إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

جانب من صلاة الجمعة في حسينية انصار لامام المهدي ع في الكاظمية المقدسة بتاريخ 23محرم الحرام 1437 هجري قمري تحت عنوان حقيقة الدنيا .

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • شيخ نعيم الشمري
    عضو جديد
    • 05-03-2013
    • 94

    جانب من صلاة الجمعة في حسينية انصار لامام المهدي ع في الكاظمية المقدسة بتاريخ 23محرم الحرام 1437 هجري قمري تحت عنوان حقيقة الدنيا .


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين الى قيام يوم الدين
    نعزي مولانا بقية الله في ارضه الامام المهدي محمد بن الحسن ع ووصيه ورسوله الامام احمد الحسن ع بذكرى شهادة مولاي زين العابدين وسيد الساجدين الامام علي بن الحسين عليهم السلام كما ونعزي الامة الاسلامية جمعاء لا سيما انصار الله بهذا المصاب الجلل سائلين الله العلي القدير ان يجعلنا واياكم من الطالبين بثار خلفاء الله في ارضه مع بقية الله الاعظم.

    لا يخفى على مطلع ان سيرة خلفاء الله فيها من الدروس والعبر ما لا يعد ولايحصى وعلى العاقل ان ياخذ من تلك الدروس ويعتبر بها. وبما ان هذه الايام هي ذكرى شهادة مولانا زين العابدين ع سنسلط الضوء على بعض الدروس لنعتبر بها وبالذات بعض وصاياه لاصحابه في بيان حقيقة الدنيا:
    قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) يوماً لأصحابه: «إخواني، أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا؛ فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم (عليه السلام) للحواريين، قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم الدار الدنيا فلاتتخذوها قراراً(. بحار الأنوار: ج75 ص160 ب21 ح21.
    كما قال مولاي امير المؤمنين ع (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا دارُ مَجَاز وَالاْخِرَةُ دَارُ قَرَار، فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ، وَلاَ تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُم، وَأَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ، فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ، ولِغِيْرِهَا خُلِقْتُمْ. إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ؟ وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟ فَقَدِّمُوا بَعْضَاً يَكُنْ لَكُمْ قَرْضاً، وَلاَ تُخَلِّفُوا كُلاًّ فَيَكُونَ عَلَيْكُمْ.) نهج البلاغة ص466
    لكن للاسف جهل الكثيرين بهذه الحقيقة جعلهم يلهثون وراء الدنيا وحطامها كانهم خلقوا لها فالذي تصور ان الله خلقنا للدنيا فهو مفتون بزخرفها وزبرجها لذا اصبحت الدنيا منتهى همه ومبلغ علمه لانه بعيد عن الله واعلم ان الله خلق الانسان وخَلَقَ معه الدنيا، فكم أخذ مِن الدنيا وكم يعطيها، وهل الدنيا لذاتها هدف للانسان أم إنها وسيلة لهدف آخر؟
    لذا لم يصور واقع الدنيا، ويعرض خدعها وأمانيها المُغرِّرة كما صورها القرآن الكريم، وعرّفها أهل البيت عليهم السلام، اما القران قال تعالى:
    (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة الحديد 19_20

    قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾(يونس:24

    وقال تعالى (فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فانّ الجنة هي المأوى» (النازعات: 37 - 41) )
    هذا وصف القران للدنيا وحقيقتها لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الاموال والاولاد والنتيجة لمن اثرها على الاخرة هو (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى)
    لماذا لان الله لم يخلقنا للدنيا بل خلقنا للاخرة والدنيا انما هي دار ممر والاخرة دار مقر فعلى المؤمن ان ياخذ من ممره الى مقره ولا تكن الدنيا منتهى همه ومبلغ علمه فهي ليست بدارنا ولا منزلنا الذي خلقنا لاجله
    قال امير المؤمنين ع (الاَ وَإِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا، وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَتُرْضِيكُمْ، لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ، وَلاَ مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَلاَ الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَة لَكُمْ وَلاَ تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا، وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا، فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا، وَأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا، وَسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتي دعِيتُمْ إِلَيْهَا، وَانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا، ......... (! نهج البلاغة ص 356
    هذه هي الحقيقة لا كما يتصور البعض ان الله خلقنا لنأكل ونشرب ونلبس فقط! ووجدنا لنجمع الأموال الوفيرة والكنوز والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث! وليس الغاية من وجودنا وخلقنا أن نتمتع بزخرف هذه الحياة وزينتها!!
    فجدير بالعاقل أن يؤثر الخالد على الفاني، ويتأهب للسعادة الأبدية والنعيم الدائم قال تعالى (، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) » (الأعلى: 16 - 19

    وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنما الدنيا فناء وعَناء وغِيَر وعِبَر: فمن فنائها: أنك ترى الدهر موتِراً قوسه، مفوقاً نبله، لا تُخطئ سهامه، ولا يشفى جراحه، يرمي الصحيح بالسقم، والحي بالموت. ومن عنائها: أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى اللّه لا مالاً حمل ولا بناءاً نقل. ومن غِيَرِها أنك ترى المغبوط مرحوماً، والمرحوم مغبوطاً، ليس بينهم الا نعيم زلّ، وبؤس نزل. ومن عِبَرها: ان المرء يشرف على أمله، فيتخطفه أجله، فلا أمَل مدروك، ولا مؤمّل متروك»( سفينة البحار ج 1 ص 467.
    كما على العاقل ان ياخذ العبرة والعضة ممن سبقة من الصالحين والطالحين
    ومن عبر الطغاة والجبارين ما قاله المنصور لمّا حضرته الوفاة «بعنا الآخرة بنومة».
    وردّد هارون الرشيد وهو ينتقي أكفانه عند الموت((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ » (الحاقة: 28 - 29).
    وقيل لعبد الملك بن مروان في مرضه: كيف تجدك يا أبا مروان؟ قال: أجدني كما قال اللّه تعالى
    (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ » (الأنعام: 94
    قال امير المؤمنين ع (َلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الاْمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَ
    ا وَأصَابُوا غِرَّتَهَا، وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا، وَأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا( أَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً، لاَ يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ، وَلاَ يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ، وَلاَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ، مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ، مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ لاَ يَدُومُ رَخَاؤُهَا، وَلاَ يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا، وَلاَ يَرْكُدُ بَلاَؤُهَا.) نهج البلاغة 515

    قصة وعبرة : ورأى زيتون الحكيم رجلاً على شاطئ البحر مهموماً محزوناً، يتلهف على الدنيا، فقال له: يا فتى ما تلهفك على الدنيا! لو كنت في غاية الغنى، وأنت راكب لجة البحر، وقد انكسرت بك السفينة،
    وأشرفت على الغرق، أما كانت غاية مطلوبك النجاة، وإن يفوتك كل ما بيدك. قال: نعم .
    قال: ولو كنت ملكاً على الدنيا، وأحاط بك من يريد قتلك، أما كان مرادك النجاة من يده، ولو ذهب جميع ما تملك. قال: نعم.
    قال: فأنتَ ذلك الغنيُّ الآن، وأنت ذلك الملكُ، فتسلى الرجل بكلامه.

    وقال بعض العارفين لرجل من الأغنياء: كيف طلبك للدنيا؟ فقال: شديد. قال: فهل أدركت منها ما تريد؟ قال: لا. قال: هذه التي صرفت عمرك في طلبها لم تحصل منها على ما تريد فكيف التي لم تطلبها!!

    وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله،: إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم») الوافي ج 3 ص 152 عن الكافي.
    ومن العبر البالغة في تصرم الحياة وإن طالت: ما روي أن نوحاً عليه السلام عاش ألفين وخمسمائة عام، ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس، فقال: السلام عليك. فرّد عليه نوح عليه السلام وقال له: ما حاجتك يا ملك الموت؟ قال: جئت لأقبض روحك. فقال له: تدعني أتحوّل من الشمس الى الظل. فقال له: نعم. فتحول نوح عليه السلام ثم قال: يا ملك الموت فكأن ما مرّ بي في الدنيا مثل تحولي من الشمس الى الظل!! فامض لما أمرت به. فقبض روحه عليه السلام.
    ومن أبلغ العظات وأقواها أثراً في النفس كلمة أمير المؤمنين لابنه الحسن عليه السلام: «أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين،
    ونوّره بالحكمة، وذلّله بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحَذّره صولة الدهر، وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسِر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا، وعمّا انتقلوا، وأين حلّوا ونزلوا، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلّوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك»() نهج البلاغة في وصيته عليه السلام لابنه الحسن.

    قد يقال هل افهم من كلامك اننا نترك الدنيا بما فيها لا نتزوج ولا نعمل بل نذهب الى الادير والصوامع نتعبد كما في السابق ونحرم زينة الله التي اخرجها لعباده ، كما قال سبحانه: « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الأعراف: 32؟؟؟

    اقول :اعلم ان التمتع بملاذ الحياة، وطيباتها المحللة، مستحسن لا ضير فيه، ما لم يكن مشتملاً على حرام أو تبذير، كما قال سبحانه (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف: 32_33

    لذا قبل مجيئ الاسلام كان البعض يلهثون وراء الدنيا يتكالبوا على حطامها قد انكبوا على جمع الاموال من حلالها وحرامها
    والبعض الاخر زهد فيها وانزوى هاربا من مباهجها الى الادير والصوامع ما جعلهم فلولاً مبعثرة على هامش الحياة.
    وجاء الاسلام، والناس بين هذين الاتجاهين المتعاكسين، فاستطاع بحكمته البالغة، واصلاحه الشامل، أن يشرّع نظاماً خالداً، يؤلّف بين الدين والدنيا، ويجمع بين مآرب الحياة وأشواق الروح، بأسلوب يلائم . فطرة الانسان، ويضمن له السعادة والرخاء.
    فتراه تارة يحذّر عشّاق الحياة من خُدعها وغرورها، ليحررهم من أسرها واسترقاقها، وأخرى يستدرج المتزمتين الهاربين من زخارف الحياة الى لذائذها البريئة وأشواقها المرفرفة، لئلا ينقطعوا عن ركب الحياة، ويصبحوا عرضة للفاقة والهوان.
    فالامر لا افراط ولا تفريط اي انك لا تترك الدنيا بما فيها زاعما انك تريد الاخرة ولا تترك الاخرة زاعما ان الله خلقك للدنيا لانك تجهل حقيقتها بل على الانسان ان يتزود من الدنيا للاخرة ولا يكون عالة على غيره.

    قال الصادق عليه السلام: «ليس منّا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه»()، (الوافي ج 10 ص 9 عن الفقيه.

    قال العالم عليه السلام: «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً» (الوافي ج 10 ص 9 عن الفقيه.

    فطلب الدنيا اذا كان للاخرة امرا محمودا ، إلا ما كان مختلساً من حرام، أو صارفاً عن ذكر اللّه تعالى وطاعته.
    أما اكتسابها إستعفافاً عن الناس، أو تذرعاً بها الى مرضاة اللّه عز وجل كصلة الأرحام، وإعانة البؤساء، وإنشاء المشاريع الخيرية كالمساجد وغيرها ، فإنه من أفضل الطاعات وأعظم القربات، كما صرح بذلك أهل البيت عليهم السلام:

    قال الامام الصادق عليه السلام: «لا خير فيمن لا يجمع المال من حلال، يكفّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه» ) الوافي ج 10 ص 9 عن الكافي.
    ).
    وقال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام: «واللّه إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نُؤتاها.
    فقال: تحب أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصِلُ بها، وأتصدق بها، وأحج، وأعتمر. فقال أبو عبد اللّه: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»(3). (3) الوافي ج 10 ص 9 عن الكافي.
    إن حب البقاء في الدنيا ليس مذموماً مطلقاً، وإنما يختلف بالغايات والأهداف، فمن أحبّه لغاية سامية، كالتزود من الطاعة، واستكثار الحسنات، فهو مستحسن. ومن أحبّه لغاية دنيئة، كممارسة الآثام، واقتراف الشهوات، فذلك ذميم مقيت، كما قال زين العابدين عليه السلام: «عَمّرني ما كان عمري بِذلة في طاعتك، فاذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك».
    ونستخلص مما أسلفناه أنّ الدنيا المذمومة هي التي تخدع الانسان، وتصرفه عن طاعة اللّه والتأهب للحياة الأخروية.

    واعلم ان الزينة في قوله تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الأعراف: 32

    كسائر نعم الله - قد يفتن البشر بها ، فيتبعها بلا حكمة حتى يسقط في الهاوية . لذا بين سبحانه وتعالى ان الباقيات الصالحات خير من المال والبنون قال تعالى ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) الكهف/ 46
    و في آية أخرى؛ ان الحكمة من زينة ما على الأرض ، ابتلاء البشر ليعلم ايهم احسن عملاً .قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)

    لذا على الانسان ان يتوازن ولا يتوغل في طلب الدنيا وزينتها وينسى اخرته من هنا يذكرنا القران ما نملك من مال وملك وغيرها ما هو الا متاع الحياة الدنيا
    قال الله سبحانه : { وَمَآ أُوتِيتُم مِن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } (القصص / 60)
    إن الإقبال على الدنيا والاستغراق فيها يؤدي بالإنسان إلى الانزلاق في وحول الأخطاء والمعاصي،
    ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ الدُّنْيَا وذلك لأنّ خصال الشرّ مطوية في حبّ الدّنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليها, ولذا قال الله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) مراة العقول في شرح اخبار الرسول ج10 ص 228
    وقال الامام موسى بن جعفر عليهما السلام: «يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة: فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا، حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة، فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته»( تحف العقول في وصيته لهشام بن الحكم.

    ويضرب القران لنا مثلاً قارون الذي آتاه الله من الكنوز ، ولكنه لم يستجب لنصيحة من أمره بأن يبتغي بما أتاه الله الدار الآخرة ، فخرج في زينته فخسف الله به وبداره الأرض.
    قال الله تعالى : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ اُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ اُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الاَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ } (القصص / 79 - 81)
    وقد يخير الانسان بين زينة الحياة الدنيا والآخـرة ، فعليه أن لاّ يختار على الآخرة شيئاً ، وإلاّ كان من الخاسرين وقد بيّن ربنا ببلاغة نافذة؛ من ان في الحياة الدنيا الزينة، ولكنه حذر من انها لا تدوم، وان المعيار الآخرة.
    فقال سبحانه : { اعْلَمُوا أنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الاَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَراً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } (الحديد / 20)
    وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "فِي مُنَاجَاةِ مُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ عُقُوبَةٍ عَاقَبْتُ فِيهَا آدَمَ عِنْدَ خَطِيئَتِهِ وَجَعَلْتُهَا مَلْعُونَةً مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ فِيهَا لِي.
    وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له) الكافي ج2 ص129

    لذا علينا ان نفهم ان الدنيا وما فيها ليست الا وسيلة للوصول للغاية التي خلق من اجلها الانسان وليست هي الهدف والغاية ؟؟
    قد يسال البعض ويقول ما هو الخط الفاصل بين عمل الدنيا الذي فيه رضا الله وعمل الدنيا الذي فيه سخط الله ؟؟؟
    اقول :هناك خط رفيع يفصل بين عمل الدنيا الذي فيه رضا الله، وعمل الدنيا الذي ليس فيه رضا الله، والانسان الذي لا يستطيع أن يميز هذا الخط سينغمر في الدنيا وقد يغرق في مياهها، فكيف نستطيع ان نُميّز هذا الخط؟
    قال اميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول الامام مخاطباً الانسان: إنك لم تُخلق للدنيا فازهد فيها وأعرض عنها[181.
    وهذا لا يعني أن يترك الانسان الدنيا وشأنها بل معنى ذلك أنّ الدنيا ليست هدفاً فلابد أن يزهد فيها الانسان فلا يتعلق بها تعلق الحبيب بمحبوبه، بل يأخذ منها ما يكفيه
    يقول الامام: إنَّ الدنيا دار منها لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر، فارتحلوا عنها بأحسن ما يحضُرُكُمْ مِنَ الزّادِ ولا تسألوا فيها إلاّ الكَفافَ ولا تطْلبُوا مِنها أكثرَ مِنَ البَلاغِ)
    وهي تجارة رابحة، لأنها متاجرة بين شيء زائل وشيء باقٍ يقول الامام: الرابح مَن باع الدنيا بالآخرة)
    فالدنيا ليست إلاّ ساحة سباق يتسابق فيها الناس إلى غاية اسمى يقول الامام: المؤمن الدنيا مضماره، والعمل همته والموت تحفته والجنة سبقته
    وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إعلموا عباد اللّه أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظى به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المُبلّغ والمتجر الرابح»(1) نهج البلاغة.

    هذا هو حال المؤمن أما حال الكافر: الكافر الدنيا جُنتُه، والعاجلة همته والموت شقاوته، والنار غايته)
    صورتان متعاكستان؛ متسابقان أحدهما إتخذ الدنيا ساحة سباق أما الآخر فاتخذها هدفاً له، فإلى أين إنتهى المتسابقان أحدهما إلى الجنة، والآخر إلى النار.

    طبعا مما يؤسف له ان تجد الانسان الذي قال فيه تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70} الإسراء
    وقال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ...(سورة إبراهيم:34-34)

    واذا بهذا الانسان الذي فضله الله وكرمه يضيع هدفه الذي خلق من اجله و يلهث وراء شهواته ونزواته لا فرق بينه وبين البهائم فالبهائم لاهم لها الا اشباع غرائزها من الاكل والشرب والجماع.
    فعلى العاقل ان يسال نفسه لماذا خلق الله الانسان وما هو سبب تفضيله وتكريمه على غيره ؟؟؟ لانه ياكل بيده وسائر الحيوانات بالفم كما يقول البعض ام كرّمهم بالنطق كما صور البعض الاخر ام كرّمه بتعديل القامة وامتدادها، ام بحسن الصورة الظاهرية ام بتسليطه على سائر الخلق، وتسخير سائر الخلق له)
    هل يعقل ان سبب التفضيل والتكريم والتسخير هو تعديل القامة او النطق او الاكل باليد ام ان هناك سبب اخر لتفضيل بني ادم على سائر المخلوقات.

    فالسبب الحقيقي هو ان الله كرم وفضل هذا المخلوق البشري على كثير من خلقه كرّمه بخلقته على تلك الهيئة، بهذه الفطرة التي تجمع بين الطين والنفخة، فتجمع بين الأرض والسماء في ذلك الكيان وكرمه بالاستعدادات التي أودعها في فطرته، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ الروم : 30.

    والتي استأهل بها ( أي الفطرة ) الخلافة في الأرض، قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) الاعراف 11

    وبما أنّ فطرة آدم، أو الإنسان بشكل عام تؤهّله لمعرفة أسماء الله بمقام أعظم بكثير من مقام الملائكة، وبأفق أبعد، كان لآدم ع أفضلية على الملائكة،
    قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33))البقرة
    فكان انقياد الملائكة وطاعتهم لآدم، واعتباره قبلة لهم يعرفون منها ما يمكنهم من أسماء الله أمراً حتمياً، بسبب أفضليته التي لا تتغير، إلا إذا أزرى الإنسان بنفسه فان ازرى بنفسه اصبح دون البهائم .
    لان الحق سبحانه اودع الانسان مؤهلات دون سائر المخلوقات، وأودع الغرائز والحاجات العضوية في الإنسان والحيوان، فإن غلّب الإنسان عقله على غرائزه ارتقى لأرقى من درجة الملائكة، وإن غلّب غرائزه على عقله انحط لأسفل من البهائم،
    قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 44] .

    ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179] .

    قد يسال سال ويقول الايات القرانية تتكلم عن اناس أي بشر فضلهم الله على سائر المخلوقات وبنفس الوقت تذمهم وتنسبهم للانعام فما هو السبب ؟؟؟

    السبب انهم لا يقبلون الحق فهم لايفقهون ما جاء به خلفاء الله ولايرون الايات والبينات التي استدل بها خلفاء الله ولايسمعون صوت الحق وان تعالى بل يسمعون صوت الباطل لذا نسبهم الله الى الانعام بل جعلهم اضل منها .
    لذا دعونا نتفكر قليلا في الآيات العظيمة أعلاه، والتي يبين الله جل جلاله فيها الفرق بين من يعقلون ويفقهون بقلوبهم وأبصارهم وآذانهم... وبين الآخرين ممن لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون. صورهم الله جل جلاله بأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا من الأنعام!!!
    ولوا قارنا بين الانعام وبين الذين لايسمعون ولا يعقلون لوجدنا ان الانعام خلقها الله ولم يكلفها لكنها تسبح الله.
    اما الانسان الذي فطره الله على معرفته واودعه المؤهلات للمعرفة والرقي وكرمه وفضله وسخر له كل شئ واذا به يضيع حضه ويلهث وراء شهواته كالبهائم بل اضل منها لان البهائم تسبح الله وصاحب المؤهلات ضيع حظه لذاوصفهم سبحانه (أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179] .

    فالانعام تمتلك ثلاثة ارواح ( روح الحياة وروح القوة وروح الشهوة )
    ومن تتوفر فيه هذه الارواح الثلاثة فهو حيوان قادر على التعاطي مع محيطه بذكاء بحسب حال دماغه الجسماني ويشترك الانسان مع الحيوان بهذه الارواح الثلاثة ( روح الحياة وروح القوة وروح الشهوة )
    لكن ما يميز الانسان عن الحيوان هو روح الايمان او الروح الانسانية التي بثها الله في نبيه ادم ع وحث الانسان على تحصيلها فمن سعى وحصل على روح الايمان كان انسانا يفقه ويعي ويعقل ومن سلبت منه روح الايمان بسبب انغماسه بالشهوات فلا فرق بينه وبين الحيوان بل ان الحيوان افضل منه لان الحيوان غير مكلف وغير مؤهل ويسبح الله
    عن الحسن بن جهم عن ابى عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال في الانبياء والاوصياء خمسة ارواح روح البدن وروح القدس وروح القوة و روح الشهوة وروح الايمان وفى المؤمنين اربعة ارواح .......روح البدن وروح الشهوة وروح القوة وروح الايمان وفى الكفار ثلاثة ارواح روح البدن وروح القوة وروح الشهوة ثم قال روح الايمان يلازم الجسد ما لم يعمل بكبيرة فإذا عمل كبيرة فارقه الروح .وروح القدس من سكن فيه فانه لا يعمل بكبيرة ابدا. (بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار ص467

    عن جابر قال: سألت أبا جعفر ع عن الروح قال يا جابر ان الله خلق الخلق على ثلث طبقات وأنزلهم ثلث منازل وبيّن ذلك في كتابه حيث قال: " فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ "، فأما ما ذكر من السابقين فهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح، روح القدس، وروح الإيمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن وبين ذلك في كتابه حيث قال {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) البقرة253 ثم قال في جميعهم وأيدهم بروح منه فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وبروح القدس علموا جميع الأشياء، وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئّا، وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معايشهم، وبروح الشهوة أصابوا لذة الطعام ونكحوا الحلال من النساء، وبروح البدن يدب ويدرج، وأما ما ذكرت من أصحاب الميمنة فهم المؤمنون حقّا جعل فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، ولا يزال العبد ..... ﺑﻬذه الأرواح الأربعة حتى يهمّ بالخطيئة فإذا همّ بالخطيئة زين له روح الشهوة وشجعه روح القوة وقاده روح البدن حتى يوقعه في تلك الخطيئة،فإذا لامس الخطيئة انتقص من الإيمان وانتقص الإيمان منه، فإن تاب تاب الله عليه، وقد يأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الأربعة وذلك قول الله تعالى: " {‏وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا‏}‏ ‏[‏سورة الحج‏:‏ آية 5‏]‏ "
    فتنتقص روح القوة ولا يستطيع مجاهدة العدو ولا معالجة المعيشة، وينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أحسن بنات آدم لم يحن إليها، وتبقى فيه روح الإيمان ورح البدن فبروح الإيمان يعبد الله وبروح البدن يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت، وأما ما ذكرت أصحاب المشئمة فمنهم أهل الكتاب، قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146
    عرفوا رسول الله والوصي من بعده وكتموا ما عرفوا من الحق بغيّا وحسدّا فيسلبهم روح الإيمان، وجعل لهم ثلاثة أرواح:
    روح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، ثم أضافهم إلى الأنعام فقال إ(ِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان44 لان الدابه انما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوه ويسير بروح البدن ) بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار ص465

    هذا هو حال الانسان الذي فضله الله تبارك وتعالى اذا ازرى بنفسه وانكب على الشهوات يكون كالانعام وهناك اية في كتاب الله بينت هذا الامر باوضح بيان
    قال تعالى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6 في سورة {التين
    تدبر في قوله تعالى (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ومن (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) واستثنى الذين امنوا وعملوا الصالحات بل وجازاهم سبحانه (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)
    فخلق الانسان في احسن تقويم لا تعني الشكل الجسماني أي الصورة الظاهرية ولا تعني اعتداله واستواء شبابه كما قال البعض خلق كل ذي روح مكبا على وجهه إلا الإنسان فإنه تعالى خلقه مديد القامة
    قال الامام احمد الحسن ع في كتابه وهم الالحاد ص 140
    في بيان قوله تعالى ((( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)
    احسن تقويم لا يعني الشكل والقدرة الجسمانية احسن تقويم أي ان الانسان خلق على صورة الله وصورة الله ليست صورة جسمانية او مثالية صورة الله أي تجلي اسماء الله فمعنى ان الانسان مخلوق على صورة الله أي انه مفطور ليظهر اسماء الله في الخلق ويكون الله في الخلق كل انسان مؤهل ليكون كذلك اهلته روح القدس المتجلية في النفس الانسانية ولكن هناك من يضيعون حظهم فيعودون الى اصلهم باختيارهم
    (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ( .المائدة 60
    هذه هي الحقيقة الله اعطى الانسان كل انسان المفتاح الرئيسي الذي يفتح كل الابواب والذي يثبت انسانيته فيمكنه ان يفتح الابواب واحدا بعد الاخر لينتقل من نور الى نور اعظم منه حتى يصل الى مواجهة النور الذي لا ظلمة فيه .
    ويمكنه ايضا بكل بساطة ان يلقي المفتاح الى الارض ويعود الى حيوانيته وبهيميته والتي بها يمسي يساوي القرد كما في النص القراني (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ)
    لا ظلم في ساحة الله فالنار هي الدنيا لمن اختاروها وطلبوا الخلود فيها ...........من طلب الخلود الدنيوي سيعطى امنيته ويبقى حيث اراد فقط سيكشف عنه الغطاء ليرى الحقائق كما هي (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُو)الانبياء 13
    الله عادل في كل شئ بل هو محسن وكريم الى درجة لا يمكننا ان نفهما وليس عادلا فقط لهذا فهو لا يؤذي احدا بل اشد عقوبته هي ان يعطي الانسان اختياره الذي عادة يكون فيه هلاكه الابدي فمعنى قوله تعالى( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ(البقرة 65
    وقوله تعالى (((قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ( .المائدة60
    وقوله تعالى ( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ الاعراف 166
    أي انهم القوا المفاتيح من ايديهم وخسروا الروح الانسانية التي بثها الله في ابيهم ادم ع وحثهم على تحصيلها ولم تبق لهم الا الروح الحيوانية فعادوا الى اصولهم حيوانات وبهائم لا يكادون يفقهون قولا .
    عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن علم العالم، فقال لي: يا جابر إن في الانبياء والاوصياء خمسة أرواح: روح القدس وروح الايمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، ثم قال: يا جابر إن هذه الاربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب.) الكافي ج1 ص 272
    فمن ليس فيه روح الايمان او من تسلب منه روح الايمان تبقى له ثلاثة ارواح او ثلاثة جهات للروح وهذه هي نفس جهات انفس الحيوانات فلا تكون له ميزة على القردة والخنازير والحقيقة ان مسخهم هو عبارة عن عودتهم الى اصولهم وحقائقهم التي لم يرغبوا الانتقال عنها واختاروا البقاء فيها بارادتهم فخاطبهم الله في القران ابقوا كما انتم قردة :
    (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ(البقرة 65
    (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) المائدة60
    وقال تعالى ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 44] .
    هذه الايات يمكنك ان تفهم منها ان بعضا من الذين لهم جسم انسان يقول الله عنهم انهم قردة وخنازير وانعام بل اضل سبيلا وان اردت تفسيرا لمعنى ( اضل سبيلا ) بمصاديق حيوانية يمكن ان اقول لك مثلا ديدان بدائية وصراصر وخنافس وعقارب فهناك اذن تطور روحي او نفسي فهذا الكائن الذي له جسم انسان ممكن ان يرتقي ويتطور روحيا حتى يكون انسانا وتكون له روح الايمان وروح القدس.
    وممكن ان يتردى حتى تكون له فقط ارواح حيوانية كالقرد بل ربما في ادنى مستوايتها كالديدان التي ربما لا تتعدى ادراكاتها الفتحات الموجودة في اجسامها فتحة للطعام وفتحة للخروج وفتحة للجنس وهكذا يمكن ان يكون الانسان في بعض الاحيان وللاسف .انتهى كلامه ع
    لذا فمن احسن تقويم الى اسفل سافلين (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) لماذا لانه تخلى عن انسانيته وعاد الى حيوانيته فالانسان الذي يكون همه بطنه وفرجه لا فرق بينه وبين البهائم اجلكم الله لان البهائم هما بطنها وفرجها والله سبحانه وتعالى وصفهم بذلك
    قال تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ.)محمد آية 12.
    -قال الإمام علي (عليه السلام): أمقت العباد إلى الله سبحانه من كان همته بطنه وفرجه) غرر الحكم: 3294، 9642.

    - عنه (عليه السلام): ما أبعد الخير ممن همته بطنه وفرجه ().غرر الحكم: 3294، 9642.
    والحمد لله وحدة. الشيخ نعيم الشمري
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎