إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

ذم الدنيا وانها عدوة الله والانسان

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • Be Ahmad Ehtadait
    مشرف
    • 26-03-2009
    • 4471

    ذم الدنيا وانها عدوة الله والانسان

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اعلم ان الدنيا عدوة لله و لاوليائه و لا عدائه: اما عداوتها لله، فانها قطعت الطريق على العبادة، و لذلك لم ينظر اليها مذ خلقها، كما ورد في الاخبار و اما عداوتها لاوليائه و احبائه، فانها تزينت لهم بزينتها و عمتهم بزهرتها و نضارتها، حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها. و اما عداوتها لاعدائه، فانها استدرجتهم بمكرها و مكيدتها و اقتنصتهم بشباكها و حبائلها حتى وثقوا بها و عولوا عليها، فاجتبوا منها حيرة و ندامة تنقطع دونها الاكباد، ثم حرمتهم عن السعادة ابد الآباد، فهم على فراقها يتحسرون و من مكائدها يستغيثون و لا يغاثون، بل يقال لهم:

    «اخسؤا فيها و لا تكلمون‏» . «اولئك الذين‏اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب و لاهم ينصرون‏» .

    و الآيات الواردة في ذم الدنيا و حبها كثيرة، و اكثر القرآن مشتمل على ذلك و صرف الخلق عنها و دعوتهم الى الآخرة، بل هو المقصود من بعثة الانبياء، فلا حاجة الى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها. فلنشر الى نبذة من الاخبار الواردة في ذم الدنيا و حبها و فى سرعة زوالها، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها الا ما كان لله منها»

    و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر»

    و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من اصبح و الدنيا اكبر همه فليس من الله في شي‏ء، و الزم الله قلبه اربع خصال: هما لا ينقطع عنه ابدا، و شغلا لا يتفرغ منه ابدا و فقرا لا ينال غناه ابدا. و املا لا يبلغ منتهاه ابدا، و قال-صلى الله عليه و آله-: «يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود و هو يسعى لدار الغرور! » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «لتاتينكم بعدى دنيا تاكل ايمانكم كما تاكل النار الحطب‏» . و قال: «الهاكم التكاثر، يقول ابن آدم: مالي مالي. و هل لك من مالك الا ما تصدقت فابقيت، او اكلت فافنيت، او لبست فابليت؟ » . و قال: «اوحى الله-تعالى-الى موسى: لا تركنن الى حب الدنيا، فلن تاتين بكبيرة هي اشد عليك منها»

    و قال-صلى الله عليه و آله-: «حب الدنيا راس كل خطيئة‏» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «من احب دنياه اضر بآخرته و من احب آخرته اضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى‏» . و مر-صلى الله عليه و آله-على مزبلة، فوقف عليها و قال: «هلموا الى الدنيا! » و اخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة و عظاما قد نخرت، فقال: «هذه الدنيا! »

    و قال-صلى الله عليه و آله- «ان الله لم يخلق خلقا ابغض اليه من الدنيا، و انه لم ينظر اليها منذ خلقها» . و قال-صلى الله عليه و آله- «الدنيا دار من لا دار له و مال من لا مال له، و لها يجمع من لا عقل له، و عليها يعادى من لا علم عنده، و عليها يحسد من لا فقه له، و لها يسعى من لا يقين له‏» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لما هبط آدم من الجنة الى الارض قال له: ان للخراب ولد للفناء» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «لتجيئن اقوام يوم القيامة و اعمالهم كجبال تهامة. فيؤمر بهم الى النار» ، فقيل: يا رسول الله! امصلين؟ قال:

    نعم، ! كانوا يصومون و يصلون و ياخذون هنيئة من الليل، فاذا عرض لهم من الدنيا شي‏ء و ثبوا عليه‏» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «هل منكم من يريد ان يذهب الله عنه العمى و يجعله بصيرا؟ الا انه من رغب في الدنيا و طال فيها امله اعمى الله قلبه على قدر ذلك، و من زهد في الدنيا و قصر امله فيها اعطاه الله علما بغير تعلم و هدى بغير هداية‏» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «فو الله ما الفقر اخشى عليكم، و لكني اخشى عليكم ان تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، و تهلككم كما اهلكتهم‏» و قال: «اكثر ما اخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الارض‏» ، فقيل: ما بركات الارض؟ قال «زهرة الدنيا» .

    و قال-صلى الله عليه و آله-: «دعوا الدنيا لاهلها من اخذ من الدنيا فوق ما يكفيه فقد اخذ حتفه و هو لا يشعر» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «سياتي قوم بعدى ياكلون اطايب الطعام و انواعها، و ينكحون اجمل النساء و الوانها، و يلبسون الين الثياب و الوانها و يركبون اقوى الخيل و الوانها، لهم بطون من القليل لا تشبع، و انفس بالكثير لا تقنع، عاكفين على الدنيا، يغدون و يروحون اليها، اتخذوها آلهة دون الهم و ربا دون ربهم الى امرهم ينتهون و هواهم يلعبون، فعزيمة من محمد بن عبد الله لمن ادرك ذلك الزمان من عقب عقبكم و خلف خلفكم ابدا لا يسلم عليهم و لا يعود مرضاهم و لا يتبع جنائزهم و لا يوقر كبيرهم و من فعل ذلك فقد اعان على هدم الاسلام‏» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «مالى و للدنيا و ما انا و الدنيا؟ ! انما مثلى و مثلها كمثل راكب سار في يوم صائف، فرفعت له شجرة، فقال تحت ظلها ساعة، ثم راح و تركها» و قال-صلى الله عليه و آله-: «احذروا الدنيا، فانها اسحر من هاروت و ماروت‏» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «حق على الله الا يرفع شيئا من الدنيا الا وضعه‏» . و قال عيسى بن مريم-عليه السلام- «ويل لصاحب الدنيا! كيف يموت و يتركها، و يامنها و تغره، و يثق بها و تخذله، ويل للمغترين! كيف الزمهم ما يكرهون، و فارقهم ما يحبون، و جاءهم ما يوعدون، ويل لمن اصبحت الدنيا همه و الخطايا عمله! كيف يفتضح غدا بذنبه‏» . و قال-عليه السلام-: «من ذا الذى يبني على امواج البحر دارا تلكم الدنيا، فلا تتخذوها قرارا»

    و قال عليه السلام «لا يستقيم حب الدنيا و الآخرة في قلب مؤمن، كما لا يستقيم الماء و النار في اناء واحد» . و اوحى الله-تعالى-الى موسى: «يا موسى: ! مالك و لدار الظالمين! انها ليست لك بدار، اخرج منها همك و فارقها بعقلك فبئست الدار هي، الا لعامل يعمل فيها فنعمت الدار هي، يا موسى!

    انى مرصد للظالم حتى آخذ منه للمظلوم‏» . و اوحى اليه: «يا موسى!

    لا تركنن الى حب الدنيا، فلن تاتين بكبيرة هي اشد منها» . و مر موسى عليه السلام برجل و هو يبكي، و رجع و هو يبكي، فقال موسى: «يا رب عبدك يبكي من مخافتك‏» ، فقال تعالى: «يا بن عمران! لو نزل دماغه مع عينيه و رفع يديه حتى يسقطا لم اغفر له و هو يحب الدنيا! » .

    و قال امير المؤمنين عليه السلام-بعد ما قيل له صف لنا الدنيا-: «و ما اصف لك من دار من صح فيها سقم، و من امن فيها ندم، و من افتقر فيها حزن، و من استغنى فيها افتتن، في حلالها الحساب، و في حرامها العقاب‏» . و قال-عليه السلام-: «انما مثل الدنيا كمثل الحية ما الين مسها و في جوفها السم الناقع، يحذرها الرجل العاقل و يهوى اليها الصبي الجاهل‏» . و قال في وصف الدنيا: «ما اصف من دار اولها عناء و آخرها فناء، في حلالها حساب و في حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، و من افتقر فيها حزن، و من ساعاها فاتته، و من قعد عنها آتته، و من بصر بها بصرته، و من ابصر اليها اعمته‏» ، و قال عليه السلام في بعض مواعظه: «ارفض الدنيا، فان حب الدنيا يعمى و يصم و يبكم و يذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك، و لا تقل غدا و بعد، فانما هلك من كان قبلك باقامتهم على الامانى و التسويف، حتى اتاهم امر الله بغتة و هم عافلون فنقلوا على اعوادهم الى قبورهم المظلمة الضيقة، و قد اسلمهم الاولاد و الاهلون، فانقطع الى الله بقلب منيب. من رفض الدنيا و عزم ليس فيه انكسار و لا انخذال‏» . و قال-عليه السلام-: «لا تغرنكم الحياة الدنيا فانها دار بالبلاء محفوفة، و بالفناء معروفة، و بالغدر موصوفة، فكل ما فيها الى زوال، و هي بين اهلها دول و سجال، لا تدوم احوالها، و لا يسلم من شرها نزالها، بينا اهلها منها في رخاء و سرور اذا هم منها في بلاء و غرور احوال مختلفة، و تارات متصرمة، العيش فيها مذموم، و الرخاء فيها لا يدوم، و انما اهلها فيها اغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، و تفنيهم بحمامها. و اعلموا عباد الله انكم و ما انتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى، ممن كان اطول منكم اعمارا، و اشد منكم بطشا، و اعمر ديارا و ابعد آثارا، فاصبحت اصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها، و اجسادهم بالية، و ديارهم على عروشها خاوية، و آثارهم عافية، استبدلوا بالقصور المشيدة و السرر و النمارق الممهدة الصخور و الاحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة فمحلها مقترب، و ساكنها مغترب، بين اهل عمارة موحشين، و اهل محلة متشاغلين، لا يستانسون بالعمران، و لا يتواصلون تواصل الجيران الاخوان، على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار، و كيف يكون بينهم تواصل، و قد طحنهم بكلكله البلاء، و اكلتهم الجنادل و الثرى و اصبحوا بعد الحياة امواتا، و بعد نضارة العيش رفاتا، فجع بهم الاحباب و سكنوا تحت التراب، و ظعنوا فليس لهم اياب، هيهات هيهات!
    «كلا انها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ الى‏يوم يبعثون‏» .

    فكان قد صرتم الى ما صاروا اليه من البلى و الوحدة في دار المثوى، و ارتهنتم في ذلك المضجع، و ضمكم ذلك المستودع، و كيف بكم لو عاينتم الامور، و بعثرت القبور، و حصل ما في الصدور، و اوقفتم للتحصيل بين يدى الملك الجليل، فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب، و هتكت عنكم الحجب و الاستار، فظهرت منكم العيوب و الاسرار، هنالك.
    «تجزى كل نفس بما كسبت‏» .

    و قال ايضا-عليه السلام-في بعض خطبه: «اوصيكم بتقوى الله و الترك للدنيا التاركة لكم، و ان كنتم لا تحبون تركها، المبلية اجسامكم و انتم تريدون تجديدها، فانما مثلكم و مثلها كمثل قوم في سفر سلكوا طريقا و كانهم قد قطعوه، و افضوا الى علم، فكانهم قد بلغوه، و كم عسى ان يجرى المجرى حتى ينتهى الى الغاية، و كم عسى ان يبقى من له يوم في الدنيا، و طالب حثيث‏يطلبه حتى يفارقها، فلا تجزعوا لبؤسها و ضرائها فانه الى انقطاع، و لا تفرحوا بمتاعها و نعمائها فانه الى زوال، عجبت لطالب الدنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه‏» .

    و قال السجاد-عليه السلام-: «ان الدنيا قد ارتحلت مدبرة، و ان الآخرة قد ارتحلت مقبلة، و لكل واحدة منهما بنون، فكونوا من ابناء الآخرة و لا تكونوا من ابناء الدنيا، الا و كونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، الا ان الزاهدين في الدنيا اتخذوا الارض بساطا و التراب فراشا و الماء طيبا، و قرضوا من الدنيا تقريضا، الا و من اشتاق الى الجنة سلا عن الشهوات، و من اشفق من النار رجع عن المحرمات، و من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، الا ان لله عبادا كمن راى اهل الجنة في الجنة مخلدين، و كمن راى اهل النار في النار معذبين، شرورهم مامونة و قلوبهم محزونة، انفسهم عفيفة، و حوائجهم خفيفة، صبروا اياما قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة، اما الليل فصافون اقدامهم، تجرى دموعهم على خدودهم، و هم يجارون الى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، و اما النهار فحلماء علماء بررة اتقياء كانهم القداح، قد براهم الخوف من العبادة، ينظر اليهم الناظر فيقول مرضى، و ما بالقوم من مرض، ام خولطوا، فقد خالط القوم امر عظيم من ذكر النار و ما فيها» . و قال-عليه السلام- «ما من عمل بعد معرفة الله-عز و جل-و معرفة رسوله-صلى الله عليه و آله-افضل من بغض الدنيا، فان ذلك لشعبا كثيرة، و للمعاصي شعبا فاول ما عصى الله به الكبر معصية ابليس حين ابى و استكبر و كان من الكافرين ثم

    . و قال عليه السلام «لا يستقيم حب الدنيا و الآخرة في قلب مؤمن، كما لا يستقيم الماء و النار في اناء واحد» . و اوحى الله-تعالى-الى موسى: «يا موسى: ! مالك و لدار الظالمين! انها ليست لك بدار، اخرج منها همك و فارقها بعقلك فبئست الدار هي، الا لعامل يعمل فيها فنعمت الدار هي، يا موسى!

    انى مرصد للظالم حتى آخذ منه للمظلوم‏» . و اوحى اليه: «يا موسى!

    لا تركنن الى حب الدنيا، فلن تاتين بكبيرة هي اشد منها» . و مر موسى عليه السلام برجل و هو يبكي، و رجع و هو يبكي، فقال موسى: «يا رب عبدك يبكي من مخافتك‏» ، فقال تعالى: «يا بن عمران! لو نزل دماغه مع عينيه و رفع يديه حتى يسقطا لم اغفر له و هو يحب الدنيا! » .

    و قال امير المؤمنين عليه السلام-بعد ما قيل له صف لنا الدنيا-: «و ما اصف لك من دار من صح فيها سقم، و من امن فيها ندم، و من افتقر فيها حزن، و من استغنى فيها افتتن، في حلالها الحساب، و في حرامها العقاب‏» . و قال-عليه السلام-: «انما مثل الدنيا كمثل الحية ما الين مسها و في جوفها السم الناقع، يحذرها الرجل العاقل و يهوى اليها الصبي الجاهل‏» . و قال في وصف الدنيا: «ما اصف من دار اولها عناء و آخرها فناء، في حلالها حساب و في حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، و من افتقر فيها حزن، و من ساعاها فاتته، و من قعد عنها آتته، و من بصر بها بصرته، و من ابصر اليها اعمته‏» ، و قال عليه السلام في بعض مواعظه: «ارفض الدنيا، فان حب الدنيا يعمى و يصم و يبكم و يذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك، و لا تقل غدا و بعد، فانما هلك من كان قبلك باقامتهم على الامانى و التسويف، حتى اتاهم امر الله بغتة و هم عافلون فنقلوا على اعوادهم الى قبورهم المظلمة الضيقة، و قد اسلمهم الاولاد و الاهلون، فانقطع الى الله بقلب منيب. من رفض الدنيا و عزم ليس فيه انكسار و لا انخذال‏» . و قال-عليه السلام-: «لا تغرنكم الحياة الدنيا فانها دار بالبلاء محفوفة، و بالفناء معروفة، و بالغدر موصوفة، فكل ما فيها الى زوال، و هي بين اهلها دول و سجال، لا تدوم احوالها، و لا يسلم من شرها نزالها، بينا اهلها منها في رخاء و سرور اذا هم منها في بلاء و غرور احوال مختلفة، و تارات متصرمة، العيش فيها مذموم، و الرخاء فيها لا يدوم، و انما اهلها فيها اغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، و تفنيهم بحمامها. و اعلموا عباد الله انكم و ما انتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى، ممن كان اطول منكم اعمارا، و اشد منكم بطشا، و اعمر ديارا و ابعد آثارا، فاصبحت اصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها، و اجسادهم بالية، و ديارهم على عروشها خاوية، و آثارهم عافية، استبدلوا بالقصور المشيدة و السرر و النمارق الممهدة الصخور و الاحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة فمحلها مقترب، و ساكنها مغترب، بين اهل عمارة موحشين، و اهل محلة متشاغلين، لا يستانسون بالعمران، و لا يتواصلون تواصل الجيران الاخوان، على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار، و كيف يكون بينهم تواصل، و قد طحنهم بكلكله البلاء، و اكلتهم الجنادل و الثرى و اصبحوا بعد الحياة امواتا، و بعد نضارة العيش رفاتا، فجع بهم الاحباب و سكنوا تحت التراب، و ظعنوا فليس لهم اياب، هيهات هيهات!
    «كلا انها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ الى‏يوم يبعثون‏» .

    فكان قد صرتم الى ما صاروا اليه من البلى و الوحدة في دار المثوى، و ارتهنتم في ذلك المضجع، و ضمكم ذلك المستودع، و كيف بكم لو عاينتم الامور، و بعثرت القبور، و حصل ما في الصدور، و اوقفتم للتحصيل بين يدى الملك الجليل، فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب، و هتكت عنكم الحجب و الاستار، فظهرت منكم العيوب و الاسرار، هنالك.
    «تجزى كل نفس بما كسبت‏» .

    و قال ايضا-عليه السلام-في بعض خطبه: «اوصيكم بتقوى الله و الترك للدنيا التاركة لكم، و ان كنتم لا تحبون تركها، المبلية اجسامكم و انتم تريدون تجديدها، فانما مثلكم و مثلها كمثل قوم في سفر سلكوا طريقا و كانهم قد قطعوه، و افضوا الى علم، فكانهم قد بلغوه، و كم عسى ان يجرى المجرى حتى ينتهى الى الغاية، و كم عسى ان يبقى من له يوم في الدنيا، و طالب حثيث‏يطلبه حتى يفارقها، فلا تجزعوا لبؤسها و ضرائها فانه الى انقطاع، و لا تفرحوا بمتاعها و نعمائها فانه الى زوال، عجبت لطالب الدنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه‏» .

    و قال السجاد-عليه السلام-: «ان الدنيا قد ارتحلت مدبرة، و ان الآخرة قد ارتحلت مقبلة، و لكل واحدة منهما بنون، فكونوا من ابناء الآخرة و لا تكونوا من ابناء الدنيا، الا و كونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، الا ان الزاهدين في الدنيا اتخذوا الارض بساطا و التراب فراشا و الماء طيبا، و قرضوا من الدنيا تقريضا، الا و من اشتاق الى الجنة سلا عن الشهوات، و من اشفق من النار رجع عن المحرمات، و من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، الا ان لله عبادا كمن راى اهل الجنة في الجنة مخلدين، و كمن راى اهل النار في النار معذبين، شرورهم مامونة و قلوبهم محزونة، انفسهم عفيفة، و حوائجهم خفيفة، صبروا اياما قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة، اما الليل فصافون اقدامهم، تجرى دموعهم على خدودهم، و هم يجارون الى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، و اما النهار فحلماء علماء بررة اتقياء كانهم القداح، قد براهم الخوف من العبادة، ينظر اليهم الناظر فيقول مرضى، و ما بالقوم من مرض، ام خولطوا، فقد خالط القوم امر عظيم من ذكر النار و ما فيها» . و قال-عليه السلام- «ما من عمل بعد معرفة الله-عز و جل-و معرفة رسوله-صلى الله عليه و آله-افضل من بغض الدنيا، فان ذلك لشعبا كثيرة، و للمعاصي شعبا فاول ما عصى الله به الكبر معصية ابليس حين ابى و استكبر و كان من الكافرين ثم

    الحرص، و هى معصية آدم و حواء حين قال الله-عز و جل-لهما: «فكلا من حيث‏شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين‏» .
    فاخذا ما لا حاجة بهما اليه، فدخل ذلك على ذريتهما الى يوم القيامة و ذلك ان اكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به اليه. ثم الحسد، و هو معصية ابن آدم حيث‏حسد اخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء و حب الدنيا، و حب الرئاسة، و حب الراحة، و حب الكلام، و حب العلو و الثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا. فقال الانبياء و العلماء-بعد معرفة ذلك-: حب الدنيا راس كل خطئة، و الدنيا دنيا آن: دنيا بلاغ و دنيا ملعونة‏» . و قال الباقر عليه السلام لجابر:

    «يا جابر! انه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغل قلبه عما سواه يا جابر! ما الدنيا و ما عسى ان تكون الدنيا؟ ! هل هي الا طعام اكلته او ثوب لبسته، او امراة اصبتها؟ يا جابر! ان المؤمنين لم يطمانوا الى الدنيا ببقائهم فيها، و لم يامنوا قدومهم الآخرة. يا جابر! الآخرة دار قرار، و الدنيا دار فناء و زوال، و لكن اهل الدنيا اهل غفلة، و كان المؤمنون هم الفقهاء اهل فكرة و عبرة، لم يصمهم عن ذكر الله-جل اسمه-ما سمعوا باذانهم، و لم يعمهم عن ذكر الله ما راوا من الزينة باعينهم ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم‏» و قال الصادق-عليه السلام-: «مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله‏» . و قال: فيما ناجى الله-عز و جل-به موسى:

    «يا موسى! لا تركن الى الدنيا ركون الظالمين و ركون من اتخذها ابا و اما يا موسى! لو وكلتك الى نفسك لتنظر لها اذن لغلب عليك حب الدنيا و زهرتها يا موسى! نافس في الخير اهله و استبقهم اليه، فان الخير كاسمه، و اترك من الدنيا ما بك الغنى عنه و لا تنظر عينك الى كل مفتون بها و موكل الى نفسه، و اعلم ان كل فتنة بدؤها حب الدنيا، و لا تغبط احدا بكثرة المال فان مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق و لا تغبطن احدا برضى الناس عنه. حتى يتعلم ان الله راض عنه، و لا تغبطن مخلوقا بطاعة الناس له، فان طاعة الناس له و اتباعهم اياه على غير الحق هلاك له و لمن تبعه‏»

    و اوحى الله-تعالى-الى موسى و هارون لما ارسلهما الى فرعون: «لو شئت ان ازينكما بزينة من الدنيا، يعرف فرعون حين يراها ان مقدرته تعجز عما اوتيتما لفعلت، و لكنى ارغب لكما عن ذلك و ازوى ذلك عنكما و كذلك افعل باوليائى، اني لازويهم عن نعيمها، كما يزوى الراعى الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة، و انى لاجنبهم عيش سلوتها، كما يجنب الراعى الشفيق ابله عن مواقع الغرة، و ما ذلك لهوانهم علي، و لكن ليستكلموا نصيبهم من كرامتى سالما موفرا، انما يتزين لي اوليائي: بالذل و الخشوع و الخوف و التقوى‏» . و قال الكاظم-عليه السلام-: «قال ابو ذر -رحمه الله-: جزى الله الدنيا عن مذمة بقدر رغيفين من الشعير، اتغذى باحدهما و اتعشى بالآخر، و بعد شملتى الصوف، اتزر باحداهما و اتردى بالاخرى‏» . و قال لقمان لابنه: «يا بني! بع دنياك باخرتك تربحهما جميعا، و لا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا. و قال له: «يا بني! ان الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله-عز و جل-و حشوها الايمان، و شراعها التوكل على الله، لعلك ناج و ما اراك ناجيا» . و قال:

    «يا بني! ان الناس قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له، و انما انت عبد مستاجر قد امرت بعمل و وعدت عليه اجرا، فاوف عملك و استوف اجرك، و لا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع اخضر فاكلت‏حتى سمنت، فكان حتفها عند سمنها، و لكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها و تركتها، و لم ترجع اليها آخر الدهر، اخر بها و لا تعمر، فانك لم تؤمر بعمارتها، و اعلم انك ستسال غدا اذا وقفت‏بين يدى الله-عز و جل- عن اربع: شبابك فيما ابليته، و عمرك فيما افنيته، و مالك مما اكتسبته.

    و فيما انفقته، فتاهب لذلك، و اعد له جوابا، و لا تاس على ما فاتك من الدنيا. فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، و كثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك و جد في امرك، و اكشف الغطاء عن وجهك، و تعرض لمعروف ربك، و جدد التوبة في قلبك، و اكمش في فراغك قبل ان يقصد قصدك، و يقضى قضاؤك، و يحال بينك و بين ما تريد» .
    و قال بعض الحكماء: «الدنيا دار خراب، و اخرب منها قلب من يعمرها. و الجنة دار عمران، و اعمر منها قلب من يعمرها» . و قال بعضهم: «الدنيا لمن تركها، و الآخرة لمن طلبها» . و قال بعضهم:
    «انك لن تصبح في شي‏ء من الدنيا الا و قد كان له اهل قبلك، و يكون له اهل بعدك، و ليس لك من الدنيا الا عشاء ليلة و غداء يوم، فلا تهلك نفسك في اكلة، و صم الدنيا، و افطر على الآخرة، فان راس مال الدنيا الهوى، و ربحها النار» . و قال بعض اكابر الزهاد: «الدنيا تخلق الابدان و تجدد الآمال، و تقرب المنية، و تبعد الامنية، و من ظفر بها تعب، و من فاتته نصب‏» ، و قال بعضهم: «ما في الدنيا شي‏ء يسرك الا و قد التزق به شي‏ء يسؤك‏» . و قال آخر: «لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا الا بحسرات ثلاث: انه لم يشبع مما جمع، و لم يدرك ما امل، و لم يحسن الزاد لما قدم عليه‏» و قال حكيم: كانت الدنيا و لم اكن فيها، و تذهب و لا اكون فيها، فكيف اسكن اليها؟ فان عيشها نكد، و صفوها كدر، و اهلها منها على وجل، اما بنعمة زائلة، او بلية نازلة، او منية قاضية‏» .

    و قال بعض العرفاء: «الدنيا حانوت الشيطان، فلا تسرق من حانوته شيئا، فيجى‏ء في طلبك و ياخذك‏» . و قال بعضهم: «لو كانت الدنيا من ذهب يفنى و الآخرة من خزف يبقى، لكان ينبغي ان يختار العاقل خزفا يبقى على ذهب يفنى، فكيف و الآخرة ذهب يبقى و الدنيا ادون من خزف يفنى؟ » و قد ورد: «ان العبد اذا كان معظما للدنيا، يوقف يوم القيامة، و يقال: هذا عظم ما حقره الله‏» . و روى: «انه لما بعث النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-اتت ابليس جنوده، فقالوا: قد بعث نبي و اخرجت امة، قال: يحبون الدنيا؟ قالوا: نعم! قال: ان كانوا يحبونها ما ابالي الا يعبدوا الاوثان، و انا اغدو عليهم و اروح بثلاثة:

    اخذ المال من غير حقه، و انفاقه في غير حقه، و امساكه عن حقه، و الشر كله لهذا تبع‏» . و روى: «انه اوحى الله تعالى الى بعض انبيائه احذر مقتك، فتسقط من عيني، فاصب عليك الدنيا صبا» . و قال بعض الصحابة: «ما اصبح احد من الناس في الدنيا الا و هو ضيف، و ماله عارية. فالضيف مرتحل، و العارية مردودة‏» . و قال بعضهم: «ان الله جعل الدنيا ثلاثة اجزاء: جزء للمؤمن، و جزء للمنافق، و جزء للكافر

    فالمؤمن يتزود، و المنافق يتزين، و الكافر يتمتع‏» . و قيل: «من اقبل على الدنيا احرقته نيرانها حتى يصير رمادا، و من اقبل على الآخرة صفته نيرانها فصار سبيكة ذهب ينتفع بها، و من اقبل على الله سبحانه، احرقته نيران التوحيد، فصار جوهرا لاحد لقيمته‏» . و قيل ايضا: «العقلاء ثلاثة: من ترك الدنيا قبل ان تتركه، و بنى قبره قبل ان يدخله و ارضى خالقه قبل ان يلقاه‏» . و سال بعض الامراء رجلا بلغ عمره مائتي سنة عن الدنيا، فقال:

    «سنيات بلاء و سنيات رخاء، يوم فيوم، و ليلة فليلة، يولد ولد، و يهلك هالك، فلو لا المولود باد الخلق، و لو لا الهالك لضاقت الدنيا بمن فيها» ، فقال له الامير: سل ماشئت، قال: «اريد منك ان ترد علي ما مضى من عمرى، و تدفع عني ما حضر من اجلى‏» ، قال: لا املك ذلك، قال:
    «فلا حاجة لى اليك‏» .

    و الاخبار و الآثار في ذم الدنيا و حبها، و في سرعة زوالها و عدم الاعتبار بها، و في هلاك من يطلبها و يرغب اليها، و في ضديتها للاخرة، اكثر من ان تحصى. و ما ورد في ذلك من كلام ائمتنا الراشدين، (لا) سيما عن مولانا امير المؤمنين-صلوات الله عليهم اجمعين الى يوم الدين-فيه بلاغ لقوم زاهدين. و من تامل في خطب على عليه السلام و مواعظه كما في نهج البلاغة و غيره-يظهر له خساسة الدنيا و رذالتها. و قضية السؤال و الجواب بين روح الامين و نوح في كيفية سرعة زوال الدنيا مشهورة، و حكاية مرور روح الله على قرية هلك اهلها من حب الدنيا معروفة

    و لعظم آفة الدنيا و حقارتها و مهانتها عند الله، لم يرضها لاحد من اوليائه و حذرهم عن غوائلها، فتزهدوا فيها و اكلوا منها قصدا، و قدموا فضلا اخذوا منها ما يكفي، و تركوا مايلهى، لبسوا من الثياب ما ستر العورة، و اكلوا من الطعام ما سد الجوع، نظروا الى الدنيا بعين انها فانية، و الى الآخرة انها باقية، فتزودوا منها كزاد الراكب، فخربوا الدنيا و عمروا بها الآخرة، و نظروا الى الآخرة بقلوبهم فعلموا انهم سينظرون اليها باعينهم فارتحلوا اليها بقلوبهم لما علموا انهم سيرتحلون اليها بابدانهم صبروا قليلا و نعموا طويلا.

    كتاب جامع السعادات




    متى يا غريب الحي عيني تراكم ...وأسمع من تلك الديار نداكم

    ويجمعنا الدهر الذي حال بيننا...ويحظى بكم قلبي وعيني تراكم

    أنا عبدكم بل عبد عبد لعبدكم ...ومملوككم من بيعكم وشراكم

    كتبت لكم نفسي وما ملكت يدي...وإن قلت الأموال روحي فداكم

    ولي مقلة بالدمع تجري صبابة...حرام عليها النوم حتى تراكم

    خذوني عظاما محملا أين سرتم ...وحيث حللتم فادفنوني حذاكم
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎