إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

جانب من خطبة الجمعة بتاريخ 9 ربيع الثاني 1436 هجري - (عالم الذر)

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • ابو شهاب 313
    عضو جديد
    • 30-12-2013
    • 27

    جانب من خطبة الجمعة بتاريخ 9 ربيع الثاني 1436 هجري - (عالم الذر)

    ومضات يمانية عن العالم المنسي (عالم الذر)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد و آل محمد الائمة و المهديين و سلم تسليما كثيرا
    الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق. الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون. ولا يحصي نعماءه العادون. ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن. الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود. ولا وقت معدود ولا أجل ممدود.
    حديثنا سيكون إن شاء الله عن عالم الذر ... هل ذكر عالم الذر في القرآن وروايات أهل البيت (ع) أم هو شئٌ مستحدث؟ وما هي حيثيات ذلك العالم؟ وأين هو؟ وما نوع الإمتحان المرافق لذلك العالم؟

    من الثقلين:
    {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: (اخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا وهم كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه ولو لا ذلك ما عرف أحد ربه وذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.

    {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: (عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر والله بما تعملون بصير).

    {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}. يوضح الله جل جلالة بأن خلق الإنسان يكون على مراحل ومن ضمن هذه المراحل هي مرحلة عالم الذر حيث استخدم ضمير الجمع في { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ} الآية، يعني أننا خلقناكم أجمعين في عالم الذر حيث كنتم أرواحا ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم حيث أن كلمة (ثم) تفيد الترتيب، فيعني ذلك أن مرتبة الخلق متقدمة على مرتبة الصورة وكل من الخلق والصور مقدم على السجود لآدم.

    يقول احمد الحسن عليه السلام عن عالم الذر :

    " ((..وحقيقة عالم الذر انه عالم الأنفس وهو في هذه السماء الدنيا&
    وتنزل منه إلى الأرض نطف بني آدم ،،فإذا نمت النطفة بعد أن أخذت طريقها إلى وعاءها وتهيأت الصورة الجسمانية لولوج النفس إليها ولجت النفس في تلك الصورة الجسمانية وتعلقت بالنطفة التي نزلت منها
    فإذا مات الإنسان خرجت منه تلك النطفة مرة أخرى من فمه أو من أي مكان آخر مع خروج نفسه من جسمه
    وبقيت هذه النطفة متعلقة بالنفس الإنسانية ، فالنفس متعلقة بالنطفة والنطفة متعلقة بالنفس ،،وهما من عالم واحد وهو عالم الذر أو عالم الأنفس فإذا نزلت النطفة إلى الأرض تبعتها النفس وإذا فارقت النفس الجسم تبعنها النطفة..))"
    -----------------
    ويقول أيضا (ع) :
    "النطفة المتعلّقة بالنفس لا تتبدل،
    ولكنّها يمكن أن تتشكل في هذا العالم الجسماني بأكثر من صورة ,
    ألا ترى أنّ صورتك الجسمانية تتغير وتتبدّل مع الزمن، فصورتك وأنت طفل صغير ليست تماماً كصورتك وأنت شاب ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) , والنطفة المقصودة هي النازلة من عالم الذر، وليس النطفة المنوية، بل هي تتعلق بها كتعلق النفس بها. وليس ضرورياً أن تتعلق النطفة النازلة من عالم الذر بالنطفة المنوية ليوجد الإنسان في هذا العالم الجسماني، كما ترى هذا بوضوح في نطفة عيسى (ع)، فلم تتعلق بنطفة منوية، بل هي نفخت إلى رحم مريم (ع) مباشرة.
    فيمكن أن يتجسد الإنسان في هذا العالم الجسماني قبل أن يدخل إليه للامتحان (أي قبل أن يولد فيه)، وكذا يمكن بعد أن ينتهي امتحانه (أي بعد موته)، فكم من ميت بعثه الله بعد موته والقرآن شاهد على ذلك. والنفس هي هي والنطفة هي هي، أمّا الصورة الجسمانية فربما نفسها أو يتبدّل بعضها أو كلها.
    الذي يجب أن تفهمه: إنّ ولادة الإنسان في هذا العالم لا تعني أول خلقه، بل تعني أول دخوله إلى هذا العال الجسماني للامتحان. فالإنسان مخلوق قبل ذلك، بل وجرى عليه الامتحان الأول في عالم الذر، وهذا الذي نحن فيه هو الامتحان الثاني.
    -----------------------
    ويقول عليه السلام في موضع اخر :
    "هو أكيد فرصة أخرى وامتحان آخر، ولكن إن كنت تسأل عن النتيجة فيه فهي نفسها في الذر،
    ليس لأن الناس مجبورون على تحقيق نفس النتيجة، وإنما هم يعيدون نفس التقصير. وفي هذه الحياة الدنيا إذا أطاع الإنسان ربه وسعى لرضاه سبحانه وكان له حظ في السماوات الملكوتية اصبح من أصحاب اليمين ،وكتب من الأحياء وسطر اسمه في سجل الحياة ،وممن يرثون الجنان ،وان جد في الطاعة ،كان من المقربين ، أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ،وان عصى الإنسان ربه وسعى لسخطه سبحانه وتعالى ، لم يكن له حظ في السماوات الملكوتية ،ولم يكتب من الأحياء بل عد من الأموات ،ولم يسطر اسمه في سجل الحياة ، وأمسى ممن يردون جهنم بل هو قطعة من جهنم"
    -----------------------------------
    وأيضا :
    "ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون"

    "النشأة الأولى: هي عالم الذر، وفيها الامتحان الأول، وقد أحاط بها بنو آدم علماً، ولكنهم لما جاءوا إلى هذا العالم حجبتهم الكثافة الجسمانية، ثم شهواتهم ومعاصيهم وغفلتهم عن ذكر الله، والأولياء من الأنبياء والرسل والحجج (ع) يتذكرون هذه النشأة ويعرفون أولياءهم فيها، وكل من كانت فطرته نقية يتذكر هذا العالم السابق، ويعلم حاله فيه، ولكن عامة الناس ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ . فبسبب غفلتهم عن الله واهتمامهم بالعالم الجسماني وانغماسهم في الشهوات لا يتذكرون شيئاً عن أنفسهم والعالم السابق الذي عاشوا فيه وحالهم فيه" .
    -------------------------
    وفي دعاء يوم الغدير الذي رواه عمارة بن الجوين أبي هارون العبدي،
    وذكر الدعاء يرجى الرجوع لمفاتيح الجنان ...
    "وقوله (ع): (بعد تجديدك خلقي): أي انك خلقتني في هذه الدنيا بعد أن خلقتني في الذر، وقوله (ع): (جددت ذلك العهد لي تجديداً): أي ذكَّرتَّني وجعلتني أقر بولاية أوليائك (الأنبياء والأوصياء (ع)) في هذه الدنيا
    كما أقررت بها لما خلقتني في الذر بفضلك فلماذا لا تتذكرون، وأيضاً لماذا لا تسعون إلى الله ليذكركم ؟!
    وتتذكرون لما ترفع الحجب ويكشف للإنسان حقائق الملكوت كأنبياء الله (ع) ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ وأيضاً الخطاب في أول سورة يوسف (ع) للرسول (ص) وهو خير خلق الله ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ ، أي إنك يا محمد (ص) أنزلت إلى هذا العالم، وحجبت عنك حقيقتك وامتحنك الله بهذا الامتحان الثاني في هذا العالم،"
    "وكنت الفائز بالسباق مرة أخرى، بعد أن كنت الفائز بالسباق في الامتحان الأول في عالم الذر،
    قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قال رسول الله (ص): (لم أكن أعلم ذلك حتى عرفنيه الآن جبرائيل (ع)، وما كنت أعلم شيئاً من كتابه ودينه أيضاً حتى علمنيه ربي، قال الله (عز وجل): ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنِ الْعِلْمِ أَهُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُهُ الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، أَمْ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ تَقْرَءُونَهُ فَتَعْلَمُونَ مِنْهُ ؟ قَالَ (ع): الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَوْجَبُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَما الْإِيمانُ﴾ ثُمَّ قَالَ: أَيَّ شَيْ‏ءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيُقِرُّونَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالٍ لا يدري مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا يَقُولُونَ. فَقَالَ لِي: بَلَى قَدْ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّوحَ الَّتِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، فَلَمَّا أَوْحَاهَا إِلَيْهِ عَلَّمَ بِهَا الْعِلْمَ وَالْفَهْمَ وَهِيَ الرُّوحُ الَّتِي يُعْطِيهَا اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ، فَإِذَا أَعْطَاهَا عَبْداً عَلَّمَهُ الْفَهْمَ) إذن، فالأنبياء والأوصياء (ع) ممتحنون بهذا العالم، فكما حجب غيرهم وأغفل عن الامتحان الأول والإيمان الأول في عالم الذر، حجبوا (ع) ليكون هذا الامتحان الثاني عادلاً فالكل أغفلوا عن عالم الذر بحجاب الجسد،
    والمطلوب تجريد الروح بمرتبة ليعرف الإنسان الحقيقة وينظر في ملكوت السماوات، وقد تجرد الأنبياء والأوصياء، والمطلوب من الكل التجرد لينجحوا في الامتحان كما أن الله سبحانه وتعالى ساوى كل بني آدم في الفطرة لتتم كلمته سبحانه أنه هو العادل الحكيم، فالكل مفطورون على معرفة أسماء الله سبحانه، ليكونوا وجه الله وأسماءه الحسنى، وكل من قصَّر فحظه ضيَّع"
    -----------------------------
    يقول (ع) :
    "نحن بني آدم أنزلنا الله إلى هذا العالم الدنيوي الظلماني للامتحان الثاني، وحجبنا بالأجساد وأنسانا ما كنّا فيه من الامتحان الأول في عالم الذر الذي سبق وكنا فيه. وفي عالم الذر تحدّد حال كل منّا فأشقى الأشقياء من قصر نظره على نفسه فلم يرَ إلاّ الأنا، والفائز بالسباق صلوات الله عليه وعلى آله (يعني الرسول محمد ص) مَن قصر نظره على ربّه ولم يلتفت إلى نفسه لما تجلّى لنا الله سبحانه. قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ ، وبين هذين المقامين ترتب بقية بني آدم.
    ولم يكن هذا الامتحان الثاني إلاّ ليحتج الله على الناس ولئلا يقول أحد لم نُعط فرصة ثانية، ولم يكن هذا الامتحان الثاني إلاّ لكرم الله سبحانه وتعالى، وسيكون هناك امتحان ثالث لمن محض الإيمان محضاً ولمن محض الكفر محضاً؛ لأنّ ثواب أولياء الله عظيم وعقاب أعداء الله شديد فيدخلون امتحاناً ثالثاً لبيان أنّ نتيجتهم هي هي، ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ،
    ولتتم حجة الله على الخلق بتفضيل أوليائه والانتقام من أعدائه (الذين محضوا الإيمان والذين محضوا الكفر)، فلا يقُل أحد لِمَ أعطيت هؤلاء هذا المقام العظيم، ولِمَ عذبت هؤلاء هذا العذاب الذي لم تعذّبه أحداً من العالمين؟؟"
    "وهم مع تكرّر الفرص التي أعطاهم الله ومع أنّ الله أعاد امتحانهم لن يكتفوا بل سيقولون: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾ , والله حذّر الناس أن تكون عاقبتهم بعد الموت الندم، وهذا القول: ﴿رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ."
    "فأرجو أن تكون قد فهمت أنّ ولادة الإنسان في هذا العالم لا تعني أول خلقه، بل غاية ما تعنيه أنّها أول دخوله إلى هذا العالم الجسماني للامتحان الثاني، وبعد أن أنساه الله الامتحان الأول ونتيجته فيه.
    قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ ، أي: على أن نحييكم في حياة جديدة وفي عالم جديد،
    بل أنتم كنتم في حياة سابقة فلماذا لا تتذكرون، بل ولا يتذكر الإنسان إلاّ بمشيئة الله وإرادته سبحانه"

    سورة الكوثر .... وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا


    الخطبة الثانية

    الحمد الله رب العالمين والحمد حقه كما يستحقه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ,الحمد لله الذى يخلق ولم يخلق ويرزق ولا يرزق ويطعم ولا يطعم ويميت الاحياء ويحيى الموتى وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ,الحمد لله الذى لم يشهد احدا حين فطر السماوات والارض ولا اتخذ معينا حين برأ النسمات ,الحمد لله الذى جعل الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا, الحمد لله الذى اذهب الليل مظلما بقدرته وجاء بالنهار مبصرا برحمته , وكسانى ضياءه وانا فى نعمته , الحمد لله الاول قبل الانشاء والاحياء ,والآخر بعد فناء الاشياء, اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الائمة والمهديين , اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى البتول فاطمة الزهراء وعلى السبطين الامامين الهاديين الزكيين الحسن والحسين وعلى السجاد علي بن الحسين وعلى الباقر محمد بن علي وعلى الصادق جعفر بن محمد وعلى الكاظم موسى بن جعفر وعلى الرضا علي بن موسى وعلى الجواد محمد بن علي وعلى الهادى علي بن محمد وعلى العسكرى الحسن بن علي وعلى الخلف الهادى المهدى الحجة ابن الحسن العسكرى محمد بن الحسن ابن العسكرى صاحب الزمان وشريك القرآن وامام الانس والجان وعلى وصيه ووليه وابنه وحبيبه ويمانيه احمد الحسن وعلى اولاده المهدين الاحد عشر مهدى مهدى الى قيام الساعة.

    العمل في عالم الذر- مع العبد الصالح:

    لا شك في وجود عالم الذر ([106]) بدلالة آيات الكتاب وروايات الطاهرين (ع) ([107]).
    وعن عالم الذر والامتحان فيه سألت العبد الصالح (ع)، فقلت: المعروف أنّ عالم الذر هو عالم الامتحان الأول لبني آدم، ولكن هل كانت تلبية العباد عند الاستشهاد "ألست بربكم" بعد عمل منهم، أم كان عالماً لبيان النتائج فقط والعمل هنا.
    فأجابني (ع): ( تقصد بالعمل صلاة وصياماً و .. و ..، أم ذكراً فقط).
    فقلت: كل ما يسهم في تقرير المصير وأخذ النتيجة التي اختارها العبد .
    فقال (ع): (نعم، فإذن هل يشترط فيه طول المدة أو تعدده ؟ هل يكفي أن يكون عملاً عبادياً واحداً هو الصلاة وهو الصيام وهو الذكر وهو الزكاة وهو الدعاء وهو الحج وهو كل العبادات ؟ ألم يقل رسول الله (ص) لعلي (ع): يا علي تفكر ساعة خير من عبادة ألف عام ؟
    فالعمل واضح في عالم الذر بينته الآية بكل وضوح: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾([108])، وأشهدهم على أنفسهم.
    الآن في هذه الدنيا في هذا الامتحان، هل يوجد شاهد على الأعمال ؟ أليس الرسول شاهد، أليس حجة الله شاهد، أليس الملائكة الكاتبون شهوداً، أليس ﴿وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾([109])، أليس ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾([110]). فالإنسان شاهد على نفسه ونفسه ستكون حسابه، ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ ، ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾، أما كيف ستكون نفسه حسابه فهذا أمر آخر، ولكن نحن الآن في كونه شاهداً على نفسه ، يشهد على ماذا، أليس على ما شهد عليه رسول الله، وحجة الله، والملائكة، والله سبحانه ﴿وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ ؟
    إذن، فهناك عمل في هذه الآية - ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ - أشهدهم الله عليه.
    أنت في هذه الدنيا نفسك مشغولة بتدبير بدنك، لهذا كانت هذه العبادات لتُمنع النفس عن الانشغال بالبدن ولتُوجه إلى الانشغال بالله، انظر في عبادات الإسلام بحسب ظاهرها ستجدها في هذا، لا تأكل لا تشرب، اترك الشهوات، هذه عبادة الصيام وهي واضحة أنها منع للنفس عن الانشغال بالبدن ، وغيرها أيضاً. الحج انظر فيه ، الصلاة كذلك، كلها في أمرين: قطع صلة بهذا العالم وتوجيه إلى العالم الآخر، وذكر الله والانشغال بالله.
    الآن، إذا خرجنا من هذا العالم هل يمكن أن تبقى العبادات نفسها ؟ أكيد أنّ من غير الصحيح أن نفرض صور عبادات في هذا العالم على عالم آخر لسببين؛ الأول: عدم الحاجة، والثاني: أن العالم الآخر غير مؤهل لنصبها فيه أو لنؤديها فيه، أي نكون كمن يقول أنا ذاهب إلى الصحراء لأمارس السباحة.
    وفي عالم الذر مثلاً عدم الحاجة؛ لأن الجسد المادي الذي تنشغل به النفس غير موجود. أما عدم أهلية عالم الذر لعبادات هذا العالم الجسماني فهو أمر بيّن.
    إذن، فالآن أصبح الجواب واضحاً وهو أنّ الامتحان نفسه، وهو واحد في هذا العالم وعالم الذر وعالم الرجعة، ولو قدّر الله أن يمتحن الناس ألف مرة سيمتحنهم نفس الامتحان؛ لأن علة الخلق واحدة وهي المعرفة ([111])، نعم تفاصيل الامتحان تختلف لعلة اختلاف العوالم، فالصلاة والصيام والحج والزكاة و.. و.. و .. جميعها كانت في الذر وامتحننا الله بها ولكن بحسب ذلك العالم، فالصلاة كانت شيئاً واحداً وهي أن أركز نظري على ما يصدر عنه سبحانه، والصيام كان ألغي نفسي، والحج كان أن أسير إليه وأطوف ببابه سبحانه منتظراً أمره، والزكاة أن أعطيه نفسي أن أنحر نفسي بين يديه بمحاربة الأنا ..... ، وهكذا.
    كل هذا العمل هل تتصور يحتاج لمدة طويلة مع العلم أنّ عالم الذر ليس فيه زمن ولا حتى مكان، أم تتصور أنه يحتاج ليكون في أكثر من حدث ؟ وهل لو أنه جمع في حدث واحد لا يكون عملاً مثلاً ؟! أكيد أنه سيكون عملاً ولو جمع في حدث واحد).
    فقلت: أسأل فقط عن الأمر الأخير ، أي " لو جمع في حدث واحد " ، ما هو ذلك العمل الواحد .
    فقال (ع): (يعني " أنا أو هو "، أنظر لنفسي وأغفل عنه، أم أغفل عن نفسي وأنظر إلى ما يصدر عنه ؟ إن كنت الأول فلن أجيب وأقول "بلى" عندما يسأل "ألست بربكم"، وإن كنت الثاني فسأكون أول من يجيب، وبين الأول والثاني ترتب الخلق، وقد بينت لك كيف أن الصلاة والصيام والحج والزكاة تكون في " أنا أو هو " فقط).
    اللهم إجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم مكن للإمام المهدي الحجة ابن الحسن (ع) وإبنه اليماني أحمد الحسن (ع) في الأرض وآتهم ما وعدتهم على رسلك إنك لا تخلف الميعاد، اللهم رد عنهم إرادة الظالمين واحفظهم من أيدي الباغيين وفرج عنهم كرباتهم إله الحق آميـــن. اللهم أنصرنا بنصرك يا ناصر يا ناصر يا ناصر، وإجعل ذلك قريباً عاجلاً غير آجل يا رب العالمين ... اللهم لا تمتنا إلا على الولاية الحقه؛ بالتمسك بولاية أوليائك الإمام المهدي الحجة ابن الحسن والإمام اليماني أحمد الحسن عليهم السلام الذين إنتجبتهم على عبادك. اللهم عرفنا نتيجة إمتحاننا في عالم الذر فإنك أنت العالم ونحن الجاهلون فتفضل علينا بذلك ولك الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وأنت على كل شئٍ قدير.
    سورة العصر .... وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
  • المهتدية بأحمد
    مشرف
    • 27-04-2012
    • 631

    #2
    رد: جانب من خطبة الجمعة بتاريخ 9 ربيع الثاني 1436 هجري - (عالم الذر)

    تقبل الله منكم صلاتكم ودعاءكم ،، وخطبكم النورانية المقتبسة من علوم يماني ال محمد ص
    sigpic
    قال الامام احمد الحسن ع:
    لنفتح صفحة جديدة ونقول نحن من الان نحب في الله ونبغض في الله لنكون بذلك احب الخلق لله سبحانه.



    Comment

    Working...
    X
    😀
    🥰
    🤢
    😎
    😡
    👍
    👎