إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الأسطورة الأوزيرية - فراس الســواح

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • الرؤيا الصادقة
    عضو نشيط
    • 24-08-2010
    • 281

    الأسطورة الأوزيرية - فراس الســواح

    الأسطورة الأوزيرية - فراس الســواح

    يواجه أي دارس للميثولوجيا المصرية صعوبة كبيرة تتمثل في انعدام النصوص الميثولوجية الكاملة التي تقص أحداثاً مطردة ومتسلسلة، وذلك على الرغم من وجود الكثير من الإشارات في النصوص الدينية والطقسية إلى أحداث ميثولوجية متنوعة، يُفترض أن كل مصري كان يعرفها عن طريق التناقل الشفهي من جيل لآخر. إننا نعرف اليوم كل أسماء الآلهة المصرية، والكثير من معابدها والطقوس المتصلة بها، ولكننا لا نعرف إلا القليل عن طبيعتها، ونادراً ما نستطيع تكوين فكرة واضحة عن الأساطير المتصلة بها. الأمر الذي يُضطر الباحث إلى جمع شتات المعلومات المتفرقة الواردة في النصوص الدينية والشعائرية، وفي الصلوات والتراتيل والتعازيم، وربطها ببعضها من أجل تكوين صورة عامة عن الأسطورة التي يرغب في إعادة بنائها. وهذا ما سوف نفعله هنا في تقديمنا للأسطورة المركزية في الديانة المصرية وهي أسطورة الإله أوزيرس. ولحسن الحظ، فإن بعض المؤلفين الإغريق ممن زاروا مصر وكتبوا عن حضارتها وديانتها في مطلع العصر الميلادي، مثل بلوتارك وديودورس قد تركوا لنا روايات مطردة عن الأسطورة الأوزيرية كما سمعوها وفهموها في أيامهم. ولكن هذه الروايات تبقى غير وافية وفيها الكثير من سوء فهم الأحداث الميثولوجية الأصلية، التي صرنا اليوم أكثر اطلاعاً عليها بسبب فك رموز الكتابة الهيروغليفية، ومقدرتنا على قراءة النصوص الأكثر قدماً في التاريخ المصري. وهذا ما يجعلنا في وضع أفضل لإكمال الروايات الإغريقية وردم الفجوات فيها والإضافة إليها.
    في البداية سوف نتقصى نسب أوزيريس، والعائلة الأوزيرية، ثم ننتقل إلى بسط الخطوط العامة للديانة الأوزيرية التي تدور أفكارها وممارساتها حول البعث والحياة الثانية، وأخيراً سوف نعطي موجزاً عن الأسطورة الأوزيرية كما وردت عند الإغريق، ونكملها بما قدمته لنا النصوص المصرية نفسها.
    العائلة الأوزيرية:
    رع:
    في البدء كان المحيط البدئي المدعو نون، مياهاً ممتدة بلا حدود تحتوي على بذور الممكنات كلها. ثم إن بذور الممكنات تلاقحت وأنتجت إله الشمس رع، الذي أقام في حضن المحيط البدئي تحت اسم أتوم. ولكي يحمي ضياءه من الانطفاء كان يبقي عينيه مغلقتين ويحيط نفسه بحوض من أزهار اللوتس. إلى أن جاء يوم تعب فيه من حالته الكمونية هذه، فنهض بإرادته وقوته الخاصة من الهوة، وتجلى تحت اسم رع. وبعد ذلك أنجب دونما شريك الزوجين الإلهيين الأولين، وهما شو- الهواء، وتفنوت- الرطوبة، وهذان بدورهما أنجبا جيب- الأرض، ونوت- السماء اللذين كانا ملتصقين في حالة حب دائم. ثم إن جيب ونوت أنجبا بدورهما أوزيريس وإيزيس وسيت ونفتيس، فتزوج أوزيريس من إيزيس وتزوج سيت من نفتيس. هؤلاء هم الآلهة الثمانية العظام الذين يشكلون مع رع التاسوع المقدس في الديانة المصرية. وبعد ذلك بمدة أنجب أوزيريس وإيزيس ابنهما حوروس، أما سيت فقد بقي عاقراً. وسوف نشرح فيما يلي باختصار طبيعة وخصائص كل من بقية أفراد هذا التاسوع.
    شو:
    الاسم مشتق من فعل يفيد معنى الرفع، ويمكن ترجمته بالذي يمسك. هو أطلس الميثولوجيا المصرية الذي يدعم السماء أن تقع. أنجبه وأخته تفنوت الإله رع دون الاستعانة بامرأة. فكانا الزوجين الأولين في التاسوع المقدس. وبناءً على أوامر رع فقد انزلق شو بين الزوجين الآخرين في التاسوع جيب- الأرض ونوت- السماء، اللذين كانا ملتصقين ففصلهما بقوة رافعاً نوت إلى الأعلى حيث أبقاها مستوية على ذراعيه. وبذلك يلعب شو في الميثولوجيا المصرية نفس الدور الذي لعبه إنليل إله الهواء السومري عندما فصل الأرض عن السماء. وقد خلف شو أباه رع على حكم الأرض فكان ثاني فرعون إلهي، بعد أن ارتفع رع إلى السماء جراء نكران البشر وجحودهم. ثم ما لبث شو أيضاً أن ترك الأرض لسأمه من البشر وارتفع إلى الأعلى تاركاً الحكم لابنه جيب.
    تيفنوت:
    كانت أخت شو التوأم وزوجته. وهي إلهة للندى والمطر. تصورها النصوص كنسخة باهتة من شو، تساعده على حمل السماء، وتتلقى منه في كل صباح الشمس المولودة من جديد وهي تبزغ من وراء الجبال الشرقية.
    جيب:
    يشكل مع زوجته نوت الزوج الثاني في التاسوع المقدس. وهو الإله الأرض، والأساس المادي للعالم. منذ أن فصله الهواء شو عن زوجته نوت- السماء، بقي دون عزاء يُسمع نواحه ليل نهار. تصوره الأعمال الفنية مستلقياً تحت قدمي شو محاولاً النهوض على مرفق واحد وركبته مطوية. وهو في هذه الوضعية يرمز إلى الجبال وتموجات قشرة الأرض. وقد تغطي جسمه أحياناً الخضرة النباتية. كان جيب الفرعون الإلهي الثالث الذي تربع على العرش بعد شو. وقد أنجب وزوجته نوت الأسرة الأوزيرية قبل انفصالهما. وقبل صعوده إلى السماء لاحقاً بأسلافه سلّم الحكم من بعده لابنه الأكبر أوزيريس.
    نوت:
    وتمثل السماء. كانت الأخت التوأم لجيب، تزوجت منه ضد إرادة كبير الآلهة رع، فأمر رع إله الهواء شو أن يفصل بينهما، وحكم على نوت ألا تُنجب مولوداً في أي شهر من شهور السنة. وعلى ما يرويه الكاتب اليوناني بلوتارك، فإن إله الكتابة والحكمة تحوث قد أشفق على نوت، واحتال بذكائه على قرار رع. دعا تحوث القمر إلى لعبة الداما وربح منه في عدة جولات سبعين جزءاً من ضوئه، صنع منها خمسة أيام جديدة لم تكن محسوبة في التقويم المصري الذي تُعد أيامه 360 يوماً فقط، وهي الأيام الخمسة الكبيس التي كان المصريون يضيفونها في كل عام على التقويم القديم للملاءمة بين التقويم القمري والتقويم الشمسي. وبذلك أُتيح لنوت إنجاب خمسة مواليد في هذه الأيام دون انتهاك قرار رع، وهم العائلة الأوزيرية. تُصور نوت غالباً على هيئة امرأة يشكل جسدها قوساً فوق الأرض وبطنها مرصع بالنجوم. كما تُصور أحياناً على هيئة بقرة سماوية يشكل بطنها قبة السماء.
    بعد هؤلاء الأسلاف، ننتقل إلى العائلة الأوزيرية.
    أوزيريس:
    وهذا الاسم هو الشكل اليوناني للاسم المصري أوزير. ارتقى العرش بعد جيب فكان الفرعون المؤله الرابع، واتخذ من أخته إيزيس زوجة له. كان وسيماً داكن البشرة وأطول قامة من باقي الآلهة. حكم بالعدل وعمل على تحضير البشر وعلمهم زراعة الحبوب والكرمة وصنع الخبز والجعة والخمرة، كما علمهم عبادة الآلهة وبناء المعابد لها. ثم ترك الحكم مؤقتاً لزوجته إيزيس وسافر ليعمل على تحضير بقية أنحاء العالم. ولدى عودته إلى مصر وقع ضحية مؤامرة دبرها أخوه الحسود سيت، الذي قتله وقطع جثته إلى أربع عشرة قطعة وزعها في أماكن متفرقة لكي لا يمكن العثور عليها. ولكن إيزيس استطاعت العثور عليها جميعاً فضمتها إلى بعضها بعضاً ثم أدت لأول مرة شعائر التحنيط التي أعادت الإله القتيل إلى الحياة الأبدية. ومن لقائهما الذي تلى البعث ولد لهما حوروس. بعد أن بُعث أوزيريس وجعله هذا البعث في أمان من الموت، كان باستطاعته استعادة عرشه والبقاء حاكماً على الأحياء، ولكنه فضّل هجران هذه الأرض والسكن في أحضان الحقول الفردوسية مقر الأرواح الصالحة ليحكم عالم الموتى، وتحول إلى إله للعالم الآخر يحاسب أرواح الموتى ويقرر مصيرها. وهذا ما جعله من أكثر الآلهة شعبية لأنه منح عباده الأمل في حياة أخرى، وطرح لأول مرة نموذجاً في البعث من الموت يمكن لكل إنسان صالح أن يحققه. وقد عُبد أوزيريس مع إيزيس وحوروس في كل مقاطعات مصر، وشكلوا معاً ثالوثاً مقدساً.
    اشتهر أوزيريس بكثرة أسمائه، وأُطلق عليه لقب كثير الأسماء. وهنالك نحو مئة من أسمائه مذكورة في تراتيل كتاب الموتى المصري. تصوره الرسوم والمنحوتات في وضعية الوقوف، أو جالساً على العرش، أو على هيئة مومياء ملفوفة بأقمطة التحنيط وعلى رأسه تاج مصر العليا. أما يداه فمحررتان من القماط ومطويتان على الصدر، يحمل بهما السوط والصولجان المعقوف رمز السلطة المطلقة.
    إيزيس:
    والاسم هو الشكل اليوناني للاسم المصري أسيت، أو إيسيت. كانت الابنة الأولى لجيب ونوت؛ ولدت في مستنقعات الدلتا في اليوم الكبيس الرابع. اعتلت العرش إلى جانب زوجها وأخيها أوزيريس وساعدته في عملية تحضير مصر، فعلمت النساء طحن الذرة وغزل الكتان وحياكة القماش، كما علمت الرجال فن شفاء الأمراض وعودتهم على الحياة الأسرية. وبعد أن أعادت الحياة لزوجها القتيل عن طريق السحر وشعائر التحنيط، انسحبت إلى مستنقعات الدلتا خوفاً من انتقام أخيها سيت القاتل، وتفرغت لتربية ابنها حورس وجهزته للانتقام لأبيه من عمه سيت.
    اشتهرت بالسحر، ولم يكن الآلهة أنفسهم بمنجاة من سحرها. عُبدت في جميع أصقاع مصر حتى أنها استوعبت إليها بقية الإلهات. ثم تجاوزت عبادتها حدود مصر خلال الحقبة الهيلينستية والرومانية، حتى وصلت ضفاف نهر الراين. وفي وادي النيل بقي عبادها على إخلاصهم لها حتى منتصف القرن السادس الميلادي عندما أغلق الإمبراطور البيزنطي جوستنيان معبدها الرئيسي في مصر وحوله إلى كنيسة.
    تُصور إيزيس في الفن التشكيلي على هيئة امرأة تضع على رأسها تاجاً يتخذ شكل قرني بقرة بينهما قرص وتحف به ريشتان. كما نجدها أحياناً بجسم بشري ورأس بقرة. كما نجدها إلى جانب زوجها تساعده أو تحميه بذراعيها المجنحتين، أو نراها تنوح وتولول عند أسفل التابوت، أو في وضعية المرضع وهي تلقم ثديها لابنها حورس، أو تعاضده في صراعه مع سيت.
    سيت:
    كان الأخ الشرير لأوزيريس، وُلد قبل الأوان من نوت في اليوم الكبيس الثالث، عندما انتزع بعنف نفسه من رحم أمه. كان فظاً متوحشاً وله بشرة بيضاء وشعر أحمر، وهو أمر ينفر منه المصريون ويرون فيه ما يشبه جلد الحمار. يمثل سيت روح الشر المعارض أبداً لروح الخير المتمثل في أوزيريس؛ وهو يجسد الصحراء والجفاف والظلام، بينما يمثل أوزيريس الأرض الخصبة والماء والضوء. إن كل ما ينضوي تحت زمرة الخلق والبركة يأتي من أوزيريس، وكل ما ينضوي تحت زمرة التدمير والفساد يأتي من سيت. من هنا فإن كل حيوانات الصحراء وكل الحيوانات والحشرات المؤذية تنتمي إلى سيت. وهو يصور أحياناً على هيئة وحش خرافي ذي خرطوم طويل ومنحني وأذنين منتصبتين وذيل قاس ومشعب. وقد يصور على هيئة رجل يحمل رأس هذا المخلوق.
    نيفتيس:
    والاسم هو الشكل اليوناني للاسم المصري نيبتيث. اتخذها أخوها سيت زوجةً له ولكنها لم تنجب منه، وإنما أنجبت من أوزيريس بعد أن سقته خمراً حتى فقد وعيه وأخذته بين ذارعيها فأنجبت منه أنوبيس الذي تصوره الأعمال التشكيلية على هيئة رجل له رأس ابن آوى. عندما ارتكب سيت جريمته بحق أوزيريس هجرته نفتيس وانضمت إلى بطانة أوزيريس، وراحت تساعد أختها على تحنيط جثة زوجها. يجري تصويرها مع أختها إيزيس على أغطية التوابيت الداخلية وهما تبسطان أجنحتهما على الميت وتحميانه مثلما حمتا أوزيريس.
    حوروس الأصغر:
    ويدعى بهذا الاسم تمييزاً له عن حوروس الأكبر الذي يمثل السماء وتمثل عيناه جرماها الكبيرين الشمس والقمر. أنجبته إيزيس من أوزيريس بعد أن أعادت الحيوية للجثة الميتة. وُلد قبل الأوان وربته أمه في عزلة خوفاً من مؤامرات سيت. وخلال مراحل نموه كان أوزيريس يظهر له من حين لآخر ويدربه على استخدام الأسلحة التي تفيده في شن الحرب على عمه سيت والمطالبة بميراث أبيه. دامت الحرب بين الطرفين طويلاً؛ ولكي يتم إيقافها دُعيت محكمة الآلهة إلى الانعقاد ونودي على الخصمين للمثول أمامها. ادعى سيت أن حوروس ليس الابن الشرعي لأوزيريس، ولكن حوروس نجح في التوكيد على صحة نسبه؛ وكان من نتيجة ذلك أن أعاد الآلهة إلى حوروس ميراثه وأعلنوه حاكماً على المصريين. وهكذا أعاد حوروس توطيد سلطة أوزيريس في كل مكان، وأقام المعابد التي تظهر على جدرانها صورة في صراعه مع سيت وأتباعه. حكم مصر بهدوء واعُتبر سلفاً للفراعنة الذين اتخذ كلٌ منهم لقب حوروس الحي.
    المعتقد الأوزيري:
    من هذا العرض السريع الذي قدمناه لتاريخ العائلة الأوزيرية، نخلص إلى القول بأن اوزيريس لم يكن إلهاً جديداً على البانثيون المصري؛ ولدينا من الدلائل ما يشير إلى أنه كان إلهاً للخصب منذ مطلع التاريخ المصري. وكما هو حال آلهة الخصب الأخرى، فقد كان أوزيريس إلهاً مات وبُعث من الموت في الأزمنة الميثولوجية الأولى، مؤسساً بذلك لدورة الطبيعة السنوية ولموت وبعث الحياة النباتية. ولذا فقد كان المزارعون يحتفلون سنوياً بذكرى موته ثم بذكرى قيامه من بين الأموات، من خلال طقوس قديمة ومتجذرة في العصر الحجري. خلال عصر المملكة القديمة تعايشت عبادة أوزيريس مع عبادة رع ومع عبادة حوروس الأكبر الصقر السماوي. ولكن ميثولوجيا أوزيريس أخذت بالتغير عقب الفترة المعترضة الأولى في التاريخ المصري، وهي فترة الاضطرابات العامة التي أنهت عصر المملكة القديمة ومهدت لعصر المملكة الجديدة، في نهاية الألف الثالث ومطلع الألف الثاني قبل الميلاد؛ فقد تحول أوزيريس من إله للخصب إلى إله للموتى وقاض في العالم الآخر.
    خلال عصر المملكة القديمة كان الملك المتوفى يدعى أوزيريس، كناية عن التماهي مع الإله الذي قهر الموت وبُعث إلى عالم الآلهة. وكانت عبادة أوزيريس موجهة بالدرجة الأولى نحو معونة الفرعون على تحقيق خلوده الفردي. وعندما صارت التعاويذ السحرية التي ترافق دفن الملوك متاحة للنبلاء، وصار بمقدورهم تمويل بناء مدافن صرحية لهم على طريقة الفراعنة، صار كل واحد منهم يتحول إلى أوزيريس في العالم الآخر. ولكن مع صعود الميثولوجيا الأوزيرية الجديدة وشيوع عبادة أوزيريس بشكلها الشعبي، صار بإمكان كل متوفى أن يصبح أوزيريساً وينعم بالخلود، وذلك بصرف النظر عن وضعه الاجتماعي ومنبته الطبقي، شريطة أن يؤمن بأوزيريس مُخلِّصاً، ويسلك سلوكاً أخلاقياً خلال الحياة الدنيا، ويجهِّز له مدفناً يتوفر فيه الحد الأدنى من الشروط اللازمة لراحة روحه، وأداء أهله للطقوس الجنائزية القديمة. إن ما قدمته الأوزيرية بشكلها الشعبي للمعتقدات المصرية، هو التوكيد على عنصر الأخلاق الاجتماعية وربطها بالدين وبمعتقد الخلود. وعلى الرغم من أن المصريين استمروا حتى نهاية تاريخهم يجلّون الطقوس القديمة ويؤمنون بالتعاويذ والرقى السحرية، إلا أن الأوزيرية قد رفعت الأخلاق إلى مستوى يزيد عما للطقوس من أهمية فيما يتعلق بالحياة الثانية.
    لقد أحدثت الفترة المعترضة الأولى، في نهاية الألف الثالث ق.م، تغييرات عميقة في المعتقدات الدينية المصرية. فلقد كان من نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي للأسرة الملكية وزوال هيبتها السياسية، أن الملوك قد فقدوا هالة الألوهية التي كانت تحيط بهم وتجعلهم صنفاً من البشر- الآلهة، وأخذ الناس ينظرون إلى الملك كمجرد حاكم من حكام الأقاليم. أما حكام الأقاليم والنبلاء فقد أخذوا بالاستقلال وبناء قصورهم الخاصة وتنمية ثرواتهم المحلية، فاستغنوا عن الفرعون الذي لم يعد مصدر قوتهم وجاههم وتمكنيهم في مناصبهم، ولم يعد بالتالي شفيعهم من أجل الخلود في العالم الآخر. وبعد أن كانوا يبنون مدافنهم قرب مدفن الفرعون بمعونة من القصر الملكي، فقد راحوا يبنون صروح دفن لهم فاقت مع الأيام مدافن الملوك، ويسعون لتحقيق الخلود دون شفاعة الفرعون ووساطته.
    ولم يمضِ وقت طويل حتى أخذت كل شرائح الشعب تتطلع إلى الخلود، وولدت فكرة الجنة السماوية المعدة للصالحين بصرف النظر عن منشئهم الطبقي، وساد ما يمكن تسميته بديمقراطية الخلود. فمنذ هذه الفترة الحالكة في التاريخ المصري صار الإله الصاعد أوزيريس هو الشفيع الوحيد للموتى، وهو الذي يمسك بمفاتيح العبور إلى العالم الآخر، ومنذ هذه الفترة أيضاً تم ربط الأخلاق بالدين؛ فإذا كان الفرعون يلتحق بعالم الآلهة بسبب نسبه الإلهي، وإذا كان النبلاء والأمراء يلتحقون به نتيجة شفاعته أو لما يقدرون على بنائه من مقابر فارهة وأداء الطقوس الباهظة التكاليف، فإن بقية شرائح المجتمع صارت تأمل في الخلود عن طريق إيمانها بإله مخلّص وإتيانها لصالح الأعمال. فلقد كان أوزيريس إلهاً أخلاقياً بالدرجة الأولى، يحضُّ على الفضائل ويُجزي بها، ويكره الرذائل ويعاقب عليها.
    كانت الأوزيرية عبادة آخروية تركز على النهايات دون كبير عناية بالبدايات. فقد كان المصري حراً لينخرط خلال حياته في أي عبادة، محلية كانت أم إمبراطورية رسمية، ويؤمن بأي معتقد في التكوين والأصول والبدايات، ويؤدي ما يشاء من الطقوس لمن يشاء من القوى العليا؛ ولكنه عند التفكير بالموت والتهيئة لرحلة العالم الآخر (الذي يدعى في الهيروغليفية المصرية آخريت، كما في العربية، فإنه يلتفت إلى أوزيريس ويؤدي ما يتوجب عليه أداؤه لكي يؤمّن مزدلفاً آمناً إلى الحياة الثانية. فلقد كان أوزيريس مُطَّلعاً على أحوال الناس جمعياً ويعرف مسبقاً عدد سنوات حياة كل منهم ووقت مماته، وكل شيء مدون لديه في لوح القدر الذي تسجل فيه الآجال ويُحدد لكل امرئ نصيبه من الأيام. وإلى جانب لوح القدر هذا فإن أوزيريس يحتفظ أيضاً بسجل يدعى سجل المصائر، تدوَّن فيه أعمال جميع البشر، ويشرف عليه إلهان هما تحوث وسيشيا، اللذان يحصيان الأعمال الصالحة والطالحة لكل إنسان ويحفظانها إلى يوم الحساب، عندما تُفتح السجلات ويُرى كل واحد عمله في حضرة ربه أمام الميزان المنصوب في قاعة العدالة.
    عندما يفلح الميت في عبور المفازات المرعبة التي تفصل عالم الأحياء عن عالم الأموات، وذلك بفضل الرقى السحرية المودعة في مدفنه، يلقاه أنوبيس إله المدافن وراعي التحنيط الذي يحمل رأس ابن آوى، فيقوده من يده ويدخله إلى قاعة العدالة، وهي قاعة فسيحة يتصدرها أوزيريس جالساً على عرشه ووراءه تقف الإلهتان إيزيس ونفتيس، وعلى محيط القاعة يجلس آلهة أقاليم مصر الاثنين والأربعين. أمام أوزيريس هنالك ميزان كبير منصوب يقف قربه الإله تحوث إلى الحكمة والكتابة في هيئة قرد، وعلى الجهة الأخرى للميزان يقف الوحش عم- ميت آكل الموتى، متحفزاً للانقضاض على الميت والتهامه إذا ثبتت إدانته. ولدى مرور الميت أمام آلهة أقاليم مصر يعدد براءته من اثنين وأربعين خطيئة لم يرتكبها في حياته، ومعظمها يندرج تحت زمرة الخطايا الأخلاقية التي تسيء إلى الآخرين، وحتى إلى الحيوانات. وهذه فقرات مختارة منها:
    لم أقم بعمل شرير يؤذي أحداً من الناس.
    لم أسئ معاملة الماشية والأنعام.
    لم أكن قاسياً على أحد من الفقراء.
    لم أتسبب بمرض أحد من الناس.
    لم أقتل ولم أعط أمراً بالقتل.
    لم أتسبب في عذاب أحد.
    لم أُزد ولم أنقص في مكيال الحبوب.
    لم أمنع الماء عن الآخرين في موسم السقاية.
    لم أسرق.
    لم أكذب.
    لم آخذ ربا من أحد.
    لم أنم مع زوجة رجل آخر.
    ...... إلخ.
    بعد ذلك يؤتى بالميت أمام الميزان فيوضع قلبه في أحدى الكفتين، وتوضع ريشة طائر في الكفة الأخرى، وهي رمز معات إلهة العدالة والحق والقانون. والمطلوب هنا أن يتعادل بدقة قلب الإنسان (الذي هو مقر العقل والعواطف والنوايا والأفكار، وبالتالي يحتوي سجلاً كاملاً لجميع الأعمال) مع رمز العدالة والحق. وبعد أن يقوم الإله أنوبيس بفحص النتيجة يبلغها للإله تحوث الواقف خلفه، فيدونها في سجل يمسك به ثم يعلنها لأوزيريس. فإذا وُجد الميت مذنباً انقض عليه الوحش والتهمه، وإذا وجد بريئاً اقتاده الإله حوروس إلى حضرة أوزيريس قائلاً: «جئت إليك بفلان الذي وجدنا قلبه صالحاً، وقد اجتاز الميزان ووُزن قلبه وفقاً للأمر الذي نطقتْ به جماعة الآلهة، فامنحه كعكاً وجعة واسمح له بالدخول إلى حضرتك». عند ذلك يركع الميت أمام أوزيريس ويخاطبه قائلاً: «أنا في حضرتك يا رب، ليس فيَّ ذنب. فأنا ما كذبت عمداً، ولا فعلتُ شيئاً عن سوء نية، فاجعلني بين من آثرتهم بفضلك وجعلتهم في صحبتك، لعلي أصير أوزيريساً يؤثره الإله الجميل بفضله، ومحبوباً من قبل رب العالمين». وهنا يأتي الجواب المنتظر من أوزيريس: «دعوا الميت ينصرف سالماً منتصراً. دعوه يمضي حيث يشاء، ويعيش في صحبة الآلهة وبقية الأرواح الصالحة».
    تدعى الجنة الأوزيرية بحقول القصب، وهي عبارة عن أرض خصبة تقع وراء الأفق الغربي تتخللها شبكة من القنوات المائية تجعلها أشبه بالجُزُر المتقاربة، وتهبها خصباً وخضرة دائمة، فيها ينمو الزرع والشجر من كل نوع، وتعيش أرواح الصالحين خالدة إلى أبد الآبدين.
    أما عن علاقة الميت بجسده الذي تركه في القبر فمسألة إشكالية في المعتقدات المصرية. ذلك أن النصوص تشير صراحةً إلى أن روح الإنسان الصالح تنتقل من الجسد لتعيش مع الأبرار في الجنة الأوزيرية، أما الجسد الفيزيائي فلا يُبعث أبداً ولا يغادر القبر. ومع ذلك فقد استمر المصريون يحافظون على جثث أمواتهم منذ بداية التاريخ المصري وحتى نهاياته. فما الفائدة من الجسد المادي إذاً، إذا لم يكن مُعداً للبعث ولحلول الروح فيه مرة أخرى؟ إن الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر السهل، ولن يكون قاطعاً بحال من الأحوال. فنحن في دراستنا للدين المصري لا نواجه معتقداً موحداً ثابتاً عبر العصور، بل معتقداً متغيراً تتداخل حلقاته عبر ثلاثة آلاف سنة، وتحتوي كل حلقة على أثر باقٍ من الحلقات السابقة. يضاف إلى ذلك أن الكهنة المصريين لم يعمدوا أبداً إلى صياغة لاهوت متماسك، ولم يُعبروا عن معتقداتهم بطريقة منهجية منظمة، ولم يدونوا أساطيرهم المتداولة بنصوصها الكاملة. ولعل الجواب الأكثر إقناعاً عن علاقة الروح بالجسد هو إن طقوس الدفن وما يرافقها من تعاويذ وصيغ سحرية تحول الجثة إلى جسد أثيري ينبثق منها ويتجه إلى العالم الآخر. وهذا الجسد الأثيري يشبه تماماً الجسد المحفوظ، وهو الذي تُبعث فيه الروح إلى حياتها الثانية. يضاف إلى ذلك أن الروح، ولأسباب نجهلها، تبقى بحاجة لأن تزور جسدها من وقت لآخر، وتقيم معه لفترات معينة.
    الأسطورة الأوزيرية وفق الرواية الإغريقية:
    تزوجت نوت إلهة السماء من جيب إله الأرض دون أن يكون كبير الآلهة رع راضياً عن هذا الزواج، فحكم عليها ألا تنجب في أي شهر من شهور السنة. ولكن الإله تحوث أشفق على نوت من هذه اللعنة ورغب في مساعدتها، فدعا القمر، الذي يصنع بدورته الشهرية الزمان ويرتب السنة المصرية في اثني عشر شهراً، إلى لعبة الداما وربح منه في كل يوم سبعين ثانية جمعها بعد ذلك في خمسة أيام أضافها إلى شهور السنة المصرية القمرية التي كانت تتألف من ثلاثمائة وستين يوماً فقط. وهذا هو الأصل الميثولوجي للأيام الكبيسة الخمسة التي كان المصريون يضيفونها إلى السنة القمرية في نهايتها من أجل الملاءمة بين التقويم القمري والتقويم الشمسي. وبذلك استطاعت نوت أن تنجب خمسة أولاد في هذه الأيام الكبيسة التي تقع خارج التقويم المصري، دون أن تطالها لعنة رع. في اليوم الأول أنجبت بكرها أوزيريس. وحال ولادته سُمع صوت ارتج له الكون يُعلن: «إن رب العالمين قد جاء إلى الوجود». وفي اليوم الثاني ولدت نوت حورس الأكبر، وفي اليوم الثالث سيت. وفي الرابع إيزيس، وفي الخامس نيفتيس. وبعد ذلك تزوج سيت من نيفتيس، وتزوج أوزيريس من إيزيس.

    حكم أوزيريس مصر وأبطل العادات الهمجية القديمة، ومنع أكل لحوم البشر، وعلم المصريين زراعة القمح والشعير اللذين اكتشفتهما إيزيس في حالتهما البرية، وعلمهم صناعة الخبز وأكله، وزودهم بالقوانين والشرائع الناظمة لحياتهم وكان أول من رفع شجيرات الكرمة على مناصب، وأول من عصر العنب بطريقة الدوس وصنع منه خمراً. ونظراً لرغبته في نشر أصول التحضر في بقية أرجاء العالم، فقد عهد بالحكم لأخته وزوجته إيزيس، وسافر في كل الاتجاهات وأوصل إلى كل البلدان الأخرى منافع هذه الاكتشافات الأولى، ونشر الزراعة والتحضر أينما حل. وكان يعمل على نشر تعاليمه باللين والحسن والإقناع، ويستميل إليه الناس بالأغاني والموسيقى العذبة. خلال غيابه أدارت إيزيس البلاد بحكمة وتدبير، بالرغم من محاولات أخيها سيت الهادفة إلى إفساد مخططاتها وتخريب منجزاتها.
    لدى عودة أوزيريس إلى مصر، كان أخاه سيت الشرير قد عزم على التخلص منه والاستيلاء على عرشه وزوجته، فدبر له مؤامرة شاركه فيها اثنان وسبعون شخصاً من أعوانه، إضافةً إلى ملكة إثيوبيا المدعوة آسو. حصل سيت سراً على مقاسات جسد أوزيريس وصنع صندوقاً وفق هذه المقاييس، وزينه بأحلى الرسوم ثم وضعه في غرفة طعامه. بعد ذلك دعا سيت أوزيريس إلى وليمة في بيته حضرها المتآمرون جميعاً، وبينما هم يشربون ويمرحون، راح كل منهم يبدي إعجاباً فائقاً بالصندوق. وهنا انبرى سيت وأبدى استعداده لأن يهب الصندوق لمن يناسبه مقاسه ويستلقي فيه براحة. فراح المتآمرون واحداً بعد الآخر يحاولون التمدد في الصندوق دون جدوى، وعندما أبدى أوزيريس رغبته في المشاركة وتمدد في الصندوق بكل راحة، انقض عليه المتآمرون فأطبقوا الغطاء وسمروه ثم صبوا عليه الرصاص المصهور، فمات أوزيريس في داخله اختناقاً، ثم ألقوه إلى نهر النيل. وقد وقع هذا في اليوم السابع عشر من شهر هاتور (أو أثير) عندما كانت الشمس في برج العقرب، في السنة الثامنة والعشرين من حكم أوزيريس (وفي رواية أخرى عندما كان أوزيريس في سن الثامنة والعشرين).

    عندما سمعت إيزيس بما حصل لزوجها قصت إحدى جدائل شعرها وارتدت ثياب الحداد، ثم راحت في ذهول تبحث عن جثته في كل مكان، إلى أن نصحها تحوث أن توجه أنظارها إلى منطقة الدلتا حيث مستنقعات البردي، فمضت إلى هناك يرافقها سبعة عقارب في رحلتها. وفي إحدى الأمسيات وبعد أن نال منها التعب والعناء لجأت إلى بيت امرأة هناك، ولكن المرأة خافت لرؤية العقارب فأغلقت الباب دونها. وهنا تسلل أحد العقارب ولسع طفل المرأة فمات لتوه ولكن إيزيس عندما سمعت عويل المرأة على ابنها أشفقت عليها، فوضعت يديها على رأسه وتلت تعاويذها السحرية، فخرج السم من جسد الطفل وعادت إليه الحياة. بعد ذلك وضعت إيزيس التي كانت حاملاً ابنها حورس تحت اسم حار- بوكراتيس، أي حورس الطفل، فأوكلت رعايته إلى إلهة الشمال بوتو التي خبأته عن عمه سيت الذي كان يبحث عنه لإهلاكه، ثم تابعت بحثها عن الصندوق حتى وصلت إلى مصب النيل على البحر، وهناك أخبرها بعض الأطفال أنهم رأوا الصندوق وهو يخرج مع مياه النهر إلى عرض البحر. فعادت إيزيس وكرست وقتها للعناية بطفلها إلى أن تأتيها أخبار جديدة.

    سبح الصندوق فوق مياه البحر حتى وصل إلى الشاطئ الفينيقي حيث حطت به الأمواج قرب مدينة جبيل. وهناك نبتت بسرعة شجرة خلنج واحتوت الصندوق داخل جذعها. وفي أحد الأيام كان ملك جبيل يتمشى على الشاطئ عندما رأى الشجرة وأُعجب بها أشد الإعجاب، فأمر بقطعها وصنع من جذعها الذي يحتوي على تابوت أوزيريس عموداً نصبه في قصره. ومنذ ذلك الوقت صار العمود ينشر رائحة عطره كان بإمكان الجميع أن يشموها عن مسافات بعيدة من القصر. وصلت هذه الأخبار إلى إيزيس فأدركت ما حصل، وشدت الرحال إلى جبيل حيث جلست على حافة البئر المقابل للقصر الملكي ورفضت أن تتحدث إلا إلى وصيفات الملكة. وعندما جاءتها الوصيفات يسألنها عن هويتها وعن غرضها، تحدثت معهن بلطف شديد ومازحتهن وجدلت لهن شعورهن، فانتقل إليهن عبق جسدها الطيب. وعندما رجعن إلى سيدتهن ورأت زينة شعورهن وشمت الرائحة الطيبة التي تنبعث منهن، أرسلت في طلب المرأة الغريبة وأعجبت بها وأوكلتها بتربية وإرضاع طفلها.

    أحبت إيزيس الطفل وراحت ترضعه من إصبعها بدل ثديها، وأرادت أن تهبه الخلود، فراحت في كل ليلة تحرق بالنار الإلهية جسده الفاني لتستبدل به جسداً نورانياً خالداً، بينما هي في هيئة طائر السنونو تطير حول العمود الذي يحتوي تابوت زوجها وتندبه. في الليلة الأخيرة لهذه الطقوس دخلت الملكة عليها فجأةً ورأت النار تلتهم صغيرها فصرخت صرخة مدوية وأسرعت إليه تطفئه، فأبطلت بذلك مفعول الطقوس وحرمت ابنها نعمة الخلود. عند ذلك كشفت إيزيس عن هويتها وطلبت إعطاءها العمود. ولما أُجيبت إلى طلبها فتحته واستخرجت منه التابوت وانكبت عليه وهي تولول بصوت هائل حتى إن أحد أطفال الملك مات لتوه ذعراً. وعندما أنهت مناحتها لفت العمود بقطعة من نسيج الكتان وقدمته هدية إلى الملك والملكة، فنصباه في المعبد حيث بقي موضع عبادة وتقديس. بعد ذلك وضعت إيزيس التابوت في مركب وأبحرت عائدة إلى مصر.
    لدى وصولها إلى مصر، أودعت التابوت في مكان بعيد عن الأنظار وذهبت لزيارة ابنها حورس. وبينما كان سيت يطارد خنزيراً برياً في الليل تحت ضوء القمر، عثر على التابوت وتعرّف على جثة أوزيريس، فعمد إلى تقطيعها إلى أربع عشرة قطعة وزعها في جميع أنحاء الدلتا. وعندما وصل خبر ذلك إلى إيزيس ركبت زورقاً مصنوعاً من نبات البردى وأبحرت في مستنقعات الدلتا تبحث عن الأجزاء المفقودة. عثرت إيزيس على الأجزاء كلها عدا عضو الذكورة الذي كان سيت قد رماه إلى الماء وأكلته الأسماك، ولكنها صنعت له عضواً مماثلاً صار المتعبدون بعد ذلك يُظهرونه في الاحتفالات التذكارية لأوزيريس. وهنا تقول إحدى الروايات بأن إيزيس كلما وجدت جزءاً من أجزاء أوزيريس المفقودة دفنته في التراب وأقامت فوقه مقاماً دينياً، حتى تنتشر عبادة زوجها في شتى أنحاء البلاد، وحتى يخيب سعي سيت في العثور على القبر الحقيقي لأوزيريس. وتقول رواية أخرى إن إيزيس قد صنعت نماذج من شمع تمثل زوجها، ثم دعت الكهان وفق أسرهم الكهنوتية، وعهدت لكل منهم بواحد من هذه النماذج على أنه جثة أوزيريس، ليدفنها في منطقته ويؤدي وجماعته لها فروض العبادة. كما طلبت منهم أن يختاروا حيواناً من بيئتهم ويقدسونه خلال حياته تقديسهم لأوزيريس، وعندما يموت ينوحون عليه نواحهم على أوزيريس ثم يختارون حيواناً آخر من فصيلته. ولكن الثورين المعروفين باسم أبيس ومنيفيس سيبقيان مقدسين من قبل جميع المصريين في كل المناطق، لأنهما كانا خير عون في البداية على اكتشاف القمح وزراعته.
    هذه هي الخطوط العامة للأسطورة الأوزيرية كما رواها المؤلفون الإغريق، وكما نجد ترداداً لبعض أحداثها في النصوص المصرية القديمة. فلدينا من معبد دندرة نص طويل يعدد معابد أوزيريس في البلاد والمواقع التي دفنت فيها أجزاء جسده؛ فقلبه موجود في أثربيس، وعموده الفقري في البوصيري، ورقبته في ليتوبوليس، ورأسه في ممفيس... إلخ. ولدينا رواية مصرية قديمة تكمل قصة بلوتارك وديودوروس؛ وهي تقول إن إيزيس عندما عثرت على جثة زوجها جلست بجانبها مع أختها نفتيس وراحت تندب زوجها بمراثٍ بقيت عبر التاريخ المصري نموذجاً يحتذى في ندب الأموات. وهذه مقتطفات من إحداها:
    عد إلى بيتك، عد إلى بيتك أيها الإله أون.
    عد إلى بيتك، أنت الذي لا أعداء لك.
    عد إلى بيتك أيها الفتى الصبوح الوجه، حتى تراني.
    عد، أنا أختك التي أحبتك، عد وسوف لن تتركني.
    عيني لم تعد تراك، ولكنها تتمناك، وقلبي يحن إليك.
    عد إلى التي تحبك، أونيفر أيها المبارك.
    عد إلى أختك، عد إلى زوجتك.
    يا من توقف منك القلب، عد إلى ربة بيتك.
    أنا أختك من أم واحدة، عد وسوف لن تغادرني.
    كل الآلهة والبشر أداروا وجوههم نحوك، وبكوا عليك دمعاً.
    أنادي باسمك وأبكي، فيصل صوتي عنان السماء، وأنت لا تسمعني.
    فأنا أختك التي أحببتها على الأرض، ولم يخفق قلبك لغيرها.
    يا أخي، يا أخي، آه يا أخي.
    وصل نواح إيزيس إلى السماء فأشفق عليها رع كبير الآلهة، وأرسل إليها الإله أنوبيس، الذي بمعونة إيزيس ونفتيس وتحوث وحوروس، جمع أجزاء الإله القتيل ولفها بأقمطة من الكتان، ثم أشرف على طقوس التحنيط التي سيطبقها المصريون بعد ذلك على موتاهم. ثم طارت إيزيس فوق الجثة وراحت ترف عليها بجناحيها حتى عادت الروح إلى أوزيريس. ولكنه ترك هذا العالم وتوجه للسكن في العالم الأسفل حيث صار رباً للأبدية وحاكماً على الموتى.
    قال يماني آل محمد الامام احمد الحسن (ع) ..أيها الأحبة تحملوا المشقة واقبلوا القليل من الحلال واقلوا العرجة على الدنيا ولا تداهنوا الطواغيت وأعوانهم فان فرج آل محمد وفرجكم قريب إن شاء الله إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎