إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

البرفسور نعوم تشومسكي .. ما هو أصل اللغة الانسانية

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    البرفسور نعوم تشومسكي .. ما هو أصل اللغة الانسانية











    أصل اللغة

    أصل اللغة والمعروف أيضا بالغلوتوغوني (بالإنجليزية: glottogony) كان ولا يزال موضوعا للبحث والمناقشات العلمية لعدة قرون. على الرغم من ذلك ، لا يوجد توافق في الآراء حول الأصل الفعلي أو عمره، فانعدام الدليل الواضح والمباشر هو السبب الرئيسي لصعوبة دراسة هذا الموضوع ، حيث يستحيل العثور على اللغات في شكل أحافير كما هو حال الأشياء الملموسة الأخرى ، وبناءً على ذلك يجب على كل من ينوي دراسة أصل اللغة أن يستخلص الاستنتاجات من أنواع أخرى من الأدلة كسجل الأحافير والأدلة الأثرية وأيضا من التنوع اللغوي المعاصر ومن دراسات اكتساب اللغة أو المقارنات بين لغات البشر ونظم التواصل بين الحيوانات ، خصوصاً من يشاركنا في الجينات من الرئيسيات " -فئة من الثدييات تضم الإنسان والقردة " (primates ) الأخرى . هناك اتفاق عام على كل حال على أن أصل اللغة متصل بشكل قوي بأصل سلوك الإنسان الحديث، لكن الاتفاق بسيط حول الآثار المباشرة بشأن هذا الصدد.

    وقد أدت محدودية الأدلة التجريبية بالباحثين لتصنيف كامل للموضوع بأنه غير صالح للدراسة الجادة. في عام 1866م حضَرت جمعية باريس اللغوية ( Linguistic Society of Paris ) المناقشة في هذا الموضوع فتأثر العالم الغربي بهذا الموضوع حتى نهايات القرن العشرين.

    في الوقت الحالي، يوجد عدد هائل من الفرضيات عن كيف، لماذا، متى، وأين ظهرت اللغات لأول مرة. قد يبدو في بادئ الأمر أن هناك اتفاقاً أكثر مما كان عليه الموضوع قبل مئة عام،عندما أثيرت موجة من التكهنات حول موضوع اللغة بعد أن نشر تشارلز داروين نظريته حول التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي. مع ذلك منذ بداية التسعينيات حاول العديد من اللغويين وعلماء الآثار وعلماء النفس وعلماء الإنسان ( الأنثروبولوجيا) استخدام أساليب جديدة لما قد يكون "أصعب مشكلة في العلم"


    نظريات أو مناهج أصل الغة

    يمكن تقسيم نظريات أصل اللغة تبعا للافتراضات التي تقوم عليها.

    تستند "نظريات الاستمرارية" على فكرة أن اللغة معقدة جداً بحيث لا يستطيع أحد تخيل أنها نشأت في شكلها النهائي من لا شيء، لا بد أن تكون قد نشأت من أنظمة غير لغوية سابقة استخدمها أسلافنا الأولين ، بينما تستند "نظريات الانقطاع" على فكرة معاكسة و هي أن اللغة سمة فريدة بحيث لا يمكن مقارنتها بأي شيء وُجد بين غير البشر، و عليه فإن اللغة تكون قد ظهرت فجأة أثناء مرحلة تطور الإنسان. يوجد تباين آخر بين النظريات التي ترى أن اللغة ملكة فطرية مشفرة وراثياُ إلى حد كبير و بين تلك التي ترى أن اللغة في الأساس نظام ثقافي، بحيث يمكن تعلّمها من خلال التفاعل الاجتماعي.


    نعوم تشومسكي هو أحد الدعاة البارزين لنظرية الانقطاع، و هي مسألة يقف معها معزولاً عن زملائه الأكاديميين ، يقول أن تحولا عرضي واحد حدث لفرد منذ مائة ألف سنة تقريباً، مما أثار الظهور الفوري للقدرة على اكتساب اللغة ( مكون من مكونات الدماغ) بصورة "مثالية" أو "قريبة من المثالية".


    يجري النقاش الفلسفي، باختصار، كالتالي:

    أولاَ: مما هو معروف عن النشوء فإن أي تغير بيولوجي لكائن حي ينشأ عن تغير وراثي عشوائي في فرد واحد وهذا التغير ينتشر من خلال مجموعته التكاثرية.
    ثانياً: من وجهة نظر حسابية: التغيير الوحيد اللازم كان القدرة المعرفية لبناء و تجهيز المعطيات المتكررة في العقل ( ميزة "اللانهائية المتمايزة" التي يبدو أن العقل الإنساني ينفرد بها).


    يرى نعوم تشومسكي أن هذا التغيير الجيني الذي منح عقل الإنسان ميزة اللانهائية المتمايزة يساوي بشكل أساسي الانتقال السريع من القدرة على العد حتى N حيث هو رقم ثابت، إلى القدرة على العد إلى ما لانهاية ( بمعنى، إذا كان من الممكن بناءNفالشيء نفسه يمكن أن يحدث مع N+1) و يترتب على هذه التأكيدات أن تطور القدرة البشرية على اكتساب اللغة هي قدرة فجائية حيث أنه من رؤية منطقية لا توجد وسيلة للانتقال التدريجي من عقل قادر على العد حتى رقم ثابت إلى عقل قادر على العد إلى ما لانهاية . الصورة إذن هي أن تكوين القدرة على اكتساب اللغة أقرب إلى تكوين الكريستال، اللانهائية المتمايزة هي بذرة كريستال في عقل أولي متخم على وشك التطور إلى عقل بشري بواسطة قانون فيزيائي، عقل صغير لكن قوي، حجر أساس تمت إضافته عن طريق التطور..

    ولا زالت النظريات قائمة ومستمرة من قبل غالبية العُلماء لفهم تطور اللغة، رغم اختلافهم بكيفية هذا التطور، وبين أولئك العُلماء الذين يرون أن تطور اللغة هو تطور فطري -العالم ستيفن بينكرSteven Pinker- الذي يستبعد التخمين حول دلالات معينة في " الرئيسيات" من غير الإنسان، مؤكدًا ببساطة أن اللغة تطورت تطورًا تدريجيًا.

    وآخرون من نفس هذا الفكر الثقافي - العالم Ib Ulbæk-ايبي يوباك الذي يعتقد بأن اللغة لم تتطور من التواصل البشري بل من الإدراك البشري، والذي يُعتبر أكثر تعقيدًا. كما أن هناك من يرى بأن اللغة أداة تواصل وتعلم اجتماعية مثل مايكل توماسيلو Michael Tomasello الذي يعتقد بأن مظاهر التطور اللغوي أتت من الإدراك بين التواصل البشري، وهذه في الغالب تتم عن طريق الصوت، حيث تظهر أهمية الصوت لدى عُلماء النظريات بأن تطور اللغة يرجع أصله لقدرة البشر في وقت مبكر على الغناء .
    وظهور اللغة حدث قبل التاريخ الإنساني، والتطورات التي لها علاقة بموضوع اللغة لم تترك آي آثار مُباشرة، ولا يمكن ملاحظة أي عمليات مشابهة
    وقد تجاهذا اليوم. وعلى الرغم من هذا، ظهرت إشارات جديدة في العصور الحديثة، - وإشارة نيكاراغوا اللغوية على سبيل المثال - قد تقدم نظرة ثاقبة للمراحل التطويرية والعمليات الإبداعية ذات الصلة، ومن نهج آخر ستفصح أحافير بشرية قديمة من أجل رؤية آثار التكيف البدني في استعمال اللغة. في بعض الحالات يمكن أن يُستعاد الـحمض الوراثي الـ DNAللبشر المنقرضين، لبحث وجود أو انعدام الجينات ذات الصلة باللغة مثل جينات FOXP2 التي تعتبر غنية بالمعلومات المُفيدة. وثمة نهج آخر وهو علم الآثار الذي يلاحظ آثارًا متعددة مثل التعدين وتعديل أصباغ المغرة لأجسام الصخور، والطلي، حيث تطور هذه الحجج النظرية لإثبات دلالات من الرموز الكتابية عامة ً إلى اللغات خاصة ً.


    وز العُلماء نظرية ظهور اللغة كنتيجة للتحول الاجتماعي بإحداث مستويات جديدة من الثقة في العامة، وبتحرير إمكانيات لغوية لم تكن موجودة مُسبقا ً'نظرية التحدث المشتركة مثال على هذا المنهج'. العلماء في هذا الفكر الثقافي يشيرون إلى حقيقة بأن الشمبانزي والبابون لهم قدرات رمزية كامنة رغم ندرة استعمالهما لها.
    الفترة الزمنية المستغرقة لتطور اللغة ومتطلباتها الهيكلية تمتد على أقل تقدير من فترة نشوء وتطور السلالات الشبيهة بالإنسان (Homo) منذ ما يقارب ال (٢.٣ إلى ٢.٤ مليون سنة مضت)، ومن ظهور جنس الشامبازي (٥ إلى ٦ مليون سنة مضت ) حتى الظهور الجلي للسلوك اللغوي الحديث منذ ما يقارب (٥٠,٠٠٠ إلى ١٥٠,٠٠٠ سنة .
    وبالرغم من أن الاسترالوبيتكس " نوع من إنسان الغاب " (Australopithecus) افتقدت التواصل الصوتي لكنها أظهرت تطور أكثر من القردة بشكل عام .

    وتختلف أقوال العلماء فيما يتعلق بالتطور منذ ظهور الإنسان أي ما يقارب ٢.٥ مليون سنة ، حيث يرى بعض العلماء أن نمو اللاللعبات البدائية الهيكلية (مثل لغة البروتو "لغة البشر قديما " (proto-language)) كانت مبكرة حيث أنها زامنت ظهور الإنسان الماهر " هومو هابيليس " ( Homo habilis) ، والبعض الآخر يرى أن تطور الاتصالات الرمزية بدأت مع ظهور الإنسان المنتصب القامة " هومو اريكتس " (Homo erectus) ١.٨ مليون سنة ، أو مع تطور إنسان الهيدلبرغ " هومو هيدلبيرغنسس " (Homo heidelbergensis) ٠.٦ مليون سنة مضت ، أما نمو اللغة المناسبة للإنسان العاقل " هومو سابينس " (Homo sapiens) كانت في أقل من ٢٠٠,٠٠٠ سنة مضت .


    باستخدام الأساليب الإحصائية لتقدير الوقت اللازم لتحقيق الانتشار الحالي والتنوع في اللغات الحديثة ناقش يوحنا نيكولاس (Johanna Nicholas) - لغوي في جامعة كاليفورنيا في بريكلي - في عام ١٩٩٨ م أن التنوع في اللغات الصوتية عند الجنس البشري يجب أن تكون قد بدأت على الأقل منذ ١٠٠,٠٠٠ سنة .

    وتقدم التحليلات الحديثة في مجال اللغويات دعم قوي بأن استخدام التنوع الصوتي قد ظهر في وقت مقارب لتقديرات يوحنا نيكولاس .التقديرات من هذا النوع مدعمة بشكل مستقل من قبل الأبحاث الجينية أو الدلالات الأثرية أو التاريخية و أدلة أخرى كثيرة تشير إلى أن اللغة نشأت في مكان ما في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية في منتصف العصر الحجري ، والتي تتزامن مع الفترة التي نشأ فيها الإنسان العاقل الهوموسابينس .

    يوافق اللغويين على أنه لا يوجد هناك لغة بدائية(Primitive language) بخلاف اللغة البسيطة (Pidgins): وأن جميع اللغات المتحدثة من قبل المجموعات البشرية الحديثة ذات دلالات تعبيرية متماثلة، على الرغم من أن هناك بعض الدراسات الحديثة توصلت إلى أن التعقيدات اللغوية تختلف في اللغة ذاتها و تختلف في مابين اللغات الأخرى على مر التاريخ .





    نبذة عن نعوم تشومسكي

    أفرام نعوم تشومسكي يهودي الاصل (مولود في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا) هو أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي إضافة إلى أنه عالم إدراكي وعالم بالمنطق ومؤرخ وناقد وناشط سياسي.
    وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي عمل فيها لأكثر من 50 عام. إضافة إلى عمله في مجال اللسانيات فقد كتب تشومسكي عن الحروب والسياسة ووسائل الإعلام وهو مؤلف لأكثر من 100 كتاب.
    وفقاً لقائمة الإحالات في الفن والعلوم الإنسانية عام 1992 فإنه قد تم الاستشهاد بتشومسكي كمرجع أكثر من أي عالم حي خلال الفترة من 1980 حتى 1992، كما صُنف بالمرتبة الثامنة لأكثر المراجع التي يتم الاستشهاد بها على الإطلاق في قائمة تضم الإنجيل وكارل ماركس وغيرهم. . وقد وُصف تشومسكي بالشخصية الثقافية البارزة، حيث صُوت له كـ "أبرز مثقفي العالم" في استطلاع للرأي عام 2005.
    ويوصف تشومسكي أيضاً بأنه "أب علم اللسانيات الحديث" كما يُعد شخصية رئيسية في الفلسفة التحليلية.
    أثر عمله على مجالات عديدة كعلوم الحاسب والرياضيات وعلم النفس. كما يعود إليه تأسيس نظرية النحو التوليدي، والتي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام في مجال اللسانيات النظرية في القرن العشرين. ويعود إليه كذلك فضل تأسيس ما أصبح يُعرف بـ "تراتب تشومسكي" ونظرية النحو الكلي ونظرية تشومسكي-شوتزنبرقر.





    رأي نعوم تشومسكي في نشأة اللغة الإنسانية

    منقول من منتديات ستار تايمز


    أشار الأستاذ على الشوك ( جريدة الحياة ، 4/8/1996 م ، في مقال عنوانه: "قراءة في كتاب ريتشارد ليكي "أصل الجنس البشري" ) إلى أن هناك وجهتي نظر عن نشأة اللغة عند الباحثين.

    فالأولى " تعتبرها سمة فريدة عند البشر، وظاهرة نشأت كتطور جانبي في دماغنا الذي يزداد حجما. وفي هذه الحالة، ينظر إلى اللغة كظاهرة نشأت بسرعة وفي مرحلة حديثة.

    أما وجهة النظر الثانية فترى أن اللغة المحكية نشأت في سياق [الانتخاب] الطبيعي عبر القدرات المعرفية للأجداد غير البشريين. وفي هذا الإطار المتواصل ، نشأت اللغة بصورة تدرجية في عصر ما قبل التاريخ البشري، ابتداء من ظهور جنوس الهومو Homo (الكائن البشري)."

    وأشار الأستاذ الشوك كذلك إلى أن العالم اللغوي نعوم تشومسكي أبرز القائلين بالرأي الأول، فهو الذي يقول: " ليس لدينا فكرة، في الوقت الحالي، كيف أن القوانين الفيزيائية تعمل عندما توضع عشرة مرفوعة للأس عشرة من النيورونات في جهاز حجمه بحجم كرة السلة تحت الظروف الخاصة التي تشبه ظروف تطور الإنسان." وهو ما أدى ببعض الباحثين إلى وصف رأيه هذا بأنه ينسجم تماما "مع التقليد الفلسفي الغربي الذي يرجع تاريخه إلى سفر التكوين في التوراة وكتابات أفلاطون وأرسطو، والذي يذهب إلى أن العقل والسلوك البشريين يختلفان نوعيا عما هما عند الحيوانات."

    وأود هنا أن أبين أن هذا الانطباع عن رأي تشومسكي عن نشأة اللغة عند الإنسان شائع عند كثير من المتخصصين. لكنه انطباع غير دقيق. ومن أجل توضيح رأيه في هذه المسألة يجدر بنا أن نتأمل في رده على أحد هؤلاء.

    فقد كتب جون ماينارد سميث John Maynard Smith ( وهو واحد من أبرز علماء الأحياء) في مجلة نيويورك لمراجعة الكتب: The NewYork Review Of Books ، في عددها الصادر في 30 نوفمبر 1995، رأيًا مماثلاً للرأي الذي أورده الأستاذ الشوك، وذلك في أثناء مراجعته لكتاب دانيال دينيت Darwin’s Dangerous idea: Evolution and the meaning of life

    وقد رد نعوم تشومسكي على جون ماينارد سميث في المجلة نفسها في عددها الصادر في الأول من فبراير 1996 بما ترجمته : "أورد جون ماينارد سميث [في هذه المجلة بتاريخ 30 نوفمبر 1995] عبارة من كلامي وجد أنها "محيرة جدا" وإن كانت "معبرة " عما أقوله دائما عن عملية التطور. أما هذه العبارة التي أوردها سميث فإنها تحصيل حاصل، إذا نظرنا إليها من خلال السياق الذي وردت فيه، وهو ما فعله سميث بصورته الدقيقة تقريبا.

    وكان سميث يشير إلى المحاضرات التي ألقيتها في سنة 1986 وهي التي بدأت (كما تبدأ محاضراتي دائما) بمسلمة مفادها أن اللغة جزء من "إرثنا الأحيائي المشترك" وأنها يمكن أن تدرس بالكيفية التي تدرس بها الأنظمة الأحيائية الأخرى. ولقد أشرت إلى أن " نظرية التطور . . . ليس لديها الكثير مما تقوله، بالصورة التي هي عليها الآن، عن بعض الأمور كاللغة، وأن التقدم [في البحث] ربما يتطلب فهمًا أعمق لـ "ماهية أنواع الأنظمة الطبيعية التي يمكن أن تتطور تحت ظروف الحياة على الأرض" وهو ما يتماثل تمامًا مع دراسة تطور أنظمة الإبصار. ومن مسارات البحث التي اقترحت، المسار الذي توحي به الحالات الأخرى حيث "تتطور بعض الأعضاء لكي تخدم غرضًا معينًا، ثم، تصبح صالحة، عندما تصل إلى شكل معين في المسار التطوري، لكي تستخدم في أغراض أخرى، وحينذاك يمكن لعمليات الانتخاب الطبيعي أن تقوم بتشذيبها أكثر فأكثر من أجل هذه الأغراض" (وقد ذكرتُ بعض الاقتراحات الذائعة التي اقترحت من أجل تفسير تطور أجنحة الحشرات بوصفها دلائل محتملة؛ كما اقترحت منذ ذلك الحين بعض البدائل الأخرى التي توضح هذه النقطة، وإن كان هذا خارج الموضوع). ويتبين بصفة عامة، أنه إذا ما نظرنا إلى عدد الاحتمالات المادية والاستراتيجيات المحددة فإن المشكلة الظاهرية المتمثلة في أنه "من الصعب أن نتخيل أبدًا مسارًا لعملية التطور لا يؤدي إلى [ظهور اللغة أو الأجنحة] " يمكن أن يتغلب عليها.

    ولم يستشهد سميث إلا بالعبارة الأخيرة، وقد فهمها خطأ على أنها تضع اللغة والأجنحة خارج نظرية التطورـ وهو أمر "محير" من غير شك ، وهو ما يعني النقيض التام لما تقوله عبارتي بصورة واضحة، وهي التي كررها بعد ذلك، ملاحظًا أن الصعوبة الظاهرية في تخيل مسار للتطور يمكن أن يتغلب عليه بالإقرار بأن الأعضاء "تجِدٌّ في الغالب . . . بصفتها تعديلات للأعضاء الموجودة من قبل لخدمة وظائف مختلفة،" وهو ما يماثل تمامًا التدليل الذي أوردته للتعبير عن هذا الرأي نفسه. وقد نصح، بعد ذلك، "تلاميذ تشومسكي، إن لم يكن الرجل العظيم نفسه" بأن "اللسانيات لا يمكنها أن تتجاهل الأحياء" ؛ أو، بصورة أقوى، أن "عضو اللغة" يمكن أن يدرس بالكيفية التي تدرس بها الأنظمة الأحيائية الأخرى . . . . "

    وقد أجاب سميث تشومسكي في المجلة نفسها والعدد نفسه الذي نشر فيه رد تشومسكي قائلا: "لقد سرني أن يتفق معي تشومسكي في أن عضو اللغة، مثله مثل الأعضاء المعقدة الأخرى، لابد أن يفسر في نهاية الأمر بمقتضى ما يراه داروين، أي أنه نتيجة للانتخاب الطبيعي. وإذا كنت قد أولت كتابات تشومسكي المبكرة عن هذه القضية تأويلاً خاطئًا فإنني أعتذر عن ذلك، وإن كان لابد لي من أن أضيف، دفاعًا عن النفس، أن ملاحظته التي استشهدت بها لا توحي بالتأويل الذي يعطيه لها الآن. أما الموضوع المهم الآن، على كل، فهو أن الطريق صار مفتوحًا للسانيات وعلم الوراثة أن يعملا جنبًا إلى جنب في دراسة أصل المعرفة اللغوية في عملية التطور والنمو الفردي كليهما."

    ومن الطريف هنا أن نلاحظ أن قول سميث بأن التأويل الذي جاء به تشومسكي في رده جديد ليس دقيقا. وذلك لأن تشومسكي سبق أن أورد هذا التأويل بنصه في الكتاب الذي (أظن أن سميث يشير إليه) وهو :

    Language and The Problems of Knowledge: Managua Lectures الذي نشرته MIT Press في 1988 ، ص 167 ، وكرره في مواضع عدة في الكتاب (وقد سبق أن ترجمتُ هذا الكتاب إلى اللغة العربية، ونشرته دار توبقال ، الدار البيضاء، في سنة 1990 م . وتوجد المواضع التي أشار إليها تشومسكي في ص ص 143-146 من الترجمة) .

    كما ذكر الأستاذ الشوك أن ستيفن بنكر يرفض مقولة تشومسكي، وقد " قدم . . . أدلة في صالح الأساس الجيني للغة المحكية التي تدعم النظرية القائلة بتطورها وفق الانتخاب الطبيعي. " ويشير هنا إلى كتاب ستيفن بنكر:

    Steven Pinker, The Language Instinct: How Mind Creates Language

    الذي نشرته دار Morrow and Company , INC في سنة 1994.



    أما بنكر نفسه فينفي اتهام بعض ناقدي نعوم تشومسكي بأن آراءه تنسجم مع التقليد الفلسفي الغربي الذي يقول بأن اللغة لا تفسير لها إلا القول بأنها نتيجة للخلق المباشر (ص 355) .

    لكنه يقول أيضًا إن نعوم تشومسكي مخطئ أيضًا وذلك لأنه يمكن أن يفهم من كلامه أن اللغة لم تتطور نتيجة للانتخاب الطبيعي مثل سائر الأنظمة الأحيائية (الصفحة نفسها).

    والواقع أن فهم بنكر لرأي تشومسكي مماثل تقريبًا لرأي سميث، ولذلك فإن رد تشومسكي يمكن أن يكون صالحًا للرد عليه. وقد أشار تشومسكي صراحة إلى أن الأساس الذي ربما نشأت اللغة عنه قد لا يكون لغويا، وذلك الأساس هو السمة التي أسماها discrete infinity " اللانهائية المقننة " أو" التمايز اللانهائي". فهو يقول: "فمن المحتمل أن تغيرًا بسيطًا حدث عند نقطة معينة في تطور النوع الإنساني قبل مئات الآلاف من السنين، أي أن تغيرًا بسيطًا مفاجئًا حدث في خلايا الكائنات التي سبقت وجود الإنسان. وبسبب بعض قوانين الطبيعيات التي لم يتيسر فهمها بعد، أدى هذا التغير البسيط إلى تمثيل عمليات "اللانهائية المقننة" في العقل/الدماغ.

    وهذه السمة هي المفهوم الأساس في اللغة، وكذلك في نظام العد. وقد جعل تمثيل هذه السمة في العقل/الدماغ التفكير ممكنا، وذلك إن أخذنا التفكير بمعناه المتداول. وبسبب ذلك تمكن الإنسان أو أسلافه من القيام بما يتجاوز مجرد ردود الأفعال للحوافز والقيام بصياغة بنى معقدة مستخلصة من الكون الذي يحيط به، ومن ثم من الكون الذي يتخيله. فربما كان أصل اللغة هو هذا (ص 156 من الترجمة العربية). بل لقد أشار تشومسكي إلى دور عمليات التطور في نشأة اللغة صراحة. فهو يقول: "فقد يمكن لنا أن نتكهن أن تغيرا ضئيلا حدث في فترة بعيدة جدا أدى إلى ظهور سمة (اللانهائية المقننة) وربما كان الدافع إلى ذلك التغير أسبابًا تتعلق بالخصائص الأحيائية للخلية . . . وعند تلك النقطة ربما أمكن للضغوط النشوئية التطورية أن تشحذ التطورات اللاحقة لهذه الملكة ولو جزئيًّا على الأقل." (ص 145 من الترجمة العربية )

    ولا يبدو في الواقع أن هناك تعارضًا واضحًا بين ما يقوله تشومسكي عن هذه المسألة وما يقوله بعض نقاده مثل بنكر. وذلك أن تشومسكي ينفي فقط أن يكون الانتخاب الطبيعي هو السبب في وجود اللغة في المقام الأول. فلا بد أن تكون اللغة قد أتت في البدء من خصيصة معينة ثم عمل الانتخاب الطبيعي عليها، فيما بعد، حتى وصلت إلى ما هي عليه.

    وكذلك فإن نقاد تشومسكي يرون أن الانتخاب الطبيعي كان العامل الوحيد الذي أخذ سمة معينة وشذَّبها بمرور مئات الآلاف من السنين حتى وصلت إلى شكلها الحالي. ولنأخذ ستيفن بنكر، وهو الذي يتوسع في نقد رأي تشومسكي، ممثلاً لهؤلاء النقاد. فهو يرى "أنه على الرغم من أن الانتخاب الطبيعي يتمثل في خطوات صغيرة تعمل على تقوية قيام القوالب modules بوظائفها فإن هذه التقوية لا يلزم أن تكون تقوية لقوالب موجودة من قبل. إذ يمكن لها أن تبني، بصورة بطيئة، قالبًا ما مستخدمة بعض القطع العضوية التي لم تستخدم من قبل . . . . ويمكن أن تعد العين مثالاً للقالب الجديد، وهي التي ظهرت من جديد ما يقرب من أربعين مرة في مسار التطور الحيواني . . . والمثال الآخر للقالب الذي نشأ من قطع صغيرة، لم تكن قالبًا في الأساس، خرطوم الفيل. فهو عضو جديد، لكن التماثلات homologies توحي بأنه تطور من اندماج الأنوف مع عضلات الشفة العليا عند الجد المشترك المنقرض للفيل وحيوان الهايراكس، وتبع ذلك ببعض التعقيدات والصقل .

    وربما نشأت اللغة، بل إن ذلك محتمل جدا، بكيفية مشابهة: وذلك عن طريق تنقيح الدوائر التي لم يكن لها في الأساس دور في الاتصال النطقي في أدمغة الأنواع العليا، وكذلك بإضافة بعض الدوائر الجديدة. فقد اكتشف عالما التشريح الأعصابي، آل جالابوردا وتيرينس ديكون، بعض المناطق في أدمغة القرود التي تتشابه مع مناطق اللغة عند الإنسان، من حيث المكان الذي تحتله، والتوصيل الدخْلي ـ الخرجي، والتكوين الخلوي. فقد وجدا مثلاً أن هذه المناطق تتماثل تماما مع منطقة فيرنيك ومنطقة بروكا، وحزام الألياف العصبية الذي يربط بين المنطقتين، عند بني الإنسان. لكن هذه المناطق لا تشتغل بإنتاج نداءات القرود كما أنها لا تشتغل في إنتاج إيماءاتها. فيبدو أن القرود تستعمل المناطق التي تماثل منطقة فيرينك وما يجاورها لتعرف التتابعات الصوتية وللتمييز بين النداءات التي تصدرها القرود الأخرى والنداءات التي تنتجها هي. أما المناطق المماثلة لمنطقة بروكا فإنها تستخدم في التحكم بعضلات الوجه، والفم، واللسان، و الحنجرة، كما تستقبل المناطق الفرعية المختلفة لهذه المنطقة الدخول من أجزاء الدماغ المخصصة للسمع، وحس اللمس في الفم، واللسان، والحنجرة، والمناطق التي تتجمع فيها تيارات المعلومات من مختلف مصادر الأحاسيس. ولا يعلم أحد على وجه اليقين سبب وجود هذا التركيب عند القرود، وعند السلف الذي يجمعها احتمالاً ببني الإنسان، لكن هذا التركيب ربما زود عملية التطور ببعض الأجزاء التي يمكن لها أن تستغلها لكي تصنع دائرة اللغة الإنسانية، وربما كان ذلك باستغلال اجتماع الإشارات النطقية والسمعية والإشارات الأخرى في ذلك المكان." (ص ص 349ـ350). ويتبين من هذا الاستشهاد الطويل أن تشومسكي وبنكر متفقان على أن دور الانتخاب الطبيعي إنما هو في العمل على سمة، أو بعض السمات، الموجودة من قبل، ثم الانتهاء بها إلى اللغة. فليس هناك تناقض من حيث المبدأ، فيما يبدو لي.

    بقي أن أشير إلى أن ما ذكره الأستاذ الشوك من أن الحنجرة (وهو ما سماه صندوق الحبال الصوتية) تبدأ في التحرك، عند الأطفال، نحو أسفل القصبة الهوائية في حوالي الشهر الخامس عشر ليس دقيقا. فالمعروف أن هذا يحدث بعد الشهر الثالث (انظر بنكر ص354). كما أظن أن اسم الباحث الذي درس تطور اللغة عند الإنسان من خلال بقايا الجماجم إنما هو فيليب ليبرمان philip lieberman وليس "ليتمان" كما ورد في مقال الأستاذ الشوك (انظر مقاله الذي نشره في 1988 وقد ترجمتُه بعنوان: " صوت في الخلاء: كيف اكتسب الإنسان اللغة"، ونشر في مجلة العصور، المجلد السادس، الجزء الثاني، ذو الحجة 1414 هـ ، ص ص 393ـ403




    من كتب علي الشوك

    جولة في أقاليم اللغة والأسطورة



    Language and Evolution
    Noam Chomsky, reply by John Maynard Smith
    Last edited by نجمة الجدي; 02-11-2014, 13:15.
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎