إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • راية اليماني
    مشرف
    • 05-04-2013
    • 3021

    راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

    راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]


    كتاب التخريج : عن العامري بالإسناد عن هبيرة بن مريم (٣) ، عن ابن عبّاس ، قال : رأيت الحسين عليه‌ السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة وكف جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله سبحانه.وعُنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه‌ السلام ، فقال : إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.وقال محمد بن الحنفيّة : وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. (٤)

    ____________
    ٣ ـ في المناقب : بريم.
    ٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٢ ـ ٥٣ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٥ ح ١٢ ، ومدينة المعاجز : ٣/٥٠٣ ح ١٠١٧ ـ ١٠١٩ ، وعوالم العلوم : ١٧/٥٤ ح ٢ وص ٤١ ح ١.



    رسائل الكافر يزيد و اتباعه (عليهم لعائن الله)

    بسم الله الرحمن الرحيممن عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.أمّا بعد :فإن معاوية كان عبداً من عباد الله أكرمه فاستخلفه ومكّن له ، ثمّ قبضه إلى روحه وريحانه أو عقابه (٣) ، عاش بقدر ، ومات بأجل ، وقد كان عهد إليّ وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء ، وقد آن ـ يا وليد ـ أن ينتقم الله للمظلوم (٤) عثمان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة [ لي ] (٥) على جميع الخلق في المدينة.قال : ثمّ كتب في رقعة صغيرة :أمّا بعد :فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه ، والسلام. (٦)

    ____________
    ٣ ـ في المقتل : إلى روحه وريحانه ورحمته وثوابه.
    ٤ ـ في المقتل : وقد علمت يا وليد أنّ الله تعالى منتقم للمظلوم.
    ٥- في المقتل.
    ٦ ـ مقتل الحسين عليه‌ السلام للخوارزمي : ١/١٧٧ ـ ١٨٠.


    وروي عن مكحول ، عن أبي عبيدة الجراح ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌ عليه‌ وآله : لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني اُميّة [ يقال له يزيد ]. (١)وبإسناد متّصل بأبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله يقول : أوّل من يبدّل ديني رجل من بني اُميّة.قال : ابن أعثم : فلمّا ورد الكتاب على الوليد بن عتبة قرأه واسترجع ، ثمّ قال : يا ويح الوليد بن عتبة من دخوله في هذه الامارة ، ما لي وللحسين؟ ثمّ بعث إلى مروان فدعاه وقرأ الكتاب عليه ، فاسترجع مروان ، ثمّ قال : رحم الله معاوية.فقال الوليد : أشر عليَّ برأيك.فقال مروان : أرى أن ترسل إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى الطاعة والدخول في بيعة يزيد ، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم ، وإن أبوا قدمتهم وضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنّهم إن علموا بموته وثب كلّ واحد منهم وأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه ، فعند ذلك أخاف أن يأتيك منهم ما لا قبل لك به ، إلا عبد الله بن عمر فإنّي لا أراه ينازع ، فذره عنك ، وابعث إلى الحسين وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير فادعهم إلى البيعة ، مع أنّي أعلم أنّ الحسين خاصة لا يجيبك إلى بيعة يزيد أبداً ، ولا يرى له عليه طاعة ، والله إنّي لو كنت موضعك لم اراجع الحسين في كلمة واحدة حتّى أضرب عنقه ، فأطرق الوليد بن عتبة ، ثمّ رفع رأسه وقال: ليت الوليد بن عتبة لم يولد.

    ____________
    ١ ـ من المقتل.

    قال : ثمّ دمعت عيناه ، فقال له عدوّ الله مروان : أيّها الامير ، لا تجزع بما ذكرت لك ، فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء في قديم الدهر ولم يزالوا ، وهم الّذين قتلوا عثمان ، ثمّ ساروا إلى معاوية فحاربوه ، فإنّي لست آمن ـ أيّها الأمير ـ إن أنت لم تعاجل الحسين خاصة أن تسقط منزلتك عند أمير المؤمنين يزيد.فقال الوليد : مهلاً ـ يا مروان ـ اُقصّر من كلامك وأحسن القول في ابن فاطمة ، فإنّه بقيّة ولد النبيّين.قال : ثمّ بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير فدعاهم ، وأقبل الرسول وهو عمرو بن عثمان ، فلم يصب القوم في منازلهم ، فمضى نحو المسجد فإذا القوم عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسلّم ، ثمّ قال : إنّ الأمير يدعوكم ، فصيروا إليه.فقال الحسين : نفعل إن شاء الله إذا نحن فرغنا من مجلسنا ، فانصرف الرسول وأخبر الوليد بذلك ، واقبل عبد الله بن الزبير على الحسين ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس ، وإنّي قد أنكرت بعثته إلينا في مثل هذا الوقت ، فترى لما بعث إلينا (١)؟فقال الحسين عليه‌السلام : اخبرك إنّي أظنّ أنّ معاوية هلك ، وذلك انّي رأيت البارحة في منامي كأنّ منبر معاوية منكوس ، ورأيت النّار تشتعل في داره ، فتأوّلت ذلك في نفسي بأنّه قد مات.قال ابن الزبير : فاعمل على ذلك بأنّه كذلك ، فما ترى أن تصنع إذا دعيت إلى بيعة يزيد؟

    ____________

    ١ ـ في المقتل : أنكرت بعثه ... أفترى لماذا بعث إلينا؟

    فقال الحسين عليه‌السلام : لا اُبايع أبداً ، لأنّ الأمر إنّما كان لي بعد أخي الحسن فصنع معاوية ما صنع ، وحلف لأخي الحسن انّه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده ، وأن يردّها عليَّ إن كنت حيّاً ، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه ولم يف لي ولا لأخي فوالله لقد جاءنا مالا قوام (١) لنا به ، أتظنّ أنّي اُبايع يزيد ، ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق ، وشرب الخمر ، واللعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقيّة آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ والله لا يكون ذلك أبداً ، فبينما هما في المحاورة إذ رجع الرسول وقال للحسين : أبا عبد الله ، إنّ الأمير قاعد لكما خاصة فقوما إليه ، فزبره الحسين وقال : انطلق إلى أميرك لا اُمّ لك أنا صائر إليه الساعة إن شاء الله ولا قوّة إلا بالله.قال : فرجع الرسول إلى الوليد فأخبره بذلك ، وقال : إنّ الحسين قد أجاب وهو صائر إليك هذه الساعة في أثري.فقال مروان : غدر والله الحسين.فقال الوليد : مهلاً ليس مثل الحسين يغدر ، ولا يقول ما لا يفعل ، ثمّ أقبل الحسين على الجماعة وقال : قوموا (٢) إلى منازلكم فإنّي صائر إليه فأنظر ما عنده.فقال له ابن الزبير : إنّي أخشى (٣) عليك أن يحبسوك عندهم ولا يفارقونك أبداً حتّى تبايع أو تقتل.فقال : لست أدخل عليه وحدي ، ولكن أجمع أصحابي وخدمي

    __________________

    ١ ـ في المقتل : قرار.
    ٢ ـ في المقتل : صيروا.
    ٣ ـ في المقتل : خائف.


    وأنصاري وأهل الحقّ من شيعتي ، وآمر كلّ واحد منهم أن يأخذ سيفه مسلولاً تحت ثيابه ، ثمّ يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت إليهم وقلت : [ يا آل الرسول ، ادخلوا ] دخلوا وفعلوا ما أمرتهم به ، ولا اُعطي القياد من نفسي ، فقد علمت والله أنّه قد أتى من الأمر ما لا قوام له ، ولكن قدر الله ماضٍ ، وهو الّذي يفعل في أهل البيت ما يشاء ويرضى.ثمّ وثب الحسين فصار إلى منزله ، ثمّ دعا بماء فاغتسل ، ولبس ثيابه ، وصلّى ركعتين ، فلمّا انفتل من صلاته أرسل إلى فتيانه ومواليه وأهل بيته فأعلمهم شأنه ، ثمّ قال : كونوا بباب هذا الرجل ، فإذا سمعتم صوتي وكلامي وصحت : [ يا آل الرسول ] فاقتحموا بغير إذن ، ثمّ أشهروا السيف (١) ولا تعجلوا ، فإن رأيتم ما لا تحبّون فضعوا سيوفكم فيهم واقتلوا من يريد قتلي.قال : ثمّ خرج الحسين من منزله ، وفي يده قضيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو في ثلاثين رجلاً من مواليه وشيعته حتّى أوقفهم على باب الوليد ، ثمّ قال : انظروا ما اُوصيكم (٢) به فلا تعدوه وأنا أرجو أن أخرج إليكم سالماً ، ثمّ دخل الحسين عليه‌السلام على الوليد وسلم ، وقال : كيف أصبح الأمير؟قال : فردّ عليه الوليد ردّاً حسناً ، ثمّ أدناه وقرّبه ، وكان مروان حاضراً في مجلس الوليد ، وكان بيد الوليد ومروان قبل ذلك منازعة ، فلمّا نظر الحسين إلى مروان جالساً في مجلس الوليد ، قال : أصلح الله الأمير الصلح (٣) خير من

    _________١ ـ في المقتل : السيوف.٢ ـ في المقتل : ما أوصيتكم.٣ ـ في المقتل : الصلاح.


    الفساد ، وقد آن لكما أن تجتمعا ، الحمد لله الّذي أصلح ذات بينكم.قال : فلم يجيباه بشيء في هذا ، فقال الحسين عليه‌السلام : هل ورد عليكم خبر من معاوية؟ فإنّه قد كان عليلاً وقد طالت علته ، فكيف هو الآن؟قال : فتأوّه الوليد ، ثمّ قال : يا أبا عبد الله ، آجرك الله (١) في معاوية ، فقد كان لك عمّ صدق ، ووالي عدل ، فقد ذاق الموت ، وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد.فقال الحسين عليه‌السلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وعظم الله لكما الأجر ، ولكن لماذا دعوتني؟فقال : دعوتك للبيعة الّتي قد اجتمع عليها الناس.قال : فقال الحسين عليه‌السلام : إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً ، وإنّما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، ولكن غداً إذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم ، فيكون أمراً واحداً.فقال له الوليد : لقد قلت فأحسنت القول وكذا كان ظنّي فيك ، فانصرف راشداً حتّى تأتينا غدا مع الناس.قال : فقام مروان ، وقال : إنّه إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنّك لا تقدر عليه بعدها أبداً حتّى تكثر القتلى بينك وبينه ، فاحتبسه عندك ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه.قال : فالتفت الحسين إليه ، وقال : ويلي عليك ياابن الزرقاء ، أتأمره بضرب عنقي؟ كذبت والله ولؤمت ، والله لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت

    ________________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.



    الأرض من دمه ، فإن شئت ذلك فقم أنت فاضرب (١) عنقي إن كنت صادقاً.قال : ثمّ أقبل الحسين على الوليد وقال : أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل النفس ، معلق بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة.قال : فسمع من بالباب صوت الحسين فهمّوا أن يقتحموا الدار بالسيوف ، وخرج إليهم الحسينعليه‌السلام فأمرهم بالانصراف ، وأقبل الحسين إلى منزله ، فقال مروان للوليد : عصيتني حتّى أفلت الحسين من يدك ، أمّا والله لا تقدر منه على مثلها ، والله ليخرجنّ عليك وعلى يزيد.فقال الوليد : ويحك يا مروان ، أشرت عليَّ بقتل الحسين ، وفي قتله ذهاب ديني ودنياي ، والله ما اُحبّ (٢) أن أملك الدنيا بأسرها وانّي قتلت الحسين ، ما أظنّ أحداً يلقى الله يوم القيامة بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان عندالله ، لا ينظر إليه ، ولا يزكّيه ، وله عذاب أليم.قال : وخرج الحسين عليه‌السلام من منزله يسمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنّي لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد.فقال الحسين عليه‌السلام : وما ذاك؟قال : إنّي آمرك ببيعة يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك.


    ____________١ ـ في المقتل : فرم أنت ضرب.٢ ـ في المقتل : والله إنّي لا احب.

    قال : فاسترجع الحسين عليه‌السلام
    وقال : على الاسلام العفا إذ قد بليت الاُمّة براع مثل يزيد ، ثمّ أقبل الحسين على مروان ، وقال : ويحك تأمرني ببيعة يزيد ، ويزيد رجل فاسق ، لقد قلت شططاً ، لا ألومك على قولك لأنّك اللعين الّذي لعنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت في صلب أبيك الحكم بن ابي العاص ، ومن لعنه رسول الله فإنّه لا ينكر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد ، ثمّ قال : إليك عنّي يا عدوّ الله فإنّا أهل بيت رسول الله على الحقّ والحقّ فينا ، وقد سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه (١) ، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يفعلوا ما امرهم به فابتلاهم الله بابنه يزيد.قال : فغضب مروان ، ثمّ قال : والله لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغراً ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاماً واشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقيق عليهم أن يبغضوكم.فقال الحسين عليه‌السلام : ويلك إليك عنّي ، فإنّك رجس وإنّا أهل بيت

    _________١ ـ السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل : ١٥١ ح ٨١٤ ، مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لمحمد بن سليمان الكوفي : ٢/٣٠٠ ح ٧٧٥ وص ٣٠٥ ح ٧٧٩ وص ٧٨٠ وص٣١٨ ح ٧٩٠ ، أنساب الأشراف : ١/١٢٨ ح ٣٦٩ وص ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٣٧١ ، تاريخ الطبري : ١٠ / ٥٨ ، الكامل لابن عديّ : ٣/١٢٥٥ ، وج ٥/١٨٤٤ وص١٩٥١ ، وج ٦/٢١٢٥ وص٢٤١٦ ، وج ٧/٢٥٤٤ ، معاني الأخبار : ٣٤٦ ح ١ ، تاريخ بغداد : ١٢/١٨١ ، شرح نهج البلاغة : ١٥/١٧٦ ، الملاحم والفتن : ١١١ وص ١٦٨ ـ ١٦٩ ب ١٩ ، ميزان الاعتدال : ٢/٦١٣ ، الاصول الستة عشر ، كتاب عبّاد العصفري : ١٩ ، وقعة صفّين : ٢١٦ وص٢٢١ ، سير أعلام النبلاء : ٣/١٤٩ ، البداية والنهاية : ٨/١٣٣ ، المطالب العالية : ٤/٣١٣ ح ٤٤٩٩.



    الطهارة الّذي أنزل الله فينا : ( إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )(١) فنكس مروان رأسه ، فقال له الحسين : أبشر يا ابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآلهيوم تقدّم على جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألك عن حقي وحق يزيد.قال : فمضى مروان مغضباً حتّى دخل على الوليد فخبّره بما كان من مقالة الحسين عليه‌السلام ، وكان ابن الزبير قد خرج ليلاً قاصداً مكّة حين اشتغلوا بالحسين ، فبعث الوليد بن عتبة في طلبه فلم يقدروا عليه وفاتهم ، فكتب الوليد إلى يزيد يخبره الخبر بما كان من ابن الزبير ، ثمّ ذكر له بعد ذلك أمر الحسين ، فلمّا ورد الكتاب على يزيد وقرأه غضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب انقلبت عيناه فصار أحول ، فكتب إلى الوليد بن عتبة :من عبد الله أمير المؤمنين يزيد إلى الوليد بن عتبة.أمّا بعد :فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانياً على أهل المدينة وذر عبد الله ابن الزبير فإنّه لا يفوتنا ، وليكن مع جواب كتابي رأس الحسين ، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنّة الخيل ، ولك عندي الجائزة العظمى والحظّ الأوفر ، والسلام.فلمّا ورد الكتاب على الوليد وقرأه عظم ذلك عليه ، ثمّ قال : لا والله لا يراني الله بقتل ابن نبيّه(٢) ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.


    قصد الإمام الحسين (ع) قبر جده رسول الله (ص)

    قال : وخرج الحسين عليه‌السلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة

    _______١ ـ سورة الأحزاب : ٣٣.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : بنته.

    فرخك وابن فرختك ، وسبطك الّذي خلّفتني في اُمّتك ، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنهم قد خذلوني ، وضيّعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك.قال : ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعاً ساجداً. قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه‌السلاملينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد لله الّذي (١) خرج ولم يبتلني الله (٢) بدمه.قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح.قال : فلمّا كانت الليلة الثانية (٣) خرج إلى القبر أيضاً وصلّى ركعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللّهمّ هذا قبر نبيّك محمد ، وأنا ابن بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت.اللّهمّ إنّي اُحبّ المعروف ، واُنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحقّ هذا (٤) القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى ، ولرسولك رضى.قال : ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتّى ضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً

    _______١ ـ في المقتل : إذ.٢ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٣ ـ في المقتل : الثالثة.٤ ـ من المقتل.

    بأرض كربلاء ، بين (١) عصابة من اُمّتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.حبيبي يا حسين ، إنّ أباك واُمّك وأخاك قدموا عليَّ وهم مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.قال : فجعل الحسين عليه‌السلام في منامه ينظر إلى جدّه ويقول : يا جدّاه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك.فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنّك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنة.قال : فانتبه الحسين عليه‌السلام من نومه فزعاً مرعوباً فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غماً من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أكثر باك ولا باكية منهم.

    خروج الإمام الحسين (ع) من المدينة الى مكة

    قال : وتهيّأ الحسين صلوات الله عليه للخروج من المدينة ومضى في جوف الليل إلى قبر اُمّهعليها‌السلام فودّعها ، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه‌السلام ففعل كذلك ، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح ، فأقبل إليه أخوه محمد إبن الحنفيّة وقال : يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزّهم عليَّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك لأنّك مزاج مائي

    ______١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : من.



    ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك عليَّ وجعلك من سادات أهل الجنّة ، واريد أن اُشير عليك فاقبل منّي.فقال الحسين عليه‌السلام : يا أخي ، قل ما بدا لك.فقال : اُشير عليك أن تتنحّى عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآلهيقوم به فيهم حتّى يتوفّاك الله (١) وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك ، وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك (٢) فإنّي خائف عليك أن تدخل مصراً من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.فقال الحسين عليه‌السلام : فإلى أين أذهب؟قال : تخرج إلى مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً (٣) ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك (٤) وإلا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزت (٥ ) من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.

    ________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حمدت الله على ذلك ، وتسكت منزلك.٣ ـ في المقتل : وهم أرأف وأرقّ قلوباً.٤ ـ من المقتل.٥ ـ في المقتل : وصرت.


    ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك عليَّ وجعلك من سادات أهل الجنّة ، واريد أن اُشير عليك فاقبل منّي.فقال الحسين عليه‌السلام : يا أخي ، قل ما بدا لك.فقال : اُشير عليك أن تتنحّى عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقوم به فيهم حتّى يتوفّاك الله (١) وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك ، وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك (٢) فإنّي خائف عليك أن تدخل مصراً من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.فقال الحسين عليه‌السلام : فإلى أين أذهب؟قال : تخرج إلى مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً (٣) ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك (٤) وإلا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزت (٥ ) من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.

    ______________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حمدت الله على ذلك ، وتسكت منزلك.٣ ـ في المقتل : وهم أرأف وأرقّ قلوباً.٤ ـ من المقتل.٥ ـ في المقتل : وصرت.


    قال : فقال الحسين عليه‌السلام : يا أخي ، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقد قال جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ لا تبارك في يزيد.قطع محمد بن الحنفيّة الكلام وبكى ، فبكى [ معه ] (١) الحسين عليه‌السلام ساعة ، ثمّ قال : يا أخي ، جزاك الله خيراً فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ممّن أمرهم (٢) أمري ورأيهم رأيي ، وأمّا أنت يا أخي فما عليك أن تقيم بالمدينة ، فتكون لي عيناً عليهم لا تخف عنّي شيئاً من امورهم.ثمّ دعا الحسين عليه‌السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمد رضي الله عنه :بسم الله الرحمن الرحيمهذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفيّة ، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمّداً عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأن الجنّة والنار حقّ ، وأن الساعة أتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمّة جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ علي هذا أصبر (٣) حتّى يقضي الله بيني وبين القوم

    ________٩ ح ٣١ ، والكافي : ٥/٥٣ ح ٢.١ ـ من المقتل والبحار.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : وشيعتي وأمرهم.٣ ـ في المقتل : صبرت.

    بالحق [ ويحكم بيني وبينهم ] (١) وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيّتي يا أخي إليك ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب.

    ___________
    ١ ـ من المقتل.

    ثم طوى الحسين عليه‌السلام الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل (٨) يريد مكّة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ستّين ، فلزم الطريق الأعظم ،

    _________٨ ـ من قوله : « فلمّا ورد الكتاب على الوليد » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٤/٣٢٧ ـ ٣٣٠ عن كتابنا هذا ، وكذا عوالم العلوم : ١٧/١٧٧.


    وجعل [ يسيرو ] (١) يتلو هذه الآية : ( فَخَرَجَ مِنهَا خَائِفاً يَتَرَقََّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَومِ الظَّالِمِينَ)(٢) فقاله له ابن عمّه [ مسلم بن عقيل بن أبي طالب ] (٣) : يا ابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادّة كما فعل ابن الزبير كان عندي [ خير ] (٤) الرأي ، فإنّا نخاف من الطلب.فقال : لا يا ابن العمّ ، لا فارقت هذا الطريق أو أنظر أبيات مكّة أو يقضي الله في ذلك ما يحبّ ، فبينا الحسين بين مكّة والمدينة إذ استقبله عبد الله بن مطيع العدويّ ، فقال : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟فقال : أمّا في وقتي هذا فإنّي اريد مكّة ، فإذا صرت إليها استخرت الله.فقال عبد الله بن مطيع : خار الله لك في ذلك ، وإنّي اُشير عليك بمشورة فاقبلها منّي.فقال الحسين عليه‌السلام : ما هي؟قال : إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة فإن فيها قتل أبوك ، وطعن أخوك طعنة كادت [ أن ] (٥) تأتي على نفسه فيها ، فالزم فيها الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك ، فوالله لئن هلكت ليهلكنّ أهل بيتك بهلاكك ، والسلام.قال : فودّعه الحسين ودعا له بالخير ، وسار حتّى وافى مكّة ، فلمّا نظر إلى جبالها جعل يتلو :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلقَاءَ مَديَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) (٦). (٧)

    ______________١ و ٣ و ٤ و ٥ ـ من المقتل.٢ ـ سورة القصص : ٢١.٦ ـ سورة القصص : ٢٢.٧ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٨٠ ـ ١٨٩.


    الحسين (ع) في مكة

    ولمّا دخل الحسين مكّة جعل أهلها يختلفون إليه ، وكان قد نزل بأعلى مكّة ، ونزل عبد الله بن الزبير داره ، ثمّ تحوّل الحسين إلى دار العبّاس ، وكان أمير مكّة من قبل يزيد عمر بن سعد ، وهاب ابن سعد أن يميل الحجّاج مع الحسين لما (٢) يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة وكتب بذلك إلى يزيد لعنة الله ، وكان الحسين أثقل الخلق على ابن الزبير لأنّه كان يطمع أن يبايعه أهل مكّة ، فلمّا قدم الحسين صاروا يختلفون إليه وتركوا ابن الزبير ، وكان ابن الزبير يختلف بكرة وعشيّة الى الحسين ويصلّي معه.وبلغ أهل الكوفة أنّ الحسين قد صار في (٣) مكّة ، وأقام الحسين عليه‌السلام في مكّة باقي شهر شعبان ورمضان وشوّال وذي القعدة ، وكان عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن عمر بمكة فأقبلا جميعاً وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، فقال ابن عمر : يا أبا عبد الله اتّق الله ، فقد عرفت عداوة أهل هذا البيت لكم ، وظلمهم إيّاكم ، وقد وليّ الناس هذا الرجل يزيد ، ولست آمن أن تميل الناس إليه لمكان الصفراء والبيضاء فيقتلوك فيهلك بقتلك بشر كثير ، فإنّي سمعت

    _______________

    ٢ ـ قوله : « وهاب ابن سعد ... لما » أثبتناه كما في المقتل ، وما في الأصل مصحف.٣ ـ في المقتل : إلى.

    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم (١) ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة ، وأنا اُشير عليك بالصلح وتدخل فيما دخل فيه الناس ، واصبر كما صبرت لمعاوية حتّى يحكم الله بينك وبين القوم الظالمين.فقال الحسين عليه‌السلام : يا با عبد الرحمن ، أنا أدخل في صلحه وقد قال النبيّ فيه وفي أبيه ما قال؟!فقال ابن عبّاس : صدقت ، قد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : مالي وليزيد؟ لا بارك الله في يزيد ، فإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين عليه‌السلام ، والذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم (٢) ثمّ بكى ابن عبّاس وبكى الحسين معه ، وقال : يا ابن عبّاس ، أتعلم أنّي ابن بنت رسول الله؟قال ابن عبّاس : اللّهمّ نعم ، ما نعرف أحداً على وجه الأرض ابن بنت رسول الله غيرك ، وانّ نصرك لفرض على هذه الاُمّة كفريضة الصيام والزكاة ، لا يقبل الله أحدهما دون الآخر.فقال الحسين : فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من وطنه وداره ، و [ موضع ] (٣) وقراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبر جدّه ومسجده ، وموضع مهاجره فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقرّ في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله ، وسفك دمه ، وهو لم يشرك

    ____________١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : فلن.٢ ـ المعجم الكبير : ٣/١٢٩ ح ٢٨٦١ ، الفردوس للديلمي : ٤/٢٨٥ ح ٦٨٤١ ، مثير الأحزان : ٢٢ ، مجمع الزوائد : ٩/١٩٠ ، الخصائص الكبرى : ٢/٢٣٧ ، جمع الجوامع ١/٨٥٧ و١٠٠١ ، كنز العمال : ١١/١٦٦ ح ٠٦١/٣ ، بحار الأنوار : ٤٤/٢٦٦ ح ٢٤.٣ ـ من المقتل.

    بالله شيئاً ولم يغيّر ما كان (١) عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟فقال ابن عبّاس : فماذا أقول فيهم؟ أقول فيهم إنّهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى ( يُرَاؤُونَ النّْاسَ وَلَا يَذْكُروُنَ اللهَ إلَّا قَلِيلاً ) (٢). وأمّا أنت يا ابن رسول الله فإنّك رأس الفخار ، ابن رسول الله [ وابن وصيّه ] (٣) ، وابن بنته ، فلا تظنّ ـ يا ابن رسول الله ـ أنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون (٤) ، وأنا أشهد أنّ من رغب عنك فماله من خلاق (٥).فقال الحسين عليه‌السلام : اللّهمّ فاشهد.قال ابن عبّاس : يا ابن رسول الله ، كأنّك تنعى إليَّ نفسك ، وتريد منّي أن أنصرك ، والله لو ضربت بسيفي بين يديك حتّى تنخلع يداي لما كنت بالّذي أبلغ من حقّك عشر العشير.فقال ابن عمر : يا ابن عبّاس ، ذرنا من هذا.ثمّ أقبل ابن عمر على الحسين فقال : مهلاً ـ يا أبا عبد الله ـ عمّا قد أزمعت عليه ، وارجع معنا إلى المدينة وادخل في صلح القوم ، ولا تجعل لهؤلاء الّذين لا خلاق لهم عليك حجّة ، وإن أحببت ألاّ تبايع فأنت متروك ، فعسى يزيد لا يعيش إلاّ قليلاً فيكفيك الله أمره.فقال الحسين عليه‌السلام : اُفّ لهذا الكلام.

    _________١ ـ في المقتل : ولم يتغيّر عمّا كان.٢ ـ سورة النساء : ١٤٢.٣ ـ من المقتل.٤ ـ إقتباس من الآية : ٤٢ من سورة إبراهيم.٥ ـ إقتباس من الآيتين : ١٠٢ و٢٠٠ من سورة البقرة.

    فقال ابن عمر : إنّي أعلم أنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليجعل ابن بنت نبيّه على خطأ ، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن بالسيوف ونرى من هذا الأمر ما لا نحبّ (١) فارجع معنا إلى المدينة ولا تبايع أبداً ، واقعد في منزلك.فقال الحسين عليه‌السلام : هيهات ، إنّ القوم لا يتركوني إن أصابوني ، فإن لم يصيبوني فإنّهم يطلبونني أبداً حتّى اُبايع او يقتلونني ، أمّا تعلم أنّ من هو ان الدنيا على الله انّه اُتي برأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجّة عليهم فلم يضرّ ذلك يحيى بل ساد الشهداء؟ أو لا تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم كأنّهم لم يصنعوا شيئاً فلم يعجّل الله (٢) عليهم ، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام؟ اتقّ الله ـ يا با عبد الرحمن ـ ولا تدعنّ نصرتي.يا ابن عمر ، إن كان الخروج يثقل عليك فأنت في أوسع عذر واجلس عن القوم ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما يؤول الأمر إليه.قال : ثمّ أقبل الحسين عليه‌السلام على ابن عبّاس ، فقال : يا ابن عبّاس ، إنّك ابن عمّ والدي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكان أبي يستشيرك ، فامض إلى المدينة في حفظ الله (٣) ، ولا تخف عليَّ شيئاً من أخبارك ، فإنّي مستوطن هذا الحرم ومقيم فيه أبداً ما رأيت أهله يحبونّي (٤)وينصرونني فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم.قال فبكى ابن عبّاس وابن عمر ، ثمّ ودّعهما فسارا إلى المدينة ، وأقام

    ______________١ ـ في المقتل : وترى من هذه الاُمّة ما لا تحبّ.٢ و٣ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : يخيّروني.

    الحسين بمكّة قد لزم الصوم والصلاة.



    رسائل الكوفيين الى الحسين (ع)


    قال : واجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلمّا تكاملوا في منزله قام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيّ وآله ، ثمّ ذكر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فترحمّ عليه وذكر مناقبه الشريفة ، ثمّ قال :يا معشر الشيعة ، إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد هلك وصار إلى ربّه ، وقدم على عمله ، وسيجزيه الله بما قدم ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد اللعين ، وهذا الحسين بن عليّ قد خالفه وصار إلى مكّة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، وقد احتاج إلى نصرتكم ، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروّا الرجل من نفسه.فقال القوم : بل نؤويه وننصره ونقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا بين يديه ، فأخذ سليمان بذلك عليهم عهداً وميثاقاً أنّهم لا يغدرون ولا ينكثون ، ثمّ قال : اكتبوا إليه الآن كتاباً من جماعتكم انكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم عليكم.فقالوا : أفلا تكفينا أنت الكتاب إليه؟فقال سليمان : لا ، بل تكتب إليه جماعتكم.قال : فكتب القوم إليه :بسم الله الرحمن الرحيمللحسين بن عليّ أمير المؤمنين من سليمان بن صرد والمسّيب بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وآل وجماعة شيعته من

    المؤمنين.سلام عليك.أمّا بعد :فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل الجبّار العنيد ، الغشوم الظلوم ، الّذي ابتزّ (١)هذه الاُمّة أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمّر عليها بغير رضا منها ، ثّم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبارتها وعتاتها ، فبعداً لهم كما بعدت ثمود ، ثمّ إنّه قد بلغنا أنّ ولده اللعين قد تأمّر على هذه الاُمّة بلا مشورة ولا إجماع ، وبعد ، فإنّا مقاتلون معك وباذلون أنفسنا من دونك ، فأقبل إلينا فرحاً مسروراً ، أميراً مطاعاً ، إماماً ، خليفة مهديّاً ، فإنّه ليس علينا إمام ولا أمير إلاّ النعمان بن بشير ، وهو في قصر الامارة وحيد طريد ، لا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولا نؤدّي إليه الخراج ، يدعو فلا يجاب ، ويأمر فلا يطاع ، ولو بلغنا أنّك أقبلت إلينا لأخرجناه عنّا حتّى يلحق بالشام ، فأقبل إلينا فلعلّ الله تعالى يجمعنا بك على الحقّ والسلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته.ثمّ طووا الكتاب وختموه ودفعوه إلى عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله ابن مسمع بن بكري(٢).قال : فقرأ الحسين عليه‌السلام الكتاب وسكت ، ولم يجبهم بشيء ، ثمّ قدم عليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله بن عبد الرحمن الأرحبي وعامر

    ____________١ ـ ابتزّ : اغتصب.٢ ـ في المقتل : عبد الله بن مسمع البكري.

    ابن عبيد السكوني (١) وعبد الله بن وال التيمي ومعهم نحو من مائة وخمسين كتاباً من الرجل والثلاثة والأربعة يسألونه القدوم عليهم والحسين عليه‌السلام يتأنّى فلا يجيبهم بشيء.ثمّ قدم عليه بعد ذلك هانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بهذا الكتاب ، وهو آخر كتاب ورد عليه من الكوفة :بسم الله الرحمن الرحيمإلى الحسين بن أمير المؤمنين ، من شيعته وشيعة أبيه عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام.أمّا بعد :فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله ، فقد اخضرّت الحبّات (٢)، واينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، فاقدم إذا شئت ، فإنّما تقدّم على جند مجنّدة لك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.فقال الحسين لهانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبد الله ، خبّراني ، من اجتمع على هذا الكتاب الّذي كتب معكما إليّ؟فقالا : يا بن رسول الله ، اجتمع عليه شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث ، وذكروا له جماعة.

    __________١ ـ في المقتل : السلوكي.٢ ـ في المقتل : الجَناب.والجناب : الفناء وما قرب من محلّة النوم.


    إرسال مسلم بن عقيل(رض)

    ثم دعا الحسين
    عليه‌السلام بمسلم بن عقيل رضي الله عنه ودفع إليه الكتاب وقال : إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة ، وهذه كتبهم إليّ ، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض على بركة الله وعونه حتّى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيت الناس مجتمعين على بيعتي فعجّل عليَّ بالخبر حتّى أعمل على حسب ذلك إن شاء الله تعالى.
    قال : ثمّ عانقه الحسين وبكيا جميعاً ، وكان الحسين عليه‌السلام ينظر إلى مصرعه ، فخرج مسلم من مكّة قاصداً المدينة مستخفياً لئلّا يعلم به بنو اُميّة ، فلمّا دخل المدينة بدأ بمسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآلهفصلّى عنده ، ثمّ أقبل (١) في جوف الليل ، فودع أهل بيته ، ثمّ استأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق ، ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادّة ، فخرج الدليلان به من المدينة ليلاً وسارا فأضلّا الطريق ، واشتدّ بهما العطش فماتا عشطاً ، وسار (٢) مسلم ومن معه إلى الماء وقد كادوا أن يهلكوا عطشاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه‌السلام :

    __________١ ـ في المقتل : خرج.٢ ـ في المقتل : وصار.

    [ بسم الله الرحمن الرحيم ] (١)أمّا بعد :فإنّي خرجت من المدينة ليلاً مع دليلين استأجرتهما فضلّا عن الطريق واشتدّ بهما العطش فماتا ، ثمّ صرنا إلى الماء بعد ذلك ـ وقد كدنا نهلك ـ وأصبنا الماء بموضع يقال له « المضيق » وقد تطيرّت من وجهي ، فرأيك في إعفائي.فعلم الحسين عليه‌السلام أنّه قد تشأّم وتطيّر ، فكتب إليه :[ بسم الله الرحمن الرحيممن الحسين بن عليّ إلى مسلم بن عقيل ] (٢)أمّا بعد :فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ والاستعفاء من وجهك إلاّ الجبن والفشل ، فامض لما اُمرت به.فلمّا وصل الكتاب إليه وجد همّاً وحزناً في نفسه ، ثمّ قال : لقد نسبني أبو عبد الله إلى الجبن ، ثمّ سار مسلم حتّى دخل الكوفة. (٣)

    _________________١ و ٢ ـ من المقتل.٣ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٩٦ ـ ١٩٧.

    Last edited by راية اليماني; 16-10-2015, 23:26.
  • راية اليماني
    مشرف
    • 05-04-2013
    • 3021

    #2
    رد: راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

    عزم الإمام الحسين(ع) الانطلاق الى العراق و جمعه اصحابه

    جمع الحسين عليه‌ السلام أصحابه بعد أن وصل إليه كتاب مسلم بطاعة أهل العراق وحسن نيّاتهم وانقيادهم فعزم عليه‌السلام على الخروج وأعطى كلّ واحدٍ منهم عشرة دنانير وجملاً يحمل عليه رحله وزاده ، ثمّ إنّه طاف بالبيت وتهيّأ للخروج وحمل بناته وأخواته على المحامل ، فقصد (٢) من مكّة يوم الثلاثاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجّة ومعه اثنان وثمانون رجلاً من شيعته ومواليه وأهل بيته ، فلمّا خرج اعترضه أصحاب الأمير عمرو بن سعيد بن العاص فجالدهم بالسياط ولم يزد على ذلك فتركوه وصاحوا على أثره : ألا تتّقي الله تعالى تخرج من الجماعة ، وتفرّق بين هذه الاُمّة؟
    فقال الحسين عليه‌السلام : ( لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ) (٣) الآية.وسار صلوات الله عليه حتّى صار بالتنعيم ، ولقي هناك عيراً تحمل الورس والحلل إلى يزيد بن معاوية لعنه الله من عامله باليمن ، فأخذ الحسين

    ______________١ ـ انظر فيما يتعلّق بهذا الفصل : الفتوح لابن أعثم الكوفي : ٥/١١٩ وما بعدها ، تاريخ الطبري : ٥/٣٨٢ وما بعدها.٢ ـ في المقتل : وفصل.٣ ـ سورة يونس : ٤١.

    ذلك كلّه وقال لأصحاب الإبل : لا اُكرهكم ، من أحبّ أن يمضي معي إلى العراق أوفيناه كراه حسناً ، وأحسنّا صحبته ، ومن أراد فرقتنا من مكاننا هذا وفيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق ، فمن فارقه حاسبه ووفّاه حقّه (١) ، ومن مضى معه أعطاه كراه وكساه. (٢)وإنّما أخذ عليه‌السلام العير لأنّها كانت من أموال المسلمين ، وكان حكم المسلمين ، إليه صلوات الله عليه ، وكان خروجه قبل أن يعلم بقتل مسلم ؛ وقيل : كان خروجه من مكّة يوم قتل مسلم بعد أن كتب إليه مسلم بأخذ البيعة واجتماع الناس عليه وانتظارهم إيّاه.وروى ابن جرير ـ بحذف الاسناد ـ عن الأعمش قال : قال لي أبو محمد الواقدي وزرارة بن صالح(٣) : لقينا الحسين عليه‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاثة ، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة ، وأنّ قلوبهم معه واسيافهم عليه.فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيه إلاّ الله عزّوجلّ.فقال عليه‌السلام : لو لا تقارب الاشياء ، وسقوط الأجر ، (٤) لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكنّي أعلم علماً (٥) أنّ هناك مصرعي ، وهناك مصارع أصحابي ، لا

    _______________١ ـ في المقتل : ما قطع من الأرض ، فمن فارقه منهم حوسب وأوفاء حقّه.٢ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٠ نقلاً عن ابن أعثم.٣ ـ في الملهوف : خلج.وذكر في مستدركات علم الرجال : ٣/٤٢٥ زرارة بن خلج وزرارة بن صالح وعدّهما شخصين ، وكلامهما تشرّف بلقاء الحسين عليه‌السلام ، ولعلّ الاسمين لشخص واحد.٤ ـ في الملهوف : وحضور الأجل.٥ ـ في الملهوف : يقيناً.

    ينجو منهم إلاّ ولدي عليّ (١). (٢)وروى السيّد الجليل عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد ابن طاووس الحسيني رضي الله عنه أنّ مولانا الحسين عليه‌السلام لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً ، فقال :الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا قوةّ إلاّ بالله ، وصلّى الله على رسوله ، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تتقاطعها عسلان (٣) الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً ، وأجوفة (٤) سبغاً ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضاء الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا اُجور الصّابرين ، لن تشذّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته ، هي مجموعة عليه (٥) في حضيرة القدس ، تقربهم عينه ، وينجز بهم وعده ، من كان باذلاً فينا مهجته ، وموطّناً على لقاء الله نفسه ، فليرحل [ معنا ] (٦) ، فإنّي راحل إن شاء الله (٧). (٨)وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل عن محمد بن يحيى ،

    ________١ ـ انظر : دلائل الامامة : ٧٤ ، نوادر المعجزات : ١٠٧ ح ١ ، الدرّ النظيم : ١٦٧ ( مخطوط ). إثبات الهداة : ٢/٥٨٨ ح ٦٨ ، البحار : ٤٤/٣٦٤.٢ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ١٢٤ ـ ١٢٦ و١٣٠.٣ ـ في الملهوف : تقطعها ذئاب.٤ ـ في الملهوف : وأجربة.٥ ـ في الملهوف : له.٦ ـ من الملهوف.٧ ـ انظر : مثير الأحزان : ٤١ ، كشف الغمّة : ٢/٢٩ ، البحار : ٤٤/٣٦٦ ـ ٣٦٧.٨ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ١٢٦.

    عن محمد بن الحسين ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ذكرنا خروج الحسين عليه‌السلام وتخّلف ابن الحنيفة عنه ، فقال ابوعبد الله عليه‌السلام : يا حمزة ، إنّي ساُحدّثك (١) بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك (٢) هذا ، إنّ الحسين عليه‌السلام لمّا فصل متوجّهاً دعا (٣) بقرطاس وكتب فيه :بسم الله الرحمن الرحيممن الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشمأمّا بعد :فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف [ عنّي ] (٤) لم يبلغ مبلغ الفتح ، والسلام. (٥)وذكر شيخنا المفيد محمد بن [ محمد بن ] (٦) النعمان رضي الله عنه [ في كتاب مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآلهومولد الأوصياء صلوات الله عليهم ] (٧) بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : لمّا سار أبو عبد الله عليه‌السلام من

    ________١ ـ في البحار : ساُخبرك.٢ ـ في الملهوف : مجلسنا.٣ ـ في الملهوف : أمر.٤ ـ من الملهوف. وفيه : لم يبلغ الفتح.٥ ـ انظر : بصائر الدرجات : ٤٨١ ـ ٤٨٢ ح ٥ ، كامل الزيارات : ٧٥ ، دلائل الامامة : ٧٧ ، نوادر المعجزات : ١٠٩ ح ٦ ، تيسير المطالب : ٩١ ، الخرائج والجرائح : ٢/٧٧١ ذ ح ٩٣ ، المناقب لابن شهراشوب : ٤/٧٦ ، مختصر بصائر الدرجات : ٦ ، إثبات الهداة : ٢/٥٧٧ ح ١٨ ، البحار : ٤٢/٨١ ح ١٢ ، وج ٤٥/٨٤ ح ١٣ وص ٨٧ ح ٢٣.٦ و ٧ ـ من الملهوف.


    [ مكّة ليدخل ] (١) المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة والمردفة (٢) في أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنّة ، فسلّموا عليه وقالوا : يا حجّة الله على خلقه بعد جدّه وأبيه وأخيه ، إنّ الله سبحانه أمدّ جدّك صلى‌الله‌عليه‌وآله بنا في مواطن كثيرة ، وإنّ الله أمدّك بنا.فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي الّتي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني.فقالوا: يا حجّة الله ، مرنا نسمع ونطع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟فقال : لا سبيل لهم عليَّ ، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.وأتته أفواج مسلمي (٣) الجنّ ، فقالوا : يا سيّدنا ، نحن شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كلّ عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك.فجزاهم الحسين خيراً ، وقال لهم : أمّا قرأتم كتاب الله المنزل على جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أَيْنَمَا تَكُونُوا يَدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (٤) وقال سبحانه : ( لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (٥)؟ وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلى (٦) هذا الخلق المتعوس؟ وبماذا

    _________١ ـ من الملهوف.٢ ـ في الملهوف : المسوّمين والمردفين.٣ ـ في الملهوف : من مؤمني.٤ ـ سورة النساء : ٧٨.٥ ـ سورة آل عمران : ١٥٤.٦ ـ في الملهوف : فبمَ يمتحن؟


    يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء وقد اختارها الله تعالى [ لي ] (١) يوم دحا الأرض ، وجعلها معقلاً لشيعتنا ، وتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة؟ ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء الّذي في آخره اُقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله.فقالت الجنّ : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أنّ أمرك طاعة وأنّه لا يجوز لنا مخالفتك(٢) قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك.فقال لهم عليه‌السلام : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (٣). (٤)ثمّ سار الحسين صلوات الله عليه حتّى بلغ ذات عرق (٥) فلقيه رجل من بني أسد يقال له بشر بن غالب ، فقال الحسين : من أين أقبلت؟قال : من العراق.قال : كيف خلّفت أهل العراق؟

    __________١ ـ من الملهوف.٢ ـ زاد في الملهوف : لخالفناك و.٣ ـ سورة الأنفال : ٤٢.٤ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ١٢٩ ـ ١٣٠.ومن قوله : « روى محمد بن يعقوب في كتاب الرسائل » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٤/٣٣٠ ـ ٣٣١ عن كتابنا هذا. وكذا في عوالم العلوم : ١٧/١٧٩.٥ ـ ذات عرق : مُهَلّ أهل العراق ، وهو الحدّ بين نجد وتهامة ؛ وقيل : عرق جبل بطريق مكّة ومنه ذات عرق. وقال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق.وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق. « معجم البلدان : ٤/١٠٧ ـ ١٠٨ ».

    فقال : يا ابن رسول الله ، خلّفت القلوب معك والسيوف مع بني اُميّة.فقال : صدقت إنّ الله يفعل ما يشاء.فقال الرجل : يا ابن رسول الله ، خبّرني عن قول الله سبحانه : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ اُنَاسٍ بإمَامِهِمْ )(١).فقال الحسين : نعم ، يا أخا بني أسد ، هما إمامان ، إمام هدى دعا إلى هدى ، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة ، فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنّة ، وهذا من أجابه إلى الضلالة في النار.قال : واتّصل الخبر بالوليد بن عتبة أميرالمدينة بأنّ الحسين عليه‌السلام توجّه إلى العراق ، فكتب إلى ابن زياد :أمّا بعد :فإن الحسين قد توجّه إلى العراق وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاحذر ـ يا ابن زياد ـ أن تأتي إليه بسوء فتهيّج على نفسك [ وقومك ] (٢) أمراً في مدّة (٣) الدنيا لا يسدّه(٤) شيء ، ولا تنساه الخاصّة والعامّة أبداً ما دامت الدنيا.قال : فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد. (٥)

    __________١ ـ سورة الاسراء : ٧١.٢ ـ من البحار.٣ ـ في المقتل والبحار : هذه.٤ ـ في البحار: لا يصدّه.٥ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٠ ـ ٢٢١ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣١.ومن قوله : « واتّصل الخير بالوليد » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار

    قال : ثمّ سار صلوات الله عليه حتّى نزل الثَّعلبيّة (١) وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ، ثمّ استيقظ ، فقال : رأيت هاتفاً (٢) يقول : أنتم تسرعون (٣) والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة. فقال له ابنه علي : يا أباه ، ألسنا على الحقّ؟ فقال : بلى ، يا بنيّ ، والّذي إليه مرجع العباد. فقال : يا أباه ، إذن لا نبالي بالموت. فقال الحسين عليه‌السلام : جزاك الله خير ما جزى ولداً عن والده. ثمّ بات صلوات الله عليه ، فلمّا أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هِرّة الأزدي قد أتاه فسلّم عليه ، ثمّ قال : يا ابن رسول الله ، ما الّذي أخرجك من حرم الله وحرم جدّك صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال الحسين عليه‌السلام : ويحك يا أبا هرّة ، إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنّهم الله ذلّاً شاملاً وسيفاً قَاطعاً ، وليسلّطنَّ عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة [ منهم ] (٤)فحكمت في أموالهم ودمائهم

    ____________


    ٤٤/٣٦٨ عن كتابنا هذا. وكذا في عوالم العلوم : ١٧/٢١٨.١ ـ الثعلبية : من منازل طريق مكّة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيميّة ، وهي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ماء يقال له الضُويجعة على ميل منها مشرف ، وإنمّا سمّيت بالثعلبيّة لإقامة ثعلبة بن عمرو بها ؛ وقيل : سمّيت بثَعلَبة بن دودان بن أسد وهو أوّل من حفرها ونزلها. « معجم البلدان : ٢/٧٨ ».٢ ـ في المقتل : فارساً.٣ ـ في الملهوف : تسيرون.٤ ـ من المقتل والملهوف.

    [ حتّى أذلّتهم ] (١). (٢)وفي كتاب تاريخ غر الرياشي بإسناده عن راوي حديثه قال : حججت فتركت أصحابي وانطلقت أتعسّف الطريق وحدي ، فبينا أنا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية وفساطيط ، فانطلقت نحوها حيث أتيت أدناها ، فقلت : لمن هذه الأبنية؟فقالوا : للحسين عليه‌السلام.قلت : ابن عليّ وابن فاطمة عليهما‌السلام؟قالوا : نعم.قلت : أين هو؟قالوا : في ذلك الفسطاط ، فانطلقت نحوه ، فإذا الحسين عليه‌السلام متّكٍ على باب الفسطاط يقرأ كتباً بين يديه ، فسلّمت فردّ عليَّ ، فقلت : يا ابن رسول الله ، بأبي أنت واُمّي ما أنزلك في هذه الأرض القفراء الّتي ليس فيها ريف ولا منعة؟قال : إنّ هؤلاء أخافوني ، وهذه كتب أهل الكوفة وهم قاتليّ ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا والله محرماً إلاّ انتهكوه ، بعث الله إليهم من يقتلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم (٣) الأمة.قال : ثمّ سار صلوات الله عليه وحدّث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا : كنّا

    ______________١ ـ من الملهوف.٢ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٦ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣١ ـ ١٣٢.٣ ـ الفرم : خرقة الحيض.

    مع زهير بن القين لما أقبلنا من مكةّ ، فكنّا نساير الحسين عليه‌السلام حتّى لحقناه ، وكان إذا أراد النزول اعتزلناه فنزلنا ناحية (١).فلمّا كان في بعض الأيّام نزل في مكان لم نجد بدّاً من أن ننازله فيه ، فبينا نحن نتغدّى من زادٍ(٢) لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه‌السلام حتّى سلّم.ثمّ قال : يا زهير بن القين ، إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام بعثني إليك لتاتيه ، فطرح كلّ منّا ما في يده حتّى كأنّما على رؤوسنا الطير.فقالت له امرأته (٣) ـ وهي ديلم بنت عمرو ـ : سبحان الله ، أيبعث إليك ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ لا تأتيه؟ فلو أتيته فسمعتَ من كلامه.فمضى إليه زهير ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقوّض وبثقله (٤)ومتاعه فحوّل إلى الحسين عليه‌السلام.وقال لامرأته : أنتِ طالق ، فإنّي لا اُحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه‌السلام لأفديه بروحي ، وأقيه بنفسي ، ثمّ أعطاها حقّها (٥) وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها.فقامت إليه [ وودّعته ] (٦) وبكت ، وقالت : كان (٧) الله لك ، أسألك أن

    _____________١ ـ انظر : تاريخ الطبري : ٥/٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، إرشاد المفيد : ٢٢٣ ، ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام من تاريخ دمشق : ٢١١ ح ٢٦٨ ، إعلام الورى : ٢٢٩ ، الكامل في التاريخ : ٤/٣٩ ، البداية والنهاية : ٨/١٦٩ ، البحار : ٤٤/١٨٦ ح ١٤.٢ ـ في الملهوف : بطعامٍ.٣ ـ في الملهوف : زوجته.٤ ـ كذا في الملهوف : وفي الأصل : بفسطاطه وثقله٥ ـ في الملهوف : مالها.٦ ـ من الملهوف.٧ ـ في الملهوف : خار.


    تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه‌السلام.ثمّ قالَ لأصحابه : من أراد (١) أن يصحبني ، وإلاّ فهو آخر العهد [ منّي ] (٢) به.وهذا الحديث نقلته من كتاب إغاثة الملهوف لسيّدنا عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس (٣).ورأيت حديثاً أنّ زهير رضي الله عنه قال لأصحابه لمّا ودّعهم : إنّي كنت غزوت بَلَنْجرَ (٤) مع سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فلمّا فتح الله علينا اشتدّ سرورنا ، فقال سلمان : أفرحتم بما أفاء الله عليكم؟قلنا : نعم.فقال : إذا أدركتم شبّان آل محمد فكونوا أشدّ فرحاً لقتالكم معهم (٥) منكم ما أصبتم اليوم ، وأنا أستودعكم الله تعالى ، ثمّ ما زال الحسين عليه‌السلام حتّى قتل رحمه‌الله.


    ورود خبر قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة


    (٦)وقيل : إنّ الحسين عليه‌السلام لمّا وصل إلى زرود لقي رجلاً على راحلة ، فلمّا رآه الرجل عدل عن الطريق ، وكان الحسين عليه‌السلام قد وقف

    ________١ ـ في الملهوف : من أحبّ منكم.٢ ـ من الملهوف.٣ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٢ ـ ١٣٣. وانظر : وقعة الطفّ : ١٦١ ـ ١٦٢.٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : عزمت بلخاً.وبلنجر : مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب : « معجم البلدان : ١/٤٨٩ ».٥ ـ في المقتل : بقتالكم معه.٦ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٥.

































    Last edited by راية اليماني; 17-10-2015, 15:25.

    Comment

    • راية اليماني
      مشرف
      • 05-04-2013
      • 3021

      #3
      رد: راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

      المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راية اليماني مشاهدة المشاركة
      ورود خبر قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة


      (٦)وقيل : إنّ الحسين عليه‌السلام لمّا وصل إلى زرود لقي رجلاً على راحلة ، فلمّا رآه الرجل عدل عن الطريق ، وكان الحسين عليه‌السلام قد وقف

      ________١ ـ في الملهوف : من أحبّ منكم.٢ ـ من الملهوف.٣ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٢ ـ ١٣٣. وانظر : وقعة الطفّ : ١٦١ ـ ١٦٢.٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : عزمت بلخاً.وبلنجر : مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب : « معجم البلدان : ١/٤٨٩ ».٥ ـ في المقتل : بقتالكم معه.٦ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٥.


      ورود خبر قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة


      (٦)
      وقيل : إنّ الحسين عليه‌السلام لمّا وصل إلى زرود لقي رجلاً على راحلة ، فلمّا رآه الرجل عدل عن الطريق ، وكان الحسين عليه‌السلام قد وقف
      ينتظره ، فلمّا عدل مضى وتركه.قال عبد الله بن سليم (١) والمنذر بن الشمعل (٢) الأسديّان : فعدلنا إلى الراكب ، فسلّمنا عليه ، فردّ علينا ، فقلنا : ممّ الرجل؟فقال : أسديّ.قلنا : ونحن أسديّان ، فما الخبر؟قال : الخبر إنّ مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة قتلا ، ورأيتهما يجرّان في الأسواق. فأتينا الحسين عليه‌السلام : فقلنا : إن عندنا خبراً ، فنظر إلى أصحابه ، فقال : ما دون هؤلاء سرّاً.قلنا : أرأيت الراكب الذّي عدل عن الطريق؟ إنّه أخبر بكذا وكذا.فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون.قلنا : ننشدك الله في نفسك وهؤلاء الصبية فإّنه ليس لك في الكوفة ناصر قريب [ ولا شيعة ، فنظر الحسين إلى بني عقيل فقال لهم : ما ترون فقد قتل مسلم؟ فبادر ] (٣) بنو عقيل فقالوا : قتل صاحبنا ، وننصرف! إنّك والله لست كمثل مسلم ، ولو قد نظر الناس إليك ما عدلوا بك أحد ، وإنّا والله لا نرجع حتّى ندرك ثأرنا أو نذوق الموت كما ذاق أخونا ، فنظر الحسين إلينا ، وقال : لا خير في

      _________١ ـ في المقتل : سليمان.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : والمراد بن إسماعيل ، وفي وقعة الطفّ : والمذري المشمعل.٣ ـ من المقتل.


      الحياة بعد هؤلاء ، فعلمنا أنّه يسير لا محالة ، فقلنا : خار الله لك. (١)
      وقيل : إنّ الخبر أتى الحسين بقتل مسلم في زُبالة (٢) ، فعرف بذلك جماعة ممّذن تبعه ، فتفرّق عنه أهل الأطماع والارتياب ، وبقي معه أهله وخيار أصحابه.قال : وارتجّ الوضع لقتل مسلم وسالت الدموع كلّ مسيل. (٣)ثمّ سار الحسين عليه‌السلام قاصداً لما دعاه الله إليه ، فلقيه الفرزدق ، فسلّم عليه ودنا منه وقبّل يده ، فقال له الحسين : من أين أقبلت؟قال : من الكوفة.قال : كيف خلّفت الناس (٤)؟فقال الفرزدق : يا أبا عبد الله ، كيف تركن إله أهل الكوفة وهم الّذين قتلوا ابن عمّك مسلم وشيعته؟فاستعبر الحسين عليه‌السلام باكياً ، ثمّ قال : رحم الله مسلماً ، فقد صار إلى روح الله وريحانه ، وجنّته(٥) ورضوانه ، قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، ثمّ أنشأ يقول :
      فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة
      فإنّ ثواب الله أعلى وأنبلُ
      ____________١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٨ ـ ٢٢٩. وانظر : وقعة الطفّ : ١٦٤.٢ ـ زبالة : منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية ... بعد القاع من الكوفة وقبل الشقوق فيها حصن وجامع لبني غاضرة من بني أسد. « معجم البلدان : ٣/١٢٩ ».٣ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٤.٤ ـ في المقتل : أهل الكوفة.٥ ـ في المقتل والملهوف : وتحيّته.

      وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً
      فقلّة سعي (١) المرء في الكسب (٢) أجمل
      وإن تكن الأموال للترك جمعها
      فما بال متروك به المرء يبخل
      وإن تكن الأجساد (٣) للموت اُنشئت
      فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل
      قال : وكتب الحسين عليه‌السلام إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وجماعة من الشيعة بالكوفة ، وبعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي.فلمّا قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيد الله بن زياد لعنه الله ليفتّشه ، فأخرج الكتاب ومزّقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد لعنه الله.فلمّا مثل بين يديه ، قال : من أنت؟قال : أنا رجل من شيعة عليّ بن أبي طالب وابنه الحسين عليه‌السلام.قال : فلماذا مزّقت الكتاب؟قال : لئلا تعلم ما فيه؟قال : وممّن الكتاب؟ وإلى من؟____________١ ـ في المقتل والملهوف : حرص.٢ ـ في المقتل : الرزق ، وفي الملهوف : السعي ، وجاء فيهما هذا البيت ثالثاً.٣ ـ في المقتل والملهوف : الأبدان. وجاء فيهما هذا البيت ثانياً.

      قال : من الحسين عليه‌السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زياد وقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه ، أو لاُقطّعنّك (١) إرباً إرباً.فقال : أمّا القوم فلا اُخبرك بأسمائهم ، وأمّا لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأكثر من الترّحم على علي وولده عليهم‌السلام ، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني اُميّة عن أوّلهم وآخرهم.ثمّ قال : [ أيّها الناس ] (٢) أنا رسول الحسين بن عليّ عليه‌السلام إليكم ، وقد خلّفته بموضع كذا فأجيبوه.فأخبروا ابن زياد بذلك ، فأمر بإلقائه من أعلى القصر ، فاُلقي من هناك ، فمات رحمه‌الله.وبلغ الحسين عليه‌السلام موته فاستعبر باكياً ، وقال : اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك (٣) ، إنّك على كلّ شيء قدير.وروي أنّ هذا الكتاب كتب من الحاجز ، وقيل غير ذلك (٤).__________________١ ـ في الملهوف : وإلاّ قطّعتك.٢ ـ من الملهوف.٣ ـ في الملهوف : مستقرّ رحمتك.٤ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٣ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٤ ـ ١٣٦.

      وورد الخبر بقتل قيس على الحسين عليه‌السلام وهو بزبالة ، وكان قد تبعه خلق كثير من المنازل الّتي كان يمرّ بها لأنّهم كانوا يظنون استقامة الأمر له صلوات الله عليه.فلمّا سار من زبالة قام في الناس خطيباً ، فقال : إنّ أهل الكوفة وثبوا على مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة فقتلوهما وقتلوا قيس بن مسهر (١) ، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج ، ليس عليه منّا ذمام ، فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الّذين جاءوا معه من المدينة (٢) ، وإنّما أراد أن يصحبه إنسان إلاّ على بصيرة.


      جيش الحر بن يزيد الرياحي

      ثمّ سار عليه‌السلام حتّى بقي على مرحلتين من الكوفة ، فقال رجل من القوم : الله أكبر.فقال الحسين : ممّا كبّرت؟قال : رأيت نخيل الكوفة.قال الأسديان : هذا مكان ما رأينا فيه نخلاً قطّ.قال الحسين عليه‌السلام : فما تريانه؟قالا : والله نرى أسنّة (٣) الرماح ، وآذان الخيل.قال الحسين عليه‌السلام : وأنا أرى ذلك ، فهل لنا ملجأ؟____________١ ـ في بعض المصادر : عبد الله بن بقطر ( يقطر ) وهو أخو الحسين عليه‌السلام من الرضاعة.٢ ـ في المقتل : مكّة.٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : قال : ما تريان إلاّ أسنّة.

      قالا : بلى ، ذو حُسَم (١) إلى جنبك فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد ، فأخذ ذات اليسار ، وطلعت الخيل ، فعدلوا إليه وسبق الخيل إلى ذي حسم ، فنزل صلوات الله عليه فيه ، فجاء الحرّ بن يزيد الرياحي في ألف رجل فوقفوا.فقال الحسين عليه‌السلام لأصحابه : اسقوا القوم ومدّوهم ، فسقوهم حتّى ارتووا وكانوا شاكّين في السلاح.فقال الحسين عليه‌السلام : من قائدكم؟فقالوا : الحرّ بن يزيد الرياحي ، فناداه الحسين ، وقال : يا حرّ ، لنا أم علينا؟فقال الحرّ : بل عليك.فقال الحسين عليه‌السلام : لا حول ولا قوّة إلا بالله العظيم.قال : ودنت صلاة الظهر ، فقال الحسين للحجّاج بن مسروق : أذِّن يرحمك الله وأقم الصلا حتّى نصلّي.قال : فأذّن ، فلمّا فرغ من أذانه صاح الحسين بالحر ، فقال : أتريد أن تصلي بأصحابك وأصلي بأصحابي؟فقال الحرّ : بل أنت صل ونصلّي بصلاتك ، فتقدّم الحسين عليه‌السلام وصلّى بالعسكرين جميعاً ، فلمّا فرغ من صلاته وثب قائماً واتّكى على قائم____________١ ـ اسم جبل ، كان النعمان يصطاد فيه ، وبينه وبين عُذيب الهجانات إلى الكوفة ثلاث وثلاثون ميلاً

      سيفه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس معذرة إليّ وإلى (١) من حضر من المسلمين ، إنّي لم أقدم إلى هذا البلد حتّى أتتني كتبكم ، وقدمت عليَّ رسلكم أن أقدم إلينا فإنّه ليس علينا إمام ، فلعلّ الله يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على عهدكم فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه وأثق به من عهودكم ومواثيقكم أدخل مصركم معكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي انصرفت على المكان الّذي جئت منه ، والسلام.فقال له الحرّ : أمّا والله ما ندري بهذه الكتب الّتي تقول.فقال : يا عقبة (٢) بن سمعان ، أخرج الخرجين وأخرجها ، فنشر الكتب بين يديه.فقال الحرّ : لسنا من هؤلاء.وإذا بكتاب قد ورد من الكوفة من عبيد الله بن زياد إلى الحرّ :أمّا بعد :يا حرّ ، فإذا أتاك كتابي فجعجع بالحسين ولا تفارقه حتّى تأتيني به ، فإنّي قد أمرت رسولي أن يلازمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذ أمري إليك ، والسلام.فلمّا قرأ الكتاب بعث إلى بقاية من أصحابه (٣) فدعاهم ، ثمّ قال : ويحكم قد ورد عليَّ كتاب هذا اللعين ابن زياد يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوء____________١ ـ في المقتل : معذرة إليكم اُقدّمها إلى الله وإلى.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : عتبة.٣ ـ في المقتل : إلى ثقات أصحابه.

      ولا والله لا تطاوعني نفسي بذلك ولا تجيبني.قال : فالتفت إليه رجل من أصحاب الحرّ يقال له أبو الشعثاء الكندي إلى رسول ابن زياد فقال له : فيما جئت ثكلتك اُمّك؟فقال : أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي ، وجئت برسالة أميري.فقال له أبو الشعثاء : لعمري لقد عصيت ربّك ، وأطعت إمامك ، وأهلكت نفسك ، والتبست (١)عاراً ، فبئس الإمام إمامك ، قال الله سبحانه : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ اِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ) (٣).وقام الحسين عليه‌السلام على قدميه عند ذلك ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّا أهل بيت نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، السائرين فيكم بالظلم والعدوان ، فإن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله فيكون ذلك رضى ، وإن كرهتمونا وجهلتم حقّنا ، وكان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم انصرفت عنكم.فأجابه الحرّ بما أجابه ، وقال : اُمرنا إن لقيناك لا نفارقك حتّى نقدم بك على الأمير.قال : فتبسّم الحسين صلوات الله عليه ، ثمّ قال : يا ابن يزيد ، أولا تعلم أنّ الموت أولى من ذلك؟ ثمّ التفت الحسين إلى أصحابه وقال : احملوا النساء واركبوا حتّى ننظر ما (٣) الّذي يقدر أن يصنع هذا وأصحابه.__________________١ ـ في المقتل : واكتسبت.٢ ـ سورة القصص : ٤١.٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ماذا؟

      جئت.فقال الحسين عليه‌السلام : لا أدري ما أقول لك ، ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّ له لقيه وهو يريد نصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أين تذهب إنّك مقتول؟فقال :
      سأمضي وما بالموت عار على الفتى
      إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما
      وواسى الرجال الصالحين بنفسه
      وفارق مذموماً وخالف مجرماً
      أقدم نفسي لا اريد بقاءها
      لتلقى خميساً في الوغى (١) وعرمرما
      فإن عشت لم اُذمم وإن مت لم اُلم
      كفى بك ذلّاً أن تعيش فترغما
      ثمّ أقبل الحسين عليه‌السلام على أصحابه ، وقال : هل فيكم أحد يعرف (٢) الطريق على غير الجادّة؟فقال الطرمّاح (٣) : نعم ، يا ابن رسول الله ، أنا أخبر الطريق.فقال الحسين عليه‌السلام : سر بين أيدينا ، فسار الطرمّاح واتّبعه الحسين__________________١ ـ في المقتل : النزال.٢ ـ في المقتل : يخبر.٣ ـ هو الطرماح بن عديّ الطائي.

      صلوات الله عليه وأصحابه ، وجعل الطرمّاح يرتجز [ ويقول ] (١) :
      يا ناقتي لا تجزعي (٢) من زجر
      وامضي بنا قبل طلوع الفجر
      بخير فتيان وخير سفر
      آل رسول الله آل (٣) الفخر
      السادة البيض الوجوه الزهر (٤)
      الطاعنين بالرماح السمر
      الضاربين بالسيوف (٥) البتر
      حتى تحلّى بكريم النجر (٦)
      الماجد الجدّ (٧) الرحيب الصدر
      أتى به (٨) الله لخير أمر (٩)
      عمرّه الله بقاء الدهر
      يا مالك النفع معاً والضرِّ
      أيد حسيناً سيّدي بالنصر
      على الطغاة من بقايا الكفر
      على اللعينين سليلي صخر
      يزيد لا زال حليف الخمر
      وابن زياد العهر وابن العهر (١٠)____________١ ـ من البحار.٢ ـ في المقتل والبحار : لا تذعري.٣ ـ في المقتل : أهل.٤ ـ في المقتل : الغرّ.٥ ـ في المقتل : بالصفاح.٦ ـ في البحار : الفخر.٧ ـ في المقتل : الحرّ.٨ ـ في البحار : أثابه.٩ ـ بقيّة الأرجاز في المقتل هكذا :
      عمره الله بقاء الدهر
      وزاده من طيّبات الذكر
      يا مالك النفع معاً والضرّ
      أيّد حسيناً سيّدي بالنصر
      على الطغاة من باقايا الكفر
      أعني اللعينين سليل صخر
      وابن زياد العاهر ابن العهر
      فأنت يا ربّ به ذو البر
      وما في وقعة الطفّ يختلف عن المتن والمقتل.١٠ ـ من قوله : « ثمّ أقبل الحسين عليه‌السلام » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار

      قال : وأصبح الحسين عليه‌السلام من وراء عذيب الهجانات (١) وإذا بالحرّ قد ظهر له (٢) أيضاً في جيشه ، فقصد الحسين ، فقال : ما وراءك يابن يزيد؟ أليس أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق فأخذنا وقبلنا مشورتك؟فقال : صدقت ، ولكن هذا كتاب ابن زياد ورد عليَّ يؤنّبني ويضعّفني في أمرك.قال الحسين : فذرنا ننزل بقرية نينوى أو الغاضريّة؟فقال الحرّ : والله ما أستطيع ذلك ، هذا رسول ابن زياد معي ، وإنّما بعثه عيناً عليَّ.

      نزول الحسين (ع) كربلاء

      فأقبل زهير بن القين على الحسين ، فقال : يابن رسول الله ، ذرنا نقاتل هؤلاء القوم فإنّ قتالنا إيّاهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم.فقال الحسين عليه‌السلام : صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت بالّذي أبدأهم بالقتال حتّى يبدأوني.فقال زهير : سر بنا حتّى ننزل كربلاء فإنّها [ على ] (٣) شاطىء الفرات فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنّا عليهم بالله.فدمعت عينا الحسين عليه‌السلام ، وقال : ألّلهمّ إنّي أعوذ بك من____________٤٤/٣٧٨ ـ ٣٧٩ عن كتابنا هذا وكذا في عوالم العلوم : ١٧/٢٢٩.١ ـ عذيب الهجانات قريب من عذيب القوادس ، وعذيب القوادس ماء بين القادسيّة والمغيثة ، بينه وبين القادسيّة أربعة أميال ، وقيل غير ذلك. « معجم البلدان : ٤/٩٢ ».٢ ـ في المقتل : عارضه.٣ ـ من المقتل.

      الكرب والبلاء ونزل الحسين في موضعه ونزل الحرّ حذاءه. (١).وقام إلى الحسين رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع الجملي (٢) ، فقال : يا ابن رسول الله ، الست تعلم أنّ جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ، ولا أن يرجعوا من أمره إلى ما يحبّ (٣) ، وقد كان [ منهم ] (٤) منافقون يعدّونه النصر ويضمرون له الغدر ، ويلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمر من الحنظل حتّى قبضه الله تعالى إليه ، وأنّ أباك أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في مثل ذلك ، فقوم اجتمعوا على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين [ وقوم قعدوا عنه وخذلوه ] (٥) حتّى آتاه الله أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيته فلن يضرّ إلّا نفسه ، والله تعالى مغن عنه ، فسرّ بنا معافى راشداً إن شئت مشرقاً أو مغرباً ، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك.ثمّ وثب إليه رجل من شيعته يقال له برير بن خضير الهمداني ، فقال : والله يا ابن رسول الله ، لقد منّ الله تعالى بك علينا أن نقاتل بين يديك ، وتقطّع [ فيك ] (٦) أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك صلى‌الله‌عليه‌وآلهشفيعاً لنا يوم القيامة ، لا أفلح قوم ضيّعوا ابن [ بنت ] (٧) نبيّهم ، اُفّ لهم غداً ما يلاقون ، ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم.__________________١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٩ ـ ٢٣٤. وانظر : وقعة الطفّ : ١٦٧ ـ ١٧٣.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : البجلي.٣ ـ في المقتل : ما كان أحبّ.٤ و ٥ و ٦ و ٧ ـ من المقتل.

      قال : فجمع الحسين عليه‌السلام ولده وإخوته وأهل بيته بين يديه ، ثمّ نظر إليهم ، فبكى ساعة ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّا عترة نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد اُخرجنا وطردنا واُزعجنا عن حرم جدّنا ، وتعدّت بنو اُميّة علينا ، فخُذ لنا بحقّنا ، وانصرنا على القوم الظالمين.ثمّ نادى عليه‌السلام بأصحابه ورحل من موضعه (١) حتّى نزل كربلاء في يوم الأربعاء أو الخميس ، وذلك في اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين ، ثمّ أقبل على أصحابه ، فقال : الناس عبيدالدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت (٢) معايشهم ، فإذا محصّوا بالبلاء قلَّ الديّانون.ثمّ قال : أهذه كربلاء (٣)؟فقالوا : نعم.فقال : هذا موضع كرب وبلا ، هاهنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، ومسفك دمائنا.(٤)فنزل القوم وحطّوا أثقالهم ناحية من الفرات ، وضربت خيمة الحسين لأهله وبنيه وبناته ، وضرب إخوته وبنو عمّه خيامهم حول خيمته ، وجلس____________١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ودخل موضعه.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ما دارت.٣ ـ في « ح » وردت هذه الأبيات :وجدّ السرى يطوي الفيافي فلم ينبعث مهر الحسين بخطوه فقالوا تسمىّ كربلا قال هوّنوا إلى أن أتى في سيره أرض كربلا فقال الله يا صحب ما هذه الفلا مسيركم يا قوم قد نزل البلا٤ ـ انظر : الفتوح لابن أعثم : ٥/١٤٩ ، مطالب السؤول : ٢/٣٦ ، نظم درر السمطين : ٢١٦ ، أمالي الصدوق : ١٣٢ ، تيسير المطالب : ٩٢ ، المناقب لابن شهراشوب : ٤/٩٧ ، مثير الأحزان : ٤٩ ، كشف الغمّة : ٢/٤٧ ، البحار : ٤٤/٣١٥.

      الحسين عليه‌السلام يصلح سيفه ومعه جون مولى أبي ذر الغفاري ، فأنشأ الحسين يقول :
      يا دهر أُفٍ لك من خليلِ
      كم لك بالإشراق والأصيلِ
      من طالب بحقّه قتيل (١)
      والدهر لا يقنع بالبديلِ
      وكلّ حيٍّ سالك سبيلِ
      ما أقرب الوعد من الرحيلِ
      وإنّما الأمر إلى الجليل
      [ سبحانه جلّ عن المثيل ] (٢)
      فسمعت بذلك اُخت الحسين زينب واُمّ كلثوم ، فقالت : يا أخي ، هذا كلام من أيقن بالموت.فقال : نعم ، يا اُختاه ، لوترك القطا لغفا ونام.فقالت زينب : واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة ، مات جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومات أبي عليّ ، وماتت اُمّي فاطمة ، ومات أخي الحسن ، والآن ينعى إليّ أخي الحسين نفسه.قال : وبكت النسوة ، ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب ، وجعلت اُمّ كلثوم تنادي (٣) : وا محمّداه ، وا عليّاه ، وا اُمّاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا ضيعتاه ، يا أبا عبد الله.فعزّاها الحسين وصبّرها ، وقال : يا اُختاه ، تعزّي بعزاء الله ، وارضي بقضاء الله ، فإنّ سكّان السماء يفنون (٤) ، وأهل الأرض يموتون ، ( كُلُّ شَيْءٍ____________١ ـ في المقتل : من صاحبٍ وطالبٍ قتيل.٢ ـ من المقتل.٣ ـ في المقتل : وجعلت اُخته تنادي.٤ ـ في المقتل : فإنّ أهل السماء يفوتون.

      هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) (١).يَا اُختاه ، كان أبي وجدّي وأخي واُمّي أفضل منّي وقد ذاقوا الموت ، وصاروا تحت الثرى ، وانّ لي ولهم ولكلّ مؤمن اُسوة برسول الله.وعزّاها الحسين : يا اُختاه يا اُمّ كلثوم ويا زينب ويا فاطمة ، انظرن إذا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً ، ولا تخمشن وجهاً ، ولا تقلن هجراً.وقال الطرمّاح بن عديّ : الوجه عندي في ذلك يا ابن رسول الله أن تركب معي جمازه فإنّي [ أبلغ ] (٢) بك الليلة قبل الصباح أحياء طي ، واُسوّي لك اُمورك ، واُقيم بين يديك خمسة آلاف مقاتل يقاتلون عنك.فقال الحسين عليه‌السلام : ليس من مروة الرجل أن ينجو بنفسه ويهلك أهل وعياله.فقال له أصحابه : إنّ هؤلاء إذا لم يجدوك لم يفعلوا بالعيال مكروهاً ، فلم يلتفت إلى قولهم ، وجزى الطرمّاح خيراً.وأقبل الحرّ حتّى نزل بإزاء الحسين بكربلاء.

      قدوم عمر بن سعد (لع) لقتال الحسين (ع)

      وكتب ابن زياد إلى الحسين عليه‌السلام :أمّا بعد :يا حسين ، فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ، ولا أشبع من الخمير ، أو اُلحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد.____________١ ـ سورة القصص : ٨٨.٢ ـ من المقتل.

      فلمّا ورد كتابه على الحسين عليه‌السلام وقرأه رماه من يده ، وقال : لا أفلح قوم شروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.فقال له الرسول : الجواب يا أبا عبد الله.فقال له : ما له عندي جواب ، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب ، فرجع الرسول إلى ابن زياد ، فخبّره بذلك ، فغضب عدوّ الله أشدّ الغضب ، ثمّ جمع أصحابه وقال : من منكم يتولّى قتال الحسين أتولّى به (١) أيّ بلد شاء؟ فلم يجبه أحد ، والتفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقّاص وقد كان قبل ذلك بأيّام قد عقد له عهداً وولّاه الريّ وتستر ، وأمره بحرب الديلم فأراد أن يخرج إليها ، فلمّا كان ذلك أقبل عليه ابن زياد : فقال : اُريد أن تمضي إلى حرب الحسين فإذا نحن فرغنا من أمره سرتَ إلى عملك.فقال عمر بن سعد : أيّها الأمير ، إن رأيت أن تعفيني عن قتال الحسين منعماً عليَّ.فقال ابن زياد : فإنّا قد أعفيناك ، فاردد علينا عهدنا الّذي كتبناه لك واجلس في منزلك حتّى نبعث غيرك.فقال عمر : فأمهلني اليوم حتّى أنظر في أمري.قال : قد أمهلتك.قال : فانصرف عمر بن سعد إلى منزله ليستشير إخوانه ومن يثق به ، فلا يشير عليه أحد بذلك غير أنّهم يقولون : آثر الله واتّق ربّك ولا تفعل ، وأقبل اليه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اُخته ، فقال اُنشدك الله يا خال ان تسير إلى____________١ ـ في المقتل : بولاية.

      [ قتال ] (١) الحسين فإنّك تأثم بذلك وتقطع رحمك ، فوالله لئن خرجت من سلطان الأرض كلّها هو خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين.قال : فسكت عمر وفي قلبه من الريّ ما فيه (٢) ، فلمّا أصبح أقبل على ابن زياد ، فقال له : ما عندك يا عمر؟فقال : أيّها الأمير ، إنّك ولّيتني هذا بعمل ، وقد تسامع الناس به ، فإن رأيت أن تفسده لي وتولّي غيري فافعل ، فإنّ في الكوفة أسماء بن خارجة ، وكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وغيرهم.فقال له ابن زياد : لا تعلّمني بأشراف الكوفة ، فإنّي لا أستأمرك فيمن اُريد أن أبعث ، فإن سرت أنت فرّجت عنّا هذه الغمّة ، وأنت الحبيب القريب ، وإلّا فاردد علينا عملنا (٣) ، والزم منزلك فإنّا لا نكرهك.قال : فسكت عمر ، وغضب ابن زياد ، وقال : يا ابن سعد ، والله لئن لم تمض إلى حرب الحسين(٤) وتتولّاه لأضربنّ عنقك ، ولأهدمنّ دارك ، ولأنهبن مالك [ ولا اُبقي عليك ] (٥) كائنا من كان.فقال : إذاً فأنا سائر إليه غداً ، فجزاه ابن زياد خيراً ، ووصله وأعطاه ، وضمّ إليه أربعة آلاف فارس ، وقال له : خذ بكظم الحسين ، وحل بينه وبين ماء الفرات أن يشرب منه ، ثمّ سار عمر بن سعد في أربعة آلاف نحو الحسين ، وكان____________١ و ٥ ـ من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ما في قلبه.٣ ـ في المقتل : عهدنا.٤ ـ في المقتل : لم تسر إلى الحسين.

      [ الحرّ ] (١) عنده ألف فذلك خمسة آلاف ، ثمّ دعا عمر بن سعد برجل من أصحابه يقال له عروة بن قيس ، فقال له : امض إلى الحسين فاسأله ما الّذي جاء به إلى هذا الموضع؟ وما الّذي أخرجه من مكّة؟فقال عروة : أيّها الأمير ، إنّي كنت قبل اليوم اُكاتب الحسين ويكاتبني ، وأنا أستحي أن أصير إليه ، فإن رايت أن تبعث غيري ، فبعث ابن سعد برجل يقال له كثير بن عبد الله الشعبي (٢) ، وكان ملعوناً ناصبيّاً شديد العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام فسلّ سيفه ، فلمّا رأى أبو ثمامة الصائدي (٣) قال للحسين : يا ابن رسول الله ، قد جاءك شرّ الناس واجرأهم على سفك الدماء.قال : فقام الحسين وقال له : ضع سيفك حتّى نكلّمك فقال : لا ولا كرامة ، إنّما أنا رسول فإن سمعتَ منّي بلّغتُ ما اُرسلتُ به ، وإن أبيتَ انصرفتُ.فقال له أبو ثمامة : تكلّم بما تريد ولاتدن من الحسين فإنّك رجل فاسق ، فغضب ورجع إلى ابن سعد ، وقال : إنّهم لم يتركوني أن أدنو من الحسين فاُبلّغه رسالتك فابعث غيري ، فأرسل إليه برجل يقال له قرّة بن قيس الحنظلي ، فلمّا أشرف على عسكر الحسين قال الحسين لأصحابه : هل تعرفون الرجل؟فقال حبيب بن مظاهر : نعم ، يا ابن رسول الله ، هذا رجل من بني تميم ثمّ من بني حنظلة ، وقد (٤) كنت أعرفه حسن الرأي ، وما ظننت أنّه يشهد هذا المشهد ، ثمّ تقدّم الحنظلي حتّى وقف بين يدي الحسين عليه‌السلام وأبلغه____________١ ـ من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : يقال غيلان بن عبد الله السبيعي.٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : الصيداوي.٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : هذا رجل من تميم وقد.

      رسالة عمر بن سعد.فقال الحسين عليه‌السلام : يا هذا ، أبلغ صاحبك انّي لم ارد هذا البلد ، ولكن كتب إليّ أهله أن آتيهم يبايعوني ويمنعوني وينصروني ، فإن كرهتموني انصرفت عنكم من حيث جئتُ.ثمّ وثب إليه حبيب بن مظاهر ، وقال : ويحك يا قرّة ، عهدي بك وأنت حسن الرأي في أهل البيت ، فما الّذي غيرك حتّى جئتنا بهذه الرسالة ، فأقم عندنا وانصر هذا الرجل الّذي قد أتانا الله به؟فقال الحنظلي : سمعت مقالتك ، وهو أحقّ بالنصر من غيره ، ولكنّي أرجع إلى صاحبي بالرسالة وأنظر في ذلك ، ثمّ انصرف وأخبر ابن سعد بمقالة الحسين.فقال ابن سعد : الحمد لله ، والله إنّي لا أرجو أن يعافيني الله من حربه ، ثمّ كتب إلى ابن زياد :إلى الأمير عبيد الله بن زياد من عمر بن سعد.أمّا بعد :فإنّي نزلت بالحسين ، ثمّ بعثت إليه رسولاً وسألته عمّا أقدمه ، فذكر انّ أهل الكوفة أرسلوا يسألونه القدوم عليهم ليبايعوه وينصروه ، فإذا قد بدا لهم في نصرته فإنّه ينصرف من حيث أتى ويلحق بيزيد بن معاوية ، أو يلحق بأيّ بلد أردت فيكون كواحد من المسلمين ، فأحببت أن اُعلم الأمير بذلك.فلمّا قرأ ابن زياد كتاب عمر فكر ساعة ، ثمّ قال : الآن وقد علقت مخاليبنا يرجو ابن أبي تراب النجاة منها ، هيهات لانجّى الله ابن زياد إن نجا منها

      الحسين ، ثمّ كتب إلى ابن سعد :أمّا بعد :فقد بلغني كتابك وما ذكرت من أمر الحسين ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فأعرض عليه البيعة ليزيد ، فإن فعل وأجاب إلى البيعة وإلّا فائتني به ، والسلام.فلمّا ورد الكتاب على ابن سعد قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، أخاف أنّ ابن زياد لا يقبل العافية ، والله المستعان ، فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنّه علم أنّ الحسين لا يبايع يزيد أبداً (١).



      التئام عساكر أهل الكوفة عند عمر بن سعد (لع)

      قال : ثمّ جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ، ثمّ خرج فصعد المنبر ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة ، محمود الطريقة ، محسناً إلى الرعيّة ، يعطي العطاء في حقّه ، قد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد ، ويغنيهم بالأموال ويكرمهم ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن اُوفّرها عليكم واُخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين ، فاسمعوا له وأطيعوا.ثمّ نزل عن المنبر ووفّر للناس العطاء ، وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه‌السلام ، ويكونوا عوناً لابن سعد على حربه ، فأوّل من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف ، ثمّ أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ، وفلان المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر بن فلان في ألفين ، فذلك عشرون ألفاً.____________١ ـ في المقتل : لا يجيبه إلى ذلك أبداً.

      ثمّ أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا فإنّا نريد أن نوجّه بك إلى حرب الحسين ، فتمارض شبث وأراد أن يعفيه ابن زياد ، فأرسل إليه :أمّا بعد :فإنّ رسولي خبّرني بتمارضك ، وأخاف أن تكون من الّذين إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزءون (١) ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعاً ، فأقبل إليه شبث بعد العشاء ، لئلّا ينظر الملعون إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة ، فلمّا دخل رحّب به وقرّب مجلسه ، وقال : اُحبّ أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عوناً لابن سعد عليه.فقال : أفعل أيّها الامير. (٢)فما زال يرسل إليه بالعساكر حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل ، ثمّ كتب إليه ابن زياد : إنّي لم أجعل لك علّة في كثرة الخيل والرجال ، فانظر لا اُصبح ولا اُمسي إلاّ وخبرك عندي غدوة وعشيّة ، وكان ابن زياد يستحثّ عمر بن سعد على قتال الحسين عليه‌السلام ، وعمر بن سعد يكره ذلك. (٣)قال : والتأمت العساكر عند عمر بن سعد لستّة أيام مضين من المحرّم (٤) ،

      ركوب حبيب بن مظاهر (ر) الى حي بني اسد

      وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه‌السلام ، فقال : يا ابن رسول الله ، هاهنا____________١ ـ إشارة إلى الآية : ١٤ من سورة البقرة.٢ ـ كذا في خ ل الأصل والمقتل ، وفي الأصل : الرجل.٣ ـ في المقتل : يكرة أن يكون قتل الحسين يده.٤ ـ في البحار : وكان ابن زياد يستحثّ عمر بن سعد لستّة أيّام مضين من المحرّم.

      حيّ من بني أسد بالقرب منّا أفتأذن لي بالمصير إليهم [ الليلة ] (١) فأدعوهم إلى نصرتك ، فعسى الله أن يدفع بهم الأذى عنك؟قال : قد أذنت لك ، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل مستنكراً مستعجلاً حتّى أتى إليهم فعرفوه أنّه من بني أسد ، فقالوا : ما حاجتك ، يا ابن عمّنا؟فقال : إنّي قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم ، أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيّكم فإنّه في عصابة من المؤمنين ، الرجل منهم خير من ألف رجل ، لن يخذلوه ، ولن يسلّموه بيد أعدائه (٢) وهذا عمر بن سعد قد أحاط به ، وأنتم قومي وعشيرتي ، وقد أتيتكم بهذه النصيحة ، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة (٣) ، فإنّي اُقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابراً محتسباً إلاّ كان رفيقاً لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في علّيّين.قال : فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبد الله بن بشر ، فقال : أنا أوّل من يجيب إلى هذه الدعوة ، ثمّ جعل يرتجز [ ويقول ] (٤) :
      قد علم القوم إذا تواكلوا (٥)
      وأحجم الفرسان أو تثاقلوا (٦)
      أنّي شجاع بطل مقاتل (٧)
      كأنّني ليث عرين باسل
      ____________١ ـ من المقتل.٢ ـ في البحار : ولن يسلّموه أبداً.٣ ـ في المقتل : وحسن ثواب الآخرة.٤ ـ من البحار.٥ ـ في المقتل : تناكلوا.٦ ـ في المقتل : إذ تناضلوا.٧ ـ في المقتل : إنّي الشجاع البطل المقاتل.

      ثمّ تنادى (١) رجال الحيّ حتّى التأم (٢) منهم تسعون رجلاً فأقبلوا يريدون الحسين عليه‌السلام ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي يقال له [ فلان ] (٣) ابن عمرو حتّى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال ، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق الشامي ـ وهو الّذي قتله وبنيه قاسم بن الحسن عليه‌السلام واحداً بعد واحد ـ ، فضمّ إليه أربعمائة فارس ووجّه [ به ] (٤) نحو حيّ بني أسد ، بينا اُولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه‌السلام في جوف الليل إذ استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطىء الفرات ، وبينهم وبين عسكر الحسين النهر (٥) ، فناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالاً شديداً ، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق : ويلك مالك ومالنا؟ انصرف عنّا ودعنا يشقى بنا غيرك (٦) ، فأبى الأزرق أن يرجع ، وعلمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيّهم ، ثمّ إنّهم ارتحلوا في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يبيّتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه‌السلام فخبرّه بذلك.فقال عليه‌السلام : لا حول ولا قوةّ إلاّ بالله.

      قطع السبيل الى ماء الفرات


      قال : ورجعت خيل ابن سعد حتّى نزلوا على شاطىء الفرات ، فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، وأضرّ العطش بالحسين وأصحابه ، فأخذ الحسين__________________١ ـ في المقتلت : بادر ، وفي البحار : تبادر.٢ ـ اجتمع ـ خ ل ـ.٣ و ٤ ـ من المقتل.٥ ـ كذا في المقتل والبحرا ، وفي الأصل : النهر.٦ ـ في المقتل : دعنا واشتق بغيرنا.

      ثمّ تنادى (١) رجال الحيّ حتّى التأم (٢) منهم تسعون رجلاً فأقبلوا يريدون الحسين عليه‌السلام ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي يقال له [ فلان ] (٣) ابن عمرو حتّى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال ، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق الشامي ـ وهو الّذي قتله وبنيه قاسم بن الحسن عليه‌السلام واحداً بعد واحد ـ ، فضمّ إليه أربعمائة فارس ووجّه [ به ] (٤) نحو حيّ بني أسد ، بينا اُولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه‌السلام في جوف الليل إذ استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطىء الفرات ، وبينهم وبين عسكر الحسين النهر (٥) ، فناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالاً شديداً ، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق : ويلك مالك ومالنا؟ انصرف عنّا ودعنا يشقى بنا غيرك (٦) ، فأبى الأزرق أن يرجع ، وعلمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيّهم ، ثمّ إنّهم ارتحلوا في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يبيّتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه‌السلام فخبرّه بذلك.فقال عليه‌السلام : لا حول ولا قوةّ إلاّ بالله.قال : ورجعت خيل ابن سعد حتّى نزلوا على شاطىء الفرات ، فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، وأضرّ العطش بالحسين وأصحابه ، فأخذ الحسين__________________١ ـ في المقتلت : بادر ، وفي البحار : تبادر.٢ ـ اجتمع ـ خ ل ـ.٣ و ٤ ـ من المقتل.٥ ـ كذا في المقتل والبحرا ، وفي الأصل : النهر.٦ ـ في المقتل : دعنا واشتق بغيرنا.

      عليه‌السلام فأساً وجاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في (١) الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ، ثمّ حفر هناك ، فنبعت له عين من الماء العذب ، فشرب الحسين عليه‌السلام وشرب الناس بأجمعهم وملؤا أسقيتهم ، ثمّ غارت العين ، فلم ير لها أثر. (٢)وبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل إلى عمر بن سعد : بلغني أنّ الحسين يحفر الآبار ، ويصيب الماء ، فيشرب هو وأصحابه ، فانظر إذ ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت ، وضيّق عليهم ، ولا تدعهم يذوقوا الماء ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكيّ عثمان.فعندما ضيّق عليهم عمر بن سعد غاية التضييق.ثمّ دعا بعمرو بن الحجّاج الزبيدي فضمّ إليه خيلاً عظيمة ، وأمره أن ينزل علي الشريعة الّتي [ هي ] (٣) حذاء عسكر الحسين.قال : فنزلوا على الشريعة ، فلمّا اشتدّ العطش بالحسين دعا بأخيه العبّاس بن عليّ فضمّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وبعث معه عشرين قربة ، فأقبلوا في جوف الليل حتّى دنوا من الفرات.فقال عمرو بن الحجّاج : من أنتم؟فقال رجل من أصحاب الحسين عليه‌السلام يقال له هلال بن نافع الجملي (٤) : أنا ابن عمٍّ لك من أصحاب الحسين ، جئت أشرب من هذا الماء الّذي____________١ ـ في المقتل : على.٢ ـ انظر أيضاً : مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٠ عنه مدينة المعاجز : ٣/٤٩٤ ح ١٠٠٧.٣ ـ من المقتل.٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : البجلي.

      منعتمونا إيّاه (١).فقال عمرو : اشرب هنيئاً.فقال هلال : ويحك كيف تأمرني أن أشرب والحسين بن عليّ ومن معه يموتون عطشاً؟!فقال عمرو : صدقت ، ولكن اُمرنا بأمر لا بدّ أن ننتهي إليه ، فصاح هلال بأصحابه ، فدخلوا الفرات ، وصاح عمرو بالناس ، فاقتتلوا على الماء قتالاً شديداً ، فكان قوم يقاتلون وقوم يملأون [ القرب ] (٢) حتّى ملؤها ، [ قتل من أصحاب عمرو بن الحجّاج جماعة ] (٣) ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد ، ثمّ رجع القوم إلى معسكرهم ، فشرب الحسين ومن كان معه ، ولهذا (٤) سمّي العبّاس عليه‌السلام السقّاء.ثمّ أرسل الحسين عليه‌السلام إلى عمر بن سعد لعنه الله : إنّي أُريد أن اُكلّمك فالقني الليله بين عسكري وعسكرك ، فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين في مثل ذلك ، فلمّا التقيا أمر الحسين عليه‌السلام أصحابه فتنحّوا عنه ، فبقي معه أخوه العبّاس ، وابنه علي الأكبر ، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا عنه ، وبقي معه ابنه حفص وغلام له.فقال له الحسين عليه‌السلام : ويلك يا ابن سعد ، أمّا تتّقي الله الّذي إليه معادك؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنّه أقرب لك إلى الله تعالى.____________١ ـ في المقتل : عنه.٢ و ٣ ـ من المقتل.٤ ـ في البحار : ولذلك.

      فقال عمر بن سعد : أخاف أن تهدم داري.فقال الحسين عليه‌السلام : أنا أبنيها لك.فقال : أخاف أن تؤخذ ضيعتي.فقال الحسين عليه‌السلام : أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز.فقال : لي عيالي (١) وأخاف عليهم.[ فقال : أنا أضمن سلامتهم.قال : ] (٢) ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء فانصرف عنه الحسين عليه‌السلام وهو يقول : مالك ذبحك الله على فراشك عاجلاً ، ولا غفر لك يوم حشرك؟ فوالله إنّي لا أرجو أن تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً.فقال ابن النحس سعد : في الشعير كفاية عن البرّ ـ مستهزئاً بذلك القول (٣) ـ ، ثمّ رجع ابن سعد إلى معسكره ، وإذا كتاب ابن زياد قد ورد عليه يؤنّبه ويضعّفه ويقول : ما هذه المطاولة؟ انظر إن بايع الحسين وأصحابه فابعث بهم إليّ سالمين ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم فإنّهم لذلك مستحقّون ، فإذا قتلت الحسين فأوطىء الخيل ظهره وبطنه ، فإنّه عاقّ شاقّ ، فإذا فعلت ذلك جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت ذلك فاعتزل خيلنا وجندنا وسلّم الجند والعسكر إلى شمر بن ذي الجوشن فإنّه أحزم منك أمراً ، وأمضى عزيمة.____________١ ـ في المقتل والبحار : عيال.٢ ـ من المقتل.٣ ـ من قوله : « فلم يعرض ابن سعد » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٤/٣٨٥ ـ ٣٨٩ عن كتابنا هذا ، وكذا في عوالم العلوم : ١٧/٢٣٦.

      Comment

      • راية اليماني
        مشرف
        • 05-04-2013
        • 3021

        #4
        رد: راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

        آخر ليلة

        روي أنّ ابن زياد بعث رجلاً يقال له جويرية بن زياد (١) [ وقال ] (٢) : إذا أوصلت كتابي هذا إلى عمر بن سعد فإن قام من ساعته لحرب الحسين فذاك ، وإن لم يقم فخذه وقيّده ، وابعث به إليّ ، ويكون شمر بن ذي الجوشن الأمير على الناس.فوصل الكتاب [ وكان في الكتاب ] (٣) : إنّي لم أبعثك يا ابن سعد لمنادمة الحسين ، فإذا أتاك كتابي هذا فخيّره بين أن تأتيني به أو تقاتله ، فوثب ابن سعد من ساعته وأخبر الحسين بذلك ، فقال الحسين عليه‌السلام : أخّرنا إلى غد. (٤)وأقبل العبّاس إلى القوم الّذين مع عمر بن سعد ، فقال : يا هؤلاء ، إنّ أبا عبد الله يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم حتّى ننظر (٥) في هذا الأمر ، ثمّ نلقاكم به غداً (٦).قال : فخبّر القوم بذلك أميرهم ، فقال عمر بن سعد لشمر : ماذا ترى؟قال : أنا أرى رأيك ايها الأمير ، فقل (٧) ما تشاء.فقال عمر بن سعد : إنّي أحببت ألا أكون أميراً فلم اُترك وأكرهت ، ثمّ أقبل عمر بن سعد على أصحابه ، فقال : الرأي عندكم.فقال رجل من أصحابه وهو عمرو بن الحجّاج : سبحان الله! والله لو كانوا


        __________
        ١ ـ في المقتل : جويرة بن يزيد التميمي.٢ و ٣ ـ من المقتل.٤ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٣٦ ـ ٢٤٦.وانظر وقعة الطفّ : ١٧٥ ـ ١٨٩ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٨ ـ ١٤٢.٥ ـ في المقتل : ينظر.٦ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : نلقاك غداً.٧ ـ في المقتل : فافعل.

        من أهل الترك والديلم ويسألوا هذه الخصلة (١) لكان ينبغي أن نجيبهم إلى ذلك ، فكيف وهم آل الرسول؟فقال عمر بن سعد : خبروهم أنا قد أجّلناهم باقي يومنا.فنادى رجل من أصحاب ابن سعد : يا شيعة حسين ، إنّا قد أجّلناكم يومنا إلى غدٍ ، فإن استسلمتم ونزلتم عل الحكم وجّهنا بكم إلى الأمير ، وإن أبيتم ناجزناكم ، فانصرف الفريقان ، وجاء الليل فبات الحسين عليه‌السلام ليلته تلك راكعاً وساجداً وباكياً ومستغفراً ومتضرّعاً ، وكذلك كانت صبيحتهعليه‌السلام ، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة.وقيل (٢) لعليّ بن الحسين ما أقلّ ولد أبيك؟!فقال عليه‌السلام : العجب كيف ولدت أنا له ، إنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرّغ للنساء؟وكذلك أصحابه باتوا كذلك لهم دويّ كدويّ النحل ، وأقبل شمر في نصف الليل [ يتجسّس ] (٣)ومعه جماعة من أصحابه حتّى قرب من عسكر الحسين عليه‌السلام ، والحسين رافع صوته يتلو هذه الآية : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً ) (٤) الآية : ثمّ تلا : ( مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَميِزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (٥)


        ________
        ١ ـ في المقتل : الليلة.٢ ـ انظر : الملهوف على قتلى الطفوف : ١٥٤ ، البحار : ٤٤/١٩٦ ح ١٠ ، وج ٨٢/٣١١ ح ١٧ ، وعوالم العلوم : ١٧/٦١ ح ١.٣ ـ من المقتل.٤ ـ سورة آل عمران : ١٧٨.٥ ـ سورة آل عمران : ١٧٩.

        فصاح رجل من أصحاب شمر وقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون وأنتم الخبيثون ، وقد ميّزنا منكم ، فقطع برير بن خضير صلاته ، ثمّ ناداه : يا فاسق : يا فاجر ، يا عدوّ الله ، يا ابن البوال على عقبيه ، أمثلك يكون من الطيّبين والحسين من الخبيثين؟! والله ما أنت إلاّ بهيمة لا تعقل ، فأبشر بالخزي يوم القيامة ، فصاح به شمر وقال : أيّها المتكلم ، إنّ الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب.فقال برير : يا عدوّ الله ، أبالموت تخّوفني ، والله إنّ الموت مع ابن رسول الله أحبّ إليَّ من الحياة معكم ، والله لا نال شفاعة محمد قوماً أراقوا دماء ذرّيّاته (١) وأهل بيته.وأقبل رجل من أصحاب الحسين ، فقال : يا برير ، إنّ أبا عبد الله يقول : إرجع إلى مكانك (٢) ، ولا تخاطب القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحتَ وأبلغتَ.فلمّا (٣) كان وقت السحر خفق الحسين عليه‌السلام برأسه ، ثمّ استيقظ ، فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ رأيت كأنّ كلاباً قد شدّت عليَّ [ لتنهشني ] (٤) وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها ، وأظنّ الّذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء ، ثمّ انّي رايت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بنَيّ ، أنت شهيد آل محمد ، وقد استبشرت بك ملائكة السماوات (٥) وأهل الصفيح الأعلى فليكن إفطارك عندي الليلة ، فعجّل


        _______
        ١ ـ في المقتل : ذرّيّته.٢ ـ في المقتل : موضعك.٣ ـ انظر أيضاً : البحار : ٤٥/٣ ، وج ٦١/١٨٣ ح ٥٠.٤ ـ من المقتل.٥ ـ في المقتل : وقد استبشر بك أهل السماوات.

        ولا تتأخّر ، فهذا ملك من السماء قد نزل ليأخذ دمك في قارورة خضراء فهذا ما رأيت ، وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا ، لا شكّ في ذلك (١).قال : فلطمت زينب وجهها وصاحت.فقال الحسين عليه‌السلام : مهلاً ، يا اُختاه ، لا يشمت (٢) القوم بنا.ثمّ جمع الحسين عليه‌السلام أصحابه بالليلة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ أقبلّ عليهم ، فقال :أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أصلح (٣) منكم ، ولا أهل بيت آثر (٤) ولا أفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله [ عنّي ] (٥) جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ رجل منك بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سواد [ هذا ] (٦) الليل وذروني وهؤلاء ، فإنّهم لا يريدون غيري.فقال له إخوته وبنو عمّه وأولاد عبد الله بن جعفر : ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً ، وكان الّذي بدأ بهذا القول العبّاس بن أمير المؤمنين ، ثمّ تابعوه الباقون.ثمّ نظر الحسين عليه‌السلام إلى بني عقيل فقال : حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم ، اذهبوا فقد أذنت لكم.وروي من طريق آخر : فتكلّم إخوته وجميع أهل بيته ، وقالوا : يا ابن


        __١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٥٠ ـ ٢٥٢.٢ ـ في الملهوف : لاتشمتي.٣ ـ في الملهوف : خيراً.٤ ـ في الملهوف : أبرّ.٥ و ٦ ـ من الملهوف.

        رسول الله ، ما تقول الناس لنا؟ وماذا نقول لهم؟ إنّا (١) تركنا شيخنا وكبيرنا وابن [ بنت ] (٢)نبيّنا ولم نرمِ معه بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ، لا والله يا ابن رسول الله لانفارقك أبداً ولكنّا نفديك (٣) بأنفسنا حتّى نُقتل بين يديك ونرِد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك.ثمّ قام مسلم بن عوسجة ، وقال : نحن نخلفك (٤) هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذا العدوّ! والله لا يراني الله أبداً أفعل ذلك حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، واُضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن لي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم اُفارقك أو أموت.قال : وقام سعيد بن عبد الله الحنفي فقال : لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبداً حتّى نعلم أنّا قد حفظنا فيك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) ، ولو علمت أنّي اقتل [ فيك ] (٦) ، ثمّ اُحيى ، ثمّ اُحرق ، ثمّ اُذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي من دونك ، فكيف وإنّما هي قتله واحدة ، ثمّ أنال الكرامة الّتي لا انقضاء لها؟!ثمّ قام زهير بن القين ، وقال : والله يا ابن رسول الله وددت أنّي قتلت ، ثمّ نشرتُ ألف مرّة وأنّ الله تعالى قد دفع هذه الفتنة عنك (٧) وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك.


        _________
        ١ ـ في الملهوف : إذ.٢ و ٦ ـ من الملهوف.٣ ـ في الملهوف : نقيك.٤ ـ في الملهوف : نخلّيك.٥ ـ في الملهوف : حتّى يعلم الله ... فيك وصيّة رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .٧ ـ في الملهوف : قد دفع بذلك القتل عنك.

        وتكلّم جماعة أصحابه بنحو من ذلك ، وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا [ وقضينا ] (١) ما علينا.وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال : قد اُسر ابنك بثغر الريّ.فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت اُحبّ أن يؤسر وأبقى بعده.فسمع الحسين عليه‌السلام قوله ، فقال : رحمك الله ، أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك.فقال : أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك.قال : فأعط ابنك هذه الأثواب البرود (٢) يستعين بها على (٣) فكاك أخيه.فأعطاه خسمة أثواب قيمتها ألف دينار.

        خطب الامام الحسين(ع)

        قال : فلمّا كان الغداة أمر الحسين بفسطاطه فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ، ثمّ دخل ليطلي.فروي أن برير بن خضير (٤) وعبد الرحمان بن عبد ربّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط فتطلّيا بعد الحسين عليه‌السلام ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمان.فقال عبد الرحمن : يا برير ، أتضحك؟! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل. (٥)


        _______
        ١ ـ من الملهوف.٢ ـ في الملهوف : هذه البرود ، والبُرد : ثوب.٣ ـ في الملهوف : في.٤ ـ في الملهوف : حصين.٥ ـ كذا في الملهوف : وفي الأصل : أتضحك هذه حال باطل؟

        فقال برير : لقد علم قومي أنى ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنّما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه فوالله ما هو إلا أن نلقى (١) هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثمّ نعانق الحور العين. (٢).

        قال : وركب أصحاب عمر بن سعد ، فقرّب إلى الحسين عليه‌السلام فرسه فاستوى عليه ، وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه ، وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه‌السلام : كلّم القوم ، فتقدّم برير حتّى وقف قريباً من القوم وقد زحفوا نحو الحسين بأجمعهم ، فقال لهم برير : يا قوم (٣) ، اتّقوا الله فإنّ ثقل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أصبح بين أظهركم ، هؤلاء ذرّيّته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم وما الّذي تريدون أن تصنعوه بهم؟فقالوا : نريد أن نمكّن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم.فقال لهم برير : افلا تقبلون (٤) منهم إن يرجعوا إلى المكان الّذي جاءوا منه؟ ويلكم ـ يا أهل الكوفة ـ أنسيتم كتبكم وعهودكم الّتي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها؟ يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيّكم وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم ، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد ، وحرمتموهم (٥) عن ماء الفرات؟ بئسما خلّفتم نبيّكم في ذرّيّته ، مالكم لا سقاكم الله (٦) يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم.


        ______
        ١ ـ كذا في الملهوف ، وفي اأصل : بما يصير ، فوالله ما هو إلّا نلقى.٢ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ١٥١ ـ ١٥٢.٣ ـ في المقتل : يا هؤلاء.٤ ـ في المقتل : ترضون.٥ ـ في البحار : وحلّأتموهم.٦ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.

        فقال له نفر منهم : يا هذا ، ما ندري ما تقول؟فقال برير : الحمد لله الّذي زادني فيكم بصيرة ، اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم ، اللّهمّ ألق بأسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان ، وفجعل القوم يرمونه بالسهام ، فرجع(١) برير إلى ورائه.وتقدّم الحسين عليه‌السلام حتّى وقف بإزاء (٢) القوم ، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم (٣) السيل ، ونظر إلى عمر بن سعد واقفاً في صناديد الكوفة ، فقال : الحمد لله الّذي خلق الدنيا فجعلنا دار فناء وزوال ، ومتصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته ، والشقي من فتنته ، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا ، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها ، وتخيّب طمع من طمع فيها ، وأراكم قد اجتمعتم على أمرٍ قد أسخطتم الله في عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته ، فنعم الربّ ربّنا هو ، وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أنتم قد رجعتم (٤) إلى ذرّيّته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان وانساكم ذكر الله ، فتبّاً لكم ولمّا تريدون ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم ، فبعداً للقوم الظالمين.فقال عمر بن سعد : ويلكم كلّموه فإنّه ابن أبيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولا حصر ، فكلّموه ، فتقدّم إليه شمر ، فقال : يا حسين [ ما ] (٥) هذا الّذي تقول؟ أفهمنا حتّى نفهم.


        _______
        ١ ـ كذا في المقتل والبحار ، وفي الأصل : فجعل.٢ ـ في المقتل : قبالة.٣ ـ في المقتل : كأنّها.٤ ـ في المقتل والبحار : ثمّ إنّكم زحفتم.٥ ـ من المقتل والبحار.

        قال عليه‌السلام : أقول : أتّقوا الله ولا تقتلون ، فإنّه لا يحلّ لكم قتلي ، [ ولا انتهاك حرمتي ] (١) فإنّي ابن بنت نبيّكم ، وجدّتي خديجة زوجة نبيّكم ، ولعلّكم قد بلغكم قول نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين سيّدا [ شباب ] (٢) أهل الجنّة (٣) ، فإن كذّبتموني فإنّ فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبد الله [ وسهل بن سعد ] (٤) وزيد بن أرقم وأنس بن مالك فاسالوهم عن هذا الحديث فإنّهم يخبرونكم انّهم سمعوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن كنتم في شكٍّ من أمري أفلست ابن بنت نبيَكم؟ أتشكّون في ذلك؟ فوالله ما (٥) بين المشرقين والمغربين ابن بنت نبيّ غيري ، أتطلبوني بدم أحد قتلته منكم ، أو بمال استملكته (٦) ، أو بقصاص من جراحات [ استهلكته ] (٧)؟ فسكتوا لا يجيبونه.ثمّ قال عليه‌السلام : والله لا اُعطي (٨) بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد ، عبادالله إنّي عذت بربّي وربّكم [ أن ترجمون وأعوذ بربّي وربّكم ] (٩) من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.فقال شمر : يا حسين ، الشمر يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول.


        _____________
        ١ ـ من المقتل والبحار.٢ و ٤ و ٧ و ٩ ـ من المقتل.٣ ـ زاد في المقتل : ما خلا النبيّين والمرسلين ، فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ ، والله ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله.ومن قوله : « وركب أصحاب عمر بن سعد » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٥ ـ ٦ عن كتابنا هذا.٥ ـ ليس ـ خ ل ـ.٦ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : استهلكته.٨ ـ في المقتل : اُعطيهم.

        قال : فسكت الحسين عليه‌السلام ، وناداه حيبيب بن مظاهر : إنّي أظنّك تعبد الله على سبعين حرفاً يا فاسق ، وأنا أشهد أنّك ما تدري ما تقول ، وأنّ الله تعالى قد طبع على قلبك.فقال له الحسين عليه‌السلام (١) : حسبك يا أخابني أسد ، فقد قضى القضاء ، وجفّ القلم ، والله بالغ أمره ، وإنّي لأشوق إلى جدّي وأبي واُمّي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف عليه‌السلام وأخيه ، وليّ مصرع أنا ملاقيه. (٢)ثمّ إنّ الحسين عليه‌السلام عبّأ أصحابه وكان ذلك اليوم يوم عاشوراً ، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، وفي رواية اُخرى : إثنان وثمانون راجلاً ، فجعل على ميمنته زهير بن القين ، وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر ، ودفع اللواء إلى أخيه العبّاس ، وثبت الحسين عليه‌السلام مع أهل بيته في القلب.وعبّأ عمر بن سعد أصحابه ، فجعل على ميمنته عمرو بن الحجّاج ، وعلى ميسرته شمر ، وثبت هو في القلب ، وكان جنده (٣) اثنين وعشرين ألفاً.وفي رواية عن الصادق عليه‌السلام : ثلاثين ألفاً لما رواه ابن بابويه رضي الله عنه في أماليه في قول الحسن للحسين عليهما‌السلام : يزدلف إليك ثلاثون ألفاً. (٤)وروي أنّ الحسين عليه‌السلام لما أحاط به القوم واُمراؤهم [ وأيقن


        ______١ ـ في المقتل : يا حسين بن عليّ أنا أعبد الله على حرف إن كنت أدري ما تقول.٢ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٥٢ ـ ٢٥٤.٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : وكانوا ... على اثنين وعشرين ألفاً.٤ ـ أمالي الصدوق : ١٠١ ح ٣ ، مناقب ابن شهراشوب : ٤/٨٦ ، مثير الأحزان : ٢٣ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ٩٩ ، إثبات الهداة : ٢/٥٥٦ ح ٧ ، البحار : ٤٥/٢١٨ ح ٤٤.

        أنّهم ] (١) قاتلوه قام خطيباً في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : قد نزل من الأمر ما ترون ، إنّ الدنيا قد أدبرت (٢) وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، حتّى لم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، أو (٣) خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، أمّا ترون الحقّ لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله ، وإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة (٤) مع الظّالمين إلّا برماً.وروي عن زيد بن عليّ ، عن أبيه ـ بحذف الأسانيد ـ ، قال : خطب الحسين عليه‌السلام أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، خطّ الموت على بني آدم خط (٥) القلادة على جيد الفتاة ، ما أولعني بالشوق إلى اسلافي ، وإنّ لي مصرعاً أنا لاقيه ، كأنّي أنظر إلى أوصالي تقطعها وحوش الفلوات قد ملأت منّي أكرشها ، رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ليوفينا اُجور الصّابرين ، لن تشذّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته (٦) وعترته ، ولن تفارقه أعضاؤه ، وهي مجموعة له في حضيرة القدس تقربّهم (٧) عينه.وروي أنّه لمّا عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين عليه‌السلام ، ورتّبهم [ في ] (٨) مراتبهم ، وأقام الرايات في مواضعها ، وعبّأ [ الحسين أصحابه


        _________
        ١ و ٨ ـ من المقتل.٢ ـ في المقتل : تغيّرت.٣ ـ في المقتل : من.٤ ـ في المقتل : والعيش.٥ ـ في المقتل : كمخطّ.٦ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حرمته.٧ ـ في المقتل : بها.

        في ] (١) الميمنة والميسرة ، وأحاطوا بالحسين من كلّ جانب حتّى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج حتّى أتى الناس فاستنصتهم ، فأبوا أن ينصتوا ، حتّى قال لهم : ويلكم ما عليكم ان تنصتوا إليّ ، فتسمعوا قولي ، وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد.ثمّ قال ـ بعد كلام طويل ـ : الّا إنّ الدعيّ بن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين ، بين السلّة (٢) والذلّة ، وهيهات منّا آخذ الدنيّة ، أبى الله [ ذلك ] (٣) ورسوله ، جدود طابت ، وحجور طهرت ، وانُوف حمّية ، ونفوس أبيّه ، ألا وقد أعذرت وأنذرت ، ألا إنّي زاحف بهذه الاُسرة على قلّة العتاد ، وخذلة الأصحاب ، ثمّ أنشأ :
        فإن نهزم فهزّامون قدما
        وإن نُهزم فغير مهزّمينا
        وما ان طبّنا جبن ولكن
        منايانا ودولة آخرينا
        ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم [ دور ] (٤) الرحى ، عهد عهده إليَّ أبي [ عن جدّي ] (٥) فاجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثمّ كيدوني فلا تنظرون ، اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنيناً كسنين يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبرة ، ولا يدع منهم (٦) أحداً إلّا قتله [ قتله ] (٧) بقتلة ، وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي ولأهل بيتي منهم ، فإنّهم غرونا وخذلونا ، وأنت ربّنا ، عليك توكّلنا ، وإليك أنبنا ، وإليك


        ____________
        ١ و ٤ و ٥ و٧ ـ من المقتل.٢ ـ كذا في الملهوف ، وفي الأصل : القلّة ، وفي المتقل : القتلة.٣ ـ من المقتل ، وفي الملهوف : وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، حجور طابت ، وحجور طهرت.٦ ـ في المقتل : فيهم.


        المصير (١).ثمّ قال صلوات الله عليه : ادعوا لي عمر بن سعد ، فدعي له ـ وكان كارهاً لا يحبّ أن يأتيه ـ ، فقال : يا عمر ، أنت تقتلني وتزعم أنّ الدعيّ بن الدعيّ يولّيك الريّ وجرجان ، والله لا تتهنّأ بذلك أبداً ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، ولكأنّي براسك على قصبة قد نصبت بالكوفة ، يتراماه الصبيان بالحجارة ويتّخذونه غرضاً بينهم. (٢)


        واقعة الطف

        فاغتاض (٣) عمر بن سعد من كلامه ، ثمّ صرف وجهه عنه ونادى بأصحابه : ما تنظرون؟ احملو عليه بأجمعكم.قال : فدعا الحسين عليه‌السلام بفرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المرتجز ، فركبه وعبّأ أصحابه ، وزحف إليه عمر بن سعد ونادى غلامه دريداً : قدّم رايتك ، ثمّ وضع عمر سهمه في قوسه ، ثمّ رمى ، وقال : اشهدوا لي عند الأمير عبيد الله أنّي أوّل من رمى الحسين ، فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم ، فما بقي أحد من أصحاب الحسين عليه‌السلام إلّا اصابه من سهامهم (٤)قيل : فلمّا رموهم هذه الرمية قلّ أصحاب الحسين عليه‌السلام ، وبقي القوم الّذين يذكرون ، وقتل في هذه الحملة الاُولى من أصحاب الحسين خمسون رجلاً رحمة الله عليهم (٥) ، فعندها ضرب الحسين عليه‌السلام بيده إلى


        ____١ ـ انظر الأحاديث الغيبيّة : ٢/٣١١ ح ٥٧٢.٢ ـ تيسير المطالب : ٩٥ ـ ٩٧.٣ ـ في المقتل : فغضب.٤ ـ في المقتل : من رميتهم سهم.٥ ـ من قوله : « فرمى أصحابه كلّهم » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/١٢ عن كتابنا هذا. وكذا في عوالم العلوم : ١٧/٢٥٥.
        لحيته ، وقال : اشتدّ غضب الله على اليهود والنصارى إذ جعلوا له ولداً ، واشتدّ غضب الله على المجوس إذ عبدت [ الشمس والقمر و ] (١) النّار ، واشتدّ غضب الله على قوم اتّفقت آراؤهم على قتل ابن بنت نبيّهم ، والله لا اُجيبهم إلى شيء ممّا يريدونه أبداً حتّى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي.

        التحاق الحر الرياحي بمعسكر الحسين (ع) و استشهاده (ر)


        ثمّ صاح عليه‌السلام : أمّا من مغيث يغيثنا لوجه الله تعالى؟ أمّا من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله؟وكان الحرّ حين أمره عبيد الله بن زياد بالمسير الى حرب الحسين وخرج من منزله نودي ثلاث مرّات : يا حرّ ، أبشر بالجنّة ، فالتفت فلم ير أحد.فقال : ثكلت الحرّ اُمّه ، يمضي إلى حرب ابن رسول الله ويدخل الجنّة! فنمّ ذلك الكلام في فؤاده ، فلمّا سمع الحسين عليه‌السلام يستغيث اضطرب قلبه ، ودمعت عيناه ، فخرج باكياً متضرّعاً مع غلام له تركيّ ، وأتى إلى عمر بن سعد ، وقال : أمقاتل أنت هذا الرجل؟فقال : إي والله قتالاً أيسره [ أن ] (٢) تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.فقال : أمّا لكم في الخصال الّتي عرض عليكم رضى؟قال : والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك.فأقبل الحرّ حتّى وقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الأفكل (٣) ، فقال له المهاجر بن أوس : والله إنّ أمرك لمريب ، ولو قيل : من أشجع أهل الكوفة؟ لما


        _________
        ١ ـ من المقتل : وفي الملهوف : إذ عبدوا الشمس والقمر دونه.٢ ـ من المقتل.٣ ـ الأَفْكَل : الرعدة من برد أو خوف. « لسان العرب : ١١/ ١٩ ـ أفكل ـ ».

        عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك؟فقال : والله إنّي اُخيّر نفسي بن الجنّة والنار ، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحرّقت.ثمّ ضرب فرسه قاصداً الحسين عليه‌السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللّهمّ إنّي تبت فتب عليَّ ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك.وقال للحسين عليه‌السلام : جعلت فداك ، أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، والله الّذي لا إله إلّا هو ، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضتَ عليهم ، والله لو حدثتني (١)نفسي أنّهم يقتلوك لما ركبتها منك (٢) أبداً ، وإنّي قد جئتك تائباً إلى ربّي ، ومواسيك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، فهل ترى لي من توبة؟قال : نعم يتوب الله عليك ويغفر لك ، ما اسمك؟قال : انّا الحرّ.قال : أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك إن شاء الله في الدنيا والآخرة ، انزل.قال : أنا لك فارساً خير منّي لك راجلاً ، اُقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول مصيري ، ثمّ قال (٣) : يا ابن رسول الله ، كنتُ أوّل خارج عليك ، فائذن لي لأكون أوّل قتيل بين يديك ، وأول من يصافح جدّك غداً ـ وإنّما قال الحرّ : لأكون أوّل قتيل من المبارزين ، وإلا فإن جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة


        _______________١ ـ في المقتل : لو سوّلت لي.٢ ـ في المقتل : أنّهم يقتلونك لما ركبت هذا منك.٣ ـ من هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/١٣ عن كتابنا هذا وعن مناقب ابن شهراشوب والكامل في التاريخ : ٤/٦٤. وكذا في عوالم العلوم ١٧/٢٥٧.


        الاُولى كما ذكر ـ ، فكان أوّل من تقدّم إلى براز القوم ، وجعل ينشد ويقول :
        إنّي أنـا الحرّ ومـأوى الضيــف
        أضرب في أعناقكم بالسيف
        عن خير من حلّ بأرض (١) الخيف
        أضربكم ولا أرى من حيف
        وروي أنّ الحرّ لمّا لحق بالحسين عليه‌السلام قال رجل من تميم يقال له يزيد بن سفيان : أمّا والله لو لحقته لأتبعته السنان ، فبينا هو يقاتل ، وانّ فرسه لمضروب على اُذنيه وحاجبيه ، وانّ الدماء لتسيل ، إذ قال الحصين : يا يزيد هذا الحرّ الّذي كنت تتمنّاه [ فهل لك به ] (٢)؟قال : نعم.قال : فخرج إليه ، فما لبث الحرّ أن قتله وقتل أربعين فارساً وراجلاً ، فلم يزل يقاتل حتّى عرقب(٣) فرسه ، وبقي راجلاً [ فجعل يقاتل ] (٤) وهو يقول :
        إنّي أنا الحرّ ونجل الحرّ
        أشجع من ذي لبدٍ هزبر
        ولست بالجبان عند الكرّ
        لكنّني الوقاف عند الفرّ (٥)
        ثمّ لم يزل يقاتل حتّى قتل رحمة الله عليه ، فاحتمله أصحاب الحسين


        ________١ ـ في المقتل : بوادي.٢ و ٤ ـ من المقتل.٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : غرقت.٥ ـ روى الأرجاز في المقتل هكذا :
        إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ
        أشجع من ذي لبدة هزبر
        ولست بالخوار عنـد الكـرّ
        لكنّني الثابت عند الفرّ
        عليه‌السلام حتّى وضعوه بين يدي الحسين عليه‌السلام وبه رمق ، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول : أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك ، وأنت الحرّ في الدنيا ، وأنت الحرّ في الآخرة.ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه‌السلام ، وقيل : بل رثاه عليّ بن الحسين عليه‌السلام :
        لنعم الحرّ حرّ بني رياح
        صبور عنـد مختـلف (١) الرماح
        ونعم الحرّ إذ نادي حسين
        فجاد بنفسه عند الصياح (٢)
        وروي أنّ الحرّ كان يقول :
        آليت لا اُقتل حتّى اقتلا
        أضربهم بالسيف ضرباً معضلا
        لا ناكل عنهم ولا معللّا
        لا عـاجز عنهـم ولا مبـدّلا
        أحمي الحسين الماجد المؤمّلا (٣)وكان من أراد الخروج ودّع الحسين صلوات الله عليه ، وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه : وعليك السلام ، ونحن خلفك ، ويقرأ عليه‌السلام : ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلوُا تَبْدِيلاً ) (٤).

        بروز برير بن خضير الهمداني للقتال


        ثمّ برز برير بن خضير الهمداني رضي الله عنه بعد الحرّ ، وكان من عباد الله الصالحين ، فبرز وهو يقول :


        ______________١ ـ في المقتل : مشتبك.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : الصفاح.٣ ـ روى الأرجاز في المقتل هكذا :
        آليـت لا اُقتـل حتـى اقتـلا
        ولا اُصاب اليوم إلاّ مقبلا
        أضربهم بالسيف ضرباً معضلا
        لا نـاكلاً فيهم ولا مهللّا
        ٤ ـ سورة الأحزاب : ٢٣.

        أنـا بريـر وأبـي خضير
        يرّوغ الاسـد عـن الزبير
        يعرف فينا الحبر بن الحبر
        أضربكم ولا أرى من ضير
        كذلك فعل الخير من برير (١)وجعل يحمل على القوم وهو يقول : اقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد البدريّين ، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين وذرّيّته الباقين ، وكان برير أقرأ أهل زمانه ، فلم يزل يقاتل حتّى قَتَل ثلاثين رجلاً ، فبرز إليه رجل يقال له يزيد من معقل ، فقال لبرير : أشهد أنّك من المضلّين.فقال له برير : هلمّ فلندع الله أن يلعن الكاذب منّا ، وأن يقتل المحقّ منّا المبطل ، فتصاولا فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم تعمل شيئاً ، ضربه برير ضربة قدّت المغفر ووصلت إلى دماغه فسقط قتيلاً.قال : فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريراً رحمة الله عليه ، وكان يقال لقاتله بجبر بن أوس الضبي ، فجال في ميدان الحرب وجعل يقول :
        سلي تخبرني عنّي وأنت ذميمة
        غداة حسيـن والرمـاح شوارع
        ألم آت أقصى ما كرهت ولم تحل
        غداة الوغى والروع ما أنا صانع



        __________
        ١ ـ روى الأرجاز في المقتل هكذا :
        أنا برير وقتـي خضيـر
        أضربكم ولا أرى من ضير
        يعرف في الخير أهل الخير
        كذلك فعل الخير مـن برير


        معـي يزنـي لـم تخنــه كعوبـه
        وأبيض مشحوذ الغرارين قاطع
        فجـردتـه في عصبة ليـس ديـنهم
        كديني وإنّـي بعـد ذاك لقـانع
        وقد صيرّوا (١) للطعن والضرب حسّرا
        وقد جالدوا لـو أنّ ذلـك نافـع
        فأبلــغ عبيـدالله إذ مـا لقيتــه
        بأنّي مطيـع للخليـفة ســامع
        قتلـت بـريراً ثـمّ جلــت بهمـّةٍ
        غداة الوغـى لمّا دعا من يقارع
        قال : ثمّ ذكر له بعد ذلك أنّ بريراً كان من عباد الله الصالحين فجاءه ابن عمّ له وقال : ويحك يا بجير ، قتلت برير بن خضير فبأيّ وجه تلقى ربّك؟قال : فندم الشقيّ ، وأنشأ يقول :
        فلو شاء ربّي ما شهدت قتالهم
        ولا جعل النعماء عند ابن جائر
        فقد كان ذا عار عليَّ وشبهة (٢)
        يعيّر بها الأبناء عند المعـاشر



        ______________
        ١ ـ في المقتل : صبروا.٢ ـ في المقتل : لقد كان ذلك اليوم عاراً وسبّة.



        فياليت إنّي كنت في الرحم حيضة
        ويـوم حسين كنت ضمن المقابر (١)
        فيا سوأتى مـاذا أقـول لخالقي؟
        وما حجّتي يوم الحساب القُماطر؟

        ________١ ـ في المقتل : في رمس قابر.٢ ـ في المقتل والبحار : وصولتي.٣ ـ في المقتل : بيوم.٤ ـ في المقتل : فما جلادي.

        Last edited by راية اليماني; 20-10-2015, 14:03.

        Comment

        • راية اليماني
          مشرف
          • 05-04-2013
          • 3021

          #5
          رد: راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

          بروز عبدالله بن وهب الكلبي للميدان



          ثمّ برز من بعده وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي ، وقد كانت معه اُمّه يومئذ ، فقالت : قم يا بنيّ ، فانصر ابن بنت رسول الله.فقال : أفعل يا اُمّاه ولا اُقصّر ، فبرز وهو يقول :
          إن تنكرونـي فأنـا ابـن الكلبي
          سوف تروني وتـرون ضـربي
          وحملتي وضربتي (٢) في الحرب
          أدرك ثأري بعد ثـأر صحبـي
          وأدفع الكرب أمــام (٣) الكرب
          ليس جهادي (٤) في الوغى باللعب
          ثمّ حمل فلم يزل يقاتل حتّى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى اُمّه وامرأته فوقف عليهما ، فقال : يا اُمّاه أرضيت؟فقالت : ما رضيت إلّا أن تقتل بين يدي الحسين.فقالت امرأته : بالله لا تفجعني في نفسك.


          فقالت اُمّه : يا بنيّ ، لا تقبل (١) قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله ، فرجع قائلاً :
          إنّي زعيــم لـك اُمّ وهـب بالطعن فيهم تارة والضرب
          ضرب (٢) غلام مؤمن بالربّ حتى يذيق القوم مرّ الحرب
          إنّي امرؤ ذو مــرة وعصب حسبي إلهي من عليم حسبي (٣)
          فلم يزل يقاتل حتّى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً ، ثمّ قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه ، وهي تقول : فداك أبي واُمّي ، قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله ، فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود أو أموت معك.وجعل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.قال : فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها ، وهي أوّل امرأة قتلت في عسكر (٤) الحسين عليه‌السلام.


          _________
          ١ ـ في المقتل : لا تسمع.٢ ـ في المقتل : فعل.٣ ـ روى في المقتل هذا الرجز هكذا :
          إنّي امرؤ ذو مرّة وعصـب ولست بالخوّار عند النكب
          حسبي بنفسي من عليم حسبي إذا انتميت في كرام العرب
          ٤ ـ في المقتل : حرب.
          ورأيت حديثاً أنّ وهب هذا كان نصرانّياً ، فأسلم [ هو واُمّه ] (١) على يد الحسين عليه‌السلام ، فقتل في المبارزة أربعة وعشرين رجلاً واثني عشر فارساً ، ثمّ أُخذ أسيراً ، فاُتي به عمر بن سعد ، فقال : ما أشدّ صولتك؟ ثمّ أمر فضربت عنقه ، ورمى براسه إلى عسكر الحسين عليه‌السلام ، فأخذت اُمّه الرأس فقبّلته ، ثمّ رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلاً فقتلته ، ثمّ شدّت بعمود الفسطاط فقتلت [ به ] (٢) رجلين.فقال لها الحسين : ارجعي يا اُمّ وهب ، أنت وابنك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجنّة ، فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء ، فرجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي.فقال لها الحسين عليه‌السلام : لا يقطع الله رجاءك اُمّ وهب.

          عمرو بن خالد الأزدي

          ثمّ برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي ، وهو يقول :
          اليوم يا نفس إلى الرحمـن تمضين بالروح وبالريحان
          اليوم تجزين على الاحسان قد كان منك غابر الزمـان
          ما خطّ في اللوح لك الديّان لا تجزعي فكلّ حيّ فـان
          والصبر أحظى لك بالأمان (٣)ثمّ قاتل حتّى قتل رضي الله عنه.


          _______
          ١ و ٢ ـ من المقتل.٣ ـ روى الرجز الأخير في المقتل هكذا :
          ما خطّ باللوح لدى الديّان فاليوم زال ذاك بالغفـران
          لا تجزعي فكلّ حيّ فان والصبر أحظى لك بالأمان
          خالد بن عمرو

          ثمّ تقدّم ابنه خالد بن عمرو ، وهو يرتجز :
          صبراً على الموت بني قحطان كيما تكونوا (١) في رضى الرحمنِ
          ذي المجد والعـزّة والبرهـانِ وذي العـلا والطــول والاحسانِ
          يا ليتني قد صـرت بالجنَانِ فـي قصـر درّ حسـن البنيـان (٢)
          فلم يزل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.

          سعد بن حنظلة التميمي

          ثمّ برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي ، وهو يقول :
          صبراً على الأسياف والأسنّـة صبراً عليها لدخول الجنّة
          وحور عين ناعمات هنّه لمن يريد الفوز لا بالظنّة
          يا نفس للراحة فاجهدنّه (٣) وفي طلاب الخير فارغبنّه
          ثمّ حمل فقاتل قتالاً شديداً ، ثمّ قتل رضوان الله عليه.

          عمير بن عبدالله المذحجي

          وخرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي ، وهو يرتجز :
          قد علمت سعد وحي مذحج أنّي لدى الهيجاء ليث مُحرج (٤)
          أعلو بسيفي هامة المدجّج وأترك القرن لدى التعرّج
          فريسة الضبع الأزلّ الأعرج [ فمن تراه واقفاً بمنهج ] (٥)
          ولم يزل يقاتل حتّى قتله مسلم الضبابيّ وعبد الله البجليّ.


          مسلم بن عوسجة

          ثمّ برز من بعده مسلم بن عوسجة رضي الله عنه ، وهو يرتجز.


          _____
          ١ ـ في المقتل : نكون.٢ ـ روى آخر الرجز في المقتل هكذا :
          ذي المجد والعزّة والبرهان يا أبتا قد صرت في الجنان
          ٣ ـ في المقتل : فاطرحنّه.٤ ـ في المقتل : أنّي ليث الغاب لم أُهجهج.٥ ـ من المقتل.

          أسلمت له ، لربّ موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين.ثمّ حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة ، فثبتوا له وقاتلهم أصحاب الحسين عليه‌السلام قتالاً شديداً وإنّما هم إثنان وثلاثون فارساً فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلّا كشفوهم (١) ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة ، فأقبلوا (٢) حتّى دنوا من الحسين وأصحابه ، فرشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم ، وقاتلوهم حتّى انتصف النهار ، واشتدّ القتال ، ولم يقدروا أن يأتوهم إلاّ من جانب واحد ، لاجتماع أبنيتهم ، وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوّضوها عن أيمانهم وشمائلهم ، ليحيطوا بهم (٣) ، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون [ بينها ] (٤) فيشدّون على الرجل وهو يقوّض وينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه ويقتلونه.فقال ابن سعد : احرقوها بالنار وأضرموا فيها.فقال الحسين عليه‌السلام : دعوهم يحرقوها فإنّهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم ، فكان كما قال صلوات الله عليه.وقيل : أتاه شبث بن ربعي ، وقال : أفزعنا النساء فاستحيا ، وأخذوا لا يقاتلونهم إلاّ من وجه واحد ، وشدّ أصحاب زُهير بن القَين فقتلوا أبا عُذرة


          ___١ ـ في المقتل : كشفوه.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : فاقتتلوا ، وهو تصحيف.٣ ـ في المقتل : بها.٤ ـ من المقتل.

          الضبابي من أصحاب شمر.فلم يزل يُقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم ، ويُقتل من أصحاب عمر العشرة [ والعشرون ] (١) فلا يبيّن فيهم ذلك لكثرتهم.

          آخر صلاة

          فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة الصيداويّ قال للحسين عليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، نفسي لنفسك الفداء ، هؤلاء اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتّى اُقتل دونك ، واُحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة ، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله (٢) من المصلّين ، نعم هذا أوّل وقتها.ثمّ قال : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي ، فكفّوا عنهم ، فصلّى الحسين عليه‌السلام وأصحابه.فقال الحصين بن نُمير : إنّها لا تقبل.فقال حبيب بن مظاهر : لا تُقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله ، وتُقبل منك يا ختّار ، فحمل عليه الصحين بن نمير ، وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشبّ [ به ] (٣) الفرس ووقع عنه الحصين فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه.فقال الحسين عليه‌السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله : تقدّما أمامي حتّى أُصلّي الظهر ، فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف.


          ________
          ١ ـ من المقتل.٢ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل والبحار.٣ ـ من البحار.

          سعيد بن عبدالله الحنفي

          روي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدّم أمام الحسين عليه‌السلام ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل ، كلّما أخذ الحسين عليه‌السلام يميناً وشمالاً قام بين يديه ، فما زال يرمى حتّى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : اللّهمّ العنهم لعن عاد وثمود ، اللّهمّ أبلغ نبيّك السلام عنّي ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإنّي أردت ثوابك في نصرة (١) ذرّيّة نبيّك ، ثمّ مات رضي الله عنه ، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح. (٢)
          عبدالرحمن بن عبدالله اليزني

          ثم خرج عبد الرحمان بن عبد الله اليزني ، وهو يقول :
          أنا ابن عبد الله من آل يزن ديني على دين حسين وحسن
          أضربكم ضرب فتى من اليمن أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن
          ثمّ حمل فقاتل حتّى قُتل.

          جون

          ثمّ تقدّم جون مولى أبي ذرّ الغفاري وكان عبداً أسود ، فقال له الحسين عليه‌السلام : أنت في إذن منّي ، فإنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا.فقال : يا ابن رسول الله ، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم (٣) ، وفي الشدةّ أخذلكم؟! والله إن ريحي لمنتن ، وإن حسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس عليَّ بالجنّة ، فيطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي ، لا والله لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.


          ________
          ١ ـ في المقتل والبحار : أردت بذلك نصرة.٢ ـ من قوله : « ثمّ برز من بعده سعد بن حنظلة » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/١٨ ـ ٢١ ، وكذا في عوالم العلوم : ١٧/٢٦١ وما بعدها.٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : الرخاء الحسن اُصحابكم.

          ثمّ برز للقتال ، وهو [ ينشد و ] (١) يقول :
          كيف يرى الكفار ضرب الأسود
          بالسيف ضرباً عن بني محمد
          أذبّ عنهم باللسان واليد
          أرجو به الجنةّ يوم المورد (٢)
          ثمّ قاتل حتّى قُتل ، فوقف عليه‌السلام ، وقال : اللّهمّ بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الأبرار ، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمد.وروي عن الباقر ، عن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام : أنّ الناس كانوا يحضرون المعركة ، ويدفنون القتلى ، فوجدوا جَوناً بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه. (٣)


          عمر بن خالد الصيداوي


          قال: ثمّ برز عمر بن خالد الصيداويّ فقال للحسين عليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، قد هممتُ أن ألحق بأصحابي ، وكرهتُ أن أتخلّف وأراك وحيداً من (٤) أهلك قتيلاً.فقال له الحسين عليه‌السلام : تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدّم فقاتل حتّى قُتل رضوان الله عليه.


          _______
          ١ ـ من البحار.٢ ـ روى الأرجاز في المقتل هكذا :
          كيف يرى الفجّار ضرب الأسود بالمشرفيّ القاطع المهنّد
          أحمي الخيار من بني محمد أذبّ عنهم باللسان واليد
          أرجو بذاك الفوز عند المورد من الإله الواحد الموحّد
          ٣ ـ من قوله : « ثمّ برز للقتال وهو ينشد ويقول : كيف يرى » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٢٢ ـ ٢٣. وكذا في عوالم العلوم : ١٧/٢٦٦.٤ ـ في الملهوف : بين.

          حنظلة بن سعد الشبامي

          قال : وجاء حنظلة بن سعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين عليه‌السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي : ( يَا قَوْمِ إِنِّي أخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أخَافُ عَلَيْكًُمْ يَومَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ ) (١).يا قوم ، لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذابٍ وقد خابَ من افترى (٢).ثمّ التفت إلى الحسين عليه‌السلام وقال : أفلا نروح إلى ربّنا ونلحق بإخواننا؟فقال له الحسين عليه‌السلام : بلى (٣) ، رُح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، وإلى مُلكٍ لا يبلى.وقاتل حتّى قَتل أبطالاً ، وصبر صبراً جميلاً على احتمال الأهوال (٤) ، حتّى قُتل رضي الله عنه.قال : وتقدّم [ سُويد ] (٥) بن عمر بن أبي المطاع ، وكان شريفاً كثير الصلاة ، فقاتل قتال الاسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل ، حتّى سقط بين القتلى وقد اُثخن بالجراح ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتّى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج سكيّناً من خفّه ، وجعل يقاتل حتّى قُتل رضوان


          _________
          ١ ـ سورة غافر : ٣٠ ـ ٣٣.٢ ـ إقتباس من الآية : ٦١ من سورة طه.٣ ـ في الملهوف : بل.٤ ـ في الملهوف : وصبر على احتمال الأهوال.٥ ـ من الملهوف.

          الله عليه.

          الحجاج بن مسروق


          ثمّ خرج الحجّاج بن مسروق وهو مؤذّن الحسين عليه‌السلام ، وهو يقول :
          أقدم حسين هادياً مهديّا اليوم تلقى جدّاك النبيّا
          ثمّ أباك ذا الندى (١) عليّا [ والحسن الخير الرضا الوليّا
          وذا الجناحين الفتى الكميّا وأسد الله الشهيد الحيّا ] (٢)
          ثمّ حمل ، فقاتل حتّى قُتل.

          زهير بن القين



          ثمّ خرج من بعده زُهير بن القَين [ البجلي ] (٣) رضي الله عنه ، وهو يرتجز :
          أنا زهير وأنا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسين
          إنّ حسيناً أحد السبطين من عترة البّر التّقي الزين
          ذاك رسول الله غير المين أضربكم ولا أرى من شينِ
          * يا ليت نفسي قسمت قسمينِ *فقاتل حتّى قَتَل مائة وعشرين رجلاً ، فشدّ عليه كُثير بن عبد الله الشعبيّ ومهاجر بن أوس التميميّ فقتلاه.فقال الحسين عليه‌السلام حين صرع زهير : لا يبعدك الله [ يا زهير ] (٤) ، ولعن قاتلك لعن الّذين مسخوا قردة وخنازير.

          سعيد بن عبدالله الحنفي


          ثمّ خرج سعيد بن عبد الله الحنفي ، وهو يرتجز :
          أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا وشيخك الحبر عليّاً ذا الندى
          ____________١ ـ في المقتل : العلا.٢ و ٣ ـ من المقتل.٤ ـ من البحار.



          وحسناً كالبدر وافى الأسعدا وعمّك القرم الهمام الأرشدا (١)
          حمزة ليث الله يدعى أسدا وذا الجناحين تبوّأ مقعدا
          * في جنّة الفردوس يعلو صعدا (٢) *فلم يزل يقاتل حتّى قُتل.

          حبيب بن مظاهر الأسدي

          ثمّ برز حبيب بن مظاهر الأسدي ، وهو يقول :
          أنا حبيب وأبي مظهّر فارس هيجاء وحرب تسعر
          وأنتم عند العديد أكثر ونحن أعلى حجّة وأقهر (٣)
          [ وأنتم عند الهياج غدّر ونحن أوفى منكم وأصبر ] (٤)
          فقتل اثنين وستّين رجلاً ، فقتله الحصين بن نمير وعلّق رأسه في عنق فرسه.

          هلال بن نافع البجلي


          ثم برز هلال بن نافع البجلي (٥) ، وهو يقول :
          أرمي بها معلمة أفواقها والنفس لا ينفعها إشفاقها
          مسمومة تجري بها أخفاقها ليملأنّ أرضها رشاقها
          فلم يزل يرميهم حتّى فنيت سهامه ، ثمّ ضرب بيده إلى سيفه فاستلّه ،


          _______
          ١ ـ في المقتل : القرم الهجان الأصيدا.٢ ـ روى الرجز الأخير في المقتل هكذا :
          وحمزة ليث الإله الأسدا في جنّة الفردوس نعلو صعدا
          ومن قوله : « فقاتل حتّى قَتَل مائة وعشرين » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٢٥ ـ ٢٦.٣ ـ في المقتل : وأظهر.٤ ـ من المقتل.٥ ـ لعلّه هو نفسه نافع بن هلال الجملي. وقد ذكرنا أنّ نسبة الجملي أصحّ.


          وجعل يقول :
          أنا الغلام اليمني البجليّ (١) ديني على دين حسين وعليّ
          إن اُقتل اليوم فهذا أملي فذاك رأيي واُلاقي عملي
          فقَتَل ثلاثة عشر رجلاً فكسّروا عضديه ، واُخذ أسيراً ، فقام إليه شمر فضرب عنقه.

          شاب قتل ابوه

          قال : ثمّ خرج شابّ قُتل أبوه في المعركة ، وكانت اُمّه معه ، فقالت له اُمّه : اخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فخرج ، فقال الحسين عليه‌السلام : هذا شابّ قُتل أبوه ، ولعلّ اُمّه تكره خروجه.فقال الشابّ : اُمّي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
          أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير
          عليّ وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير؟
          له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منير
          وقاتل حتّى قُتل ، وحزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه‌السلام ، فحملت اُمّه رأسه وقالت : أحسنت يا بنيّ ، يا سرور قلبي ، ويا قرّة عيني ، ثمّ رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته ، وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم ، وهي تقول :
          أنا عجوز سيّدي ضعيفة (٢) خاوية بالية نحيفة
          أضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفة
          ____________١ ـ في المقتل : الجملي.٢ ـ في المقتل : أنا عجوز في النساء ضعيفة.

          وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين عليه‌السلام بصرفها ودعا لها.

          عابس بن أبي شبيب الشاكري


          وجاء عابس بن أبي شبيب (١) الشاكري ومعه شَوذب مولى شاكر ، فقال : يا شوذب ، ما في نفسك أن تصنع؟قال : ما أصنع؟! اُقاتل حتّى اُقتَل.قال : ذاك الظنّ بك ، تقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك (٢) كما احتسب غيرك ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكلّ ما نقدر عليه ، فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب.فتقدّم فسلّم على الحسين عليه‌السلام ، وقال : يا أبا عبد الله ، [ أمّا ] (٣) والله ما أمسى على وجه (٤)الأرض قريب ولا بعيد أعزّ [ عليَّ ] (٥) ولا أحبّ إليَّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيءٍ أعزّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك ، ثمّ مشى (٦) بالسيف نحوهم.قال ربيع بن تميم : فلمّا رأيته مقبلاً عرفته ـ وقد كنت شاهدته في المغازي ـ وكان أشجع الناس ، فقلت : أيّها الناس ، هذا أسد الاُسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم ، فأخذ ينادي : ألا رجل؟ ألا رجل؟فقال عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة ، فرمي بالحجارة من كلّ جانب ،

          _______
          ١ ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل : عابس بن شبيب. وكذا في الموضع الآتي.٢ ـ في المقتل : حتّى أحتسبك ويحتسبك.٣ و ٥ ـ من البحار.٤ ـ في المقتل : مطهر.٦ ـ في البحار : مضى.

          فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومِغفَره ، ثمّ شدّ على الناس ، فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس ، ثمّ إنّه (١) تعطّفوا عليه من كلّ جانب ، فقُتل ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، والآخر يقول كذلك.فقال عمر بن سعد : لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد ، حتّى فرّق بينهم بهذا القول.

          عبدالله و عبدالرحمن الغفاريان


          ثمّ جاءه عبد الله وعبد الرحمن الغفاريّان ، فقالا : يا أبا عبد الله ، السلام عليك ، أحببنا أن نقتل بين يديك وندفع عنك.فقال : مرحباً بكما ، ادنوا منّي ، فدنوا منه (٢) ، وهما يبكيان ، فقال : يا ابني أخي ما يبكيكما؟ فوالله إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين.فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد اُحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك. (٣)فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين ، ثمّ استقدما وقالا :السلام عليك يا ابن رسول الله.فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته.فقاتلا حتّى قُتلا رضي الله عنهما.

          ___________
          ١ ـ في البحار : إنّهم.٢ ـ كذا في المقتل والبحار ، وزاد في الأصل : ثمّ قاتلا حتّى قُتلا ، ثمّ جاءه سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن سريع فدنوا منه.٣ ـ في البحار : ننفعك.

          أسلم التركي

          قال : ثمّ خرج غلام تركيّ كان للحسين عليه‌السلام ، وكان قارئاً للقرآن ، فجعل يقاتل [ ويرتجز ] (١)ويقول :
          البحر من طعني وضربي يصطلي والجوّ من سهمي ونبلي يمتلي
          إذا حسامي بيميني ينجلي ينشقّ قلب الحاسد المبجّل
          فقتل جماعة ، ثمّ سقط صريعاً ، فجاءه الحسين عليه‌السلام فبكى ووضع خدّهُ على خدّهِ ، ففتح عينيه فرأى الحسين عليه‌السلام فتبسّم ، ثمّ صار إلى ربّه رضي الله عنه.[ قال : ثمّ رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وكان كلّما رمى قال الحسين عليه‌السلام : اللّهمّ سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة ، فحملوا عليه فقتلوه ] (٢)وكان يأتي الحسين عليه‌السلام الرجل بعد الرجل ، فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه الحسين ، ويقول : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثمّ يقرأ : ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) (٣) حتّى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ، ولم يبق مع الحسين إلاّ أهل بيته.

          __________
          ١ و ٢ ـ من البحار.٣ ـ سورة الأحزاب : ٢٣.

          Last edited by راية اليماني; 20-10-2015, 23:52.

          Comment

          • راية اليماني
            مشرف
            • 05-04-2013
            • 3021

            #6
            رد: راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

            ملحمة الهواشم

            ولمّا قُتل أصحاب الحسين عليه‌السلام ولم يبق إلّا أهل بيته ، وهم : ولد عليّ ، وولد جعفر ، وولد عقيل ، وولد الحسن ، وولده صلوات الله عليه اجتمعوا
            وودّع (١) بعضهم بعضاً ، وعزموا على الحرب ،

            عبدالله بن مسلم

            فأول من برز من أهل بيته عبد الله ابن مسلم بن عقيل بن أبي طالب
            عليه‌السلام ، وهو يرتجز ويقول :
            اليوم ألقى مسلماً وهو أبي وفتية بادوا على دين النبيّ
            ليسو بقوم (٢) عرفوا بالكذب لكن خيار وكرام النسب
            [ من هاشم السادات أهل الحسب ] (٣).فقاتل حتّى قتل ثمانية وتسعين رجلاً في ثلاث حملات ، ثمّ قتله عمرو ابن صُبيح الصيداويّ وأسد بن مالك.

            جعفر بن عقيل

            ثمّ خرج من بعده جعفر بن عقيل ، وهو [ يرتجز و ] (٤) يقول :
            أنا الغلام الأبطحيّ الطالبيّ من معشر في هاشم وغالبِ
            ونحن حقّاً سادة الذوائبِ هذا (٥) حسين أطيب الأطائبِ
            * من عترة البرّ التقيّ العاقبِ *فقتل خمسة عشر فارساً ، ثمّ قتله بشر بن سوط الهمداني (٦).ثمّ خرج من بعده أخوه عبد الرحمان بن عقيل ، وهو يقول :
            أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشمٍ وهاشمٌ إخواني


            ________
            ١ ـ في البحار : يودّع.٢ ـ في المقتل : كقوم.٣ و ٤ ـ من البحار.٥ ـ في المقتل : فينا.٦ ـ ذكر في وقعة الطفّ : ٢٤٧ أنّ قاتله عمرو بن صبيح الصُدّائي.وفي ذوب النضار : ١٢٢ : عمرو بن صُبيح الصيداويّ طلبه المختار رحمه‌الله فأتوه وهو على سطحه بعد ما هدأت العيون ، وسيفه تحت رأسه ، فأخذوه وسيفه ، فقال : قبّحك الله من سيف ، ما أبعدك على قربك؟! فجيء به إلى المختار ، فلمّا كان من الغداة طعنوه بالرماح حتّى مات.

            كهول صدق سادة الأقرانِ هذا حسين شامخ البنيانِ
            وسيّد الشيب مع الشبّان (١)فقتل سبعة عشر فارساً ، ثمّ قتله عثمان بن خالد (٢) الجهنيّ.

            محمد بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب

            وخرج من بعده محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وهو يقول :
            نشكو إلى الله من العدوان قتال (٣) قوم في الردى عميان
            قد تركوا معالم القرآنِ ومحكم التنزيل والبيانِ (٤)
            * وأظهروا الكفر مع الطغيانِ *ثمّ قاتل حتّى قتل عشرة أنفس ، ثمّ قتله عامر بن نهشل التميمي.

            عون بن عبدالله بن جعفر


            ثمّ خرج من بعده عون بن عبد الله بن جعفر ، وهو يقول :
            إن تنكروني فأنا ابن جعفرِ شهيد صدق في الجنان أزهرِ
            يطير فيها بجناح أخضرِ كفى بهذا شرفاً في المحشر
            ثمّ قاتل حتّى قتل من القوم ثلاثة فوارس وثمانية عشر رجلاً ، ثمّ قتله عبد الله بن قُطبة الطائي.


            ________
            ١ ـ روى الرجز الأخير في المقتل هكذا :
            فينا حسين سيّد الأقران وسيّد الشباب في الجنان
            ٢ ـ ذكر في وقعة الطفّ : ٢٤٧ أنّ عثمان بن خالد بن أسير الجهنّي وبشر بن حوط القابضي الهمداني اشتركا في قتل عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، واشتركا في سلبه. وهما كانا في الجبانة فأخذهما المختار رحمه‌الله فضرب أعناقهما ، ثمّ أحرقهما بالنار ، انظر : ذوب النضار : ١١٨.٣ ـ في المقتل : فعال.٤ ـ في البحار : والتبيان.وروى الرجز الأخير في المقتل هكذا :
            قد تركوا معالم القرآن وأظهروا الكفر مع الطغيان
            القاسم بن الحسن (عليه السلام)

            ثمّ خرج من بعده القاسم بن الحسن عليه‌السلام وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلمّا نظر الحسين عليه‌السلام إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غشي عليهما ، ثمّ استأذن الحسين عليه‌السلام في المبارزة ، فأبى الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، وهو يقول :
            إن تنكروني فأنا فرع الحسن سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن
            هذا حسين كالأسير المرتهن بين اُناس لاسُقوا صوب المزن
            وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالاً شديداً حتّى قتل ـ على صغره ـ خَمسة وثلاثين رجلاً.قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما.فقال عمرو بن سعد الأزديّ : والله لأشدّنّ عليه.فقلت : سبحان الله! وما تريد بذلك؟ والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيك هؤلاء الّذين تراهم قد احتوشوه.قال : والله لأفعلنّ ، فشدّ ، فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه ، ونادى : يا عمّاه.قال : فجاءه الحسين كالصقر المنقضّ فتخلّل الصفوف ، وشدّ شدّة الليث الحرب فضرب عمراً قاتله بالسيف ، فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق ، فصاح
            فتنحّى عنه ، وحملت [ خيل ] (١) أهل الكوفة فاستنقذوه من يد الحسين ، فوقف الحسين على رأس الغلام وهو يفحص [ برجليه ] (٢) ، فقال الحسين : يعزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك ولا ينفعك (٣) ، بعداً لقوم قتلوك.ثمّ احتمله ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يصنع؟ فجاء حتّى ألقاه بين (٤) القتلى من أهل بيته.ثمّ قال : اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً ، صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

            عبدالله بن الحسن (عليه السلام)

            ثمّ خرج عبد الله بن الحسن وهو يقول :
            إن تنكروني فأنا ابن حيدره ضرغام آجام وليث قسوره
            على الأعادي مثل ريح صرصره [ أكيلكم بالسيف كيل السندره ] (٥)
            فقَتَل أربعة عشر رجلاً ، ثمّ قَتَله هانىء بن ثُبيت الحضرمي لعنه الله فاسودّ وجهه.


            _______
            ١ ـ من المقتل والبحار.٢ و ٥ ـ من المقتل.٣ ـ في المقتل والبحار : فلا يُعينك.٤ ـ في المقتل : مع.

            مقتل أولاد علي (عليه السلام)

            عبيدالله بن علي (ع) (أبو بكر)

            ثمّ تقدّم إخوة الحسين عليه‌السلام عازمين على أن يموتوا دونه ، فأوّل من خرج منهم أبوبكر بن عليّ ، واسمه عبيد الله (١) ، واُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعيّ التميميّة ، فتقدّم ، وهو يرتجز ويقول :
            شيخي عليّ ذوالفخار الأطول من هاشم الصدق الكريم المفضل
            هذا حسين بن النبيّ المرسل عنه نحامي (٢) بالحسام المصقل
            تفديه نفسي من أخ مبجّل [ يا ربّ فامنحني ثواب المجزل ] (٣)
            فلم يزل يقاتل حتّى قَتَله زَحْرُ بن بدر (٤) النخعي ، وقيل : عبد الله بن عتبة الغنويّ.
            عمر بن علي(ع)

            ثم برز من بعده أخوه عمر بن عليّ ، وهو يقول :
            أضربكم ولا أرى فيكم زُحَر ذاك الشقيّ بالنبيّ قد كفر
            يازحر يازحر تدان من عمر لعلّك اليوم تبوء من سقر
            شرّ مكان في حريق وسعر لأنّك الجاحد ياشرّ البشر
            ثمّ حمل على زحر قاتل اخيه فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضرباً منكراً وهو يقول :
            خلّوا عداة الله خلّوا عن عمر خلّوا عن الليث العبوس المكفهر
            يضربكم بسيفه ولا يفرّ وليس فيها (٥) كالجبان المنحجر


            ________
            ١ ـ كذا في البحار ، وفي الأصل والمقتل : عبد الله.٢ ـ في المقتل : نذود عنه.٣ ـ من المقتل.٤ ـ في المقتل : قيس.٥ ـ في المقتل : يغدو.



            فلم يزل يقاتل حتّى قُتِل.

            عثمان بن علي(ع)

            ثمّ خرج من بعده أخوه عثمان بن عليّ ، واُمّه اُمّ البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب ، وهو يقول :
            إنّي أنا عثمان ذو المفاخر شيخي عليّ ذو الفعال الظاهر
            وابن عمّ للنبيّ الطاهر أخي حسين خيرة الأخائر
            وسيدّ الكبار والأصاغر بعد الرسول فالوصيّ الناصر (١)
            فرماه خَوَليّ بن يزيد الأصبحي على جنبه (٢) فسقط عن فرسه ، وحزّ (٣) رأسه رجل من بني أبان بن حازم فقَتَله.

            جعفر بن علي(ع)

            ثمّ برز من بعده أخوه جعفر بن عليّ ، واُمّه اُمّ البنين أيضاً ، وهو يقول :
            إنّي أنا جعفر ذو المعالي ابن (٤) عليّ الخير ذوالنوالِ
            حسبي بعمّي شرفاً وخالي أحمي حسيناً ذي الندى المفضالِ (٥)
            ثمّ قاتل فرماه خوليّ الأصبحي (٦) فأصاب شفيته أو عينه (٧).

            ______
            ١ ـ بدل قوله : « وابن عمّ ... فالوصيّ الناصر » في المقتل :
            صنو النبيّ ذي الرشاد السائر ما بين كلّ غائب وحاضر
            ٢ ـ في البحار : جبينه.٣ ـ في البحار : وجزّ.٤ ـ في المقتل : نجل.٥ ـ روى هذا الرجز في المقتل هكذا :
            أحمي حسيناً بالقنا العسال وبالحسام الواضح الصقال
            ٦ ـ ذكر في تسمية مَنْ قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٤٩رقم ٣ ان قاتله هانىء بن ثُبّيت الحضرمي.٧ ـ في « ح » روى سلمان الفارسي قال : كان سيّدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام يحدّثنا كثيراً بالأشياء المغيّبات الّتي تحدث على مرور السنين والأوقات ، وانّه كان يوم الجمعة

            عبدالله بن علي(ع)

            ثمّ برز أخوه عبد الله بن عليّ [ وأُمّه اُمّ البنين أيضاً ] (١) وهو يقول :
            أنا ابن ذي النجدة والإفضال ذاك عليّ الخير ذو (٢) الفعال
            سيف رسول الله ذو النكال في كلّ قوم ظاهر الأهوال (٣)
            فقتله هانىء بن ثُبَيت الحضرمي (٤).


            العباس بن علي(ع)

            و كان العباس (٥) السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه

            ____يخطب على منبره في مسجد الكوفة فقال في خطبته : أيّها الناس ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لاتسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ نبّأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.قال : فقام إليه رجل فاجر فاسق ، وقال : يا عليّ ، اخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟فقال له الإمام عليه‌السلام : لقد أخبرني بسؤالك هذا ابن عمّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونبّأني بما سألت عنه ، وانّه على كلّ طاقة شعر من شعر رأسك ولحيتك شيطاناً يلعنك ويلعن ولدك ونسلك ، وانّ لك ولداً رجساً ملعوناً يقتل ولدي وفرخي وقرّة عيني الحسين عليه‌السلام ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت وولدك بريئان من الايمان ، ولولا أنّ الّذي سألتني عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن حسبك فيما نبّأتك به من لعنك ورجسك وولدك الملعون الّذي يقتل ولدي ومهجة قلبي الحسين عليه‌السلام.قال : وكان له ولد صغير في ذلك الوقت ، فلمّا نشأ وكبر وكان من أمر الحسين عليه‌السلام ما كان نما الصبيّ وتجبّر وتولّى قتل الحسين عليه‌السلام.وقيل : إنّ ذلك الصبي كان اسمه خوليّ بن يزيد الأصبحي ، وهو الّذي طعن الحسين عليه‌السلام برمحه فخرج السنان من ظهره فسقط الحسين عليه‌السلام على وجهه يخور في دمه ويشكو إلى ربه. « فخر الدين صاحب مجمع البحرين » [ المنتخب : ١٦٥ ].١ ـ من المقتل.٢ ـ في المقتل : في.٣ ـ في المقتل : وكاشف الخطوب والأهوال.٤ ـ ذكر في تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٤٩ رقم ٤ : رماه خوليّ بن يزيد الأصبحي بسهم ، وأجهز عليه رجل من بني تميم بن أبان بن دارم.٥ ـ ما يتعلّق بمصرع العبّاس بن عليّ عليه‌السلام والأرجاز نقله المؤلّف رحمه‌الله من


            السلام ، وهو أكبر الاخوان ، مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم ، وجعل يقول :
            لا أرهب الموت إذا الموت رقى حتى اُواري في المصاليت (١) لقى
            نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا
            * ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى *ففرّقهم ، فكمن له زيد بن ورقاء (٢) من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه ، فأخذ السيف بشماله وحمل ، وهو يرتجز :
            والله إن قطعتم يميني انّي اُحامي أبداً عن ديني
            وعن إمام صادق اليقين نجل النبيّ الطاهر الأمينِ
            فقاتل حتّى ضعف ، فكمن له الحكيم (٣) بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله ، فقال :
            يا نفس لا تخشي من الكفّار وأبشري برحمة الجبّار
            مع النبيّ السيّد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري
            فأصلِهم يا ربِّ حرَّ النار

            _________
            مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٠٨.١ ـ المصلات : الشجاع ، الماضي في الحوائج.٢ ـ الصحيح : زيد بن رقاد. انظر : تسمية مَن قتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٤٩ رقم ٢.٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : الحكم.


            فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله ، فلمّا رآه الحسين عليه‌السلام صريعاً على شاطىء الفرات بكى ، وأنشأ :
            تعدَّيتم شرَّ قوم ببغيكم وخالفتموا (١) قول (٢) النبيّ محمد
            أمّا كان خير الرسل أوصاكم بنا؟ أمّا نحن من نجل (٣) النبيّ المسدّد؟
            [ أمّا كانت الزهراء اُمّي دونكم؟ أمّا كان من خير البرّية أحمد؟ ] (٤)
            لعنتم واُخزيتم بما قد جَنيتم فسوف تلاقوا حرَّ نار توقّدِ
            ولمّا قُتل العبّاس قال الحسين عليه‌السلام : الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي.

            مقتل اولاد الحسين (عليه السلام)

            علي بن الحسين (ع) (الأكبر)

            قال : تقدّم عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، واُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، ورفع الحسين سبّابته (٥) نحو السماء وقال : اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله نظرنا إلى وجهه ، اللّهمّ امنعهم بركات الأرض ، وفرّقهم

            ____________
            ١ ـ في المناقب : بفعلكم ... وخالفتم.٢ ـ في البحار : دين.٣ ـ في المناقب : نسل.٤ ـ من المناقب والبحار.٥ ـ في المقتل : شيبته.

            تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ، ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا.ثمّ صاح الحسين بعمر بن سعد : مالك؟ قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ رفع الحسين عليه‌السلام صوته وتلا : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلىَ الْعَّالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١).ثمّ حمل عليّ بن الحسين على القوم ، وهو يقول :
            أنا عليّ بن الحسين بن عليّ من عصبة جدّ أبيهم النبيّ (٢)
            والله لا يحكم فينا ابن الدعيّ أطعنكم بالرمح حتّى ينثني
            أضربكم بالسيف أحمي عن أبي (٣) ضرب غلام هاشميّ علويّ
            فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ الناس من كثرة من قَتَل منهم ، وروي أنّه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً ، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبة ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟

            _______
            ١ ـ سورة آل عمران : ٣٣ و٣٤.٢ ـ في المقتل : نحن وبيت الله اولى بالنبيّ.٣ ـ في المقتل : حتّى يلتوي.
            فبكى الحسين عليه‌السلام ، وقال : يا بنيّ ، يعزّ على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعليَّ (١) أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.يا بنيّ ، هات لسانك ، فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه ، وقال : أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوّك فإنّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً ، فرجع عليه‌السلام إلى القتال ، وهو يقول :
            الحرب قد قامت (٢) لها الحقائق وظهرت من بعدها مصادق
            والله ربّ العرش لا نفارق جموعكم أو تُغمد البوارق
            فلم يزل يقاتل حتّى قَتَل تمام المائتين ، ثمّ ضربه مرّة بن مُنقِذ (٣) العبدي لعنه الله على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثمّ اعتنق عليه‌السلام فرسه ، فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.فلمّا بغلت الروح (٤) التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه ، هذا جدّي رسول

            ______________١ ـ في المقتل : وعلى أبيك.٢ ـ في المقتل والبحار : بانت.٣ ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل والمقتل والبحار : منقذ بن مرّة.وهو مرّة بن منقذ بن النعمان الكندي. انظر : تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٥٠ رقم ٨.٤ ـ في المقتل : روحه

            لله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول [ لك ] (١) : العجل العجل ، فإنّ لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة. فصاح الحسين عليه‌السلام وقال : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الله (٢) وعلى رسوله ، وعلى انتهاك حرمة الرسول؟! على الدنيا بعدك العَفا. قال حميد بن مسلم : فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول : يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، ويا نور عيناه ، فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت عليّ عليه‌السلام ، وجاءت وانكبّت عليه فجاء [ إليها ] (٣) الحسين فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط ، وأقبل عليه‌السلام بفتيانه وقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه، فجاءوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه(٤). قال : وخرج غلام من تلك الأبنية وفي اذنيه درّتان (٥) ، وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً ، فحمل عليه هانىء بن ثُبَيت لعنه الله ، فقتله ، فصارت شهربانوا تنظر إليه ولا تتكلّم كالمدهوشة.
            ثم التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحداً من الرجال ، والتفت [ عن ] (٦)




            __________________١ و ٣ ـ من المقتل.٢ ـ في البحار : الرحمن.٤ ـ في « ح » فنظر الحسين بطرفه إلى السماء وقال : اللّهمّ أنت الشاهد على القوم الّذين قتلوا أشبه الخلق بنبيّك.
            والله مالي أنيس بعد فرقتكم إلاّ البكاء وقرع السن من ندمي
            ولا ذكرت الّذي أيد الزمان لكم إلاّ جرت أدمعي ممزوجة بدم
            ٥ ـ في المقتل : قرطان.٦ ـ من البحار.

            يساره فلم ير أحداً ، فخرج عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، وكان مريضاً لا يقدر أن يقلّ سيفه ، واُمّ كلثوم تنادي خلفه : يا بنيّ ، ارجع.فقال : يا عمّتاه ، ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله.وقال الحسين عليه‌السلام : يا اُمّ كلثوم ، خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .ولمّا فجع الحسين عليه‌السلام بأهل بيته وولده ، ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ [ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا ] (١)؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل

            عبدالله بن الحسين (ع)

            فتقدّم صلوات الله عليه إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني عليّاً(عبدالله ) ابني الطفل حتّى اودّعه ، فناولوه الصبيّ ، فجعل يقبّله وهو يقول : ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله خصمهم ، والصبيّ في حجره ، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسديّ لعنه الله بسهم فذبحه في حجر الحسين ، فتلقّى الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه ، ثمّ رمى به إلى السماء فما رجع منه شيء ، ثمّ قال : لا يكون أهون عليك من فصيل ، اللّهمّ إن كنتَ حبستَ عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا. (٢)

            _______
            ١ ـ من المقتل.٢ ـ في « ح » ونقل انّه لمّا قُتل العبّاس تدافعوا الرجال على الحسين عليه‌السلام وأصحابه ، فلمّا نظر ذلك منهم نادى بالقوم : أمّا من مجير يجيرنا؟ أمّا من مغيث يغيثنا؟ أمّا من طالب حقّ ينصرنا؟ أمّا من خائف من النّار يذبّ عنّا؟ أمّا من أحدٍ يأتينا بشربة من الماء لهذا الطفل الصغير فإنّه لا يطيق الظمأ؟فقام إليه ولده الأكبر شبيه الرسول ، فقال : أنا أتيك بالماء يا سيّدي.

            Comment

            • راية اليماني
              مشرف
              • 05-04-2013
              • 3021

              #7
              رد: راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

              الساعات الأخيرة
              ارتجاز الإمام الحسين(ع)

              ثمّ قام الحسين عليه‌السلام وركب فرسه وتقدّم إلى القتال ، وهو يقول :
              كفر القوم وقدماً رغبوا عن ثواب الله ربّ الثقلين
              قتل (١) القوم عليّاً وابنه حسن الخير كريم الأبوينِ
              حنقاً منهم وقالوا أجمعوا واحشروا الناس إلى حرب الحسين
              [ يا لقوم من اُناس رُذّل جمع الجمع لأهل الحرمين ] (٢)
              ثمّ ساروا وتواصوا كلّهم باجتياحي لرضاء الملحدينِ
              لم يخافوا الله في سفك دمي لعبيد الله نسل الكافرينِ
              وابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف الهاطلين (٣)
              لا لشيء كان منّي قبل ذا غير فخري بضياء النيرّينِ
              بعليّ الخير من بعد النبيّ والنبيّ القرشيّ الوالدين
              خيرة الله من الخلق أبي ثمّ اُمّي فأنا ابن الخيّرين
              فضّة قد خلصت من ذهبٍ فأنا الفضّة وابن الذهبينِ
              مَن له جد كجدي في الورى أو كشيخي فأنا ابن العلمينِ


              _________
              فقال : امض بارك الله فيك.قال : فأخذ الركوة بيده واقتحم الشريعة وملأ الركوة فأقبل بها نحو أبيه عليه‌السلام وقال : الماء طلبت ، يا أبي ، اسق أخي الصغير فإنّه لا يطيق العطش ، فإن بقي شيء فصبّه عليَّ ، فإنّي والله عطشان.فبكى الحسين عليه‌السلام من قوله وأجلس ولده الصغير على فخذه وأخذ الركوة وقرّبها إلى فمه ، فلمّا همّ وأراد أن يشرب الطفل الماء أتاه سهم مسموم فوقع في حلقه فذبحه قبل أن يشرب من الماء شيئاً ، فبكى الحسين عليه‌السلام ورمى الركوة من يده ، الفخري مؤلّف مجمع البحرين. [ المنتخب : ٤٤٣ ].١ ـ في البحار : قتلوا.٢ ـ من البحار.٣ ـ يقال : وكف البيت بالمطر : تقاطر وسال قليلاً ، والهطل : تتابع المطر والدمع وسيلانه.

              فاطم الزهراء اُمّي وأبي قاصم الكفر ببدر وحنينِ
              عَبَدَالله غلاماً يافعاً وقريش يعبدون الوثنين
              يعبدون اللات والعزّى معاً وعليّ كان صلّى القبلتين
              وأبي شمس واُمّي قمر فأنا الكوكب وابن القمرين
              وله في يوم اُحد وقعةٍ شفت الغل بفضّ العسكرين
              ثمّ في الأحزاب والفتح معاً كان فيها حتف أهل الفيلقينِ
              في سبيل الله ماذا صَنَعَتْ اُمّة السوء معاً بالعترتين
              عترة البرّ النبيّ المصطفى وعليّ القرم (١) يوم الجحفلين (٢)
              ثمّ وقف صلوات الله عليه قبالة القوم وسيفه مُصلت في يده آيساً من الحياة ، عازماً على الموت ، وهو يقول :
              أنا ابن عليّ الطهر (٣) من آل هاشم كفاني بهذا مفخراً حين أفخر
              وجدّي رسول الله أكرم من مضى ونحن سراج الله في الأرض (٤) نزهر
              وفاطم اُمّي من سلالة أحمد (٥) وعمّي يدعى ذو الجناحين جعفر


              _________
              ١ ـ في البحار : الورد.٢ ـ انظر الأبيات أيضاً في : الاحتجاج : ٣٠١ ، الفتوح لابن أعثم : ٥/٢١٠ ، مطالب السؤول : ٢/٢٩ ، كشف الغمّة : ٢/٢٧ ، عبرات المصطفين : ٢/٩٣.٣ ـ في المقتل : الخير.٤ ـ في البحار : الخلق.٥ ـ في المقتل : وفاطمة اُمّي ابنة الطهر أحمد.

              وفينا كتاب الله اُنزل صادقاً (١) وفينا الهدى والوحي بالخير بذكر
              ونحن أمان الله للناس (٢) كلّهم نسرّ بها في الأنام ونجهرُ
              ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا بكأس رسول الله ما ليس ينكرُ (٣)
              وشيعتنا في الناس أكرم شيعة (٤) ومبغضنا يوم القيامة يخسر
              وذكر أبو عليّ السلاميّ في تاريخه أنّ هذه الأبيات للحسين عليه‌السلام من إنشائه ، وقال : وليس لأحد مثلها :
              وإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة فإنّ ثواب الله أعلى وأنبلُ
              وإن تكن الأبدان للموت اُنشئت فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل
              وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً فقلّة سعي المرء في الكسب أجملّ
              وإن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرؤ يبخلُ؟


              ____________
              ١ ـ في المقتل : صادعاً.٢ ـ في المقتل : في الخلق.٣ ـ في المقتل : نسقي محبّتنا ... بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر.٤ ـ في المقتل : فيسعد فينا في القيام محبّنا.

              [ سأمضي وما بالقتل عار على الفتى إذا في سبيل الله يمضي ويقتل ] (١)
              ثمّ إنّه عليه‌السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال ، حتّى قتل منهم مقتلة عظيمة.ثمّ (٢) حمل عليه‌السلام على الميمنة وقال :
              الموت خير من ركوب العار [ والعار أولى من دخول النّار ] (٣)
              ثمّ على الميسرة ، وهو يقول :
              أنا الحسين بن عليّ آلـيـت ألاّ انـثـني
              أحمي عيـالات أبي أمضي على دين النبيّ
              ولم يزل يقاتِل حتّى قَتَل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين.فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فاحملوا عليه من كلّ جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف ترمية بالسهام فحالوا بينه وبين رحله.فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعراباً.

              _______
              ١ ـ من المقتل.٢ ـ من هنا إلى قوله : « من كلّ جانب » نقله المؤلّف رحمه‌الله من مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١٠.٣ ـ من المناقب.

              فناداه شمر ، فقال : ما تقول ، يا ابن فاطمة؟قال : أقول : انّا الّذي اُقاتلكم وتقاتولني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عُتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.فقال شمر : لك هذا ، ثمّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل ، فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفو كريم.

              قتال الإمام الحسين(ع)

              قال : فقصدوه القوم وهو في ضمن ذلك يطلب شربة ماء ، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه أجمعهم حتّى أحالوه (١) عنه ، ثمّ رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفي لعنه الله بسهم ، فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته ، فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال صلوات الله عليه ، اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة ، اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً.ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلّا بعجه بسيفه فقتله ، والسهام آخذة له من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره ، ويقول : يا اُمّة السوء ، بئسما خلّفتم محمّداً في عترته ، أمّا إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي ، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم ، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني ، فقال : وبماذا ينتقم لك منّا؟قال : يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثمّ يصّب عليكم العذاب__________________١ ـ في المقتل : أجلوه.

              الأليم.ثمّ لم يزل يقال حتّى أصابته جراحات عظيمة.وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، قال : وجد بالحسين عليه‌السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة.وقال الباقر عليه‌السلام : اُصيب الحسين عليه‌السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح ، وضرب بسيف ، ورمية بسهم.وفي رواية : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعة كالشوك في جلد القُنفذ ، وروي أنّها كانت كلّها في مقدّمته.وهذا الروايات رواها الشيخ الثقة رشيد الدين بن شهراشوب المازندراني رضي الله عنه في كتابه المناقب. (١)فوقف صلوات الله عليه يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب (٢) ليمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدّد مسموم ، له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره (٣) ، فقال الحسين عليه‌السلام : بسم الله ، وبالله ، وعلى ملّة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره ، ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على____________١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/ ١١٠ ـ ١١١ ، عنه البحار : ٤٥ / ٥٢ ، وعوالم العلوم : ١٧/ ٢٩٥.٢ ـ كذا في المقتل والبحار ، وهو الصحيح ، وفي الاصل : التراب٣ ـ في المقتل : قلبه

              الجرح ، فلمّا امتلأت [ دماً ] (١) رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين عليه‌السلام بدمه إلى السماء ، ثمّ وضع يده ثانياً ، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا أكون حتّى ألقى جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله ، قتلني فلان وفلان.ثمّ ضعف عليه‌السلام عن القتال فوقف ، فكلّما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه انصرف عنه [ وكره أن يلقى الله بدمه ] (٢) ، حتّى جاء رجل من كندة يقال له مالك بن النُّسَير (٣) لعنه الله فضربه بالسيف على رأسه ، وعليه بُرنُس (٤) فقطع البرنس فامتلأ دماً.فقال له الحسين عليه‌السلام : لا أكلت بها ولا شربت (٥) ، وحشرك الله مع الظّالمين ، ثمّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها وقد أعيى ، وجاء الكنديّ وأخذ البرنس ، وكان من خزّ ، فلمّا قدم [ به ] (٦) بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه ، فقالت له امرأته ، أتدخل بيتي سلب ابن رسول الله؟ اخرج عنّي حشى الله قبرك ناراً ، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوء حال ويبست يداه ، وكانتا في الشتاء ينضحان دماً ، وفي الصيف يصيران يابستين كأنّهما__________________١ و ٢ و ٦ ـ من المقتل.٣ ـ كذا ضبطه في الكامل في التاريخ : ٤/٧٥ ، لكنّه عاد وسمّاه مالك بنَ بشير البدّي ، وذلك في ص ٢٣٩ حينما أحضره المختار رحمه‌الله فأمر بقطع يديه ورجليه وتُرك يضطرب حتّى مات.وفي المقتل والملهوف : النسر ، وفي والأصل : البشير ، وفي البحار : اليسر.٤ ـ البرنس : القلنسوة الطويلة.٥ ـ في المقتل : لا أكلت بيمينك ولا شربت بها.

              عودان.ولمّا ضعف عليه‌السلام نادى شمر لعنه الله : ما وقوفكم؟ وما تنتظرون بالرجل؟ قد أثخنته الجراح والسهام ، احملوا عليه ثكلتكم اُمّهاتكم ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فرماه الحصين بن تميم في فيه ، وأبو أيّوب الغنويّ بسهم في حلقه ، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه اليسرى ، وعمر بن خليفة الجعفي على حبل عاتقه ، وطعنه صالح بن وهب المزنيّ في جنبه ، وكان قد طعنه سنان (١) بن أنس النخعي في صدره ، فوق صلوات الله عليه على الأرض على خدّه الأيمن ، ثمّ استوى جالساً ونزع السهم من حلقه (٢).

              قتل الامام الحسين (عليهما السلام)

              ثمّ دنا عمر بن سعد من الحسين عليه‌السلام.قال حميد : وخرجت زينب بنت عليّ عليه‌السلام وقُرطاها يجولان بين اُذنيها ، وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض ، يا عمر بن سعد : أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته ، وهو يصرف وجهه عنها ، والحسين عليه‌السلام جالس وعليه جبّة خزّ ، وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ما تنتظرون به؟ اقتلوه ثكلتكم اُمّهاتكم ، فضربه زُرعة بن شريك فأبان كفّه اليسرى ، ثمّ ضربه على عاتقه ، ثمّ انصرفوا عنه ، وهو يكب مرّة ويقوم اُخرى.فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه ، وقال لخوليّ بن يزيد : اجتزّ رأسه ، فضعف وارتعدت يده ، فقال له سنان : جبّ (٣) الله عضدك ،____________١ ـ كذا في المقتل والبحار ، وفي الأصل : سفيان ، وهو تصحيف.٢ ـ في المقتل : نحره.٣ ـ في المقتل والبحار : فتّ.

              وأبان يدك ، فنزل إليه شمر (١) لعنه الله ، وكان اللعين أبرص ، فضربه برجله فألقاه على قفاه ، ثمّ أخذ بلحيته ، فقال الحسين عليه‌السلام : أنت [ الكلب ] (٢) الأبقع الّذي رأيتك في منامي.فقال : اتشبّهني بالكلاب؟ ثمّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه‌السلام. (٣)وقيل : لمّا جاء شمر والحسين عليه‌السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش ، فطلب الماء فرفسه شمر لعنه الله برجليه ، وقال : يا ابن أبي تراب ، ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه؟ فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده ، ثمّ جلس على صدره.فقال له الحسين عليه‌السلام : أتقتلني ولا تعلم من أنا؟فقال : أعرفك حقّ المعرفة ؛ اُمّك فاطمة الزهراء ، وأبوك عليّ المرتضى ، وجدّك محمد المصطفى ، وخصمك العليّ الأعلى ، أقتلك ولا اُبالي ، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ، ثمّ جزّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه ، ولعن الله قاتله ومقاتليه اجمعين.

              سلب الإمام الحسين (ع) و عياله

              ثمّ سلبوه (٤) عليه‌السلام لباسه وجميع ما كان عليه ؛ فأخذ عمامته جابر ابن يزيد الأزدي ، وقميصه إسحاق بن حيوة (٥) ، وثوبه جعونة بن حوبة____________١ ـ في المقتل : فنزل إليه نصر بن خرشة الضبابي ، وقيل : بل شمر.٢ ـ من المقتل : وفيه « رأيته » بدل « رأيتك ».٣ ـ من قوله : « ولمّا قتل أصحاب الحسين » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٣٢ ـ ٥٦ عن كتابنا هذا.٤ ـ انظر في أسماء من سلبه عليه‌السلام : مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١١.٥ ـ كذا في الكامل : ٤/٨٠ ووقعة الطفّ : ٢٥٥ ، وفي الأصل غير مقروءة ، وفي الملهوف :

              الحضرمي، وقطيفته من خزّ قيس بن الأشعث الكندي ، وسراويله بحير بن عمرو الجرمي(١)وكان عليه‌السلام قد قال لأهله : ائتوني بثوب لا يُرغب فيه لئلّا اُسلبه ، فأتوه بتبان ، فقال : هذا من لباس أهل الذمة ، فأتوه بسراويل أوسع منه فسلبوه إيّاها ، سلبها [ بحير بن ] (٢) عمرو المذكور ؛ وقيل : أخذها بحر بن كعب التميمي ، وأخذ القوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي وهانىء بن ثُبيت الحضرمي وجرير بن مسعود الحضرمي ، ونعليه الأسود الاوسي ، وسيفه رجل من بني نهشل بن دارم (٣) ؛ وقيل : الأسود بن حنظلة ، فأحرقهم المختار رضي الله عنه بالنار ، ثمّ مال الناس على الورس والأمتعة والإبل فانتهبوها ، ثمّ تسابقوا على نهب بيوت آل الرسول حتّى كانوا ينزعون ملحفة المرأة عن رأسها وظهرها.وعن فاطمة بنت الحسين قالت : لمّا دخلت العامّة علينا بالنهب دخل رجل وأنا صغيرة وفي رجليّ خلخالان فنزعهما من رجلي وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟فقال : وكيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله؟!فقلت : لا تسلبني.فقال : أخاف أن يأخذه غيري.__________________حوبة ، وفي البحار : حُويّة.١ ـ في الكامل : ٤/٧٧ و٧٨ ووقعة الطفّ : ٢٥٥ والملهوف : بحر بن كعب التيمي ، وفي البحار : أبجَر بن كعب التيمي.٢ ـ أثبتناه للضرورة.٣ ـ في المقتل : نهشل من بني دارم.

              وقال حميد بن مسلم : انتهيت إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام وهو مضطجع على فراش له وهو مريض ، وإذا شمر معه رجل يقول : ألا نقتل هذا الصبيّ؟قال: سبحان الله! ما معنى قتل الصبيان؟ فما زال دأبي كذلك أدفع عنه حتّى جاء عمر بن سعد ، فقال : لا يدخلنّ أحد بيوت هذه النسوة ، ولا يتعرّض لهذا الغلام أحد ، ومن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه ، فوالله ما ردّ أحد شيئاً غير انّهم كفّوا.فقال لي عليّ بن الحسين عليه‌السلام : جزيت خيراً فقد دفع الله عنّا ـ بمقالتك ـ أشرار الناس. (١)ولمّا دخل الناس بعد قتل الحسين الفسطاط ـ فسطاط النساء ـ للنهب أقبلت امرأة من عسكر ابن سعد كانت مع زوجها ، فلمّا اقتحم الناس الفسطاط وأقبلوا يسلبون النساء أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط ، ونادت : يا آل بكر ابن وائل ، أتسلب بنات رسول الله؟ يا لثارات رسول الله ، فأخذها زوجها فردّها إلى رحله.ثمّ أمر ابن سعد بإخراج النساء من الخيمة وأضرموا فيها النّار ، فخرجن حواسر مسلّبات حافيات باكيات ، يمشين سبايا في أسر الذلّة.قال بعض من شهد الوقعة : ما رأيت مكثوراً (٢) قطّ قتل ولده وإخوته وبنو عمّه ، وأهل بيته وأنصاره أربط جأشاً ، ولا أمضى جناناً ما رأيت قبل ولا بعده____________١ ـ في المقتل : شرّ هؤلاء.٢ ـ المكثور : المغلوب.

              وطأ الخيول

              مثله ـ أعني الحسين عليه‌السلام ـ لقد رأيت الرجال تنكشف عنه انكشاف المعزى إذا عاث (١) فيها الذئب.ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه الله نادى : من ينتدب للحسين فيطأه بفرسه (٢)؟ فانتدب له عشرة نفر ، منهم : أخنس بن مرثد الحضرمي ، وهو القائل (٣) :
              نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكلّ يعبوب شديد الأسر
              [ حتّى عصينا الله ربّ الأمر بصنعنا مع الحسين الطهر ] (٤)
              وقال عمر بن سعد لعنه الله : بهذا أمر الأمير عبيدالله.قال الراوي (٥) : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم أولاد زنا ، وهؤلاء أخذهم المختار رضي الله عنه وشدّ أيديهم وأرجلهم بسكك من حديد ، ثمّ أوطأهم الخيل حتّى ماتوا.وأقام عمر بن سعد يومه ذاك بعد الواقعة إلى الغد ، فجمع قتلاه فصلّى عليهم ودفنهم ، وترك الحسين وأصحابه منبوذين بالعراء ، فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة وتركوهم على تلك الحال عمد أهل الغاضريّة من بني أسد فصلوا عليهم ودفنوهم. (٦)____________١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : غارت.٢ ـ في المقتل : فيوطئة فرسه.٣ ـ نسب الرجز في الملهوف : ١٨٣ إلى أسيد بن مالك.٤ ـ من المقتل.٥ ـ هو أبو عمرو الزاهد : انظر في ترجمته : وفيات الأعيان : ١/٥٠٠ ، تاريخ بغداد : ٢/٣٥٦ ، الأعملام للزركلي : ٦/٢٥٤.٦ ـ من قوله : « وأقام عمر بن سعد يومه » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٦٢ عن كتابنا هذا. وكذا البحراني في عوالم العلوم : ١٧/٣٠٦.

              وابتلى الله سبحانه الّذين أخذوا سلب الحسين عليه‌السلام كلّ واحد منهم ببلاء ، فالّذي أخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فلبسها فصار زمناً مقعداً ، والذي أخذ عمامته وهو جابر بن يزيد فصار مجذوماً ، والّذي أخذ درعه مالك بن نسير صار معتوهاً ، والذي أخذ خاتمه وهو بجدل بن سليم الكلبي وقطع اصبعه عليه‌السلام مع الخاتم أخذه المختار وقطع يديه ورجليه وتركه يتشحّط بدمه حتّى مات. (١)وارتفعت في السماء ـ في تلك الساعة الّتي قتل فيها صلوات الله عليه وآله ـ غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم.وقتل صلوات الله عليه (٢) يوم عاشوراء عاشر المحرّم الحرام سنة إحدى وستّين من الهجرة ، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستّة أشهر ونصف.قال : وأقبل فرس الحسين عليه‌السلام وقد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه‌السلام ، ثمّ أقبل يركض نحو خيمة النساء ، وهو يصهل ويضرب الأرض برأسه عند الخيمة حتّى مات. (٣)
              ____________١ ـ انظر ذوب النضار : ١٢٣.٢ ـ زاد في المقتل : باتّفاق الرواة ، وفي البحار : باتّفاق الروايات.٣ ـ من قوله : « وقُتل صلوات الله عليه يوم عاشوراء » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٦٠ عن كتابنا هذا. وكذا البحراني في عوالم العلوم : ١٧/٣٠٤.

              قطع الرؤوس

              ثم إنّ عمر بن سعد لعنه الله سرح (٢) برأس الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء ـ يوم قتل فيه عليه‌السلامـ مع خوليّ بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأسدي إلى ابن زياد لعنه الله ، ثمّ أمر برؤوس الباقين من أهل بيته وأصحابه فقطعت وسرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن [ وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج ] (٣) إلى الكوفة ، وأقام ابن سعد يومه ذلك وغده إلى الزوال ـ كما أشرنا أوّلاً ـ.وروي أنّ رؤوس أصحاب الحسين عليه‌السلام وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأساً ، وأقتسمتها القبائل لتتقرّب بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد :فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً ، وصاحبهم قيس بن الأشعث.____________٢ ـ في الملهوف : بعث.٣ ـ من الملهوف.

              وجاءت هوازن باثني عشر رأساً ، وصاحبهم شمر.وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً.وجاءت بنو أسد بستّة عشر رأساً.وجاءت مذحج بسبعة رؤوس.وجاء سائر الناس بثلاثة عشر رأساً. (١)

              الوداع الأخير قبل الراحلة الى الشام

              ثمّ أذن ابن سعد بالرحيل إلى الكوفة ، وحمل بنات الحسين وأخواته وعلي بن الحسين وذراريهم ، فاُخرجوا حافيات حاسرات مسلّبات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلّة ، فقلن : بحقّ الله ما نروح معكم ولو قتلتمونا إلاّ مررتم بنا على مصرع الحسين ، فأمر ابن سعد لعنه الله ليمرّوا بهم من المقتل حتّى رأين إخوانهنّ ، وأبناءهنّ ، وودّعنهم ، فذهبوا بهنّ إلى المعركة ، فلمّا نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههنّ.

              ندب زينب (ع )

              قال : فوالله ما أنسى زينب بنت عليّ وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين : يا محمدا ، صلّى عليك مليك السماء ، وهذا حسين مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى ، وإلى محمد المصطفى ، وإلى عليّ المرتضى ، وإلى حمزة سيّد الشهداء.وا محمداه هذا حسين بالعراء ، تسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه واكرباه ، اليوم مات جدّي رسول الله ، يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرّيّة____________١ ـ نَقَل هذه القطعة المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٦٢ عن كتابنا هذا ، وكذا البحراني في عوالم العلوم : ١٧/ ٣٠٦.















































































              Last edited by راية اليماني; 22-10-2015, 01:59.

              Comment

              • راية اليماني
                مشرف
                • 05-04-2013
                • 3021

                #8
                رد: راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]

                المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راية اليماني مشاهدة المشاركة

                ندب زينب (ع )

                قال : فوالله ما أنسى زينب بنت عليّ وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين : يا محمدا ، صلّى عليك مليك السماء ، وهذا حسين مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى ، وإلى محمد المصطفى ، وإلى عليّ المرتضى ، وإلى حمزة سيّد الشهداء.وا محمداه هذا حسين بالعراء ، تسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه واكرباه ، اليوم مات جدّي رسول الله ، يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرّيّة

                _______١ ـ نَقَل هذه القطعة المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٦٢ عن كتابنا هذا ، وكذا البحراني في عوالم العلوم : ١٧/ ٣٠٦.

                المصطفى يساقون سوق السبايا.وفي بعض الروايات : يا محمداه ، بناتك سبايا ، وذريتك قتلى ، تسفي عليهم الصبا ، هذا ابنك مجزوز (١) الرأس من القفا ، لا هو غائب فيرجى ، ولا جريح فيُداوى ، فما زالت [ تقول هذا القول ] (٢) حتّى أبكت والله كلّ صديق وعدوّ ، حتّى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها ، ثمّ إنّ سكيّنة اعتنقت جسد الحسين فاجتمع عدّة من الناس حتّى جرّوها. (٣) (٤).
                ____________١ ـ في الملهوف ، محزوز.٢ ـ من المقتل.٣ ـ في « ح » : لمحرّره الحقير :
                أخي يابن اُمّي ليتك اليوم غائب
                فلم أراك قطّ قبل يوم وفاة
                فأرضى على نيران هجرك اُحرق
                بشرط حياتك يا ذا الجود والحسنات
                فيرجو وصالك قلبي وقلب مَن
                هواك من الأحباب حال حياة
                ويا ليت اُمّي لم تلدني ولم أعش
                ولم أر جسمك مجروحاً بسيف طغاة
                أخي نور عيني أنت امي ووالدي
                فأيتمتني والله والأخوات
                تنوح سكينة بالحزن والأسى
                تقول أبي وأين صاحب الحملات
                أبي ما ... يا أنيسي وكافلي
                لحزن طويل منتهاه حياتي
                ٤ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/٤ ـ ٣٩ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٥٦ ـ ١٩٠.


                شهداء واقعة الطف


                وكان عدة القتلى من أصحاب الحسين عليه‌السلام الّذين قتلوا معه اثنين وسبعين رجلاً رضوان الله عليهم ورحمته وسلامه هؤلاء الّذين قتلوا قبل أهل بيته.وأمّا عدّة المقتولين من أهل بيته فالأكثرون على أنّهم كانوا سبعة وعشرين :سبعة من بني مسلم ومن بني عقيل (١) : مسلم المقتول بالكوفة ، وجعفر ، وعبد الرحمان [ ابنا عقيل ] (٢) ، ومحمد بن مسلم ، وعبد الله بن مسلم ، وجعفر بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل.وثلاثة من ولد جعفر : محمد بن عبد الله بن جعفر ، وعون الأكبر بن عبد الله ، وعبيدالله بن عبد الله.وتسعة (٣) من ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحسين عليه‌السلام ، والعبّاس ؛ ويقال : وابنه محمد بن العبّاس. (٤)ذكر صاحب مقاتل الطالبيّين انّ العبّاس بن عليّ بن أبي طالب ، وعثمان ابن عليّ بن ابي طالب ، وجعفر بن عليّ بن أبي طالب ، وعبد الله بن عليّ بن أبي طالب هؤلاء الأربعة صلّوا مع الحسينعليه‌السلام وكانت اُمّهم اُمّ البنين بنت

                _________١ ـ في البحار : سبعة من بني عقيل ، وفي مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١٢ : « تسعة » بدل « سبعة » وزاد في الأسماء : عون بن عقيل فقط.٢ ـ من البحار.٣ ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : سبعة.٤ ـ مقال الطالبيّين : ٥٣ ـ ٥٦ ، عنه البحار : ٤٥/٣٩.

                حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيل (١) ، وهو عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وكان العبّاس أكبرهم ، وهو آخر من قُتل من إخوته لاُمّه وأبيه.
                وكان العبّاس رجلاً جسيماً وسيماً جميلاً ، وكان يركب الفرس المطّهم (٢) ورجلاه تخطّان الأرض ، وكان يقال له قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسين عليه‌السلام معه يوم قُتل.وكانت اُمّ البنين اُمّ هؤلاء الإخوة الأربعة تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، وكان مروان يجيء فيمن يجيء فيسمع ندبتها ويبكي.وعبد الله الأصغر ، ومحمد الأصغر ، وأبوبكر .وأربعة من بني الحسن عليه‌السلام : أبوبكر ، وعبد الله ، والقاسم ؛ وقيل :

                ______١ ـ كذا في مقاتل الطالبيّين ، وفي الأصل : بنت حزام بن خويلد بن الوحيل.٢ ـ المُطَهَّمُ من الناس والخيل : الحَسَنُ التَامُّ كلّ شيء منه على حدته ، فهو بارع الجمال « لسان العرب : ١٢/٣٧٢ ـ طهم ـ ».

                وبشر ؛ وقيل : عمر وكان صغيراً.وستّة من أولاد الحسين عليه‌السلام مع اختلاف فيهم : عليّ الأكبر ، [ وإبراهيم ] (١) ، وعبد الله ، وعليّ الأصغر ، وجعفر ، ومحمد ، وذبح (٢) عبد الله في حجره.وأسّروا الحسن بن الحسن مقطوعة يده ؛ وقيل : لم يقتل محمد الأصغر ابن الحسين (٣) لمرضه ؛ ويقال : رماه رجل من بني دارم فقتله.والمقتولون في الحملة الاُولى من أصحاب الحسين : نُعيم بن عَجلان ، وعمران بن كعب ، وأنس بن حارث (٤) الأشجعي ، وحنظلة بن عمرو الشيباني (٥) ، وقاسط بن زهير ، وكنانة بن عتيق ، وعمرو بن مشيعة (٦) ، وضرغامة ابن مالك ، وعامر بن مسلم ، وسيف بن مالك النميري ، وعبد الرحمان الأرحبي ، ومجمع العائذي ، وحباب بن الحارث ، وعمرو الجندعي ، والحلاس ابن عمرو الراسبي ، وسوّار بن حمير (٧) الفهمي ، وعمّار بن سلامة (٨) الدالاني ،

                _____
                ١ ـ من المناقب والبحار.٢ ـ في المناقب : عبد الله ومحمد وحمزة وعلي وجعفر وعمر وزيد ، وذبح ....٣ ـ في المناقب : محمد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.٤ ـ في المناقب والبحار : عمران بن كعب بن حارث ، وما في المتن يوافقه ما في تسمية من قتل مع الحسين بن عليّ عليه‌السلام : ١٥٢ رقم ٢٧ وص ١٥٣ رقم ٥٣.٥ ـ ذكر فيما مرّ حنظلة بن سعد الشبامي.٦ ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : عمر بن شيبة ، وسمّاه في تسمية من قُتل مع الحسين بن عليّ عليه‌السلام : ١٥٣ رقم ٤٢ : عمرو بن ضبيعة.٧ ـ في المناقب : سوّار بن أبي عمير ، وفي البحار : سوّار بن أبي حمير ، وسمّاه في تسمية من قُتل مع الحسين عليه‌السلام : ١٥٦ رقم ١٠٣ : سوّار بن حمير الجابري.٨ ـ في المناقب والبحار : عمّار بن أبي سلامة.

                والنعمان ابن عمرو الراسبي ، وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق ، وجبلة بن عليّ ، ومسعود بن الحجّاج ، وعبد الله بن عروة الغفاري ، وزهير بن بشر الخثعمي ، وعمّار بن حسّان ، وعبد الله بن عمير ، ومسلم بن كثير ، وزهير بن سليم (١) ، وعبد الله وعبيدالله ابنا زيد البصري ، وعشرة من موالي الحسين عليه‌السلام ، وموليان من موالي أمير المؤمنين عليه‌السلام.هؤلاء المقتولون في الحملة الاُولى الى تمام الخمسين ، والباقون قتلوا بعد هؤلاء ، وهم : الحرّ ، وبرير ، وعمرو بن خالد الأسدي ، وحبيب بن مظاهر ، وزهير بن القين ، وغيرهم... رضي الله عنهم أجمعين ، ولعن الله قاتلهم إلى يوم الدين.

                _______١ ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : مسلم.

                Comment

                Working...
                X
                😀
                🥰
                🤢
                😎
                😡
                👍
                👎