إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الغنى أهو بالاستكثار، أو بالاستغناء؟

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • eham13
    عضو نشيط
    • 30-06-2015
    • 647

    الغنى أهو بالاستكثار، أو بالاستغناء؟

    الغنى أهو بالاستكثار، أو بالاستغناء؟
    قال عيسى(ع): [خادمي يداي و دابتي رجلاي و فراشي الأرض و وسادي الحجر و دفئي في الشتاء مشارق الأرض و سراجي بالليل القمر و إدامي الجوع و شعاري الخوف من الله و لباسي الصوف و فاكهتي و ريحانتي ما أنبتت الأرض للوحوش و الأنعام ، أبيت و ليس لي شيء و أصبح و ليس لي شيء ، و ليس على وجه الأرض أحد أغنى مني .].
    ربما يسأل سائل ممن يرى بعين ما يعيشه من واقع اليوم أن كلمات عيسى(ع) تعبر عن مثالية لا واقع لها، وهذا الفهم هو في واقعه مصادرة لهذه الكلمات الإلهية التي لولا أن لها واقعا في هذه الحياة الدنيا لما نزلت إليها، غير أن مبالغة الناس اليوم بالانغماس بالدنيا أعشى أبصارهم وأسكر بصائرهم فلم يعدوا يرون غير المادة والتكاثر منها، ويزنون الغنى بميزان التكاثر، بينما عيسى(ع) لسان الله الناطق في زمنه يزن الغنى بميزان الاستغناء عن كل رابط يربطه بهذا العالم المادي ليبقى دائما على استعداد للرحيل.
    إن الدنيا ليس لها رصيد حقيقي في الغنى إنما رصيدها هو الزخرف الذي لا يعني تكثره سوى حمل يثقل من يتكثر منه ويعيق حركته ويبطئها إن لم يحرفها عن غايتها التي تتوجه لها، ولعل أكبر أغنياء البشرية على طول مسيرتها هم محمد وآل محمد(ص)، وأولئك الاغنياء ضربوا أعظم مثل لكرم الغني، حيث أنهم أعطوا الله سبحانه أنفسهم كما أعطاهم الله جل جلاله نفسه، (والجود بالنفس أعلى غاية الجود)، وهذا العطاء العظيم لا يستطيعه إلا نفوس الأغنياء، أما الانفس الشحيحة فمهما تكثرت من زخرف الدنيا تجدها تزداد شحا وحاجة، وتزداد لجاجتها في الاستكثار، كلما زاد حملها وكثر، ويقابل هذه الزيادة اتساع مساحة الشح والبخل!! قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(التوبة/34).
    إذن من يقرر أن يكون كريما فليتدارك ما فاته وليحظى بفرصته الأخيرة في طلاق الدنيا، أما من كان شابا فهو مازالت لديه فرصتان لطلاق الدنيا، وليس هناك سبيل إلى طلاق الدنيا بمراحلها الثلاث، فلا يستطيع هذا الأمر العظيم إلا نفوس عظيمة كنفس علي(ص)، ولذلك خاطبها مستغنيا عنها استغناء كاملا : إليك عني يا دنيا فقد بنتك ـ أي طلقتك طلاقا بائنا ـ ثلاثا لا رجعة فيها ...
    إن وعينا بهذا الحمل الثقيل جاء متأخرا، ولذا علينا أن نغتنم هذه الفرصة الإلهية كي نكون أتباعا حقيقيين للأغنياء الكرام، وإذا فرطنا بهذه الفرصة الإلهية التاريخية، فسنكون قد خسرنا حتى الفرصة الثالثة لنستدرك ما فاتنا في الفرصتين الماضيتين.
    نعم من ينظر بعيني محمد وآل محمد(ص) وبعيني الأنبياء والمرسلين(ع) يرى واضحا أن غناه في الدنيا هو بمقدار استغنائه عنها، أما الانهماك بالتكثر منها هو كاشف عن الفقر والحاجة التي تهلك صاحبها كلما ازداد نهما في الاستكثار، ولذلك فالأغنياء الحقيقيون دعاؤهم (الهي خلصني ...) بينما النفوس الشحيحة كلما استكثرت تراها يعلو صوتها بالدعاء (اعطني ... ارزقني ... زدني ....)، دائما تراها تطلب ولا تنتبه إلى أن تعطي، بل كلما ازدادت بالطلب انحسرت مساحة العطاء فيها، حتى تستحيل النفس التي فطرها بارئها على الكرم، إلى نفس شحيحة، بينما الحق سبحانه يبين بوضوح وصراحة أن المفلحين هم من قال تعالى فيهم{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الحشر/9).
    والحمد لله وحده وحده وحده.

    الاستاذ زكي الصبيحاوي
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎