت فأتيته، فقال:
                      " ما منعك أن تأتيني؟ " فقلت: كنت أصلي، فقال: " ألم يقل الله: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ }؟ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ " فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرته فقال: " { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } هي السبع المثاني والقرآن الذي أوتيته " (الثاني) قال: حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم " ، فهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لا ينافي وصف غيرها من السبع الطوال بذلك؛ لما فيها من هذه الصفة، كما لا ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضاً، كما قال تعالى:
                      { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً مَّثَانِيَ }
                      [الزمر: 23] فهو مثاني من وجه، ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضاً، كماأنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فأشار إلى مسجده، والآية نزلت في مسجد قباء، فلا تنافي، فإن ذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة، والله أعلم. وقوله: { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } أي: استغن بماآتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية، ومن ههنا ذهب ابن عيينة إلى تفسير الحديث الصحيح: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " إلى أنه يستغني به عما عداه، وهو تفسير صحيح، ولكن ليس هو المقصود من الحديث كما تقدم في أول التفسير.
                      تفاسير الشيعة
                      * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق
                      ذكر سبحانه ما خصَّ به نبيّه صلى الله عليه وسلم من النعم فقال { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني } وقد تقدّم الكلام فيه وأن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب وهو قول علي (ع) وابن عباس والحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد وقتادة وروي ذلك عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام, وقيل هي السبع الطوال وهي السور السبع من أول القرآن, وإنما سميت مثاني لأنه يثنى فيها الإخبار والعبر عن ابن عباس. في رواية أخرى وابن مسعود وابن عمر والضحاك وقيل المثاني القرآن كله لقوله:
                      { كتاباً متشابهاً مثاني }
                      [الزمر: 23] عن أبي مالك وطاوس وروي نحو ذلك عن ابن عباس ومجاهد.

                      ومن قال هي فاتحة الكتاب اختلفوا في سبب تسميتها مثاني فقيل لأنها تثنى قراءتها في الصلاة عن الحسن وأبي عبد الله (ع) وقيل لأنها تثني بها مع ما يقرأ من القرآن عن الزجاج, وقيل لأن فيها الثناء مرتين وهو الرحمن الرحيم, وقيل لأنها مقسومة بين الله وعبده عل ما روي في الخبر, وقيل لأن نصفها ثناء ونصفها دعاء, وقيل لأنها نزلت مرتين تعظيماً وتشريفاً لها, وقيل لأن حروفها كلها مثناة نحو الرحمن الرحيم إياك وإياك والصراط وصراط, وقيل لأنها تثني أهل الفسق عن الفسق.
                      ومن قال المراد بالمثاني القرآن كله فإن من في قوله من المثاني يكون للتبعيض ومن قال إنها الحمد كان من للتبيين وقال الراجز:
                      نَشَدْتـُـكُـمْ بِمُــــنْزِلِ القُرْآنِ أُمِّ الكِتابِ السَّبْـع مِنْ مَثانِي
                      ثِنْتَيْنِ مـِنْ آيٍ مـِـنَ القــُرْآنِ وَالسَّبْعِ سَبْعِ الطَّوَلِ الدَوانِي
                      { والقرآن العظيم } تقديره وآتيناك القرآن العظيم وصفه بالعظيم لأنه يتضمن جميع ما يحتاج إليه من أمور الدين بأوجز لفظ وأحسن نظم وأتم معنى.
                      * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق
                      هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه آتاه أي أعطاه سبعاً من المثاني، فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: هي السبع الطوال سبع سور من أول القرآن.

                      قال قوم: المثاني التي بعد المئتين قبل المفصل.

                      وفي رواية أخرى عن ابن عباس وابن مسعود: أنها فاتحة الكتاب، وهو قول الحسن وعطاء.

                      وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " السبع المثاني أم القرآن " وهي سبع آيات بلا خلاف في جملتها، وإِنما سميت مثاني، في قول الحسن، لأنها تثنى في كل صلاة وقراءة.

                      وقيل: المثاني السبع الطوال لما يثنى فيها من الحكم المصرفة قال الراجز:
                      نشدتكم بمنزل الفرقان ام الكتاب السبع من مثاني
                      ثنتين من آيٍ من القرآن والسبع سبع الطوّل الدواني
                      وقد وصف الله تعالى القرآن كله بذلك في قوله
                      { الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني }
                      فعلى هذا تكون (من) للتبعيض. ومن قال: انها الحمد قال: (من) بمعنى تبيين الصفة، كقوله
                      { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }
                      وقوله { والقرآن العظيم } تقديره وآتيناك القرآن العظيم سوى الحمد.

                      وقوله { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمّة، نهاهم الله تعالى ان يمدوا أعينهم الى ما متع هؤلاء الكفار به من نعيم الدنيا. ومعنى أزواجاً منهم أمثالاً من النعم { ولا تحزن عليهم } قال الجبائي: معناه لا تحزن لما أنعمت عليهم دونك. وقال الحسن { لا تحزن عليهم } على ما يصيرون اليه من النار بكفرهم.

                      ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ان يخفض جناحه للمؤمنين وهو ان يلين لهم جانبه ويتواضع لهم ويحسن خلقه معهم، وأن يقول لهم { إِني أنا النذير المبين } يعني المخوف من عقاب الله من ارتكب ما يستحق به العقوبة، ومبين لهم ما يجب عليهم العمل به.

                      وقوله { كما أنزلنا على المقتسمين } قال ابن عباس وسعيد بن جبير، والحسن: هؤلاء هم أهل الكتاب اقتسموا القرآن، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وقال قتادة: هم قوم من قريش عضوا كتاب الله. وقال ابن زيد: هم قوم صالح { تقاسموا بالله لنبيتنّه وأهله } وقال الحسن: أنزلنا عليك الكتاب، كما انزلنا على المقتسمين من قبل، قوم اقتسموا طرق مكة ينفرون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إِنه ساحر، وبعضهم يقول هو كاهن، وبعضهم يقول انه مجنون، فأنزل الله بهم عذابا اهلكهم به. وتقديره أنذركم بما أنزل بالمقتسمين. ذكره الفراء.

                      وقوله { الذين جعلوا القرآن عضين } أي جعلوه متفرقاً بالايمان ببعضه والكفر ببعض، فعضوه على هذا السبيل الذي ذمهم الله بها. وقيل جعلوه عضين، بأن قالوا سحر وكهانة - في قول قتادة - واصل عضين عضه منقوصة الواو، مثل عزة وعزين، قال الشاعر:
                      ذاك ديار يأزم المآزما وعضوات تقطع اللهازما
                      وقال آخر:
                      للماء من عضاتهن زمزمه
                      وقال رؤبة:
                      وليس دين الله بالمعضي
                      فالمعنى انهم عضوه أي فرقوه، كما تعضا الشاة والجزور، واصل عضه عضوه فنقصت الواو، ولذلك جمعت عضين بلا واو كما قالوا عزين جمع عزة والأصل عزوة ومثله ثبه وثبون، واصله ثبوة والعضيهة الكذب، فلما نسبوا القرآن الى الكذب وانه ليس من قبل الله فقد عضهوا بذلك.
                      * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق
                      قوله تعالى: { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } السبع المثاني هي سورة الحمد على ما فسّر في عدّة من الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام فلا يصغى إلى ما ذكره بعضهم: أنها السبع الطوال، وما ذكره بعض آخر أنها الحواميم السبع، وما قيل: إنها سبع صحف من الصحف النازلة على الأنبياء، فلا دليل على شيء منها من لفظ الكتاب ولا من جهة السنّة.

                      وقد كثر اختلافهم في قوله: { من المثاني } من جهة كون " من " للتبعيض أو للتبيين وفي كيفية اشتقاق لفظة المثاني ووجه تسميتها بالمثاني.

                      والذي ينبغي أن يقال - والله أعلم - إن " من " للتبعيض فإنه سبحانه سمّي جميع آيات كتابه مثاني إذ قال:
                      { كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه قلوب الذين يخشون ربهم }
                      [الزمر: 23]، وآيات سورة الحمد من جملتها فهي بعض المثاني لا كلها.

                      والظاهر أن المثاني جمع مثنية اسم مفعول من الثني بمعنى اللوي والعطف والإِعادة قال تعالى:
                      { يثنون صدورهم }
                      [هود: 5]، وسميت الآيات القرآنية مثاني لأن بعضها يوضح حال البعض ويلوى وينعطف عليه كما يشعر به قوله: { كتاباً متشابهاً مثاني } حيث جمع بين كون الكتاب متشابهاً يشبه بعض آياته بعضاً وبين كون آياته مثاني، وفي كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صفة القرآن: { يصدّق بعضه بعضاً } وعن علي عليه السلام فيه: { ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض } أو هي جمع مثنى بمعنى التكرير والإِعادة كناية عن بيان بعض الآيات ببعض.

                      ولعل في ذلك كفاية وغنى عما ذكروه من مختلف المعاني كما في الكشاف وحواشيه والمجمع وروح المعاني وغيرها كقولهم: إنها من التثنية أو الثني بمعنى التكرير والإِعادة سميت آيات القرآن مثاني لتكرّر المعاني فيها، وكقولهم: سميت الفاتحة مثاني لوجوب قراءتها في كل صلاة مرتين أو لأنها تثنى في كل ركعة بما يقرؤ بعدها من القرآن، أو لأن كثيراً من كلماتها مكرَّرة كالرحمان والرحيم وإياك والصراط وعليهم، أو لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة، أو لما فيها من الثناء على الله، أو لأن الله استثناها وادّخرها لهذه الأمة ولم ينزلها على الأمم الماضين كما في الرواية، إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في التفاسير.

                      وفي قوله: { سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } من تعظيم أمر الفاتحة والقرآن ما لا يخفى أما القرآن فلتوصيفه من ساحة العظمة والكبرياء بالعظيم، وأما الفاتحة فلمكان التعبير عنه بالنكرة غير الموصوفة " سبعاً " وفيه من الدلالة على عظمة قدرها وجلالة شأنها ما لا يخفى وقد قوبل بها القرآن العظيم وهي بعضه.
                      مصنف و مدقق * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ)
                      { 87) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } المثاني من التثنية أو الثناءِ.

                      في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم يقول " إنّ الله قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم فأفرد الإمتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بازاءِ القرآن العظيم ".

                      والعياشي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها بسم اللهِ الرحمن الرّحيم إنّما سمّيت المثاني لأنّها تثنَّى في الرّكعتين وعن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عنها فقال فاتحه الكتاب يثنى فيها لقول.

                      وكذا في المجالس عن السّجّاد عليه السلام.

                      وفي المجمع عن عليّ والباقر والصادق عليهم السلام.

                      والقميّ انّها الفاتحة وفي الكافي عن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم " أعطيت السّور الطوال مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإِنجيل وأعطيت المثاني مكان الزّبور ".

                      وفي الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل زاد الله محمّداً صلىَّ الله عليه وآله وسلم السبع الطّوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم.

                      وفي التوحيد والعياشي والقميّ عن الباقر عليه السلام نحن المثاني التي أعطاها الله نبيّنا قال الصدوق (طاب ثراه) قوله نحن المثاني أي نحن الذين قرنَنا النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا وأخبر أمّته أنّا لا نفّرق حتى نرد حوضه.

                      أقول: لعلهم عليهم السلام إنّما عدّوا سبعاً باعتبار أسمائهم فانّها سبعة وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثّناءِ وأن يجعل من التّثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن وأن يجعل كناية عن عددهم الأربعة عشر بأن يجعل نفسه واحداً منهم بالتغاير الإِعتباريّ بين المعطى والمعطى له.

                      { (88) لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } لا تطمح ببصرك طموح راغب { إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْواجاً مِّنْهُمْ } أصنافاً من الكفار فانّه مستحقر في جنب ما أوتيته { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } إن لم يؤمنوا فيتقوّى بهم الإِسلام وأهله { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } وتواضع لمن معك من المؤمنين وارفق بهم وطب نفساً عن إيمان الأغنياء والأقوياء.

                      في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم " من أوتي القرآن فظنّ أنّ أحداً من الناس أوتي أفضل ممّا أوتي فقد عظّم ما حقّر الله وحقّر ما عظّم الله ".

                      والقميّ عنه عليه السلام لمّا نزلت هذه الآية لا تَمُدَّنَّ عينيك قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم " من لم يتعزّ بعزاءِ الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات ومن رمى ببصره ما في يدي غيره كثر همّه ولم يشف غيظه ومن لم يعلم أنّ لله عليه نعمة إلاّ في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن أصبح على الدنيا حزيناً أصبح على الله ساخطاً ومن شكا مصيبة نزلت به فانّما يشكو ربّه ومن دخل النّار من هذه الأمّة ممّن قرأ القرآن فهو ممّن يتّخذ آيات الله هُزواً ومن آتى ذا ميسرة فتخشّع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه وفي المجمع كان رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم لا ينظر إلى ما يستحسنُ من الدنيا ".

                      نورد ان شاء اللع تفسير الامام احمد ع
                      وصي ورسول الامام المهدي محمد بن الحسن ع

                      س/ ما معنى السبع المثاني ؟
                      ج/ قال تعالى (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87) .
                      والمثاني في هذه الآية هي آيات سورة الفاتحة .
                      والمثاني مأخوذة من الثناء أي المدح والحمد فآيات سورة الفاتحة سبع آيات كلها آيات ثناء على الله سبحانه وتعالى ولذا سميت السبع المثاني والرسول (ص) في هذه الحالة هو الثاني المُثني أي المادح والحامد ولو سميتها الحمد يصبح الرسول (ص) هو الحامد أو محمد واحمد والقرآن كله في الفاتحة ولهذا افرد الله منته على الرسول (ص) بالفاتحة المباركة ولما كان القرآن تفصيل للفاتحة اصبح القرآن كله ثناء على الله سبحانه وتعالى عند أهله فصح أن يسمى القرآن كله مثاني قال تعالى (( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23) .
                      والمثاني الناطق هم الأئمة (ع) وهم سبع آيات ثناء على الرسول (ص) في هذه الأرض وفي جميع العوالم تفتخر الملائكة بخدمتهم واتباعهم وضرب أعداء الله بين أيديهم وهم ( علي وفاطمة والحسن والحسين والائمة الثمانية ولد الحسين والقائم المهدي (ع) والائمة من ولد القائم المهدي (ع) وقد ورد عنهم (ع) انهم هم المثاني )) .
                      (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87) .
                      sigpic

                      Comment

                      • GAYSH AL GHADAB
                        مشرف
                        • 13-12-2009
                        • 1797

                        #12
                        رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع


                        الحلقة العاشرة
                        س/ ما معنى السبع المثاني ؟
                        قال تعالى (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87) .

                        تفاسير اهل السنة والجماعة




                        * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
                        { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ }

                        اختلف أهل التأويـل فـي معنى السبع الذي أتـى الله نبـيه صلى الله عليه وسلم من الـمثانـي فقال بعضهم عنـي بـالسبع: السبع السور من أوّل القرآن اللواتـي يُعْرفن بـالطول. وقائلو هذه الـمقالة مختلفون فـي الـمثانـي، فكان بعضهم يقول: الـمثانـي هذه السبع، وإنـما سمين بذلك لأنهن ثُنّـيَ فـيهنّ الأمثالُ والـخبرُ والعِبَر. ذكر من قال ذلك:

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: السبع الطُّولَ.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن سعيد الـجريريّ، عن رجل، عن ابن عمر قال: السبع الطُّوَل.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمَان، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: السبع الطُّوَل.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، مثله.

                        حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن الـحجاج، عن الولـيد بن العيزار، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: هنّ السبع الطُّوَل، ولـم يُعطَهن أحد إلا النبـيّ صلى الله عليه وسلم، وأُعطيَ موسى منهنّ اثنتـين.

                        حدثنا ابن وكيع، وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلـم البَطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: أوتـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم سبعاً من الـمثانـي الطُّوَل، وأوتـي موسى ستًّا، فلـما ألقـى الألواح رُفعت اثنتان وبقـيت أربع.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا علـيّ بن عبد الله بن جعفر، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف. قال إسرائيـل: وذكر السابعة فنسيتها.

                        حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي الطُّوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.

                        حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الآية: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء والـمائدة والأنعام، والأعراف، ويونس، فـيهنّ الفرائض والـحدود.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، بنـحوه.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن ابن أبـي خالد، عن خوّات، عن سعيد بن جبـير، قال: السبع الطُّوَل.
                        حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال أبو بشر: أخبرنا عن سعيد بن جبـير، قال: هنّ السبع الطُّوَل. قال: وقال مـجاهد: هن السبع الطُّول. قال: ويقال: هنّ القرآن العظيـم.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا سعيد، عن جعفر، عن سعيد، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، تُثْنى فـيها الأحكام والفرائض.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح، قال: ثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، قال: هن السبع الطُّوَل.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، يونس. قال: قلت: ما الـمثانـي؟ قال: يثنى فـيهنّ القضاء والقَصص.

                        حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.

                        حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: السبع الطُّوَل.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا أبو خالد القرشي، قال: ثنا سفـيان، عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا أبو خالد، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد ابن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا، عن مـجاهد، قال: هي السبع الطُّوَل.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد بن عبـيد الله، قال: ثنا عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي السبع الطُّوَل.

                        حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ } قال: من القرآن السبع الطُّوَل السبع الأُوَل.

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيـل وابن نـمير، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، قال: هنّ السبع الطُّوَل.

                        حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: السبع الطُّوَل.
                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نـمير، عن سفـيان، عن عبد الله بن عثمان بن خُثَـيـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: هي الأمثال وَالـخَبر والعِبَر.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نـمير، عن إسماعيـل، عن خوّات، عن سعيد بن جبـير، قال: هي السبع الطُّوَل، أعطِيَ موسى ستًّا، وأُعطِيَ مـحمد صلى الله عليه وسلم سبعاً.

                        حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } يعنـي السبع الطُّوَل.

                        وقال آخرون: عنـي بذلك: سبع آيات وقالوا: هن آيات فـاتـحة الكتاب، لأنهنّ سبع إيات. وهم أيضاً مختلفون فـي معنى الـمثانـي، فقال بعضهم: إنـما سمين مثانـي لأنهن يثنـين فـي كلّ ركعة من الصلاة. ذكر من قال ذلك:

                        حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: أخبرنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن أبـي نضرة، قال: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت إلـى عمر حاجة فـي خلافته، فقدمت، الـمدينة لـيلاً، فمثلت بـين أن أتـخذ منزلاً وبـين الـمسجد، فـاخترت الـمسجد منزلاً. فأرقت نشواً من آخر اللـيـل، فإذا إلـى جنبـي رجل يصلـي يقرأ بأمّ الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلـم أعرفه حتـى جَهَر، فإذا هو عُمر، فكانت فـي نفسي، فغدوت علـيه فقلت: يا أمير الـمؤمنـين حاجة مع حاجة قال: هات حاجتك قلت إنـي قدِمت لـيلاً فمثلت بـين أن أتـخذ منزلاً وبـين الـمسجد، فـاخترت الـمسجد، فأرقت نَشْواً من آخر اللـيـل، فإذا إلـى جنبـي رجل يقرأ بأمّ الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلـم أعرفه حتـى جَهَر، فإذا هو أنت، ولـيس كذلك نفعل قِبَلَنا. قال: وكيف تفعلون؟ قال: يقرأ أحدنا أمّ الكتاب، ثم يفتتـح السورة فـيقرؤها. قال: ما لهم يعلَـمُون ولا يعمَلُون؟ ما لهم يعلَـمُون لا يعمَلُون؟ ما لهم يعلَـمُون ولا يعمَلُون؟ وما تبغي عن السبع الـمثانـي وعن التسبـيح صلاة الـخـلق.

                        حدثنـي طُلَـيق بن مـحمد الواسطيّ، قال: أخبرنا يزيد، عن الـجريري، عن أبـي نضرة، عن جابر أو جويبر، عن عُمَر بنـحوه، إلا أنه قال: فقال يقرأ القرآن ما تـيسر أحياناً، ويسبح أحياناً، ما لهم رغبة عن فـاتـحة الكتاب، وما يبتغي بعد الـمثانـي وصلاة الـخـلق التسبـيح.

                        حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ، قال: السبع الـمثانـي: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حفص بن عمر، عن الـحسن بن صالـح وسفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ مثله.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ مثله.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعاً، عن سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ، مثله.
                        حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام، عن ابن سيرين، قال: سئل ابن مسعود عن سبع من الـمثانـي، قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب قال: وقال ابن سيرين عن ابن سيرين عن ابن مسعود: هي فاتحة الكتاب.

                        حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنـي سعيد بن يحيى الأُمَويّ، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبـي، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، أنه قال فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي فـاتـحة الكتاب. فقرأها علـيّ ستًّا، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيـم الآية السابعة. قال سعيد: وقرأها ابن عبـاس علـيّ كما قرأها علـيك، ثم قال الآية السابعة: بسم الله الرحمن الرحيـم، فقال ابن عبـاس: قد أخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم.

                        حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن جريج، أن أبـاه حدّثه، عن سعيد بن جبـير، قال: قال لـي ابن عبـاس: فـاستفتـح ببسم الله الرحمن الرحيـم ثم قرأ فـاتـحة الكتاب، ثم قال: تدري ما هذا؟ { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي }.

                        حدثني مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } يقول: السبع: الـحمد لله رب العالـمين، والقرآن العظيـم. ويقال: هنّ السبع الطول، وهن الـمئون.

                        حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنـي عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا إسحاق، بن سويد، عن يحيى بن يعمر وعن أبـي فـاختة فـي هذه الآية: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآن العَظِيـمَ } قالا: هي أمّ الكتاب.

                        حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن السدي عمن سمع علـيًّا يقول: الـحمد لله ربّ العالـمين، هي السبع الـمثانـي.

                        حدثنا أبو الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت العلاء بن عبد الرحمن، يحدّث عن أبـيه، عن أبـيّ بن كعب، أنه قال: السبع الـمثانـي: الـحمد لله رب العالـمين.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب سبع آيات.
                        قلت للربـيع: إنهم يقولون: السبع الطول. فقال: لقد أنزلت هذه وما أنزل من الطّول شيء.

                        حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، قال: فـاتـحة الكتاب. قال: وإنـما سميت الـمثانـي لأنه يثنى بها كلـما قرأ القرآن قرأها. فقـيـل لأبـي العالـية: إن الضحاك بن مزاحم يقول: هي السبع الطُّوَل. فقال: لقد نزلت هذه السورة سبعاً من الـمثانـي وما أنزل شيء من الطُّوَل.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، قال: ثنا سفـيان، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي جميعاً، عن سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن إبراهيـم، قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن إبراهيـم مثله.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعاً، عن هارون بن أبـي إبراهيـم البربري، عن عبد الله بن عبـيد بن عمير، قال: السبع من المثاني: فاتحة الكتاب.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن ابن جريج، عن أبـي ملـيكة: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب. قال: وذكر فـاتـحة الكتاب لنبـيكم صلى الله عليه وسلم لـم تذكر لنبـيّ قبله.

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن شهر بن حوشب، فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنـي مـحمد بن أبـي خداش، قال: ثنا مـحمد بن عبـيد، قال: ثنا هارون البربري، عن عبد الله بن عبـيد بن عمير اللـيثـي فـي قول الله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: هي الـحمد لله ربّ العالـمين.

                        حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سألت الـحسن، عن قوله تعالـى: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظيـمَ } قال: هي فـاتـحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع، فقرأها: الـحمد لله ربّ العالـمين، حتـى أتـى علـى آخرها، فقال: تثنى فـي كلّ قراءة.

                        حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: فـاتـحة الكتاب.

                        حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآن العَظِيـمَ } ذكر لنا أنهنّ فـاتـحة الكتاب، وأنهن يثنـين فـي كلّ قراءة.

                        حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب تُثْنَى فـي كلّ ركعة مكتوبة وتطوّع.
                        حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا حماد بن زيد وحجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي أبـي عن سعيد بن جبـير، أنه أخبره أنه سأل ابن عبـاس عن السبع الـمثانـي، فقال: أمّ القرآن. قال: سعيد: ثم قرأها، وقرأ منها: بسم الله الرحمن الرحيـم. قال: أبـي: قرأها سعيد كما قرأها ابن عبـاس، وقرأ فـيها بسم الله الرحمن الرحيـم. قال سعيد: قلت لابن عبـاس: فما الـمثانـي؟ قال: هي أم القرآن، استثناها الله لـمـحمد صلى الله عليه وسلم، فرفعها فـي أمّ الكتاب، فذخرها لهم حتـى خرجها لهم، ولـم يعطها لأحد قبله. قال: قلت: لأبـي: أخبرك سعيد أن ابن عبـاس قال له: «بسم الله الرحمن الرحيـم» آية من القرآن؟ قال: نعم. قال ابن جريج: قال عطاء: فـاتـحة الكتاب، وهي سبع بسم الله الرحمن الرحيـم، والـمثانـي: القرآن.

                        حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن عطاء، أنه قال: السبع الـمثانـي: أمّ القرآن.

                        حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد الله العتكي، عن خالد الـحنفـي قاضي مرو فـي قوله: { وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: فـاتـحة الكتاب.

                        وقال آخرون: عُنـي بـالسبع الـمثانـي معانـي القرآن. ذكر من قال ذلك:

                        حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب الشهيد الشهيديّ، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن زياد بن أبـي مريـم، فـي قوله: { سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي } قال: أعطيتك سبعة أجزاء: مُرْ، وانْهَ، وبَشِّرْ، وانذِرْ، واضرب الأمثال، واعدُدِ النعم، وآتـيتك نبأ القرآن.

                        وقال آخرون من الذين قالوا عُنِـي بـالسبع الـمثانـي فـاتـحة الكتاب: الـمثانـي هو القرآن العظيـم. ذكر من قال ذلك:

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيـينة، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن كله مثانـي.

                        حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن كُلُّه مثانـي.

                        حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبـيد أبو زيد، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن مثانـي. وعدّ البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، وبراءة.

                        حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن جريج، عن مـجاهد، وعن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: القرآن كله يُثْنَى.

                        حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قال: الـمثانـي: ما ثنى من القرآن، ألـم تسمع لقول الله تعالـى ذكره:
                        { الله نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـاً مُتَشابِهاً مَثانـي }
                        ؟.

                        حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: الـمثانـي: القرآن، يذكر الله القصة الواحدة مراراً، وهو قوله:
                        { نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـاً مُتَشابِها مَثانِـيَ }
                        وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: عُنـي بـالسبع الـمثانـي السبع اللواتـي هنّ آيات أم الكتاب، لصحة الـخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:

                        حدّثنـيه يزيد بن مخـلد بن خِدَاش الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن العلاء، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمُّ القُرآنِ السَّبْعُ الـمَثانِـي الَّتِـي أُعْطِيتُها "

                        حدثنـي أحمد بن الـمقدام العجلـي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأُبـيّ: " إنّـي أُحِبُّ أنْ أعُلِّـمَكَ سُورةً لَـمْ يَنْزِلْ فِـي التَّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزَّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلُها ". قال: نعم يا رسول الله، قال: " إنّى لاَءَرْجُو أنْ لا تـخْرُج مِنْ هَذَا البـابِ حتـى تَعْلَـمَها ". ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـيدي يحدثنـي، فجعلت أتبـاطأ مخافة أن يبلغ البـابَ قبل أن ينقضي الـحديث فلـما دنوت قلت: يا رسول الله ما السورة التـي وعدتنـي؟ قال: " ما تَقرأُ فـي الصَّلاةِ؟ " فقرأت علـيه أمّ القرآن، فقال: " والَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما أُنْزِل فـي التَّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ ولا فـي الزَّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها، إنَّها السَّبْعُ مِن الـمَثانـي والقُرآنِ العَظِيـمِ الَّذِي أُعْطِيتُهُ ".

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن حبـاب العكلـي، قال: ثنا مالك بن أنـس، قال: أخبرنـي العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولـى لعروة، عن أبـي سعيد مولـى عامر بن فلان، أو ابن فلان، عن أبـيّ بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا افْتَتَـحْت الصَّلاةَ بِـم تَفْتَتِـحُ؟ " قال: الـحمد لله ربّ العالـمين، حتـى ختـمها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هِي السَّبْعُ الـمَثانـي والقُرآنُ العَظِيـمُ الَّذِي أُعْطِيتُ ".

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن عبد الـحميد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، عن أبـيّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أُعَلِّـمُك سُورةً ما أُنْزِل فـي التَّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ وَلاَ فـي الزَّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها؟ " قلت: بلـى. قال: " إنّى لأَرْجُو أنْ لا تَـخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ البـابِ حتـى تَعْلَـمُها " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه، فجعل يحدثنـي ويده فـي يدي، فجعلت أتبـاطأ كراهية أن يخرج قبل أن يخبرنـي بها فلـما قرب من البـاب قلت: يا رسول الله السورة التـي وعدتنـي قال
                        " كَيْفَ تَقْرأُ إذَا افْتَتَـحْتَ الصَّلاةَ؟ " قال: فقرأ فـاتـحة الكتاب. قال: " هِيَ هِيَ، وَهِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي الَّتِـي قالَ اللّهُ تَعالـى: { وَلَقَدْ آتَـيْناكَ سَبْعاً مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ } الَّذِي أُوتِـيتُ ".

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الـمـحاربـيّ، عن إبراهيـم بن الفضل الـمدنـيّ، عن سعيد الـمقبري، عن أبـي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الرَّكْعَتانِ اللَّتانِ لا يُقْرأُ فِـيهِما كالـخِدَاجِ لَـمْ يُتِـمَّا ". قال رجل: أرأيت إن لـم يكن معي إلاَّ أمّ القرآن؟ قال: " هي حسبك هِيَ أُمُّ القُرآنِ، هِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي ".

                        حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نـمير، عن إبراهيـم بن الفضل، عن الـمقبري، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرَّكْعةُ الَّتِـي لا يُقْرأُ فِـيها كالـخِدَاجِ " قلت لأبـي هريرة: فإن لـم يكن معي إلاَّ أمّ القرآن؟ قال: هي حسبك، هي أمّ الكتاب، وأمّ القرآن، والسبع الـمثانـي.

                        حدثنـي أبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخـلد، عن مـحمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ، ما أنْزَلَ اللّهُ فِـي التَّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزَّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلَها " يعنـي أمّ القرآن " وإنَّها لَهِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي الَّتِـي آتانِـي اللّهُ تَعالـى ".

                        حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن أبـي ذئب، عن سعيد الـمقبري، عن أبـي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " هِيَ أُمُّ القُرآنِ، وهِي فـاتـحَةُ الكِتابِ، وهِي السَّبْعُ الـمَثانـي ".

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا يزيد بن هارون وشبـابة، قالا: أخبرنا ابن أبـي ذئب، عن الـمقبريّ، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي فـاتـحة الكتاب قال: " هِي فـاتِـحَةُ الكِتابِ وهِي السَّبْعُ الـمَثانـي والقُرآنُ العَظِيـمُ ".

                        حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عفـان، قال: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيـم، قال: ثنا العلاء، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى أبـيّ بن كعب فقال: " أتُـحِبُّ أنْ أُعَلِّـمَكَ سُورةً لَـمْ يَنْزِلْ فـي التَّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ ولا فـي الزَّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها؟ " قلت: نعم يا رسول الله، قال: " فَكَيْف تَقْرأُ فـي الصَّلاةِ؟ " فقرأت علـيه أمّ الكتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما أُنْزِلَتْ سُورةٌ فِـي التَّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزَّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلُها، وإنَّها السَّبْعُ الـمَثانِـي والقُرآنُ العَظِيـمُ ".

                        حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا سعيد بن حبـيب، عن حفص بن عاصم، عن أبـي سعيد بن الـمعلـى، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم دعاه وهو يصلـي، فصلـى، ثم أتاه فقال::
                        " ما مَنَعَكَ أنْ تُـجِيبَنِـي؟ " قال: إنـي كنت أصلـي، قال: " ألَـمْ يَقُلِ اللّهُ: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ }؟ " قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاَعَلِّـمَنَّكَ أعْظَمَ سُورَةٍ فِـي القُرآنِ " فكأنه بـينها أو نسي. فقلت: يا رسول الله الذي قلت؟ قال: " الـحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَـمِينَ هِيَ السَّبْعُ الـمَثانِـي والقرآنُ العَظِيـمُ الَّذِي أُوتِـيتُهُ ".

                        فإذ كان الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلنا للذي به استشهدنا، فـالواجب أن تكون الـمثانـي مراداً بها القرآن كله، فـيكون معنى الكلام: ولقد آتـيناك سبع آيات مـما يَثْنـيِ بعض آيه بعضاً. وإذا كان ذلك كذلك كانت الـمثانـي: جمع مَثْناة، وتكون آي القرآن موصوفة بذلك، لأن بعضها يَثْنِـي بعضاً وبعضها يتلو بعضاً بفصول تفصل بـينها، فـيعرف انقضاء الآية وابتداء التـي تلـيها كما وصفها به تعالـى ذكره فقال:
                        { اللّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتَابـاً مُتَشابِها مَثانِـيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْن رَبَّهُمْ }
                        وقد يجوز أن يكون معناها كما قال ابن عبـاس والضحاك ومن قال ذلك إن القرآن إنـما قـيـل له مَثَانى لأن القصص والأخبـار كرّرت فـيه مرّة بعد أخرى. وقد ذكرنا قول الـحسن البصريّ أنها إنـما سميت مَثاني لأنها تُثْنَى فـي كلّ قراءة، وقول ابن عبـاس إنها إنـما سميت مثاني، لأن الله تعالـى ذكره استثناها لـمـحمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبـياء غيره فـادّخرها له.
                        وكان بعض أهل العربـية يزعم أنها سميت مَثَانِـيَ لأن فـيها الرحمن الرحيـم مرّتـين، وأنها تُثْنَى فـي كلّ سورة، يعنـي: بسم الله الرحمن الرحيـم.
                        وأما القول الذي اخترناه فـي تأويـل ذلك، فهو أحد أقوال ابن عبـاس، وهو قول طاوس ومـجاهد وأبـي مالك، وقد ذكرنا ذلك قبل.
                        وأما قوله: { والقُرآنَ العَظِيـمَ } فإن القرآن معطوف علـى السبع، بـمعنى: ولقد آتـيناك سبع آيات من القرآن وغير ذلك من سائر القرآن. كما:
                        حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { والقُرآنَ العَظِيـمَ } قال: سائره: يعنـي سائر القرآن مع السبع من الـمثانـي.

                        حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { والقُرآنَ العَظِيـمَ } يعنـي: الكتاب كله

                        * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق.
                        اختلف العلماء في السبع المثاني؛ فقيل: الفاتحة؛ قاله عليّ بن أبي طالب وأبو هريرة والربيع بن أنس وأبو العالية والحسن وغيرهم، ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة، من حديث أُبَيّ بن كعب وأبي سعيد بن المُعَلَّى. وقد تقدّم في تفسير الفاتحة. وخرّج الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني " قال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا نص، وقد تقدّم في الفاتحة. وقال الشاعر:
                        نشدتكم بمنْزِل القرآن أمِّ الكتاب السبعِ من مثاني
                        وقال ابن عباس: هي السبع الطُّوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال والتوبة معاً؛ إذ ليس بينهما التسمية. روى النَّسائيّ حدّثنا علي بن حُجْر أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل: { سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي } قال: السبع الطُّوَل، وسميت مثاني لأن العبر والأحكام والحدود ثُنّيت فيها. وأنكر قوم هذا وقالوا: أنزلت هذه الآية بمكة، ولم ينزل من الطُّوَل شيء إذ ذاك. وأجيب بأن الله تعالى أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ثم أنزله منها نجوماً، فما أنزله إلى السماء الدنيا فكأنما آتاه محمداً صلى الله عليه وسلم وإن لم ينزل عليه بعد. وممن قال إنها السبع الطول: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد. وقال جرير:
                        جزى الله الفرزدق حين يُمْسِي مُضِيعاً للمفَصّل والمثاني
                        وقيل: المثاني القرآن كله؛ قال الله تعالى: { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } [الزمر: 23]. هذا قول الضحاك وطاوس وأبو مالك، وقاله ابن عباس. وقيل له مثاني لأن الأنباء والقصص ثُنِّيت فيه. وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
                        فقد كان نوراً ساطعاً يهتدى به يُخَصُّ بتنزيل المثاني المعظم
                        أي القرآن. وقيل: المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن من الأمر والنهي والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعديد نِعَم وأنباء قرون؛ قاله زياد بن أبي مريم. والصحيح الأوّل لأنه نصّ. وقد قدمنا في الفاتحة أنه ليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من تسمية غيرها بذلك؛ إلا أنه إذا ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وثبت عنه نص في شيء لا يحتمل التأويل كان الوقوف عنده.

                        قوله تعالى: { وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } فيه إضمار تقديره: وهو أن الفاتحة القرآن العظيم لاشتمالها على ما يتعلق بأصول الإسلام. وقد تقدّم في الفاتحة. وقيل: الواو مقحمة، التقدير: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني القرآن العظِيم. ومنه قول الشاعر:
                        إلى المَلِك الْقَرم وابن الهمام وليثِ الكَتِيبةِ في المُزْدَحم
                        وقد تقدّم عند قوله:
                        { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ }
                        [البقرة: 238].

                        * تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
                        يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرنّ إلى الدنيا، وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه، فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزناً عليهم في تكذيبهم لك ومخالفتهم دينك،
                        { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }
                        [الشعراء: 215] أي: ألن لهم جانبك؛ كقوله:
                        { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
                        [التوبة: 128] وقد اختلف في السبع المثاني ما هي؟ فقال ابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم: هي السبع الطوال، يعنون: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، نص عليه ابن عباس وسعيد بن جبير، وقال سعيد: بين فيهن الفرائض والحدود والقصص والأحكام. وقال ابن عباس: بين الأمثال والخبر والعبر.

                        وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر قال: قال سفيان: المثاني: البقرة. وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال وبراءة سورة واحدة، قال ابن عباس: ولم يعطهن أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأعطي موسى منهن ثنتين، رواه هشيم عن الحجاج عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جبير عنه. وقال الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أوتي النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطُّوَل، وأوتي موسى عليه السلام ستاً، فلما ألقى الألواح، ارتفع اثنتان، وبقيت أربع، وقال مجاهد: هي السبع الطوال، ويقال: هي القرآن العظيم. وقال خصيف عن زياد بن أبي مريم في قوله تعالى: { سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِي } قال: أعطيتك سبعة أجزاء: آمُرُ، وأَنهى، وأبشر، وأنذر، وأضرب الأمثال، وأعدد النعم، وأنبئك بنبأ القرآن. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (والقول الثاني) أنها الفاتحة، وهي سبع آيات. وروي ذلك عن علي وعمر وابن مسعود وابن عباس، قال ابن عباس: والبسملة هي الآية السابعة، وقد خصكم الله بها، وبه قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن عبيد بن عمير وابن أبي مليكة وشهر بن حوشب والحسن البصري ومجاهد.

                        وقال قتادة: ذكر لنا أنهن فاتحة الكتاب، وأنهن يثنين في كل ركعة مكتوبة، أو تطوع، واختاره ابن جرير، واحتج بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد قدمناها في فضائل سورة الفاتحة في أول التفسير، ولله الحمد، وقد أورد البخاري رحمه الله ههنا حديثين: (أحدهما) قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، فدعاني فلم آته، حتى صليت فأتيته، فقال:
                        " ما منعك أن تأتيني؟ " فقلت: كنت أصلي، فقال: " ألم يقل الله: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ }؟ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ " فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرته فقال: " { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } هي السبع المثاني والقرآن الذي أوتيته " (الثاني) قال: حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم " ، فهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لا ينافي وصف غيرها من السبع الطوال بذلك؛ لما فيها من هذه الصفة، كما لا ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضاً، كما قال تعالى:
                        { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً مَّثَانِيَ }
                        [الزمر: 23] فهو مثاني من وجه، ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضاً، كماأنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فأشار إلى مسجده، والآية نزلت في مسجد قباء، فلا تنافي، فإن ذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة، والله أعلم. وقوله: { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } أي: استغن بماآتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية، ومن ههنا ذهب ابن عيينة إلى تفسير الحديث الصحيح: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " إلى أنه يستغني به عما عداه، وهو تفسير صحيح، ولكن ليس هو المقصود من الحديث كما تقدم في أول التفسير.
                        تفاسير الشيعة
                        * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق
                        ذكر سبحانه ما خصَّ به نبيّه صلى الله عليه وسلم من النعم فقال { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني } وقد تقدّم الكلام فيه وأن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب وهو قول علي (ع) وابن عباس والحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد وقتادة وروي ذلك عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام, وقيل هي السبع الطوال وهي السور السبع من أول القرآن, وإنما سميت مثاني لأنه يثنى فيها الإخبار والعبر عن ابن عباس. في رواية أخرى وابن مسعود وابن عمر والضحاك وقيل المثاني القرآن كله لقوله:
                        { كتاباً متشابهاً مثاني }
                        [الزمر: 23] عن أبي مالك وطاوس وروي نحو ذلك عن ابن عباس ومجاهد.

                        ومن قال هي فاتحة الكتاب اختلفوا في سبب تسميتها مثاني فقيل لأنها تثنى قراءتها في الصلاة عن الحسن وأبي عبد الله (ع) وقيل لأنها تثني بها مع ما يقرأ من القرآن عن الزجاج, وقيل لأن فيها الثناء مرتين وهو الرحمن الرحيم, وقيل لأنها مقسومة بين الله وعبده عل ما روي في الخبر, وقيل لأن نصفها ثناء ونصفها دعاء, وقيل لأنها نزلت مرتين تعظيماً وتشريفاً لها, وقيل لأن حروفها كلها مثناة نحو الرحمن الرحيم إياك وإياك والصراط وصراط, وقيل لأنها تثني أهل الفسق عن الفسق.
                        ومن قال المراد بالمثاني القرآن كله فإن من في قوله من المثاني يكون للتبعيض ومن قال إنها الحمد كان من للتبيين وقال الراجز:
                        نَشَدْتـُـكُـمْ بِمُــــنْزِلِ القُرْآنِ أُمِّ الكِتابِ السَّبْـع مِنْ مَثانِي
                        ثِنْتَيْنِ مـِنْ آيٍ مـِـنَ القــُرْآنِ وَالسَّبْعِ سَبْعِ الطَّوَلِ الدَوانِي
                        { والقرآن العظيم } تقديره وآتيناك القرآن العظيم وصفه بالعظيم لأنه يتضمن جميع ما يحتاج إليه من أمور الدين بأوجز لفظ وأحسن نظم وأتم معنى.
                        * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق
                        هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه آتاه أي أعطاه سبعاً من المثاني، فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: هي السبع الطوال سبع سور من أول القرآن.

                        قال قوم: المثاني التي بعد المئتين قبل المفصل.

                        وفي رواية أخرى عن ابن عباس وابن مسعود: أنها فاتحة الكتاب، وهو قول الحسن وعطاء.

                        وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " السبع المثاني أم القرآن " وهي سبع آيات بلا خلاف في جملتها، وإِنما سميت مثاني، في قول الحسن، لأنها تثنى في كل صلاة وقراءة.

                        وقيل: المثاني السبع الطوال لما يثنى فيها من الحكم المصرفة قال الراجز:
                        نشدتكم بمنزل الفرقان ام الكتاب السبع من مثاني
                        ثنتين من آيٍ من القرآن والسبع سبع الطوّل الدواني
                        وقد وصف الله تعالى القرآن كله بذلك في قوله
                        { الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني }
                        فعلى هذا تكون (من) للتبعيض. ومن قال: انها الحمد قال: (من) بمعنى تبيين الصفة، كقوله
                        { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }
                        وقوله { والقرآن العظيم } تقديره وآتيناك القرآن العظيم سوى الحمد.

                        وقوله { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمّة، نهاهم الله تعالى ان يمدوا أعينهم الى ما متع هؤلاء الكفار به من نعيم الدنيا. ومعنى أزواجاً منهم أمثالاً من النعم { ولا تحزن عليهم } قال الجبائي: معناه لا تحزن لما أنعمت عليهم دونك. وقال الحسن { لا تحزن عليهم } على ما يصيرون اليه من النار بكفرهم.

                        ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ان يخفض جناحه للمؤمنين وهو ان يلين لهم جانبه ويتواضع لهم ويحسن خلقه معهم، وأن يقول لهم { إِني أنا النذير المبين } يعني المخوف من عقاب الله من ارتكب ما يستحق به العقوبة، ومبين لهم ما يجب عليهم العمل به.

                        وقوله { كما أنزلنا على المقتسمين } قال ابن عباس وسعيد بن جبير، والحسن: هؤلاء هم أهل الكتاب اقتسموا القرآن، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وقال قتادة: هم قوم من قريش عضوا كتاب الله. وقال ابن زيد: هم قوم صالح { تقاسموا بالله لنبيتنّه وأهله } وقال الحسن: أنزلنا عليك الكتاب، كما انزلنا على المقتسمين من قبل، قوم اقتسموا طرق مكة ينفرون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إِنه ساحر، وبعضهم يقول هو كاهن، وبعضهم يقول انه مجنون، فأنزل الله بهم عذابا اهلكهم به. وتقديره أنذركم بما أنزل بالمقتسمين. ذكره الفراء.

                        وقوله { الذين جعلوا القرآن عضين } أي جعلوه متفرقاً بالايمان ببعضه والكفر ببعض، فعضوه على هذا السبيل الذي ذمهم الله بها. وقيل جعلوه عضين، بأن قالوا سحر وكهانة - في قول قتادة - واصل عضين عضه منقوصة الواو، مثل عزة وعزين، قال الشاعر:
                        ذاك ديار يأزم المآزما وعضوات تقطع اللهازما
                        وقال آخر:
                        للماء من عضاتهن زمزمه
                        وقال رؤبة:
                        وليس دين الله بالمعضي
                        فالمعنى انهم عضوه أي فرقوه، كما تعضا الشاة والجزور، واصل عضه عضوه فنقصت الواو، ولذلك جمعت عضين بلا واو كما قالوا عزين جمع عزة والأصل عزوة ومثله ثبه وثبون، واصله ثبوة والعضيهة الكذب، فلما نسبوا القرآن الى الكذب وانه ليس من قبل الله فقد عضهوا بذلك.
                        * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق
                        قوله تعالى: { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } السبع المثاني هي سورة الحمد على ما فسّر في عدّة من الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام فلا يصغى إلى ما ذكره بعضهم: أنها السبع الطوال، وما ذكره بعض آخر أنها الحواميم السبع، وما قيل: إنها سبع صحف من الصحف النازلة على الأنبياء، فلا دليل على شيء منها من لفظ الكتاب ولا من جهة السنّة.

                        وقد كثر اختلافهم في قوله: { من المثاني } من جهة كون " من " للتبعيض أو للتبيين وفي كيفية اشتقاق لفظة المثاني ووجه تسميتها بالمثاني.

                        والذي ينبغي أن يقال - والله أعلم - إن " من " للتبعيض فإنه سبحانه سمّي جميع آيات كتابه مثاني إذ قال:
                        { كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه قلوب الذين يخشون ربهم }
                        [الزمر: 23]، وآيات سورة الحمد من جملتها فهي بعض المثاني لا كلها.

                        والظاهر أن المثاني جمع مثنية اسم مفعول من الثني بمعنى اللوي والعطف والإِعادة قال تعالى:
                        { يثنون صدورهم }
                        [هود: 5]، وسميت الآيات القرآنية مثاني لأن بعضها يوضح حال البعض ويلوى وينعطف عليه كما يشعر به قوله: { كتاباً متشابهاً مثاني } حيث جمع بين كون الكتاب متشابهاً يشبه بعض آياته بعضاً وبين كون آياته مثاني، وفي كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صفة القرآن: { يصدّق بعضه بعضاً } وعن علي عليه السلام فيه: { ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض } أو هي جمع مثنى بمعنى التكرير والإِعادة كناية عن بيان بعض الآيات ببعض.

                        ولعل في ذلك كفاية وغنى عما ذكروه من مختلف المعاني كما في الكشاف وحواشيه والمجمع وروح المعاني وغيرها كقولهم: إنها من التثنية أو الثني بمعنى التكرير والإِعادة سميت آيات القرآن مثاني لتكرّر المعاني فيها، وكقولهم: سميت الفاتحة مثاني لوجوب قراءتها في كل صلاة مرتين أو لأنها تثنى في كل ركعة بما يقرؤ بعدها من القرآن، أو لأن كثيراً من كلماتها مكرَّرة كالرحمان والرحيم وإياك والصراط وعليهم، أو لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة، أو لما فيها من الثناء على الله، أو لأن الله استثناها وادّخرها لهذه الأمة ولم ينزلها على الأمم الماضين كما في الرواية، إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في التفاسير.

                        وفي قوله: { سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } من تعظيم أمر الفاتحة والقرآن ما لا يخفى أما القرآن فلتوصيفه من ساحة العظمة والكبرياء بالعظيم، وأما الفاتحة فلمكان التعبير عنه بالنكرة غير الموصوفة " سبعاً " وفيه من الدلالة على عظمة قدرها وجلالة شأنها ما لا يخفى وقد قوبل بها القرآن العظيم وهي بعضه.
                        مصنف و مدقق * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ)
                        { 87) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } المثاني من التثنية أو الثناءِ.

                        في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم يقول " إنّ الله قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم فأفرد الإمتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بازاءِ القرآن العظيم ".

                        والعياشي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها بسم اللهِ الرحمن الرّحيم إنّما سمّيت المثاني لأنّها تثنَّى في الرّكعتين وعن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عنها فقال فاتحه الكتاب يثنى فيها لقول.

                        وكذا في المجالس عن السّجّاد عليه السلام.

                        وفي المجمع عن عليّ والباقر والصادق عليهم السلام.

                        والقميّ انّها الفاتحة وفي الكافي عن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم " أعطيت السّور الطوال مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإِنجيل وأعطيت المثاني مكان الزّبور ".

                        وفي الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل زاد الله محمّداً صلىَّ الله عليه وآله وسلم السبع الطّوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم.

                        وفي التوحيد والعياشي والقميّ عن الباقر عليه السلام نحن المثاني التي أعطاها الله نبيّنا قال الصدوق (طاب ثراه) قوله نحن المثاني أي نحن الذين قرنَنا النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا وأخبر أمّته أنّا لا نفّرق حتى نرد حوضه.

                        أقول: لعلهم عليهم السلام إنّما عدّوا سبعاً باعتبار أسمائهم فانّها سبعة وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثّناءِ وأن يجعل من التّثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن وأن يجعل كناية عن عددهم الأربعة عشر بأن يجعل نفسه واحداً منهم بالتغاير الإِعتباريّ بين المعطى والمعطى له.

                        { (88) لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } لا تطمح ببصرك طموح راغب { إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْواجاً مِّنْهُمْ } أصنافاً من الكفار فانّه مستحقر في جنب ما أوتيته { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } إن لم يؤمنوا فيتقوّى بهم الإِسلام وأهله { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } وتواضع لمن معك من المؤمنين وارفق بهم وطب نفساً عن إيمان الأغنياء والأقوياء.

                        في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم " من أوتي القرآن فظنّ أنّ أحداً من الناس أوتي أفضل ممّا أوتي فقد عظّم ما حقّر الله وحقّر ما عظّم الله ".

                        والقميّ عنه عليه السلام لمّا نزلت هذه الآية لا تَمُدَّنَّ عينيك قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم " من لم يتعزّ بعزاءِ الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات ومن رمى ببصره ما في يدي غيره كثر همّه ولم يشف غيظه ومن لم يعلم أنّ لله عليه نعمة إلاّ في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن أصبح على الدنيا حزيناً أصبح على الله ساخطاً ومن شكا مصيبة نزلت به فانّما يشكو ربّه ومن دخل النّار من هذه الأمّة ممّن قرأ القرآن فهو ممّن يتّخذ آيات الله هُزواً ومن آتى ذا ميسرة فتخشّع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه وفي المجمع كان رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم لا ينظر إلى ما يستحسنُ من الدنيا ".

                        نورد ان شاء الله تفسير الامام احمد ع
                        وصي ورسول الامام المهدي محمد بن الحسن ع

                        س/ ما معنى السبع المثاني ؟
                        ج/ قال تعالى (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87) .
                        والمثاني في هذه الآية هي آيات سورة الفاتحة .
                        والمثاني مأخوذة من الثناء أي المدح والحمد فآيات سورة الفاتحة سبع آيات كلها آيات ثناء على الله سبحانه وتعالى ولذا سميت السبع المثاني والرسول (ص) في هذه الحالة هو الثاني المُثني أي المادح والحامد ولو سميتها الحمد يصبح الرسول (ص) هو الحامد أو محمد واحمد والقرآن كله في الفاتحة ولهذا افرد الله منته على الرسول (ص) بالفاتحة المباركة ولما كان القرآن تفصيل للفاتحة اصبح القرآن كله ثناء على الله سبحانه وتعالى عند أهله فصح أن يسمى القرآن كله مثاني قال تعالى (( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23) .
                        والمثاني الناطق هم الأئمة (ع) وهم سبع آيات ثناء على الرسول (ص) في هذه الأرض وفي جميع العوالم تفتخر الملائكة بخدمتهم واتباعهم وضرب أعداء الله بين أيديهم وهم ( علي وفاطمة والحسن والحسين والائمة الثمانية ولد الحسين والقائم المهدي (ع) والائمة من ولد القائم المهدي (ع) وقد ورد عنهم (ع) انهم هم المثاني )) .
                        (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87) .
                        sigpic

                        Comment

                        • GAYSH AL GHADAB
                          مشرف
                          • 13-12-2009
                          • 1797

                          #13
                          رد: حلقات في التفسير المقارن شيعة - سنة - الامام احمد ع

                          الحلقة الحادية عشر
                          سؤال/ 26: ما معنى الآية: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ ( ) ؟ وقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ ( ). وهل هذه الآيات تنفي الشفاعة؟

                          تفاسير العامة
                          * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
                          { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }
                          قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: { وَاتّقُوا يَوْماً لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفَسٍ شَيْئاً }: واتقوا يوماً لا تـجزى فـيه نفس عن نفس شيئاً. وجائز أيضاً أن يكون تأويـله: واتقوا يوماً لا تـجزيه نفس عن نفس شيئاً، كما قال الراجز:
                          قَدْ صَبّحَتْ صَبّحَها السّلامُ بِكَبِدٍ خالَطَها سَنَامُ
                          فِـي ساعَةٍ يُحَبُّها الطّعامُ
                          وهو يعنـي: يحبّ فـيها الطعام، فحذفت الهاء الراجعة علـى «الـيوم»، إذ فـيه اجتزاء بـما ظهر من قوله: { وَاتّقُوا يَوْماً لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ } الدال علـى الـمـحذوف منه عما حذف، إذ كان معلوما معناه.

                          وقد زعم قوم من أهل العربـية أنه لا يجوز أن يكون الـمـحذوف فـي هذا الـموضع إلا الهاء.

                          وقال آخرون: لا يجوز أن يكون الـمـحذوف إلا «فـيه». وقد دللنا فـيـما مضى علـى جواز حذف كل ما دل الظاهر علـيه.

                          وأما الـمعنى فـي قوله: { وَاتّقُوا يَوْماً لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً } فإنه تـحذير من الله تعالـى ذكره عبـاده الذين خاطبهم بهذه الآية عقوبته أن تـحلّ بهم يوم القـيامة، وهو الـيوم الذي لا تـجزي فـيه نفس عن نفس شيئاً، ولا يجزي فـيه والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً.

                          وأما تأويـل قوله: { لا تَـجْزِي نَفْسٌ } فإنه يعنـي: لا تغنـي. كما:

                          حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: { وَاتّقُوا يَوْماً لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ } أما تـجزي: فتغنـي.

                          وأصل الـجزاء فـي كلام العرب: القضاء والتعويض، يقال: جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاء، بـمعنى: قضيته دينه، ومن ذلك قـيـل: جزى الله فلاناً عنـي خيراً أو شرّاً، بـمعنى: أثابه عنـي وقضاه عنـي ما لزمنـي له بفعله الذي سلف منه إلـيّ. وقد قال قوم من أهل العلـم بلغة العرب: يقال: أجزيت عنه كذا: إذا أعنته علـيه، وجزيت عنك فلاناً: إذا كافأته. وقال آخرون منهم: بل جزيت عنك: قضيت عنك، وأجزيت: كفـيت. وقال آخرون منهم: بل هما بـمعنى واحد، يقال: جزت عنك شاة وأجزت، وجزى عنك درهم وأجزى، ولا تَـجْزي عنك شاة ولا تُـجْزي بـمعنى واحد، إلا أنهم ذكروا أن جزت عنك ولا تُـجزي عنك من لغة أهل الـحجاز، وأن أجزأ وتُـجزىء من لغة غيرهم. وزعموا أن تـميـما خاصة من بـين قبـائل العرب تقول: أجزأت عنك شاة، وهي تُـجزىء عنك. وزعم آخرون أن جَزَى بلا همز: قضى، وأجزأ بـالهمز: كافأ. فمعنى الكلام إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئاً ولا تغنـي عنها غِنًى.

                          فإن قال لنا قائل: وما معنى: لا تقضي نفس عن نفس، ولا تغنـي عنها غنى؟ قـيـل: هو أن أحدنا الـيوم ربـما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه وأما فـي الآخرة فإنه فـيـما أتتنا به الأخبـار عنها يسرّ الرجل أن يبرد له علـى ولده أو والده حقّ، وذلك أن قضاء الـحقوق فـي القـيامة من الـحسنات والسيئات.
                          كما:

                          حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن أبـي خالد الدولابـي يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبـي أنـيسة، عن سعيد بن أبـي سعيد الـمقبري، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً كَانَتْ عِنْدَهُ لأخِيهِ مَظْلَـمَةٌ فِـي عِرْضٍ " قال أبو بكر فـي حديثه: " أوْ مالٍ أوْ جاهٍ، فـاسْتَـحَلّهُ قَبْلَ أنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَلَـيْسَ ثَمَّ دِينارٌ وَلا دِرْهَمٌ، فإنْ كانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذُوا مِنْ حَسَناتِهِ، وَإِنْ لَـمْ تَكُنْ لَهُ حَسَناتٌ حَمَلُوا عَلَـيْهِ مِنْ سَيئَاتِهِمْ "

                          حدثنا أبو عثمان الـمقدمي، قال: حدثنا القروي، قال: حدثنا مالك، عن الـمقبري، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، عن النبـي صلى الله عليه وسلم بنـحوه.

                          حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: حدثنا أبو همام الأهوازي، قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد، عن سعيد عن أبـي هريرة، عن النبـي صلى الله عليه وسلم بنـحوه.

                          حدثنا موسى بن سهل الرملـي، قال: حدثنا نعيـم بن حماد، قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عمرو بن أبـي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يَـمُوتَنَّ أحَدُكُمْ وَعَلَـيْهِ دَيْنٌ، فَإنّهُ لَـيْسَ هُنَاكَ دِينارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إنّـمَا يَقْتَسِمُونَ هنَالِكَ الـحَسَناتِ وَالسّيِّئاتِ " وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بـيده يـميناً وشمالاً.

                          حدثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: قال: حدثنا سالـم بن قادم، قال: حدثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى، قال: أخبرنـي الـحارث بن مسلـم، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحو حديث أبـي هريرة.

                          قال أبو جعفر: فذلك معنى قوله جل ثناؤه: { لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً } يعنـي أنها لا تقضي عنها شيئاً لزمها لغيرها لأن القضاء هنالك من الـحسنات والسيئات علـى ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسرّه أن يثبت له علـى ولده أو والده حقّ، فـيأخذه منه ولا يُتـجافـى له عنه؟.

                          وقد زعم بعض نـحويـي البصرة أن معنى قوله: { لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً }: لا تـجزي منها أن تكون مكانها. وهذا قول يشهد ظاهر القرآن علـى فساده، وذلك أنه غير معقول فـي كلام العرب أن يقول القائل: ما أغنـيت عنـي شيئاً، بـمعنى: ما أغنـيت منـي أن تكون مكانـي، بل إذا أرادوا الـخبر عن شيء أنه لا يجزي من شيء، قالوا: لا يجزي هذا من هذا، ولا يستـجيزون أن يقولوا: لا يجزي هذا من هذا شيئاً.
                          فلو كان تأويـل قوله: { لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً } ما قاله من حكينا قوله لقال: { وَاتقُوا يَوْما لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ } كما يقال: لا تـجزي نفس من نفس، ولـم يقل لا تـجزي نفس عن نفس شيئاً: وفـي صحة التنزيـل بقوله: لا تـجزي نفس عن نفس شيئا أوضح الدلالة علـى صحة ما قلنا وفساد قول من ذكرنا قوله فـي ذلك.

                          القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلا تُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـاعَةٌ }.

                          قال أبو جعفر: والشفـاعة مصدر من قول الرجل: شفع لـي فلان إلـى فلان شفـاعة، وهو طلبه إلـيه فـي قضاء حاجته. وإنـما قـيـل للشفـيع شفـيع وشافع لأنه ثنَّى الـمستشفع به، فصار له شَفْعاً، فكان ذو الـحاجة قبل استشفـاعه به فـي حاجته فرداً، فصار صاحبه له فـيها شافعاً، وطلبُه فـيه وفـي حاجته شفـاعة ولذلك سمي الشفـيع فـي الدار وفـي الأرض شفـيعاً لـمصير البـائع به شفعاً.

                          فتأويـل الآية إذا: واتقوا يوماً لا تقضي نفس عن نفس حقاً لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره، ولا يقبل الله منها شفـاعة شافع، فـيترك لها ما لزمها من حق. وقـيـل: إن الله عزّ وجلّ خاطب أهل هذه الآية بـما خاطبهم به فـيها لأنهم كانوا من يهود بنـي إسرائيـل، وكانوا يقولون: نـحن أبناء الله وأحبـاؤه وأولاد أنبـيائه، وسيشفع لنا عنده آبـاؤنا. فأخبرهم الله جل وعزّ أن نفساً لا تـجزي عن نفس شيئاً فـي القـيامة، ولا يقبل منها شفـاعة أحد فـيها حتـى يُستوفـى لكل ذي حقّ منها حقه. كما:

                          حدثنـي عبـاس ابن أبـي طالب، قال: حدثنا حجاج بن نصير، عن شعبة، عن العوام بن مزاحم رجل من قـيس بن ثعلبة، عن أبـي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفـان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الـجَمّاءَ لَتَقْتَصُّ مِنَ القَرْناءِ يَوْمَ القِـيَامَةِ، كَما قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَنَضَعُ الـمَوَازِينَ القِسْطَ لِـيَوْمِ القِـيَامَةِ فَلا تُظْلَـمُ نَفْسٌ شَيْئاً } الآية... "

                          فآيسهم الله جل ذكره مـما كانوا أطمعوا فـيه أنفسهم من النـجاة من عذاب الله مع تكذيبهم بـما عرفوا من الـحقّ وخلافهم أمر الله فـي اتبـاع مـحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده بشفـاعة آبـائهم وغيرهم من الناس كلهم، وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إلـيه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سنّ فـيهم من ذلك إماماً لكل من كان علـى مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلـحاد فـي رحمة الله.

                          وهذه الآية وإن كان مخرجها عاماً فـي التلاوة، فإن الـمراد بها خاص فـي التأويـل لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شَفَـاعَتِـي لأَهْلِ الكَبَـائِرِ مِنْ أُمّتـي " وأنه قال: " لَـيْسَ مِنْ نبِـيّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ دَعْوَةً، وَإِنّـي إخَتبَأتُ دَعْوَتِـي شَفَـاعَةً لامَّتـي، وَهِيَ نائلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ لا يُشْرِكُ بـاللَّهِ شَيْئاً "
                          فقد تبـين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعبـاده الـمؤمنـين بشفـاعة نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثـير من عقوبة إجرامهم بـينه وبـينهم، وأن قوله: { وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـاعَةٌ } إنـما هي لـمن مات علـى كفره غير تائب إلـى الله عزّ وجلّ. ولـيس هذا من مواضع الإطالة فـي القول فـي الشفـاعة والوعد والوعيد، فنستقصي الـحِجَاجَ فـي ذلك، وسنأتـي علـى ما فـيه الكفـاية فـي مواضعه إن شاء الله تعالـى.

                          القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ }.

                          قال أبو جعفر: والعدل فـي كلام العرب بفتـح العين: الفدية. كما:

                          حدثنا به الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال: يعنـي فداء.

                          وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر عن السدي: { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أما عدل فـيعدلها من العدل، يقول: لو جاءت بـملء الأرض ذهبـاً تفتدي به ما تقبل منها.

                          حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة فـي قوله: { ولا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ } قال: لو جاءت بكل شيء لـم يقبل منها.

                          حدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا حسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: قال ابن عبـاس: { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال: بدل، والبدل: الفدية.

                          حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال: لو أن لها ملء الأرض ذهبـاً لـم يقبل منها فداء قال: ولو جاءت بكل شيء لـم يقبل منها.

                          وحدثنـي نـجيح بن إبراهيـم، قال: حدثنا علـيّ بن حكيـم، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن عمرو بن قـيس الـملائي، عن رجل من بنـي أمية من أهل الشام أحسن علـيه الثناء، قال: قـيـل يا رسول الله ما العدل؟ قال: " العَدْلُ: الفِدْيَةُ "

                          وإنـما قـيـل للفدية من الشيء والبدل منه عدل، لـمعادلته إياه وهو من غير جنسه ومصيره له مثلاً من وجه الـجزاء، لا من وجه الـمشابهة فـي الصورة والـخـلقة، كما قال جل ثناؤه: وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا بـمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها، يقال منه: هذا عَدْله وعَدِيـله. وأما العِدْل بكسر العين، فهو مثل الـحمل الـمـحمول علـى الظهر، يقال من ذلك: عندي غلام عِدْل غلامك، وشاة عِدْل شاتك بكسر العين، إذا كان غلام يعدل غلاما، وشاة تعدل شاة، وكذلك ذلك فـي كل مثل للشيء من جنسه. فإذا أريد أن عنده قـيـمته من غير جنسه نصبت العين فقـيـل: عندي عَدْل شاتك من الدراهم.

                          مصنف و مدقق * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)
                          قوله تعالى: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } أمْرٌ معناه الوعيد؛ وقد مضى الكلام في التقوى. { يَوْماً } يريد عذابه وهَوْله، وهو يوم القيامة. وٱنتصب على المفعول بـ { وَٱتَّقُواْ }. ويجوز في غير القرآن يوم لا تجزى، على الإضافة. وفي الكلام حذف بين النحويين فيه ٱختلاف. قال البصريون: التقدير يوماً لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئاً، ثم حذف فيه؛ كما قال:
                          ويوماً شهدناه سُليماً وعامراً
                          أي شهدنا فيه. وقال الكسائي: هذا خطأ لا يجوز حذف «فيه» ولكن التقدير: وٱتقوا يوماً لا تجزيه نفس، ثم حذف الهاء. وإنما يجوز حذف الهاء لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها. قال: لا يجوز أن تقول: هذا رجلاً قصدت، ولا رأيت رجلاً أرغب؛ وأنت تريد قصدت إليه وأرغب فيه. قال: ولو جاز ذلك لجاز: الذي تكلمت زيد؛ بمعنى تكلمت فيه زيد. وقال الفَرّاء: يجوز أن تحذف الهاء وفيه. وحكى المهدويّ أن الوجهين جائزان عند سيبويه والأخفش والزجاج.

                          ومعنى { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً }: أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى ولا تدفع عنها شيئاً؛ تقول: جَزَى عنّي هذا الأمر يَجْزِي؛ كما تقول: قَضَى عني. وٱجتزأت بالشيء ٱجتزاء إذا ٱكتفيت به؛ قال الشاعر:
                          فإنّ الغدر في الأقوام عارٌ وأن الحرّ يَجزأ بالكُراع
                          أي يكتفي بها. " وفي حديث عمر: «إذا أجريت الماء على الماء جَزَى عنك» " يريد إذا صببت الماء على البول في الأرض فجرى عليه طهر المكان، ولا حاجة بك إلى غسل ذلك الموضع وتنشيف الماء بخرقة أو غيرها كما يفعل كثير من الناس. وفي صحيح الحديث " عن أبي بُردة بن نِيار في الأُضْحِيّة: «لن تَجزِيَ عن أحد بعدك» " أي لن تغني. فمعنى لا تجزي: لا تقضي ولا تغني ولا تكفي إن لم يكن عليها شيء؛ فإن كان فإنها تجزي وتقضي وتغني، بغير ٱختيارها من حسناتها ما عليها من الحقوق؛ كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت عنده مَظلِمة لأخيه من عِرْضه أو شيءٌ فليتحلّله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بقدر مظلِمته وإن لم يكن له حسنات أُخِذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه " خرّجه البخاري. ومثله حديثه الآخر: في المُفْلِس، وقد ذكرناه في التذكرة خرّجه مسلم. وقرىء «تُجزِىء» بضم التاء والهمز. ويقال: جَزَى وأجزى بمعنًى واحد. وقد فرّق بينهما قوم فقالوا: جَزَى بمعنى قضى وكافأ. وأجزى بمعنى أغنى وكفى. أجزأني الشيء يجزئني أي كفاني؛ قال الشاعر:
                          وأجزأتَ أمر العالمين ولم يكن ليجزىء إلا كاملٌ وٱبنُ كامل
                          الثالثة: قوله تعالى: { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } الشفاعة مأخوذة من الشَّفع وهما الاثنان؛ تقول: كان وَتْراً فشفَعتُه شَفْعاً؛ والشُّفْعة منه؛ لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك. والشفيع: صاحب الشُّفْعة وصاحب الشفاعة. وناقة شافع: إذا ٱجتمع لها حَمْل وولد يتبعها؛ تقول منه: شَفعتِ الناقة شَفْعاً. وناقة شَفُوع وهي التي تجمع بين مَحْلَبين في حَلْبة واحدة. وٱستشفعته إلى فلان: سألته أن يشفع لي إليه. وتشفّعت إليه في فلان فَشفّعني فيه؛ فالشفاعة إذاً ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك؛ فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفَّع، وإيصال منفعته للمشفوع.

                          الرابعة: مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق؛ وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب. والأخبار متظاهرة بأن من كان من العصاة المذنبين الموحّدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيّين والشهداء والصالحين. وقد تمسّك القاضي عليهم في الردّ بشيئين: أحدهما: الأخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى. والثاني: الإجماع من السلف على تلقّي هذه الأخبار بالقبول؛ ولم يَبْدُ من أحد منهم في عصر من الأعصار نكير؛ فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد دين المعتزلة.

                          فإن قالوا: قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب ردّ هذه الأخبار؛ مثل قوله:
                          { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ }
                          [غافر: 18]. قالوا: وأصحاب الكبائر ظالمون. وقال:
                          { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ }
                          [النساء: 123]،
                          { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَة }
                          [البقرة: 48]. قلنا: ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم، والعموم لا صيغة له؛ فلا تعمّ هذه الآيات كل مَن يعمل سوءاً وكل نفس، وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك. وأيضاً فإن الله تعالى أثبت شفاعةً لأقوام ونفاها عن أقوام؛ فقال في صفة الكافرين:
                          { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ }
                          [المدثر: 48] وقال:
                          { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ }
                          [الأنبياء: 28] وقال:
                          { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }
                          [سبأ: 23]. فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين. وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى:
                          { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ }
                          [البقرة: 48] النفسُ الكافرة لا كل نفس. ونحن وإن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول: إنهم مخلَّدون فيها بدليل الأخبار التي رويناها، وبدليل قوله:
                          { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ }
                          [النساء: 48]، وقوله:
                          { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ }
                          [يوسف: 12].

                          فإن قالوا: فقد قال تعالى:
                          { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ }
                          [الأنبياء: 28] والفاسق غير مُرْتَضًى. قلنا: لم يقل لمن لا يرضى، وإنما قال: { لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } ومن ٱرتضاه الله للشفاعة هم الموحّدون؛ بدليل قوله:
                          { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }
                          [مريم: 87]. " وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما عهد الله مع خلقه؟ قال: «أن يؤمنوا ولا يشركوا به شيئاً» "
                          وقال المفسرون: إلا من قال لا إلٰه إلا الله.

                          فإن قالوا: المرتَضَى هو التائب الذي ٱتخذ عند الله عهداً بالإنابة إليه، بدليل أن الملائكة ٱستغفروا لهم؛ وقال:
                          { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ }
                          [غافر: 7]. وكذلك شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما هي لأهل التوبة دون أهل الكبائر. قلنا: عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة، فإذا قبل الله توبة المذنب فلا يحتاج إلى الشفاعة ولا إلى الاستغفار. وأجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله:
                          { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ }
                          [غافر: 7] أي من الشرك
                          { وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ }
                          [غافر: 7] أي سبيل المؤمنين. سألوا الله تعالى أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم؛ كما قال تعالى:
                          { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ }
                          [النساء: 48 و 116].

                          فإن قالوا: جميع الأمة يرغبون في شفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلو كانت لأهل الكبائر خاصّة بطل سؤالهم.

                          قلنا: إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول ويرغب إلى اللَّه في أن تناله؛ لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب ولا قائم لله سبحانه بكل ما ٱفترض عليه؛ بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة؛ وقال صلى الله عليه وسلم: " لا ينجو أحد إلا برحمة الله تعالى ـ فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ ـ فقال: ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته ". الخامسة: قوله تعالى: { وَلاَ يُقْبَلُ } قرأ ٱبن كَثير وأبو عمرو «تُقبل» بالتاء؛ لأن الشفاعة مؤنثة. وقرأ الباقون بالياء على التذكير؛ لأنها بمعنى الشفيع. وقال الأخفش: حَسُن التذكير، لأنك قد فرّقت؛ كما تقدّم في قوله:
                          { فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ }
                          [البقرة: 37].

                          السادسة: قوله تعالى: { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي فِداء. والعدل (بفتح العين): الفِداء، و (بكسرها): المِثْل؛ يقال: عِدْل وعَدِيل للذي يماثلك في الوزن والقدر. ويقال: عَدْلُ الشيء هو الذي يساويه قيمةً وقدراً وإن لم يكن من جنسه. والعِدل (بالكسر): هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جِرْمه. وحكى الطبريّ: أن من العرب من يكسر العين من معنى الفِدية. فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غير.

                          قوله تعالى: { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي يعانون. والنّصْر: العَوْن. والأنصار: الأعوان؛ ومنه قوله: «مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ» أي من يضم نُصرته إلى نصرتي. وٱنتصر الرجل: ٱنتقم. والنصر: الإتيان؛ يقال: نصرتُ أرضَ بني فلان: أتيتها؛ قال الشاعر:
                          إذا دخل الشهرُ الحرامُ فوَدِّعِي بلادَ تميم وٱنْصُرِي أرضَ عامِرِ
                          والنصر: المطر؛ يقال: نُصِرَت الأرض: مُطِرت. والنصر العطاء؛ قال:
                          إني وأَسْطارٍ سُطِرن سطرَا لقائلٌ يا نصرُ نصراً نصرَا
                          وكان سبب هذه الآية فيما ذكروا أن بني إسرائيل قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا؛ فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعات ولا يؤخذ فيه فِدْية. وإنما خص الشفاعة والفِدية والنصر بالذكر؛ لأنها هي المعاني التي ٱعتادها بنو آدم في الدنيا؛ فإن الواقع في الشدّة لا يتخلص إلا بأن يُشفع له أو يُنصر أو يُفتدى.

                          تفاسير الشيعة

                          * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ)

                          القراءة: قرأ أهل مكة والبصرة لا تقبل بالتاء والباقون بالياء.

                          الحجة: فمن قرأ بالتاء لحق علامة التأنيث لتؤذن بأن الاسم الذي أسند إليه الفعل وهو الشفاعة مؤنث ومن قرأ بالياء فلأن التأنيث في الاسم ليس بحقيقي فحمل على المعنى فَذُكِّر لأن الشفاعة والتشفع بمنزلة كما أن الوعظ والموعظة والصيحة والصوت كذلك وقد قال تعالى:
                          { فمن جاءه موعظة }
                          [البقرة: 275]
                          { وأخذ الذين ظلموا الصيحة }
                          [هود: 57] ويقوّي التذكير أيضاً أنه فصل بين الفعل والفاعل بقولـه منها التذكير يحسن مع الفصل كما يقال في التأنيث الحقيقي حضر القاضي اليوم امرأةٌ.

                          اللغة: الجزاء والمكافأة والمقابلة نظائر يقال جزى يجزي جزاء وجازاه مجازاة وفلان ذو جزاء أي ذو غناء فكان قولـه: { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } أي لا تقابل مكروهها بشيء يدرأه عنها ومنه الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بردة في الجذعة التي أمره أن يضحي بها: " ولا تجزي عن أحد بعدك " وقال: " البقرة تجزي عن سبعة " أي تقضي وتكفي.

                          قال أبو عبيدة: هو مأخوذ من قولك جزى عني هذا الأمر فأما قولـهم أجزأني الشيء أي كفاني فمهموز وقبول الشيء هو تلقيه والأخذ به خلاف الإعراض عنه ومن ثم قيل لِتِجاه الشيء وقبالته وقالوا أقبلت المكواة الداء أي جعلتها قبالته قال وأقبلتُ أفواهَ العروق المكاويا والقبول والانقياد والطاعة والإجابة نظائر ونقيضه الامتناع والشفاعة مأخوذة من الشفع فكأنه سؤال من الشفيع يشفع سؤال المشفوع له, والشفاعة والوسيلة والقربة والوصلة نظائر, والشفعة في الدار وغيرها معروفة وإنما سميت شفعة لأن صاحبها يشفّع ماله بها ويضمها إلى ملكه والعدل, والحق والإنصاف نظائر ونقيض العدل الجور والعدل المرضي من الناس الذكر والأنثى والجمع الواحد فيه سواء والعدل الفدية في الآية, والفرق بين العِدل والعَدل أن العِدل هو مثل الشيء من جنسه والعَدل هو بدل الشيء وقد يكون من غير جنسه قال سبحانه:
                          { أو عدل ذلك صياماً }
                          [المائدة: 95] والنصرة والمعونة والتقوية نظائر وفي الحديث: " أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " أي امنعه من الظلم إن كان ظالماً وامنع عنه الظلم إن كان مظلوماً وأنصار الرجل أعوانه ونصرتِ السماء إذا أمطرت.

                          الإعراب: يوماً انتصابه انتصاب المفعول لا انتصاب الظروف لأن معناه اتقوا هذا اليوم واحذروه وليس معناه اتقوا في هذا اليوم لأن ذلك اليوم لا يؤمر فيه بالاتقاء وإنما يؤمر في غيره من أجله, وموضع لا تجزي نصب لأنه صفة يوم والعائد إلى الموصوف فيه اختلاف ذهب سيبويه إلى أن فيه محذوف من الكلام أي لا يجزي فيه وقال آخرون لا يجوز إضمار فيه لأنك لا تقول هذا رجل قصدت أو رغبت وأنت تريد إليه أو فيه فهو محمول على المفعول على السعة كأنه قيل واتقوا يوماً لا تجزيه ثم حذف الهاء كما يقال رأيت رجلاً أُحِبّ أي أُحبّه وهو قول السراج.
                          قال أبو علي: حذف الهاء من الصفة كما يحذف من الصلة لما بينهما من المشابهة فإن الصفة تخصص الموصوف كما أن الصلة تخصص الموصول ولا يعمل في الموصوف ولا يتسلط عليه كما لا يعمل الصلة في الموصول ومرتبتها أن تكون بعد الموصوف كما أن مرتبة الصلة أن تكون بعد الموصول وقد يلزم الصفة في أماكن كما يلزم الصلة وذلك إذا لم يعرف الموصوف إلا بها ولا تعمل الصلة فيما قبل الموصول كما لا تعمل الصفة فيما قبل الموصوف فإذا كان كذلك حسن الحذف من الصفة كما يحسن من الصلة في نحو قولـه:
                          { أهذا الذي بعث الله رسولاً }
                          [الفرقان: 40].

                          وقال الأخفش: شيئاً في موضع المصدر كأنه قال لا تجزي جزاء ولا تغني غناء وقال الرماني: الأقرب أن يكون شيئاً في موضع حقاً كأنه قال لا يؤدي عنها حقاً وجب عليها وقولـه لا يقبل منها شفاعة موضع هذه الجملة نصب بالعطف على الجملة التي هي وصف قبلها ومن ذهب إلى أنه حذف الجار وأوصل الفعل إلى المفعول ثم حذف الراجع من الصفة كان مذهبه في لا يقبل أيضاً مثله فمما حذف منه الراجع إلى الصفة قول الشاعر:
                          وما شيءٌ حَمَيْتَ بمُسْتباح
                          والضمير في منها عائد إلى نفس على اللفظ وفي قولـه ولا هم ينصرون على المعنى لأنه ليس المراد به المفرد فلذلك جمع.

                          المعنى: لما بيّن سبحانه نعمه العظام عليهم أنذرهم في كفرانها بيوم القيامة فقال { واتقوا } أي احذروا واخشوا { يوماً لا تجزي } أي لا تغني أو لا تقضي فيه { نفس عن نفس شيئاً } ولا تدفع عنها مكروهاً وقيل لا يؤدي أحد عن أحد حقاً وجب عليه لله أو لغيره وإنما نكّر النفس ليبين أن كل نفس فهذا حكمها وهذا مثل قولـه سبحانه
                          { واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً }
                          [لقمان: 33] وقولـه: { ولا يقبل منها شفاعة } قال المفسرون حكم هذه الآية مختص باليهود لأنهم قالوا نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا فأيأسهم الله عن ذلك فخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص ويدل على ذلك أن الأمة اجتمعت على أن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعة مقبولة وإن اختلفوا في كيفيتها, فعندنا هي مختصة بدفع المضار وإسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبي المؤمنين وقالت المعتزلة هي في زيادة المنافع للمطيعين والتائبين دون العاصين وهي ثابتة عندنا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المنتجبين والأئمة من أهل بيته الطاهرين ولصالحي المؤمنين وينجي الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ويؤيده الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول وهو قولـه:
                          " أدخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وما جاء في روايات أصحابنا رضي الله عنهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني: " أشْفَع يوم القيامة فأُشَفَّع ويَشْفَع عليٌ فَيُشفَّع ويشفع أهل بيتي فيُشفّعون وإن أدنى المومنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه كل قد استوجب النار " وقولـه تعالى مخبراً عن الكفار عند حسراتهم على الفائت لهم مما حصل لأهل الإيمان من الشفاعة:
                          { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم }
                          [الشعراء: 101].

                          وقولـه: { ولا يؤخذ منها عدل } أي فدية وإنما سمي الفداء عدلاً لأنه يعادل المفدى ويماثله وهو قول ابن عباس ومعناه لا يؤخذ من أحد فداء يكفّر عن ذنوبه, وقيل لا يؤخذ منه بدل بذنوبه وأما ما جاء في الحديث: " لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً " فاختلف في معناه قال الحسن الصرف العمل والعدل الفدية وقال الأصمعي الصرف التطوع والعدل الفريضة, وقال أبو عبيدة: الصرف الحيلة والعدل الفدية. وقال الكلبي: الصرف الفدية والعدل رجل مكانه وقولـه: { ولا هم ينصرون } أي لا يعاونون حتى ينجوا من العذاب وقيل ليس لهم ناصر ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم.
                          " أدخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وما جاء في روايات أصحابنا رضي الله عنهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني: " أشْفَع يوم القيامة فأُشَفَّع ويَشْفَع عليٌ فَيُشفَّع ويشفع أهل بيتي فيُشفّعون وإن أدنى المومنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه كل قد استوجب النار " وقولـه تعالى مخبراً عن الكفار عند حسراتهم على الفائت لهم مما حصل لأهل الإيمان من الشفاعة:
                          { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم }
                          [الشعراء: 101].

                          وقولـه: { ولا يؤخذ منها عدل } أي فدية وإنما سمي الفداء عدلاً لأنه يعادل المفدى ويماثله وهو قول ابن عباس ومعناه لا يؤخذ من أحد فداء يكفّر عن ذنوبه, وقيل لا يؤخذ منه بدل بذنوبه وأما ما جاء في الحديث: " لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً " فاختلف في معناه قال الحسن الصرف العمل والعدل الفدية وقال الأصمعي الصرف التطوع والعدل الفريضة, وقال أبو عبيدة: الصرف الحيلة والعدل الفدية. وقال الكلبي: الصرف الفدية والعدل رجل مكانه وقولـه: { ولا هم ينصرون } أي لا يعاونون حتى ينجوا من العذاب وقيل ليس لهم ناصر ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم.

                          * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ)

                          { (46) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنّهُمْ مُلاقُوا رَبَّهِمْ }: في التوحيد والاحتجاج والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام يوقنون أنهم يبعثون والظن منهم يقين وفيهما قال عليه السلام: اللقاء البعث والظن هاهنا اليقين.

                          وفي تفسير الإمام عليه السلام يقدرون ويتوقعون أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي هو أعظم كرامته لعباده { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } إلى كرامته ونعيم جناته قال: وإنما قال يظنون لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم لأن العاقبة مستورة عنهم لا يعلمون ذلك يقيناً لأنهم لا يأمنون أن يغيروا ويُبدِّلوا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" لا يزال المؤمن خائفاً، من سوء العاقبة ولا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له " الحديث. ويأتي تمامه في سورة حم السجدة ان شاء الله عند تفسير ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، الآية.

                          { (47) يَا بْنِيَ إسْرَائِيْلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } إذ بعثت موسى وهارون إلى أسلافكم بالنبوة فهدياهم إلى نبوّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم ووصية عليّ عليه السلام وإمامة عترته الطيبين عليهم السلام وأخذا عليهم بذلك العهود التي إن وفوا بها كانوا ملوكاً في الجنان { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } هناك أي فعلته بأسلافكم فضّلتهم في دينهم بقبول ولاية محمد وآله عليهم السلام وفي دنياهم بتظليل الغمام وانزال المنّ والسلوى وسقيهم من الحجر ماء عذباً وفلق البحر لهم وانجائهم وغرق أعدائهم فضلتهم بذلك على عالمي زمانهم الذين خالفوا طريقتهم وحادوا عن سبيلهم.

                          أقول: وإنما خاطب الله الأخلاف بما فعل بالأسلاف أو فعلوه من الخير والشر لأن القرآن نزل بلغة العرب وهم يخاطبون بمثل ذلك يقول الرجل للتميمي الذي أغار قومه على بلدة وقتلوا من فيها أغرتم على بلدة كذا وفعلتم كذا وقتلتم أهلها وإن لم يكن هو معهم مع أن الأخلاف راضون بما فعل بالأسلاف أو فعلوه، كذا في تفسير الإِمام عليه السلام عن السجاد عليه السلام وقد مضى تحقيقه في المقدمة الثالثة.

                          { (48) وَاتَّقُوا يَوْماً } وقت النزع { لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً } لا تدفع عنها عذاباً قد استحقته { وَلاَ يُقْبَلٌ } وقرئ بالتاء { مِنْهَا شَفَاعَةٌ } بتأخير الموت عنها { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي فداء مكانها تُمات وتترك هي { وَلا يُنْصَرونَ }.

                          أقول: يعني في دفع الموت والعذاب.

                          وفي تفسير الإِمام عليه السلام هذا يوم الموت فان الشفاعة والفداء لا يغني عنه فأمّا في القيامة فانّا واهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء لنكوننّ على الأعراف بين الجنة والنار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبون من آلهم (ع) فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصراً وفي بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذرّ وعمّار ونظرائهم في العصر الذي يليهم ثم في كل عصر إلى يوم القيامة فينقضّون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البزاة والصقور صيدها فيزفونهم إلى الجنة زفاً وانا لنبعث على آخرين من محبينا خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا وسيؤتى بالواحد من مقصّري شيعتنا في أعماله بعد أن قد حاز الولاية والتقية وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين ماءة وأكثر من ذلك إلى ماءة ألف من النصّاب فيقال له هؤلاء فداؤك من النار فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة وأولئك النصَّاب النار وذلك ما قال الله عز وجل

                          * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق

                          قرأ ابن كثير وأهل البصرة " لا يقبل منها بالياء " الباقون بالتاء.

                          الاعراب:

                          موضع { لا تجزي } نصب لأنه صفة يوم. والعائد عند الكسائي لا يكون إلا هاء محذوفة من تجزيه وقال بعضهم: لا يجوز إلا فيه: وقال سيبويه والاخفش والزجاج: يجوز الأمران.

                          المعنى:

                          قال ابو علي المعنى في قوله { ولا يقبل منها شفاعة } فمن ذهب إلى ان (فيه) محذوفة من قوله { واتقوا يوماً لا تجزي } ، جعل (فيه) بعد قوله { ولا يقبل } ومن ذهب إلى انه حذف الجار، وأوصل الفعل إلى المفعول، ثم حذف الراجع من الصفة كما يحذف من الصلة، كان مذهبه في قوله: لا يقبل ايضاً مثله وحذف الهاء من الصفة يحسن كما يحسن حذفها من الصلة ألا ترى ان الفعل لا يتسلط بحذف المفعول منه على الموصوف كما لا يتسلط بذلك على الموصول؟ ومما حذف منه الراجع إلى الصفة قوله:
                          وما شيء حميت بمستباح
                          ومن الحذف قوله:
                          تروّحي اجدران تقيلي غدا بجنبي بارد ظليل
                          المعنى: تأتي مكانا اجدران تقيلي فيه فحذف الجار ووصل الفعل ثم حذف الضمير: ونظير الآية قول الراجز:
                          قد صبحت صبيحها السلام بكبدٍ خالطها السنام
                          في ساعة يحبها الطعام
                          أي تحب الطعام فيها.

                          اللغة:

                          والمجازاة والمكافأة والمقابلة نظائر. يقال: جزى يجزي جزاء، وجازاه مجازاة، وتجازوا تجازيا: قال صاحب العين: المجازاة: المكافأة بالاحسان احساناً وبالاساءة اساءة وفلان: ذو جزاء وذو غناء وتقول هذا الشيء يجزىء عن هذا بهمز وتليين وفي لغة يجزي أي يكفي واصل الباب مقابلة الشيء بالشيء.

                          المعنى:

                          ومعنى قوله
                          { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً }
                          أي لا تقابل مكروهها بشيء يدرأه عنها. قال الله تعالى:
                          { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون }
                          وقال:
                          { اليوم تجزى كل نفس ما كسبت }
                          والفرق بين المقابلة والمجازاة ان المقابلة قد تكون للمساواة فقط كمقابلة الكتاب بالكتاب والمجازاة تكون في الشر بالشر والخير بالخير. ومعنى قوله { لا تجزي } أي لا تغني وهو قول السدي كما تقول: البقرة تجزي عن سبعة وهي لغة أهل الحجاز. وبنو تميم تجزىء بالهمزة من اجزاه: والأول من جزت وقال الاخفش لا تجزي منها أي لا يكون مكانها بدلا منها وأنكر عليهم ذلك لقوله: { شيئاً }.

                          وجعل الأخفش لا تجزي منها { شيئاً } في موضع المصدر كأنه يقول لا تجزي جزاء ولا تغني غناء قال الرماني والاقرب ان تكون { شيئاً } في موضع حقاً كأنه قيل لا يؤدي عنها حقا وجب عليها. وقال بعضهم { لا تجزي } بمعنى لا تقضي.

                          وقبول الشيء تلقيه والاخذ به وضده الاعراض عنه ومن ثم قيل لتجاه القبلة قبالة. وقالوا: أقبلت المكواة الداء أي جعلتها قبالته ويجوز ان يكون المخاطبون بذلك اليهود، لأنهم زعموا ان اباءهم الانبياء وتشفع لهم واويسوا بقوله { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } وبقوله: { لا يقبل منها شفاعة } والقبول والانقياد والطاعة والاجابة نظائر ونقيضها الامتناع يقال قبل قبولا، وأقبل اقبالا، وقابله مقابلة وتقابلوا تقابلا، واستقبله استقبالا، وتقبل تقبالا، وقبله تقبيلا وقبل نقيض بعد والقبل خلاف الدبر والقبل اقبالك على الشيء كأنك لا تريد غيره والقبل الطاقة تقول لا قبل لي أي لا طاقة لي.
                          ومنه قوله:
                          { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها }
                          والقبل التلقاء تقول لقيته قبلا أي مواجهة واصبت هذا من قبله أي من تلقائه أي من لدنه ومن عنده وقوله:
                          { وحشرنا عليهم كل شيء قبلا }
                          أي قبلا وفسر بعضهم عيانا، وكل جيل من الناس والجن والقبيلة من قبائل العرب معروفة والكرة يقال لها قبائل. وكل قطعة من الجلد قبيلة. وقبيلة الرأس كل فلقة قد قوبلت بالاخرى وكذلك قبائل العرب والقبال: زمام البغل. يقال: بغل مقبولة ومقبلة. والقبل رأس كل شيء مثل الجبل والاكمة وكثب الرمل. وقبالة كل شيء. ما كان مستقبله ومن الجيران مقابل ومدابر. وشاة مقابلة: اذا قطعت من اذنها قطعة وتركت معلقة من مقدم، وان كانت من خلف فهي مدابرة واذا ضممت شيئاً إلى شيء قلت قابلته والقابلة هي الليلة: المقبلة. وكذلك العام القابل والمقبل. والقابلة: التي تقبل الولد والقبول من الريح: الصبا لأنها تستقبل الدبور، وهي تستقبل القبلة من المشرق والقبول: ان تقبل العفو وغير ذلك. وهو اسم المصدر واميت الفعل منه والقبول الاسم. تقول: أفعل هذا من ذي قبل أي من ذي استقيال. والقبلة معروفة والفعل منه التقبيل. والقبلة قبلة الصلاة والتقبل تقبل الشيء تقول: تقبل الله منك وعنك عملك. وتقول: تقبلت فلانا من فلان بقبول حسن ورجل مقابل في كرم وفي شرف من قبل اعمامه واخواله. ورجل مقبل الشاب لم ير فيه اثر من الكبر. والقبيل والدبير: في الجبل فالقبيل الفتل الاول الذي عليه العمامة، والدبير الفتل الاخر وبعضهم يقول القبيل في قوى الحبل كل قوة على وجهها الداخل قبيل والوجه الخارج: دبير وقد قرىء قبلا وقبلا فمن قرأ قبلاً أراد جمع قبيل ومن قرأ قَبلا أراد مقابلة والقبيل والكفيل واحد وقبيل القوم عريفهم. والباب المقابلة خلاف المدابرة.

                          وأما الشفاعة فهي مأخوذة من الشفع الذي هو خلاف الوتر فكأنه سؤال من الشفيع. شفع: سؤال المشفوع له والشفاعة، والوسيلة والقربة والوصلة نظائر. ويقال شفع شفاعة وتشفع تشفعاً، واستشفع استشفاعاً، وشفعه تشفيعاً والشفع من العدد: ما كان ازواجا تقول كان وتراً فشفعته باخر حتى صار شفعاً ومنه قوله:
                          { والشفع والوتر }
                          قال الشفع: يوم النحر. والوتر: يوم عرفه. وقال بعض المفسرين: الشفع: الحفاء يعني كثرة الخلق والوتر الله والشافع: الطالب لغيره والاسم الشفاعة والطالب: الشفيع والشافع والشفعة في الدار معروفة.
                          وتقول فلان يشفع اليّ بالعداوة أي يعين عليّ ويعاديني وتقول شفعت الرجل: اذا صرت ثانيه وشفعت له: اذا كنت له شافعا. وانما سميت شفعة الدار، لأن صاحبها يشفع ما له بها، ويضمها الى ملكه واصل الباب: الزوج من العدد: وقوله { ولا يقبل منها شفاعة } مخصوص عندنا بالكفار؛ لأن حقيقة الشفاعة عندنا ان يكون في اسقاط المضار دون زيادة المنافع. والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي (صلى الله عليه وسلم) فيشفعه الله تعالى، ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلوة لما روي من قوله " ع ": ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من امتي: وانما قلنا لا تكون في زياة المنافع، لأنها لو استعملت في ذلك، لكان احدنا شافعاً في النبي " صلى الله عليه وسلم " اذا سأل الله ان يزيده في كراماته وذلك خلاف الاجماع فعلم بذلك ان الشفاعة مختصة بما قلناه وعلم بثبوت الشفاعة ان النفي في الآية يختص بالكفار دون أهل القبلة. والآيات الباقيات نتكلم عليها اذا انتهينا اليها ان شاء الله. والشفاعة ثبت عندنا للنبي " صلى الله عليه وسلم " وكثير من اصحابه ولجميع الائمة المعصومين وكثير من المؤمنين الصالحين. وقيل ان نفي الشفاعة في هذه الآية يختص باليهود من بني اسرائيل، لأنهم ادعوا انهم ابناء الله واحباؤه واولاد انبيائه، وان اباءهم يشفعون اليه فايسهم الله من ذلك، فاخرج الكلام مخرج العموم. والمراد به الخصوص. ولا بد من تخصيص الآية لكل احد، لأن المعتزلة والقائلين بالوعيد يثبتون شفاعة مقبولة ـ وان قالوا انها في زيادة المنافع ـ واصل الشفاعة ان يشفع الواحد للواحد فيصير شفعا. ومنه الشفيع لأنه يصل جناح الطالب ويصير ثانياً له. والذي يدل على ان الشفاعة في اسقاط الضرر قول شاعر غطفان انشده المبرد:
                          وقالوا اتعلم ان مالك ان تصب يفدك وان يحبس بديل ويشفع
                          واستعملت في زيادة المنافع ايضاً ـ وان كان مجازاً لما مضى ـ قال الحطيئة في طلب الخير:
                          وذاك امرؤ ان تاته في صنيعة إلى ما له لم تأته بشفيع
                          وقد استعملت الشفاعة بمعنى المعاونة انشد بعضهم للنابغة:
                          اتاك امرؤ مستعلن لي بغصة له من عدو مثل مالك شافع
                          أي معين وقال الاحوص:
                          كأن من لامني لاصرمها كانوا لليلى بلومهم شفعوا
                          أي تعاونوا.

                          قوله: { لا يؤخذ منها عدل }

                          اللغة:

                          والعدل، والحق، والانصاف نظائر. والعدل: نقيض الجور يقال: عدلا عدل واعتدل اعتدالا. وتعادل تعادلا وتعدلا. وعادله معادلة. وعدله تعديلا والعدل المرضي من الناس. يقع على الواحد والجماعة والذكر والانثى: فاذا قلت هم عدل قلت هما عدلان والعدل: الحكم بالحق يقال هو حكم عدل ذو معدلة في حكمه وعدل الشيء نظيره ومثله تقول عدلت بفلان فلانا اعدله. والعادل المشرك الذي يعدل بربه والعدل ان يعدل الشيء عن وجهه فيميله تقول: عدلته عن كذا وعدلت انا عن الطريق والعديل الذي يعادلك في المحمل أو نحوه ما كان.
                          وسمعت العرب تقول: اللهم لا عدل لك أي لا مثل لك وفي الكفارة (عدل ذلك) أي مثله في العدل، لا بالنظير بعينه والعدل الفداء، لقوله: { لا يقبل منها عدل } وقيل ايضاً: ان العدل: الفريضة والصرف: النافلة وقوله
                          { بربهم يعدلون }
                          أي يشركون. وقيل لما يؤكل: معتدل اذا لم يكن فيه ضرر من حر أو برد. وتقول عدلته أى اقمته حتى اعتدل واستقام وعدلت فلانا عن طريقه والدابة عن طريقها: إذا عطفتها فانعدلت وانعدل الطريق. ويقولون الطريق يعدل الى مكان كذا وكذا. فاذا أراد الاعوجاج نفسه قال: ينعدل في مكان كذا وكذا أي ينعوج، والاعتدال: الاستواء فلان عدل حسن العدالة، واصل الباب العدل الذي هو الاستقامة. والعدل المذكور في الآية الفدية. روي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو قول ابن عباس وابي الغالية. وقال قوم هو بدل والفرق بين العِدل والعَدل ان العدل بالكسر المثل تقول عندي عدل جاريتك أي جارية. مثلها فاذا قلت عندي عَدل جاريتك يجوز ان يكون قيمتها من الثمن. ومن قرأ بالتاء فلأن الشفاعة مؤنثة ومن ذكر قال: لأن التأنيث ليس بحقيقي ولأن الفعل تقدم على المؤنث فاشبه علامة التثنية والجمع اذا تقدم الفعل سقط كذلك ها هنا. ومثله قوله: { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وكقول الشاعر:
                          فلا مزنة ودقت ودقها ولا ارض ابقل ابقالها
                          والتاء اجود، لأنه أصل. والياء حسن.

                          قوله { ولا هم ينصرون }.

                          اللغة:

                          والنصر والمعونة والتقوية نظائر. وضد النصر الخذلان. يقال: نصرته نصرا وانتصر انتصاراً. واستنصر استنصاراً. وتناصر تناصراً. قال صاحب العين: النصر عون المظلوم. وفي الحديث: " انصر اخاك ظالماً ومظلوماً " معناه ان كان مظلوماً فامنع منه الظلم. وان كان ظالماً فامنعه من الظلم وانهه. والانصار: كالنصار وانصار النبي " صلى الله عليه وسلم " اعوانه وانتصر فلان: اذا انتقم من ظالمه. والنصير الناصر. والتنصر الدخول في النصرانية. والنصارى. منسوبون إلى ناصرة، وهي موضع. ونصرت السماء اذا امطرت. قال الشاعر:
                          اذا خرج الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري ارض عامر
                          ونصرت الرجل: اذا اعطيته وانشد:
                          ابوك الذي اجدى عليّ بنصرة فاسكت عني بعده كل قائل
                          وأصل الباب والمعونة والنصرة قد تكون بالحجة وقد تكون بالغلبة فالله (عز وجل) ينصر جميع المؤمنين بالحجة التي تؤيدهم. واما النصر بالغلبة فبحسب المصلحة ولا يدل وقع الغلبة لبعض المؤمنين على انه مسخوط عليه كما انه ليس في تخلية الله بين الكفار وبين الانبياء دلالة على حال منكرة. وقد قتل الكفار كثيراً من الانبياء ونالوا منهم بضروب من الأذى قال الله تعالى
                          { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق }
                          وقوله: ثم بغي عليه لينصره الله معناه بالغلبة واما ما يأخذ له بالحق من الباغي عليه، لينصر به من الله للمبغي عليه واقعة لا محالة والخذلان لا يكون الا للظالمين، لأن الله تعالى لا يخذل اولياءه واهل طاعته. وقوله:
                          { إن ينصركم الله فلا غالب لكم }
                          أي بالمعونة التي توجب الغلبة، لأن الله تعالى يقدر على اعطائهم ما يغلبون به كل من نازعهم، ويستعلون على كل من ناوأهم. وحد النصرة: المعونة على كل من ظهرت منه عداوة، وقد تكون المعونة بالطاعة فلا تكون نصرة. والفرق بين النصرة والتقوية ان التقوية قد تكون على صناعة والنصرة لا تكون الا مع منازعة. فاما قولهم: لا قبل الله منهم صرفا ولا عدلا. فقال الحسن البصري: الصرف: العمل. والعدل: الفدية وقال الكلبي: الصرف: الفدية والعدل: الفريضة وقال ابو عبيدة: الصرف: الحيلة. والعدل: الفدية. وقال ابو مسلم: الصرف: التوبة والعدل: الفداء


                          تفسير الامام احمد الحسن ع

                          سؤال/ 26: ما معنى الآية: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ ( ) ؟ وقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ ( ). وهل هذه الآيات تنفي الشفاعة؟

                          الجواب: هذه الآيات لا تنفي الشفاعة مطلقاً.
                          ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً﴾: أي خافوا يوماً، وهذا اليوم هو يوم الموت، أي ساعة الموت أو لحظات الموت. ومع أنّ شفاعة من له شفاعة تنفع كل ساعة في الدنيا وبعد الموت في القبر والبرزخ والقيامة ولكن لا شفاعة عند الموت لأحد، بل ولا يقبل عند الموت عدل ولا عمل صالح.
                          وهذا بسبب أنّ الموت هو نزع الروح عن الجسد، وهذا النزع أو الأخذ أو الاستيفاء لابد أن يرافقه تقطيع علائق الروح مع الدنيا، وهذه العلائق بحسب كثافتها وكثرتها يكون اشتباك الروح مع الجسد كثيفاً، فلابد أن يرافق تقطيع هذه العلائق آلام ولا تنفع شفاعة الشافعين لمنعها أو إزالتها، بل ولا ينفع عمل الإنسان في رفع أو إزالة هذه الآلام.
                          ﴿لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾: وذلك لأن تعلق الإنسان بالدنيا (البيت والزوجة والأولاد والمال وغيرها من المتعلقات الدنيوية) هو عبارة عن حبال عقدها الإنسان بنفسه ولا خروج للروح من الدنيا ولا انفصال له عن الجسد دون قطع هذه الحبال والعلائق، ولا ينجو من آلام الموت إلا من رافق الدنيا بجسده وروحه معلقة بالملأ الأعلى، وهؤلاء هم المقربون، قال أمير المؤمنين  ما معناه: (إنما كنت جاراً لكم، جاوركم بدني أياماً) ( )، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾.
                          ولا تنفع الشفاعة ولا ينفع العمل الصالح في لحظات الموت، إلا في حالة واحدة وهي حالة خرق القانون التكويني، وذلك بأن يصبح تقطيع هذه الحبال غير مؤلم، كما أصبحت نار إبراهيم  غير محرقة، أو أنها لم تؤثر فيه لمانع ما شاء الله أن يجعله فيه . وهذا الخرق للقانون التكويني لا نرى أنه من الأمور المعتادة، بل لا يحصل إلا في حالات تتعلق بوجود الله سبحانه أو علاقته سبحانه وتعالى بأمر أو شخص ما، وتأييده بهذا الخرق للقوانين التكوينية.
                          ولذا فإنّ أصحاب اليمين - وهم دون المقربين - ومع أنهم من أصحاب الجنة لا ينجون من عذاب الموت، فقد سكت عن حالهم سبحانه وتعالى في حال الموت، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ ( )، أي لم يعرض لحالة الشخص عند الموت إن كان من أصحاب اليمين، مع أن الآيات من آخر (سورة الواقعة) كانت لبيان حالة الموت ( )، ولكنه عرض لحالهم بعد الموت، فقال للنبي سلام لك من أصحاب اليمين.
                          ومن أعظم الأمثلة التي تتجلى فيها صورة هذه الأصناف الثلاثة أي: (المقربين، وأصحاب
                          اليمين، والمكذبين الضالين) هي امتحان طالوت للجنود الذين معه، فلما مرَّ بأرض قفر وعطشوا ثم عرض لهم النهر في الطريق، قال لهم طالوت: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾ ( )، أي من لم يطعمه فإنه من المقربين، ومن اغترف غرفة هو من أصحاب اليمين، ومن شرب فهو من المكذبين الضالين، فلو كان مصدقاً أن طالوت ملكٌ معينٌ من الله سبحانه وتعالى لأتمر بأمره ولم يشرب من الماء.
                          وهذا التكذيب هو تكذيب لله سبحانه وتعالى لا لطالوت فقط، وهذا النهر هو: الحياة الدنيا فمن لم يطعمها من المقربين الذين قطعوا علائقهم بها فلا يحتاج أخذ أرواحهم إلى قطع أي علائق أو حبال، ومن اغترف منها فهو يحتاج عند استيفاء روحه إلى قطع حباله التي عقدها بنفسه، وكلما زادت زاد ألمه. أما من شرب منها حتى أسكرته وأمسى لا يعي ما يقول، فهذا عند موته يرى أنه كان يعيش على شفا جرف هارٍ، وموته هو : انهيار هذا الجرف به في نار جهنم.
                          ويبقى السبيل لأنْ يكون الإنسان من المقربين مع أن له زوجة ومال وولد ودار وما لأهل الدنيا هو أن ينهج بماله منهج الأئمة عندما أنفقوا على الفقراء والمساكين وخصوصاً اليتامى بلا حدود. وأما الأولاد فينذرهم لوجه الله سبحانه مجاهدين يجاهدون لإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، لعلَّ الله يتقبلهم بقبول حسن وينبتهم نباتاً حسناً. وأما الزوجة فيجعل صداقها هو السعي بها إلى الله سبحانه وتعالى، ويتحرى أن يوصلها إلى مقامات عالية في طاعة الله سبحانه وتعالى ومعرفة الله سبحانه وتعالى ما أمكنه ذلك
                          sigpic

                          Comment

                          Working...
                          X
                          😀
                          🥰
                          🤢
                          😎
                          😡
                          👍
                          👎