إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

إنكــي وننخرســـاج أسطـــــورة الفـــــردوس - فراس الســواح

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • الرؤيا الصادقة
    عضو نشيط
    • 24-08-2010
    • 281

    إنكــي وننخرســـاج أسطـــــورة الفـــــردوس - فراس الســواح

    إنكــي وننخرســـاج أسطـــــورة الفـــــردوس - فراس الســواح

    إن نص أسطورة إنكي وننخرساج (أو ننهوساج) هو واحد من النصوص السو القليلة التي وصلتنا في حالة جيدة، ودون كثير نقص وتشوه في سطورها. كما أن القصة التي يقدمها لنا واضحة في خطوطها العامة وتفاصيلها وحبكتها. ولكن الخلاف ما زال قائماً حتى اليوم بين الباحثين بخصوص مؤداها ومضامينها الميثولوجية. يبدأ النص بفاتحة تصف أرض دلمون، وهي مكان فردوسي يسكنه إنكي إله الماء العذب وزوجته الأم- الأرض ننخرساج، وذلك في بداية الأزمان وقبل ظهور الإنسان:

    المكان، مكان طاهر، [المكان مكان نظيف].
    أرض دلمون مكان طاهر،
    أرض دلمون مكان نظيف،
    أرض دلمون مكان مضيء.
    حيث، اضطجع إنكي وحيداً في دلمون،
    حيث اضطجع إنكي مع زوجته في دلمون،
    ذلك المكان نظيف، ذلك المكان مضيء.
    حيث اضطجع إنكي مع ننسيكيلا،
    ذلك المكان نظيف، ذلك المكان مضيء.
    في أرض دلمون لا ينعق الغراب،
    ولا تصرخ الشوحة صراخها المعهود.
    حيث الأسد لا يفترس (أحداً)،
    ولا ينقض الذئب على الحمل،
    ولا ينهش الكلب البري الجدي،
    ولا يلتهم [الخنزير البري] الزرع،
    والطير في الأعالي لا [.....]
    والحمامة لا [.....] رأسها.
    حيث لا أحد يعرف رمد العين،
    وحيث لا أحد يعرف آلام الرأس.
    حيث لا يشكو الرجل من الشيخوخة،
    وحيث لا تشكو المرأة من العجز.

    ولكن الأرض كانت قاحلة، فطلبت ننخرساج (= ننسيكيلا) من زوجها إنكي أن يُجري الماء في هذه الجزيرة. ففعل ذلك بمعونة إله الشمس أوتو وإله القمر نانا، فاخضرت الأرض ونبت الزرع. ثم أخرج إنكي قضيبه وروى من مائه الخصيب أخاديد الأرض وغمر حقول القصب، ثم أمر وزيره ورسوله إيسموند ألا يسمح لأحد بالاقتراب من المستنقعات. بعد ذلك نام إنكي مع ننخرساج، مستكملاً بذلك نشاطاته الإخصابية:

    سكب إنكي ماءه المخصب في رحم ننخرساج،
    فأخذت الماء إلى رحمها، ماء إنكي.
    في يوم واحد يعادل شهراً من شهورها،
    في يومين يعادلان شهرين من شهورها،
    في ثلاثة أيام تعادل ثلاثة شهور من شهورها،
    ... (تكرار للسطر نفسه وصولاً إلى اليوم التاسع)
    في تسعة أيام تعادل تسعة شهور من شهور الأمومة،
    ننتو (= ننخرساج) أم البلاد [.. .. ..]،
    مثل ... ... مثل ... ... ...،
    أعطت الميلاد للفتاة ننمو.
    كبرت الفتاة بسرعة وتحولت إلى صبية صغيرة. ولكنها راحت تتجول قرب السبخات المائية غير آبهة لتعليمات إنكي. فرآها أبوها وقطع الماء إلى الضفة الأخرى حيث تقف، بعد أن استشار وزيره فيما هو مقدم عليه، وهناك ضاجعها:
    إنكي في أرض السبخات. تطلع هنا وتطلع هناك
    (ولما رآها) قال لوزيره إيسموند:
    «أوَ لن أُقبِّل ننمو، الفتاة الحسناء»
    فأجابه وزيره إيسموند:
    «قبِّل الصغيرة، الفتاة الحسناء،
    قبل ننمو، الفتاة الحسناء،
    ولأجل مليكي سأجعل رياحاً عاتية تهبُّ»
    فوضع إنكي قدمه في المركب،
    ثم وضعها ثانيةً على الأرض الجافة (على الجهة الأخرى)،
    تقدم منها فعانقها وقبّلها،
    وسكب ماءه المخصب في رحمها،
    فأخذت الماء المخصب إلى رحمها، ماء إنكي.
    في يوم واحد يعادل شهراً من شهورها،
    في يومين يعادلان شهرين من شهورها،
    .... إلخ
    في تسعة أيام تعادل تسعة أشهر من شهور الأمومة
    مثل ... ... مثل ... ...،
    أعطت الميلاد للفتاة ننكورا.

    راحت ننكورا تتجول مثل أختها عند السبخات، فرآها إنكي وضاجعها أيضاً، فوضعت الفتاة أُتّو. المقطع التالي مشوه بالإضافة إلى ضياع عشرة أسطر بشكل كامل، ولكننا نفهم منه أن ننخرساج أوصت أوتو بألا تستسلم لإنكي قبل أن يأتيها بأنواع معينة من الخضار والفواكه من الأراضي الصحراوية البعيدة، بينها الخيار والعنب والتفاح. ويبدو أنها كانت تعتقد بعدم قدرة إنكي على استنبات تلك المناطق. ولكن إنكي يفيض بمائه على الأراضي البعيدة ويرويها. ويقوم بستاني لا نعرف هويته برعاية النباتات. وعندما نضجت قطفها وجاء بها إلى إنكي، فأخذها إنكي وتوجه إلى بيت أُتُّو. فرحت الفتاة بالهدية وأدخلت إنكي:

    قضى إنكي وطره من أُتُّو،
    عانقها واستلقى في أحضانها.
    نام مع الفتاة، قبلها وجامعها،
    وسكب ماءه المخصب في رحمها،
    فأخذت الماء المخصب إلى رحمها، ماء إنكي.
    أُتُّو، الفتاة الحسناء....
    ولكن ننخرساج انتزعت السائل من فخذيها.

    لا يقول لنا النص ماذا فعلت ننخرساج ببذور إنكي بعد أن انتزعتها قبل أن تخصب أُتُّو، والأرجح أنها رمتها على الأرض، لأن النص ينتقل مباشرةً إلى القول بنمو ثمانية أنواع من النباتات من ماء إنكي. وبينما إنكي يتجول مع وزيره إيسموند، رأى النباتات الغربية فسأله عن أسمائها. وكان كلما ذكر له اسم واحدة اقتلعها وقدمها له فأكلها، وذلك لكي يعرف أسماءها ويقّدر مصائرها على حد قول النص، وهكذا حتى أتى عليها جميعاً. تثور ثائرة ننخرساج لفعلة إنكي وتلعنه قائلةً: «إلى آخر أيامك لن أنظر إليك نظرة الحياة».
    يقع إنكي مريضاً إثر لعنة ننخرساج، وتستوطن في جسده ثماني علل بعدد النباتات الثمانية التي أكلها، ويؤدي مرض إله الماء إلى قحط يعم الأرض. فيجزع الآلهة لذلك، ويبحثون عن ننخرساج دون جدوى. وأخيراً يتطوع الثعلب لهذه المهمة ويأتي بالإلهة. وعندما تحضر يمسك الآلهة بأهداب ثوبها ويرجونها أن ترفع لعنتها عن إنكي فتستجيب لرجائهم، ثم تعمد إلى وضع إنكي في فرجها وتسأله عن الذي يؤلمه:

    ننخرساج أجلست إنكي في فرجها:
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن ... هو الذي يوجعني».
    «لقد استولدت لك الإلهة آبو».
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن فكي هو الذي يوجعني».
    «لقد استولدت لك الإلهة ننتولا».
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن سني هو الذي يوجعني».
    «لقد استولدت لك الإلهة ننسوتو».
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن فمي هو الذي يوجعني».
    «لقد استولدت لك الإلهة ننكاسي».
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن ... هو الذي يوجعني».
    «لقد استولدت لك الإلهة نازي».
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن ذراعي هي التي توجعني».
    «لقد استولدت لك الإلهة آزيمو».
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن ضلعي هو الذي يوجعني»
    «لقد استولدت لك الإلهة ننتي».
    «ما الذي يوجعك يا أخي؟»
    «إن ... هو الذي يوجعني».
    «لقد استولدت لك الإلهة إنشاج».

    وهكذا تستولد ننخرساج ثماني إلهات للشفاء تقوم كل منهن بشفاء أحد أمراض إنكي. وعلى الرغم من أن النص هنا شديد التكثيف والإيجاز، فإننا نفهم منه أن ننخرساج تستولد إلهات الشفاء الثمانية هذه من بطن إنكي، وأن هذه الإلهات هي النباتات الثمانية نفسها التي أكلها فتحولت في بطنه إلى كائنات إلهية تحاول الخروج إلى الحياة. وربما لهذا السبب قامت ننخرساج بوضع إنكي في فرجها ليكون قادراً على إطلاق النباتات من جوفه فيما يشبه الولادة الطبيعية.
    دراسة تحليلية:
    ما الذي تقصد أن تقوله هذه السلسلة من الأحداث التي تنتقل بنا من شيفرة إلى أخرى؟ وأي معنى يكمن خلف هذا النص الذي يتسلسل دونما روابط منطقية أو سببية مقنعة؟
    في البداية، هنالك عدد من عناصر الرواية تُسلم نفسها للتحليل المتأني. فهذه الأسطورة تنتمي إلى زمرة أساطير الأصول وتنظيم العالم، وهي تبدأ بوصف كمال البدايات عندما كانت أرض دلمون مكاناً طاهراً ونظيفاً ومضيئاً. لا يعرف العنف ولا القتل ولا المرض ولا الموت. وكاتب النص هنا ينسج على منوال نصوص سومرية أخرى في الأصول وكمال البدايات، ومنها هذا النص:

    في تلك الأيام، لم يكن هنالك حية ولا عقرب ولا ضبع.
    لم يكن هنالك أسد ولا كلب بري ولا ذئب.
    لم يكن هنالك خوف ولا رعب.
    ولم يكن هنالك للإنسان من منافس.
    في تلك الأيام كانت شوبور، أرض المشرق، أرض الوفرة وشرائع العدل.
    وسومر أرض الجنوب، ذات اللسان الواحد، أرض الشرائع الملكية.
    وأوري أرض الشمال، التي يجد فيها كل واحد حاجته.
    ومارتو أرض الغرب، أرض الدعة والسلام.
    وكان العالم أجمع يعيش في انسجام تام،
    وبلسان واحد يُسبّح الكل بحمد الإله إنليل.

    في هذه الأرض الفردوسية كان يعيش إنكي إله الماء وننخرساج إلهة الأرض. ومن لقاح الماء للتربة ازدهرت الأرض القاحلة وتحولت إلى جنة ينبت فيها كل شجر وثمر، بعد أن أخرج إنكي قضيبه وروى من مائه الخصيب أخاديد الأرض وغمر حقول القصب. ويبدو أن الأسطورة هنا تصف الحالة التي كانت عليها منطقة جنوب وادي الرافدين في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد عندما تأسست شبكة من القنوات المائية التي أحدثت انقلاباً اقتصادياً كبيراً، قام على الإفادة القصوى من ماء النهرين الكبيرين.
    هذا هو المستوى الطبيعاني الأول لفهم هذه الأسطورة. ولكن ماذا عن بقية العناصر الغريبة في الأسطورة؟ لماذا هجر إنكي زوجته وقام بمضاجعة ابنته ثم حفيدتها فابنتها أيضاً؟ لماذا هرعت ننخرساج ونزعت بذور إنكي من رحم أُتُّو؟ ولماذا ابتلع إنكي بناته الثمانية التي نمت من بذوره المنتزعة من رحم أُتُّو؟ إن هذه التساؤلات تقودنا إلى المستوى الفلسفي التأملي الثاني للأسطورة؛ ومفتاحنا إليه هو الحالة التي كانت عليها أرض دلمون في البدايات الأولى، والحالة التي صارت إليها بعد ذلك، مع النظر إلى سلسلة الأسباب والنتائج التي قادت إلى تبدل الأحوال. فلقد هُزَّت أركان هذه اليوتوبيا الأولى وتضعضعت أسسها، فحل الشقاق محل الوئام، وتنازُع الإرادات محل التناغم والانسجام. وباختصار فنحن أمام سقوط ذريع من عصر البراءة. أما عن الأسباب التي قادت إلى هذا السقوط فتتمثل في خطيئتين، الأولى معاكسة الطبيعة، والثانية الإفراط. فالإله إنكي يهجر زوجته ثم يستهلك قواه الجنسية في مضاجعة البنات اللواتي ولدن من صلبه، وفي تحويل مياهه عن قنواتها ليسقي بها الأراضي الصحراوية البعيدة. أما ننخرساج، فترد على أفعاله غير الطبيعية والمفرطة بفعل آخر متطرف وغير طبيعي حين تنتزع بذوره من رحم أُتُّو، فيدفعه ذلك إلى أكثر الأفعال تطرفاً وبُعداً عن الطبيعة حين يلتهم بناته واحدةً إثر أخرى. وتكون النتيجة حصول تصدع في بنية العالم الفردوسي وظهور المرض، وهو علامة الاختلال الأولى في الحياة، وبوابة الموت.
    وبما أن المرض يتطلب الدواء والشفاء، فإن الأسطورة تتابع سرد الأحداث التي قادت إلى ظهور الشفاء كنقيض ومعارض للمرض. وهنا لا بد من عكس مسار الأفعال الشاذة وغير الطبيعية التي قادت إلى الاختلال. فإنكي الذي يحمل في بطنه بطريقة شاذة ثماني بنات، يجب أن يدخل في فرج ننخرساج ليستطيع إنجاب بناته بطريقة أقرب إلى فعل الولادة الطبيعية؛ وبعد دخوله تقوم ننخرساج باستيلاد البنات واحدة إثر أخرى، وكل واحدة منهن موكلة بشفاء مرض من الأمراض التي يعاني منها إنكي.

    ومن ناحية أخرى، فإن ولادة إلهات الشفاء تحمل في طياتها جانباً إيتيولوجياً تبريرياً، هدفت الأسطورة من ورائه إلى تبرير وتفسير الخواص الشفائية التي تتمتع بها بعض النباتات. فإلهات الشفاء الثمانية اللواتي ظهرن إلى الوجود، لسن من حيث الجوهر إلا نباتات خضعت لعملية تحويل رمزي زودتها بخصائص سحرية من شأنها مقاومة المرض والدفاع عن الحياة. فالنباتات التي ابتلعها إنكي هي في الأصل بناء الماء من الأرض. ولكن إنكي أخذها إلى جوفه «لكي يعرف أسماءها ويقرر مصائرها» على حد قول النص. ولكي يلدها بطريقة أشبه بالطريقة الطبيعية، فقد دخل هو نفسه في فرج ننخرساج حيث أطلقها إلى الوجود وقد تحولت إلى إلهات شافية وُلدت من جوهر الماء ومن رحم الأرض، بعد عملية تحويل معقدة. وكل نبتة شافية اكتشفها الإنسان بعد ذلك، هي بشكل ما سليلة لإحدى هذه النباتات السحرية البدئية التي ظهرت في الأزمان الأولى.
    إذا كان هذا التفسير الأخير صحيحاً، فإني أرجح أن يكون هذا النص بمثابة تعويذة تساعد على شفاء الأمراض. ومفتاحي لهذا التفسير هو وجود شبه واضح في البنية العامة بين نص إنكي وننخرساج ونصوص أخرى دعاها ناسخوها تعاويذاً لشفاء الأمراض، ومنها هذان النصان.

    النص الأول: هو نص بابلي يذكر كاتبه أنه استنسخه عن وثيقة قديمة، ويصفه بأنه تعويذة لشفاء وجع الإنسان. وهذه التعويذة تتلى قبل أن يقوم الطبيب المعالج بتطبيق تقنية معينة لشفاء الألم:
    بعد أن خلق آنو السماء،
    وبعد أن خلقت السماء الأرض،
    والأرض خلقت المستنقعات،
    والمستنقعات خلقت دودة السوس،
    مضى السوس باكياً إلى الإله شَمَشْ،
    وذرف الدمع في حضرة الإله إيا قائلاً:
    «ماذا تعطيني لطعامي؟
    وماذا تعطيني لشرابي؟»
    «سأعطيك شجر التين الناضج
    أو أعطيك شجر المشمش»
    «بماذا يفيدني شجر التين؟
    بماذا يفيدني شجر المشمش؟»
    دعني أصعد وأتخذ لي سكناً
    بين الأسنان وعظام الفك،
    حيث أمتص دماء الأسنان،
    وأنخرها عند جذور وعظام الأسنان».
    (يلي ذلك سطر موجه للطبيب المعالج)
    «أَدخل الإبرة وأمسك بقدمه (= السوس).
    لأنك نقطت بهذا أيها السوس،
    فليسحقك إيا بجبروت يديه.
    (حاشية):
    تعويذة ضد وضع الأسنان
    الطريقة: أحضر بيرة وزيتاً وامزجهما
    اتل التعويذة ثلاث مرات، وضع المزيج على الأسنان
    النص الثاني: وهو تعويذة بابلية أخرى كانت تتلى عند النزول في ماء الفرات للحصول على الشفاء:
    تعويذة. أيها النهر يا مبدع الأشياء كلها.
    عندما حفر مجراك الآلهة الكبار،
    حفوا ضفافك بكل ما هو حسن وطيب.
    فيك أقام إيا إله الأعماق مسكنه،
    ووهبك فيضان الماء الذي لا يقاوَم.
    كما وهبك الإلهان إيا ومردوخ
    غضباً نارياً وجلالاً وروعاً.
    أيها النهر العظيم، أيها النهر المبجل،
    يا نهر المقامات المقدسة.
    يا من بمائك يأتي الشفاء، تقبلني.
    انتزع ما بجسدي وارمه إلى ضفافك،
    ارمه إلى ضفافك (أو) دعه يغور في أعماقك.
    إن البنية العامة لنص إنكي وننخرساج، بصرف النظر عن تفصيلاته، تتألف من ثلاثة عناصر أساسية هي: 1- عودة إلى الأصول وكمال البدايات. 2- دخول الفساد إلى الخلق الطيب والحسن وظهور المرض. 3- ظهور الشفاء. وهذه البنية ذاتها نجدها في تعويذة السوس ووجع الأسنان. فالنص في مطلعه يرجع إلى البدايات الأولى عندما خلقت السماء الأرض. والأرض خلقت الأنهار... إلخ، ثم يشرح كيفية ظهور المرض، وينتهي إلى وصف العلاج. كما تنتظم تعويذة النهر وفق بنية مشابهة، ولكن بطريقة أكثر اختصاراً، فهي تعود أيضاً إلى البدايات التي تم عندها إبداع الأشياء كلها، وتنتهي بالاستحمام في ماء النهر الذي يقيم الإله إيا في أعماقه، وهو الذي يصل اللحظة الراهنة للمريض بتلك البدايات الأولى الكاملة. إن المواقف الفكرية الكامنة وراء هذا النوع من الطقس السحري المرافق للعلاج الطبي، تنطلق من اعتقاد الإنسان القديم بأن المرض باعتباره علامة من علامات الاختلال في الطبيعة، يمكن شفاؤه عن طريق انتزاع المريض من سياق الزمن الحالي والعودة به إلى الخلف في اتجاه معاكس نحو كمال البدايات، عندما لم يكن هنالك ألم وشيخوخة وعجز. وهذه العودة إلى البدايات تجعل القوى الإلهية الخالقة حاضرة هنا والآن من أجل مد يد العون إلى المريض.
    إنكي وننماخ:
    ولدينا أسطورة سومرية أخرى معروفة بعنوان «إنكي وننماخ»، تشبه في عناصرها وبنيتها العامة أسطورة إنكي وننخرساج، والشخصيتان الرئيسيتان فيها هما نفس الشخصيتين، ذلك أن الاسم ننماخ (أو ننماه) ليس إلا واحداً من أسماء ننخرساج المتعددة. تبتدئ الأسطورة بنص عن البدايات الميثولوجية الأولى التي أعقبت الخلق والتكوين، عندما كان الآلهة يكدحون في الأرض لكسب رزقهم. لقد تعب الآلهة من العمل، ونادوا الإله إنكي لكي يجد حلاً لوضعهم المزري، وهو المعروف بحكمته وحيلته وحُسن تدبيره. ولكنه وهو المضطجع في الأعماق المائية لم يسمع شكواهم؛ فمضوا إلى أمه «نمو» المياه البدئية التي أنجبت الجيل الأول من الآلهة لتكون واسطتهم إليه. فمضت إليه قائلةً:
    أي بني، انهض من مضجعك، انهض من [... ...]
    واصنع أمراً حكيماً،
    اجعل للآلهة خدماً يقدمون [لهم معاشهم]
    فتأمل إنكي في الأمر ملياً، ثم دعا الصُناع الإلهيين المهرة، وقال لأمه نمو:
    إن المخلوق الذي نطقْتِ باسمه سيوجد،
    ولسوف تعلقين عليه صورة الآلهة.
    امزجي حفنة طين من فوق مياه الغمر،
    وسيقوم الصُنَّاع الإلهيون بعجن الطين،
    ثم كوّني له أنت الأعضاء،
    وننماخ سوف تشرف على عملك،
    وتقف ربات الولادة إلى جانبك أثناء التكوين،
    فقدّري يا أماه (للمولود الجديد) مصيره،
    وسوف تعلق عليه ننماخ صورة الآلهة،
    إنه الإنسان [... ...].
    بعد ذلك يتشوه اللوح الفخاري، وعندما يتضح ثانيةً، نجد الآلهة وقد أقاموا مأدبةً احتفالاً بمولد الإنسان، على ما يبدو. يشرب إنكي وننماخ من الخمر حتى النشوة، ويبدآن باللهو. تقوم ننماخ بصنع ستة كائنات بشرية معوقة وتطلب من إنكي أن يقدّر لكل واحد مصيره ويجد له مكاناً في المجتمع، فيفعل ذلك على أكمل وجه. ثم يقوم من ناحيته بعمل مماثل ولكنه متطرف إلى أبعد الحدود، فيصنع مخلوقاً ضعيف الروح والجسد لا يستطيع أن يرفع يده إلى فمه، وأطلق عليه بالسومرية اسماً يعني: «إن أيامي بعيدة»، وقال لها:
    لقد قَدَرْتُ مصير من صَنَعَتْهُم يداك،
    وأعطيتُهم خبزاً ليأكلوا.
    فهل بإمكانك أن تقرري مصير ما صنعَتْ يدي،
    وتعطيه خبزاً ليأكل؟
    ولكن ننماخ تفشل فشلاً ذريعاً، وتلعن إنكي لعنة كبيرة يغوص على إثرها إلى العالم الأسفل. وعند هذه النقطة ينكسر اللوح الفخاري ولا نعرف نهاية القصة.
    مثلما حكت أسطورة إنكي وننخرساج عن أصل المرض، فإن هذه الأسطورة تحكي عن أصل الولادات غير الطبيعية التي تحصل في الحياة العادية والتي يكون من نتيجتها ولادة أطفال ذوي عاهات متعددة، ومع ذلك يمكن إيجاد عمل يناسب كل واحد منهم. ثم تنتقل الأسطورة إلى الحديث عن أصل العجز والشيخوخة، وهو الإنسان الذي صنعه إنكي، والذي لا ينفع معه دواء، ومصيره هو الموت القريب. فهذا المخلوق الذي صنعه إنكي ليس إنساناً معيناً، بل هو الحالة التي سيؤول إليها كل إنسان بعد أن تغدو «أيامه بعيدة» مثل هذا المخلوق. وبهذا تُجَذِّر هذه الأسطورة الموت وتجعله أمراً مقدراً منذ البداية، وتعطي تبريراً لفناء الإنسان.
    قال يماني آل محمد الامام احمد الحسن (ع) ..أيها الأحبة تحملوا المشقة واقبلوا القليل من الحلال واقلوا العرجة على الدنيا ولا تداهنوا الطواغيت وأعوانهم فان فرج آل محمد وفرجكم قريب إن شاء الله إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎