إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • راية اليماني
    مشرف
    • 05-04-2013
    • 3021

    #31
    رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

      

    سورة الحج
    مدنية وآياتها ثمان وسبعون
    (بسم الله الرحمن الرحيم يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم) قال مخاطبة للناس عامة (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) اي تبقى وتتحير وتتغافل (وتضع كل ذات حمل حملها) قال كل امرأة تموت حاملة عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة وقوله (وترى الناس سكارى) قال يعني ذاهلة عقولهم من الخوف والفزع متحيرين وقال (وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) وقوله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) اي يخاصم (ويتبع كل شيطان مريد) قال المريد الخبيث ثم خاطب الله عزوجل الدهرية واحتج عليهم فقال: (يا ايها الناس إن كنتم في ريب من البعث) اي في شك (فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة) قال المخلقة إذا صارت دما وغير المخلقة قال السقط (لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام وليبين لكم كذلك كنتم في الارحام (ونقر في الارحام ما نشاء) فلا يخرج سقطا.
    وقوله: (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن احمد عن العياش عن ابن ابي نجران عن محمد بن القاسم عن علي بن المغيرة عن ابي عبدالله عن ابيه عليهما
    [79]

    السلام قال: إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر وقال علي بن ابراهيم ثم ضرب الله للبعث والنشور مثلا فقال: (وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) اي حسن (ذلك بأن الله هو الحق وانه يحيي الموتى - إلى قوله - من في القبور) وقوله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) قال: نزلت هذه الآية في ابي جهل (ثاني عطفه) قال: تولى عن الحق (ليضل عن سبيل الله) قال: عن طريق الله والايمان وقوله: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال على شك (فان أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) فانه حدثني ابي عن يحيى بن ابي عمران عن يونس عن حماد عن ابن الظبيان (ابن الطيار ط) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: نزلت هذه الآية في قوم وحدوا الله وجعلوا عباده (وخلعوا عبادة ط) من دون الله وخرجوا من الشرك ولم يعرفوا ان محمدا رسول الله فهم يعبدون الله على شك في محمد وما جاء به فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: ننظر فان كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا انه صادق وانه رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان غير ذلك نظرنا فأنزل الله " فان أصابه خير اطمأن به...الخ " وقوله: (يدعو من دون الله ما لا يضره ولا ينفعه) انقلب مشركا يدعو غير الله ويعبد غيره فمنهم من يعرف ويدخل الايمان في قلبه فهو مؤمن ويزل عن منزلته من الشك إلى الايمان ومنهم من يلبث على شكه ومنهم من ينقلب إلى الشرك واما قوله: (من كان يظن ان لن ينصره الله في الدنيا والآخرة) فان الظن في كتاب الله على وجهين وطريقين ظن يقين وظن شك فهذا ظن شك قال من شك ان الله لن يثيبه في الدنيا والآخرة (فليمدد بسبب إلى السماء) اي يجعل بينه وبين الله دليلا والدليل على ان السبب هو الدليل قول الله في سورة الكهف " وآتيناه من كل شئ سببا فاتبع سببا " اي دليلا (ثم

    [80]

    ليقطع) اي يميز والدليل على ان القطع هو التمييز قوله: " وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما " اي ميزناهم فقوله: ثم ليقطع اي يميز (فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) اي حيلته والدليل على ان الكيد هو الحيلة قوله: كذلك كدنا ليوسف اي حيلنا له حتى حبس اخاه وقوله يحكي قول فرعون: اجمعوا كيدكم اي حيلتكم قال فاذا وضع لنفسه سببا وميز دله على الحق، فاما العامة فانهم رووا في ذلك انه من لم يصدق بما قال الله فليلقى حبلا إلى سقف البيت ليختنق.
    ثم ذكر عزوجل عظيم كبريائه وآلائه فقال: (ألم تر) يقول: ألم تعلم يا محمد (ان الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) ولفظ الشجر واحد ومعناه جمع (وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم ان الله يفعل ما يشاء) وقوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم)(1) قال: نحن وبنو امية قلنا صدق الله ورسوله وقال بنو امية كذب الله ورسوله (فالذين كفروا) يعني بني امية (قطعت لهم ثياب من نار - إلى قوله - حديد) قال: تغشاه (تشويه خ ل) النار فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته وتتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه (ولهم مقامع من حديد) قال: الاعمدة التي يضربون بها ضربا بتلك الاعمدة وقوله (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق)


    ___________________________________
    (1) قال في مجمع البيان: الخصم يستوى فيه الواحد والجمع والذكر والانثى يقال رجل خصم ورجلان خصم ورجال خصم ونساء خصم وقد يجوز في الكلام هذان خصمان اختصموا وقال الله تعالى: هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب وهكذا حكم المصادر إذا وصف بها او اخبر بها نحو عدل ورضى وانما قال في الآية خصمان لانهما جمعان ومثله: وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ج ز
    [81]

    فانه حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال قلت له يا بن رسول الله خوفني فان قلبي قد قسا فقال: يا ابا محمد استعد للحياة الطويلة فان جبرائيل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قاطب(1) وقد كان قبل ذلك يجئ وهو مبتسم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل جئتني اليوم قاطبا؟ فقال: يا محمد قد وضعت منافخ النار، فقال: وما منافخ النار يا جبرئيل؟ فقال: يا محمد إن الله عزوجل امر بالنار فنفخ عليها الف عام حتى ابيضت ونفخ عليها الف عام حتى احمرت ثم نفخ عليها الف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لو أن قطرة من الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات اهلها من نتنها ووان حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها، ولو أن سربالا من سرابيل اهل النار علق بين السماء والارض لمات اهل الارض من ريحه ووهجه، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى جبرئيل فبعث الله اليهما ملكا فقال لهما: إن ربكما يقرؤكما السلام ويقول قد آمنتكما ان تذنبا ذنبا أعذبكما عليه، فقال ابوعبدالله عليه السلام: فما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل مبتسما بعد ذلك ثم قال: إن اهل النار يعظمون النار وان اهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم وان اهل جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فاذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد وأعيدوا في دركها هذه حالهم وهو قول الله عزوجل: " كلما أرادوا ان يخرجوا منها..الخ " ثم تبدل جلودهم جلودا غير الجلود التي كانت عليهم فقال ابوعبدالله عليه السلام حسبك يا ابا محمد؟ قلت حسبي حسبي.
    ثم ذكر الله ما أعده للمؤمنين فقال: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات - إلى قوله - ولباسهم فيها حرير) حدثني ابي عن ابن ابي عمير


    ___________________________________
    (1) في الحديث قطب ابوعبدالله عليه السلام اي قبض ما بين عينيه كما يفعل العبوس.ج ز.
    [82]

    عن ابي بصير قال قلت لابي عبدالله عليه السلام جعلت فداك يا بن رسول الله شوقني فقال يا ابا محمد ان من ادنى نعيم الجنة يوجد ريحها من مسيرة الف عام من مسافة الدنيا وان ادنى اهل الجنة منزلا لو نزل به اهل الثقلين الجن والانس لوسعهم طعاما وشرابا ولا ينقص مما عنده شئ وان ايسر اهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق فاذا دخل أدناهن رأى فيها من الازواج والخدم والانهار والاثمار ما شاء الله ما يملا عينه قرة وقلبه مسرة فاذا شكر الله وحمده قيل له ارفع رأسك إلى الحديقة الثانية ففيها ما ليس في الاخرى فيقول يا رب اعطني هذه فيقول الله تعالى ان أعطيتك إياها سألتني غيرها فيقول رب هذه هذه فاذا هو دخلها شكر الله وحمده قال فيقال افتحوا له باب الجنة ويقال له ارفع رأسك فاذا قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل فيقول عند تضاعف مسراته رب لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت علي بالجنان ونجيتنى من النيران.
    قال ابوبصير فبكيت قلت له جعلت فداك زدنى قال يا ابا محمد ان في الجنة نهرا في حافته جوار نابتات إذا مر المؤمن بجارية أعجبته قلعها وأنبت الله مكانها اخرى قلت جعلت فداك زدني قال المؤمن يزوج ثمانمائة عذراء واربعة آلاف ثيب وزوجتين من الحور العين قلت جعلت فداك ثمانمائة عذراء؟ قال: نعم ما يفرش (يفترش ط يفترس ك)(1) فيهن شيئا إلا وجدها كذلك قلت جعلت فداك من اي شئ خلقن الحور العين؟ قال: من تربة الجنة النورانية ويرى مخ ساقيها من وراء سبعين حلة كبدها مرآته وكبده مرآتها، قلت جعلت فداك ألهن كلام يكلمن به اهل الجنة؟ قال نعم كلام يتكلمن به لم يسمع الخلائق بمثله، قلت ما هو؟ قال يقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبوس ونحن المقيمات فلا نظعن ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن خلق لنا وطوبى لمن خلقنا له نحن اللواتي لو أن


    ___________________________________
    (1) لعله تصحيف تفرس من " تفرست فيه خيرا " ج.ز.
    [83]

    قرن إحدانا علق في جو السماء لاغشى نوره الابصار فهاتان الآيتان وتفسيرهما رد على من انكر خلق الجنة والنار قوله: (وهدوا إلى الطيب من القول) قال التوحيد والاخلاص (وهدوا إلى صراط الحميد) قال إلى الولاية وقوله: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء‌ا العاكف فيه والباد) قال نزلت في قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن مكة وقوله: " سواء‌ا العاكف فيه والباد " قال اهل مكة ومن جاء اليهم من البلدان فهم سواء لا يمنع النزول ودخول الحرم وقوله: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) قال نزلت في من يلحد في امير المؤمنين عليه السلام وقوله: (وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت) اي عرفناه وقد كتبنا خبر بناء البيت في سورة البقرة.
    واما قوله: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) يقول الابل المهزولة وقرئ " يأتون من كل فج عميق " قال ولما فرغ ابراهيم من بناء البيت امره الله ان يؤذن في الناس بالحج فقال: يا رب وما يبلغ صوتي فقال الله أذن عليك الاذان وعلي البلاغ وارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع المقام حتى كان أطول من الجبال فنادى وأدخل اصبعيه في اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول: ايها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الارض كلها ومن أصلاب الرجال وأرحام النساء بالتلبية: لبيك اللهم لبيك أو لا ترونهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب لله وذلك قوله: " فيه آيات بينات مقام ابراهيم " يعني نداء ابراهيم على المقام بالحج.
    قال: وكان؟؟؟؟؟ ونائلة رجل وامرأة زنيا في البيت فمسخا حجرين واتخذتهما قريش صنمين يعبدونهما فلم يزالا يعبدان حتى فتح مكة فخرجت منهما

    [84]

    امرأة عجوز شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تلك نائلة يئست ان تعبد ببلادكم هذه وقوله: (ثم ليقضوا تفثهم) اي يحلقوا رؤوسهم ويغتسلوا من الوسخ (وليطوفوا بالبيت العتيق) وانما سمي عتيقا لانه أعتق من الغرق وقوله: (فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال: الرجس من الاوثان الشطرنج وقول الزور: الغنا وقوله: (حنفاء لله) اي طاهرين وقوله: (في مكان سحيق) اي بعيد وقوله: (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب) قال: تعظيم البدن وجودتها وقوله: (لكم فيها منافع إلى اجل مسمى) قال البدن يركبها المحرم من موضعه الذي يحرم فيه غير مضر بها ولا معنف عليها وإن كان لها لبن يشرب من لبنها إلى يوم النحر وهو قوله (ثم محلها إلى البيت العتيق) وقوله (فله اسلموا وبشر المخبتين) قال العابدين وقوله: (واذكروا اسم الله عليها صواف) قال تنحر قائمة (فاذا وجبت جنوبها) اي وقعت على الارض " فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر) قال القانع الذي يسأل فيعطيه، والمعتر الذي يعتريك فلا يسأل وقوله (لن ينال الله لحومها ولا دماء‌ها ولكن يناله التقوى منكم) اي لا يبلغ ما يتقرب به إلى الله ولا نحرها إذا لم يتق الله وانما يتقبل الله نحرها من المتقين وقوله: (لتكبروا الله على ما هداكم) قال التكبير ايام التشريق في الصلاة بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة وفي الامصار عقيب عشر صلوات وقوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) قال نزلت في على وجعفر وحمزة ثم جرت، قوله: (الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق) قال الحسين عليه السلام حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة وقتل بالطف.
    حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن مسكان عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا..الخ " قال: إن العامة يقولون نزلت في

    [85]

    رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قريش من مكة وانما هي للقائم عليه السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب الدية ثم ذكر عبادة الائمة عليهم السلام وسيرتهم فقال: (الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور) واما قوله: (وبئر معطلة وقصر مشيد) قال هو مثل لآل محمد صلى الله عليه وآله قوله: (بئر معطلة) هي التي لا يستسقى منها وهو الامام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم " والقصر المشيد " هو المرتفع وهو مثل لامير المؤمنين عليه السلام.
    والائمة وفضائلهم لشرقة على الدنيا وهو قوله (ليظهره على الدين كله) وقال الشاعر في ذلك: بئر معطلة وقصر مشرف * مثل لآل محمد مستطرف فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى * والبئر علمهم الذي لا ينزف وقوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول الله ولا نبي - إلى قوله - والله عليم حكيم) فان العامة رووا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في مسجد الحرام وقريش يستمعون لقراء‌ته فلما انتهى إلى هذه الآية " أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى " اجرى إبليس على لسانه " فانها للغرانيق الاولى وان شفاعتهن لترتجى " ففرحت قريش وسجدوا وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفا من حصى فسجد عليه وهو قاعد، وقالت قريش قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزى، قال فنزل جبرئيل فقال له جبرئيل قد قرأت ما لم انزل عليك وانزل عليه " وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ".
    واما الخاصة فانه روي عن ابي عبدالله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله اصابه خصاصة فجاء إلى رجل من الانصار فقال له: هل عندك من طعام؟ فقال: نعم يا رسول الله وذبح له عناقا وشواه فلما أدناه منه تمنى رسول الله صلى الله عليه وآله ان

    [86]

    يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فجاء منافقان ثم جاء علي بعدهما فأنزل الله في ذلك " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته - يعنى فلانا وفلافا - فينسخ الله ما يلقى الشيطان " يعني لما جاء علي عليه السلام بعدهما (ثم يحكم الله آياته) يعني ينصر امير المؤمنين عليه السلام ثم قال: (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة) يعني فلانا وفلانا (للذين في قلوبهم مرض - إلى قوله - إلى صراط مستقيم) يعني إلى الامام المستقيم ثم قال: (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه) اي في شك من امير المؤمنين عليه السلام (حتى تأتيهم الساعة بغتة او يأتيهم عذاب يوم عقيم) قال العقيم الذي لا مثل له في الايام ثم قال: (الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) قال: ولم يؤمنوا بولاية امير المؤمنين والائمة عليهم السلام (فاولئك لهم عذاب مهين).
    ثم ذكر امير المؤمنين والمهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقال: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله - إلى قوله - لعليم حليم) وأما قوله: (ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) فهو رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قريش من مكة وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه فعاقبهم الله يوم بدر فقتل عتبة وشيبة والوليد وابوجهل وحنظلة بن ابي سفيان وغيرهم فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله طلب بدمائهم فقتل الحسين وآل محمد بغيا وعدوانا وهو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر:
    ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل
    لاهلوا واستهلوا فرحا *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
    لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني احمد ما كان فعل
    قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل

    [87]

    وقال الشاعر في مثل ذلك:
    وكذاك الشيخ أوصاني به *** فاتبعت الشيخ فيما قد سأل
    وكان يزيد ايضا يقول والرأس مطروح يقلبه:
    يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر * حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به أيام بدر لكان الوزن بالقدر
    فقال الله تبارك وتعالى: " ومن عاقب " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " بمثل ما عوقب به " يعني حسينا أرادوا ان يقتلوه " ثم بغي عليه لينصره الله " يعني بالقائم من ولده وقوله: (لكل امة جعلنا منسكا هم ناسكوه) اي مذهبا يذهبون فيه ثم احتج عزوجل على قريش والملحدين الذين يعبدون غير الله فقال: (يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله) يعني الاصنام (لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) يعني الذباب وقوله: " (الله يصطفي من الملائكة رسلا) اي يختار وهو جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ومن الناس الانبياء والاوصياء فمن الانبياء نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله ومن هؤلاء الخمسة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن الاوصياء امير المؤمنين والائمة عليهم السلام وفيه تأويل غير هذا.
    ثم خاطب الله الائمة عليهم السلام فقال: (يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا - إلى قوله - وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم) يا معشر الائمة (وتكونوا) انتم (شهداء على) المؤمنين و (الناس) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: " الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلوة وآتوا الزكوة " وهذه الآية لآل محمد عليهم السلام إلى آخر الآية والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الارض ومغاربها ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع الباطل كما أمات السفه الحق حتى لا يرى اثر للظلم واما قوله: (فكأين من قرية
    [88]

    اهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها) والعروش سقف البيت وقوله: (يستعجلونك بالعذاب) وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرهم ان العذاب قد اتاهم قالوا فأين العذاب واستعجلوه فقال الله: (وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) واما قوله: (يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) فهذه خاصة لآل محمد عليهم السلام وقوله: (ليكون الرسول شهيدا عليكم) يعني يكون على آل محمد (وتكونوا شهداء على الناس) اي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وقال عيسى بن مريم: " وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم " يعني الشهيد " وانت على كل شئ شهيد " وان الله جعل على هذه الامة بعد النبي صلى الله عليه وآله شهيدا من اهل بيته وعترته ما كان في الدنيا منهم أحد فاذا فنوا هلك اهل الارض قال رسول الله صلى الله عليه وآله جعل الله النجوم امانا لاهل السماء وجعل اهل بيتي أمانا لاهل الارض.(1)


    ___________________________________
    (1) ذكر الحديث ابن حجر ايضا في الصواعق عن مسند احمد بن حنبل: النجوم امان لاهل السماء فاذا ذهبت النجوم ذهب اهل السماء واهل بيتى امان لاهل الارض واذا ذهب اهل بيتى ذهب اهل الارض. ص.4 مصر ج - ز
      

    Comment

    • راية اليماني
      مشرف
      • 05-04-2013
      • 3021

      #32
      رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

        

      سورة المؤمنون
      (الجزء 18) مكية آياتها مأة وثمان عشرة
      (بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون) قال الصادق عليه السلام: لما خلق الله الجنة قال لها تكلمى فقالت.
      " قد أفلح المؤمنون " وقوله: (والذين هم في صلاتهم خاشعون) قال غضك بصرك في صلواتك وإقبالك عليها (والذين هم عن اللغو معرضون) يعنى الغناء والملاهي (والذين هم للزكوة فاعلون) قال الصادق (ع): من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة له (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)

      [89]

      يعني الاماء (فانهم غير ملومين) والمنعة حدها حد الاماء (فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون) قال من جاوز ذلك فاولئك هم العادون وقوله: (والذين هم على صلاتهم يحافظون) قال على اوقاتها وحدودها وقوله: (اولئك هم الوارثون) فانه حدثني ابي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنة منزلا وفي النار منزلا فاذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار نادى مناد يا اهل الجنة اشرفوا فيشرفون على اهل النار وترفع لهم منازلهم فيها ثم يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها يعنى النار قال فلو ان أحدا مات فرحا لمات اهل الجنة في ذلك ليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب، ثم ينادي مناد يا اهل النار ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فينظرون منازلهم في الجنة وما فيها من النعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربكم لدخلتموها قال فلو ان أحدا مات حزنا لمات اهل النار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء ويورث هؤلاء منازل هؤلاء وذلك قول الله (اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون).
      وقوله: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) قال السلالة الصفوة من الطعام والشراب الذي يصير نطفة والنطفة أصلها من السلالة والسلالة هي من صفوة الطعام والشراب والطعام من اصل الطين فهذا معنى قوله: (من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) يعنى في الرحم (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) وهذه استحالة من أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم اربعون يوما ثم تصير علقة.
      وزعمت المعتزلة إنا نخلق أفعالنا واحتجوا بقول الله أحسن الخالقين وزعموا ان ههنا خالقين غير الله عزوجل ومعنى الخلق ههنا التقدير مثل اقول الله

      [90]

      لعيسى بن مريم وليس ذلك كما ذهبت المعتزلة انهم خالقون لافعالهم وقوله: خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين - إلى قوله - ثم أنشأناه خلقا آخر فهم ستة أجزاء وست استحالات وفي كل جزء واستحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة اربعون دينارا، وفي المضغة ستون دينارا وفي العظم ثمانون دينارا، وإذا كسي لحما فمائة دينار، حتى يستهل فاذا استهل فالدية كاملة فحدثني بذلك ابي عن سليمان بن خالد عن ابي عبدالله عليه السلام قال قلت فان خرج في النطفة قطرة دم قال في القطرة عشر النطفة ففيها اثنان وعشرون دينارا(1) قلت قطرتان قال اربعة وعشرون دينارا قلت فثلاث قال ستة وعشرون دينارا قلت فأربع قال ثمانية وعشرون دينارا قلت فخمس قال ثلاثون دينارا وما زاد على النصف فعلى هذا الحساب حتى تصير علقة فيكون فيها اربعون دينارا، قلت فان خرجت النطفة متخضخضة بالدم؟ قال: قد علقت إن كان دما صافيا اربعون دينارا ولن كان دما اسود فذلك من الجوف فلا شئ عليه إلا التعزير لانه ما كان من دم صاف فذلك الولد وما كان من دم اسود فهو من الجوف، قال فقال ابوشبل فان العلقة إذا صارت فيها شبيه العروق واللحم؟ قال اثنان واربعون دينارا العشر قال قلت فان عشر الاربعين اربعة، قال لا انما عشر المضغة انما ذهب عشرها فكلما ازدادت زيد حتى تبلغ الستين قلت فان رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس؟ قال: إن ذلك عظم اول ما يبتدئ ففيه اربعة دنانير(2) فان زاد فزاد اربعة دنانير حتى تبلغ مائة قلت فان كسي العظم لحما قال كذلك إلى مائة قلت فان ركزها فسقط الصبي لا يدري أحيا كان او ميتا، قال: هيهات يا ابا شبل


      ___________________________________
      (1) عشرون دينارا للنطفة وديناران لقطرة الدم وهكذا.
      (2) يعني علاوة من دية المضغة فيكون المجموع اربعة وستين دينارا ج.ز
      [91]

      إذا بلغ اربعة اشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (ثم أنشأناه خلقا آخر) فهو نفخ الروح فيه.
      وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) قال السماوات وقوله: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) قال شجرة الزيتون وهو مثل لرسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: " وأنزلنا من السماء ماء‌ا بقدر فأسكناه في الارض) فهي الانهار والعيون والآبار وقوله: " وشجرة تخرج من طور سيناء " فالطور الجبل والسيناء الشجرة واما الشجرة التي تنبت بالدهن فهي الزيتون وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون) يعني السفن وفي رواية ابي الجارود في قوله (فجعلناهم غثاء‌ا) والعثاء اليابس الهامد من نبات الارض وقوله: (ثم أرسلنا رسلنا تترى) يقول بعضهم في أثر بعض وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وجعلنا ابن مريم وامه آية - إلى قوله - ومعين) قال الربوة: الحيرة وذات قرار ومعين اي الكوفة ثم خاطب الله الرسل فقال (يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا - إلى قوله - امة واحدة) قال على مذهب واحد وقوله: (كل حزب بما لديهم فرحون) قال كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به، ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال (فذرهم) يا محمد (في غمرتهم) اي في سكرتهم وشكهم (حتى حين) ثم قال عزوجل: (أيحسبون) يا محمد (انما نمدهم به من مال وبنين) هو خير نريده بهم بل لا يشعرون ان ذلك شر لهم ثم ذكر عزوجل من يريد بهم الخير فقال (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون - إلى قوله - يؤتون ما آتوا) قال من العبادة والطاعة (وقلوبهم وجلة) اي خائفة (انهم

      [92]

      إلى ربهم راجعون) ثم قال (اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) وهو معطوف على قوله (أيحسبون انما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات).
      وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) هو علي بن ابي طالب عليه السلام لم يسبقه احد وقوله: (بل قلوبهم في غمرة من هذا) يعني من القرآن ولهم اعمال من دون ذلك (هم لها عاملون) يقول ما كتب عليهم في اللوح ما هم عاملون قبل ان يخلقوا هم لذلك الاعمال المكتوبة عاملون وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ولدينا كتاب ينطق بالحق) اي عليكم ثم قال: (بل قلوبهم في غمرة من هذا) اي في شك مما يقولون وقوله: (حتى اذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) يعني كبراء‌هم بالعذاب (إذا هم يجئرون) اي يضجون فرد الله عليهم (لا تجئروا اليوم انكم منا لا تنصرون - إلى قوله - مستكبرين به سامرا تهجرون) اي جعلتموه سمرا وهجرتموه وقوله: (أم يقولون به جنة) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله فرد الله عليهم (بل جاء‌هم بالحق واكثرهم للحق كارهون) وقوله: (ولو اتبع الحق أهواء‌هم لفسدت السموات والارض ومن فيهن) قال: الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام والدليل على ذلك قوله: " قد جاء‌كم الرسول بالحق من ربكم " يعني بولاية امير المؤمنين عليه السلام وقوله: " ويستنبؤنك " اي يا محمد اهل مكة في علي " أحق هو " إمام هو " قل اي وربي انه لحق " اي لامام، ومثله كثير والدليل على ان الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قول الله عزوجل: ولو اتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام قريشا لفسدت السماوات والارض ومن فيهن، ففساد السماء إذا لم تمطر وفساد الارض إذا لم تنبت وفساد الناس في ذلك وقوله (وانك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) قال إلى ولاية امير المؤمنين عليه السلام قال: (وان الذين

      [93]

      لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) قال عن الامام لحائدون.
      ثم حكى الله عزوجل قول الدهرية: (قالواء‌إذا متنا وكنا ترابا وعظاما ء‌إنا لمبعوثون - إلى قوله - أساطير الاولين) يعني اكاذيب الاولين فرد الله عليهم فقال: (بل آتيناهم بالحق وانهم لكاذبون) ثم رد الله على الثنوية الذين قالوا بآلهين فقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) قال: لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يختلفان فيخلق هذا ولا يخلق هذا ويريد هذا ولا يريد هذا ويطلب كل واحد منهما الغلبة وإذا أراد أحدهما خلق إنسان أراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا وبهيمة في حالة واحدة وهذا غير موجود فلما بطل هذا ثبت التدبير والصنع لواحد ودل أيضا التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد وذلك قوله: (ما اتخذ الله من ولد - إلى قوله - لعلى بعضهم على بعض) ثم قال آنفا (سبحان الله عما يصفون) وقوله: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) قال ما يقع في قلبك من وسوسة الشياطين وقوله: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها) فانها نزلت في مانع الزكاة والخمس وحدثني ابي عن خالد عن حماد عن حريز عن ابي عبدالله (ع) قال ما من ذي مال ذهب ولا فضة يمنع زكاة ماله او خمسه إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر وسلط عليه سباعا تريده وتحيد عنه (فيه خ ل) فاذا علم انه لا محيص له أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل وما من ذي مال ابل او بقر او غنم يمنع زكاة ماله إلا حسبه الله يوم القيامة بقاع قفر ينطحه كل ذات قرن بقرنها ولك ذي ظلف بظلفها وما من ذي مال نخل او زرع او كرم يمنع زكاة ماله إلا طوقه الله إلى يوم القيامة ورفع أرضه إلى سبع أرضين يقلده (يقلبه ك) إياهوقوله: (ومن ورائهم برزخ

      [94]

      إلى يوم يبعثون) قال البرزخ هو أمر بين امرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وهو رد على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل القيامة وهو قول الصادق (ع): والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ فاما إذا صار الامر الينا فنحن أولى بكم، وقال علي بن الحسين عليهما السلام: ان القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله: (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير)، يقول أم تسألهم اجرا فأجر ربك خير (وهو خير الرازقين) وقوله: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) فهو الجوع والخوف والقتل وقوله: (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون) يقول آيسون واما قوله: (غلبت علينا شقوتنا) فانهم علموا حين عاينوا أمر الآخرة ان الشقى كتب عليهم علموا حين لم ينفعهم العلم قالوا ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون (قال اخسؤا فيها ولا تكلمون) فبلغني والله اعلم انهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما حتى انتهوا إلى قعر جهنم.
      وقال علي بن ابراهيم في قوله: (فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون) فانه رد على من يفتخر بالانساب قال الصادق عليه السلام: لا يتقدم يوم القيامة أحد إلا بالاعمال والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله (يا ايها الناس ان العربية ليست بأب وجد وانما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي ألا انكم ولد آدم وآدم من تراب والله لعبد حبشي حين أطاع الله خير من سيد قرشي عصى الله وان اكرمكم عند الله اتقيكم " والدليل على ذلك قوله عزوجل: (فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون فمن ثقلت موازينه) يعني بالاعمال الحسنة (فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه) قال من الاعمال الحسنة (فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون) وقوله: (تلفح وجوههم النار) قال اي تلهب عليهم (فتحرقهم وهم فيها كالحون) اي مفتوحي الفم متربدي الوجوه وقوله: (قال كم لبثتم في الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم

      [95]

      فاسأل العادين) قال سل الملائكة الذين كانوا يعدون علينا الايام ويكتبون ساعاتنا وأعمالنا التي اكتسبناها فيها على الانام فرد الله عليهم فقال (قل) لهم يا محمد (ان لبثتم إلا قليلا لو انم كنتم تعلمون أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون) وقوله: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) اي لا حجة له به (فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون) وقل يا محمد (رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين)
        

      Comment

      • راية اليماني
        مشرف
        • 05-04-2013
        • 3021

        #33
        رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

          

        سورة النور
        مدنية آياتها اربع وستون
        (بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) يعني كي تذكروا وقوله: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهي ناسخة لقوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية) وقوله: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) يعني لا تأخذكم الرأفة على الزاني والزانية في دين الله (ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) في إقامة الحد عليهما.
        وكانت آية الرجم نزلت: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة نكالا من الله والله عليم حكيم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (وليشهد عذابهما) يقول ضربهما (طائفة من المؤمنين) يجمع لهم الناس إذا جلدوا.
        وقال علي بن ابراهيم: (ثم حرم الله عزوجل نكاح الزواني فقال (الزاني لا ينكح إلا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان او مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وهو رد على من يستحل التمتع بالزواني والتزويج بهن وهن المشهورات
        [96]

        المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن، ونزلت هذه الآية في نساء مكة كن مستعلنات بالزنا سارة وحنتمة والرباب كن يغنين بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فحرم الله نكاحهن، وجرت بعدهن في النساء من أمثالهن.
        والزنا على وجوه والحد فيه على وجوه فمن ذلك انه احضر عمر بن الخطاب ستة نفر أخذوا بالزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد وكان امير المؤمنين عليه السلام جالسا عند عمر فقال يا عمر ليس هذا حكمهم، قال: فأقم انت عليهم الحد، فقدم واحدا منهم فضرب عنقه وقدم الثاني فرجمه وقدم الثالث فضربه الحد وقدم الرابع فضربه نصف الحد وقدم الخامس فعزره واما السادس فأطلقه فتعجب عمر وتحير الناس، فقال عمر: يا ابا الحسن ستة نفر في قضية واحدة اقمت عليهم ست عقوبات ليس منها حكم يشبه الآخر فقال نعم اما الاول فكان ذميا زنى بمسلمة وخرج عن ذمته فالحكم فيه السيف، واما الثاني فرجل محصن زنى فرجمناه، واما الثالث فغير محصن فحددناه، واما الرابع فعبد زنى فضربناه نصف الحد، واما الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشبهة فعزرناه وأدبناه واما السادس فمجنون مغلوب على عقله سقط منه التكليف.
        واما قوله: (والذين يرمون المحصنات - إلى قوله - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) فانه حدثني ابي عن حماد عن حريز عن ابي عبدالله عليه السلام قال القاذف يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدا إلا بعد التوبة او يكذب نفسه فان شهد له ثلاثة وابى واحد يجلد الثلاثة ولا يقبل شهادتهم حتى يقول اربعة رأينا مثل الميل في المكحلة، ومن شهد على نفسه انه زنى لم تقبل شهادته حتى يعيد اربع مرات.
        حدثني ابي عن عبدالرحمن بن ابي بحران عن عاصم بن حميد عن ابي بصير قال قال ابوعبدالله عليه السلام: إنه جاء رجل إلى امير المؤمنين عليه السلام فقال له يا امير المؤمنين

        [97]

        اني زنيت فطهرني فقال امير المؤمنين عليه السلام: أبك جنة؟ فقال: لا قال: أفتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم فقال له: ممن انت؟ فقال: أنا من مزنية او جهينة قال: اذهب حتى اسأل عنك فسأل عنه، قالوا: يا امير المؤمنين هذا رجل صحيح العقل مسلم، ثم رجع اليه فقال: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني، فقال: ويحك ألك زوجة؟ قال: نعم، قال: فكنت حاضرها او غائبا عنها؟ قال: بل كنت حاضرها قال: اذهب حتى ننظر في امرك، فجاء اليه الثالثة فذكر له ذلك، فأعاد عليه امير المؤمنين عليه السلام فذهب ثم رجع في الرابعة، فقال: إني زنيت فطهرني، فأمر امير المؤمنين بحبسه ثم نادى امير المؤمنين عليه السلام: ايها الناس ان هذا الرجل يحتاج ان نقيم عليه حد الله فاخرجوا متنكرين لا يعرف بعضكم بعضا ومعكم احجاركم، فلما كان من الغد اخرجه امير المؤمنين عليه السلام بالغلس(1) وصلى ركعتين ثم حفر حفيرة ووضعه فيها ثم نادى: ايها الناس ان هذه حقوق الله لا يطلبها من كان عنده لله حق مثله فمن كان لله عليه حق مثله فلينصرف فانه لا يقيم الحد من الله من لله عليه الحد فانصرف الناس فأخذ امير المؤمنين عليه السلام حجرا فكبر اربع تكبيرات فرماه ثم اخذ الحسن عليه السلام مثله ثم فعل الحسين عليه السلام مثله فلما مات اخرجه امير المؤمنين عليه السلام وصلى عليه فقالوا: يا امير المؤمنين ألا تغسله؟ قال: قد اغتسل بما هو منها طاهر إلى يوم القيامة ثم قال امير المؤمنين عليه السلام: ايها الناس من اتى هذه الفاذورة(2) فليتب إلى الله فيما بينه وبين الله فو الله لتوبة إلى الله في السر لافضل من ان يفضح نفسه ويهتك ستره.


        ___________________________________
        (1) الغلس بالتحريك: الظلمة آخر الليل.
        (2) الفاحشة الزنا ومنه قوله عليه السلام: " ايها الناس اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها ".مجمع
        [98]

        واما قوله (والذين يرمون أزواجهم - إلى قوله - إن كان من الصادقين) فانها نزلت في اللعان، وكان سبب ذلك انه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك جاء اليه عويمر بن ساعدة العجلاني وكان من الانصار، فقال يا رسول الله ان امرأتي زنى بها شريك بن السمحا وهي منه حامل، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله فأعاد عليه القول، فأعرض عنه حتى فعل ذلك اربع مرات، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله منزله فنزلت عليه آية اللعان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى بالناس العصر وقال لعويمر: إئتني بأهلك فقد انزل الله فيكما قرآنا، فجاء اليها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله يدعوك وكانت في شرف من قومها، فجاء معها جماعة فلما دخلت المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعويمر تقدما إلى المنبر والتعنا، قال فكيف أصنع؟ فقال تقدم وقل: أشهد بالله اني إذا لمن الصادقين فيما رميتها به، قال فتقدم وقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أعدها فأعادها ثم قال أعدها حتى فعل ذلك اربع مرات، فقال له في الخامسة عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به فقال (والخامسة ان لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) فيما رماها به ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن اللعنة لموجبة إن كنت كاذبا ثم قال له تنح فتنحى عنه، ثم قال لزوجته تشهدين كما شهد وإلا أقمت عليك حد الله، فنظرت في وجوه قومها فقالت لا اسود هذه الوجوه في هذه العشية، فتقدمت إلى المنبر وقالت: أشهد بالله ان عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله أعيديها فأعادتها حتى أعادتها اربع مرات فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله العني نفسك في الخامسة إن كان من الصادقين فيما رماك به فقالت في (الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فيما رماني به فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله ويلك ويلك انها موجبة إن كنت كاذبة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لزوجها اذهب فلا تحل لك أبدا قال يا رسول الله فمالي الذي أعطيتها؟ قال إن كنت كاذبا فهو

        [99]

        ابعد لك منه وإن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها.
        ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن جاء‌ت بالولد اخمش الساقين واخفش العينين جعد قطط فهو للامر السئ وإن جاء‌ت به اشهل اصهب(1) فهو لابيه فيقال انها جاء‌ت به على الامر السئ، فهذه لا تحل لزوجها وإن جاء‌ت بولد لا يرثه ابوه وميراثه لامه وإن لم يكن له ام فلاخواله وان قذفه احد جلد حد القاذف، واما قوله: (ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) فان العامة رووا انها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة واما الخاصة فانهم رووا انها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عايشة‌ء المنافقات.
        حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال حدثنا عبدالله (محمد خ ل) بن بكير عن زرارة قال: سمعت ابا جعفر عليهما السلام يقول: لما مات ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله حزن عليه حزنا شديدا فقالت عايشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وامره بقتله فذهب علي عليه السلام اليه ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط وضرب علي عليه السلام باب البستان فأقبل اليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا عليه السلام عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح الباب فوثب علي عليه السلام على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي ان يرهقه صعد في نخلة وصعد علي عليه السلام في اثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فاذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال


        ___________________________________
        (1) قطط كصنم: قصير الشعر جعده ج قطون وقطاط، اشهل: يخالط سواد العين بزرقة، اصهب: تكون في الشعر حمرة او شقرة.ج.ز.
        [100]

        يا رسول الله إذا بعثتني في الامر اكون فيه كالمسمار المحمى في الوتر ام اثبت؟ قال فقال لا بل اثبت، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الحمد لله الذى يصرف عنا السوء اهل البيت(1) وقال علي بن ابراهيم في قوله: (إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت اذناه كان من الذين قال الله فيهم " ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة " ثم ادب الله تعالى خلقه فقال: (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم - إلى قوله - فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) قال معناه معلما للناس (فان لم تجدوا فيها احدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ولا يأتل اولوا الفضل منكم والسعة ان يؤتوا اولي القربى) وهى قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله (والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا) يقول يعفو بعضكم عن بعض ويصفح فاذا فعلتم كانت رحمة من الله لكم يقول الله: (ألا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم) وقوله: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) يقول غافلات عن الفواحش وقوله: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات


        ___________________________________
        (1) لا يتوهم متوهم ان هذا الخبر دال على منقصة في رسول الله صلى الله عليه وآله حيث امر بقتل القبطي بدون إثبات جرمه وبدون التثبت فيه، وجوابه ان امر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله ها هنا مشتمل على مصلحة، فانه في عاقبة هذا الامر ظهر كون القبطي عنينا ولو لم يكن هذا الانكشاف لكان دون إثبات براء‌ة مارية القبطية خرط القتاد.ج.ز.
        [101]

        والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات اولئك مبرء‌ون مما يقولون) يقول الخبيثات من الكلام والعمل للخبيثين من الرجال والنساء يلزمونهم ويصدق عليهم من قال والطيبون من الرجال والنساء من الكلام والعمل للطيبات واما قوله: (حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها) قال الاستيناس هو الاستيذان حدثني علي بن الحسين قال حدثني احمد بن ابي عبدالله عن ابيه عن ابان عن عبدالرحمن بن ابي عبدالله عن ابي عبدالله عليه السلام قال: الاستيناس وقع النعل والتسليم وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) وقال هو سلامك على اهل البيت وردهم عليكم فهو سلامك على نفسك ثم رخص الله تعالى فقال: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم) قال الصادق عليه السلام: هي الحمامات والخانات والارحية تدخلها بغير إذن وقوله: (قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم).
        فانه حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فانها من النظر فلا يحل لرجل مؤمن ان ينظر إلى فرج اخيه ولا يحل للمرأة ان تنظر إلى فرج اختها وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار، والزينة ثلاث: زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج، فاما زينة الناس فقد ذكرناه، واما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج(1) وما دونه والخلخال وما اسفل منه. واما زينة للزوج فالجسد كله واما قوله: (او التابعين


        ___________________________________
        (1) دملج كقنفذ ج دمالج: حلي يلبس في المعصم.ج.ز.
        [102]

        غير اولي الاربة من الرجال) فهو الشيخ الكبير الفاني الذي لا حاجة له في النساء والطفل الذي لم يظهر على عورات النساء واما قوله: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) يقول ولا تضرب إحدى رجليها بالاخرى ليقرع الخلخال بالخلخال واما قوله: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فكانوا في الجاهلية لا ينكحون الايامى فأمر الله المسلمين ان ينكحوا الايامى، وقال علي بن ابراهيم: الايم التي ليس لها زوج واما قوله: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) فان العبيد والاماء كانوا يقولون لاصحابهم كاتبونا ومعنى ذلك انهم يشترون انفسهم من اصحابهم على انهم يؤدون ثمنهم في نجمين(1) او ثلاث انجم فيمتنعون عليهم فقال: (كاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) ومعنى قوله: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال: إذا كاتبتموهم تجعلوا لهم من ذلك شيئا وقوله: (ولا تكرهوا فتياكم على البغاء ان اردن تحصنا) قال كانت العرب وقريش يشترون الاماء ويجعلون عليهن الضرببة الثقيلة ويقولون اذهبن وازنين واكتسبن فنهاهم الله عزوجل عن ذلك فقال: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء - إلى قوله - غفور رحيم) اي لا يؤاخذهن الله بذلك إذا اكرهن عليه، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال: هذه الآية منسوخة نسختها " فان اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ".
        حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا محمد بن الحسن الصايغ قال حدثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال سمعت ابا عبدالله


        ___________________________________
        (1) نجم: ما يؤدى من الدين في وقت معين يقال " جعلت مالي عليه نجوما " ج.ز
        [103]

        عليه السلام يقول في قول الله (الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة) المشكاة فاطمة عليها السلام (فيها مصباح المصباح) الحسن والحسين(1) (في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري) كأن فاطمة عليها السلام كوكب دري بين نساء اهل الارض (يوقد من شجرة مباركة) يوقد من ابراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام (لا شرقية ولا غربية) يعني لا يهودية ولا نصرانية (يكاد زيتها يضئ) يكاد العلم يتفجر منها (ولو لم تمسسه نار نور على نور) إمام منها بعد إمام (يهدي الله لنوره من يشاء) يهدي الله للائمة من يشاء ان يدخله في نور ولايتهم مخلصا (ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم) حدثنا حميد بن زياد عن محمد ابن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام في هذه الآية " الله نور السموات والارض " قال بدأ بنور نفسه تعالى " مثل نوره " مثل هداه في قلب المؤمن " كمشكوة فيها مصباح المصباح " والمشكاة جوف المؤمن والقنديل قلبه والمصباح النور الذي جعله الله في قلبه " يوقد من شجرة مباركة " قال الشجرة المؤمن " زيتونة لا شرقية ولا غربية " قال على سواء الجبل لا غربية اي لا شرق لها ولا شرقية اي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها وإذا غربت الشمس غربت عليها " يكاد زيتها يضئ " يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يضئ وإن لم يتكلم " نور على نور " فريضة على فريضة وسنة على سنة " يهدي الله لنوره من يشاء " يهدي الله لفرايضه وسننه من يشاء " ويضرب الله الامثال للناس " فهذا مثل ضربه الله للمؤمن، قال فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور، مدخله ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومصيره يوم القيامة إلى الجنة نور، قلت لجعفر بن محمد عليهما السلام جعلت فداك يا سيدي انهم يقولون مثل نور الرب؟ قال سبحان الله ليس لله مثل قال الله لا تضربوا لله الامثال.
        حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن(2) محمد بن مالك قال حدثنا القاسم


        ___________________________________
        (1) وفى ط (مصباح) الحسن و (المصباح) الحسين(2) وفى ط محمد بن جعفر
        [104]

        ابن الربيع عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه) قال هي بيوت الانبياء وبيت على عليه السلام منها قال علي بن ابراهيم في قوله: " الله نور السموات والارض - إلى قوله - والله بكل شئ عليم " فانه حدثني ابي عن عبدالله بن جندب قال كتبت إلى ابي الحسن الرضا عليه السلام اسأل عن تفسير هذه الآية فكتب إلي الجواب: اما بعد فان محمدا كان امين الله في خلقه فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله كنا اهل البيت ورثنه فنحن امناء الله في ارضه عندنا علم المنايا والبلايا وانساب العرب ومولد الاسلام وما من فئة تضل مأة به وتهدي مأة به إلا ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق وان شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم واسماء آبائهم اخذ الله علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة، نحن آخذون بحجزة نبينا(1) ونبينا آخذ بحجزة ربنا والحجزة النور وشيعتنا آخذون بحجزتنا، من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر ومتبعنا وتابع اوليائنا مؤمن، لا يحبنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ومن مات وهو يحبنا كان حقا على الله ان يبعثه معنا، نحن نور لمن تبعنا، وهدى لمن اهتدى بنا ومن لم يكن منا فليس من الاسلام في شئ وبنا فتح الله الدين وبنا يختمه، وبنا اطعمكم الله عشب الارض، وبنا انزل الله قطر السماء، وبنا آمنكم الله من الغرق في بحركم ومن الخسف في بركم وبنا نفعكم الله في حياتكم وفي قبوركم وفي محشركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان، مثلنا في


        ___________________________________
        (1) حجزة كحجزة: موضع التكة من السراويل يقال " هذا كلام آخذ بعضه بحجزة بعض " اي متناظم متناسق.ج.ز.
        [105]

        كتاب الله كمثل مشكاة والمشكاة في القنديل فنحن المشكاة فيها مصباح، المصباح محمد رسول الله صلى الله عليه وآله " المصباح في زجاجة " من عنصرة طاهرة " الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية " لا دعية ولا منكرة " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " القرآن " نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم " فالنور علي عليه السلام يهدي الله لولايتنا من احب، وحق على الله ان يبعث ولينا مشرقا وجهه منيرا برهانه ظاهرة عند الله حجته حق على الله ان يجعل اولياء‌نا المتقين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا، فشهداؤنا لهم فضل على الشهداء بعشر درجات ولشهيد شيعتنا فضل على كل شهيد غيرنا بتسع درجات نحن النجباء ونحن افراط الانبياء ونحن اولاد الاوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله ونحن اولى الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك - يا محمد.
        وما وصينا به ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب، قد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ونحن ورثة الانبياء ونحن ورثة اولي العلم واولي العزم من الرسل ان اقيموا الدين (ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ك) كما قال الله " ولا تتفرقوا فيه وان كبر على المشركين ما تدعوهم اليه " من الشرك من اشكر بولاية علي عليه السلام " ما تدعوهم اليه " من ولاية علي عليه السلام يا محمد " فيه هدى ويهدي اليه من ينيب " من يجيبك إلي بولاية علي عليه السلام وقد بعثت اليك بكتاب فتدبره وافهمه فانه شفاء لما في الصدور ونور، والدليل على ان هذا مثل لهم.
        قوله (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال - إلى قوله - بغير حساب) ثمضرب الله مثلا لاعمال من نازعهم فقال (والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة) والسراب هو الآل تراه بالمفازة

        [106]

        يلمع من بعيد كأنه الماء وليس في الحقيقة بشئ فاذا جاء العطشان لم يجده شيئا والبقيعة المفازة المستوية، حدثنا محمد بن همام (جعفر بن ط) عن محمد بن مالك عن محمد بن الحسين الصايغ عن الحسن بن علي عن صالح بن سهل قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول في قول الله (او كظلمات) فلان وفلان (في بحر لجى يغشاه موج) يعنى نعثل (من فوقه موج) طلحة وزبير (ظلما بعضها فوق بعض) معاوية ويزيد وفتن بنى امية (اذا اخرج يده) في ظلمة فتنتهم (لم يكد يريها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور) يعني إماما من ولد فاطمة (ع)، فماله من نور فماله من إمام يوم القيامة يمشي بنوره يعني كما في قوله: يسعى نورهم بين ايديهم وبأيمانهم قال: إنما المؤمنون يوم القيامة نورهم يسعى بين ايديهم وبأيمانهم حتى ينزلوا منازلهم من الجنان.
        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (الم تر ان الله يسبح له من في السموات والارض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) فانه حدثني ابي عن بعض اصحابه يرفعه إلى الاصبغ بن نباتة قال قال امير المؤمنين (ع): إن لله ملكا في صورة الديك الاملح الاشهب براثينه(1) في الارض السابعة وعرفه تحت العرش له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب فاما الجناح الذي بالمشرق فمن ثلج واما الجناح الذي بالمغرب فمن نار فكلما حضر وقت الصلاة قام الديك على براثينه ورفع عرفه من تحت العرش ثم أمال احد جناحيه على الارض يصفق بهما كما يصفق الديكة في منازلكم فلا الذي من الثلج يطفي النار ولا الذي من النار يذيب الثلج ثم ينادي بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وان وصيه خير الوصيين سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فلا يبقى في


        ___________________________________
        (1) جمع برثن كقنفذ وهو ما في الطير بمنزلة الظفر في الانسان.مجمع
        [107]

        الارض ديك إلا اجابه وذلك قوله: " والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه " اخبرنا احمد بن إدريس عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن علي الوشا عن صديق بن عبدالله عن اسحاق بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ما من طير يصاد في البر ولا في البحر ولا يصاد شئ من الوحش إلا بتضييعه التسبيح.
        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (الم تر ان الله يزجي سحابا) اي يثيره من الارض ثم يؤلف بينه فاذا غلظ (علا خ ل) بعث الله ملكا من الرياح وهو قوله: (فترى الودق يخرج من خلاله) اي المطر وقوله: (والله خلق كل دابة من ماء) اي من مياه (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على اربع يخلق الله ما يشاء ان الله على كل شئ قدير) قال على رجلين الناس وعلى بطنه الحيات وعلى اربع البهائم وقال ابوعبدالله (ع) ومنهم من يمشي على اكثر من ذلك وقوله: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا - إلى قوله - وما اولئك بالمؤمنين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن سنان عن ابي عبدالله (ع) قال: نزلت هذه الآية في امير المؤمنين (ع) والثالث وذلك انه كان بينهما منازعة في حديقة فقال امير المؤمنين (ع) نرضى برسول الله صلى الله عليه وآله فقال عبدالرحمن بن عوف له لا تحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فانه يحكم له عليك ولكن حاكمه إلى ابن ابي شيبة اليهودي فقال لامير المؤمنين (ع) لا ارضى إلا بابن شيبة اليهودي فقال ابن شيبة له تأتمنون محمدا (رسول الله خ ل) على وحي السماء وتتهمونه في الاحكام ! فأنزل الله على رسوله (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم - إلى قوله - اولئك هم الظالمون) ثم ذكر امير المؤمنين عليه السلام فقال: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا - إلى قوله - اولئك هم الفائزون) وقوله: (قل اطيعوا الله

        [108]

        واطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل) قال ما حمل النبي صلى الله عليه وآله من النبوة (وعليكم ما حملتم) من الطاعة ثم خاطب الله الائمة ووعدهم ان يستخلفهم في الارض من بعد ظلمهم وغصبهم فقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم - إلى قوله - لا يشركون بي شيئا) وهذا مما ذكرنا ان تأويله بعد تنزيله وهو معطوف على قوله: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ".
        واما قوله: (يا ايها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم - إلى قوله - ثلاث عورات لكم) قال: إن الله تبارك وتعالى نهى ان يدخل احد في هذه الثلاثة الاوقات على احد لا اب ولا اخت ولا ام ولا خادم إلا باذن هذه والاوقات بعد طلوع الفجر ونصف النهار وبعد العشاء الآخرة، ثم اطلق بعد هذه الثلاثة الاوقات فقال: (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) يعني بعد هذه الثلاثة الاوقات وقوله: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) قال نزلت في العجايز اللاتي قد يئسن من المحيض والتزويج ان يضعن الثياب ثم قال (وان يستعففن خير لهن) اي لا يظهرن للرجال، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله: (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج) وذلك ان اهل المدينة قبل ان يسلموا كانوا يعزلون الاعمى والاعرج والمريض وكانوا لا يأكلون معهم وكانت الانصار فيهم تيه وتكرم فقالوا: ان الاعمى لا يبصر الطعام والاعرج لا يستطيع الزحام على الطعام والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا لهم طعامهم على ناحية وكانوا يرون عليهم في مواكلتهم جناحا وكان الاعمى والمريض يقولون لعلنا نؤذيهم اذا اكلنا معهم فاعتزلوا مواكلتهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله سألوه عن ذلك فأنزل الله (ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا او اشتاتا).

        [109]

        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ان تأكلوا من بيوتكم او بيوت آبائكم او بيوت امهاتكم او بيوت اخوانكم او بيوت اخواتكم او بيوت اعمامكم او بيوت عماتكم او بيوت اخوالكم او بيوت خالاتكم او ما ملكتم مفاتحه اوصديقكم ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا او أشتاتا) فانها نزلت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وآخى بين المسلمين من المهاجرين والانصار وآخى بين ابي بكر وعمر وبين عثمان وعبدالرحمان بن عوف وبين طلحة والزبير وبين سلمان وابي ذر وبين المقداد وعمار وترك امير المؤمنين عليه السلام فاغتم من ذلك غما شديدا، فقال: يا رسول الله بأبي انت وامي لم لا تواخي بيني وبين احد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله والله يا علي ما حبستك إلا لنفسي أما ترضى ان تكون اخي وأنا اخوك وانت اخي في الدنيا والآخرة وانت وصيي ووزيرى وخليفتي في امتي تقضي ديني وتنجز عداتي وتتولى على غسلي ولا يليه غيرك وانت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي، فاستبشر امير المؤمنين بذلك فكان بعد ذلك إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وآله احدا من اصحابه في غزاة او سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى اخيه في الدين ويقول له خذ ما شئت وكل ما شئت فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت فأنزل الله " ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا او اشتاتا " يعني ان حضر صاحبه او لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه وقوله: (فاذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله قال يقول إذا دخل الرجل منكم بيته فان كان فيه احد يسلم عليهم وإن لم يكن فيه احد فليقل السلام علينا من عند ربنا يقول الله تحية من عند الله مباركة طيبة وقيل إذا لم ير الداخل بيتا احدا فيه يقول السلام عليكم ورحمة الله يقصد به الملكين الذين عليه شهودا.
        وقال علي بن ابراهيم في قوله (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله

        [110]

        - إلى قوله - حتى يستأذنوه) فانها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله لامر من الامور في بعث يبعثه او حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه فنهاهم الله عزوجل عن ذلك وقوله (فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) قال نزلت في حنظلة بن ابي عياش وذلك انه تزوج في الليلة التي في صبيحتها حرب احد، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عند اهله فأنزل الله هذه الآية (فاذن لمن شئت منهم) فأقام عند اهله ثم اصبح وهو جنب فحضر القتال واستشهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحايف فضة بين السماء والارض فكان يسمى " غسيل الملائكة " وقوله: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعض) قال لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم بعضا ثم قال: (فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة) يعني بلية (او يصيبهم عذاب اليم) قال القتل، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) يقول لا تقولوا يا محمد ولا يا ابا القاسم لكن قولوا يا نبي الله ويا رسول الله قال الله: " فليحذر الذين يخالفون عن امره " اي يعصون امره " ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم.
          

        Comment

        • راية اليماني
          مشرف
          • 05-04-2013
          • 3021

          #34
          رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

            
          سورة الفرقان
          مكية آياتها سبع وسبعون
          (بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) ثم مدح عزوجل نفسه فقال: (الذي له ملك السموات والارض - إلى قوله - تقديرا) ثم احتج عزوجل على قريش في عبادة الاصنام فقال (واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون - إلى قوله - ولا نشورا) ثم حكى
          [111]
          عزوجل ايضا فقال (وقال الذين كفروا ان هذا) يعني القرآن (إلا افك افتراه واعانه عليه قوم آخرون) قالوا ان هذا الذي يقرأه محمد ويخبرنا به انما يتعلمه من اليهود ويكتبه من علماء النصارى ويكتب عن رجل يقال له ابن قبيطة وينقله عنه بالغداة والعشي فحكى الله قولهم ورد عليهم فقال (وقال الذين كفروا ان هذا إلا افك افتريه - إلى قوله - بكرة وأصيلا) فرد الله عليهم (وقال قل لهم - يا محمد (انزله الذي يعلم السر في السموات والارض انه كان غفورا رحيما) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " افك افتريه " قال الافك الكذب " وأعانه عليه قوم آخرون " يعنون ابا فكيهة وحبرا وعداسا وعابسا مولى حويطب وقوله (اساطير الاولين اكتتبها) فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة ابن كلدة قال اساطير الاولين اكتتبها محمد (فهى تملى عليه بكرة وأصيلا).
          قال علي بن ابراهيم ثم حكى الله قولهم ايضا فقال (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل الله اليه ملك فيكون معه نذيرا او يلقى اليه كنز او تكون له جنة يأكل منها) فرد الله عزوجل عليهم فقال (وما ارسلنا قبلك من المرسلين - إلى قوله - وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) اي اختبارا فعير رسول الله صلى الله عليه وآله بالفقر فقال الله تعالى (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا) حدثنا محمد بن عبدالله عن ابيه عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل بن جميل البرقي (الرقى ط) عن جابر بن يزيد الجعفي قال قال ابوجعفر عليه السلام: نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا " وقال الظالمون لآل محمد حقهم ان تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " قال إلى ولاية علي وعلي عليه السلام هو السبيل، حدثنا محمد بن همام عن جعفر ابن محمد بن مالك قال حدثني محمد بن المستنير (المثنى ط) عن ابيه عن عثمان بن زيد عن جابر
          [112]
          ابن يزيد عن ابي جعفر عليه السلام مثله.
          حدثنا احمد بن علي قال حدثني الحسين بن احمد عن احمد بن هلال عن عمر الكلبي عن ابي الصامت قال قال ابوعبدالله عليه السلام: ان الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة وان علي بن ابي طالب عليه السلام اشرف ساعة من اثنتي عشرة ساعة وهو قول الله تعالى (بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا).
          قال علي بن ابراهيم ثم ذكر الدهرية وما اعده لهم فقال (بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد) قال من مسيرة سنة (سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا القوا منها) اي فيها (مكانا ضيقا مقرنين) قال مقيدين بعضهم مع بعض (دعوا هنالك ثبورا) ثم ذكر عزوجل احتجاجه على الملحدين وعبدة الاصنام والنيران يوم القيامة وعبدة الشمس والقمر والكواكب وغيرهم فقال (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول) الله لمن عبدوهم (ء‌أنتم اضللتم عبادي هؤلاء ام هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء - إلى قوله - قوما بورا) اي قوم سوء، ثم يقول عزوجل للناس الذين عبدوهم (فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا - وقوله - ويقولون حجرا محجورا) اي قدرا مقدورا.
          واما قوله (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام قال يبعث الله يوم القيامة قوما بين أيديهم نور كالقباطي(1) ثم يقال له كن
          ___________________________________
          (1) قباطي جمع قبطي بضم القاف ثياب بيض نسبة إلى القبط بكسر القاف ومنه حديث اسامة " كساني رسول الله قبطية " مجمع ج.ز.
          [113]
          هباء‌ا منثورا ثم قال: أما والله يا ابا حمزة انهم كانوا ليصومون ويصلون ولكن كانوا إذا عرض لهم شئ من الحرام اخذوه وإذا عرض لهم شئ من فضل امير المؤمنين عليه السلام انكروه قال والهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في الكوة من شعاع الشمس وقوله (ويوم يعض الظالم على يديه) قال الاول يقول (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) قال ابوجعفر عليه السلام يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول عليا وليا (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) يعني الثاني (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاء‌ني) يعني الولاية (وكان الشيطان) وهو الثاني (للانسان خذولا) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) فبلغنا والله اعلم انه إذا استوى اهل النار إلى النار لينطلق بهم قبل ان يدخلوا النار فيقال لهم: ادخلوا إلى ظل ذي ثلاث شعب من دخان النار فيحسبون انها الجنة ثم يدخلون النار افواجا افواجا وذلك نصف النهار، وأقبل اهل الجنة فيما اشتهوا من التحف حتى يعطوا منازلهم في الجنة نصف النهار فذلك قول الله عزوجل: " اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا " حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك عن محمد ابن حمدان عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألته عن قول الله " ويوم تشقق السماء بالغمام " قال: الغمام امير المؤمنين عليه السلام.
          وقال علي بن ابراهيم في قوله (وعادا وثمود واصحاب الرس) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله (ع) قال دخلت امرأة مع مولاة لها على ابي عبدالله (ع) فقالت ما تقول في اللواتي مع اللواتي؟ قال: هن في النار إذا كان يوم القيامه يؤتى بهن فألبسن جلبابا من نار وخفين من نار وقناعا من نار وادخل في اجوافهن وفروجهن اعمدة من النار وقذف بهن في النار، فقالت أليس هذا في كتاب الله.
          قال: بلى، قالت اين هو؟ قال: قوله " وعادا
          [114]
          وثمود واصحاب الرس " فهن الرسيات وقوله (وكلا تبرنا تتبيرا) اخبرنا احمد ابن ادريس عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن جعفر بن غياث عن ابي عبدالله (ع) في قوله " وكلانا تبرنا تتبيرا " يعني كسرنا تكسيرا، قال هي لفظة بالنبطية (بالقبطية ط)، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) قال: واما القرية (التي أمطرت مطر السوء) فهي سدوم قرية قوم لوط أمطر الله عليهم حجارة من سجيل يقول من طين.
          وقال علي بن ابراهيم في قوله (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال نزلت في قريش، وذلك انه ضاق عليهم المعاش فخرجوا من مكة وتفرقوا فكان الرجل إذا رأى شجرة (صخرة ط) حسنة او حجرا حسنا هواه فعبده وكانوا ينحرون لها النعم ويلطخونها بالدم ويسمونها سعد صخرة وكان إذا اصابهم داء في إبلهم وأغنامهم جاؤا إلى الصخرة فيتمسحون بها الغنم والابل، فجاء رجل من العرب بابل له يريد ان يتمسح بالصخرة لابله ويبارك عليها فنفرت إبله وتفرقت فقال الرجل شعرا: أتيت إلى سعد ليجمع شلمنا * فشتتنا سعد فما نحن من سعد وما سعد إلا صخرة مستوية * من الارض لا تهدي لغي ولا رشد ومر به رجل من العرب والثعلب يبول عليه، فقال شعرا: ورب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب واما قوله (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن بريد العجلي عن ابى عبدالله (ع) قال سألته عن قول الله " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا " قال: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته
          [115]
          من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه(1) فجرى بذلك الضلع بينهما نسب ثم زوجها إياه فجرى بينهما بسبب ذلك صهر فذلك قوله (نسبا وصهرا) فالنسب يا اخا بنى عجل ما كان من نسب الرجال والصهر ما كان بسبب النساء، وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) فقال الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقوله (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج) فالاجاج المر (وجعل بينهما برزخا) يقول حاجزا وهو المنتهى (وحجرا محجورا) يقول حراما محرما بأن يغير طعم واحد منهما طعم الآخر واما قوله (وكان الكافر على ربه ظهيرا).
          فقال علي بن ابراهيم: قد يسمى الانسان ربا لغة لقوله " اذكرنى عند ربك " وكل مالك لشئ يسمى ربه فقوله " وكان الكافر على ربه ظهيرا " قال الكافر الثانى كان على امير المؤمنين (ع) ظهيرا (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) قال جوابه (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان) وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع) في قوله تبارك وتعالى (تبارك الذي
          ___________________________________
          (1) لا يخفى أن هذه الرواية وردت موافقة للعامة وقد ورد في العلل والفقيه ما يدل على ردها من عدم خلقة حواء من ضلع آدم، فعن زرارة قال سئل ابوعبدالله عليه السلام عن خلق حواء من ضلع آدم الايسر الاقصى، قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا أيقول من يقول هذا ان الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه وجعل لمتكلم من اهل التشنيع سبيلا إلى الكلام يقول ان آدم كان ينكح بعضه بعضا (علل الشرائع ص 18)، فعليه يحمل ما في هذا التفسير اما على التقية او يجمع بين الخبرين يكون خلق حواء من بقية طين خلق منه ضلع آدم.ج.ز.
          [116]
          جعل في السماء بروجا) فالبروج الكواكب والبروج التي للربيع والصيف الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة وبروج الخريف والشتاء الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي اثنا عشر برجا.
          وقال علي بن ابراهيم في قوله (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا) فانه حدثني ابى عن صالح بن عقبة عن جميل عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال له رجل: جعلت فداك يابن رسول الله ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار أيجوز ذلك؟ قال قرة عين لك والله قرة عين لك ثلاثا ان الله يقول " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة " الآية فهو قضاء صلاة النهار بالليل وقضاء صلاة الليل بالنهار وهو من سر آل محمد المكنون وفي قوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا) قال نزلت في الائمة عليهم السلام، اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابي نجران عن حماد عن حريز عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا) قال الائمة (يمشون على الارض هونا) خوفا من عدوهم، وعنه عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليمان ابن جعفر قال سألت ابا الحسن عليه السلام عن قول الله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) قال هم الائمة عليهم السلام يتقون في مشيهم، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (إن عذابها كان غراما) يقول ملازما لا يفارق قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما) واثام واد من اودية جهنم من صفر مذاب قدامها خدة (حدة ط جرة ك) في جهنم يكون فيه من عبد غير الله ومن قتل النفس التي حرم الله ويكون فيه الزناة (ويضاعف له العذاب - إلى
          [117]
          قوله - فانه يتوب إلى الله متابا) يقول لا يعود إلى شئ من قلك، بالاخلاص ونية صادقة (والذين لا يشهدون الزور) قال الغناء ومجالس اللهو (إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) والاسراف الانفاق في المعصية في غير حق ولم يقتروا لم يبخلوا عن حق الله (وكان بين ذلك قواما) والقوام العدل والانفاق فيما أمر الله به.
          وقال علي بن ابراهيم في قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر - إلى قوله - يلق أثاما) قال واديا في جهنم يقال له اثام ثم استثنى عزوجل فقال: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) وحدثني ابي عن جعفر وابراهيم عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة اوقف الله المؤمن بين يديه وعرض عليه عمله فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعد فرائصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه فيقول الله عزوجل بدلوا سيئاتهم حسنات وأظهروها للناس فيبدل الله لهم فيقول الناس أما كان لهؤلاء سيئة واحدة وهو قوله " يبدل الله سيئاتهم حسنات ".
          قال: وقرئ عند ابي عبدالله عليه السلام (والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين إماما) فقال قد سألوا الله عظيما ان يجعلهم للمتقين أئمة ! فقيل له كيف هذا يا بن رسول الله؟ قال انما انزل الله " الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعل لنا من المتقين إماما " حدثنا محمد بن احمد قال حدثنا الحسن بن محمد عن حماد عن ابان ابن تغلب قال سألت ابا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل " الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين إماما " قال نحن هم اهل البيت وروى غيره ان " ازواجنا " خديجة " وذرياتنا " فاطمة " وقرة اعين " الحسن والحسين " واجعلنا للمتقين إماما " علي بن ابي طالب عليه السلام وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم)
          [118]
          يقول ما يفعل ربي بكم (فقد كذبتم فسوف يكون لزاما).

            

          Comment

          • راية اليماني
            مشرف
            • 05-04-2013
            • 3021

            #35
            رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

            سورة الشعراء
            مكية آياتها مأتان وسبع وعشرون



            (بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين) قال طسم هو حرف من حروف اسم الله الاعظم المرموز في القرآن وقوله (فلعلك باخع نفسك) اي خادع نفسك (ألا يكونوا مؤمنين)(1) وقوله (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال: تخضع رقابهم يعني بني امية وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الامر.
            وقوله (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين) فانه حدثني ابي عن الحسن بن علي بن فضال عن ابان بن عثمان عن ابي عبدالله عليه السلام قال لما بعث الله موسى إلى فرعون اتى بابه فاستأذن عليه فلم يؤذن له فضرب بعصاه الباب فاصطكت الابواب ففتحت ثم دخل على فرعون فأخبره انه رسول رب العالمين وسأله ان يرسل معه بني إسرائيل، فقال له فرعون كما حكى الله (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت) اي قتلت الرجل (وانت من الكافرين) يعني كفرت نعمتي قال موسى كما حكى الله (فعلتها إذا


            ___________________________________
            (1) لعل " خادع " ههنا بمعنى قاطع كما في الدعاء للمؤمنين الذين حبسهم المنصور " اللهم اخدع عنهم سلطانه " اي اقطع، فالمراد هنا انك قاطع نفسك عن الحباة حسرة على ان الكفار لم لا يكونون مؤمنين.ج.ز.


            [119]


            وأنا من الضالين(1) ففررت منكم لما خفتكم - إلى قوله - ان عبدت بني إسرائيل) فقال فرعون (وما رب العالمين) وإنما سأله عن كيفية الله فقال موسى (رب السموات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين) فقال فرعون متعجبا لاصحابه: (ألا تستمعون) اسأله عن الكيفية فيجيبني عن الصفات فقال موسى (ربكم ورب آبائكم الاولين) ثم قال لموسى: (لئن اتخذت إلها غيري لاجعلنك من المسجونين) قال موسى: (أولو جئتك بشئ مبين) قال فرعون (فات به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين) فلم يبق احد من جلساء فرعون إلا هرب ودخل فرعون من الرعب ما لم يملك به نفسه، فقال فرعون: أنشدك بالله وبالرضاع إلا ما كففتها عني فكفها ثم (نزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين).
            فلما أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه وهم بتصديقه فقام اليه هامان فقال له: بينما انت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون (للملا) الذين (حوله ان هذا لساحر عليم يريد ان يخرجكم من ارضكم بسحره فماذا تأمرون - إلى قوله - لميقات يوم معلوم) وكان فرعون وهامان قد تعلما السحر


            ___________________________________
            (1) قال في مجمع البيان: وأنا من الضالين اي فعلت هذه الفعلة وأنا من الجاهلين لم اعلم بأنها تبلغ القتل، وقيل من الضالين عن النبوة.
            اي لم يوح إلي تحريم قتله، وفي الصافي عن العيون عن الرضا عليه السلام انه سئل عن ذلك مع ان الانبياء معصومون فقال: قال وأنا من الضالين عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مداينكم ثم قال الكاشاني رحمه الله في توضيح هذا الحديث: لعل المراد انه ورى لفرعون فقصد الضلال عن الطريق وفرعون إنما فهم منه الجهل والضلال عن الحق فان الضلال عن الطريق لا يصلح عذرا للقتل ج ز


            [120]


            وإنما غلبا الناس بالسحر وادعى فرعون الربوبية بالسحر فلما أصبح بعث في المداين حاشرين مداين مصر كلها وجمعوا الف ساحر واختاروا من الالف مائة ومن المائة ثمانين، فقال السحرة لفرعون قد علمت انه ليس في الدنيا أسحر منا فان غلبنا موسى فما يكون لنا عندك؟ قال: (انكم إذا لمن المقربين) عندي اشارككم في ملكي، قالوا: فان غلبنا موسى وأبطل سحرنا علمنا ان ما جاء به ليس من قبل السحر ولا من قبل الحيلة وآمنا به وصدقناه فقال فرعون ان غلبكم موسى صدقته أنا ايضا معكم، ولكن اجمعوا كيدكم اي حيلتكم، قال وكان موعدهم يوم عيد لهم فلما ارتفع النهار من ذلك اليوم جمع فرعون الناس والسحرة وكانت له قبة طولها في السماء ثمانون ذراعا وقد كان كسيت بالحديد والفولاذ المصقول فكانت إذا وقعت الشمس عليها لم يقدر أحد ان ينظر اليها من لمع الحديد ووهج الشمس وجاء فرعون وهامان وقعدا عليها ينظران وأقبل موسى ينظر إلى السماء، فقالت السحرة لفرعون: إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ولن يبلغ سحرنا إلى السماء وضمنت السحرة من في الارض فقالوا لموسى اما ان تلقي واما ان نكون نحن الملقين (قال لهم موسى ألقوا ما انتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم) فأقبلت تضطرب وصارت مثل الحيات (قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) فأوجس في نفسه خيفة موسى فنودي " لا تخف انك انت الاعلى والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث اتى ".
            فألقى موسى العصا فذابت في الارض مثل الرصاص ثم طلع رأسها وفتحت فاها ووضعت شدقها العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت وأرخت شفتها السفلى والتقمت عصي السحرة وحبالها وغلب كلهم وانهزم الناس حين رأوها وعظمها وهو لها مما لم تر العين ولا وصف الواصفون مثله فقتل في الهزيمة من وطي الناس عشرة آلاف رجل وامرأة وصبي ودارت على قبة فرعون قال فأحدث فرعون


            [121]


            وهامان في ثيابهما وشاب رأسهما وغشي عليهما من الفزع ومر موسى في الهزيمة مع الناس، فناداه الله " خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى " فرجع موسى ولف على يده عباء‌ا كانت عليه ثم ادخل يده في فمها فاذا هي عصا كما كانت وكان كما قال الله (فألقي السحرة ساجدين) لما رأوا ذلك (قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهرون) فغضب فرعون عند ذلك غضبا شديدا و (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم انه لكبيركم) يعني موسى (الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولاصلبنكم اجمعين) فقالوا له كما حكى الله (لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا اول المؤمنين) فحبس فرعون من آمن بموسى حتى انزل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، فأطلق فرعون عنهم فأوحى الله إلى موسى (أن اسر بعبادي انكم متبعون) فخرج موسى ببني إسرائيل ليقطع بهم البحر.
            وجمع فرعون أصحابه وبعث في المدائن حاشرين وحشر الناس وقدم مقدمته في ستمائة الف وركب هو في الف الف وخرج كما حكى الله عزوجل (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني اسرائيل فاتبعوهم مشرقين) فلما قرب موسى البحر وقرب فرعون من موسى (قال اصحاب موسى إنا لمدركون) قال موسى (كلا ان معي ربي سيهدين) اي سينجيني.
            فدنا موسى عليه السلام من البحر فقال له انفلق، فقال البحر له: استكبرت يا موسى ان تقول لى انفلق لك ولم أعص الله طرفة عين وقد كان فيكم المعاصي، فقال له موسى فاحذر ان تعصي وقد علمت ان آدم اخرج من الجنة بمعصيته وانما إبليس لعن بمعصيته فقال البحر ربي عظيم مطاع أمره ولا ينبغي لشئ ان يعصيه، فقام يوسع بن نون فقال لموسى: يا رسول الله ما أمرك ربك؟ فقال: بعبور البحر، فاقتحم يوشع فرسه في الماء وأوحى الله إلى موسى (ان اضرب بعصاك


            [122]


            البحر) فضربه (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) اي كالجبل العظيم فضرب له في البحر اثنى عشر طريقا فأخذ كل سبط منهم في طريق فكان الماء قد ارتفع وبقيت الارض يابسة طلعت فيه الشمس فيبست كما حكى الله " فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى " ودخل موسى البحر وكان اصحابه اثنى عشر سبطا فضرب الله لهم في البحر اثنى عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق وكان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا يا موسى اين اخواننا؟ فقال لهم موسى معكم في البحر، فلم يصدقوه فأمر الله البحر فصارت طاقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ويتحدثون وأقبل فرعون وجنوده فلما انتهى إلى البحر قال لاصحابه ألا تعلمون اني ربكم الاعلى قد فرج لي البحر فلم يجسر احد ان يدخل البحر وامتنعت الخيل منه لهول الماء فتقدم فرعون حتى جاء إلى ساحل البحر فقال له منجمه لا تدخل البحر وعارضه فلم يقبل منه وأقبل على فرس حصان فامتنع الحصان ان يدخل الماء فعطف عليه جبرئيل وهو على ماديانة فتقدمه ودخل فنظر الفرس إلى الرمكة فطلبها ودخل البحر واقتحم أصحابه خلفه فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من أصحابه وآخر من خرج من أصحابه موسى أمر الله الرياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال فقال فرعون عند ذلك " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين " فأخذ جبرئيل كفا من حماة فدسها في فيه ثم قال: " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (لشرذمة قليلون) يقول عصبة قليلة (وإنا لجميع حاذرون) يقول مؤدون في الاداة وهو الشاك في السلاح واما قوله " ومقام كريم " يقول مساكن حسنة واما قوله " فاتبعوهم مشرقين " يعني عند طلوع الشمس واما قوله " معي ربي سيهدين " يقول سيكفين واما قوله (وازلفت


            [123]


            الجنة للمتقين) يقول قربت (وبرزت الجحيم) يقول نحيت(1) واما قوله: (افتح بيني وبينهم فتحا) يقول اقض بيني وبينهم قضاء‌ا وقال علي بن ابراهيم في قوله: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) قال: هو امير المؤمنين عليه السلام وقوله: (إلا من أتى الله بقلب سليم) قال: القلب السليم الذي يلقى الله وليس فيه أحد سواه.
            وقوله: (فكبكبوا فيها هم والغاوون) قال الصادق عليه السلام: نزلت في قوم وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره وفي خبر آخر قال: هم بنو امية " والغاوون " هم بنو فلان (قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين) يقولون لمن تبعوهم أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم اربابا ثم يقولون (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابي اسامة عن ابي عبدالله وابي جعفر عليهما السلام قالا: والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتى يقولوا أعداؤنا اذا رأوا ذلك (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو ان لنا كرة فنكون من المؤمنين) قال: من المهتدين قال: لان الايمان قد لزمهم بالاقرار وقوله: (قالوا أنؤمن لك يا نوح واتبعك الارذلون) قال الفقراء وقوله: (واذا بطشتم بطشتم جبارين) قال: نقتلون بالغضب من غير استحقاق وقوله: (ونخل طلعهاهضيم) اي ممتلئ وقوله: (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) اي حاذقين ويقرأ فرهين اي بطرين إلى قوله: (اني لعملكم من القالين) اي من المبغضين وقوله: (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الاولين) قال الخلق الاولين وقوله: (فكذبوه) قال قوم شعيب فأخذهم عذاب يوم ظلة)


            ___________________________________
            (1) من نحوته اي قصدته وفي نسخة ك " للغاوين " بعد " نحيت " ج.ز


            [124]


            قال يوم حر وسمائم(1) وقوله: (وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين) يعني القرآن، وحدثني ابي عن حسان (جنان) عن ابى عبدالله عليه السلام في قوله: (وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين) قال: الولاية نزلت لامير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير وقوله: (ولو نزلناه على بعض الاعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين) قال الصادق عليه السلام: لو انزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب وقد نزل على العرب فآمنت به العجم فهذه فضيلة العجم وقوله (وأنذر عشيرتك الاقربين) قال نزلت " ورهطك منهم المخلصين ".
            قال: نزلت بمكة فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني هاشم وهم اربعون رجلا كل واحد منهم يأكل الجذع(2) ويشرب القربة فاتخذ لهم طعاما يسيرا واكلوا حتى شبعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يكون وصيي ووزيري وخليفتي؟ فقال لهم ابولهب جزما سحركم محمد صلى الله عليه وآله، فتفرقوا فلما كان اليوم الثانى امر رسول الله صلى الله عليه وآله ففعل بهم مثل ذلك ثم سقاهم اللبن حتى رووا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم يكون وصيي ووزيري وخليفتي؟ فقال ابولهب جزما سحركم محمد فتفرقوا، فلما كان اليوم الثالث أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ففعل لهم مثل ذلك ثم سقاهم اللبن فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم يكون وصيي ووزيري؟ وينجز عداتى ويقضي ديني؟ فقام علي عليه السلام وكان اصغرهم سنا وأحمشهم(3) ساقا وأقلهم مالا فقال: أنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انت


            ___________________________________
            (1) جمع سموم اي ريح حارة.
            (2) جذع كفرس: من الضان ماله سنة تامة ومن الابل ما دخل في الخامسة.مجمع
            (3) يقال " رجال حماش السوق " اي دقيقتها.ج.ز.


            [125]


            هو وقوله: (الذي يرك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) قال: حدثني محمد بن الوليد عن محمد بن الفرات عن ابي جعفر عليه السلام قال: " الذي يراك حين تقوم في النبوة وتقلبك في الساجدين " قال في أصلاب النبيين (والشعراء يتبعهم الغاون) قال نزلت في الذين غيروا دين الله بآرائهم وخالفوا امر الله هل رأيتم شاعرا قط تبعه احد إنما عنى بذلك الذين وضعوا دينا بآرائهم فيتبعهم الناس على ذلك ويؤكد ذلك قوله (ألم تر انهم في كل واد يهيمون) يعني يناظرون بالاباطيل ويجادلون بالحجج المضلة وفي كل مذهب يذهبون (وانهم يقولون مالا يفعلون) قال يعظون الناس ولا يتعظون وينهون عن المنكر ولا ينتهون ويأمرون بالمعروف ولا يعملون وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم.
            ثم ذكر آل محمد عليهم السلام وشيعتهم المهتدين فقال: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعدما ظلموا) ثم ذكر اعداء‌هم ومن ظلمهم فقال (وسيعلم الذين ظلموا - آل محمد حقهم - اي منقلب ينقلبون) هكذا والله نزلت، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (الفلك المشحون) المجهز الذي قد فرغ منه ولم يبق إلا رفعه واما قوله: (بكل ريع) قال ابوجعفر عليه السلام يعني بكل طريق (آية) والآية علي (تعبثون) وقوله (انما انت من المسحرين) يقول اجوف مثل خلق الناس ولو كنت رسولا ما كنت مثلنا وقوله (اصحاب الايكة) الايكة الغيضة من الشجر واما قوله (عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم) فبلغنا والله اعلم انه اصابهم حر وهم في بيوتهم فخرجوا يلتمسون الروح من قبل السحابة التي بعث الله فيها العذاب فلما غشيتم اخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين وهم قوم شعيب وقوله (لفي زبر الاولين) يعني كتب الاولين وقوله (انهم عن السمع لمعزولون) يقول خرس فهم عن السمع


            [126]


            لمعزولون وقوله: " ورهطك منهم المخلصين " علي بن ابي طالب وحمزة وجعفر والحسن والحسين والائمة من آل محمد عليهم السلام ثم قال: (لمن تبعك من المؤمنين فان عصوك) يعني من بعدك في ولاية علي والائمة عليهم السلام من ذريته (فقل اني برئ مما تعملون) ومعصية الرسول صلى الله عليه وآله وهو ميت كمعصيته وهو حي

            Comment

            • راية اليماني
              مشرف
              • 05-04-2013
              • 3021

              #36
              رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

              سورة النمل


              مكية آياتها ثلاث وتسعون
              (بسم الله الرحمن الرحيم طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين - إلى قوله - هم الاخسرون وانك) مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله (لتلقى القرآن من لدن) اي من عند (حكيم عليم) وقوله (إذ قال موسى لاهله اني آنست نارا) اي رأيت ذلك لما خرج من المداين من عند شعيب فكتب خبره في سورة القصص وقوله: (يا موسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم) ومعنى إلا من ظلم كقولك ولا من ظلم (ثم بدل حسنا بعد سوء فاني غفور رحيم) فوضع حرف مكان حرف وقوله: (ولقد آتينا داود - إلى قوله - مبين) قال: اعطى داود وسليمان ما لم يعط احدا من انبياء الله من الآيات علمهما منطق الطير وألان لهما الحديد والصفر من غير نار وجعلت الجبال يسبحن مع داود وانزل الله عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام والائمة عليهم السلام من ذريتهما عليهم السلام وأخبار الرجعة والقائم عليه السلام لقوله " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون " وقوله (وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون) قعد على كرسيه وحملته الريح فمرت به على وادي النمل وهو واد ينبت الذهب والفضة وقد وكل الله به النمل وهو قول الصادق عليه السلام: إن لله واديا ينبت الذهب والفضة وقد حماه الله


              [127]


              بأضعف خلقه وهو النمل لو رامته البخاتي من الابل ما قدرت عليه فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل فقالت نملة (يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي - إلى قوله - في عبادك الصالحين) وكان سليمان إذا قعد على كرسيه جاء‌ت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان فتظل الكرسي والبساط بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقع الشمس من موضعه في حجر سليمان عليه السلام فرفع رأسه وقال كما حكى الله (مالي لا ارى الهدهد - إلى قوله - بسلطان مبين) اي بحجة قوية فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد فقال له سليمان اين كنت قال (احطت بما لم تحطه وجئتك من سبأ بنبأ يقين) اي بخبر صحيح (اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شئ) وهذا مما لفظه عام ومعناه خاص لانها لم تؤت اشياء‌ا كثيرة منها الذكر واللحية ثم قال: (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله - إلى قوله - فهم لا يهتدون) ثم قال الهدهد (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخب‌ء في السموات) اي المطر وفي الارض النبات ثم قال سليمان (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين - إلى قوله - ماذا يرجعون) فقال الهدهد انها في حصن منيع في عرش عظيم اي سرير فقال سليمان الق الكتاب على قبتها فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك وجمعت جنودها وقالت لهم كما حكى الله (يا ايها الملؤا اني ألقي إلي كتاب كريم) اي مختوم (انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي واتوني مسلمين) اي لا تتكبروا علي ثم قالت (يا ايها الملؤا افتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون) فقالوا لها كما حكى الله (نحن اولوا قوة واولوا بأس شديد والامر اليك فانظري ماذا تأمرين قالت ان الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها


              [128]


              وجعلوا اعزة اهلها اذلة) فقال الله عزوجل (وكذلك يفعلون) ثم قالت إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به فان الله لا يغلب ولكن سأبعث اليه بهدية فان كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها وعلمنا انه لا يقدر علينا فبعثت اليه حقة فيها جوهرة عظيمة وقالت للرسول قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها واخرج الخيط من الجانب الآخر وقال سليمان لرسولها (فما آتاني الله خير مما آتاكم بل انتم بهديتكم تفرحون ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) اي لا طاقة لهم بها (ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون).
              فرجع اليها الرسول فأخبرها بذلك وبقوة سليمان فعلمت انه لا محيص لها فارتحلت نحو سليمان فلما علم سليمان باقبالها نحوه قال للجن والشياطين (ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين قال عفريت) من عفاريت الجن (أنا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين) قال سليمان اريد اسرع من ذلك، فقال آصف بن برخيا (أنا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك) فدعا الله باسمه الاعظم فخرج السرير من تحت كرسي سليمان فقال (نكروا لها عرشها) اي غيروه (ننظر أتهدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاء‌ت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو) وكان سليمان قد امر ان يتخذ لها بيتا من قوارير ووضعه على الماء ثم (قيل لها ادخلي الصرح) فظنت انه ماء فرفعت ثوبها وابدت ساقيها فاذا عليها شعر كثير فقيل لها (انه صرح ممرد من قوارير قالت رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين) فتزوجها سليمان وهي بلقيس بنت الشرح الحميرية وقالت الشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب الشعر عنها فعملوا لها الحمامات وطبخوا النورة فالحمامات والنورة مما اتخذته الشياطين لبلقس وكذا الارحية التى تدور على الماء.


              [129]


              وقال الصادق عليه السلام: واعطي سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكل لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهايم والسباع فكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية وإذا قعد لعماله وجنوده واهل مملكته تكلم بالرومية وإذا خلا بنسائه تكلم بالسريانية والنبطية وإذا قام في محرابه لمناجات ربه تكلم بالعربية وإذا جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " فهم يوزعون " قال يحبس اولهم على آخرهم وقوله " لاعذبنه عذابا شديدا " يقول لانتفن ريشه وقوله " ألا تعلوا علي " يقول لا تعظموا علي وقوله " لا قبل لهم بها " يقول لا طاقة لهم بها.
              وقول سليمان (ليبلونئ أشكر) لما اتاني من الملك (أم اكفر) إذا رأيت من هو ادون مني افضل مني علما فعزم الله له على الشكر واما قوله (قل الحمد لله وسلم على عباده الذين اصطفى) قال: هم آل محمد عليهم السلام وقوله: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) قال لا تكون الخلافة في آل فلان ولا آل فلان ولا آل فلان ولا طلحة ولا الزبير.
              وقال علي بن ابراهيم في قوله (امن خلق السموات والارض وانزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة) اي بساتين ذات حسن (ما كان لكم ان تنبتوا شجرها) وهو على حد الاستفهام (ء‌إله مع الله) يعني فعل هذا مع الله (بل هم قوم يعدلون) قال عن الحق وقوله: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض) فانه حدثني ابي عن الحسن بن علي بن فضال عن صالح بن عقبة عن ابي عبدالله عليه السلام قال: نزلت في القايم من آل محمد عليهم السلام، هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه ويكشف السوء ويجعله خليفة في الارض وهذا مما ذكرنا ان تأويله بعد تنزيله.
              ثم حكى عزوجل قول الدهرية فقال: (وقال الذين كفرواء‌إذا كنا ترابا


              [130]


              وآباؤنا ء‌إنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ان هذا إلا اساطير الاولين) اي اكاذيب الاولين، فحزن رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك فأنزل الله تعالى (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) ثم حكى ايضا قولهم (ويقولون - يا محمد - متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى ان يكون ردف لكم) اي قد قرب من خلفكم (بعض الذي تستعجلون) ثم قال (انك يا محمد لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) اي ان هؤلاء الذين تدعوهم لا يسمعون ما تقول كما لا يسمع الموتى والصم.
              فاما قوله (وإذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة - إلى قوله - بآياتنا لا يوقنون) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى امير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له: قم يا دابة الله فقال رجل من اصحابه يا رسول الله أيسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه " وإذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " ثم قال يا علي إذا كان آخر الزمان اخرجك الله في احسن صورة ومعك ميسم تسم به اعداء‌ك، فقال رجل لابي عبدالله عليه السلام: إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تكلمهم؟ فقال ابوعبدالله عليه السلام كلمهم الله في نار جهنم إنما هو يكلمهم من الكلام والدليل على ان هذا في الرجعة قوله (ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاؤا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون) قال الآيات امير المؤمنين والائمة عليهم السلام فقال الرجل لابي عبدالله عليه السلام إن العامة تزعم ان قوله " ويوم نحشر من كل امة فوجا " عني يوم القيامة، فقال ابو عبدالله عليه السلام: افيحشر الله من كل امة فوجا ويدع الباقين؟ لا، ولكنه في


              [131]


              الرجعة، واما آية القيامة فهي " وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا " حدثني ابى عن ابن ابى عمير عن المفضل عن ابى عبدالله عليه السلام في قوله تعالى " ويوم نحشر من كل امة فوجا " قال ليس احد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت ولا يرجع إلا من محض الايمان محضا من ومحض الكفر محضا.
              قال ابوعبدالله عليه السلام قال رجل لعمار بن ياسر يا ابا اليقظان آية في كتاب الله قد افسدت قلبي وشككتني قال عمار: واي آية هي؟ قال قول الله: وإذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض، الآية فأي دابة هي؟ قال عمار والله ما اجلس ولا آكل ولا اشرب حتى اريكها: فجاء عمار مع الرجل إلى امير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمرا وزبدا، فقال له يا ابا اليقظان هلم فجلس عمار واقبل يأكل معه، فتعجب الرجل منه، فلما قام عمار قال له الرجل سبحان الله يا ابا اليقظان حلفت انك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى تربنيها، قال عمار قد اريتكها ان كنت تعقل، وقوله (وكل اتوه داخرين) قال خاشعين وقوله (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ) قال فعل الله الذي احكم كل شئ.
              واما قوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها) فله عشر امثالها وقوله (من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) قال الحسنة والله ولاية امير المؤمنين عليه السلام والسيئة والله عداوته حدثنا محمد بن سلمة قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي عن علي بن حسان (حنان خ ل) عن عبدالرحمن بن كثير عن ابى عبدالله عليه السلام في قوله: " من جاء بالحسنة فله عشر امثالها " قال هي للمسلمين عامة والحسنة الولاية فمن عمل من حسنة كتبت له عشرا فان لم تكن له ولاية رفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق، قال علي بن ابراهيم في قوله: (انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) قال مكة (وله كل شئ)


              [132]


              قال لله عزوجل: (وامرت ان اكون من المسلمين - إلى قوله - سيريكم آياته فتعرفونها) قال الآيات امير المؤمنين والائمة عليهم السلام إذا رجعوا يعرفهم اعداؤهم إذا رأوهم، والدليل على ان الآيات هم الائمة قول امير المؤمنين عليه السلام: والله ما لله آية اكبر مني، فاذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم اعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا، وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: (ولقد ارسلنا إلى ثمود اخاهم صالحا ان اعبدوا الله فاذا هم فريقان يختصمون) يقول مصدق ومكذب قال الكافرون منهم أتشهدون ان صالحا مرسل من ربه؟ قال المؤمنون إنا بالذي ارسل به مؤمنون، قال الكافرون منهم إنا بالذي آمنتم به كافرون، وقالوا يا صالح إئتنا بآية ان كنت من الصادقين، فجاء‌هم بناقة فعقروها، وكان الذي عقرها ازرق احمر ولد الزنا واما قوله: (لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة) فانهم سألوه قبل ان يأتيهم الناقة ان يأتيهم بعذاب اليم ارادوا بذلك امتحانه فقال: يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة يقول بالعذاب قبل الرحمة واما قوله: (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) فانهم اصابهم جوع شديد فقالوا هذا من شومك وشوم الذين معك اصابنا هذا القحط وهي الطيرة (قال طائركم عند الله) يقول خيركم وشركم من عند الله (بل انتم قوم تفتنون) يقول تبتلون بالاختبار.
              واما قوله (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون) كانوا يعملون في الارض بالمعاصي واما قوله (تقاسموا بالله) اي تحالفوا (لنبيتنه واهله ثم لنقولن) اي لنحلفن (لوليه ما شهدنا مهلك اهله وإنا لصادقون) يقول لنفعلن، فأتوا صالحا ليلا ليقتلوه وعند صالح ملائكة يحرسونه فلما اتوه قاتلتهم الملائكة في دار صالح رجما بالحجارة فأصبحوا في داره مقتلين وصبحت قومه الرجفة واصبحوا في ديارهم جاثمين.
              واما قوله.
              (بين البحرين حاجزا) يقول فضاء واما قوله (بل إدارك علمهم في الآخر) يقول علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا واما قوله (وكل اتوه


              [133]


              داخرين) قال: صاغرين واما قوله: (اتقن كل شئ) يقول احسن كل شئ خلقه.

              Comment

              • راية اليماني
                مشرف
                • 05-04-2013
                • 3021

                #37
                رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                سورة القصص


                مكية آياتها ثمان وثمانون
                (بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين) ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (نتلوا عليك يا محمد من نبأ موسى وفرعون - إلى قوله - انه كان من المفسدين) فأخبر الله نبيه بما لقي موسى واصحابه من فرعون من القتل والظلم ليكون تعزية له فيما يصيبه في اهل بيته من امته ثم بشره بعد تعزيته انه يتفضل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الارض وأئمة على امته ويردهم إلى الدنيا مع اعدائهم حتى ينتصفوا منهم فقال: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم وقوله (منهم) اي من آل محمد (ما كانوا يحذرون) اي من القتل والعذاب ولو كانت هذه الآية نزلت في موسى وفرعون لقال ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون اي من موسى ولم يقل منهم فلما تقدم قوله " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " علمنا ان المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وما وعد الله به رسوله فانما يكون بعده والائمة يكونون من ولده وإنما ضرب الله هذا المثل لهم في موسى وبني اسرائيل وفي اعدائهم بفرعون وهامان وجنودهما فقال: إن فرعون قتل بني اسرائيل وظلم من ظلمهم فأظفر الله موسى بفرعون واصحابه حتى اهلكهم الله وكذلك اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله اصابهم من اعدائهم القتل والغصب ثم يردهم الله ويرد اعداء‌هم إلى الدنيا حتى يقتلوهم.


                [134]


                وقد ضرب امير المؤمنين عليه السلام مثلا مثل ما ضربه الله لهم في اعدائهم بفرعون وهامان فقال: " يا ايها الناس أول من بغى على الله عزوجل على وجه الارض عناق بنت آدم عليه السلام خلق الله لها عشرين اصبعا لكل اصبع منها ظفران طويلان كالمخلبين العظيمين وكان مجلسها في الارض موضع جريب، فلما بغت بعث الله لها اسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وكان ذلك في الخلق الاول، فسلطهم الله عليها فقتلوها، ألا وقد قتل الله فرعون وهامان وخسف الله بقارون " وانما هذا مثل لاعدائه الذين غصبوا حقه فأهلكهم الله، ثم قال علي عليه السلام على أثر هذا المثل الذي ضربه: " وقد كان لي حق حازه دوني من لم يكن له ولم اكن اشركه فيه ولا توبة له إلا بكتاب منزل وبرسول مرسل وانى له بالرسالة بعد رسول الله (النبي محمد خ ل) صلى الله عليه وآله ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله "(1) وكذلك مثل القائم عليه السلام في غيبته وهربه واستناره مثل موسى عليه السلام خائف مستتر إلى ان يأذن الله في خروجه وطلب حقه وقتل اعدائه في قوله: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق " وقد ضرب الحسين بن علي عليهما السلام مثلا في بني اسرائيل بذلتهم من اعدائهم، حدثني ابي عن النضر ابن سويد عن عاصم بن حميد عن ابي عبدالله عليه السلام قال لقى المنهال بن عمرو على بن الحسين ابن علي عليهم السلام فقال له كيف اصبحت يابن رسول الله؟ قال: ويحك اما آن لك ان تعلم كيف اصبحت؟ اصبحنا في قومنا مثل بني اسرائيل في آل فرعون يذبحون ابناء‌نا ويستحيون نساء‌نا واصبح خير البرية بعد محمد يلعن على المنابر، واصبح عدونا يعطى المال والشرف، واصبح من يحبنا محقورا منقوصا حقه، وكذلك لم يزل المؤمنون واصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأن محمدا كان منها واصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا كان منها، واصبحت العرب تعرف لقريش حقها بأن محمدا كان منها واصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا


                ___________________________________
                (1) وفى ط بعده " وهو في برزخ القيامه غرته الامانى وغره بالله الغرور وقد اشرف على جرف هار فانهار به جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين (ط) ج.ز


                [135]


                كان منها واصبحنا اهل البيت لا يعرف لنا حق فهكذا اصبحنا يا منهال.
                واما قوله: (وأوحينا إلى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) فانه حدثني ابي عن الحسين (الحسن ط) بن محبوب عن العلا بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال: إن موسى لما حملت به امه لم يظهر حملها إلا عند وضعه وكان فرعون قد وكل بنساء بني اسرائيل نساء‌ا من القبط يحفظنهن، وذلك انه كان لما بلغه عن بني اسرائيل انهم يقولون انه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون واصحابه على يده، فقال فرعون عند ذلك لاقتلن ذكور اولادهم حتى لا يكون ما يريدون، وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس، فلما وضعت ام موسى بموسى عليه السلام نظرت اليه وحزنت عليه واغتمت وبكت وقالت يذبح الساعة، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لام موسى: ما لك قد اصفر لونك؟ فقالت: اخاف ان يذبح ولدي فقالت: لا تخافي وكان موسى لا يراه احد إلا أحبه، وهو قول الله: " وألقيت عليك محبة مني " فأحبته القبطية الموكلة به وأنزل الله على موسى التابوت ونوديت امه " ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم " وهو البحر (ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل.
                وكان لفرعون قصر على شط النيل منتزها، فنظر من قصره ومعه آسية امرأته فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الامواج والرياح تضربه حتى جاء‌ت به إلى باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت ورفع اليه فلما فتحه وجد فيه صبيا، فقال: هذا اسرائيلي وألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة، وكذلك في قلب آسية واراد فرعون ان يقتله فقالت آسية لا تقتله (عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) انه موسى، ولم يكن لفرعون ولد فقال


                [136]


                إئتوا ظئرا تربيه فجاؤا بعدة نساء قد قتل اولادهن فلم يشرب لبن احد من النساء وهو قول الله (وحرمنا عليه المراضع من قبل) وبلغ امه ان فرعون قد اخذه فحزنت وبكت كما قال الله (واصبح فؤاد ام موسى فارغا) يعني كادت ان تخبر بخبره او تموت ثم ضبطت نفسها فكان كما قال الله عزوجل (لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لاخته) اي لاخت موسى (قصيه) اي اتبعيه فجاء‌ت اخته اليه (فبصرت به عن جنب) اي عن بعد (وهم لا يشعرون) فلما لم يقبل موسى ثدي احد من النساء اغتم فرعون غما شديدا فقالت اخته (هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) فقال: نعم فجاء‌ت بامه فلما اخذته في حجرها وألقمته ثديها التقمه وشرب ففرح فرعون واهله اكرموا امه، فقالوا لها ربيه لنا فانا نفعل بك ما نفعل وذلك قول الله تعالى: (فرددناه إلى امه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون) وكان فرعون يقتل اولاد بني اسرائيل كلما يلدون ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم ان هلاكه على يده، فلما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس موسى فقال الحمد لله رب العالمين، فأنكر فرعون عليه وتطمه وقال ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته وكان طويل اللحية فهلبها اي قلعها فألمه ألما شديدا بلطمته إياه فهم فرعون بقتله فقالت امرأته هذا غلام حدث لا يدري ما يقول، فقال فرعون بل يدري، فقالت امرأته ضع بين يديه تمرا وجمرا فان ميز بينهما فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمر وجمر وقال له كل فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون ألم أقل لك انه لا يعقل فعفا عنه.
                فقلت لابي جعفر عليه السلام: فكم مكث موسى غائبا عن امه حتى رده الله عليها؟ قال: ثلاثة أيام فقلت كان هارون اخا موسى لابيه وامه؟ قال: نعم اما تسمع الله


                [137]


                تعالى يقول: (يا بن ام لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) فقلت فأيهما كان اكبر سنا؟ قال: هارون قلت: فكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟ قال: الوحي ينزل على موسى وموسى يوحيه إلى هارون فقلت له: اخبرني عن الاحكام والقضاء والامر والنهي أكان ذلك اليهما، قال كان موسى الذي يناجي ربه ويكتب (هارون ط) العلم ويقضي بين بني اسرائيل، وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة، قلت: فأيهما مات قبل صاحبه؟ قال هارون قبل موسى عليه السلام وماتا جميعا في التيه، قلت فكان لموسى ولد، قال لا كان الولد لهارون والذرية له.
                قال: فلم يزل موسى عند فرعون في اكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم به، فخرج موسى من عنده ودخل المدينة فاذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته) فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضي عليه وتوارى في المدينة فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له: (أتريد ان تقتلني كما قلت نفسا بالامس) فخلى عن صاحبه وهرب وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة وهو الذي قال الله: " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا ان يقول ربي الله " وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى (ان الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين فخرج منها) كما حكى الله (خائفا يترقب) قال يلتفت عن يمنة ويسرة ويقول (رب نجني من القوم الظالمين) ومر نحو مدين وكان بينه وبين مدين مسيره ثلاثة أيام فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقي الناس منها لاغنامهم ودوابهم فقعد ناحية ولم يكن اكل منذ ثلاث ايام شيئا، فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر، فقال لهما مالكما لا تستقيان


                [138]


                قالتا كما حكى الله (لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) فرحمهما موسى ودنا من البئر فقال لمن على البئر استقي لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة رجال، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيب وسقى اغنامهما (ثم تولى إلى الظل فقال رب اني لما انزلت إلي من خير فقير) وكان شديد الجوع.
                وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن موسى كليم الله حيث سقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب اني لما انزلت إلي من خير فقير والله ما سأل الله إلا خبزا يأكله لانه كان يأكل بقلة الارض ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه(1) من هزاله فلما رجعتا ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما اسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسى عليه السلام ولم تعرفاه فقال شعيب لواحدة منهن اذهبي اليه فادعيه لنجزيه اجر ما سقى لنا فجاء‌ت اليه كما حكى الله تعالى (تمشي على استحياء) فقالت (ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا) فقام موسى معها ومشيت أمامه فسفقتها الرياح فبان عجزها(2) فقال لها موسى تأخري ودليني على الطريق بحصاة تلقيها أمامي أتبعها فأنامن قوم لا ينظرون في أدبار النساء فلما دخل على شعيب قص عليه قصته فقال له شعيب (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) قالت إحدى بنات شعيب (يا ابت استأجره ان خير من استأجرت القوي الامين) فقال لها شعيب اما قوته فقد عرفتيه انه يستقي الدلو وحده فبم عرفت امانته؟ فقالت انه لما قال لي تأخري عني ودليني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت انه ليس من القوم الذين ينظرون اعجاز النساء فهذه أمانته، فقال له شعيب (اني اريد ان انكحك إحدى ابنتي هاتين على ان تأجرني ثماني حجج فان أتممت عشرا فمن


                ___________________________________
                (1) صفاق ككتاب: جلد البطن.
                مجمع(2) موخر الشئ او الجسم ج ز


                [139]


                عندك وما اريد ان اشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين) فقال له موسى (ذلك بيني وبينك أيما الاجلين قضيت فلا عدوان علي) اي لا سبيل علي إن عملت عشر سنين او ثمان سنين فقال موسى (والله على ما نقول وكيل) قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: اي الاجلين قضى؟ قال أتمها عشر حجج قلت له فدخل بها قبل ان يقضي الاجل او بعده؟ قال: قبل قلت فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لابيها إجارة شهرين أيجوز ذلك؟ قال ان موسى علم انه يتم له شرطه فكيف لهذا ان يعلم انه يبقى حتى يفي؟ قلت له جعلت فداك أيتهما زوجه شعيب من بناته؟ قال: التي ذهبت اليه فدعته وقالت لابيها يا ابت استأجره ان خير من استأجرت القوي الامين فلما قضى موسى الاجل قال لشعيب لابد لي ان ارجع إلى وطني وامي وأهل بيتي فمالي عندك؟ فقال شعيب: ما وضعت اغنامي في هذه السنة من غنم بلق فهو لك، فعمد موسى عندما اراد ان يرسل الفحل على الغنم إلى عصا فقشر منه بعضه وترك بعضه وغرزه في وسط مربض الغنم وألقى عليه كساء أبلق ثم ارسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السنة إلا بلقا، فلما حال عليه الحول حمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه فلما اراد الخروج قال لشعيب أبغي عصا تكون معي وكانت عصي الانبياء عنده قد ورثها مجموعة في بيت، فقال له شعيب ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصي فدخل فوثب اليه عصا نوح وابراهيم عليهما السلام وصارت في كفه فأخرجها ونظر اليها شعيب فقال ردها وخذ غيرها فردها ليأخذ غيرها فوثبت اليه تلك بعينها فردها حتى فعل ذلك ثلاث مرات فلما رأى شعيب ذلك قال له اذهب فقد خصك الله بها، فساق غنمه فخرج يريد مصر فلما صارفي مفازة ومعه اهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة وجنهم الليل، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله: (فلما قضى


                [140]


                موسى الاجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لاهله امكثوا اني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) فأقبل نحو النار يقتبس فاذا شجرة ونار تلتهب عليها، فلما ذهب نحو النار يقتبس منها اهوت اليه ففزع منها وعدا ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت اليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فاهوت اليه فعدا وتركها ثم التفت اليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع اليها الثالثة فاهوت اليه فعدا (ولم يعقب) اي لم يرجع فناداه الله (ان يا موسى اني أنا الله رب العالمين) قال موسى فما الدليل على ذلك قال الله: ما في يمينك يا موسى قال هي عصاي قال القها يا موسى فالقاها فصارت حية تسعى ففزع منها موسى وعدا فناداه الله خذها و (لا تخف انك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) اي من غير علة وذلك ان موسى عليه السلام كان شديد السمرة فاخرج يده من جيبه فاضاء‌ت له الدنيا فقال الله عزوجل (فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه انهم كانوا قوما فاسقين) فقال موسى كما حكى الله عزوجل: (رب اني قتلت منهم نفسا فاخاف ان يقتلون..).
                واما قوله: (وقال فرعون يا ايها الملا ما علمت لكم من إله غيري فاوقدلي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي اطلع إلى إله موسى واني لاظنه من الكاذبين) قال فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء لا يتمكن الانسان ان يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء فقال لفرعون: لا نقدر ان نزيد على هذا فبعث الله رياحا فرمت به، فاتخذ فرعون وهامان عند ذلك التابوت وعمدا إلى اربعة أنسر فاخذا أفراخها وربياها حتى إذا بلغت القوة وكبرت عمدا إلى جوانب التابوت الاربعة فغرسا في كل جانب من خشبة وجعلا على رأس كل خشبة لحما وجوعا الانسر وشدا أرجلها باصل الخشبة فنظرت الانسر إلى اللحم فاهوت اليه باجنحتها وارتفعت بهما في الهواء وأقبلت تطير يومها فقال


                [141]


                فرعون لهامان انظر إلى السماء هل بلغناها فنظر هامان فقال أرى السماء كما كنت أراها من الارض في البعد، فقال انظر إلى الارض فقال لا أرى الارض ولكن أرى البحار والماء قال فلم تزل النسر ترتفع حتى غابت الشمس وغابت عنهم البحار والماء، فقال فرعون يا هامان انظر إلى السماء فنظر فقال أراها كما كنت أراها من الارض فلما جنهم الليل نظر هامان إلى السماء فقال فرعون هل بلغناها؟ فقال أرى الكواكب كما كنت أراها من الارض ولست أرى من الارض إلا الظلمة قال ثم حالت الرياح القائمة في الهواء بينهما فاقبلت التابوت بهما فلم يزل يهوي بهما حتى وقع على الارض فكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت ثم قال الله (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون).
                ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (وما كنت بجانب الغربي - يا محمد - إذ قضينا إلى موسى الامر) اي اعلمناه (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) يعني موسى عليه السلام وقوله: (ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر) اي طالت اعمارهم فعصوا وقوله: (وما كنت ثاويا في أهل مدين) اي باقيا وقوله: (ساحران تظاهرا)(1) قال موسى وهارون وقوله: (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون) اي كي يتذكروا، اخبرنا احمد بن إدريس عن احمد بن محمد عن معاوية بن حكيم عن احمد بن محمد عن يونس بن يعقوب عن ابي عبدالله عليه السلام في قول الله " ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون " قال: إمام بعد إمام.
                وقال علي بن ابراهيم في قوله: (اولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) قال الائمة عليهم السلام، وقال الصادق عليه السلام نحن صبرنا وشيعتنا أصبر منا وذلك إنا صبرنا على ما نعلم وهم صبروا على ما لا يعلمون وقوله: (ويدرؤن بالحسنة


                ___________________________________
                (1) سحران تظاهرا كذا في القرآن.ج.ز.


                [142]


                السيئة) اي يدفعون سيئة من أساء اليهم بحسناتهم (ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه) قال اللغو الكذب واللهو الغناء وهم الائمة عليهم السلام يعرضون عن ذلك كله، واما قوله: (انك لا تهدي من أحببت) قال نزلت في ابي طالب عليه السلام فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول يا عم قل لا إله إلا الله بالجهر نفعك بها يوم القيامة فيقول: يا بن اخي أنا أعلم بنفسى، (وأقول بنفسى ط) فلما مات شهد العباس بن عبدالمطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله انه تكلم بها عند الموت بأعلى صوته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اما انا فلم اسمعها منه وأرجو ان تنفعه يوم القيامة، وقال صلى الله عليه وآله: لو قمت المقام المحمود لشفعت في ابي وامي وعمي وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية(1) وقوله: (وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) قال نزلت في قريش حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام والهجرة وقالوا " ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " فقال الله عزوجل: (او لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى اليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا ولكن اكثرهم لا يعلمون) وقوله: (وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها) اي كفرت (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا


                ___________________________________
                (1) يقول الله مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله: إن الهداية ليست حسب مشيتك بل انها تتعلق بمشيتي فلا تصر على إجراء كلمة التوحيد من لسان ابي طالب إذ هو مؤمن سرا وسيظهر الايمان جهرا فيما بعد ومما يدل على كونه مؤمنا كون رسول الله محزونا شديدا عام وفاته حتى سمى ذلك العام بعام الحزن وفي هذه الرواية ايضا ما يشعر بكونه كاتما لايمانه وهو قوله: " يابن اخي ! أنا أعلم بنفسي " يعني اعلم بنفسي من انني مؤمن.
                وفي ذيل الآية ايضا ما يؤيده وهو قوله تعالى " وهو اعلم بالمهتدين " وقد مضى الكلام في قوله صلى الله عليه وآله: لو قمت المقام المحمود لشفعت في ابي وامي وعمي من انه جواب تنزيلي فراجع ص 25.ج.ز.


                [143]


                قليلا) وقوله: (ويوم يناديهم فيقول اين شركاء‌ي الذين كنتم تزعمون) يعني الذين قالوا هم شركاء الله (قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا اليك ما كانوا إيانا يعبدون) يعني ما عبدوا وهي عبادة الطاعة (وقيل ادعوا شركاء‌كم) الذين كنتم تدعونهم شركاء‌ا (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو انهم كانوا يهتدون) وقوله: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) فان العامة رووا ان ذلك في القيامة واما الخاصة فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبدالحميد الطائي عن محمد بن مسلم عن ابي عبدالله عليه السلام قال: إن العبد إذا دخل قبره جاء‌ه منكر فزع منه يسأل عن النبي صلى الله عليه وآله فيقول له ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم؟ فان كان مؤمنا قال: " أشهد انه رسول الله جاء بالحق " فيقال له ارقد رقدة لا حلم فيها ويتنحى عنه الشيطان ويفسخ له في قبره سبعة اذرع ورأى مكانه في الجنة، قال وإذا كان كافرا قال ما أدري، فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله إلا الانسان ويسلط عليه الشيطان وله عينان من نحاس او نار يلمعان كالبرق الخاطف فيقول له أنا اخوك ويسلط عليه الحيات والعقارب ويظلم عليه قبره ثم يضغطه ضغطة تختلف أضلاعه عليه ثم نال باصابعه(1) فشرجها وقوله: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة قال يختار الله الامام وليس لهم ان يختاروا ثم قال (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) قال ما عزموا عليه من الاختيار وأخبر الله نبيه عليه السلام قبل ذلك وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (ونزعنا من كل امة شهيدا) يقول من كل فرقة من هذه الامة


                ___________________________________
                (1) وفي نسخة ك " قال " مكان " نال " وكذا في ط وفي الذي عندي ومناسبة له في الكلام كما ترى.ج.ز.


                [144]


                إمامها (فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا ان الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون).
                وقال علي بن ابراهيم في قوله (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) والعصبة ما بين العشرة إلى تسعة عشر قال كان يحمل مفاتح خزائنه العصبة اولوا القوة، فقال قارون كما حكى الله (انما اوتيته على علم عندي) يعني ماله وكان يعمل الكيميا فقال الله: (أولم يعلم ان الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة واكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) اي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء (فخرج على قومه في زينته) قال في الثياب المصبغات يجرها في الارض (قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون انه لذو حظ عظيم) فقال لهم الخلص من أصحاب موسى (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله) قال: هي لفظة سريانية (يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا ان من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون).
                وكان سبب هلاك قارون انه لما اخرج موسى بني اسرائيل من مصر وأنزلهم البادية أنزل الله عليهم المن والسلوى وانفجر لهم من الحرج اثنتا عشرة عينا بطروا وقالوا لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض ومن بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال لهم موسى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم فقالوا كما حكى الله ان فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، ثم قالوا لموسى اذهب انت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ففرض الله عليهم دخولها وحرمها عليهم اربعين سنة يتيهون في الارض فكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في قراء‌ة التوراة


                [145]


                والدعاء والبكاء وكان قارون منهم وكان يقرأ التوراة ولم يكن فيهم احسن صوتا منه وكان يسمى المنون لحسن قراء‌ته وقد كان يعمل الكيميا، فلما طال الامر على بني اسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التوبة وكان موسى يحبه فدخل عليه موسى، فقال يا قارون قومك في التوبة وانت قاعد هاهنا ادخل معهم وإلا نزل بك العذاب، فاستهان به واستهزأ بقوله فخرج موسى من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيوط شعر بيده العصا، فامر قارون ان يصب عليه رمادا قد خلط بالماء، فصب عليه فغضب موسى غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى يا رب إن لم تغضب لي فلست لك بنبي، فاوحى الله اليه قد امرت السماوات والارض إن تطيعك فمرها بما شئت وقد كان قارون قد أمر أن يغلق باب القصر، فاقبل موسى فاومأ إلى الابواب فانفجرت ودخل عليه فلما نظر اليه قارون علم انه قد اوتي، فقال: يا موسى أسألك بالرحم الذي بيني وبينك، فقال له موسى يابن لاوي لا تزدني من كلامك ! يا ارض خذيه، فدخل القصر بما فيه في الارض ودخل قارون في الارض إلى ركبتيه، فبكى وحلفه بالرحم، فقال له موسى يابن لاوي لا تزدني من كلامك، يا ارض خذيه وابتلعيه بقصره وخزائنه.
                وهذا ما قال موسى لقارون يوم اهلكه الله فعيره الله بما قاله لقارون، فعلم موسى ان الله قد عيره بذلك فقال يا رب ان قارون دعاني بغيرك ولو دعاني بك لاجبته، فقال الله ما قلت يابن لاوي لا تزدني من كلامك فقال موسى يا رب لو علمت ان ذلك لك رضى لاجبته، فقال الله يا موسى وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وعلو مكاني لو ان قارون كما دعاك دعاني لاجبته ولكنه لما دعاك وكلته اليك، يابن عمران لا تجزع من الموت فاني كتبت الموت على كل نفس وقد مهدت لك


                [146]


                مهادا لو قد وردت عليه لقرت عيناك، فخرج موسى إلى جبل طور سينا مع وصيه فصعد موسى الجبل فنظر إلى رجل قد اقبل ومعه مكتل(1) ومسحاة، فقال له موسى ما تريد؟ قال ان رجلا من أولياء الله قد توفي فانا احفر له قبرا فقال له موسى أو لا اعينك عليه؟ قال: بلى قال فحفرا القبر فلما فرغا أراد الرجل ان ينزل إلى القبر فقال له موسى ما تريد؟ قال ادخل القبر فانظر كيف مضجعه فقال له موسى أنا اكفيك، فدخله موسى فاضطجع فيه فقبض ملك الموت روحه وانضم عليه الجبل واما قوله: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) فانه حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال قال ابوعبدالله عليه السلام: يا حفص ما منزلة الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت اليها اكلت منها، يا حفص ان الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون وإلى ما هم صايرون فحلم عنهم عند اعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت ثم تلا قوله: " تلك الدار الآخرة "...الآية، وجعل يبكي ويقول ذهبت والله الامانى عند هذه الآية ثم قال فاز والله الابرار أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذر كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا يا حفص ! انه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل ان يغفر للعالم ذنب واحد، من تعلم وعلم وعمل بما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل تعلم لله وعمل لله وعلم لله، قلت جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا؟ فقال قد حد الله في كتابه فقال عزوجل " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " ان اعلم الناس بالله اخوفهم لله واخوفهم له اعلمهم به وأعلمهم به أزهدهم فيها، فقال له رجل يابن رسول الله اوصني.فقال


                ___________________________________
                (1) زنبيل من خوص.ج.ز.


                [147]


                اتق الله حيث كنت فانك لا تستوحش وقال ابوعبدالله عليه السلام ايضا في قوله: " علوا في الارض ولا فسادا " قال: العلو الشرف والفساد النساء واما قوله: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فانه حدثني ابي عن حماد عن حريز عن ابي جعفر عليه السلام قال سئل عن جابر فقال رحم الله جابرا بلغ من فقهه انه كان يعرف تأويل هذه الآية " ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " يعني الرجعة قال وحدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبدالحميد الطائي عن ابي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله: " ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " قال يرجع اليكم نبيكم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والائمة عليهم السلام.
                وقوله: (فلا تكونن - يا محمد - ظهيرا للكافرين) فقال والمخاطبة للنبي والمعنى للناس وقوله: (ولا تدع مع الله إلها آخر) المخاطبة للنبي والمعنى للناس وهو قول الصادق عليه السلام: إن الله بعث نبيه باياك اعني واسمعي يا جارة وقوله: (كل شئ هالك إلا وجهه) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن منصور بن يونس عن ابي حمزة عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: " كل شئ هالك إلا وجهه " قال فيفنى كل شئ ويبقى الوجه؟ الله أعظم من ان يوصف، لا ولكن معناها كل شئ هالك إلا دينه(1) ونحن الوجه الذي يؤتى الله منه، لم نزل في عباده مادام الله له فيهم روبة، فاذا لم يكن له فيهم روبة فرفعنا اليه ففعل بنا ما أحب، قلت جعلت فداك وما الروبة؟ قال: الحاجة.


                ___________________________________
                (1) وفى ط ولا معناها كل شى هالك الا دينه ج.ز

                Comment

                • راية اليماني
                  مشرف
                  • 05-04-2013
                  • 3021

                  #38
                  رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                  سورة العنكبوت


                  مكية وآياتها تسع وستون


                  (بسم الله الرحمن الرحيم ألم أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) اي لا يختبرون، قال حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن عليه السلام قال جاء العباس إلى امير المؤمنين عليه السلام فقال انطلق بنا نبايع لك الناس، فقال امير المؤمنين عليه السلام أتراهم فاعلين؟ قال: نعم قال فاين قوله: (ألم أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم - اي اختبرناهم - فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا) اي يفوتونا (ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله لآت) قال من أحب لقاء الله جاء‌ه الاجل (ومن جاهد) امال نفسه عن اللذات والشهوات والمعاصي (فانما يجاهد لنفسه ان الله لغني عن العالمين) وقوله: (ووصينا الانسان بوالديه حسنا) (قال هما اللذان ولداه ثم قال: (وإن جاهداك) يعني الوالدين على ان (تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن بسطام بن مرة عن اسحاق بن حسان عن الهيثم بن راقد عن علي بن الحسين العبدي عن سعد الاسكاف عن أصبغ بن نباتة انه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل " ان اشكر لي ولوالديك إلي المصير " قال الوالدان اللذان اوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم (الحلم ك) وأمر الناس بطاعتهما ثم قال إلي المصير فمصير العباد إلى الله والدليل على ذلك الوالدان ثم عطف الله القول على ابن فلانة وصاحبه فقال في الخاص " وان جاهداك ان تشرك بي " يقول في الوصية وتعدل عمن امرت بطاعته " فلا تطعهما "


                  [149]


                  ولا تسمع قولهما ثم عطف القول على الوالدين فقال " وصاحبهما في الدنيا معروفا " يقول عرف الناس فضلهما وادع إلى سبيلهما وذلك قوله " واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم " قال إلى الله ثم الينا فاتقوا الله ولا تعصوا الوالدين فان رضاهما رضاء الله وسخطهما سخط الله.
                  وقوله: (ومن الناس من يقول آمنا بالله اوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) قال إذا آذاه إنسان او اصابه ضر أو فاقة او خوف من الظالمين ليدخل معهم في دينهم فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع (ولئن جاء نصر من ربك) يعني القائم عليه السلام (ليقولن إنا كنا معكم او ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) وقوله: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) قال كانت الكفار يقولون للمؤمنين كونوا معنا فان الذي تخافون انتم ليس بشئ فان كان حقا نتحمل نحن ذنوبكم فيعذبهم الله مرتين بذنوبهم ومرة بذنوب غيرهم، واما قوله: (وابراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون افكا) اي تقدرون كذبا (ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون) وانقطع خبر ابراهيم وخاطب الله امة محمد صلى الله عليه وآله فقال (ان تكذبوا فقد كذب امم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين - إلى قوله - اولئك الذين يئسوا من رحمتي واولئك لهم عذاب اليم) ثم عطف على خبر ابراهيم فقال: (فما كان جواب قومه إلا ان قالوا اقتلوه او حرقوه فانجاه الله من النار ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) فهذا من المنقطع المعطوف وقوله: (ثم يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض) اي يتبرأ بعضكم من بعض (ويلعن بعضكم بعضا) فهذا كفر البراء‌ة وقوله: (فآمن له لوط) اي لابراهيم عليه السلام (وقال اني مهاجر إلى ربي) قال المهاجر من هجر السيئات وتاب إلى


                  [150]


                  الله وقوله: (وتأتون في ناديكم المنكر) قال هم قوم لوط.
                  وقوله (وقارون وفرعون وهامان ولقد جاء‌هم موسى بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين) فهذا رد على المجبرة الذين زعموا ان الافعال لله عزوجل ولا صنع لهم فيها ولا اكتساب فرد الله عليهم فقال " فكلا أخذنا بذنبه " ولم يقل بفعلنا به لانه عزوجل أعدل من ان يعذب العبد على فعله الذي يجبرهم عليه فقال الله (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) وهم قوم لوط (ومنهم من أخذته الصيحة) وهم قوم شعيب وصالح (ومنهم من خسفنا به الارض) وهم قوم هود (ومنهم من أغرقنا) وهم فرعون وأصحابه ثم قال عزوجل تأكيدا وردا على المجبرة.
                  (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
                  ثم ضرب الله مثلا فيمن اتخذ من دون الله أولياء فقال: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) وهو الذي نسجه العنكبوت على باب الغار الذي دخله رسول الله صلى الله عليه وآله وهو اوهن البيوت قال: فكذلك من اتخذ من دون الله أولياء ثم قال: (وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) يعني آل محمد عليهم السلام ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (واتل ما اوحي اليك من الكتاب وأقم الصلوة ان الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر) قال من لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وقوله (ولا تجادلوا أهل الكتاب) قال اليهود والنصارى (إلا بالتي هي احسن) قال بالقرآن وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (ولذكر الله اكبر) يقول ذكر الله لاهل الصلاة اكبر من ذكرهم إياه ألا ترى انه يقول " اذكروني أذكركم " واما قوله (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) يعني انهم آل محمد صلى الله عليه وآله (ومن هؤلاء من يؤمن به) يعني اهل الايمان من اهل القبلة.
                  وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب


                  [151]


                  ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) وهو معطوف على قوله في سورة الفرقان " اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " فرد الله عليهم فقال كيف يدعون (يزعمون خ ل) ان الذي تقرأه او تخبر به تكتبه عن غيرك وانت ما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون اي شكوا وقوله: (بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم) قال هم الائمة عليهم السلام وقوله (وما يجحد بآياتنا) يعني ما يجحد بأمير المؤمنين والائمة عليهم السلام (إلا الظالمون) وقال عزوجل (ويستعجلونك - يا محمد - بالعذاب) يعني قريشا فقال الله تعالى (ولولا أجل مسمى لجاء‌هم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (يا عبادي الذين آمنوا إن ارضي واسعة) يقول لا تطيعوا اهل الفسق من الملوك فان خفتموهم ان يفتنوكم عن دينكم فان ارضي واسعة وهو يقول فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض فقال ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها، ثم قال (كل نفس ذائقة الموت) اي فاصبروا على طاعة الله فانكم اليه ترجعون.
                  وقال علي بن ابراهيم في قوله (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) قال: كانت العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع فقال الله تعالى: الله يرزقهم وإياكم وقوله: (وان الدار الآخرة لهي الحيوان) اي لا يموتون فيها وقوله (والذين جاهدوا فينا) اي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله (لنهدينهم سبلنا) (اي لنثبتنهم (وان الله لمع المحسنين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال هذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله ولاشياعهم.


                  سورة الروم


                  مكية وهى ستون آية


                  (بسم الله الرحمن الرحيم ألم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) فانه حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن جميل عن ابي عبيدة عن ابي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله " ألم غلبت الروم في أدنى الارض قال: يا ابا عبيدة ان لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من الائمة عليهم السلام، ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة وقد ظهر الاسلام كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث اليه رسولا يدعوه إلى الاسلام وكتب إلى ملك فارس كتابا وبعث اليه رسولا يدعوه إلى الاسلام، فاما ملك الروم فانه عظم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله واكرم رسوله، واما ملك فارس فانه مزق كتابه واستخف برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان ملك فارس يقاتل يومئذ ملك الروم وكان المسلمون يهوون ان يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحية ملك الروم ارجى منهم لملك فارس، فلما غلب ملك فارس ملك الروم بكى لذلك المسلمون واغتموا فأنزل الله " ألم غلبت الروم في أدنى الارض " يعني غلبتها فارس في أدنى الارض وهي الشامات وما حولها ثم قال، وفارس من بعد غلبهم الروم سيغلبون في بضع سنين(1)


                  ___________________________________
                  (1) وهذا إنما يتم إذا كان مرجع الضميرين في " هم " و " غلبهم " فارس واريد من المصدر في " غلبهم " معنى الفاعل اي كونهم غالبين ويقرأ " سيغلبون " مبنيا للمفعول بخلاف القراء‌ة الموجودة مبنيا للفاعل ولازمه إرجاع الضميرين المذكورين إلى الروم والمراد من " غلبهم " كونهم مغلوبين فاستعمل المصدر في معنى المفعول واستعماله فيه وإن كان جائزا إلا انه في معنى الفاعل اظهر كما في هذا الكتاب وعليه فيكون المعنى ان الروم وان غلبت عليها الفرس، لكنهم أي فارس من بعد كونهم غالبين هذا الاوان سيصيرون مغلوبين في زمان الخليفة عمر بن الخطاب. وقال الزمخشري في الكشاف. انه قرئ " سيغلبون " بالضم كما في هذا الكتاب.ج.ز.


                  [153]


                  وقوله: (لله الامر من قبل) أن يأمر (ومن بعد) أن يقضي بما يشاء وقوله (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) قلت: أليس الله يقول في بضع سنين وقد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وفي امارة ابي بكر وإنما غلبت المؤمنون فارس في امارة عمر؟ فقال: ألم اقل لك ان لهذا تأويلا وتفسيرا والقرآن يا ابا عبيدة ناسخ ومنسوخ، أما تسمع قوله: " لله الامر من قبل ومن بعد " يعني اليه المشية في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين وذلك قوله (يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) ثم قال (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من احيوة الدنيا) يعني ما يرونه حاضرا (وهم عن الآخرة هم غافلون) قال يرون حاضر الدنيا ويتغافلون عن الآخرة وقوله (ثم كان عاقبة الذين أساء‌وا السوآى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن) اي ظلموا واستهزؤا وقوله (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) أي يئسوا (ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء) يعني شركاء‌ا يعبدونهم ويطيعونهم لا يشفعون لهم وقوله (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) قال إلى الجنة والنار (فاما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) اي يكرمون وقوله (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والارض وعشيا وحين تظهرون) يقول سبحوا بالغداة وبالعشي ونصف النهار


                  [154]


                  وقوله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) قال يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن وقوله: (ويحيي الارض بعد موتها وكذلك تخرجون) رد على الدهرية ثم قال (ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم إذا انتم بشر تنتشرون) اي تنثرون في الارض إلى قوله (ان تقوم السماء والارض بأمره) قال يعني السماء والارض هاهنا (ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذا أنتم تخرجون وهو رد على اصناف الزنادقة.
                  واما قوله (ضرب لكم مثلا من انفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم) فانه كان سبب نزولها ان قريشا والعرب كانوا إذا حجوا يلبون وكانت تلبيتهم " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك " وهي تلبية إبراهيم عليه السلام والانبياء، فجاء‌هم إبليس في صورة شيخ، فقال ليست هذه تلبية أسلافكم، قالوا: وما كانت تلبيتهم؟ فقال: كانوا يقولون " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك " فنفرت قريش من هذا القول، فقال لهم إبليس على رسلكم حتى آتي على آخر كلامي، فقالوا ما هو؟ فقال " إلا شريك هو لك تملكه وما يملك " ألا ترون انه يملك الشريك وما ملكه فرضوا بذلك وكانوا يلبون بهذا قريش خاصة فلما بعث الله رسوله فأنكر ذلك عليهم وقال هذا شرك، فأنزل الله " ضرب لكم مثلا من انفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فانتم فيه سواء " اي ترضون انتم فيما تملكون ان يكون لكم فيه شريك فاذا لم ترضوا انتم ان يكون لكم فيما تملكونه شريك فكيف ترضون ان تجعلوا لي شريكا فيما املك وقوله (فاقم وجهك للدين حنيفا) أي طاهرا، اخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن جعفر ابن بشير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " فاقم وجهك للدين حنيفا " قال هي الولاية، حدثنا الحسين بن علي بن زكريا قال:


                  [155]


                  حدثنا الهيثم بن عبدالله الرماني قال حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام عن ابيه عن جده محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال هو لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولي الله إلى ههنا التوحيد أخبرنا أحمد بن إدريس عن احمد بن محمد عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان الناب وخلف بن حماد عن الفضيل بن يسار وربعي بن عبدالله عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى " فاقم وجهك للدين حنيفا " قال: قم في الصلاة ولا تلتفت يمينا ولا شمالا.
                  وقال علي بن ابراهيم في قوله " فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) فانه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما بويع لابي بكر واستقام له الامر على جميع المهاجرين والانصار بعث إلي فدك فاخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله منها فجاء‌ت فاطمة عليها السلام إلى ابي بكر، فقالت يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله، فقال لها هاتي على ذلك شهودا فجاء‌ت بأم أيمن فقالت لا اشهد حتى احتج يا ابا بكر عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت أنشدك الله، ألست تعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن أم أيمن من اهل الجنة؟ قال بلى، قالت فأشهد ان الله أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله " فآت ذا القربى حقه " فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء علي عليه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا بفدك ودفعه اليها فدخل عمر فقال ما هذا الكتاب؟ فقال ابوبكر: إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبت لها بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه(1) وقال هذا فئ المسلمين وقال اوس


                  ___________________________________
                  (1) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 / 101 والسيرة الحلبية 3 / 400 وإنسان العيون في سيرة الامين والمأمون ص 40 وفيه: أخذ عمر الكتاب فشقه، وسنورد عليك بقية المصادر لقضية فدك.ج.ز.


                  [156]


                  ابن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله صلى الله عليه وآله بانه قال: إنا معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة فان عليا زوجها يجر إلى نفسه، وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه، فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة فلما كان بعد هذا جاء علي عليه السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والانصار، فقال يا ابا بكر ! لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله؟ وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال ابوبكر: هذا فئ المسلمين فان أقامت شهودا ان رسول الله صلى الله عليه وآله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا ابا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال لا قال فان كان في يد المسلمين شئ يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين، قال فاذا كان في يدي شئ وادعى فيه المسلمون فتسألني البينة على ما في يدي ! وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوا علي شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم ! فسكت ابوبكر ثم قال عمر يا علي دعنا من كلامك فانا لا نقوى على حججك فان أتيت بشهود عدول وإلا فهو فئ المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.
                  فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا ابا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال نعم قال فاخبرني عن قول الله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فيمن نزلت أفينا أم في غيرنا؟ قال بل فيكم قال فلو أن شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال كنت اقيم عليها الحد كما اقيم على سائر المسلمين قال كنت إذا عند الله من الكافرين، قال: ولم؟ قال: لانك رددت شهادة الله لها


                  [157]


                  بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله ان جعل رسول الله صلى الله عليه وآله لها فدك وقبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بايل على عقبه عليها فأخذت منها فدك وزعمت انه فئ المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناس(1) وبكى بعضهم فقالوا صدق والله علي ورجع علي عليه السلام إلى منزله.
                  قال: ودخلت فاطمة إلى المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وآله السلام وهي تبكي وتقول: إنا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب قد كان بعدك أنباء وهنبثة(2) * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا * فغاب عنا وكل الخير محتجب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب فقمصتنا(3) رجال واستخف بنا * إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب فكل أهل له قرب ومنزلة * عند الاله على الادنين(4) يقترب أبدت رجال لنا فحوى(5) صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الكثب فقد رزينا بما لم يرزأه أحد * من البرية لا عجم ولا عرب وقد رزينا به محضا خليقته *؟؟؟؟؟ الضرائب والاعراق والنسب


                  ___________________________________
                  (1) اي تحادثوا فيما بينهم مغضبين.
                  (2) الامر الشديد ج هنابث.
                  (3) قمص الشئ احتقره.
                  (4) (الاديان ك).
                  (5) (نجوى ط).
                  ج ز


                  [158]


                  فأنت خير عباد الله كلهم * وأصدق الناس حين الصدق والكذب فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منا العيون بهمال(1) لها سكب سيعلم المتولي ظلم خامتنا(2) * يوم القيامة أنى كيف ينقلب(3) قال: فرجع ابوبكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال: أما رأيت مجلس علي منا اليوم، والله لان قعد مقعدا مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي؟ قال عمر الرأي أن تأمر بقتله، قال فمن يقتله؟ قال خالد بن الوليد فبعثا إلى خالد فأتاهما فقالا نريد أن نحملك على أمر عظيم، قال حملاني ما شئتما ولو قتل علي بن أبي طالب، قالا فهو ذاك، فقال خالد متى أقتله؟ قال ابوبكر إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة فاذا أنا سلمت فقم اليه فاضرب عنقه، قال نعم فسمعت اسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت ابي بكر فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل علي وفاطمة فاقرئيهما السلام وقولي لعلي ان الملا يأتمرون بك ليقتلوك فارج أنى لك من الناصحين فجاء‌ت الجارية اليهما فقالت لعلي عليه السلام ان اسماء بنت عميس تقرأ عليكما


                  ___________________________________
                  (1) المبالغة من الهمل وهو الماء السائل الذي لا مانع له.
                  (2) الخامة: الغضة من النبات.مجمع
                  (3) راجع صحيح البخاري 3 / 35 باب غزوة خيبر و 2 / 116، صحيح مسلم 2 / 92، شرح البخاري للعيني 8 / 323، فيض الباري ص 98، مسند احمد 1 / 4، الصواعق ص 31 شرح ابن ابي الحديد 4 / 101 و 3 / 86، تفسير الرازي 3 / 230 و 8 / 386، تفسير النيشابوري على هامش تفسير ابن جرير 4 / 197 إزالة الخفاء 2 / 30، كنز العمال 3 / 125، وفاء الوفا 2 / 160 فتوح البلدان ص 38 معجم البلدان 6 / 343، السيرة الحلبية 3 / 400 وغيرها من كتب التاريخ والسير.ج.ز.


                  [159]


                  السلام وتقول ان الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج أنى لك من الناصحين، فقال علي (ع) قولى لها ان الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.
                  ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف ابى بكر وصلى لنفسه وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف فلما جلس ابوبكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة على وبأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر ان يسلم حتى ظن الناس انه قدسها، ثم التفت إلى خالد فقال يا خالد لا تفعل ما أمرتك به السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال امير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال امرنى بضرب عنقك، قال وكنت تفعل؟ قال إي والله لولا انه قال لي لا تفعل لقتلتك بعد التسليم، قال فأخذه علي (ع) فضرب به الارض واجتمع الناس عليه فقال عمر يقتله ورب الكعبة فقال الناس يا ابا الحسن الله الله بحق صاحب هذا القبر فخلى عنه، قال فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال يابن الصهاك لولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا اضعف ناصرا واقل عددا ثم دخل منزله.
                  وقوله: (وما آتيتم من ربا ليربوا في اموال الناس فلا يربوا عند الله) فانه حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال قال ابوعبدالله (ع): الربا رباء‌ان احدهما حلال والآخر حرام فاما الحلال فهو ان يقرض الرجل اخاه قرضا طمعا ان يزيده ويعوضه بأكثر مما يأخذه بلا شرط بينهما فان اعطاه اكثر مما اخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له وليس له عند الله ثواب فيما اقرضه وهو قوله " فلا يربوا عند الله " واما الربا الحرام فالرجل يقرض قرضا ويشترط ان يرد اكثر مما اخذه فهذا هو الحرام وقوله (وما آتيتم من زكوة تريدون وجه الله فاولئك هم المضعفون) اي ما بررتم به اخوانكم واقرضتموهم لا طمعا في زيادة، وقال الصادق (ع): على باب الجنة مكتوب القرض


                  [160]


                  بثمانية عشرة والصدقة بعشرة، ثم ذكر عزوجل عظيم قدرته وتفضله على خلقه فقال (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا) اي ترفعه (فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا) قال بعضه على بعض (فترى الودق) اي المطر (يخرج من خلاله - إلى قوله - لمبلسين) اي آيسين (فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الارض بعد موتها ان ذلك لمحي الموتى) وهو رد على الدهريه وقوله (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس) قال في البر فساد الحيوان إذا لم يمطر وكذلك هلاك دواب البحر بذلك وقال الصادق (ع) حياة دواب البحر بالمطر فاذا كف المطر ظهر الفساد في البر والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصى اخبرنا احمد بن إدريس قال حدثنا احمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن ميسر عن ابي جعفر (ع) قال قلت: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس، قال ذلك والله يوم قالت الانصار منا رجل ومنكم رجل.
                  وقال على بن ابراهيم في قوله (الله الذي خلقكم من ضعف) يعني من نطفة منتنة ضعيفة (ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا) وهو الكبر وقوله (قال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) فان هذه الآية مقدمة ومؤخرة وإنما هي " وقال الذين اوتوا العلم والايمان في (من ط) كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث) وقوله (فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) أي لا يغضبنك، قال كان علي ابن أبي طالب (ع) يصلي وابن الكوا خلفه وأمير المؤمنين (ع) يقرأ، فقال ابن الكوا " ولقد اوحي اليك وإلي الذين من قبلك لان أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " فسكت أمير المؤمنين (ع) حتى سكت ابن الكوا ثم عاد في قراء‌ته حتى فعل ابن الكوا ثلاث مرات فلما كان في الثالثة قال امير المؤمنين عليه السلام " فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون "

                  Comment

                  • راية اليماني
                    مشرف
                    • 05-04-2013
                    • 3021

                    #39
                    رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                    سورة لقمان


                    مكية


                    (بسم الله الرحمن الرحيم ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم بالآخرة هم يوقنون اولئك على هدى من ربهم) أي على بيان من ربهم (واولئك هم المفلحون) وقوله (ومن الناس من يشترى لهو الحديث) قال: الغناء وشرب الخمر وجميع الملاهي (ليضل عن سبيل الله بغير علم) قال: يحيد بهم عن طريق الله، وفي رواية ابي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ...الخ " فهو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلده من بني عبد الدار بن قصي وكان النضر راويا لاحاديث الناس وأشعارهم، يقول الله عزوجل: (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقرا فبشره بعذاب اليم) وقوله (وبث فيها من كل دابة) يقول جعل فيها من كل دابة وقوله (وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) يقول من كل لون حسن والزوج اللون الاصفر والاخضر والاحمر والكريم الحسن، أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن محمد عن بكر بن صالح عن جعفر بن يحيى عن علي بن (القصير ط) النضر عن أبي عبدالله عليه السلام قال قلت جعلت فداك قوله (ولقد آتينا لقمن الحكمة) قال اوتي معرفة إمام زمانه.
                    وقال علي بن ابراهيم في قوله (هذا خلق الله) أي مخلوق الله لان الخلق هو الفعل والفعل لا يرى وإنما أشار إلى المخلوق وإلى السماء والارض والجبال وجميع الحيوان فأقام الفعل مقام المفعول وقوله (ولقد آتينا لقمن الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد) فانه حدثني


                    [162]




                    أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لقمان(1) وحكمته التي ذكرها الله عزوجل، فقال: أما والله ما اوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله ساكتا سكينا عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستعيرا بالعبر لم ينم نهارا قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره وعمق نظره وتحفظه في أمره ولم يضحك من شئ قط مخافة الاثم، ولم يغضب قط ولم يمازح إنسانا قط ولم يفرح بشئ ان أتاه من أمر الدنيا ولا حزن منها على شئ قط، وقد نكح من النساء وولد له من الاولاد الكثيرة وقدم اكثرهم إفراطا، فما بكى على موت أحد منهم، ولم يمر برجلين يختصمان او يقتتلان إلا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتى يحابا، ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين، فيرثي للقضاة ما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان فكان يداوي قلبه بالفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه فبذلك اوتي الحكمة ومنح العصمة، فان




                    ___________________________________
                    (1) الاظهر ان لقمان لم يكن نبيا وكان حكيما وقيل كان نبيا، وقيل خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة، وكان ابن اخت ايوب او ابن خالته وقيل إنه عاش الف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم، وقيل إنه دخل عليه وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد فأراد ان يسأل فأدركته الحكمة فسكت فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب انت، فقال لقمان: " الصمت من حكم وقليل فاعله ".(جامه الجوامع) ج.ز


                    [163]




                    الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقايلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الارض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع والطاعة لانه ان فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني وإن هو خيرني قبلت العافية فقالت الملائكة يا لقمان لم قلت ذلك؟ قال: لان الحكم بين الناس من اشد المنازل من الدين واكثرها فتنا وبلاء‌ا ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه فيه بين أمرين ان اصاب فيه الحق فبالحري ان يسلم وان اخطأ اخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا كان اهون عليه في المعاد ان يكون فيه حكما سريا شريفا، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك تلك، قال فتعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه، فلما امسى وأخذ مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاء‌ا فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويثبتها فيها.
                    قال: فلما اوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله الخلافة في الارض وابتلي فيها غير مرة وكل ذلك يهوي في الخطأ يقبله الله ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة داود عليه السلام ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه وكان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان اوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية واعطي داود الخلافة وابتلي بالحكم والفتنة.
                    ثم قال ابوعبدالله عليه السلام: (وإذ قال لقمن لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) قال فوعظ لقمان لابنه بآثار حتى تفطر وانشق وكان فيما وعظه به يا حماد ! ان قال: يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها


                    [164]




                    واستقبلت الآخرة فدار أنت اليها تسير أقرب اليك من دار أنت عنها متباعد، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك لا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صوما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب إلى الله من الصيام، يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الايمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله، فان نجوت فبرحمة الله وان هلكت فبذنوبك، يا بني ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا، ومن غني بالادب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ومن تكلف علمه اشتد طلبه ومن اشتد طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة، فانك تخلف في سلفك وتنفع به من خلفك ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب وإياك والكسل عنه والطلب لغيره فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم فانك لن تجد له تضييعا أشد من تركه، ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا، ولا تماشين ظلوما، ولا تصادقنه ولا تصاحبن فاسقا نطفا(1) ولا تصاحبن متهما، واخزن علمك كما تخزن ورقك(2)، يا بني خف الله خوفا لو أتيت القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك وارج الله رجاء‌ا لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت أن يغفر لك.
                    فقال له ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نورين نورا للخوف ونورا للرجاء




                    ___________________________________
                    (1) نطف ككتف: الرجل المريب.
                    (2) ورق مثلث الواو بسكون الراء: الدراهم المضروبة ج اوراق ووراق.ج.ز.


                    [165]




                    لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله، فان هذه الاخلاق تشهد بعضها لبعض فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا ومن عمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا ومن أطاع الله خافه ومن خافه فقد أحبه ومن أحبه اتبع أمره ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط الله، يا بني ! لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها ألا ترى انه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ولم يجعل بلاء‌ها عقوبة للعاصين وقوله (ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن) يعني ضعفا على ضعف ثم قال (وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها - إلى قوله - بما كنتم تعملون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (واتبع سبيل من أناب إلي) يقول اتبع سبيل محمد صلى الله عليه وآله.
                    قال علي بن ابراهيم ثم عطف على خبر لقمان وقصته فقال (يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات او في الارض يأت بها الله ان الله لطيف خبير) قال من الرزق يأتيك به الله وقوله (ولا تصعر خدك للناس) أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم (ولا تمش في الارض مرحا) أي فرحا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولا تمش في الارض مرحا " أي بالعظمة وقال علي بن ابراهيم في قوله (واقصد في مشيك) أي لا تعجل (واغضض من صوتك) أي لا ترفعه (ان انكر الاصوات لصوت الحمير) وروي فيه غير هذا ايضا واما قوله (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) قال فانه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن شريك عن جابر قال قرأ رجل عند أبي جعفر عليه السلام وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قال اما النعمة الظاهرة


                    [166]




                    فهو النبي صلى الله عليه وآله وما جاء به من معرفة الله عزوجل وتوحيده واما النعمة الباطنة فولايتنا اهل البيت وعقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة، واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوا باطنة، فانزل الله " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ففرح رسول الله عند نزولها إذ لم يتقبل الله تعالى إيمانهم إلا بعقد ولايتنا ومحبتنا وقوله (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) قال بالولاية وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباء‌نا اولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) فهو النضر ابن الحارث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله اتبع ما انزل اليك من ربك قال بل أتبع ما وجدت عليه آبائي وقوله (ولو ان ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم) وذلك ان اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن الروح، فقال: الروح من أمر ربي وما اوتيتم من العلم إلا قليلا، قالوا نحن خاصة؟ قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذان يا محمد تزعم انك لم تؤت من العلم إلا قليلا وقد اوتيت القرآن واوتينا التوراة وقد قرأت: ومن يؤت الحكمة - وهي التوراة - فقد اوتي خيرا كثيرا، فانزل الله تعالى: ولو ان ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله يقول علم الله اكثر من ذلك وما اوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.
                    وقال علي بن ابراهيم في قوله: " ولو ان ما في الارض من شجرة أقلام الآية " معنى ذلك ان علم الله اكثر من ذلك فاما ما آتاكم فهو كثير فيكم قليل في ما عند الله وقوله (ألم تر ان الفلك تجري في البحر بنعمت الله) قال السفن


                    [167]




                    تجري في البحر بقدرة الله، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) بلغنا والله اعلم انهم قالوا يا محمد خلقنا أطوارا نطفا ثم علقا ثم أنشأنا خلقا آخر كما تزعم وتزعم إنا نبعث في ساعة واحدة ! فقال الله ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إنما يقول له كن فيكون وقوله (ألم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار وما ينقص من النهار يدخل في الليل وقوله: (وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى) يقول كل واحد منهما يجري إلى منتهاه لا يقصر عنه ولا يجاوزه، وقال علي بن ابراهيم في قوله (ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور) قال هو الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله على جميع أحواله وقوله (وإذا غشيهم موج كالظلل) يعني في البحر (دعوا الله مخلصين له الدين - إلى قوله - فمنهم مقتصد) أي صالح (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) قال الختار الخداع وقوله (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده - إلى قوله - ان وعد الله حق) قال ذلك القيامة وقوله (ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير) قال الصادق عليه السلام هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله عزوجل.



                    سورة السجدة


                    مكية ثلاثون آية


                    (بسم الله الرحمن الرحيم ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه) أي لا شك فيه (من رب العالمين أم يقولون افتراه) يعني قريشا يقولون هذا كذب محمد فرد الله عليهم فقال (بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك


                    [168]



                    لعلهم يهتدون) قوله (يدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج اليه) يعني الامور التي يدبرها والامر والنهي الذي أمر به وأعمال العباد كل هذا يظهره يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم الف سنة من سني الدنيا وقوله (الذي احسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين) قال هو آدم عليه السلام ثم جعل نسله أي ولده من سلالة وهو الصفو من الطعام والشراب (من ماء مهين) قال النطفة المني (ثم سواه) أي استحاله من نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة حتى نفخ فيه الروح وقوله (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) فانه حدثني أبي عن ابن ابي عمير عن هشام عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما اسري بي إلى السماء رأيت ملكا من الملائكة بيده لوح من نور لا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا ملك الموت مشغول في قبض الارواح فقلت ادنيني منه يا جبرئيل لاكلمه، فأدناني منه فقلت له يا ملك الموت أكل من مات او هو ميت فيما بعد انت تقبض روحه؟ قال نعم قلت وتحضرهم بنفسك؟ قال نعم وما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لى ومكنني منها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار في الدنيا إلا وأدخلها في كل يوم خمس مرات وأقول إذا بكى اهل البيت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي اليكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرئيل ! فقال جبرئيل إنما بعد الموت أطم وأعظم من الموت.
                    وقوله: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) قال لو شئنا أن نجعلهم كلهم معصومين لقدرنا وقوله (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم) أي تركناكم وقوله (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) فانه حدثني ابي عن عبدالرحمان بن ابي نجران عن عاصم بن حميد عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في


                    [169]



                    القرآن إلا صلاة الليل فان الله لم يبين ثوابها لعظم خطرها عنده فقال (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون - إلى قوله - يعملون).
                    ثم قال إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فاذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمنين ملكا معه حلتان فينتهي إلى باب الجنة فيقول: استأذنوا لي على فلان، فيقال له هذا رسول ربك على الباب، فيقول لازواجه أي شئ ترين علي أحسن؟ فيقلن يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئا احسن من هذا قد بعث اليك ربك، فيتزر(1) بواحدة ويتعطف بالاخرى فلا يمر بشئ إلا أضاء له حتى ينتهى إلى الموعد فاذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فاذا نظروا اليه أي إلى رحمته (خروا سجدا) فيقول عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا عبادة قد رفعت عنكم المؤنة فيقولون يا رب وأي شئ أفضل مما أعطيتنا اعطيتنا الجنة، فيقول لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا، فيرى المؤمن في كل جمعة سبعين ضعفا مثل ما في يده وهو قوله " ولدينا مزيد " وهو يوم الجمعة انها ليلة غراء ويوم ازهر فاكثروا فيها من التسبيح والتهليل والتكبير والثناء على الله والصلاة على رسوله، قال فيمر المؤمن فلا يمر بشئ إلا أضاء له حتى ينتهي إلى أزواجه فيقلن والذي أباحنا الجنة يا سيدنا ما رأيناك أحسن منك الساعة فيقول اني قد نظرت إلى نور ربي، ثم قال: إن ازواجه لا يغرن ولا يحضن ولا يصلفن(2) قال الراوي قلت جعلت فداك اني اردت ان




                    ___________________________________
                    (1) ازر النبات: التف.
                    (2) ضلفت المرأة عند زوجها: لم تحظ عنده ومنه المثل " من يبغ في الدين يصلف " يعني من يطغى في الدين يسقط عن أعين الناس.ج.ز.


                    [170]



                    اسألك عن شئ أستحي منه، قال سل قلت جعلت فداك هل في الجنة غناء؟ قال إن في الجنة شجرة يأمر الله رياحها فتهب فتضرب تلك الشجرة بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها حسنا ثم قال: هذا عوض لمن ترك السماع للغناء في الدنيا من مخافة الله قال قلت: جعلت فداك زدني، فقال: إن الله خلق الجنة بيده ولم ترها عين ولم يطلع عليها مخلوق يفتحها الرب كل صباح فيقول ازدادي ريحا ازدادي طيبا وهو قول الله تعالى (فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون).
                    وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) قال فذلك ان علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط تشاجرا فقال الفاسق الوليد بن عقبة: أنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأمثل منك جثوا في الكتيبة، قال علي عليه السلام: اسكت فانما انت فاسق فأنزل الله (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون اما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون) فهو علي بن ابي طالب عليه السلام.
                    وقال علي بن ابراهيم في قوله: (واما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما ارادوا أن يخرجوا منها اعيدوا فيها - إلى قوله - به تكذبون) قال: إن جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فاذا بلغوا اسفلها زفرت بهم جهنم فاذا بلغوا اعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم.
                    واما قوله: (لنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر الآية) قال: العذاب الادنى عذاب الرجعة بالسيف ومعنى قوله: (لعلهم يرجعون) يعني فانهم يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا وقوله: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا) قال: كان في علم الله انهم يصبرون على ما يصيبهم فجعلهم أئمة، حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة


                    [171]



                    ابن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال الائمة في كتاب الله إمامان إمام عدل وإمام جور قال الله " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا " لا بأمر الناس يقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم قال " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " يقدمون امرهم قبل امر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلافا لما في كتاب الله، وقال علي بن ابراهيم في قوله (او لم يروا إنا نسوق الماء إلى الارض الجرز) قال الارض الخراب وهو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه السلام فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بخبر الرجعة قالوا (متى هذا الفتح إن كنتم صادقين) وهذه معطوفة على قوله (ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر) فقالوا (متى هذا الفتح ان كنتم صادقين) فقال الله قل لهم (يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم - يا محمد - وانتظر انهم منتظرون)

                    Comment

                    • راية اليماني
                      مشرف
                      • 05-04-2013
                      • 3021

                      #40
                      رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                      سورة الاحزاب


                      مدنية ثلاث وسبعون آية


                      (بسم الله الرحمن الرحيم يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما) وهذا هو الذي قال الصادق عليه السلام: إن الله بعث نبيه باياك أعني واسمعي يا جارة فالمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس وقوله (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم الئ تظاهرون، منهن امهاتكم) وهو مع قوله في المجادلة " الذين يظاهرون منكم من نسائهم - إلى قوله - ولدنهم ".
                      وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " قال علي بن أبي طالب عليه السلام: لا يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف إنسان ان الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحب هذا ويبغض هذا فاما محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه فمن أراد أن يعلم


                      [172]




                      حبنا فليمتحن قلبه فان شاركه في حبنا حب عدونا فليس منا ولسنا منه والله عدوهم وجبرئيل وميكائيل والله عدو للكافرين.
                      وقال علي بن ابراهيم في قوله (وما جعل أدعياء‌كم أبناء‌كم) قال: فانه حدثني أبي عن ابن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان سبب نزول ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأى زيدا يباع ورآه غلاما كيسا حصيفا(1) فاشتراه فلما نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الاسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد صلى الله عليه وآله فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا، فأتى أبا طالب فقال يا ابا طالب ان ابني وقع عليه السبي وبلغني انه صار إلى ابن اخيك فسله اما ان يبيعه واما ان يفاديه واما ان يعتقه، فكلم ابوطالب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هو حر فليذهب كيف يشاء، فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له يا بني الحق بشرفك وحسبك، فقال زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله أبدا، فقال له ابوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش؟ فقال زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ما دمت حيا، فغضب أبوه فقال: يا معشر قريش اشهدوا اني قد برئت منه وليس هو ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اشهدوا ان زيدا ابني أرثه ويرثني، فكان يدعى زيد بن محمد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه وسماه زيد الحب.
                      فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأل عنه فاذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر(2) فنظر اليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور





                      ___________________________________
                      (1) أي جيد الرأي محكم العقل.
                      (2) حجر تسحق به الادوية.ج.ز.


                      [173]




                      وتبارك الله أحسن الخالقين(1) ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها زيد: هل لك ان اطلقك حتى يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وآله فلعلك قد وقعت في قلبه؟ فقال: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي انت وامي يا رسول الله اخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك ان اطلقها حتى تتزوجها؟ فقال رسول الله: لا، إذهب فاتق الله وامسك عليك زوجك، ثم حكى الله فقال: (امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها - إلى قوله - وكان امر الله مفعولا) فزوجه الله من فوق عرشه(2).





                      ___________________________________
                      (1) وفي تفسير الكشاف والبيضاوي انه قال: سبحان الله مقلب القلوب حين رآها فهذه الرواية تحمل على التقية لورودها موافقة للعامة، والصحيح ان النبي صلى الله عليه وآله لم يقل مثل هذه الكلمات ولم يجئ إلى دارها كما سيجيئ في هذا الكتاب عند تفسير قوله تعالى: " ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا ...الخ الآية ".
                      (2) ويمكن الايراد عليه أولا انه كيف يسوغ لرسول الله صلى الله عليه وآله ان ينظر إلى زوجة الغير، وثانيا انه لا يناسبه ان يميل اليها، وثالثا انه لا ينبغي لمقامه ان يتزوج من زينب بعدما انكحها من زيد، لانه وإن كان جائزا إلا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان بمنزلة ابيه وهذا لا يفعله عامي فكيف النبي الاعظم الذي اسوته تتبع. وجواب الاول (أ) لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية الحجاب والنهي عن النظر إلى الاجنبية (ب) وعلى فرض كونها بعده انه لا إشكال في جواز النظرة الاولى اتفاقا (ج) النبي صلى الله عليه وآله مرتبته بالنسبة إلى أمته أعظم وأولى من انفسهم بدلالة قوله تعالى: " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم " خرج منه ما خرج كحرمة تزويج ذات البعل وبقي غيره في العموم فيجوز له النظر ولو عمدا إلى سائر نساء أمته.
                      الجواب عن الثاني: ان ميل النفس إلى كل شئ حسن وإعجابها به من مقتضيات الفطرة الانسانية ولولاه لما استحسن الانتهاء عما نهي عنه بل عدم الميل دليل فتور في الفطرة الاولية، والنبي حيث انه بشر لابد فيه من كمال سائر المقتضيات البشرية، لكن الفرق بيننا وبينه ان ميولنا النفسانية ربما تذهب بنا إلى مهاوي الهلكات والنبي لا يقتحمها أبدا لمكان العصمة.
                      الجواب عن الثالث: انه لم يتزوجها إلا بعد أمر الله تعالى وهو مبني على حكم، منها ما بينه الله تعالى بقوله: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج أدعيائهم إذا قضوا منها وطرا، ومنها ما لم يبين الله وهي ان زيدا لما اشتهر بين الناس بابنية رسول الله صلى الله عليه وآله لامكن من المسلمين السذج لاسيما من الذين كان كمال مجهودهم حط مقام اهل البيت عليهم السلام ان يعطوا زيدا مقام ابن رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته بل لم يكن من المستبعد ان يجعلوه خليفة له بدليل كونه ابنا له، فكان اللازم على الله ان يسد هذا المجال فبين الفرق بينه وبين الولد النسبي بجواز التزويج من مدخولة الابن الدعي دون مدخولة الابن النسبي واراد ان يتزوج النبي من زوجة زيد حتى ينحسم احتمال كونه ابنا له فأوجد دواعي هذا الزواج من نظره اليها وإلقاء محبتها في قلبه ولما رأى ان النبي صلى الله عليه وآله لا يقدم عليه لمقام حيائه وعفته قال: تخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه الآية، فلو لم يكن في هذا الزواج مثل هذه الحكمة لما كان جائزا للنبي لان النبي لا يفعل فعلا عبثا فكيف ما كان مذموما والدليل على ذلك انه منع عن مثل هذا الزواج فيما بعد لكو؟؟ عادما للحكمة المذكورة لقوله: لا يحل لك النساء من بعد ولا ان تبدل بهن من ازواج ولو اعجبك حسنهن.
                      وسيجئ في رواية ابي الجارود في تفسير قوله تعالى: " ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا ان يكون لهم الخيرة " انه صلى الله عليه وآله لم يذهب إلى بيت زيد وانهما (أي زيدا وزينب) جاء‌ا إلى النبي لرفع التخاصم بينهما وهذا هو الاوفق لاعتضاده بغيره من روايات الامامية، والاول على مذاق العامة فيترك ج.ز


                      [174]




                      فقال المنافقون: يحرم علينا نساء أبنائنا ويتزوج امرأة ابنه زيد فأنزل


                      [175]




                      الله في هذا (وما جعل أدعياء‌كم أبناء‌كم - إلى قوله - يهدي السبيل) ثم قال: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله - إلى قوله - ومواليكم) فاعلم الله ان زيدا ليس هو ابن محمد وإنما ادعاه للسبب الذي ذكرناه، وفي هذا ايضا ما نكتبه في غير هذا الموضع في قوله: " ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما " ثم نزل (لا يحل لك النساء من بعد) ما حلل عليه في سورة النساء وقوله: (ولا ان تبدل بهن من ازواج) معطوف على قصة امرأة زيد (ولو اعجبك حسنهن) اي لا يحل لك امرأة رجل ان تتعرض لها حتى يطلقها زوجها وتتزوجها انت فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا.
                      وقوله: (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجه امهاتهم) قال: نزلت وهو أب لهم وأزواجه امهاتهم، فجعل الله المؤمنين اولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل رسول الله اباهم لمن لم يقدر ان يصون نفسه ولم يكن له مال وليس له على نفسه ولاية فجعل الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله الولاية على المؤمنين من انفسهم وقول رسول الله صلى الله عليه وآله


                      [176]




                      بغدير خم " يا ايها الناس ألست أولى بكم من انفسكم " قالوا: بلى ثم اوجب لامير المؤمنين عليه السلام ما اوجبه لنفسه عليهم من الولاية فقال: " ألا من كنت مولاه فعلي مولاه " فلما جعل الله النبي ابا للمؤمنين ألزمه مؤنتهم وتربية ايتامهم فعند ذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فقال: من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا او ضياعا فعلي والي، فألزم الله نبيه للمؤمنين ما يلزمه الوالد وألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم امير المؤمنين عليه السلام ما ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله من بعد ذلك وبعده الائمة عليهم السلام واحدا واحدا والدليل على ان رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام هما الوالدان قوله: " وا عبدالله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا " فالوالدان رسول الله وامير المؤمنين صلوات الله عليهما وقال الصادق عليه السلام وكان إسلام عامة اليهود بهذا السبب لانهم أمنوا على انفسهم وعيالاتهم وقوله: (واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) قال نزلت في الامامة وقوله: (وإذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم) قال: هذه الواو زيادة في قوله ومنك وإنما هو منك ومن نوح فأخذ الله الميثاق لنفسه على الانبياء ثم اخذ لنبيه صلى الله عليه وآله على الانبياء والائمة ثم اخذ للانبياء على رسوله صلى الله عليه وآله.
                      وقوله: (يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاء‌تكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاؤكم من فوقكم ومن اسفل منكم الآية) فانها نزلت في قصة الاحزاب من قريش والعرب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: وذلك ان قريشا تجمعت في سنة خمس من الهجرة وساروا في العرب وجلبوا واستفزوهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله فوافوا في عشرة آلاف ومعهم كنانة وسليم وفزارة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله حين اجلا بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حي بن اخطب،


                      [177]




                      وهم يهود من بني هارون عليه السلام فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر وخرج حي بن اخطب وهم إلى قريش بمكة وقال لهم ان محمدا قد وتركم ووترنا واجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا وأجلا بني عمنا بني قينقاع فسيروا في الارض واجمعوا حلفاء‌كم وغيرهم حتى نسير اليهم فانه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل وهم بنو قريظة وبينهم وبين محمد عهد وميثاق وأنا احملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد صلى الله عليه وآله ويكونون معنا عليهم فتأتونه انتم من فوق وهم من اسفل.
                      وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين وهو الموضع الذي يسمى بئر المطلب، فلم يزل يسير معهم حي بن اخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والاقرع بن حابس في قومه وعباس ابن مرداس في بني سليم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فاستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل، فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله ان القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة(1) قال: فما نصنع؟ قال: نحفر خندقا يكون بيننا وبينهم حجابا فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم ان يأتونا من كل وجه فانا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة، فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أشار سلمان بصواب، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بحفره من ناحية احد إلى رائح (راتج ط) وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوما من المهاجرين والانصار يحفرونه، فامر فحملت المساحي والمعاول وبدأ رسول الله وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وعيى وقال: لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم اغفر للانصار والمهاجرين، فلما نظر الناس





                      ___________________________________
                      (1) كالمقاتلة وزنا ومعنى.ج.ز.


                      [178]




                      إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الفتح فبينا المهاجرون والانصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبدالله الانصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمه بذلك، قال جابر: فجئت إلى المسجد ورسول الله مستلق على قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شد على بطنه حجرا، فقلت: يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه فقام مسرعا حتى جاء‌ه ثم دعا بماء في إناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثم شرب ومج من ذلك الماء في فيه ثم صبه على الحجر ثم اخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور الشام، ثم ضرب اخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المداين، ثم ضرب اخرى فبرقت برقة اخرى نظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اما انه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق.
                      ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل، فقال جابر: فعلمت ان رسول الله مقوى أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر فقلت: يا رسول الله هل لك في الغذاء؟ قال: ما عندك يا جابر؟ فقلت: عناق(1) وصاع من شعير فقال: تقدم واصلح ما عندك، قال: فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها وأمرتها ان تخبز وتطبخ وتشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: بأبي انت وامي يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت، فقام صلى الله عليه وآله إلى شفير الخندق ثم قال: معاشر المهاجرين والانصار أجيبوا جابرا قال جابر: وكان في الخندق سبعمائة رجل فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والانصار إلا قال اجيبوا جابرا، يقال جابر: فتقدمت وقلت لاهلي: والله قد أتاك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله بما لا قبل لك به، فقالت: أعلمته انت بما عندنا؟ قال: نعم،؟ الت: هو اعلم بما اتى، قال جابر: فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله





                      ___________________________________
                      (1) بفتح العين الانثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول.ج.ز.


                      [179]




                      فنظر في القدر ثم قال: اغرفي وأبقي ثم نظر في التنور ثم قال: اخرجي وأبقي ثم دعا بصحنة فثرد فيها وغرف، فقال: يا جابر ادخل علي عشرة فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا(1) وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال: يا جابر علي بالذراع فأتيته بالذراع فأكلوه ثم قال: ادخل علي عشرة فدخلوا فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار اصابعهم، ثم قال: علي بالذراع فأكلوا وخرجوا ثم قال: ادخل علي عشرة فأدخلتهم فاكلوا حتى نهلوا ولم ير في القصعة إلا آثار اصابعهم ثم قال: يا جابر علي بالذراع فاتيته فقلت: يا رسول الله كم للشاة من ذراع؟ قال: ذراعان، فقلت: والذي بعثك بالحق نبيا لقد اتيتك بثلاثة، فقال: اما لو سكت يا جابر لاكلوا الناس كلهم من الذراع، قال جابر: فاقبلت ادخل عشرة عشرة فدخلوا فيأكلون حتى اكلوا كلهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به اياما.
                      قال: وحفر رسول الله صلى الله عليه وآله الخندق وجعل له ثمانية بواب وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين ورجلا من الانصار مع جماعة يحفظونه وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الرغابة(2) ففرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة ايام، فاقبلت قريش ومعهم حي بن اخطب فلما نزلوا العقيق جاء حي بن اخطب إلى بني قريظة في جوف الليل وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فدق باب الحصن فسمع كعب بن اسد قرع الباب فقال لاهله: هذا اخوك قد شأم قومه وجاء الآن يشأمنا ويهلكنا ويأمرنا بنقض العهد بيننا وبين محمد وقد وفى لنا محمد وأحسن جوارنا، فنزل اليه من غرفته فقال له: من انت؟ قال: حي بن اخطب قد جئتك بعز الدهر، فقال كعب: بل جئتني بذل الدهر،





                      ___________________________________
                      (1) نهلوا أي عطشوا(2) الزغابة ط.ج - ز


                      [180]




                      فقال: يا كعب هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق مع حلفائهم من كنانة وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الرغابة وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذيبان ولا يفلت محمد وأصحابه من هذا الجمع ابدا فافتح الباب وانقض العهد الذي بينك وبين محمد، فقال كعب: لست بفاتح لك الباب ارجع من حيث جئت فقال حي: ما يمنعك من فتح الباب إلا حشيشتك (خسيستك ط) التي في التنور تخاف ان اشركك فيها فافتح فانك آمن من ذلك، فقال له كعب: لعنك الله قد دخلت علي من باب دقيق(1) ثم قال: افتحوا له الباب ففتحوا له الباب، فقال: ويلك يا كعب انقض العهد الذي بينك وبين محمد ولا ترد رأيي فان محمدا لا يفلت من هذا الجمع ابدا فان فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله ابدا، قال: واجتمع كل من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول وياسر بن قيس ورفاعة ابن زيد والزبير بن ياطا فقال لهم كعب: ما ترون؟ قالوا: انت سيدنا والمطاع فينا وانت صاحب عهدنا فان نقضت نقضنا وان أقمت اقمنا معك وان خرجت خرجنا معك، فقال الزبير بن ياطا وكان شيخا كبيرا مجربا قد ذهب بصره: قد قرأت التوراة التي انزلها الله في سفرنا بانه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة ومهاجرته بالمدينة إلى البحيرة يركب الحمار العربي ويلبس الشملة ويجتزى بالكسيرات والتميرات وهو الضحوك القتال في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقاه يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر فان كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم ولو ناوته هذه الجبال الرواسي لغلبها فقال حي: ليس هذا ذلك وذلك النبي من بني إسرائيل وهذا من العرب من ولد اسماعيل ولا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد اسماعيل ابدا لان الله قد فضلهم





                      ___________________________________
                      (1) اي صيقت علي في الجواب.ج.ز.


                      [181]




                      على الناس جميعا وجعل منهم النبوة والملك وقد عهد الينا موسى ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، وليس مع محمد آية وإنما جمعهم جمعا وسحرهم ويريد أن يغلبهم بذلك، فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتى أجابوه فقال لهم اخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمد فأخرجوه فأخذه حي بن اخطب ومزقه وقال قد وقع الامر فتجهزوا وتهيؤا للقتال.
                      وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فغمه غما شديدا وفزع اصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسعد بن معاذ وأسيد بن حصين وكانا من الاوس وكانت بنو قريظة حلفاء الاوس فقال لهما: إئتيا بني قريظة فانظروا ما صنعوا فان كانوا نفسوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إلي وقولا عضل والفارة فجاء سعد بن معاذ واسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهما كعب من الحصن فشتم سعدا وشتم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له سعد: إنما أنت ثعلب في جحر لنولين قريشا وليحاصرنك رسول الله صلى الله عليه وآله ولينزلنك على الصغر والقماع وليضربن عنقك، ثم رجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالا عضل والفارة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعناء نحن أمرناهم بذلك وذلك انه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله عيون لقريش يتجسسون خبره وكانت عضل والفارة قبيلتان من العرب دخلا في الاسلام ثم غدرا فكان إذا غدر أحد ضرب بهذا المثل فيقال عضل والفارة.
                      ورجع حي بن اخطب إلى أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله ففرحت قريش بذلك فلما كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الاشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيام، فقال: يا رسول الله قد آمنت بالله وصدقتك وكتمت إيماني عن الكفرة فان أمرتني ان آتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت وان أمرت ان أخذل بين اليهود وبين قريش فعلت حتى لا يخرجوا من حصنهم، فقال رسول الله


                      [182]




                      صلى الله عليه وآله أخذل بين اليهود وقريش فانه اوقع عندي، قال: فتأذن لي ان اقول فيك ما اريد، قال قل ما بدا لك، فجاء إلى أبي سفيان فقال له: تعرف مودتي لكم ونصحي ومحبتي ان ينصركم الله على عدوكم وقد بلغني ان محمدا قد وافق اليهود ان يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم ووعدهم إذا فعلوا ذلك ان يرد عليهم جناحهم الذي قطعه لبني النضير وقينقاع فلا أرى لكم ان تدعوهم يدخلوا في عسكركم حتى تأخذوا منهم رهنا تبعثوا بهم إلى مكة فتأمنوا مكرهم وغدرهم، فقال أبوسفيان وفقك الله وأحسن جزاك مثلك أهدى النصايح ولم يعلم ابوسفيان باسلام نعيم ولا أحد من اليهود، ثم جاء من فوره ذلك إلى بني قريظة فقال: يا كعب تعلم مودتي لكم وقد بلغني ان ابا سفيان قال تخرج هؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمد فان ظفروا كان الذكر لنا دونهم وإن كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب فلا أرى لكم ان تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم انهم ان لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يردوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمد وبينكم لانه ان ولت قريش ولم يظفروا بمحمد غزاكم محمد فيقتلكم فقالوا: أحسنت وأبلغت في النصيحة لا تخرج من حصننا حتى نأخذ منهم رهنا يكونون في حصننا.
                      وأقبلت قريش فلما نظروا إلى الخندق قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك فقيل لهم هذا من تدبير الفارسي الذي معه فوافى عمرو بن عبد ود وهبيرة بن وهب وضرار بن الخطاب إلى الخندق وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد صف أصحابه بين يديه فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله فصاروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وقدموا رسول الله صلى الله عليه وآله بين أيديهم وقال رجل من المهاجرين وهو فلان لرجل بجنبه من اخوانه: أما ترى هذا الشيطان عمرو لا والله ما يفلت من يديه


                      [183]




                      أحد فهلموا ندفع اليه محمدا ليقتله ونلحق نحن بقومنا، فأنزل الله على نبيه في ذلك الوقت قوله (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم الينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم - إلى قوله - وكان على الله يسيرا) وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الارض وأقبل يجول حوله ويرتجز ويقول: ولقد بححت(1) من النداء بجمعكم هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز أني كذلك لم أزل متسرعا نحو الهزاهز ان الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرايز فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لهذا الكلب؟ فلم يجبه أحد، فقام اليه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: أنا له يا رسول الله، فقال: يا علي هذا عمرو ابن عبد ود فارس يليل(2) قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادن مني فدنا منه فعممه بيده، ودفع اليه سيفه ذا الفقار فقال له اذهب وقاتل بهذا وقال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته.
                      فمر أمير المؤمنين عليه السلام يهرول في مشيه وهو يقول: لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فايز اني لارجو أن اقيم عليك نائحة الجنايز من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز





                      ___________________________________
                      (1) بح أغلظ بصوته مع خشونة.
                      (2) اسم موضع هجم فيه عمرو على عير وهزم الف خيال منهم.ج.ز.


                      [184]




                      فقال له عمرو من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وختنه فقال: والله ان أباك كان لي صديقا قديما واني اكره أن أقتلك ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي ان أختطفك برمحي هذا فأتركك شائلا بين السماء والارض لا حي ولا ميت، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد علم ابن عمي انك ان قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار وان قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة، فقال عمرو وكلتاهما لك يا علي؟ تلك إذا قسمة ضيزى، قال علي عليه السلام دع هذا يا عمر واني سمعت منك وانت متعلق بأستار الكعبة تقول لا يعرضن علي أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها وأنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة قال: هات يا علي ! قال: أحدها تشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، قال: نح عني هذه فاسأل الثانية، فقال أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله صلى الله عليه وآله فان يك صادقا فانتم أعلى به عينا وان يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره، فقال: إذا لا تتحدث نساء قريش بذلك ولا تنشد الشعراء في أشعارها اني جبنت ورجعت على عقبي من الحرب وخذلت قوما رأسوني عليهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فالثالثة ان تنزل إلي فانك راكب وأنا راجل حتى أنا بذك فوثب عن فرسه وعرقبه وقال هذه خصلة ما ظننت ان احدا من العرب يسومني عليها ثم بدا فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف على راسه فالقاه امير المؤمنين بدرقته فقطعها وثبت السيف على رأسه، فقال له علي عليه السلام يا عمرو أما كفاك اني بارزتك وانت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير؟ فالتفت عمرو إلى خلفه فضربه أمير المؤمنين عليه السلام مسرعا على ساقيه قطعهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة فقال المنافقون قتل علي بن ابي طالب عليه السلام، ثم انكشف العجاجة فنظروا فاذا امير المؤمنين عليه السلام على صدره قد أخذ بلحيته يريد ان يذبحه فذبحه ثم اخذ رأسه وأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو وسيفه


                      [185]




                      يقطر منه الدم وهو يقول والرأس بيده: أنا علي وابن عبدالمطلب * الموت خير للفتى من الهرب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي ما كرته؟ قال: نعم يا رسول الله الحرب خديعة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله الزبير إلى هبيرة بن وهب فضربه على رأسه ضربة فلق هامته، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله عمر بن الخطاب ان يبارز ضرار بن الخطاب فلما برز اليه ضرار انتزع له عمر سهما فقال ضرار ويحك يابن صهاك أترميني في مبارزة والله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته، فانهزم عنه عمر ومر نحوه ضرار وضربه على رأسه بالقناة ثم قال احفظها يا عمر؟ فاني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه، فكان عمر يحفظ له ذلك بعدما ولي فولاه.
                      فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوما فقال ابوسفيان لحي بن اخطب ويلك يا يهودي اين قومك فصار حي بن اخطب اليهم فقال ويلكم اخرجوا فقد نابذتم محمدا الحرب فلا انتم مع محمد ولا انتم مع قريش، فقال كعب: لسنا خارجين حتى تعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهنا يكونون في حصننا انهم إن لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يرد محمد علينا عهدنا وعقدنا فانا لا نأمن ان تفر قريش ونبقى نحن في عقر دارنا ويغزونا محمد فيقتل رجالنا ويسبي نساء‌نا وذرارينا وإن لم نخرج لعله يرد علينا عهدنا، فقال له حي ابن اخطب تطمع في غير مطمع قد نابذت العرب محمدا الحرب فلا انتم مع محمد ولا انتم مع قريش؟ فقال كعب هذا من شؤمك إنما انت طائر تطير مع قريش غدا وتتركنا في عقر دارنا ويغزونا محمد فقال له لك عهد الله علي وعهد موسى انه إن لم تظفر قريش بمحمد اني ارجع معك إلى حصنك يصيبني ما يصيبك، فقال كعب هو الذي قد قلته ان اعطتنا قريش رهنا يكونون عندنا وإلا لم نخرج


                      [186]




                      فرجع حي بن اخطب إلى قريش فأخبرهم، فلما قال يسألون الرهن قال ابوسفيان هذا والله اول الغدر قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة لنا في اخوان القرود والخنازير.
                      فلما طال على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الامر واشتد عليهم الحصار وكانوا في وقت برد شديد وأصابتهم مجاعة وخافوا من اليهود خوفا شديدا وتلم المنافقون بما حكى الله عنهم ولم يبق احد من اصحاب رسول الله إلا نافق إلا القليل وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله اخبر اصحابه ان العرب تتحزب ويجيؤن من فوق وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل وانه ليصيبهم جهد شديد ولكن تكون العاقبة لي عليهم، فلما جاء‌ت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وكان قوم لهم دور في اطراف المدينة فقالوا يا رسول الله تأذن لنا ان نرجع إلى دورنا فانها في اطراف المدينة وهي عورة ونخاف اليهود ان يغيروا عليها، وقال قوم هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالاعراب فان الذي كان يعدنا محمد كان باطلا كله، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر اصحابه ان يحرسوا المدينة بالليل وكان امير المؤمنين عليه السلام على العسكر كله بالليل يحرسهم فان تحرك أحد من قريش نابذهم وكان امير المؤمنين عليه السلام يجوز الخندق ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كله قائما وحده يصلي فاذا أصبح رجع إلى مركزه ومسجد امير المؤمنين هناك معروف يأتيه من يعرفه فيصلي فيه وهو من مسجد الفتح إلى العقيق اكثر من غلوة نشابة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من اصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم فدعا الله وناجاه فيما وعده وكان مما دعاه ان قال: يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين ويا كاشف الكرب العظيم انت مولاي ووليي وولي آبائي الاولين اكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا


                      [187]




                      واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوت وحولك وقدرتك، فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله قد سمع مقالتك وأجاب دعوتك وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة ان تهزم قريشا والاحزاب، وبعث الله على قريش الدبور فانهزموا وقلعت اخبيتهم ونزل جبرئيل فأخبره بذلك فنادى رسول الله صلى الله عليه وآله حذيفة بن اليمان وكان قريبا منه فلم يجبه ثم ناداه فلم يجبه ثم ناداه الثالثة فقال لبيك يا رسول الله قال أدعوك فلا تجيبني ! قال يا رسول الله بأبي انت وامي من الخوف والبرد والجوع فقال ادخل في القوم وائتني بأخبارهم ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي فان الله قد اخبرني انه قد أرسل الرياح على قريش فهزمهم، قال حديفة فمضيت وأنا انتفض من البرد فو الله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني في حمام فقصدت خباء‌ا عظيما فاذا نار تخبو وتوقد وإذا خيمة فيها ابوسفيان قد دلى خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدة البرد ويقول يا معشر قريش إن كنا نقاتل اهل السماء بزعم محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء وإن كنا نقاتل أهل الارض فنقدر عليهم، ثم قال لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا، قال حذيفة فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني من انت؟ فقال: أنا عمرو بن العاص ثم قلت للذي عن يساري من انت؟ قال: أنا معاوية وإنما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد من انت، ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة ولولا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي لقدرت ان أقتله.
                      ثم قال ابوسفيان لخالد بن الوليد يا ابا سليمان لابد من ان اقيم أنا وانت على ضعفاء الناس ثم قال ارتحلوا إنا مرتحلون ففروا منهزمين فلما اصبح رسول الله صلى الله عليه وآله قال لاصحابه: لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة وبقي رسول الله صلى الله عليه وآله في نفر يسير وكان ابن فرقد الكناني رمى سعد


                      [188]




                      ابن معاذ رحمه الله بسهم في الخندق فقطع اكحله(1) فنزفه الدم فقبض سعد على اكحله بيده ثم قال: اللهم إن كنت ابقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فلا أجد أحب إلي محاربتهم من قوم حادوا الله ورسوله وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين قريش فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فأمسك الدم وتورمت يده.
                      وضرب رسول الله له في المسجد خيمة وكان يتعاهده بنفسه فانزل الله (يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاء‌تكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم) يعني بني قريظة حين غدروا وخافوهم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله (وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر - إلى قوله - إن يريدون إلا فرارا) وهم الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فانها في اطراف المدينة ونخاف اليهود عليها فانزل الله فيهم (ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون إلا فرارا - إلى قوله - وكان ذلك على الله يسيرا) ونزلت هذه الآية في فلان لما قال لعبد الرحمن بن عوف: هلم ندفع محمدا إلى قريش ونلحق نحن بقومنا.
                      ثم وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما يصيبهم في الخندق من الجهد، فقال: (ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا) يعني ذلك البلاء والجهد والخوف، وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) أي لا يفروا أبدا (فمنهم من قضى نحبه) أي أجله وهو حمزة وجعفر





                      ___________________________________
                      (1) عرق في الذراع يفصد.


                      [189]




                      ابن ابي طالب (ومنهم من ينتظر) أجله يعني عليا عليه السلام وقال علي بن ابراهيم في قوله (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال) بعلي بن ابي طالب عليه السلام، ونزل في بني قريظة (وانزل الله الذين ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم ارضهم وديارهم وأموالهم وارضا لم تطؤها وكان الله على كل شئ قديرا) فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة واللواء معقود أراد ان يغتسل من الغبار فناداه جبرئيل عذيرك من محارب ! والله ما وضعت الملائكة لامتها فكيف تضع لامتك ! ان الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة فاني متقدمك ومزلزل بهم حصنهم إنا كنا في آثار القوم نزجرهم زجرا حتى بلغوا حمراء الاسد فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له: ما الخبر يا حارثة؟ قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله هذا دحية الكلبي ينادي في الناس ألا لا يصلين العصر أحد إلا في بني قريظة، فقال ذاك جبرئيل ادعوا لي عليا فجاء علي عليه السلام فقال له ناد في الناس لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فجاء امير المؤمنين عليه السلام فنادى فيهم، فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن ابي طالب عليه السلام بين يديه مع الراية العظمى وكان حي بن اخطب لما انهزمت قريش جاء فدخل حصن بني قريظة، فجاء امير المؤمنين عليه السلام وأحاط بحصنهم فأشرف عليه كعب بن اسيد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل رسول الله على حمار فاستقبله امير المؤمنين عليه السلام فقال: بأبي انت وامي يا رسول الله لا تدن من الحصن، فقال رسول الله يا علي لعلهم شتموني انهم لوقد رأوني لاذلهم الله ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من حصنهم فقال: يا اخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت ! أتشتموني إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم، فأشرف عليهم كعب بن اسيد من الحصن فقال: والله


                      [190]




                      يا ابا القاسم ! ما كنت جهولا فاستحيي رسول الله حتى سقط الرداء من ظهره حياء مما قاله، وكان حول الحصن نخل كثير فاشار اليه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فتباعد عنه وتفرق في المفازة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وآله العسكر حول حصنهم فحاصرهم ثلاثة أيام فلم يطلع أحد منهم رأسه، فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل اليه غزال بن شمول فقال: يا محمد ! تعطينا ما أعطيت اخواننا من بني النضير أحقن دماء‌نا ونخلي لك البلاد وما فيها ولا نكتمك شيئا، فقال: لا أو تنزلون على حكمي؟ فرجع وبقوا أياما فبكت النساء والصبيان اليهم وجزعوا جزعا شديدا، فلما اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر بالرجال فكتفوا وكانوا سبعمائة وأمر بالنساء فعزلن وقامت الاوس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله حلفاء‌نا وموالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلها وقد وهبت لعبدالله بن ابي سبع مائة ذراع وثلاثمائة حاسر في صحيفة واحدة ولسنا نحن بأقل من عبدالله بن ابي، فلما اكثروا على رسول الله صلى الله عليه وآله قال لهم: أما ترضون ان يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ فقالوا: بلى فمن هو؟ قال: سعد بن معاذ قالوا: قد رضينا بحكمه فاتوا به في محفة واجتمعت الاوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو اتق الله واحسن في حلفائك ومواليك فقد نصرونا ببغات والحدايق والمواطن كلها، فلما اكثروا عليه قال لقد آن لسعد ان لا يأخذه في الله لومة لائم، فقالت الاوس واقوماه ذهبت والله بنو قريظة وبكت النساء والصبيان إلى سعد، فلما سكتوا قال لهم سعد: يا معشر اليهود أرضيتم بحكمي فيكم؟ فقالوا: بلى قد رضينا بحكمك وقد رجونا نصفك ومعروفك وحسن نظرك، فعاد عليهم القول فقالوا بلى يا ابا عمرو ! فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إجلالا له، فقال: ما ترى بأبي انت وامي يا رسول الله؟ قال: احكم فيهم يا سعد ! فقد رضيت بحكمك فيهم، فقال: قد حكمت يا رسول الله ان تقتل رجالهم وتسبي نساء‌هم


                      [191]




                      وذراريهم وتقسم غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والانصار فقام رسول الله فقال قد حكمت بحكم الله من فوق سبع رقعة ثم انفجر جرح سعد بن معاذ فما زال ينزف الدم حتى قضى، وساقوا الاسارى إلى المدينة وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله باخدود فحفرت بالبقيع فلما امسى أمر باخراج رجل رجل فكان يضرب عنقه.
                      فقال حي بن اخطب لكعب بن اسيد: ما ترى ما يصنع محمد صلى الله عليه وآله بهم؟ فقال له: ما يسؤك أما ترى الداعي لا يقلع(1) والذي يذهب لا يرجع فعليكم بالصبر والثبات على دينكم، فاخرج كعب بن اسيد مجموعة يديه إلى عنقه وكان جميلا وسيما فلما نظر اليه رسول الله صلى الله عليه وآله قال له يا كعب أما نفعتك وصية ابن الحواس الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام فقال تركت الخمر والخنزير وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث مخرجه بمكة ومهاجرته في هذه البحيرة يجتزى بالكسيرات والتميرات ويركب الحمار العري في عينيه حمرة بين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فقال قد كان ذلك يا محمد ! ولولا ان اليهود يعيروني اني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك ولكني على دين اليهود عليه احيى وعليه اموت، فقال رسول الله قدموه فاضربوا عنقه، فضربت ثم قدم حي بن اخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا فاسق كيف رأيت صنع الله بك؟ فقال والله يا محمد ! ما ألوم نفسي في عداوتك ولقد قلقلت كل مقلقل وجهدت كل الجهد ولكن من يخذل الله يخذل، ثم قال حين قدم للقتل: لعمرك ما لام ابن اخطب نفسه * ولكنه من يخذل الله يخذل





                      ___________________________________
                      (1) يقال قلع عن كذا: كف عنه ومنه قوله تعالى: " يا سماء اقلعي " اي كفي عن المطر.ج.ز.


                      [192]




                      فقدم وضرب عنقه فقتلهم رسول الله في البردين(1) بالغداة والعشي في ثلاثة أيام وكان يقول: اسقوهم العذب واطعموهم الطيب واحسنوا إلى أساراهم، حتى قتلهم كلهم وأنزل الله على رسوله (وأنزل الذنى ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم) أي من حصونهم (وقذف في قلوبهم الرعب - إلى قوله - وكان الله على كل شئ قديرا).
                      واما قوله (يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن اجرا عظيما) فانه كان سبب نزولها انه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزاة خيبر واصاب كنز آل ابي الحقيق، قلن ازواجه اعطنا ما اصبت، فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وآله قسمته بين المسلمين على ما امر الله فغضبن من ذلك وقلن لعلك ترى انك ان طلقتنا ان لا نجد الاكفاء من قومنا يتزوجونا فانف الله لرسوله فأمره ان يعتزلهن فاعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله في مشربة ام ابراهيم تسعة وعشرين يوما، حتى حضن وطهرن ثم انزل الله هذه الآية وهي آية التخيير فقال (يا ايها النبي قل لازواجك - إلى قوله - اجرا عظيما) فقامت ام سلمة وهي اول من قامت وقالت قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك فانزل الله (ترجي من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء الآية) قال الصادق عليه السلام من آوى فقد نكح ومن ارجى فقد طلق، وقوله (ترجي من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء) مع هذه الآية (يا ايها النبي قل لازواجك..الخ) وقد أخرت عنها في التأليف.
                      ثم خاطب الله عزوجل نساء نبيه فقال (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة





                      ___________________________________
                      (1) البردان والابردان: الغداة والعشي.ج.ز.


                      [193]




                      مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين - إلى قوله - نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: أجرها مرتين والعذاب ضعفين كل هذا في الآخرة حيث يكون الاجر يكون العذاب، حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن غالب عن عبدالرحمن بن أبي نجران عن حماد عن حريز قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) قال: الفاحشة الخروج بالسيف، حدثنا حميد بن زياد عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه السلام عن أبيه في هذه الآية (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) قال: أي سيكون جاهلية اخرى.
                      وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال: نزلت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذلك في بيت ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم ألبسهم كساء‌ا خيبريا ودخل معهم فيه ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " نزلت هذه الآية فقالت ام سلمة وأنا معهم يا رسول الله، قال ابشري يا ام سلمة انك إلى خير وقال ابوالجارود قال زيد بن علي بن الحسين عليه السلام ان جهالا من الناس يزعمون إنما أراد بهذه الآية أزواج النبي وقد كذبوا وأتموا لو عنى بها أزواج النبي لقال: ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا، ولكان الكلام مؤنثا كما قال واذكرن ما يتلى في بيوتكن ولا تبرجن ولستن كأحد من من النساء.
                      وقال علي بن ابراهيم: ثم انقطعت مخاطبة نساء النبي وخاطب أهل بيت


                      [194]




                      رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ثم عطف على نساء النبي فقال: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ان الله كان لطيفا خبيرا) ثم عطف على آل محمد فقال: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات - إلى قوله - أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم) وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الاسدية من بني أسد بن خزيمة وهي بنت عمة النبي صلى الله عليه وآله، فقالت: يا رسول الله حتى اؤامر نفسي فانظر، فانزل الله (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة الآية) فقالت: يا رسول الله أمري بيدك فزوجها إياه فمكثت عند زيد ما شاء الله، ثم إنهما تشاجرا في شئ إلى رسول الله فنظر اليها النبي صلى الله عليه وآله فأعجبته فقال زيد: يا رسول الله تأذن لي في طلاقها فان فيها كبرا وانها لتؤذيني بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتق الله وامسك عليك زوجك واحسن اليها، ثم إن زيدا طلقها وانقضت عدتها فانزل الله نكاحها على رسول الله فقال: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها).
                      وقوله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) فان هذه نزلت في شأن زيد ابن حارثة قالت قريش يعيرنا محمد يدعي بعضنا بعضا وقد ادعى هو زيدا فقال الله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) يعني يومئذ قال: إنه ليس بأبي زيد وقوله: (وخاتم النبيين) يعني لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، وقال علي بن ابراهيم في قوله: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا - إلى قوله - ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) فانها نزلت بمكة قبل


                      [195]




                      الهجرة بخمس سنين فهذا دليل على خلاف التأليف، ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (يا ايها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) يعني من الغنيمة (وبنات عمك وبنات عماتك - إلى قوله - وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي) فانه كان سبب نزولها ان امرأة من الانصار أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تهيأت وتزينت فقالت: يا رسول الله هل لك في حاجة؟ فقد وهبت نفسي لك، فقالت لها عائشة: قبحك الله ما انهمك للرجال؟ ! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله مه يا عائشة ! فانها رغبت في رسول الله صلى الله عليه وآله إذ زهدتن فيه ثم قال: رحمك الله ورحمكم الله يا معاشر الانصار نصرني رجالكم ورغبت في نساؤكم ارجعي رحمك الله فاني أنتظر أمر الله فانزل الله (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) فلا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله واما قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه) فانه لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله بزينب بنت جحش وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه فكان أصحابه إذا اكلوا يحبون ان يتحدثوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان يحب ان يخلو مع زينب فانزل الله " يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " وذلك انهم كانوا يدخلون بلا إذن.
                      واما قوله (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما) فانه كان سبب نزولها انه لما انزل الله " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجه امهاتهم " وحرم الله نساء النبي على المسلمين غضب طلحة، فقال: يحرم محمد علينا نساء‌ه ويتزوج هو نساء‌نا لئن أمات الله محمدا لنفعلن كذا وكذا...فانزل الله (وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما - إلى قوله - ان تبدوا شيئا


                      [196]




                      او تخفوه فان الله كان بكل شئ عليما) ثم رخص لقوم معروفين الدخول عليهن بغير إذن فقال: (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا اخوانهن ولا ابناء اخوانهن - إلى قوله - ان الله كان على كل شئ شهيدا) ثم ذكر ما فضل الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) قال: صلوات الله عليه تزكية له وثناء عليه، وصلوة الملائكة مدحهم له وصلوة الناس دعاؤهم له والتصديق والاقرار بفضله وقوله: (وسلموا تسليما) يعني سلموا له بالولاية وبما جاء به.
                      وقوله (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا) قال نزلت فيمن غصب امير المؤمنين (ع) حقه واخذ حق فاطمة (عليها السلام) وآذاها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ومن آذاها بعد موتى كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله " ان الذين يؤذون الله ورسوله " الآية وقوله (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) يعنى عليا وفاطمة (بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا) وهي جارية في الناس كلهم.
                      واما قوله (يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) فانه كان سبب نزولها ان النساء كن يخرجن إلى المسجد ويصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وآله واذا كان بالليل خرجن إلى صلاة المغرب والعشاء والآخرة والغداة، يقعد الشبان لهن في طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن فانزل الله " يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين - إلى قوله - ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما " واما قوله (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض - اى شك - والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك) نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج


                      [197]




                      في بعض غزواته يقولون قتل وأسر فيغتم المسلمون لذلك ويشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فانزل الله في ذلك " لئن لم ينته المنافقون - إلى قوله - ثم لا يجاورونك إلا قليلا " أي نأمرك باخراجهم من المدينة إلا قليلا (ملعونين أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: ملعونين فوجبت عليهم اللعنة، يقول الله بعد اللعنة اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا.
                      وقال علي بن ابراهيم في قوله (يوم تقلب وجوههم في النار) فانها كناية عن الذين غصبوا آل محمد حقهم (يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول) يعني في أمير المؤمنين عليه السلام (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراء‌نا فاضلونا السبيلا) وهما رجلان والسادة والكبراء هما أول من بدأ بظلمهم وغصبهم وقوله (فاضلونا السبيلا) أي طريق الجنة، والسبيل امير المؤمنين عليه السلام ثم يقولون (ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) واما قوله (يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبراه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) أي ذاجاه قال وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن صفوان عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام ان بني إسرائيل كانوا يقولون ليس لموسى ما للرجال وكان موسى إذا أراد الاغتسال يذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد من الناس وكان يوما يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو إسرائيل اليه فعلموا انه ليس كما قالوا فانزل الله (يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا ...الخ) أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن احمد بن النضر عن محمد بن مروان رفعه اليهم عليه السلام فقال يا ايها الذين آمنوا لا تؤذوا رسول الله في علي عليه السلام والائمة عليهم السلام كما آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا.
                      وقال علي بن ابراهيم في قوله (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) أي صحيحا أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن اسباط


                      [198]




                      عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله (ومن يطع الله ورسوله) في ولاية علي والائمة عليهم السلام من بعده (فقد فاز فوزا عظيما) هكذا نزلت والله.
                      وقال علي بن ابراهيم في قوله (إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها) قال الامانة هي الامامة والامر والنهي والدليل على ان الامانة هي الامامة قوله عزوجل في الائمة " ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات إلى أهلها " يعني الامامة فالامانة هي الامامة عرضت على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها، قال: ابين ان يدعوها او يغصبوها أهلها (واشفقن منها وحملها الانسان) أي فلان (انه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما)




                      سورة سبأ
                      مكية آياتها اربع وخمسون





                      (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الارض) قال ما يدخل فيها وما ينزل من السماء يعني المطر (وما يخرج منها) قال من النبات (وما يعرج فيها) يعني من أعمال العباد، ثم حكى عزوجل قول الدهرية فقال (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر إلا في كتاب مبين) قال حدثنى ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال: أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وقوله (ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق) فقال: هو امير المؤمنين


                      [199]


                      عليه السلام صدق رسول الله صلى الله عليه وآله بما انزل الله عليه ثم حكى قول الزنادقة فقال: (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) أي متم وصرتم ترابا (انكم لفي خلق جديد) تعجبوا ان يعيدهم الله خلقا جديدا (افترى على الله كذبا أم به جنة) أي مجنون فرد الله عليهم فقال: (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد).
                      ثم ذكر ما أعطى داود فقال: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال اوبي معه) أي سبحي لله (والطير وألنا له الحديد) قال: كان داود إذا مر في البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال والطير والوحوش معه وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب، وقال الصادق عليه السلام: اطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء فانه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام وقوله (ان اعمل سابغات) قال الدروع (وقدر في السرد) قال المسامير التي في الحلقة (واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير).
                      وقوله: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) قال: كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر وبالعشي مسيرة شهر وقوله: (وأسلنا له عين القطر) أي الصفر (ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) وقوله: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل) قال في الشجر وقوله (وجفان كالجواب) أي جفون كالحفرة (وقدور راسيات) أي ثابتات ثم قال: (اعملوا آل داود شكرا) قال: اعملوا ما تشكرون عليه ثم قال: (وقليل من عبادي الشكور) ثم قال (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منساته) قال: لما اوحى الله إلى سليمان انك ميت أمر الشياطين ان يتخذوا له بيتا من قوارير ووضعوه في لجة البحر ودخله سليمان عليه السلام فاتكأ على عصاه وكان يقرأ الزبور والشياطين حوله


                      [200]


                      ينظرون اليه لا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حان منه التفاتة فاذا هو برجل معه في القبة ففزع منه سليمان فقال له: من أنت؟ فقال له: أنا الذي لا اقبل الرشى ولا اهاب الملوك فقبضه وهو متكئ على عصاه سنة والجن يعملون له ولا يعلمون بموته حتى بعث الله الارضة فأكلت منسأته (فلما خر - على وجهه - تبينت الانس ان لو كانوا أي الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)(1) فكذا نزلت هذه الآية وذلك لان الانس كانوا يقولون ان ان الجن يعلمون الغيب فلما سقط سليمان على وجهه علم الانس ان لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان وهو ميت ويتوهمونه حيا، قال: فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان، قال: فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره هذا ما وضعه آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز الملك والعلم من أراد كذا وكذا فليعمل كذا وكذا ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقال الكافرون ما كان يغلبنا سليمان إلا بهذا وقال المؤمنون ما هو إلا عبدالله ونبيه وقوله: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) قال: فان بحرا كان من اليمن وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم، وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا ان يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون اليه وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيها يمر المار لا يقع عليه الشمس من التفافهما فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاههم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ وهي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقيلها الرجل ويرمي بها، فلما رأى ذلك




                      ___________________________________

                      (1) الآية كما في القرآن: فلما خر تبينت الجن...الخ.


                      [201]


                      قوما منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرذ يقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم وقلع اشجارهم وهو قوله: (لقد كان لسسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال - إلى قوله - سيل العرم) أي العظيم الشديد (فبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى اكل خمط) وهو ام غيلان (وأثل) قال: هو نوع من الطرفا (وشئ من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا - إلى قوله - باركنا فيها) قال مكة.
                      وقوله: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) قال فانه حدثنى ابي عن ابن ابي عمير عن ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال: لما أمر الله نبيه ان ينصب امير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في علي " بغدير خم فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه " فجاء‌ت الابالسة إلى إبليس الاكبر وحثوا التراب على رؤسهم فقال لهم إبليس ما لكم؟ فقالوا ان هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم القيامة، فقال لهم إبليس كلا ان الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني.
                      فانزل الله على رسوله " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه الآية " وقوله (وما كان له عليهم من سلطان) كناية عن إبليس (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ) ثم قال عزوجل احتجاجا منه على عبدة الاوثان (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الارض وما لهم فيهما) كناية عن السماوات والارض (من شرك وما له منهم من ظهير) وقوله (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) قال لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له إلا رسول الله صلى الله عليه وآله فان الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللائمة من ولده، ثم بعد ذلك للانبياء عليهم السلام.


                      [202]


                      قال: حدثنى ابي عن ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار عن ابي العباس المكبر قال: دخل مولى لامرأة علي بن الحسين عليه السلام على ابي جعفر عليه السلام يقال له ابوايمن، فقال يا ابا جعفر يغرون الناس ويقولون " شفاعة محمد شفاعة محمد " فغضب ابوجعفر عليه السلام حتى تربد وجهه ثم قال: ويحك يا ابا ايمن اغرك ان عف بطنك وفرجك اما لو قد رأيت افزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد صلى الله عليه وآله ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار؟ ثم قال: ما أحد من الاولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة، ثم قال أبوجعفر عليه السلام: إن لرسول الله صلى الله عليه وآله الشفاعة في امته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر فان المؤمن ليشفع حتى لخادمه ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين ان بعث عيسى بن مريم إلى أن بعث محمد فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله فسمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السماوات فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم يقول كشف عن قلوبهم فقال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير وقوله: (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا) يقول يقضي بيننا (بالحق وهو الفتاح العليم) قال: القاضي العليم.
                      قوله: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) حدثنا علي بن جعفر قال: حدثني محمد بن عبدالله الطائي قال حدثنا محمد بن أبي عمير قال حدثنا حفص الكناني قال سمعت عبدالله بن بكير الدجاني قال قال لي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عاما للناس بشيرا أليس قد قال الله في محكم كتابه:


                      [203]


                      وما أرسلناك إلا كافة للناس، لاهل الشرق والغرب وأهل السماء والارض من الجن والانس هل بلغ رسالته اليهم كلهم؟ قلت: لا أدري، قال: يا بن بكير ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخرج من المدينة فكيف بلغ أهل الشرق والغرب؟ قلت: لا أدري، قال: إن الله تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الارض بريشة من جناحه ونصبها لمحمد صلى الله عليه وآله فكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر إلى أهل الشرق والغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم إلى الله وإلى نبوته بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي صلى الله عليه وآله بنفسه.
                      قال علي بن ابراهيم: ثم حكى الله لنبيه صلى الله عليه وآله قول الكفار من قريش وغيرهم (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) من كتب الانبياء (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا) وهم الرؤساء (لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى) وهو البيان (بل كنتم مجرمين) ثم يقول (الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار) يعني مكرتم بالليل والنهار وقوله (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال يسرون الندامه في النار إذا رأوا ولي الله فقيل يابن رسول الله وما يغنيهم إسرار الندامة وهم في العذاب قال: يكرهون شماتة الاعداء، ثم افتخروا على الله بالغنى فقالوا (نحن اكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) فرد الله عليهم فقال (قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن اكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا) قال وذكر رجل عند أبي عبدالله عليه السلام الاغنياء ووقع فيهم، فقال ابوعبدالله عليه السلام اسكت ! فان الغني إذا كان وصولا لرحمه بارا باخوانه أضعف الله له الاجر ضعفين لان الله يقول: " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل


                      [204]


                      صالحا فاولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ".
                      وقوله: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) قال فانه حدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبدالله (ع) قال: إن الرب تبارك وتعالى ينزل أمره كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا من أول الليل وفي كل ليلة في الثلث الاخير وأمامه ملك ينادي: هل من تائب يتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له هل من سائل فيعطى سؤله اللهم اعط لكل منفق خلفا ولكل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر فاذا طلع الفجر عاد أمر الرب إلى عرشه فيقسم الارزاق بين العباد، ثم قال لفضيل بن يسار يا فضيل نصيبك من ذلك وهو قول الله " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين " وقوله: " ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) فتقول الملائكة (سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون) حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا احمد بن ابي عبدالله عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن حسان عن هاشم ابن عمار يرفعه في قوله (وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) قال: كذب الذين من قبلهم رسلهم وما بلغ ما آتينا رسلهم معشار ما آتينا محمدا وآل محمد عليهم السلام، حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله (إنما أعظكم بواحدة) قال إنما أعظكم بولاية علي هي الواحدة التي قال الله، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله سأل قومه ان يودوا أقاربه ولا يؤذوهم، واما قوله: فهو لكم يقول ثوابه لكم.
                      وقال علي بن ابراهيم في قوله (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) فانه حدثني


                      [205]


                      ابي عن ابن ابي عمير عن منصور بن يونس عن ابي خالد الكابلي قال قال ابوجعفر عليه السلام: والله لكأني انظر إلى القائم (ع) وقد اسند ظهره إلى الحجر ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا ايها الناس من يحاجني في الله فأنا اولى بالله، ايها الناس من يحاجني في آدم فأنا اولى بآدم، ايها الناس من يحاجني في نوح فأنا اولى بنوح، ايها الناس من يحاجني في ابراهيم فأنا اولى بابراهيم، ايها الناس من يحاجني في موسى فأنا اولى بموسى، ايها الناس من يحاجني في عيسى فأنا اولى بعيسى، ايها الناس من يحاجني في محمد فأنا اولى بمحمد صلى الله عليه وآله، ايها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا اولى بكتاب الله، ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين وينشد الله حقه، ثم قال ابوجعفر (ع): هو والله المضطر في كتاب الله في قوله " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض " فيكون اول من يبايعه جبرئيل ثم الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا فمن كان ابتلى بالمسير وافاه ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه وهو قول امير المؤمنين هم المفقودون عن فرشهم وذلك قول الله: " فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " قال: الخيرات الولاية وقال في موضع آخر: " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة " وهم والله اصحاب القائم (ع) يجتمعون والله اليه في ساعة واحدة، فاذا جاء إلى البيداء يخرج اليه جيش السفياني فيأمر الله الارض فتأخذ اقدامهم وهو قوله (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت واخذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به) يعني بالقائم من آل محمد عليهم السلام (وانى لهم التناوش من مكان بعيد - إلى قوله - وحيل بينهم وبين ما يشتهون) يعني ان لا يعذبوا (كما فعل بأشياعهم من قبل) يعنى من كان قبلهم من المكذبين هلكوا (انهم كانوا في شك مريب).
                      وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (ولو ترى إذ فزعوا) قال: من الصوت وذلك الصوت من السماء (واخذوا من مكان قريب) قال: من


                      [206]


                      تحت اقدامهم خسف بهم، أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن ابن محبوب عن ابي حمزة قال سألت ابا جعفر (ع) عن قوله (وانى لهم التناوش من مكان بعيد) قال انهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال.




                      Comment

                      • راية اليماني
                        مشرف
                        • 05-04-2013
                        • 3021

                        #41
                        رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                        سورة فاطر


                        مكية آياتها خمس واربعون


                        (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) قال الصادق (ع): خلق الله الملائكة مختلفة وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل وله ستمائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل قد ملا ما بين السماء والارض وقال: إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة والاخرى في الارض السابعة وان لله ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك، وقال: إن لله ملكا بعدما بين شحمة أذنيه إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير، وقال: إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وإنما يعيشون بنسيم العرش، وان لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة، وان لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة، ثم قال ابوعبدالله (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من شئ مما خلق الله اكثر من الملائكة وانه ليهبط في كل يوم او في كل ليلة سبعون الف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يأتون أمير المؤمنين (ع) فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين (ع) فيقيمون عنده، فاذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا، وقال أبوجعفر (ع) ان الله خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل من


                        [207]


                        تسبيحة واحدة وجعل لهم السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم، وقال أمير المؤمنين (ع) في خلقة الملائكة: " وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك اليك واعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الابدان، لم يسكنوا الاصلاب ولم تتضمنهم الارحام ولم تخلقهم من ماء مهين، أنشأتهم إنشاء‌ا فأسكنتهم سماواتك واكرمتهم بجوارك وإئتمنتهم على وحيك وجنبتهم الآفات ووقيتهم البليات وطهرتهم من الذنوب ولولا قوتك لم يقووا ولولا تثبيتك لم يثبتوا ولولا رحمتك لم يطيعوا ولولا أنت لم يكونوا، اما انهم على مكانتهم منك وطواعيتهم(1) إياك ومنزلتهم عندك وقلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم ولازروا على أنفسهم ولعلموا انهم لم يعبدوك حق عبادتك سبحانك خالقا ومعبودا ما أحسن بلاء‌ك عند خلقك " أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن مالك بن عبدالله بن أسلم عن أبيه عن رجل من الكوفيين عن أبي عبدالله (ع) في قول الله: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) قال: والمتعة من ذلك، وعنه عن أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن حسان عن هاشم بن عمار يرفعه في قوله: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) قال: نزلت في زريق وحبتر.
                        قال علي بن ابراهيم: ثم احتج عزوجل على الزنادقة والدهرية فقال: (الله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت) وهو الذي لا نبات



                        ___________________________________
                        (1) طواعية اسم مصدر طاع.



                        [208]


                        فيه (فأحيينا به الارض بعد موتها) أي بالمطر ثم قال: (كذلك النشور) وقوله (اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال كلمة الاخلاص والاقرار بما جاء من عند الله من الفرائض والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله، وعن الصادق عليه السلام انه قال: الكلم الطيب قول المؤمن " لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وخليفة رسول الله " وقال: والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب ان هذا هو الحق من عند الله لا شك فيه من رب العالمين، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه فاذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله وإذا قال وخالف قوله عمله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار.
                        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) يعني يكتب في كتاب وهو رد على من ينكر البدا، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج) فالاجاج المر قوله (وترى الفلك فيه مواخر) يقول الفلك مقبلة ومدبرة بريح واحدة.
                        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير) قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النواة ثم احتج على عبدة الاصنام فقال: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاء‌كم ولو سمعوا ما استجابوا لكم - إلى قوله - بشرككم) يعني يجحدون بشرككم لهم يوم القيامة وقوله: (ولا تزر وازرة وزر اخرى) أي لا تحمل آثمة إثم اخرى وقوله: (وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى) أي لا يحمل ذنب أحد على أحد إلا من يأمر به فيحمله الآمر والمأمور وقوله: (وما يستوي الاعمى والبصير) مثل ضربه الله للمؤمن والكافر (ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور) فالظل


                        [209]


                        الناس والحرور البهائم وقال (وما يستوي الاحياء ولا الاموات) ثم قال: (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) قال هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كمالا يسمع أهل القبور وقوله: (وان من امة إلا خلا فيها نذير) قال: لكل زمان إمام.
                        ثم ذكر كبرياء‌ه فقال: (ألم تر - يا محمد - ان الله انزل من السماء ماء‌ا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها - إلى قوله - وغرابيب سود) وهو الغربان (ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء) ومعناه يخشاه عباده العلماء ثم ذكر المؤمنين المنفقين أموالهم في طاعة الله فقال: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور) أي لن تخسر، ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (والذي أوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ان الله بعباده لخبير بصير) ثم ذكر آل محمد فقال (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وهم الائمة عليهم السلام ثم قال (فمنهم ظالم لنفسه) من آل محمد غير الائمة وهو الجاحد للامام (ومنهم مقتصد) وهو المقر بالامام (ومنهم سابق بالخيرات باذن الله) وهو الامام، ثم ذكر ما أعده الله لهم عنده فقال (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب - إلى قوله - ولا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) قال: النصب العناد اللغوب الكسل والضجر ودار المقامة دار البقاء.
                        ثم ذكر ما أعده لاعدائهم ومن خالفهم وظلمهم فقال (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا - إلى قوله - وهم يصطرخون فيها) أي يصيحون وينادون (ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) فرد الله عليهم فقال: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي عمرتم حتى عرفتم الامور كلها (وجاء‌كم النذير) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (فذوقوا فما للظالمين من نصير)


                        [210]


                        ثم حكى الله عزوجل قول قريش فقال: (وأقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاء‌هم نذير ليكونن أهدى من إحدى الامم) يعني الذين هلكوا (فلما جاء‌هم نذير) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الارض ومكر السئ ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه الذي كتبه إلى شيعته يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة وعظم خطأ طلحة والزبير فقال: " وأي خطيئة أعظم مما أتيا، أخرجا زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله من بيتها وكشفا عنها حجابا ستره الله عليها وصانا حلايلهما في بيوتهما، ما أنصفا لا لله ولا لرسوله من أنفسهما، ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله البغي والمكر والنكث، قال الله: يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم وقال: ومن نكث فانما ينكث على نفسه وقال: ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله وقد بغيا علينا ونكثا بيعتي ومكرا بي.
                        وقوله: (أو لم يسيروا في الارض) قال: أو لم ينظروا في القرآن وفي أخبار الامم الهالكة (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) قوله: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) قال: لا يأخذهم عند المعاصي وعند اغترارهم بالله، قال: وحدثني ابي عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله سبق العلم وجف القلم ومضى القضاء وتم القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل بالسعادة من الله لمن آمن وأتقى وبالشقا لمن كذب وكفر بالولاية من الله للمؤمنين وبالبراء‌ة منه للمشركين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله الله يقول: يا بن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبارادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد(1)



                        ___________________________________
                        (1) المقصود منه ان المشية والارادة الموجودتين في العبد من خلقة الله فيجوز استنادهما إلى الله وإن كانت الافعال مستندة إلى العبد فهذا الخبر لا ينافي الاختيار وقد مضى القول في الجبر والتفويض سابقا فراجع ص 38 / 1 من هذا الكتاب.ج.ز.



                        [211]


                        وبفضل نعمتي عليك قويت علي معصيتي وبقوتي وعصمتي وعافيتي أديت إلي فرائضي وأنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بذنبك مني، الخير مني اليك واصل بما أوليتك والشر مني اليك بما جنيت جزاء‌ا وبكثير من تسليطي (تسلطي ك) لك انطويت عن طاعتي وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان ولك الجزاء الحسن عندي بالاحسان ثم لم أدع تحذيرك بي ثم لم آخذك عند غرتك وهو قوله: " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " لم أكفلك فوق طاقتك ولم أحملك من الامانة إلا ما قررت بها على نفسك ورضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك مني ثم قال عزوجل: (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فاذا جاء اجلهم فان الله كان بعباده بصيرا).


                        سورة يس


                        مكية آياتها ثلاث وثمانون


                        (بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم) قال الصادق عليه السلام: يس اسم رسول الله صلى الله عليه وآله والدليل عليه قوله: (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) قال: على الطريق الواضح (تنزيل العزيز الرحيم) قال: القرآن (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون - إلى قوله - على اكثرهم) يعني نزل به العذاب


                        [212]


                        (فهم لا يؤمنون) وقوله: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الاذقان - إلى قوله - فهم مقمحون) قال: قد رفعوا رؤسهم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم) يقول: فاعميناهم (فهم لا يبصرون) الهدى، أخذ الله سمعهم وأبصارهم وقلوبهم فاعماهم عن الهدى، نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته، وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله قام يصلي وقد حلف أبوجهل لئن رآه يصلي ليدمغنه(1)، فجاء ومعه حجر والنبي قائم يصلي، فجعل كلما رفع الحجر ليرميه أثبت الله يده إلى عنقه ولا يدور الحجر بيده، فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده، ثم قام رجل آخر وهو من رهطه أيضا فقال: أنا أقتله فلما دنا منه فجعل يسمع قراء‌ة رسول الله صلى الله عليه وآله فارعب فرجع إلى أصحابه فقال: حال بيني وبينه كهيئة العجل يخطر بذنبه(2) فخفت ان اتقدم، وقوله: (سواء عليهم ء‌أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) فلم يؤمن من اولئك الرهط من بني مخزوم أحد يعني ابن المغيرة.
                        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وسواء عليهم ء‌أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون - إلى قوله - وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) اي في كتاب مبين وهو محكم، وذكر ابن عباس عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: أنا والله الامام المبين ابين الحق من الباطل وورثته من رسول الله صلى الله عليه وآله.
                        وهو محكم وقوله: (واضرب لهم مثلا اصحاب القرية إذ جاء‌ها المرسلون إذ أرسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا انا اليكم مرسلون) قال: فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام



                        ___________________________________
                        (1) دمغه: شجه حتى بلغت الشجة دماغه.
                        (2) خطر العجل بذنبه: رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه.ج.ز.



                        [213]


                        قال: سألته عن تفسير هذه الآية فقال: بعث الله رجلين إلى اهل مدينة انطاكية فجاء‌هم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فاخذوهما وحبسوهما في بيت الاصنام، فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال: ارشدوني إلى باب الملك، قال: فلما وقف على باب الملك قال: أنا رجل كنت اتعبد في فلاة من الارض وقد احببت ان اعبد إله الملك فأبلغوا كلامه الملك، فقال: ادخلوه إلى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه، فقال بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالحذق (بالحرف ط) أفلا رفقتما ثم قال لهما: لا تقران بمعرفتي ثم ادخل على الملك، فقال له الملك بلغني انك كنت تعبد إلهي فلم ازل وانت اخي فاسألني حاجتك ! قال: ما لي حاجة ايها الملك ولكن رأيت رجلين في بيت الآلهة فما بالهما؟ قال الملك: هذان رجلان اتياني ببطلان ديني ويدعواني إلى إله سماوي، فقال ايها الملك فمناظرة جميلة فان يكن الحق لهما اتبعناهما وان يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا، فكان لهما ما لنا وما عليهما ما علينا قال فبعث الملك اليهما فلما دخلا اليه قال لهما صاحبهما ما الذي جئتما به؟ قالا جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والارض ويخلق في الارحام ما يشاء ويصور كيف يشاء وانبت الاشجار والاثمار وانزل القطر من السماء.
                        قال فقال لهماء إلهكما هذا الذي تدعوان اليه والى عبادته ان جئنا بأعمى يقدر ان يرده صحيحا؟ قالا ان سألناه ان يفعل فعل ان شاء، قال ايها الملك علي باعمى لم يبصر قط قال فاتي به، فقال لهما ادعوا إلهكما ان يرد بصر هذا، فقاما وصليا ركعتين فاذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء، فقال ايها الملك علي باعمى آخر، قال فاتي به قال فسجد سجدة ثم رفع رأسه فاذا الاعمى الآخر بصير، فقال ايها الملك حجة بحجة علي بمقعد، فاتي به فقال لهما مثل ذلك فصليا ودعوا الله فاذا المقعد قد اطلقت رجلاه وقام يمشي، فقال ايها الملك علي بمقعد آخر فاتي به فصنع به كما صنع اول مرة فانطلق المقعد، فقال ايها الملك قد اوتينا


                        [214]


                        بحجتين وأتينا بمثله ولكن بقي شئ واحد فان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ثم قال: ايها الملك بلغني انه كان للملك ابن واحد ومات فان أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا ايضا معك، ثم قال لهما قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما فيحييه، قال فخرا إلى الارض ساجدين لله وأطالا السجود ثم رفعا رأسيهما وقالا للملك ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله، قال فخرج الناس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب، قال فأتي به الملك فعرف انه ابنه، فقال له ما حالك يا بني؟ قال كنت ميتا فرأيت رجلين من بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه ان يحييني فأحياني، قال تعرفهما إذا رأيتهما قال نعم، قال: فاخرج الناس جملة إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه انظر فيقول لا لا ثم مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير، فقال هذا أحدهما وأشار بيده اليه ثم مروا أيضا بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر فقال وهذا الآخر، قال فقال النبي صاحب الرجلين اما أنا فقد آمنت بالهكما وعلمت ان ما جئتما به هو الحق قال فقال الملك وأنا ايضا آمنت بالهكما ذلك وآمن اهل مملكته كلهم.
                        وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) يقول الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل لا ينبغي للشمس ان تكون مع ضوء القمر بالليل ولا يسبق الليل النهار يقول لا يذهب الليل حتى يدركه النهار " وكل في فلك يسبحون " يقول يجئ (يجري ط) وراء الفكل الاستدارة وقوله (إنا تطيرنا بكم) قال باسمائكم وقوله (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين) قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله (وجعلني من المكرمين) وقوله (إن كانت إلا صيحة واحدة فاذا هم خامدون) أي ميتون.


                        [215]


                        وقوله: (سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون) قال فانه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن ابي عبدالله عليه السلام قال: إن النطفة تقع من السماء إلى الارض على النبات والثمر والشجر فتأكل الناس منه والبهائم فتجري فيهم وقوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون) أي نخرج وقوله (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم - إلى قوله - كالعرجون القديم) قال: العرجون طلع النخل وهو مثل الهلال في اول طلوعه.
                        قال: وحدثني أبي عن داود بن محمد الفهدي قال دخل ابوسعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له أبلغ من قدرك ان تدعي ما ادعى أبوك؟ فقال له الرضا عليه السلام مالك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك أما علمت ان الله اوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى فعيسى ابن مريم من مريم، ومريم من عيسى، ومريم وعيسى شئ واحد وأنا من أبي وأبي مني وأنا وأبي شئ واحد، فقال له ابوسعيد فأسألك عن مسألة ! قال: سل ولا اخالك تقبل منى ولست من غنمي ولكن هاتها، فقال له ما تقول في رجل قال عند موته كل مملوك له قديم فهو حر لوجه الله، قال نعم، ما كان له ستة اشهر فهو قديم وهو حر لان الله يقول والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم فما كان لستة اشهر فهو قديم حر، قال: فخرج من عنده وافتقر وذهب بصره ثم مات لعنه الله وليس عنده مبيت ليلة وقوله: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) قال السفن الملية (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) يعنى الدواب والانعام وقوله (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون) قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في اسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله


                        [216]


                        ولا يوصي بوصية وذلك قوله (فلا يستطيعون توصية ولا إلى اهلهم يرجعون) وقوله (ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث إلى ربهم ينسلون) قال من القبور وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) فان القوم كانوا في القبور فلما قاموا حسبوا انهم كانوا نياما (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) قالت الملائكة (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).
                        قال علي بن ابراهيم: ثم ذكر النفخة الثانية فقال (إن كانت إلا صيحة واحدة فاذا هم جميع لدينا محضرون) وقوله (إن اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) قال في افتضاض العذارى فاكهون، قال يفاكهون النساء ويلاعبونهن وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (في ظلال على الارائك متكئون) الارائك السرر عليها الحجال، وقال علي بن ابراهيم في قوله (سلام قولا من رب رحيم) قال السلام منه تعالى هو الامان وقوله (وامتازوا اليوم ايها المجرمون) قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق فينادوا يا رب حاسبنا ولو إلى النار فيبعث الله رياحا فتضرب بينهم وينادي مناد وامتازوا اليوم ايها المجرمون فيميز بينهم فصار المجرمون إلى النار ومن كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة وقوله (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) يعنى خلقا كثيرا قد هلك وقوله: (اليوم نختم على افواهم - إلى قوله - بما كانوا يكسبون) قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون انهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون انهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قوله " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم " فاذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم وتنطق جوارحهم (بما كانوا يكسبون) وقوله (ولو نشاء لطمسنا على اعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) يقول كيف يبصرون (ولو نشاء لمسخناهم


                        [217]


                        على مكانتهم) يعني في الدنيا (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) وقوله (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) فانه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ويقولون ان الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقته الاشكال من الغذاء ودار عليه الفلك ومر عليه الليل والنهار فيولد الانسان بالطبائع من الغذاء ومرور الليل والنهار فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال: (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) قال لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي ان يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار قائمين والفلك يدور فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية ونقصان السمع والبصر والقوة والعلم والمنطق حتى ينتكس ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره.
                        وقوله: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) قال: كانت قريش تقول إن هذا الذي يقول محمد شعر فرد الله عليهم فقال (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله شعرا قط وقوله: (لينذر من كان حيا) يعني مؤمنا حي القلب وقوله: (ويحق القول على الكافرين) يعني العذاب وقوله: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا انعاما) أي خلقناها بقوتنا وقوله (وذللناها لهم) يعني الابل مع قوتها وعظمها يسوقها الطفل وقوله (ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) يعني ما يكسبون بها وما يركبونها وقوله ومشارب يعني ألبانها وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) يقول لا يستطيعون الآلهة لهم نصرا وهم لهم أي للآلهة جند محضرون.
                        وقال علي بن ابراهيم: ثم خاطب الله نبيه فقال (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم


                        [218]


                        ما يسرون وما يعلنون) وقوله (فاذا هو خصيم مبين) اى ناطق عالم بليغ وقوله: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم) فقال الله عزوجل قل يا محمد (يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) قال فلو ان الانسان تفكر في خلقة نفسه لدله ذلك على خالقه لانه يعلم كل إنسان انه ليس بقديم لانه يرى نفسه وغيره مخلوقا محدثا ويعلم انه لم يخلق نفسه لان كل خالق قبل خلقه ولو خلق نفسه لدفع عنها الآفات والاوجاع والامراض والموت فيثبت عند ذلك ان لها خالقا مدبرا هو الله الواحد القهار قوله (الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون) وهو المرخ والعفار(1) ويكون في ناحية بلاد الغرب فاذا أرادوا ان يستوقدوا اخذوا من ذلك الشجر ثم اخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار ثم قال عزوجل (أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر - إلى قوله - كن فيكون) قال خزائنه في كاف ونون (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون).



                        ___________________________________
                        (1) شجران يتخذ منهما الزناد.




                        سورة الصافات


                        مكية وهى مأة واثنتان وثمانون آية


                        (بسم الله الرحمن الرحيم والصافات صفا) قال: الملائكة والانبياء ومن صف لله وعبده (فالزاجرات زجرا) الذين يزجرون الناس (فالتاليات ذكرا) الذين يقرؤن الكتاب من الناس فهو قسم وجوابه (ان إلهكم لواحد رب السموات والارض وما بينهما ورب المشارق إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) قال وحدثني أبي ويعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: لهذه النجوم التي في السماء مداين


                        [219]


                        مثل المداين التي في الارض مربوطة كل مدينة بعمود (إلى عمود ط) من نور طول ذلك العمود في السماء مسيرة مائتين وخمسين سنة(1) وقوله (وحفظا من كل شيطان مارد)



                        ___________________________________
                        (1) لا يخفى أن هذا الخبر من اكبر البراهين على حقيقة الاسلام في عصر علوم متجددة وسعت نطاقها بين الذرة وذرى السماء حيث لم يدل على وجود العمران في السيارات فحسب، بل انه دل على قانون التمايل والتجاذب بينها ايضا قال العلامة الشهرستاني (رحمه الله) في الهيئة والاسلام ص‍ 294: " قوله: مربوطة بعمود من نور، قد يكون إشارة إلى تأثير جاذبية الشمس في حفظ نظام السيارات، واتصال حامل الجاذبية بالنجوم على نحو الخط العمودي - كما اتفق عليه الحكماء المتأخرون.
                        وقوله في الرواية الاخرى: " بعمودين من نور " يمكن ان يكون إشارة إلى ما تقرر أخيرا ان نظام السيارات تحفظه قوتان من الشمس بسبب التحرك الدوري.
                        فلو انفردت الاولى في التأثير ولم تكافئها الثانية لهوت جملة السيارات في كورة الشمس، ولو انفردت الثانية ولم تكافئها الاولى لرميت النجوم إلى خارج نظام الشمس من الفضاء الوسيع وإنما استقرت السيارات في أفلاكها المعينة وانضبط نظامها بواسطة ارتباطها مع الشمس بعمودين وانقيادها بين جاذب ودافع ".
                        وكيف كان فقد ذهب حكماء العصر إلى عمران الكواكب وان اختلفت آراؤهم في كيفياته فلنقدم نبذة منها، ففي الهيئة والاسلام ص‍ 277: " قال ميخائيل في مشهد الكائنات في المريخ: وفي جو هذا السيار غيوم وضباب من أبخرة ماء كما شوهد ذلك بالمنظر الطيفي ومن هذا استنتج الجوابة ان في المريخ أنهرا تجري فيها المياه المتساقطة من هذا البخار وأودية وجبالا ومجاري هوائية، فيكون جوها كجونا مركبا من مواد واحدة، وبرها كبرنا آهلا بخلائق تتمشى على سنن خلائق أرضنا.
                        وفي مجلة الهلال المصرية المجلد 11 ص‍ 87: ان الاستاذ (هوف) الامريكائي ألقى خطابا من عهد قريب في اعتقاده ان المريخ والزهرة وعطارد آهلة بالناس وسائر الاحياء، وان سكانها أرقى من سكان الارض بدنا وعقلا.
                        قال: ولما كان المريخ اكبر سنا من الارض وقد جمد وبرد قبل الارض بأزمان فالانسان وجد فيه قبل وجوده في الارض وارتقى اكثر من ارتقائه فيها.
                        وفي تقويم المؤيد لسنة 1319 هج‍ لمحرره الفاضل محمود آفندي: المقرر الآن ان زهرة وعطارد نظرا لحداثة وجودهما بالنسبة إلى أرضنا غير قابلتين للسكنى، ولو وجد فيهما فهم كسكان الارض قبل خلق الانسان.
                        وقال الكاتب (برناردن) ان سكان الزهرة يشبهون سكان الارض وبعض رعاة الاغنام والماشية على قمم الجبال، والبعض الآخر يقيمون على ضفاف الانهار إذ يقضون أوقاتهم في الرقص ومد الموائد والتغني والتسابق في السباحة، وقال فونتنل عن سكان عطارد: إنهم يسكنون أصغر المنازل لصغر أجسامهم، وانهم لشدة حر الشمس مصابون بالجنون.
                        وقال آخر في كتابه المطبوع سنة 1750 بعنوان (سياحة عطارد) ان العطارديين كالملائكة لهم أجنحة يطيرون بها في الجو وان جسومهم أصغر من جسومنا.
                        إلى غير ذلك من الاقاويل المختلفة والآراء المتشتة، ولا شك في ان هذه الاستكشافات نتيجة غوص علمائهم في بحور مطالعة الكون اعقابا، وهيامهم حول أسرارها احقابا وبعد اللتيا والتي لم يفيدوا إلا ظنا وتخمينا، ولم تبلغ اجتهاداتهم حتما ويقينا كما اطلعت عليه من كلماتهم ذكرناها آنفا.
                        وكيف لا تطأطأ رؤس المخلوقين لمن أخبر قبل الف عام وأزيد بخبر يقين لا عن ظن وتخمين بأن هناك سكانا وعمرانا وهم أعلى منا شرفا ومكانا.
                        ففي تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني عن ابي جعفر عليه السلام قال: من وراء شمسكم هذه اربعون عين شمس ما بين عين شمس إلى عين شمس أربعون عاما، فيها خلق كثير ما يعلمون ان الله خلق آدم او لم يخلقه.
                        وفيه وفي البحار والكافي وبصائر الدرجات والانوار النعمانية للسيد الجزائري عن عجلان بن أبي صالح قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن قبة آدم، فقلت له هذه قبة آدم؟ فقال نعم، ولله عزوجل قباب كثيرة، اما ان لله لخلف مغربكم هذه تسعة وتسعون مغربا أرضا بيضاء مملوء‌ة خلقا يستضيئون بنورها، لم يعصوا الله طرفة عين. فهذا بيان كثرة الاراضي في الفضاء وامتلاء الكل خلقا كما يراه جملة المتأخرين، والضمير في "بنورها" راجع إلى الشمس.
                        وفي كتاب (فلك السعادة) للفاضل اعتضاد السلطنة ابن الخاقان فتح علي شاه قاجار قال ما معناه: إني عرضت هذا الخبر على بعض حكماء اوربا فقال - بعد استغرابه -: لو كنت على يقين من صدور هذا الكلام من وصي نبيكم لآمنت به وأسلمت.ج.ز.



                        [220]


                        قال المارد الخبيث (لا يسمعون إلى الملا الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا)


                        [221]


                        يعني الكواكب التي يرمون بها (ولهم عذاب واصب) أي واجب وقوله (إلا من خطف الخطفة فاتبعه) يعني يسمعون الكلمة فيحفظونها (فاتبعه شهاب ثاقب) وهو ما يرمون به فيحرقون وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال: (عذاب واصب) أي دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم وقوله (شهاب ثاقب) أي مضئ إذا أصابهم نفوا به.
                        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (فاستفتهم أهم أشد خلقا أمن خلقنا إنا


                        [222]


                        خلفناهم من طين لازب) يعني يلزق باليد (بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون) يعني قريشا ثم حكى قول الدهرية من قريش فقال: (ء‌إذا متنا وكنا ترابا وعظاما - إلى قوله - داخرون) أي مطروحون في النار وقوله (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) قال الذين ظلموا آل محمد حقهم وأزواجهم قال وأشباههم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) يقول ادعوهم إلى طريق الجحيم وقال علي ابن ابراهيم في قوله (وقفوهم انهم مسؤلون) قال عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وقوله (بل هم اليوم مستسلمون) يعني للعذاب ثم حكى الله عزوجل عنهم قولهم (وأقبل بعضهم على بعض يتسائلون قالوا انكم كنتم تأتوننا عن اليمين) يعني فلانا وفلانا (قالوا بل لم يكونوا مؤمنين) وقوله (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) قال العذاب (فأغويناكم إنا كنا غاوين) وقوله (فانهم يومئذ في العذاب مشتركون - إلى قوله - يستكبرون) فانه محكم وقوله (ويقولون أئنا لتاركون آلهتنا لشاعر مجنون) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله فرد الله عليهم (بل جاء بالحق وصدق المرسلين) الذين كانوا قبله.
                        ثم حكى ما أعد الله للمؤمنين (اولئك لهم رزق معلوم) يعني في الجنة وقوله: (لا فيها غول) يعني الفساد (ولا هم عنها ينزفون) أي لا يطردون منها وقوله (وعندهم قاصرات الطرف عين) يعنى الحور العين يقصر الطرف عن النظر اليها من صفائها (كأنهن بيض مكنون) يعنى مخزون (فأقبل بعضهم على بعض يتسائلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول‌ء‌إنك لمن المصدقين) أي تصدق بما يقول لك انك إذا مت حييت قال فيقول لصاحبه (هل انتم مطلعون) قال (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) قال فيقول له (تالله ان كدت لتردين ولو لا نعمة ربي لكنت من المحضرين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (فاطلع فرآه في سواء الجحيم)


                        [223]


                        يقول في وسط الجحيم.
                        قال علي بن ابراهيم ثم يقولون في الجنة (أفما نحن بميتين إلا موتتنا الاولى وما نحن بمعذبين ان هذا لهو الفوز العظيم) قال: فحدثنى ابي عن علي بن مهزيار والحسن بن محبوب عن النضر بن سويد عن درست عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال: إذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار جئ بالموت فيذبح كالكبش بين الجنة والنار ثم يقال خلود فلا موت أبدا فيقول اهل الجنة " أفما نحن بميتين إلا موتتنا الاولى..." ثم قال عزوجل: (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين) يعنى بالفتنة هاهنا العذاب وقوله (ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم) يعنى عذابا على عذاب (فهم على آثارهم يهرعون) أي يمرون (ولقد ارسلنا فيهم منذرين) يعنى الانبياء (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) يعنى الامم الهالكة.
                        ثم ذكر عزوجل نداء الانبياء فقال (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (وجعلنا ذريته هم الباقين) يقول بالحق والنبوة والكتاب والايمان في عقبه وليس كل من في الارض من بنى ادم من ولد نوح قال الله في كتابه: " احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك إلا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل " وقال ايضا " ذرية من حملنا مع نوح " حدثنا (ابوالعباس ط) محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى عن النضر بن سويد عن سماعة عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام انه قال: ليهنئكم الاسم قلت وما هو جعلت فداك؟ قال الشيعة قيل إن الناس يعيروننا بذلك قال أما تسمع قول الله (وان من شيعته لابراهيم) وقوله " واستغاثه الذي من شيعته على الذي هو من عدوه " فليهنئكم الاسم وقال علي بن ابراهيم في قوله (إذ جاء ربه بقلب سليم) قال القلب السليم


                        [224]


                        من الشك وقد كتبنا خبره في سورة الانبياء.
                        قوله (يا بنى اني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين) قال: فانه حدثنى أبى عن فضالة بن ايوب عن معاوية ابن عمار عن ابى عبدالله عليه السلام ان ابراهيم (ع) أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من يوم التروية فقال: يا ابراهيم ارتو من الماء لك ولاهلك ولم يكن بين مكة وعرفات ماء فسميت التروية بذلك، فذهب به حتى انتهى به إلى منى فصلى به الظهر والعصر والعشائين والفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات فنزل بنمرة وهي بطن عرفة فلما زالت الشمس خرج وقد اغتسل، فصلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وصلى في موضع المسجد الذي بعرفات وقد كانت ثمة أحجار بيض فأدخلت في المسجد الذي بني ثم مضى به إلى الموقف فقال: يا ابراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك فلذلك سميت عرفة، فأقام به حتى غربت الشمس ثم افاض به فقال: يا ابراهيم ازدلف(1) إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة واتي به المشعر الحرام فصلى به المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد واقامتين ثم بات بها حتى اذا صلى بها صلاة الصبح أراه الموقف ثم أفاض إلى منى فأمره فرمى جمرة العقبة عندها ظهر له ابليس لعنه الله.
                        ثم أمره الله بالذبح فان ابراهيم (ع) حين افاض من عرفات بات على المشعر الحرام وهو فزع فرأى في النوم ان يذبح ابنه اسحاق(2) وقد كان اسحاق حج بوالدته سارة فلما انتهى إلى منى رمى الجمرة هو وأهله وأمر اهله فسارت إلى



                        ___________________________________
                        (1) تزلف: تقرب.
                        (2) وقد مضى الكلام تفصيلا في الذبيح كان اسحاق او اسماعيل فراجع ص‍ 351 / 1 من هذا الكتاب.ج.ز.



                        [225]


                        البيت واحتبس الغلام فانطلق به إلى موضع الجمرة الوسطى فاستشار ابنه وقال كما حكى الله " يا بني اني أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى " فقال الغلام كما حكى الله أمض كما أمرك الله به " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " وسلما لامر الله، وأقبل شيخ فقال: يا ابراهيم ما تريد من هذا الغلام؟ قال اريد ان اذبحه فقال سبحان الله ! تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين ! فقال ابراهيم ان الله أمرني بذلك فقال ربك ينهاك عن ذلك وإنما أمرك بهذا الشيطان، فقال له ابراهيم ويلك ان الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به والكلام الذي وقع في أذني فقال لا والله ما أمرك بهذا إلا الشيطان فقال ابراهيم لا والله لا أكلمك ثم عزم ابراهيم على الذبح، فقال يا ابراهيم انك إمام يقتدى بك وانك ان ذبحته ذبح الناس أولادهم فلم يكلمه وأقبل إلى الغلام فاستشاره في الذبح فلما أسلما جميعا لامر الله قال الغلام يا أبت خمر وجهي وشد وثاقي فقال ابراهيم يا بني الوثاق مع الذبح لا والله لا جمعهما عليك اليوم فرمى له بقرطان الحمار ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه إلى السماء ثم انتحى(1) عليه المدية فقلب جبرئيل المدية على قفاها واجتر الكبش من قبل ثبير(2) وأثار الغلام من تحته ووضع الكبش مكان الغلام ونودي من مسيرة مسجد الخيف (ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ان هذا لهو البلاء المبين).
                        قال: ولحق إبليس بأم الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط الوادي بحذاء البيت فقال لها شيخ رأيته، قالت: إن ذلك بعلي قال فوصيف رأيته معه فقالت: ذاك ابني قال: فاني رأيته وقد أضجعه وأخذ المدية ليذبحه ! فقالت:



                        ___________________________________
                        (1) انتحى عليه بالسيف: أقبل عليه به.
                        (2) ثبير كامير: جبل بمكة.مجمع



                        [226]


                        كذبت ان ابراهيم أرحم الناس كيف يذبح ابنه قال: فورب السماء والارض ورب هذا البيت لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية، فقالت: ولم؟ قال: زعم ان ربه أمره بذلك، قالت فحق له ان يطيع ربه فوقع في نفسها انه قد أمر في ابنها بأمر فلما قضت مناسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى وهي واضعة يدها على رأسها تقول يا رب لا تؤاخذني بما عملت بام اسماعيل، قلت: فاين أراد ان يذبحه؟ قال: عند الجمرة الوسطى قال: ونزل الكبش على الجبل الذي عن يمين مسجد منى نزل من السماء وكان يأكل في سواد ويمشي في سواد اقرن، قلت: ما كان لونه؟ قال كان املح اغبر.
                        قال: وحدثني ابي عن صفوان بن يحيى وحماد عن عبدالله بن المغيرة عن ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألناه عن صاحب الذبح، فقال: اسماعيل وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: أنا ابن الذبيحين يعني اسماعيل وعبدالله ابن عبدالمطلب فهذان الخبران عن الخاصة في الذبيح قد اختلفوا في اسحاق واسماعيل وعبدالله وقد روت العامة خبرين مختلفين في اسماعيل واسحاق فناداه الله عزوجل (قد صدقت الرؤيا) الآية قال انه لما عزم ابراهيم على ذبح ابنه وسلما لامر الله قال الله (اني جاعلك للناس إماما) فقال ابراهيم (ومن ذريتي) فقال: (لا ينال عهدي الظالمين) أي لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم ذكر عزوجل منته على موسى وهارون فقال: (ولقد مننا على موسى وهرون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم - إلى قوله - أتدعون بعلا) قال: كان لهم صنم يسمونه بعلا وسأل رجل أعرابيا عن ناقة واقفة فقال: لمن هذه الناقة؟ فقال الاعرابي: أنا بعلها وسمي الرب بعلا.
                        ثم ذكر عزوجل آل محمد عليهم السلام فقال: (وتركنا عليه في الآخرين سلام على ال يس) فقال: يس محمد وآل محمد الائمة عليهم السلام ثم ذكر


                        [227]


                        عزوجل لوطا فقال: (وان لوطا لمن المرسلين) وقد ذكرنا خبره ثم ذكر يونس فقال: (وان يونس لمن المرسلين إذا بق) يعني هرب (إلى الفلك المشحون فساهم) أي ألقى السهام (فكان من المدحضين) أي من المغوصين (فالتقمه الحوت وهو مليم) وقد كتبنا خبره في سورة يونس (فانبتنا عليه شجرة من يقطين) قال الدبا(1) ثم خاطب الله نبيه فقال (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) قال قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله فرد الله عليهم (فاستفتهم - الآية إلى قوله - سلطان مبين) أي حجة قوية على ما يزعمون وقوله تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) يعني انهم قالوا إن الجن بنات الله فقال: (ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون) يعني انهم في النار وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وان كانوا ليقولون لو ان عندنا ذكرا من الاولين لكنا عباد الله المخلصين) فهم كفار قريش كانوا يقولون قاتل الله اليهود والنصارى كيف كذبوا أنبياء‌هم أما والله لو كان عندنا ذكرا من الاولين لكنا عباد الله المخلصين يقول الله فكفروا به حين جاء‌هم محمد صلى الله عليه وآله يقول الله (فسوف يعلمون) فقال جبرئيل يا محمد (إنا نحن الصافون وإنا لنحن المسبحون).
                        وقوله: (فاذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين) يعني العذاب إذا نزل ببني امية وأشياعهم في آخر الزمان وقوله: (وتولوا عنهم حتى حين وابصرهم فسوف يبصرون) فذلك إذا أتاهم العذاب أبصروا حين لا ينفعهم النظر فهذه في أهل الشبهات والضلالات من أهل القبلة، حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبدالله ابن محمد بن خالد عن العباس بن عامر عن الربيع بن محمد عن يحيى بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال سمعته يقول (وما منا إلا له مقام معلوم) قال نزلت في الائمة



                        ___________________________________
                        (1) ويسمى قرعا ايضا.ج.ز.



                        [228]


                        والاوصياء من آل محمد (ع) حدثنا احمد بن محمد الشيبانى قال حدثنا محمد بن احمد بن بويه قال حدثنا محمد ابن سليمان قال حدثنا احمد بن محمد الشيباني قال حدثنا عبدالله بن محمد التفليسي عن الحسن بن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب بن عبد ربه قال سمعت الصادق عليه السلام يقول: يا شهاب نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ونحن عهد الله وذمته ونحن ودايع الله وحجته كنا أنوارا صفوفا حول العرش نسبح فيسبح أهل السماء بتسبيحنا إلى أن هبطنا إلى الارض فسبحنا فسبح أهل الارض بتسبيحنا وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون فمن وفى بذمتنا فقد وفى بعهد الله عزوجل وذمته ومن خفر ذمتنا فقد خفر ذمة الله عزوجل وعهده.
                        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (فاذا نزل بساحتهم) أي بمكانهم (فساء صباح المنذرين - إلى قوله - والحمد لله رب العالمين).

                        Comment

                        • راية اليماني
                          مشرف
                          • 05-04-2013
                          • 3021

                          #42
                          رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                          سورة ص


                          مكية آياتها ثمان وثمانون


                          (بسم الله الرحمن الرحيم ص والقرآن ذي الذكر) قال: هو قسم وجوابه (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) يعني في كفر وقوله: (كم اهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص) أي ليس هو وقت مفر وقوله: (وعجبوا أن جاء‌هم منذر منهم) قال نزلت بمكة لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب ان ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا فان كان الذي يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش ونملكه علينا، فأخبر أبوطالب رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فقال: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما أردته، ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب وتدين لهم بها العجم ويكونون ملوكا في


                          [229]


                          الجنة، فقال لهم أبوطالب ذلك فقالوا نعم وعشر كلمات، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله تشهدون أن لا إله إلا الله واني رسول الله، فقالوا: ندع ثلاثمائة وستين إلها ونعبد إلها واحدا فانزل الله تعالى (وعجبوا ان جاء‌هم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا - إلى قوله - إلا اختلاق) أي تخليط (ء‌أنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري - إلى قوله - من الاحزاب) يعني الذين تحزبوا عليه يوم الخندق.
                          ثم ذكر هلاك الامم وقد كتبنا خبرهم في سورة هود (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الاوتاد) وقوله: (وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق) أي لا يفيقون من العذاب وقوله (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) أي نصيبنا وصكنا من العذاب ثم خاطب الله عزوجل نبيه فقال (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الايد أنه أواب) أي دعاء (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق) يعني إذا طلعت الشمس (والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه - إلى قوله - إذ تسوروا المحراب) يعني نزلوا من المحراب (إذ دخلوا على داود ففزع منهم - إلى قوله - وخر راكعا وأناب) حدثني أبي عن ابن ابي عمير عن هشام عن الصادق عليه السلام قال: إن داود عليه السلام لما جعله الله عزوجل خليفة في الارض وأنزل عليه الزبور أوحى الله عزوجل إلى الجبال والطيران يسبحن معه وكان سببه أنه إذا صلى ببني إسرائيل يقوم وزيره بعدما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله ثم يمدح الانبياء عليهم السلام نبيا نبيا ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم لله سبحانه وتعالى والصبر على بلائه ولا يذكر داود، فنادى داود ربه فقال: يا رب قد انعمت على الانبياء بما اثنيت عليهم ولم تثن علي، فأوحى الله عزوجل اليه هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا وأنا اثني عليهم بذلك فقال يا رب فابتلني حتى أصبر، فقال


                          [230]


                          يا داود تختار البلاء على العافية اني ابتليت هؤلاء وإنا لم اعلمهم وإنا ابتليك وأعلمك ان بلائي في سنة كذا وشهر كذا وفي يوم كذا، وكان داود عليه السلام يفرغ نفسه لعبادته يوما ويقعد في محرابه يوما ويقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلما كان اليوم الذي وعده الله عزوجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي فاذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبد جد أخضر ورجلاه من ياقوت احمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد فاعجبه جدا ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على الحائط بين داود وبين اوريا بن حنان وكان داود قد بعث اوريا في بعث فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة اوريا جالسة تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها، فنظر اليها داود فافتتن بها ورجع إلى محرابه، ونسي ما كان فيه وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث لما ان يصيروا إلى موضع كيت وكيت يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عزوجل " فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة " وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي ان يبعث اليهم ملكا يقاتل في سبيل الله بعث اليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت وكان التابوت اذا وضع بين بني إسرائيل وبين اعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل.
                          فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه ان ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم اوريا بن حنان بين يدي التابوت فقدمه وقتل، فلما قتل اوريا دخل عليه الملكان وقعدوا ولم يكن تزوج امرأة اوريا وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا: (لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط


                          [231]


                          واهدنا إلى سواء الصراط) ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية، فقال أحدهما لداود: (ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب) اي ظلمنى وقهرني، فقال داود كما حكى الله عزوجل: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه - إلى قوله - وخر راكعا وأناب) قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال: وقد حكم الرجل على نفسه فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت ان اهشم فاك، قال: فعرجا وقال الملك المستعدى عليه لو علم داود انه احق بهشم فيه مني.
                          ففهم داود الامر وذكر الخطيئة فبقي اربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه فلما كان بعد اربعين يوما نودي يا داود مالك أجائع انت فنشبعك أم ظمآن فنسقيك أم عريان فنكسوك أم خائف فنؤمنك؟ فقال: اي رب وكيف لا اخاف وقد عملت ما عملت وانت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم، فأوحى الله اليه تب يا داود، فقال اي رب وانى لي بالتوبة قال: صر إلى قبر اوريا حتى ابعثه اليك واسأله ان يغفر لك، فان غفر لك غفرت لك قال: يا رب فان لم يفعل؟ قال: أستوهبك منه، قال فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور وكان اذا قرأ الزبور لا يبقى حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا يجاوبه حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع علم انه داود، فقال: هذا النبي الخاطئ فقال داود: يا حزقيل تأذن لي ان اصعد اليك؟ قال: لا فانك مذنب.
                          فبكى داود عليه السلام فأوحى الله عزوجل إلى حزقيل يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته وسلنى العافية، فنزل حزقيل واخذ بيد داود واصعده اليه، فقال له داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما


                          [232]


                          انت فيه من عبادة الله عزوجل؟ قال: لا قال: فهل ركنت إلى الدنيا فاحببت ان تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي قال: فما تصنع؟ قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود (ع) الشعب فاذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة واذا لوم من حديد وفيه مكتوب فقرأه داود، فاذا فيه: أنا اروى بن سلمة ملكت الف سنة وبنيت الف مدينة، وافتضضت الف جارية وكان آخر امري ان صار التراب فراشي والحجار وسادي والحيات والديدان جيراني فمن رآني فلا يغتر بالدنيا.
                          ومضى داود حتى اتى قبر اوريا فناداه فلم يجبه ثم ناداه ثانية فلم يجبه ثم ناداه ثالثة فقال اوريا: مالك يا نبي الله لقد شغلتنى عن سروري وقرة عينى قال يا اوريا اغفر لي وهب لي خطيئتي فاوحى الله عزوجل اليه يا داود بين له ما كان منك، فناداه داود فاجابه فقال: يا اوريا فعلت كذا وكذا وكيت وكيت: فقال اوريا: أيفعل الانبياء مثل هذا؟ فناداه فلم يجبه فوقع داود على الارض باكيا فاوحى الله إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه فكشف عنه فقال اوريا لمن هذا؟ فقال: لمن غفر لداود خطيئته، فقال: يا رب قد وهبت له خطيئته، فرجع داود (ع) إلى بنى اسرائيل وكان اذا صلى وزيره يحمد الله ويثنى على الانبياء عليهم السلام ثم يقول: كان من فضل بني الله داود قبل الخطيئة كيت وكيت، فاغتم داود (ع) فاوحى الله عزوجل اليه يا داود قد وهبت لك خطيئتك وألزمت عار ذنبك ببنى اسرائيل، قال: يا رب كيف وانت الحكم العدل الذي لا تجور، قال: لانه لم يعاجلوك بالنكيرة وتزوج داود (ع) بامرأة اوريا بعد ذلك فولد له منها سليمان (ع) ثم قال عزوجل: فغفرنا له ذلك وان له عندنا


                          [233]


                          لزلفى وحسن مآب(1)



                          ___________________________________
                          (1) قال جدي السيد الجزائري (رحمه الله) في قصص الانبياء: إن هذا الحديث محمول على التقية لموافقته مذهب العامة ورواياتهم وعدم منافاته لقواعدهم من جواز مثله على الانبياء.
                          والاخبار الواردة برده كثيرة من طرقنا فلا مجال لتأويله إلا الحمل على التقية.
                          فعن (عيون الاخبار) باسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: سأل الرضا عليه السلام علي بن محمد بن الجهم فقال ما يقول من قبلكم في داود عليه السلام؟ فقال يقولون إن داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير - إلى آخر الرواية -.
                          قال: فضرب على جبهته وقال: إنا لله وإنا اليه راجعون لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله على التهاون بصلاته حين خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل.
                          فقال يا بن رسول الله ما كانت خطيئته؟ فقال ويحك ان داود ظن ان ما خلق الله عزوجل خلقا هو أعلم مني، فبعث الله عزوجل اليه الملكين فتسوروا المحراب، فقالا: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق - إلى قوله - له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، فكان هذا خطيئة داود لا ما ذهبتم اليه ألا تسمع الله عزوجل يقول: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ".
                          (أقول) ويرد عليه أيضا انه يمتنع من داود ان يخطأ في الحكم، فان الانبياء المعصومين إذا لم يؤمنوا من الخطأ في القضاء فلمن العصمة من بعدهم؟ لاسيما مثل هذا الخطأ الفاحش الذي ارتكبه داود وهو الاستعجال إلى الحكم قبل طلب البينة من المدعى.
                          (وجوابه) ان قول داود: " لقد ظلمك بسؤال نعجتك...الخ " لعله لم يكن قضاء‌ا وحكما بل انه كان على سبيل إظهار الرأي قبل الحكم وكان بناؤه ان يطالب المدعي البينة من بعد، فحيث ان مثل هذا الكلام المشعر بكونه مائلا إلى أحد الخصمين بدون إقامة الدليل من الجانبين كان مما لا ينبغي لمكان النبوة فعوتب على ذلك واستغفر له.ج ز



                          [234]


                          وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر في قوله (وظن داود) اي علم (وأناب) اي تاب، وذكر ان داود كتب إلى صاحب ان لا تقدم اوريا بين يدي التابوت ورده فقدم اوريا إلى اهله ومكث ثمانية ايام ثم مات.
                          حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي عن علي بن حنان عن عبدالرحمن بن كثير قال: سألت الصادق عليه السلام عن قوله (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال أمير المؤمنين عليه السلام واصحابه (كالمفسدين في الارض) حبتر وزريق واصحابهما (أم نجعل المتقين) أمير المؤمنين (ع) واصحابه (كالفجار) حبتر ودلام واصحابهما (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته) امير المؤمنين والائمة صلوات الله عليه وعليهم اجمعين (وليتذكر اولو الالباب) فهم اهل الالباب الثاقبة، قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفتخر بها ويقول ما اعطي أحد قبلي ولا بعدي مثل ما اعطيت.
                          وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب - إلى قوله - حتى توارت بالحجاب) وذلك ان سليمان كان يحب الخيل ويستعرضها فعرضت عليه يوما إلى ان غابت الشمس وفاتته صلاة العصر فاغتم من ذلك غما شديدا فدعا الله عزوجل أن يرد عليه الشمس حتى يصلى العصر فرد الله عليه الشمس إلى وقت العصر حتى صلاها ثم دعا


                          [235]


                          بالخيل فاقبل يضرب اعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلها(1) وهو قوله عزوجل (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب - إلى قوله - انك انت الوهاب) وهو ان سليمان لما تزوج باليمانية



                          ___________________________________
                          (1) الروايات في باب سليمان وأبيه داود عليهما السلام كلها محمولة على التقية لموافقتها لما كان مشهورا في ذلك الزمان على السنة العامة، وقد ورد في قصة الجياد وسليمان ما هو أصح متنا وسندا وهو انه قال ابن عباس: سألت عليا عن هذه الآية فقال: ما بلغك فيها يا بن عباس؟ قلت سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى فاتته الصلاة فقال ردوها علي يعني الافراس فامر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فسلبه الله ملكه اربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي عليه السلام: كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بامر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وان الانبياء لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون.
                          (مجمع البيان) وفي تفسير الصافي ان المراد من المسح ان سليمان مسح ساقيه وعنقه للوضوء الرائج في ذاك الزمان وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك.
                          وفي روايات أصحابنا انه فاته أو الوقت.
                          (أقول) ويؤيده انه ليس في الآية لفظ الغروب للشمس، بل المذكور لفظ " توارت بالحجاب " أي توارت وراء حائط ونحوه.
                          وفي الباب روايات أخر تفيد ان المراد من ضمير " توارت " " وردوها " الخيل دون الشمس، والمراد من مسح سوقها وأعناقها ما هو ظاهر من اللفظ أي انه عليه السلام مسح سوق الخيل وأعناقها حبا لها وجعلها مسبلة في سبيل الله.ج.ز.



                          [236]


                          ولد منها ابن وكان يحبه فنزل ملك الموت على سليمان وكان كثيرا ما ينزل عليه فنظر إلى ابنه نظرا حديدا، ففزع سليمان من ذلك فقال لامه: إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة اظنه قد أمر بقبض روحه، فقال الجن والشياطين هل لكم حيلة في ان تفروه من الموت، فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق، فقال سليمان ان ملك الموت يخرج ما بين المشرق والمغرب، فقال واحد منهم أنا أضعه في الارض السابعة، فقال ان ملك الموت يبلغ ذلك، فقال آخر: أنا أضعه في السحاب والهواء فرفعه ووضعه في السحاب، فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب فوقع جسده ميتا(1) على كرسي سليمان فعلم انه قد أخطأ فحكى الله ذلك في قوله (وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء‌ا حيث أصاب) والرخاء اللينة (والشياطين كل بناء وغواص) اي في البحر (وآخرين مقرنين في الاصفاد) يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض وهم الذين عصوا سليمان عليه السلام حين سلبه الله عزوجل ملكه.
                          وقال الصادق عليه السلام: جعل الله عزوجل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن والانس والشياطين وجميع الطيور والوحش وأطاعوه فيقعد على كرسيه وبعث الله عزوجل رياحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين والطير



                          ___________________________________
                          (1) وفي تفسير مجمع البيان عن ابي عبدالله عليه السلام انه لما ولد لسليمان ابن قال بعض الجن والشياطين ان عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء، فأشفق سليمان منهم عليه فاسترضعه في المزن فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على ان الحذر لا ينفع عن القدر فانما عوتب على خوفه من الشياطين.ج.ز.



                          [237]


                          والانس والدواب والخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه السلام، وكان يصلي الغداة بالشام ويصلي الظهر بفارس، وكان يأمر الشياطين ان تحمل الحجارة من فارس يبيعونها بالشام، فلما مسح اعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه واخذ منه الخاتم، ولبسه فخرت عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحش وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده فهرب ومر على ساحل البحر وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان وصاروا إلى امه وقالوا لها أتنكرين من سليمان شيئا؟ فقالت كان أبر الناس بي وهو اليوم يبغضني وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا أتنكرين من سليمان شيئا؟ قلن كان لم يكن يأتينا في الحيض، فلما خاف الشيطان ان يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان، فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان اربعين يوما.
                          وكان سليمان يمر على ساحل البحر يبكي ويستغفر الله تائبا إلى الله مما كان منه فلما كان بعد اربعين يوما مر بصياد يصيد السمك فقال له اعينك على ان تعطيني من السمك شيئا، قال نعم فأعانه سليمان فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة فاخذها فشق بطنها وذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها، فلبسه فخرت عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحش ورجع إلى ما كان وطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصخر باسامي الله فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة.
                          قال ولما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا وكان آصف كاتب سليمان وهو الذي كان عنده علم من الكتاب: وقد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك؟ فقال: لا تعذرني ولقد عرفت الشيطان الذي اخذ خاتمك وأباه وامه وعمه وخاله ولقد قال لي اكتب لي فقلت له ان قلمي لا يجري بالجور، فقال


                          [238]


                          اجلس ولا تكتب فكنت اجلس ولا اكتب شيئا ولكن أخبرني عنك يا سليمان صرت تحب الهدهد وهو أخس الطير منتنا وأنتنه ريحا؟ قال إنه يبصر الماء من وراء الصفا الاصم، قال وكيف يبصر الماء من وراء الصفا وإنما يوارى عنه الفخ بكف من تراب حتى يؤخذ بعنقه ! فقال سليمان قف يا وقاف ! انه إذا جاء القدر حال دون البصر(1).
                          قال: وحدثني ابي عن ابي بصير عن ابان عن ابي حمزة عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين (ع) قال: خرج سليمان بن داود من بيت المقدس ومعه ثلاثمائة الف كرسي عن يمينه عليها الانس وثلاثمائة الف كرسي عن يساره عليها الجن وأمر الطير فاظلتهم وأمر الريح فحملتهم حتى ورد ايوان كسرى في المدائن ثم رجع فبات فاضطجع ثم غدا فانتهى إلى مدينة تركاوان (م) (بركاوان ك) ثم امر الريح فحملتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء وسليمان على عمود منها فقال بعضهم لبعض هل رأيتم ملكا قط أعظم من هذا وسمعتم به فقالوا ما رأينا ولا سمعنا بمثله فنادى ملك من السماء ثواب تسبيحة واحدة في الله اعظم مما رأيتم.
                          وحدثني أبي عن احمد بن محمد عن ابي نصر (بصيرط) عن عبدالله بن القاسم عن ابي خالد القماط عن ابي عبدالله (ع) قال قالت بنو إسرائيل لسليمان استخلف علينا ابنك، فقال لهم إنه لا يصلح لذلك فألحوا عليه فقال: إني اسائله عن مسائل فان أحسن الجواب فيها استخلفه ثم سأله فقال يا بني ما طعم الماء وطعم الخبز، ومن



                          ___________________________________
                          (1) قال في تفسير الصافي: هذا قول العامة الراوين لتلك القصة فالرواية وردت تقية، وقال في المجمع " ان جميع ذلك مما لا يعول عليه لان النبوة لا تكون في الخاتم ولا يجوز ان يسلبها الله ولا ان يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي والقعود على سريره والحكم بين عباده.ج.ز.



                          [239]


                          أي شئ ضعف الصوت وشدته؟ واين موضع العقل من البدن؟ ومن أي شئ القساوة والرقة؟ ومم تعب البدن ودعته؟ ومم تكسب البدن وحرمانه؟ فلم يجبه بشئ منها، فقال أبوعبدالله (ع): طعم الماء الحياة وطعم الخبز القوة وضعف الصوت وشدته من شحم الكليتين وموضع العقل الدماغ، ألا ترى ان الرجل اذا كان قليل العقل قيل له ما أخف دماغك والقسوة والرقة من القلب وهو قوله: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، وتعب البدن ودعته من القدمين إذا تعبا في المشي يتعب البدن وإذا اودعا البدن وتكسب البدن وحرمانه من اليدين اذا عمل بهما ردتا على البدن واذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئا.
                          قوله: (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب) قال فانه حدثني أبي عن ابن فضال عن عبدالله بن بحر (محبوب ط) عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال سألته عن بلية ايوب (ع) التى ابتلي بها في الدنيا لاي علة كانت؟ قال لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب ابليس من دون العرش فلما صعد ورأى شكر نعمة ايوب حسده ابليس وقال يا رب ان ايوب لم يؤد اليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما ادى اليك شكر نعمة ابدا فسلطني على دنياه حتى تعلم انه لا يؤدى اليك شكر نعمة ابدا، فقيل له قد سلطتك على ماله وولده قال فانحدر ابليس فلم يبق له مالا وولدا إلا اعطبه فازداد ايوب شكرا لله وحمدا قال فسلطني على زرعه، قال قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد ايوب لله شكرا وحمدا فقال يا رب ! سلطني على غنمه، فسلطه على غنمه فاهلكها فازداد ايوب لله شكرا وحمدا وقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينه فنفخ فيه ابليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه


                          [240]


                          فبقى في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود(1) وكانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته رحيمة بنت يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم صلوات الله عليهم اجمعين وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده، قال فلما طال عليه البلاء ورأى ابليس صبره اتى اصحابا له كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم: مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى ونسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبا وجاؤا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فقرنوا بعضا إلى بعض ثم مشوا اليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا اليه، فقالوا: يا ايوب لو اخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه(2) وما نرى ابتلاء‌ك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره؟ فقال أيوب: وعزة ربي انه ليعلم اني ما اكلت طعاما إلا ويتيم او ضيف يأكل



                          ___________________________________
                          (1) هذه الرواية ايضا محمولة على التقية لعدم استقامتها على قواعد الامامية الذين يقولون بتنزه المعصومين عن الرذائل الخلقية والخليفة مع ما ورد في الاخبار ما يرده.
                          ففي قصص الانبياء للسيد الجزائري عن ابي عبدالله عليه السلام: ان ايوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه احد شاهده، ولا تدود شئ من جسده، وهكذا يصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه من انبيائه واوليائه المكرمين عليه (ص 234).
                          وفي تفسير الصافي (ص‍ 450) عن الصادقين عليهما السلام: ان ايوب عليه السلام ابتلي بغير ذنب سبع سنين وان الانبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.
                          (2) هكذا في النسخة والاولى " فعلناه " ج.ز



                          [241]


                          معي وما عرض لي أمران كلاهما طاعة الله إلا أخذت باشدهما على بدني، فقال الشاب سوأة لكم عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها، فقال أيوب: يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لادليت بحجتي فبعث الله اليه غمامة فقال: أيوب أدلني بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل فقال يا رب انك لتعلم انه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت باشدهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم أسبحك؟ قال: فنودي من الغمامة بعشرة الف لسان يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك؟ قال: فاخذ أيوب التراب فوضعه في فيه ثم قال لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي، فانزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد احسن ما كان وأطرأ وأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه.
                          فاقبلت امرأته معها الكسر، فلما انتهت إلى الموضع إذ الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب، فاقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا فرأى ذوابتها مقطوعة وذلك انها سألت قوما ان يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذوايب فقالوا لها تبيعينا ذوائبك هذه حتى نعطيك فقطعتها ودفعتها اليهم واخذت منهم طعاما لايوب، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها ان يضربها مائة سوط فاخبرته انه كان سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك فاوحى الله اليه (فخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) فاخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه ثم قال: (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب)


                          [242]


                          قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ورد عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابه البلاء كلهم أحياهم الله تعالى، فعاشوا معه، وسئل ايوب بعدما عافاه الله أي شئ كان أشد عليك مما مر عليك؟ قال: شماتة الاعداء قال فامطر الله عليه في داره فراش الذهب وكان يجمعه فاذا ذهب الريح منه بشئ عدا خلفه فرده، فقال له جبرئيل: أما تشبع يا ايوب؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه ثم قال: (واذكر - يا محمد - عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب أولي الايدي والابصار) يعني أولي القوة وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (أولي الايدي والابصار) يعني اولي القوة في العبادة والصبر (البصر ط) فيها وقوله: (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) يقول ان الله اصطفاهم بذكر الآخرة واختصهم بها.
                          قال علي بن ابراهيم ثم ذكر الله المتقين وما لهم عند الله فقال: (هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب - إلى قوله - قاصرات الطرف أتراب) يعني الحور العين يقصر الطرف عنها والبصر من صفائها مع ما حكى الله من قول اهل الجنة (ان هذا لرزقنا ماله من نفاد) اي لا ينفذ ولا يفنى (هذا وان للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق) قال الغساق واد في جهنم فيه ثلاثمائة وثلاثون قصرا في كل قصر ثلاثمائة بيت في كل بيت اربعون زاوية في كل زاوية شجاع(1) في كل شجاع ثلاثمائة وثلاثون عقربا في جمجمة كل عقرب ثلاثمائة وثلاثون قلة من سم لو أن عقربا منها نضحت سمها على اهل جهنم لوسعتهم بسمها (هذا وان للطاغين لشر مآب) وهم زريق وحبتر وبنو أمية ثم ذكر من كان من بعدهم ممن غصب آل محمد حقهم فقال: (وآخر من شكله ازواج هذا فوج مقتحم معكم) وهم بنو السباع(2)، ويقولون بنو أمية (لا مرحبا بهم انهم



                          ___________________________________
                          (1) ضرب من الحيات.
                          (2) انه مقلوب " بنو العباس ".ج ز



                          [243]


                          صالوا النار) فيقولون بنو فلان (بل انتم لا مرحبا بكم انتم قدمتموه لنا) وبدأتم بظلم آل محمد (فبئس القرار) ثم يقول بنو امية (ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) يعنون الاولين ثم يقول أعداء آل محمد في النار (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار) في الدنيا وهم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام (اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار) ثم قال: (إن ذلك لحق تخاصم اهل النار) فيما بينهم وذلك قول الصادق عليه السلام: والله انكم لفي الجنة تحبرون وفي النار تطلبون.
                          ثم قال عزوجل: يا محمد (قل هو نبأ عظيم) يعني أمير المؤمنين عليه السلام (انتم عنه معرضون ما كان لي من علم بالملا الاعلى - إلى قوله - مبين) قال فانه حدثني خالد عن الحسن بن محبوب عن محمد بن يسار (سيار عن ط) عن مالك الاسدي عن اسماعيل الجعفي قال كنت في المسجد الحرام قاعدا وأبوجعفر عليه السلام في ناحية فرفع رأسه فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلي فقال: أي شئ يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قلت يقولون أسرى به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس فقال: لا ليس كما يقولون، ولكنه أسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم، قال فلما انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل في هذا الموضع تخذلني؟ فقال تقدم أمامك فو الله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد من خلق الله قبلك فرأيت من نور ربي وحال بيني وبينه السبخة (التسبيحة ط)، قلت: وما السبخة جعلت فداك؟ فاومى بوجهه إلى الارض وأومى بيده إلى السماء وهو يقول جلال ربي ثلاث مرات، قال يا محمد ! قلت: لبيك يا رب قال فيم اختصم الملا الاعلى


                          [244]


                          قال قلت سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني قال فوضع يده - اي يد القدرة -(1) بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي قال فلم يسألني عما مضى ولا عما بقي إلا علمته قال: يا محمد فيم اختصم الملا الاعلى؟ قال قلت: يا رب في الدرجات والكفارات والحسنات فقال: يا محمد قد انقضت نبوتك وانقطع اكلك فمن وصيك؟ فقلت يا رب قد بلوت خلقك فلم أر من خلقك أحدا أطوع لي من علي؟ فقال ولي يا محمد فقلت يا رب اني قد بلوت خلقك فلم أر في خلقك أحدا أشد حبا لي من علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ولي يا محمد، فبشره بانه راية الهدى وإمام اوليائي ونور لمن اطاعني والكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه فقد احبني ومن ابغضه فقد ابغضني، مع ما اني اخصه بما لم اخص به أحدا، فقلت يا رب اخي وصاحبي ووزيري ووارثي، فقال انه امر قد سبق انه مبتلى ومبتلى به مع ما اني قد نحلته ونحلته ونحلته ونحلته أربعة اشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها.
                          ثم حكى خبر إبليس فقال عزوجل: (إذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين) وقد كتبنا خبر آدم وإبليس في موضعه، حدثنا محمد بن احمد بن ثابت قال حدثنا القاسم(2) بن محمد عن اسماعيل الهاشمي عن محمد بن يسار (سيار ط) عن الحسن بن المختار عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال لو ان الله خلق الخلق كلهم بيده لم يحتج في آدم انه خلقه بيده فيقول " ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي " أفترى الله يبعث الاشياء بيده، وقال علي بن ابراهيم في قوله: خلقتني من نار وخلقته من طين) قال فانه حدثنى ابي عن سعيد بن ابي سعيد عن اسحاق بن حريز قال قال ابوعبدالله عليه السلام: أي شئ يقول أصحابك في قول ابليس خلقتنى من نار وخلقته من طين؟ قلت جعلت فداك قد قال ذلك وذكره الله في كتابه قال كذب



                          ___________________________________
                          (1) وهذا كاطلاق اليد في الآية الشريفة " يد الله فوق ايديهم " ج.ز
                          (2) وفى ط هكذا: محمد بن احمد بن ثابت حدثنا القسم بن اسماعيل الهاشمى عن



                          [245]


                          ابليس لعنه الله يا اسحاق ما خلقه الله إلا من طين، ثم قال: قال الله: الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون خلقه الله من تلك النار والنار من تلك الشجرة والشجرة اصلها من طين، اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد ابن محمد عن محمد بن يونس عن رجل عن ابي عبدالله (ع) في قول الله تبارك وتعالى (فانظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس.
                          قال علي بن ابراهيم ثم قال لابليس لعنه الله لما قال (فبعزتك لاغوينهم اجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) فقال الله (فالحق والحق أقول لاملان جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين) حدثنا سعيد بن محمد بن بكر بن سهل عن عبد الغنى عن موسى بن عبدالرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله: (قل - يا محمد - ما أسألكم عليه من أجر) أي على ما أدعوكم اليه من مال تعطونيه (وما أنا من المتكلفين) يريد ما اتكلف هذا من عندي (إن هو إلا ذكر) يريد موعظة (للعالمين) يريد الخلق اجمعين (ولتعلمن) يا معشر المشركين (نبأه بعد حين) يريد عند الموت وبعد الموت يوم القيامة

                          Comment

                          • راية اليماني
                            مشرف
                            • 05-04-2013
                            • 3021

                            #43
                            رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                            سورة الزمر


                            مكية آياتها خمس وسبعون


                            (بسم الله الرحمن الرحيم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) ثم خاطب الله نبيه فقال: (إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق فا عبدالله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وهذا مما ذكرناه ان لفظه خبر ومعناه حكاية وذلك ان قريشا قالت انما نعبد الاصنام ليقربونا إلى الله زلفى فانا لا نقدر ان نعبد الله حق عبادته، فحكى الله


                            [246]


                            قولهم على لفظ الخبر ومعناه حكاية عنهم فقال الله: (ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون) ثم رد الله على الذين قالوا اتخذ الرحمن ولدا فقال الله (لو أراد الله ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار - إلى قوله - يكون الليل على النهار ويكون النهار على الليل) يعنى يغطي ذا على ذا وذا على ذا ثم خاطب الله الخلق فقال (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها) يعنى آدم وزوجته حواء (وأنزل لكم) يعنى خلق لكم (من الانعام ثمانية ازواج) وهي التي فسرناها في سورة الانعام (يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث) قال الظلمات الثلاث البطن والرحم والمشيمة (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون قوله تعالى (ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم) فهذا كفر النعم قوله: (وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا اليه - إلى قوله - وجعل الله أندادا) أي شركاء قوله (قل تمتع بكفرك قليلا انك من اصحاب النار نزلت في ابي فلان ثم قال (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة نزلت في امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام (ويرجو رحمة ربه) قل يا محمد هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب) يعنى اولي العقول وقوله: (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) يعنى يظل عليهم النار من فوقهم ومن تحتهم.
                            وقوله: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف - إلى قوله - الميعاد) قال: فانه حدثنى ابي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن اسحاق عن ابي جعفر (ع) قال: سأل علي (ع) رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير هذه الآية فقال: لماذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله؟ فقال: يا علي تلك غرف بناها الله لاوليائه بالدر والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكل غرفة منها الف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به وفيها فرش مرفوعة بعضها


                            [247]


                            فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر والكافور وذلك قول الله وفرش مرفوعة، فاذا دخل المؤمن إلى منازله في الجنة وضع على رأسه تاج الملك والكرامة وألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر منظوما في الاكليل تحت التاج وألبس سبعين حلة بألوان مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الاحمر وذلك قوله يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير، فاذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فاذا استقرت لولي الله منازله في الجنة استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنيه بكرامة الله إياه فيقول له حدام المؤمن ووصفاؤه مكانك فان ولي الله قد اتكأ على أرائكه وزوجته الحوراء العيناء قد هيئت له فاصبر لولي الله حتى يفرغ من شغله، قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة وحولها وصفاؤها تحنيها عليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد صبغن بمسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وفي رجليها نعلان من ذهب مكللان بالياقوت واللؤلؤ وشراكهما ياقوت احمر فاذا ادنيت من ولي الله وهم ان يقوم اليها شوقا تقول له يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم أنا لك وانت لي فيعتنقان قدر خمسمائة عام من اعوام الدنيا لا يملها ولا تمله، قال فينظر إلى عنقها فاذا عليها قلادة من قصب ياقوت احمر وسطها لوح مكتوب انت يا ولي الله حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك اليك تباهت نفسي وإلي تباهت نفسك ثم يبعث الله الف ملك يهنونه بالجنة ويزوجونه الحوراء.
                            قال: فينتهون إلى اول باب من جنانه فيقولون الملك الموكل بأبواب الجنان استأذن لنا على ولي الله فان الله بعثنا مهنئين، فيقول الملك حتى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم، قال: فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى اول باب فيقول للحاجب ان على باب الغرفة الف


                            [248]


                            ملك أرسلهم رب العالمين جاؤا يهنئون ولي الله وقد سألوا ان استأذن لهم عليه فيقول له الحاجب انه ليعظم علي ان استأذن لاحد على ولي الله وهو مع زوجته قال: وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان فيدخل الحاجب على القيم فيقول له ان على باب الغرفة الف ملك أرسلهم رب العالمين يهنئون ولي الله فاستأذن لهم، فيقول القيم إلى الخدام فيقول لهم ان رسل الجبار على باب العرصة وهم الف ملك ارسلهم يهنئون ولي الله فأعلمهم مكانهم، قال فيعلمونه الخدام مكانهم قال: فيأذن لهم فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها الف باب وعلى كل باب من ابوابها ملك موكل به فاذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الذي قد وكل به فيدخل كل ملك من باب من ابواب الغرفة فيبلغونه رسالة الجبار، وذلك قول الله: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " يعنى من ابواب الغرفة " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " وذلك قوله: " وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " يعنى بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم وان الملائكة من رسل الجبار ليستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلا باذنه فذلك الملك العظيم والانهار تجري من تحتها.
                            قوله: (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه) قال نزلت في امير المؤمنين (ع) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله: (قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم) يقول غبنوا انفسهم (واهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) قوله: (الم تر ان الله انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض) والينابيع هي العيون والركايا مما انزل الله من السماء فأسلكه في الارض (ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج) بذلك حتى يصفر (ثم يجعله حطاما) والحطام إذا يبست وتفتت.
                            وقال علي بن ابراهيم في قوله (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون)


                            [249]


                            فانه مثل ضربه الله لامير المؤمنين عليه السلام وشركائه الذين ظلموه وغصبوه حقه وقوله " متشاكسون " أي متباغضون قوله (ورجلا سلما لرجل) أمير المؤمنين عليه السلام سلم لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال (هل يستويان مثلا الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون) ثم عزى نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (إنك ميت وانهم ميتون ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) يعني أمير المؤمنين عليه السلام ومن غصبه حقه ثم ذكر ايضا أعداء آل محمد ومن كذب على الله وعلى رسوله وادعى ما لم يكن له فقال: (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاء‌ه) يعني بما جاء به رسول الله من الحق وولاية أمير المؤمنين (ع)، ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) فقال: (والذي جاء بالصدق صدق به) يعني أمير المؤمنين (ع) (اولئك هم المتقون) وقوله: (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) يعني يقولون لك يا محمد اعفنا من علي ويخوفونك انهم يلحقون بالكفار.
                            وقوله: (الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) قال فانه حدثني أبي عن أبي هشام عن داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر محمد بن علي ابن موسى (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) في المسجد وعنده الحسن بن علي عليهما السلام وأمير المؤمنين (ع) متكئ على يد سلمان، فاقبل رجل حسن اللباس فسلم على أمير المؤمنين (ع) فرد عليه مثل سلامه وجلس، فقال يا امير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل ان اخبرتني بها علمت ان القوم ركبوا من أمرك ما ليس لهم وخرجوا من دينهم وصاروا بذلك غير مؤمنين في الدنيا ولا خلاق لهم في الآخرة، وان تكن الاخرى علمت انك وهم شرع سواء، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام سل عما بدا لك، فقال: اخبرني عن الرجل إذا نام اين تذهب روحه؟ فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام فقال: يا أبا محمد أجبه فقال: أما ما سألت عن الرجل إذا نام اين تذهب روحه فان الروح متعلقة بالريح والريح


                            [250]


                            متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها، فان أذن الله بالرد عليه جذبت تلك الروح تلك الريح وجذبت تلك الريح ذلك الهواء فاستكنت الروح في بدن صاحبها وإن لم يأذن برد تلك الروح على صاحبها جذب الهواء الريح وجذبت الريح الروح فلم يردها إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث، وقد مضى ذكر السؤالات الثلاثة قوله (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) يعني الاصنام ليشفعوا لهم يوم القيامة وقالوا ان فلانا وفلانا يشفعون لنا عند الله يوم القيامة وقوله (قل لله الشفاعة جميعا) قال: لا يشفع أحد إلا باذن الله تعالى قوله (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة - إلى قوله - إذا هم يستبشرون) فانها نزلت في فلان وفلان فلان وقوله (يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) قال: نزلت في شيعة امير المؤمنين عليه السلام خاصة.
                            حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عبدالكريم عن محمد بن علي عن محمد ابن الفضيل عن ابي حمزة قال قال ابوجعفر عليه السلام: لا يعذر الله يوم القيامة احدا يقول: يا رب لم اعلم ان ولد فاطمة عليها السلام هم الولاة على الناس كافة، وفي شيعة ولد فاطمة انزل الله هذه الآية خاصة " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله "(1) الآية.
                            وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وأنيبوا إلى ربكم) أي توبوا (واسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم) من القرآن وولاية امير المؤمنين عليه السلام والائمة عليهم السلام، والدليل على



                            ___________________________________
                            (1) لابد من تخصيصها بما لم يكن هذا الاسراف مثل قتل النفس المحترمة او عقوق الوالدين.ج.ز.


                            [251]


                            ذلك قول الله عزوجل (ان تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) الآية قال في الامام لقول الصادق عليه السلام: نحن جنب الله ثم قال: (او تقول حين ترى العذاب لو ان لي كرة) الآية فرد الله عليهم فقال (بلى قد جاء‌تك آياتي فكذبت بها) يعني الآيات الائمة عليهم السلام (فاستكبرت وكنت من الكافرين) يعني بالله قوله: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) فانه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابي المعزا عن ابي عبدالله عليه السلام قال: من ادعى انه إمام وليس بامام يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة، قلت وان كان علويا فاطميا؟ قال وإن كان علويا فاطميا وقوله: (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) قال: فانه حدثني أبي عن ابن ابي عمير عن عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله عليه السلام قال إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر شكا إلى الله شدة حره سأله ان يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم وقوله: (له مقاليد السموات والارض) يعنى مفاتيح السماوات والارض ثم خاطب الله نبيه فقال (ولقد أوحي اليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فهذه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وهو ما قال الصادق عليه السلام: إن الله تعالى بعث نبيه باياك أعني واسمعي يا جارة والدليل على ذلك قوله (بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) وقد علم ان نبيه صلى الله عليه وآله يعبده ويشكره ولكن استعبد نبيه بالدعاء اليه تأديبا لامته.
                            حدثنا جعفر بن احمد عن عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن قول الله لنبيه " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " قال: تفسيرها لئن امرت بولاية أحد مع ولاية علي من بعدك ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
                            وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وما قدروا الله حق قدره) قال: نزلت


                            [252]


                            في الخوارج (والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) أي بقوته قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون) فانه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الاحول عن سلام بن المستنير عن ثوير بن ابي فاختة عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: سئل عن النفختين كم بينهما؟ قال: ما شاء الله، فقيل له فاخبرني يا بن رسول الله كيف ينفخ فيه؟ فقال: أما النفخة الاولى فان الله يأمر إسرافيل فيهبط إلى الارض ومعه الصور وللصور رأس واحد وطرفان وبين طرف كل رأس منهما ما بين السماء والارض قال: فاذا رأت الملائكة إسرافيل وقد هبط إلى الدنيا ومعه الصور قالوا: قد أذن الله في موت اهل الارض وفي موت أهل السماء، قال: فيهبط إسرافيل بحظيرة بين المقدس ويستقبل الكعبة فاذا رأوه أهل الارض قالوا: قد أذن الله في موت اهل الارض، قال: فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي اهل الارض فلا يبقى في الارض ذو روح إلا صعق ومات، ويخرج الصوت من الطرف الذى يلي اهل السماوات فلا يبقى في السماوات ذو روح إلا صعق ومات إلا إسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء الله، قال: فيقول الله لاسرافيل: يا إسرافيل مت فيموت إسرافيل، فيمكثون في ذلك ما شاء الله ثم يأمر الله السماوات فتمور ويأمر الجبال فتسير وهو قوله: " يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا " يعني تبسط وتبدل الارض غير الارض يعني بارض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة ويعيد عرشه على الماء كما كان أول مرة مستقلا بعظمته وقدرته، قال: فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات والارضين " لمن الملك اليوم ! " فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يقول الجبار مجيبا لنفسه " لله الواحد القهار وأنا قهرت الخلايق كلهم وأمتهم إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي


                            [253]


                            لا شريك لي ولا وزير لي وانا خلقت خلقي بيدي وانا امتهم بمشيتي وانا احييهم بقدرتي " قال: فينفخ الجبار نفخة في الصور فيخرج الصوت من احد الطرفين الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات احد إلا حيى وقام كما كان ويعود حملة العرش وتحضر الجنة والنار وتحشر الخلائق للحساب، قال: فرأيت علي بن الحسين عليهما السلام يبكي عند ذلك بكاء‌ا شديدا قال: وحدثني ابي عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا أراد الله ان يبعث الخلق أمطر السماء على الارض اربعين صباحا فاجتمعت الاوصال ونبتت اللحوم وقال اتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ بيده وأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه فقال: قم باذن الله فخرج منه رجل ابيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول: الحمد لله والله اكبر، فقال جبرئيل عد باذن الله ثم انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم باذن الله فخرج منه رجل مسود الوجه وهو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه ثم قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت فيه باذن الله، فقال: يا محمد ! هكذا يحشرون يوم القيامة فالمؤمنون يقولون هذا القول وهؤلاء يقولون ما ترى.
                            قوله: (وأشرقت الارض بنور ربها) حدثنا محمد بن أبي عبدالله عليه السلام قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثني القاسم بن الربيع قال: حدثني صباح المدائني قال: حدثنا المفضل بن عمر انه سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول في قوله: " وأشرقت الارض بنور ربها " قال رب الارض يعني إمام الارض، فقلت: فاذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الامام.
                            وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ووضع الكتاب وحئ بالنبيين والشهداء) قال الشهداء الائمة عليهم السلام والدليل على ذلك قوله في سورة الحج " ليكون


                            [254]


                            الرسول شهيدا عليكم وتكونوا انتم - يا معشر الائمة - شهداء على الناس " وقوله (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) أي جماعة (حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم) أي طابت مواليدكم لانه لا يدخل الجنة إلا طيب المولد (فادخلوها خالدين) قال أمير المؤمنين عليه السلام إن فلانا وفلانا غصبونا حقنا واشتروا به الاماء وتزوجوا به النساء ألا وإنا قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حل لتطيب مواليدهم وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء) يعنى ارض الجنة، وقال علي بن ابراهيم حدثني أبي قال: حدثنا اسماعيل بن همام عن ابي الحسن عليه السلام قال: لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة أغمي عليه ثلاث مرات، فقال في المرة الاخيرة الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ثم توفي عليه السلام قال ثم قال الله (وترى الملائكة حافين من حول العرش) أي محيطين حول العرش (يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق) كناية عن أهل الجنة والنار وهذا مما لفظه ماض ومعناه مستقبل (وقيل الحمد لله رب العالمين)



                            سورة المؤمن


                            مكية آياتها خمس وثمانون


                            (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب) وذلك خاصة لشيعة أمير المؤمنين (ع) (ذي الطول لا إله إلا هو اليه المصير) وقوله (ما يجادل في آيات الله) وهم الائمة (ع) (إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد كذبت قبلهم قوم نوح والاحزاب من بعدهم) أصحاب الانبياء الذين تحزبوا (وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه) يعني


                            [255]


                            يقتلوه (وجادلوا بالباطل) أي خاصموا (ليدحضوا به الحق) أي يبطلوه ويدفعوه (فاخذتهم فكيف كان عقاب) وقوله: (الذين يحملون العرش ومن حوله - إلى قوله - وذلك هو الفوز العظيم) قال: فحدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان ابن داود المنقري عن حماد عن ابي عبدالله (ع) انه سئل هل الملائكة اكثر أم بنو آدم فقال: والذي نفسي بيده لعدد ملائكة الله في السماوات اكثر من عدد التراب في الارض، وما في السماء موضع قدم إلا وفيها ملك يسبحه ويقدسه ولا في الارض شجرة ولا مدر إلا وفيها ملك موكل بها يأتي الله كل يوم بعملها والله أعلم بها، وما منهم أحد إلا ويتقرب كل يوم إلى الله بولايتنا اهل البيت ويستغفر لمحبينا ويلعن اعداء‌نا ويسأل الله ان يرسل عليهم العذاب إرسالا حدثنا محمد بن عبدالله الحميري عن ابيه عن محمد بن الحسين ومحمد بن عبدالجبار جميعا عن محمد بن سنان عن المنخل بن خليل الرقي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا انهم اصحاب النار) يعنى بنى امية وقوله: (الذين يحملون العرش) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله والاوصياء من بعده يحملون علم الله (ومن حوله) يعنى الملائكة (يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) يعنى شيعة آل محمد (ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا) من ولاية فلان وفلان وبنى امية (واتبعوا سبيلك) اي ولاية علي ولي الله (وقهم عذاب الجحيم ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم) يعنى من تولى عليا (ع) فذلك صلاحهم (وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته) يعنى يوم القيامة (وذلك هو الفوز العظيم) لمن نجاه الله من ولاية فلان وفلان ثم قال (وإن الذين كفروا) يعنى بنى امية (ينادون لمفت الله اكبر من مفتكم انفسكم إذ تدعون إلى الايمان) يعنى إلى ولاية علي عليه السلام (فتكفرون)


                            [256]


                            وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين - إلى قوله - من سبيل) قال الصادق عليه السلام ذلك في الرجعة قوله (ذلكم بانه إذا دعي الله وحده كفرتم) أي جحدتم (وان يشرك به تؤمنوا) فالكفر ههنا الجحود قال: إذا وحد الله كفرتم وان جعل لله شريكا تؤمنوا، أخبرنا الحسن بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن جعفر بن بشير عن الحكم بن زهير عن محمد بن حمدان عن ابي عبدالله عليها السلام في قوله: " إذا دعي الله وحده كفرتم وان يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير " يقول: إذا ذكر الله ووحد بولاية من أمر الله بولايته كفرتم وان يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بان له ولاية وقال علي بن ابراهيم في قول: (هو الذي يريكم آياته) يعنى الائمة الذين اخبرهم الله رسوله صلى الله عليه وآله بهم وقوله: (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) قال روح القدس وهو خاص لرسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام قوله: (لينذر يوم التلاق) قال يوم يلتقي اهل السماوات والارض ويوم النناد يوم ينادي اهل النار اهل الجنة ان أفيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله، ويوم النغابن يوم يعير اهل الجنة أهل النار، ويوم الحسرة يوم يؤتى بالموت فيذبح، وقوله: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) قال: فانه حدثنى أبي عن ابن ابي عمير عن زيد البرسي عن عبيد بن زرارة قال: سمعت ابا عبدالله يقول إذا أمات الله أهل الارض لبث كمثل ما خلق الخلق ومثل ما أماتهم وأضعاف ذلك، ثم امات اهل السماء الدنيا ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما امات اهل الارض واهل السماء الدنيا واضعاف ذلك ثم امات اهل السماء الثانية ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما امات اهل الارض والسماء الدنيا والسماء الثانية واضعاف ذلك ثم امات اهل السماء الثالثة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما امات اهل الارض واهل السماء الدنيا والسماء الثانية والسماء الثالثة واضعاف ذلك في كل سماء مثل ذلك


                            [257]


                            وأضعاف ذلك ثم أمات ميكائيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم امات جبرئيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم امات إسرافيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم امات ملك الموت ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك، ثم يقول الله عزوجل: لمن الملك اليوم؟ فيرد على نفسه الله القهار أين الجبارون؟ وأين الذين ادعوا معي إلها آخر؟ أين المتكبرون ونحوتهم ذلك؟ ثم يبعث الخلق، قال عبيد بن زرارة فقلت: إن هذا الامر كاين طولت ذلك؟ فقال: أرأيت ما كان هل علمت به؟ فقلت: لا، فقال: فكذلك هذا وقوله (وأنذرهم يوم الآزفة) يعني يوم القيامة (إذ القلوب لدى الحناجر كاطمين) قال: مغمومين مكروبين ثم قال (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) يعني ما ينظر إلى ما يحل له ان يقبل شفاعته، ثم كنى عزوجل عن نفسه فقال: (يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق) ثم قال (أو لم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم اشد منهم قوة - إلى قوله - من واق) اي من دافع.
                            ثم ذكر موسى وقد كتبنا خبره قوله (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) قال كتم إيمانه ستمائة سنة، وكان مجذوما مقفعا وهو الذي وقعت اصابعه وكان يشير إلى قومه بيده المفقوعة، ويقول (يا قوم اتبعون اهدكم سبيل الرشاد) وقوله (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان) يعني بغير حجة يخاصمون (ان في صدورهم إلاكبر - إلى قوله - السميع البصير) فانه حدثنى ابي عن ابن ابي عمير عن منصور بن يونس عن ابي عبدالله (ع) قال: ان في النار لنار يتعوذ منها اهل النار ما خلقت إلا لكل متكبر جبار عنيد ولكل شيطان مريد ولكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ولكل ناصب العداوة لآل محمد، وقال


                            [258]


                            ان اهون الناس عذابا يوم القيامة لرجل في ضحضاح(1) من نار عليه نعلان من نار وشرا كان من نار يغلي منها دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى ان في النار احدا أشد عذابا منه وما في النار احد اهون عذابا منه وقوله: (فوقاه الله سيئات ما مكروا) يعنى مؤمن آل فرعون فقال ابوعبدالله (ع) والله لقد قطعوه إربا إربا ولكن وقاه الله ان يفتنوه في دينه وقوله: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) قال: ذلك في الدنيا قبل القيامة وذلك ان في القيامة لا يكون غدوا ولا عشيا، لان الغدو والعشي انما يكون في الشمس والقمر ليس في جنان الخلد ونيرانها شمس ولا قمر.
                            قال وقال رجل لابي عبدالله (ع): ما تقول في قول الله عزوجل: النار يعرضون عليها غدوا وعشيا؟ فقال ابوعبدالله (ع): ما تقول الناس فيها؟ فقال يقولون: إنها في نار الخلد وهم لا يعذبون فيما بين ذلك فقال (ع) فهم من السعداء(2) فقيل له جعلت فداك فكيف هذا؟ فقال: انما هذا في الدنيا واما في نار الخلد فهو قوله: " ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب " ثم ذكر قول اهل النار فقال (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا - إلى قوله - من النار) فردوا عليهم فقالوا (إنا كل فيها ان الله قد حكم بين العباد) وقوله (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) اي في بطلان وقوله (وإنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) وهو في الرجعة إذا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن عمر بن عبدالعزيز عن جميل عن ابي عبدالله (ع) قال قلت قول الله تبارك وتعالى (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد)



                            ___________________________________
                            (1) الماء اليسير(2) إذ هم يستريحون من العذاب إلى يوم القيامة ج.ز


                            [259]


                            قال ذلك والله في الرجعة، أما علمت ان أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا والائمة بعدهم قتلوا ولم ينصروا ذلك في الرجعة، وقال علي بن ابراهيم في قوله: " ويوم يقوم الاشهاد " يعني الائمة عليهم السلام وقوله: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين) فانه حدثنى أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن ابن عيينة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى ليمن على عبده المؤمن يوم القيامة فيأمره الله ان يدنو منه - يعني من رحمته - فيدنو حتى يضع كفه عليه ثم يعرفه ما أنعم به عليه يقول له أو لم تدعني يوم كذا وكذا بكذا وبكذا فاجبت دعوتك؟ ألم تسألني يوم كذا وكذا فاعطيتك مسألك؟ ألم تستغث بي يوم كذا وكذا فاغثتك؟ ألم تسأل ضرا كذا وكذا فكشفت عنك ضرك ورحمت صوتك؟ ألم تسألني مالا فملكتك؟ ألم تستخدمني فاخدمتك؟ ألم تسألني ان ازوجك فلانة وهي منيعة عند أهلها فزوجناكها؟ قال فيقول العبد بلى يا رب قد أعطيتني كل ما سألتك وكنت أسألك الجنة فيقول الله له فاني منعم لك ما سألتنيه الجنة لك مباحا أرضيتك فيقول المؤمن نعم يا رب أرضيتني وقد رضيت، فيقول الله له عبدي اني كنت ارضى أعمالك وإنما ارضى لك أحسن الجزاء فان أفضل جزائي عندي ان اسكنك الجنة وهو قوله " ادعوني أستجب لكم " الآية.
                            وقوله: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين) قال فانه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود رفعة قال جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فسأله عن مسائل ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال علي بن الحسين عليهما السلام مكتوب في الانجيل: لا تطلبوا علم مالا تعلمون ولما عملتم بما علمتم، فان العالم إذا لم يعمل به لم يزده من الله إلا بعدا، ثم قال عليك بالقرآن فان الله خلق الجنة بيده لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل ملاطها


                            [260]


                            المسك وترابها الزعفران وحصاها اللؤلؤ وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن فمن قرأ القرآن قال له اقرأ وارق ومن دخل منهم الجنة لم يكن أحد في الجنة أعلى درجة منه ما خلا النبيين والصديقين، فقال له الرجل: فما الزهد؟ قال: الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضى ألا وان الزهد في آية من كتاب الله " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " فقال الرجل: " لا إله إلا الله " فقال علي بن الحسين عليهما السلام: وأنا أقول لا إله إلا الله فاذا قال أحدكم لا إله إلا الله فليقل الحمد لله رب العالمين، فان الله يقول: " هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين " وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا - إلى قوله - كذلك يضل الله الكافرين) فقد سمى الله الكافرين مشركين بان كذبوا بالكتاب وقد أرسل الله رسله بالكتاب وبتأويله فمن كذب بالكتاب او كذب بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك كافر، قال علي بن ابراهيم في قوله (ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) يعني من الفرح الظاهر، قال: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن ضريس الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له جعلت فداك ما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد صلى الله عليه وآله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم؟ فقال: اما هؤلاء فانهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فانه يخد له خدا إلى الحنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فاما إلى الجنة واما إلى النار فهؤلاء الموقوفون لامر الله قال: وكذلك نفعل بالمستضعفين والبله والاطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم، واما النصاب من أهل القبلة فانهم يخد لهم خدا إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل


                            [261]


                            عليهم اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ثم بعد ذلك مصيرهم إلى الجحيم (في النار يسجرون ثم قيل لهم اين ما كنتم تشركون من دون الله) أي أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس إماما، ثم قال الله لنبيه (فاصبر ان وعد الله حق فاما نرينك بعض الذي نعدهم) أي من العذاب (او نتوفينك فالينا يرجعون).
                            وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الفرح والمرح والخيلاء كل ذلك في الشرك والعمل في الارض بالمعصية وقوله: (وآثارا في الارض) يقول أعمالا في الارض وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ويريكم آياته) يعني أمير المؤمنين والائمة عليهم السلام في الرجعة وإذا رأوهم (قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) أي جحدنا بما أشركناهم (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون).




                            سورة حم


                            السجدة مكية آياتها اربع وخمسون


                            (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم) فقوله تنزيل من الرحمن الرحيم ابتداء وقوله: (فصلت آياته) خبره، أنزله الرحمن الرحيم وقوله (فصلت آياته) أي بين حلالها وحرامها وأحكامها وسننها (بشيرا ونذيرا) أي يبشر المؤمنين وينذر الظالمين (فاعرض اكثرهم) يعنى عن القرآن (فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة) أي في غشاوة (مما تدعونا اليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون) أي تدعونا إلى مالا نفهمه ولا نعقله، فقال الله: قل لهم (إنما أنما بشر مثلكم يوحى إلي - إلى قوله - فاستقيموا اليه) أي أجيبوه وقوله (وويل للمشركين) وهم الذين أقروا بالاسلام وأشركوا بالاعمال


                            [262]


                            وهو قوله " وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون " يعى بالاعمال إذا امروا بأمر عملوا خلاف ما قال الله فسماهم الله مشركين ثم قال (الذين لا يؤتون الزكوة وهم بالآخرة هم كافرون) يعنى من لم يدفع الزكاة فهو كافر.
                            أخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي جميل (جميلة ط) عن أبان بن تغلب قال قال لي ابوعبدالله عليه السلام: يا أبان أترى ان الله عزوجل طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول: " وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكوة وهم بالآخرة هم كافرون " قلت له: كيف ذلك جعلت فداك فسره لي؟ فقال ويل للمشركين الذين أشركوا بالامام الاول وهم بالائمة الآخرين كافرون، يا أبان إنما دعا الله العباد إلى الايمان به فاذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرايض.
                            قال علي بن ابراهيم ثم ذكر الله المؤمنين فقال: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) أي بلا من الله عليهم بما يأجرهم به ثم خاطب نبيه فقال قل لهم يا محمد (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين) ومعنى يومين أي وقتين ابتداء الخلق وانقضائه (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها) أي لا يزول ويبقى (في أربعة أيام سواء للسائلين) يعنى في اربعة اوقات وهي التي يخرج الله فيها اقوات العالم من الناس والبهائم والطير وحشرات الارض وما في البر والبحر من الخلق والثمار والنبات والشجر وما يكون فيه معاش الحيوان كله وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء، ففي الشتاء يرسل الله الرياح والامطار والانداء(1) والطلول من السماء فيلقح الارض والشجر وهو وقت بارد ثم يجئ من بعده الربيع وهو وقت معتدل حار وبارد فيخرج الشجر



                            ___________________________________
                            (1) جمع الندى: ما يسقط في الليل من بخار الماء.ج.ز.


                            [263]


                            ثماره والارض نباتها فيكون أخضر ضعيفا ثم يجئ من بعده وقت الصيف وهو حار فينضح الثمار ويصلب الحبوب التي هي أقوات العالم وجميع الحيوان ثم يجئ من بعده وقت الخريف فيطيبه ويبرده ولو كان الوقت كله شيئا واحدا لم يخرج النبات من الارض لانه لو كان الوقت كله ربيعا لم تنضج الثمار ولم تبلغ الحبوب ولو كان الوقت كله صيفا لاحترق كل شئ في الارض ولم يكن للحيوان معاش ولا قوت، ولو كان الوقت كله خريفا ولم يتقدمه شئ من هذه الاوقات لم يكن شئ يتقوت به العالم، فجعل الله هذه الاقوات في هذه الاربعة الاوقات في الشتاء والربيع والصيف والخريف وقام به العالم واستوى وبقي وسمى الله هذه الاوقات أياما سواء للسائلين يعنى المحتاجين لان كل محتاج سائل وفي العالم من خلق الله من لا يسأل ولا يقدر عليه من الحيوان كثير فهم سائلون وان لم يسألوا.
                            وقوله: (ثم استوى إلى السماء) أي دبر وخلق وقد سئل أبوالحسن الرضا عليه السلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الانس فقال السماوات والارض في قوله: (إئتيا طوعا او كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن) أي فخلقهن (سبع سموات في يومين) يعنى في وقتين ابتداء‌ا وانقضاء‌ا (وأوحى في كل سماء امرها) فهذا وحي تقدير وتدبير (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) يعني بالنجوم (وحفظا) يعني من الشيطان ان يخرق السماء وقوله: (فان اعرضوا) يا محمد (فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) وهم قريش وهو معطوف على قوله فأعرض اكثرهم فهم لا يسمعون ! وقوله: (إذ جاء‌تهم الرسل من بين ايديهم) يعني نوحا وابراهيم وموسى وعيسى والنبيين (ومن خلفهم) انت فقالوا: (لو شاء ربنا لانزل ملائكة لم يبعث بشرا مثلنا (فانا بما ارسلتم به كافرون) وفي رواية ابي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (فارسلنا عليهم ريحا صرصرا) والصرصر الريح الباردة (في أيام نحسات) أي ايام مياشيم وقوله: (واما ثمود


                            [264]


                            فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) ولم يقل استحب الله كما زعمت المجبرة ان الافعال احدثها الله لنا (فاخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) يعني ما فعلوه وقوله: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) أي يجيئون من كل ناحية وقوله: (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) فانها نزلت في قوم يعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا منها شيئا، فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم اعمالهم، فقال الصادق عليه السلام فيقولون لله: يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا وهو قول الله: " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم " وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين (ع) فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرم الله وتشهد اليدان بما أخذتا وتشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله ويشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله ثم انطق الله ألسنتهم (وقالوا) هم (لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شئ وهو خلقكم اول مرة واليه ترجعون وما كنتم تسترون) اي من الله (ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم) والجلود الفروج (ولكن ظننتم ان الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فاصبحتم من الخاسرين).
                            قال: فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن عبدالرحمن بن الحجاج قال قلت لابي عبدالله (ع) حديث يرويه الناس فيمن يؤمر به آخر الناس إلى النار فقال: أما انه ليس كما يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن آخر عبد يؤمر به إلى النار فاذا امر به التفت فيقول الجبار ردوه فيردونه فيقول له: لم التفت إلي؟ فيقول: يا رب لم يكن ظني بك هذا فيقول: وما كان ظنك بي؟ فيقول يا رب كان ظني بك ان تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك قال فيقول الجبار يا ملائكتي


                            [265]


                            لا وعزتى وجلالي وآلائي وعلوي وارتفاع مكاني ما ظن بي عبدي ساعة من خير قط ولو ظن بي ساعة من خير ما روعته بالنار اجيزوا له كذبه فادخلوه الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من عبد يظن بالله خيرا إلا كان عند ظنه به وذلك قوله " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فاصبحتم من الخاسرين " قوله: (فان يصبروا فالنار مثوى لهم) يعني يخسروا ويخسؤا (وان يستعتبوا فما هم من المعتبين) أي لا يجابوا إلى ذلك قوله (وقيضنا لهم قرناء) يعنى الشياطين من الجن والانس الاردياء (فزينوا لهم ما بين ايديهم) اي ما كانوا يفعلون (وما خلفهم) أي ما يقال لهم انه يكون خلفكم كله باطل وكذب (وحق عليهم القول) والعذاب وقوله (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) أي تصيرونه سخرية ولغوا وقوله (وقال الذين كفروا ربنا ارنا اللذين أضلانا من الجن والانس) قال العالم عليه السلام من الجن إبليس الذي دبر على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في دار الندوة وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فلان فبايعه ومن الانس فلان (نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الاسفلين) ثم ذكر المؤمنين من شعية امير المؤمنين عليه السلام فقال (ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) قال على ولاية امير المؤمنين عليه السلام قوله (تتنزل عليهم الملائكة) قال عند الموت (ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اوليائكم في الحيوة الدنيا) قال: كنا نحرسكم من الشياطين (وفي الآ؟؟؟؟ أي عند الموت (ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون) يعنى في الجنة (نزلا من غفور رحيم).
                            قال حدثنى ابي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال ما يموت موال لنا مبغض لاعدائنا إلا ويحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام فيسروه ويبشروه، وإن كان غير موال لنا يراهم


                            [266]


                            بحيث يسوؤه، والدليل على ذلك قول امير المؤمنين عليه السلام لحارث الهمداني: يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن او منافق قبلا. ثم أدب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن) قال ادفع سيئة من أساء اليك بحسنتك حتى يكون الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ثم قال (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم واما ينزغنك من الشيطان نزغ) أي ان عرض بقلبك نزغ من الشيطان (فاستعذ بالله) والمخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله والمعنى للناس ثم احتج على الدهرية فقال (ومن آياته انك ترى الارض خاشعة) أي ساكنة هامدة (ان الذين يلحدون في آياتنا) يعنى ينكرون (لا يخفون علينا) ثم استفهم عزوجل على المجاز فقال (أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير).
                            وقوله (ان الذين كفروا بالذكر) يعنى بالقرآن ثم قال (ولو جعلناه قرآنا اعجميا لقالوا لولا فصلت آياته اعجمي وعربي) قال لو كان هذا القرآن اعجميا لقالوا لولا انزل بالعربية فقال الله (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) أي تبيان (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) اي صمم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (ان الذين كفروا بالذكر لما جاء‌هم) يعنى القرآن الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه) قال لا يأتيه الباطل من قبل التوراة ولا من قبل الانجيل والزبور واما من خلفه لا يأتيه من بعده كتاب يبطله وقوله (لولا فصلت آياته أعجمي وعربي) قال لو كان هذا القرآن اعجميا لقالوا كيف نتعلمه ولساننا عربي وآتيتنا بقرآن اعجمي فاحب الله ان ينزله بلسانهم وقد قال الله عزوجل وما ارسلنا من رسول إلا بلسان قومه.
                            وقال علي بن ابراهيم في قوله (ويوم يناديهم اين شركائى) يعني ما كانوا يعبدون من دون الله (قالوا آذناك) اي اعلمناك (ما منا من شهيد وضل عنهم


                            [267]


                            ما كانوا يدعون من قبل - إلى قوله - وظنوا ما لهم من محيص) أي علموا انه لا محيص لهم ولا ملجأ ولا مفر وقوله: (لا يسأم الانسان من دعاء الخير) أي لا يمل ولا يعيى ان يدعو لنفسه بالخير (وإن مسه الشر فيؤس قنوط) أي يائس من روح الله وفرجه، ثم قال: (وإذا أنعمنا على الانسان أعرض وناء بجابنه) أي يتبختر ويتعظم ويستحقر من هو دونه (وإذا مسه الشر) أي الفقر والمرض والشدة (فذو دعاء عريض) أي يكثر الدعاء وقوله: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) فمعنى في الآفاق الكسوف والزلازل وما يعرض في السماء من الآيات، واما في انفسهم فمرة بالجوع ومرة بالعطش ومرة يشبع ومرة يروى ومرة يمرض ومرة يصح ومرة يستغنى ومرة يفتقر ومرة يرضى ومرة يغضب ومرة يخاف ومرة يأمن فهذا من عظيم دلالة الله على التوحيد قال الشاعر:
                            وفي كل شئ له آية *** تدل على انه واحد
                            ثم ارهب عباده بلطيف عظمته فقال: (أولم يكف بربك - يا محمد - انه على كل شئ شهيد) ثم قال (ألا انهم في مرية) اي في شك (من لقاء ربهم ألا انه) كناية عن الله (بكل شئ محيط).



                            Comment

                            • راية اليماني
                              مشرف
                              • 05-04-2013
                              • 3021

                              #44
                              رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                              سورة الشورى


                              مكية آياتها ثلاث وخمسون


                              (بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم حم عسق) هو حروف من اسم الله الاعظم المقطوع يؤلفه رسول الله صلى الله عليه وآله او الامام (ع) فيكون الاسم الاعظم الذي إذا دعا الله به اجاب ثم قال: (كذلك يوحي اليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) حدثنا احمد بن علي واحمد بن إدريس قالا: حدثنا محمد بن


                              [268]


                              احمد العلوي عن العمركي عن محمد بن جمهور قال: حدثنا سليمان بن سماعة عن عبدالله بن القاسم عن يحيى بن مسيرة (ميسرة ط) الخثعمي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول حم عسق اعداد سني القائم وقاف جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر فخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم كل شئ في عسق.
                              وقال علي بن ابراهيم في قوله: (تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض) قال للمؤمنين من الشيعة التوابين خاصة، ولفظ الآية عامة ومعناه خاص وقوله: (وكذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها) قال: ام القرى مكة سميت أم القرى لانها أول بقعة خلقها الله من الارض لقوله " ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " وفي رواية ابي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يتفطرن من فوقهن) أي يتصدعن وقوله (لتنذر أم القرى) مكة (ومن حولها) سائر الارض وقوله (وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) قال: فانه حدثني الحسين بن عبدالله السكيني عن ابي سعيد البجلي (النحلى ط) عن عبدالملك بن هارون عن أبي عبدالله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: لما بلغ امير المؤمنين عليه السلام امر معاوية وانه في مائة الف قال من أي القوم؟ قالوا من اهل الشام، قال عليه السلام لا تقولوا من اهل الشام ولكن قولوا من اهل الشوم هم من أبناء مضر لعنوا على لسان داود فجعل الله منهم القردة والخنازير، ثم كتب عليه السلام إلى معاوية: لا تقتل الناس بيني وبينك وهلم إلى المبارزة فان أنا قتلتك فالى النار انت وتستريح الناس منك ومن ضلالتك وان قتلتني فأنا إلى الجنة ويغمد عنك السيف الذي لا يسعني غمده حتى أرد مكرك وبدعتك، وأنا الذي ذكر الله اسمه في التوراة والانجيل بمؤازرة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الشجرة في قوله: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ".


                              [269]


                              فلما قرأ معاوية كتابه وعنده جلساؤه قالوا: والله قد أنصفك، فقال معاوية والله ما أنصفني والله لارمينه بمائة الف سيف من أهل الشام من قبل ان يصل إلي، ووالله ما أنا من رجاله، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول والله يا علي لو بارزك اهل الشرق والغرب لقتلتهم اجمعين، فقال له رجل من القوم فما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم وتخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله بما تخبر؟ ما انت ونحن في قتاله إلا على الضلالة ! فقال معاوية: إنما هذا بلاغ من الله ورسالاته والله ما أستطيع أنا وأصحابي رد ذلك حتى يكون ما هو كائن.
                              قال: وبلغ ذلك ملك الروم واخبر ان رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا؟ فقيل له رجل بالكوفة ورجل بالشام، قال: فلمن الملك الآن فأمر وزراء‌ه فقالوا تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي، فاتي برجلين من تجار الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم عن صفتهما فوصفوهما له ثم قال لخزان بيوت خزاينه اخرجوا إلي الاصنام فاخرجوها فنظر اليها، فقال: الشامى ضال والكوفي هاد، ثم كتب إلى معاوية ان ابعث إلي اعلم اهل بيتك وكتب إلى امير المؤمنين عليه السلام ان ابعث إلي اعلم اهل بيتك، فاسمع منهما ثم انظر في الانجيل كتابنا ثم اخبركما من أحق بهذا الامر وخشي على ملكه، فبعث معاوية يزيد ابنه وبعث أمير المؤمنين الحسن ابنه عليهما السلام فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده وقبلها ثم قبل رأسه ثم دخل عليه الحسن بن علي عليهما السلام فقال: الحمد الله الذي لم يجعلني يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا ولا عابدا للشمس والقمر ولا الصنم ولا البقر وجعلني حنيفا مسلما ولم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين، ثم جلس لا يرفع بصره، فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين اخرجهما ثم فرق بينهما ثم بعث إلى يزيد فاحضره ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقا فيها تماثيل الانبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل


                              [270]


                              فاخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثم عرض عليه صنما صنما فلا يعرف منها شيئا ولا يجيب منها بشئ ثم سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟ وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا؟ فلم يعرف من ذلك شيئا ثم دعا الملك الحسن بن علي عليهما السلام فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم انك تعلم ما لا يعلم ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه فقد وصف لي أبوك وأبوه ونظرت في الانجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والوزير عليا عليه السلام فنظرت في الاوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.
                              فقال له الحسن: سلني عما بدا لك مما تجده في الانجيل وعما في التوراة وعما في القرآن اخبرك به إن شاء الله تعالى، فدعا الملك بالاصنام فأول صنم عرض عليه في صورة القمر فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة آدم ابوالبشر ثم عرض عليه اخرى في صفة الشمس فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة حواء ام البشر ثم عرض عليه آخر في صورة حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان اول من بعث وبلغ مرة في الدنيا الف سنة واربعين عاما، ثم عرض عليه اخرى فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة كان عمره الفا وأربعمائة سنة ولبث في قومه الف سنة إلا خمسين عاما، ثم عرض عليه آخر فقال: هذه صفة ابراهيم عريض الصدر طويل الجبهة ثم عرض عليه صنما آخر فقال: هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره مائتين واربعين سنة وكان بينه وبين ابراهيم خمسمائة عام(1) ثم اخرج اليه صنما آخر فقال: هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب ثم اخرج اليه صنما آخر فقال: هذه صفة اسماعيل ثم اخرج اليه صنما آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن اسحاق ابن ابراهيم ثم اخرج اليه صنما آخر فقال: هذه صفة داود صاحب المحراب (الحرب ط) ثم اخرج اليه صنما آخر فقال: هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن مريم روح الله وكلمته وكان عمره في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة ثم رفعه الله إلى



                              ___________________________________
                              (1) وفى ط ذكر موسى بعد يوسف وهو اقرب.ج.ز.


                              [271]


                              السماء ويهبط إلى الارض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال.
                              ثم عرض عليه صنما صنما فيخبر باسم نبي نبي ثم عرض عليه الاوصياء والوزراء فكان يخبر باسم وصي وصي ووزير وزير ثم عرض عليه أصناما بصفة الملوك فقال الحسن عليه السلام: هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان فلعلها من صفة الملوك فقال الملك: أشهد عليكم يا أهل بيت محمد انكم قد اعطيتم علم الاولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم وألواح موسى عليه السلام ثم عرض عليه صنما يلوح، فلما نظر اليه بكى بكاء‌ا شديدا، فقال له الملك ما يبكيك؟ فقال: هذه صفة جدي محمد صلى الله عليه وآله كثيف اللحية عريض الصدر طويل العنق عريض الجبهة، أقنى الانف، أفلج الاسنان حسن الوجه قطط الشعر طيب الريح حسن الكلام فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بلغ عمره ثلاثا وستين سنة ولم يخلف بعده إلا خاتما مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يتختم بيمينه وخلف سيفه ذا الفقار وقضيبه وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به، لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله ! فقال الملك: إنا نجد في الانجيل انه يكون له ما يتصدق به على سبطيه فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فقال الملك فبقى لكم ذلك؟ فقال لا، فقال الملك اول فتنة هذه الامة غلبا اباكما - وهما الاول والثانى - على ملك نبيكم، واختيار هذه الامة على ذرية نبيهم، منكم القائم بالحق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
                              قال: ثم سأل الملك الحسن (ع) عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم، فقال الحسن (ع) اول هذه آدم ثم حواء ثم كبش ابراهيم ثم ناقة صالح ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن، قال: ثم سأله عن أرزاق الخلائق، فقال الحسن (ع): أرزاق الخلائق في السماء الرابعة ينزل بقدر ويبسط بقدر ثم سأله عن ارواح المؤمنين اين تكون إذا ماتوا؟ قال:


                              [272]


                              تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة وهو عرش الله الادنى منها بسط الله الارض واليها يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء أي استولى على السماء والملائكة، ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع؟ قال: تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ويزلف الميعاد وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارضين السابعة وفيها الفلق والسجين فتفرق الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله " فريق في الجنة وفريق في السعير " فلما اخبر الحسن (ع) بصفة ما عرض عليه من الاصنام وتفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال: أشعرت ان ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي مؤازر قد اكرمه الله بمؤازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى وغيره فقد طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته وهواه على دينه وهو من الظالمين.
                              قال: فسكت يزيد وخمد قال: فاحسن الملك جائزة الحسن واكره وقال له: ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك فان حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك وأظنه سما مرديا وعذابا أليما، قال: فرجع يزيد إلى معاوية.
                              وكتب اليه الملك انه من آتاه الله العلم بعد نبيه وحكم التوراة وما فيها والانجيل وما فيه والزبور وما فيه والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له وكتب إلى علي (ع) ان الحق والخلافة لك وبيت النبوة فيك وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك فان من قاتلك نجده في الانجيل ان عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وعليه لعنة أهل السماوات والارضين.
                              واما قوله: (ولو شاء الله لجعلهم امة واحدة) قال: ولو شاء ان يجعلهم كلهم معصومين مثل ملائكة بلا طباع لقدر عليه (ولكن يدخل من يشاء في


                              [273]


                              رحمته الظالمون) آل محمد حقهم (مالهم من ولي ولا نصير) وقوله: (وما اختلفتم فيه من شئ) من المذاهب واخترتم لانفسكم من الاديان فحكم ذلك كله (إلى الله) يوم القيامة وقوله (جعل لكم من أنفسكم ازواجا) يعني النساء (ومن الانعام ارواجا) يعني ذكرا وأنثى (يذرؤكم فيه) يعنى النسل الذي يكون من الذكور والاناث ثم رد الله على من وصف الله فقال: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وقوله: (شرع لكم في الدين) مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وآله (وما وصى به نوحا والذي أوحينا اليك - يا محمد - وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين) أي تعلموا الدين يعني التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والسنن والاحكام التي في الكتب والاقرار بولاية أمير المؤمنين عليه السلام (ولا تفرقوا فيه) أي لا تختلفوا فيه (كبر على المشركين ما تدعوهم اليه) من ذكر هذه الشرائع ثم قال (الله يجتبى اليه من يشاء) أي يختار (ويهدي اليه من ينيب) وهم الائمة الذين اجتباهم الله واختارهم قال (وما تفرقوا إلا من بعدما جاء‌هم العلم بغيا بينهم) قال لم يتفرقوا بجهل ولكنهم تفرقوا لما جاء‌هم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا وبغى بعضهم على بعض لما رأوا من تفاضل أمير المؤمنين عليه السلام بامر الله فتفرقوا في المذاهب وأخذوا بالآراء والاهواء ثم قال عزوجل: (ولو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم) قال: لو لا ان الله قد قدر ذلك ان يكون في التقدير الاول لقضي بينهم إذا اختلفوا وأهلكهم ولم ينظرهم ولكن أخرهم إلى أجل مسمى مقدر (وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) كناية عن الذين نقضوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: (فلذلك فادع) يعني لهذه الامور والدين الذى تقدم ذكره وموالاة امير المؤمنين عليه السلام (واستقم كما امرت).
                              قال: فحدثني ابي عن علي بن مهزيار عن بعض أصحابنا عن ابي عبدالله عليه السلام


                              [274]


                              في قول الله: (أن اقيموا الدين) قال الامام (ولا تتفرقوا فيه) كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال: (كبر على المشركين ما تدعوهم اليه) من امر ولاية علي عليه السلام (الله يجتبي اليه من يشاء) كناية عن علي عليه السلام (ويهدي اليه من ينيب) ثم قال: (فلذلك فادع واستقم كما امرت) يعني إلى امير المؤمنين عليه السلام (ولا تتبع أهواء‌هم) فيه (وقل آمنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم - إلى قوله - واليه المصير) ثم قال عزوجل (الذين يحاجون في الله) أي يحتجون على الله بعدما شاء الله ان يبعث اليهم الرسل والكتب فبعث الله اليهم الرسل والكتب فغيروا وبدلوا ثم يحتجون يوم القيامة على الله (فحجتهم داحضة) أي باطلة (عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد) ثم قال (الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان) قال الميزان امير المؤمنين عليه السلام والدليل على ذلك قوله في سورة الرحمن (والسماء رفعها ووضع الميزان) قال يعني الامام، وقوله (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) كناية عن القيامة فانهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وآله أقم لنا الساعة وائتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين فقال الله: (ألا ان الذين يمارون في الساعة) أي يخاصمون وقوله: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) يعني ثواب الآخرة (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب) قال: حدثني أبي عن بكير (بكر ط) بن محمد الازدي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: المال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لاقوام وقوله: (ولو لا كلمة الفصل لقضي بينهم) قال الكلمة الامام والدليل على ذلك قوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) يعني الامامة ثم قال (وان الظالمين) يعني الذين ظلموا هذه الكلمة (لهم عذاب اليم) ثم قال (ترى الظالمين) يعني الذين ظلموا آل محمد حقهم (مشفقين مما كسبوا) أي خائفين مما ارتكبوا وعملوا (وهو واقع بهم) أي ما يخافونه ثم ذكر الله الذين


                              [275]


                              آمنوا بالكلمة واتبعوها فقال: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات - إلى قوله - يبشر الله عباده الذين آمنوا) بهذه الكلمة (وعملوا الصالحات) مما امروا به.
                              ثم قال: (قل لهم - يا محمد - لا أسألكم عليه أجرا) يعني على النبوة (إلا المودة في القربى) قال: حدثني أبي عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قول الله " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " يعني في أهل بيته قال: جاء‌ت الانصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: إنا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك فانزل الله " قل لا أسألكم عليه أجرا " يعني على النبوة " إلا المودة في القربى " يعني في أهل بيته ثم قال: ألا ترى ان الرجل يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شئ على أهل بيته فلا يسلم صدره فاراد الله أن لا يكون في نفس رسول الله شئ على أهل بيته (امته ط) ففرض عليهم المودة في القربى فان اخذوا اخذوا مفروضا وان تركوا تركوا مفروضا، قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول عرضنا عليه أموالنا فقال: قاتلوا عن اهل بيتي من بعدي، وقالت طائفة ما قال هذا رسول الله وجحدوه وقالوا كما حكى الله (أم يقولون افترى على الله كذبا) فقال الله (فان يشاء الله يختم على قلبك) قال لو افتريت (ويمحو الله الباطل) يعني يبطله (ويحق الحق بكلماته) يعنى بالنبي وبالائمة والقائم من آل محمد (انه عليم بذات الصدور) ثم قال: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده - إلى قوله - ويزيدهم من فضله) يعنى الذين قالوا القول " ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله " ثم قال (والكافرون لهم عذاب شديد) وقال ايضا: قل لا أسألكم عليه اجرا إلا المودة في القربى قال: اجر النبوة ان لا تؤذوهم ولا تقطعوهم ولا تغصبوهم وتصلوهم ولا تنقضوا العهد فيهم لقوله تعالى " والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل " قال: جاء‌ت الانصار إلى رسول الله


                              [276]


                              صلى الله عليه وآله فقالوا: إنا قد نصرنا وفعلنا فخذ من أموالنا ما شئت فانزل الله " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " يعنى في اهل بيته ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك: من حبس أحيرا اجره فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وهو محبة آل محمد ثم قال (ومن يقترف حسنة وهي إقرار الامامة لهم والاحسان اليهم وبرهم وصلتهم (نزد له فيها حسنا) أي نكافئ على ذلك بالاحسان وقوله (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض) قال الصادق عليه السلام: لو فعل لفعلوا ولكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى بعض واستعبدهم بذلك ولو جعلهم كلهم أغنياء لبغوا في الارض (ولكن ينزل بقدر ما يشاء) مما يعلم انه يصلحهم في دينهم ودنياهم (انه بعباده خبير بصير) وقوله: (وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا) أي يئسوا (وينشر رحمته وهو الولي الحميد) قال: حدثني أبي عن العرزمي ط (العزرمي م) عن ابيه عن ابي إسحاق عن الحارث الاعور عن امير المؤمنين عليه السلام قال: سئل عن السحاب أين يكون؟ قال: يكون على شجر كثيف على ساحل البحر يأوي اليه فاذا أراد الله ان يرسل ارسل ريحا فأثاره ووكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق فيرتفع.
                              وقوله (وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) قال فانه حدثنى ابي عن ابن ابي عمير عن منصور بن يونس عن ابي حمزة عن الاصبغ ابن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام قال سمعته يقول: إني احدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم ان يعيه، ثم اقبل علينا فقال: ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا إلا كان الله أحلم وأمجد وأجود من ان يعود في عقابه يوم القيامة وما ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان الله أمجد وأجود واكرم من ان يعود في عقوبته يوم القيامة، ثم قال (ع): وقد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه او ماله او ولده او اهله ثم تلا هذه الآية " وما اصابكم من مصيبة...الخ "


                              [277]


                              وحتى بيده ثلاث مرات، قال: فحدثنى ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن قول الله عزوجل " وما اصابكم من مصيبة...الخ " قال: أرأيت ما اصاب عليا واهل بيته هو بما كسبت ايديهم؟ وهم اهل الطهارة معصومون ! قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ان الله يخص اولياء‌ه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب، قال الصادق (ع): لما ادخل علي بن الحسين (ع) على يزيد نظر اليه ثم قال: يا علي بن الحسين وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ! فقال علي بن الحسين عليهما السلام كلا ! ما فينا هذه نزلت وإنما نزلت فينا " ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " فنحن الذين لا نأسوا على ما فاتنا من امر الدنيا ولا نفرح بما اوتينا وقوله: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) قال ابوجعفر (ع): من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشى الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة قال: ومن ملك نفسه إذا رغب واذا رهب وإذا غضب حرم الله جسده على النار وقوله: (والذين استجابوا لربهم) قال: في إقامة الامام (وأقاموا الصلوة وامرهم شورى بينهم) اي يقبلون ما امروا به ويشاورون الامام فيما يحتاجون اليه من امر دينهم كما قال الله "ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم".
                              واما قوله: (والذين إذا اصابهم البغي هم ينتصرون) يعنى إذا بغي عليهم ينتصرون وهي الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار إن شاء فعل وإن شاء ترك ثم جزى ذلك فقال (وجزاء سيئة سيئة مثلها) أي لا تعتدي ولا تجازي باكثر مما فعل بك ثم قال (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) ثم قال (وترى الظالمين) آل محمد حقهم (لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل) اي إلى الدنيا


                              [278]


                              حدثنا جعفر بن احمد قال: حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر (ع) قال سمعته يقول: (ولمن انتصر بعد ظلمه) يعنى القائم (ع) واصحابه (فاولئك ما عليهم من سبيل) والقائم إذا قام انتصر(1) من بنى امية ومن المكذبين والنصاب هو واصحابه وهو قول الله (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب اليم) وقوله (ترى الظالمين) آل محمد حقهم (لما رأوا العذاب) وعلي (ع) هو العذاب في هذا الوجه(2) (يقولون هل إلى مرد من سبيل) فنوالي عليا (ع) (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل) لعلي (ينظرون) إلى علي (من طرف خفي وقال الذين آمنوا) يعنى آل محمد وشيعتهم (ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة الا ان الظالمين) آل محمد حقهم (في عذاب مقيم) قال: والله يعنى النصاب الذين نصبوا العداوة لعلي وذريته عليهم السلام والمكذبين (وما كان لهم من اولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (يهب لمن يشاء اناثا) اي ليس معهن ذكر (ويهب لمن يشاء الذكور) يعنى ليس معهم انثى (او يزوجهم ذكرانا واناثا) جميعا يجمع له البنين والبنات أي يهبهم جميعا لواحد.
                              وقال علي بن ابراهيم في قوله (لله ملك السموات والارض يخلق ما يشاء - إلى قوله - ويجعل من يشاء عقيما) قال: فحدثنى ابي عن المحمودي ومحمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن اسماعيل الرازي عن محمد بن سعيد ان يحيى بن اكثم



                              ___________________________________
                              (1) أي انتقم منهم.
                              (2) أي هو وجه العذاب.ج.ز.


                              [279]


                              سأل موسى بن محمد عن مسائل وفيها اخبرنا عن قول الله " او يزوجهم ذكرانا واناثا " فهل يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك فسأل موسى اخاه ابا الحسن العسكري (ع) وكان من جواب ابي الحسن اما قوله " او يزوجهم ذكرانا واناثا " فان الله تبارك وتعالى يزوج ذكران المطيعين اناثا من الحور العين واناث المطيعات من الانس من ذكران المطيعين(1) ومعاذ الله ان يكون الجليل عنى ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة لارتكاب المآثم قال: فمن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إن لم يتب وقوله (وما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء) قال: وحي مشافهة ووحي إلهام وهو الذي يقع في القلب او من وراء حجاب كما كلم الله نبيه صلى الله عليه وآله وكما كلم الله موسى (ع) من النار او يرسل رسولا فيوحى باذنه ما يشاء قال وحي مشافهة يعني إلى الناس ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان) روح القدس هي التى قال الصادق (ع) في قوله " ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي " قال: هو ملك اعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة ثم كنى عن امير المؤمنين (ع) فقال: (ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) والدليل على ان النور أمير المؤمنين (ع) قوله عزوجل (واتبعوا النور الذي أنزل معه) الآية حدثنا جعفر بن احمد قال: حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم قال: حدثنا محمد بن



                              ___________________________________
                              (1) كأنه جواب تنزيلي يعنى إذا فرضنا كما فرض السائل من ان صيغة " يزوجهم " بمعنى الانكاح، يمكن اخذ المراد بطريق جائز كما بينه الامام عليه السلام وإلا ظاهر الآية ان التزويج فيها بمعنى التثني بقرينة ما سبق.
                              ج ز


                              [280]


                              علي عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة عن ابي جعفر (ع) في قول الله لنبيه صلى الله عليه وآله " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا " يعني عليا وعلي هو النور فقال (نهدي به من نشاء من عبادنا) يعني عليا عليه السلام به هدى من هدى من خلقه قال وقال الله لنبيه (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) يعني انك لتأمر بولاية علي وتدعو اليها وعلي هو الصراط المستقيم (صراط الله الذي له ما في السموات وما في الارض) يعني عليا انه جعله خازنه على ما في السموات وما في الارض من شئ وإئتمنه عليه (ألا إلى الله تصير الامور).
                              وقال علي بن ابراهيم في قوله: " وانك لتهدي إلى صراط مستقيم " أي تدعو إلى الامامة المستوية ثم قال: " صراط الله " أي حجة الله الذي له ما في السماوات وما في الارض " ألا إلى الله تصير الامور " حدثني محمد بن همام قال: حدثني سعد بن محمد عن عباد بن يعقوب عن عبدالله بن الهيثم عن صلت ابن الحرة قال كنت جالسا مع زيد بن علي (ع) فقرأ وانك لتهدي إلى صراط مستقيم قال: هدي الناس ورب الكعبة إلى علي (ع) ضل عنه من ضل واهتدى من اهتدى.

                              Comment

                              • راية اليماني
                                مشرف
                                • 05-04-2013
                                • 3021

                                #45
                                رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                                سورة الزخرف


                                مكية آياتها تسع وثمانون


                                (بسم الله الرحمن الرحيم حم والكتاب المبين) حم حرف من الاسم الاعظم والكتاب المبين يعني القرآن الواضح وقوله: (وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) يعني امير المؤمنين (ع) مكتوب في الحمد في قوله: اهدنا الصراط المستقيم قال أبوعبدالله (ع) هو أمير المؤمنين (ع) وقوله: (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) استفهام أي ندعكم مهملين لا نحتج عليكم برسول الله صلى الله عليه وآله أو


                                [281]


                                بامام او بحجج وقوله (وكم أرسلنا من نبي في الاولين وما يأتيهم من نبي - إلى قوله - أشد منهم) يعنى من قريش (بطشا ومضى مثل الاولين) وقوله (الذي جعل لكم الارض مهدا) أي مستقرا (وجعل لكم فيها سبلا) أي طرقا (لعلكم تهتدون) يعني كي تهتدوا ثم احتج على الدهرية فقال: (والذي نزل من السماء ماء بقدر فانشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون) وقوله: (وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون) هو معطوف على قوله " والانعام خلقها لكم فيها دف‌ء ومنافع ومنها تأكلون " وقوله: (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) قال: فانه حدثني أبي عن ابن فضال عن المفضل بن صالح عن سعيد بن ظريف (سعد بن طريف ط) عن الاصبغ بن نباتة قال: أمسكت لامير المؤمنين عليه السلام بالزكاب وهو يريد أن يركب فرفع رأسه ثم تبسم، فقلت له: يا أمير المؤمنين رأيتك رفعت رأسك ثم تبسمت؟ قال: نعم يا اصبغ أمسكت لرسول الله صلى الله عليه وآله كما أمسكت لي فرفع رأسه ثم تبسم فسألته عن تبسمه كما سألتني وسأخبرك كما اخبرني امسكت لرسول الله صلى الله عليه وآله بغلته الشهباء فرفع رأسه إلى السماء وتبسم فقلت: يا رسول الله رفعت رأسك إلى السماء وتبسمت لماذا؟ فقال: يا علي انه ليس من أحد يركب فيقرأ آية الكرسي ثم يقول: " أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه اللهم اغفر لي ذنوبي فانه لا يغفر الذنوب إلا انت " إلا قال السيد الكريم " يا ملائكتي عبدي يعلم انه لا يغفر الذنوب غيري اشهدوا اني قد غفرت له ذنوبه " وقوله: (وجعلوا له من عباده جزء‌ا) قال قالت قريش: إن الملائكة هم بنات الله ثم قال على حد الاستفهام (أم اتخذ مما يخلق بنات واصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) يعني إذا ولدت لهم البنات (ظل وجهه مسودا وهو كظيم) وهو معطوف على قوله (وجعلوا لله البنات) (سبحانه


                                [282]


                                ولهم ما يشتهون) وقال ايضا في قوله " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " قال حدثني أبي عن علي بن اسباط قال: حملت متاعا إلى مكة فكسد علي فجئت إلى المدينة فدخلت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام فقلت جعلت فداك اني قد حملت متاعا إلى مكة فكسد علي وقد أردت مصر فأركب بحرا أو برا؟ فقال: بمصر الحتوف وتفيض اليها أقصر الناس اعمارا قال النبي صلى الله عليه وآله: لا تغسلوا رؤسكم بطينها ولا تشربوا في فخارها فانه يورث الذلة ويذهب بالغيرة ثم قال لا، عليك ان تأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتصلي فيه ركعتين وتستخير الله مائة مرة ومرة فاذا عزمت على شئ وركبت البحر أو إذا استويت على راحلتك فقل: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، فانه ما ركب أحد ظهرا فقال: هذا وسقط إلا لم يصبه كسر ولا وثى(1) ولا وهن وان ركبت بحرا فقل حين تركب: بسم الله مجريها ومرسيها، فاذا ضربت بك الامواج فاتك على يسارك وأشر إلى الموج بيدك وقل: اسكن بسكينة الله وقر بقرار الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال علي بن اسباط: قد ركبت البحر فكان إذا هاج الموج قلت كما أمرني أبوالحسن عليه السلام فيتنفس(2) الموج ولا يصيبنا منه شئ، فقلت: جعلت فداك وما السكينة؟ قال: ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان طيبة وكانت مع الانبياء وتكون مع المؤمنين.
                                قوله (او من ينشؤا في الحلية) أي ينشؤا في الذهب (وهو في الخصام غير مبين) قال ان موسى عليه السلام أعطاه الله من القوة ان ارى فرعون صورته على فرس من ذهب رطب عليه ثياب من ذهب رطب، فقال فرعون او من ينشؤا في



                                ___________________________________
                                (1) وثى: كعلى الاوجاع.
                                (2) تنفس الموج: نضح الماء ج.ز



                                [283]


                                الحلية أي ينشؤا بالذهب وهو في الخصام غير مبين قال: لا يبين الكلام ولا يتبين من الناس ولو كان نبيا لكان بخلاف الناس قوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا) معطوف على ما قالت قريش إن الملائكة بنات الله في قوله: وجعلوا له من عباده جزء‌ا فرد الله عليهم فقال: (اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) وقوله (ان هم إلا يخرصون) أي يحتجون (يخمون ط) بلا علم وقوله (بل قالوا إنا وجدنا آباء‌نا على امة) أي على مذهب (وإنا على آثارهم مهتدون) ثم قال عزوجل (وإذ قال ابراهيم لابيه وقومه انني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني) أي خلقني (فانه سيهدين) أي سيبين لي ويثيب ثم ذكر الائمة عليهم السلام فقال (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) يعني فانهم يرجعون أي الائمة إلى الدنيا ثم حكى الله عزوجل قول قريش (وقالوا لولا نزل هذا القرآن) يعني هلا نزل هذا القرآن (على رجل من القريتين عظيم) وهو عروة بن مسعود والقريتين مكة والطايف، وكان جزاؤكم (جزاهم ط) ما تحتمل الذباب، وكان عم المغيرة ابن شعبة فرد الله عليهم فقال: (أهم يقسمون رحمة ربك) يعني النبوة والقرآن حين قالوا لم لم ينزل على عروة بن مسعود ثم قال الله (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) يعني في المال والبنين (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) فهذا من اعظم دلالة الله على التوحيد لانه خالف بين هيآتهم وتشابههم وإراداتهم وأهوائهم ليستعين بعضهم على بعض لان أحدا لا يقوم بنفسه لنفسه والملوك والخلفاء لا يستغنون عن الناس وبهذا قامت الدنيا والخلق المأمورون المنهيون المكلفون ولو احتاج كل إنسان ان يكون بناء‌ا لنفسه وخياطا لنفسه وحجاما لنفسه وجميع الصناعات التي يحتاج اليها لما قام العالم طرفة عين لانه لو طلب كل إنسان العلم ما قامت الدنيا ولكنه عزوجل خالف بينهم وبين هيآتهم وذلك من أعظم الدلالة على التوحيد.


                                [284]


                                وقوله: (ولولا ان يكون الناس أمة واحدة) أي على مذهب واحد (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون) قال: المعارج التي يظهرون بها (ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا) قال البيت المزخرف بالذهب فقال الصادق عليه السلام: لو فعل الله ذلك لما آمن أحد ولكنه جعل في المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء وجعل في الكافرين أغنياء وفي المؤمنين فقراء ثم امتحنهم بالامر والنهي والصبر والرضى قوله: (ومن يعش عن ذكر الرحمن) أي يعمى (نقيض له شيطانا فهو له قرين) وقوله (فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) قال فانه حدثني أبى عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن يحيى بن سعيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: فاما نذهبن بك يا محمد من مكة إلى المدينة فانا رادوك اليها ومنتقمون منهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام قوله (وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) قال: فانه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبى حمزة الثمالي عن ابي الربيع قال حججت مع أبي جعفر في السنة التي حج فيها هشام بن عبدالملك وكان معه نافع بن الازرق مولى عمر بن الخطاب فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال لهشام: يا أمير المؤمنين من هذا الذي تتكافأ عليه الناس؟ فقال هذا نبي أهل الكوفة هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقال نافع: لآتينه فلاسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي او وصي نبي او ابن وصى نبي، فقال هشام: فاذهب اليه فسله فلعلك أن تخجله، فجاء نافع واتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال يا محمد بن علي اني قد قرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت أسألك مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي او وصي نبي او ابن وصي نبي، فرفع اليه ابوجعفر عليه السلام رأسه فقال سل فقال اخبرني كم بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله من سنة فقال اخبرك


                                [285]


                                بقولي او بقولك قال اخبرني بالقولين جميعا فقال اما بقولي فخمسمائة سنة واما بقولك فستمائة سنة قال فاخبرني عن قول الله " وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " من ذا الذي سأل محمد وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة ! قال فتلا ابوجعفر عليه السلام هذه الآية " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا " فكان من الآيات التي أراها الله محمدا صلى الله عليه وآله حين أسرى به إلى بيت المقدس ان حشر الله الاولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم أمر جبرئيل فأذن شفعا وأقام شفعا ثم قال في إقامته حي على خير العمل ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله وصلى بالقوم فانزل الله عليه " وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " الآية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله على ما تشهدون وما كنتم تعبدون قالوا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسول الله صلى الله عليه وآله اخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا، قال نافع صدقت يا بن رسول الله يا ابا جعفر انتم والله أوصياء رسول الله وخلفاؤه في التوراة وأسماؤكم في الانجيل وفي الزبور وفي القرآن وانتم احق بالامر من غيركم.
                                ثم حكى قول فرعون واصحابه لموسى عليه السلام فقال (وقالوا يا ايها الساحر) أي يا ايها العالم (ادع لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون) ثم قال فرعون: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) يعني موسى (ولا يكاد يبين) فقال لم يبين الكلام ثم قال (فلولا ألقي عليه اسورة) أي هلا ألقي عليه اسورة (من ذهب او جاء معه الملائكة مقترنين) يعني مقارنين (فاستخف قومه) فلما دعاهم (اطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا - إلى عصونا - انتقمنا منهم) لانه لا يأسف عزوجل كأسف الناس وقوله (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) قال فانه حدثني أبي عن وكيع عن الاعمش عن سلمة بن كهيل عن ابي صادق عن ابي الاعز عن


                                [286]


                                سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في اصحابه إذ قال انه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون هو الداخل، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال الرجل لبعض اصحابه أما يرضى محمد ان فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية افضل منه، فانزل الله في ذلك المجلس " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون " فحرفوها يصدون (وقالوا ء‌آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ان علي إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) فمحي اسمه عن هذا الموضع(1) ثم ذكر الله خطر امير المؤمنين عليه السلام وعظم شأنه عنده تعالى فقال (هذا صراط مستقيم) يعني امير المؤمنين (ع) وقوله (فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم) حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام قال: نزلت هاتان الآيتان هكذا، قول الله (حتى إذا جاء‌نا - يعني فلانا وفلانا - يقول أحدهما لصاحبه حين يراه يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين)(2) فقال الله لنبيه قل لفلان وفلان واتباعهما (لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم - آل محمد حقهم - انكم في العذاب مشتركون) ثم قال الله لنبيه (أفانت تسمع الصم او تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) يعنى من فلان ثم اوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله (فاستمسك بالذي اوحي اليك في علي انك على صراط مستقيم) يعني انك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم، حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عبدالرحمن بن كثير عن ابي عبدالله (ع) قال قلت له قوله: (وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون) فقال الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسؤلون



                                ___________________________________
                                (1) وفى المصحف: ان هو الا عبد انعمنا عليه(2) الزخرف الآية 38



                                [287]


                                (ولا يصدنكم الشيطان) يعنى فلانا لا يصدنك عن امير المؤمنين (انه لكم عدو مبين) قوله (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) يعنى الاصدقاء يعادي بعضهم بعضا، وقال الصادق (ع) ألا كل خلة كانت في الدنيا في غير الله فانها تصير عداوة يوم القيامة وقال امير المؤمنين (ع): وللظالم غدا بكفه (يكفيه عضة يديه ط) عضة وللرجل وشيك وللاخلاء ندامة إلا المتقين.
                                أخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب بن يعقوب عن ابي اسحاق عن الحارث عن علي (ع) قال في خليلين مؤمنين وخليلين كافرين ومؤمن غني ومؤمن فقير وكافر غني وكافر فقير، فاما الخليلان المؤمنان فتخالا حياتهما في طاعة الله وتباذلا عليها وتوادا عليها فمات أحدهما قبل صاحبه فاراه الله منزله في الجنة يشفع لصاحبه، فقال يا رب خليلي فلان كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها وينهاني عن معصيتك فثبته على ما ثبتني عليه من الهدى حتى تريه ما أريتني فيستجيب الله له حتى يلتقيا عند الله عزوجل فيقول كل واحد منهما لصاحبه جزاك الله من خليل خيرا كنت تأمرني بطاعة الله وتنهاني عن معصية الله، واما الكافران فتخالا بمعصية الله وتباذلا عليها وتوادا عليها فمات أحدهما قبل صاحبه فاراه الله تبارك وتعالى منزله في النار فقال يا رب فلان خليلي كان يأمرني بمعصيتك وينهاني عن طاعتك فثبته على ما ثبتني عليه من المعاصي حتى تريه ما اريتني من العذاب فيلتقيان عند الله يوم القيامة يقول كل واحد منهما لصاحبه جزاك الله من خليل شرا كنت تأمرني بمعصية الله وتنهاني عن طاعة الله قال ثم قرأ (ع) " الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " ويدعى بالمؤمن الغنى يوم القيامة إلى الحساب يقول الله تبارك وتعالى عبدي ! قال: لبيك يا رب قال ألم اجعلك سميعا وبصيرا وجعلت لك مالا كثيرا؟ قال: بلى يا رب، قال: فما أعددت للقائي؟ قال: آمنت بك وصدقت رسولك


                                [288]


                                وجاهدت في سبيلك، قال: فماذا فعلت فيما آتيتك؟ قال: انفقت في طاعتك، قال: ماذا اورثت في عقبك؟ قال: خلقتني وخلقتهم ورزقتني ورزقتهم وكنت قادرا على ان ترزقهم كما رزقتني فوكلت عقبي اليك، فيقول الله عزوجل صدقت اذهب فلو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا.
                                ثم يدعى بالمؤمن الفقير فيقول يا عبدى ! فيقول لبيك يا رب فيقول ماذا فعلت فيقول يا رب هديتنى لدينك وأنعمت علي وكففت عني ما لو بسطته لخشيت ان يشغلني عما خلقتنى له، فيقول الله عزوجل صدقت عبدي لو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا، ثم يدعى بالكافر الغني فيقول ما اعددت للقائي؟ فيعتل، فيقول: ماذا فعلت فيما آتيتك؟ فيقول ورثته عقبي فيقول من خلقك؟ فيقول انت فيقول من خلق عقبك؟ فيقول انت، فيقول: ألم أك قادرا على ان ارزق عقبك كما رزقتك؟ فان قال نسيت، هلك، وان قال لم أدر ما انت هلك، فيقول الله عزوجل لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا، قال ثم يدعى بالكافر الفقير فيقول يا بن آدم ما فعلت فيما أمرتك؟ فيقول: ابتليتني ببلاء الدنيا حتى أنسيتني ذكرك وشغلتني عما خلقتني له، فيقول له فهلا دعوتني فأرزقك وسألتني فأعطيك؟ فان قال يا رب نسيت هلك، وان قال: لم أدر ما انت هلك، فيقول له: لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا.
                                قال علي بن ابراهيم في قوله (الذين آمنوا بآياتنا) يعني بالائمة (وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة انتم وازواجكم تحبرون) اي تكرمون (يطاف عليهم بصحاف من ذهب واكواب) أي قصاع وأواني (وفيها ما تشتهيه الانفس - إلى قوله - منها تأكلون) فانه محكم، واخبرني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابن يسار عن ابي عبدالله (ع) قال: إن الرجل في الجنة يبقى على مائدته ايام الدنيا ويأكل في اكلة واحدة بمقدار ما اكله في الدنيا، ثم ذكر الله ما أعده لاعداء آل محمد فقال:


                                [289]


                                (ان المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبسلون) اي آيسون من الخير فذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: " واما اهل المعصية فخلدوا في النار، وأوثق منهم الاقدام، وغل منهم الايدي إلى الاعناق، وألبس اجسادهم سرابيل القطران وقطعت لهم مقطعات من النار، هم في عذاب قد اشتد حره ونار قد اطبق على أهلها، فلا يفتح عنهم أبدا، ولا يدخل عليهم ريح أبدا، ولا ينقضي منهم الغم أبدا والعذاب أبدا شديد والعقاب أبدا جديد، لا الدار زائلة فتفنى ولا آجال القوم تقضى ".
                                ثم حكى نداء اهل النار فقال ونادوا (يا مالك ليقض علينا ربك) قال اي نموت فيقول مالك (انكم ماكثون) ثم قال الله (لقد جئناكم بالحق) يعنى بولاية امير المؤمنين عليه السلام (ولكن اكثركم للحق كارهون) والدليل على ان الحق ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قوله: " وقل الحق من ربكم - يعني ولاية علي - فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين - آل محمد حقهم - نارا " ثم ذكر على أثر هذا خبرهم وما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردوا الامر في اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (أم ابرموا امرا فانا مبرمون - إلى قوله - لديهم يكتبون) وقوله (قل إن كان للرحمن ولد فانا اول العابدين) يعنى اول القائلين لله ان يكون له ولد وقوله (وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله) قال هو إله في السماء والارض، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن الحسين عن الحسن ابن محبوب عن علي بن رياب عن منصور عن أبي اسامة قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن قوله عزوجل " وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله " فنظرت والله اليه وقد لزم الارض وهو يقول: والله عزوجل الذي هو والله ربي في السماء إله وفي الارض إله وهو الله عزوجل.
                                وقال علي بن ابراهيم: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) قال:


                                [290]


                                هم الذين قد عبدوا في الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله (يا رب ان هؤلاء قوم لا يؤمنون) فقال الله: (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون).

                                سورة الدخان


                                مكية آياتها تسع وخمسون


                                (بسم الله الرحمن الرحيم حم والكتاب المبين إنا أنزلناه) يعني القرآن (في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) وهي ليلة القدر انزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله صلى الله عليه وآله في طول (ثلاث ط) عشرين سنة (فيها يفرق) في ليلة القدر (كل امر حكيم) أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البدا والمشية يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الآجال والارزاق والبلايا والاعراض والامراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويلقيه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الائمة عليهم السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه السلام، ويشترط له ما فيه البدا والمشية والتقديم والتأخير.
                                قال: حدثني بذلك أبي عن ابن ابي عمير عن عبدالله بن مسكان عن أبي جعفر وأبي عبدالله وأبي الحسن عليهم السلام، قال.
                                وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن يونس عن داود بن فرقد عن أبي المهاجر عن أبي جعفر عليه السلام قال.
                                يا ابا المهاجر ! لا تخفى علينا ليلة القدر ان الملائكة يطوفون بنا فيها ثم قال (بل هم في شك يلعبون) يعني في شك مما ذكرناه مما يكون في ليلة القدر وقوله (فارتقب) أي اصبر (يوم تأتي السماء بدخان مبين) قال: ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر (يغشى الناس كلهم) الظلمة فيقولون (هذا عذاب اليم ربنا اكشف عنا


                                [291]


                                العذاب إنا مؤمنون) فقال الله ردا عليهم (أنى لهم الذكرى) في ذلك اليوم (وقد جاء‌هم رسول مبين) أي رسول قد تبين لهم (ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون) قال قالوا ذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذه الغشي فقالوا هو مجنون ثم قال (انا كاشفوا العذاب قليلا انكم عائدون) يعني إلى يوم القيامة، ولو كان قوله " يوم تأتي السماء بدخان مبين " في القيامة لم يقل انكم عائدون لانه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون اليها ثم قال (يوم نبطش البطشة الكبرى) يعنى في القيامة (إنا منتقمون) وقوله (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون) أي اختبرناهم (وجاء‌هم رسول كريم ان أدوا إلى عباد الله) أي ما فرض الله من الصلاة والزكاة والصوم والحج والسنن والاحكام.
                                فاوحى الله اليه (فاسر بعبادي ليلا انكم متبعون) أي يتبعكم فرعون وجنوده (واترك البحر رهوا) أي جانبا وخذ على الطرف (انهم جند مغرقون) وقوله (ومقام كريم) أي حسن (ونعمة كانوا فيها فاكهين) قال: النعمة في الابدان وقوله: " فاكهين " أي مفاكهين للنساء (كذلك أورثناها قوما آخرين) يعني بني إسرائيل.
                                قوله: (فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين) قال: حدثنى أبي عن حنان بن سدير عن عبدالله بن الفضيل الهمداني عن ابيه عن جده عن امير المؤمنين عليه السلام قال: مر عليه رجل عدو لله ولرسوله، فقال: " وما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين " ثم مر عليه الحسين بن علي عليهما السلام فقال: لكن هذا ليبكين عليه السماء والارض، وقال: وما بكت السماء والارض إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما السلام، قال: حدثنى أبي عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي ابن الحسين عليه السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خده بواه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا وأيما مؤمن


                                [292]


                                دمعت عيناه دمعا حتى تسيل على خده لاذى مسنا من عدونا في الدنيا بواه الله مبوء صدق في الجنة، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل دمعه على خديه من مضاضة(1) ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الاذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار، قال: وحدثنى ابي عن بكر بن محمد عن ابي عبدالله عليه السلام قال: من ذكرنا او ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
                                وقوله: (ولقد نجينا بنى إسرائيل من العذاب المهين - إلى قوله - على العالمين) فلفظه عام ومعناه خاص وإنما اختارهم وفضلهم على عالمي زمانهم قوله: (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) قال: من والى غير أولياء الله لا يغني بعضهم عن بعض، ثم استثنى من والى آل محمد فقال (إلا من رحم الله انه هو العزيز الرحيم) ثم قال: (ان شجرة الزقوم طعام الاثيم) نزلت في أبي جهل وقوله: (كالمهل) قال المهل الصفر المذاب (يغلي في البطون كغلي الحميم) وهو الذي قد حمي وبلغ المنتهى ثم قال: (خذوه فاعتلوه) أي اضغطوه من كل جانب ثم انزلوا به (إلى سواء الجحيم) ثم يصب عليه ذلك الحميم ثم يقال له (ذق انك انت العزيز الكريم) فلفظه خبر ومعناه حكاية عمن يقول له ذلك وذلك ان أبا جهل كان يقول: أنا العزيز الكريم، فتعير بذلك في النار ثم وصف ما اعده الله للمتقين من شيعة امير المؤمنين (ع) فقال: (إن المتقين في مقام امين - إلى قوله - إلا الموتة الاولى) يعنى في الجنة غير الموتة التي في الدنيا (ووقاهم عذاب الجحيم - إلى قوله - فارتقب انهم مرتقبون) أي انتظر انهم منتظرون.
                                حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهيل عن عبد الغنى بن سعيد



                                ___________________________________
                                (1) أي الشدة.


                                [293]


                                عن موسى بن عبدالرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله (فانما يسرناه بلسانك) يريد ما يسر من نعمة الجنة وعذاب النار يا محمد (لعلهم يتذكرون) يريد لكي يتعظ المشركون (فارتقب انهم مرتقبون) تهديد من الله ووعيد وانتظر انهم منتظرون.


                                سورة الجاثية


                                مكية آياتها سبع وثلاثون


                                (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ان في السموات والارض لآيات للمؤمنين) وهي النجوم والشمس والقمر وفي الارض ما يخرج منها من أنواع النبات للناس والدواب (لآيات لقوم يعقلون) قوله: (وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) أي تجئ من كل جانب وربما كانت حارة وربما كانت باردة ومنها ما يسير السحاب ومنها ما يبسط الرزق في الارض ومنها ما يلقح الشجرة وقوله: (ويل لكل أفاك أثيم) اي كذاب (يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا) أي يصر على انه كذب ويستكبر على نفسه (كأن لم يسمعها) وقوله: (وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا) يعنى إذا رأى فوضع العلم مكان الرؤية وقوله: (هذا هدى) يعني القرآن هو تبيان قوله: (والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز اليم) قال: الشدة والسوء ثم قال: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك) أي السفن فيه ثم قال: (وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعا منه) يعني ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم والمطر وقوله: " وانزل من السماء ماء " هو المطر الذي يأتينا في وقته وحينه الذي ينفع به في الزروع وغيرها وقوله: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) قال يقول الائمة الحق لا تدعوا على ائمة الجور حتى يكون الله


                                [294]


                                الذي يعاقبهم في قوله: (ليجزي قوما بما كانوا يكسبون).
                                حدثنا ابوالقاسم قال: حدثنا محمد بن عباس قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، قال: حدثنا عمر بن رشيد عن داود بن كثير عن ابي عبدالله (ع) في قوله الله عزوجل (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) قال قل للذين مننا عليهم بمعرفتنا ان يغفروا للذين لا يعلمون فاذا عرفوهم فقد غفروا لهم، حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الغني بن سعيد قال: حدثنا موسى بن عبدالرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله: (من عمل صالحا فلنفسه) يريد المؤمنين (ومن أساء فعليها) يريد المنافقين والمشركين (ثم إلى ربكم ترجعون) يريد اليه تصيرون.
                                وقال علي بن ابراهيم في قوله (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها - إلى قوله - لن يغنوا عنك من الله شيئا) فهذا تأديب لرسول الله صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وقوله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: نزلت في قريش كلما هووا شيئا عبدوه (وأضله الله على علم) أي عذبه على علم منه فيما ارتكبوا من من امير المؤمنين عليه السلام وجرى ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لما فعلوه بأهوائهم وآرائهم وأزالوهم واما لوا الخلافة والامامة عن امير المومنين بعد اخذ الميثاق عليهم مرتين لامير المومنين وقوله (اتخذ إلهه هواه) نزلت في قريش وجرت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام واتخذوا إماما بأهوائهم والدليل على ذلك قوله: " ومن يقل منهم اني إله من دونه " قال من زعم انه إمام وليس بامام فمن اتخذ إماما ففضله على علي عليه السلام.
                                ثم عطف على الدهرية الذين قالوا لا نحيا بعد الموت فقال (وقالوا ما هي إلا حيوتنا الدنيا نموت ونحيا) وهذا مقدم ومؤخر لان الدهرية لم يقروا بالبعث


                                [295]


                                ولا النشور بعد الموت وإنما قالوا نحيا ونموت (وما يهلكنا إلا الدهر - إلى قوله - يظنون) فهذا ظن شك ونزلت هذه الآية في الدهرية وجرت في الذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بامير المؤمنين واهل بيته عليهم السلام وإنما كان إيمانهم إقرارا بلا تصديق خوفا من السيف ورغبة في المال، ثم حكى عزوجل قول الدهرية فقال (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا ان قالوا ائتوا بآبائنا ان كنتم صادقين) أي انكم تبعثون بعد الموت فقال الله (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه ولكن اكثر الناس لا يعلمون) وقوله (ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) الذين ابطلوا دين الله وقوله (وترى كل امة جاثية) أي على ركبها (كل امة تدعى إلى كتابها) قال إلى ما يجب عليهم من أعمالهم ثم قال: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) الآيتان محكمتان.
                                حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد الفزاري عن الحسن بن علي اللؤلؤي عن الحسن بن ايوب عن سليمان بن صالح عن رجل عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال قلت هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، قال له ان الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الناطق بالكتاب قال الله هذا بكتابنا ينطق عليكم بالحق، فقلت: إنا لا نقرأها هكذا فقال هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد ولكنه فيما حرف من كتاب الله، وقال علي بن ابراهيم في قوله (وقيل اليوم ننساكم) أي نترككم فهذا نسيان الترك (كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بانكم اتخذتم آيات الله هزوا) وهم الائمة أي كذبتموهم واستهزأتم بهم (فاليوم لا يخرجون منها) يعني من النار (ولا هم يستعتبون) أي لا يجاوبون ولا يقبلهم الله (فلله الحمد رب السموات ورب الارض رب العالمين وله الكبرياء) يعني القدرة (في السموات والارض وهو العزيز الحكيم).


                                سورة الاحقاف


                                مكية آياتها خمس وثلاثون


                                (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم - إلى قوله - والذين كفروا عما انذروا معرضون) يعني قريشا عما دعاهم اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو معطوف على قوله " فان أعرضوا فقل أنذرتكم - إلى قوله - عاد وثمود " ثم احتج الله عليهم فقال: قل لهم - يا محمد - (أرأيتم ما تدعون من دون الله) يعنى الاصنام التي كانوا يعبدونها (أروني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في السموات ايتوني بكتاب من قبل هذا او أثارة من علم إن كنتم صادقين) ثم قال: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيمة - إلى قوله - بعبادتهم كافرين) قال: من عبد الشمس والقمر والكواكب والبهائم والشجر والحجر إذا حشر الناس كانت هذه الاشياء لهم أعداء‌ا وكانوا بعبادتهم كافرين ثم قال: (أم يقولون - يا محمد - افتراه) يعني القرآن أي وضعه من عنده فقل لهم: (ان افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) ان أثابني او عاقبني على ذلك هو (أعلم بما تفيضون فيه) أي تكذبون (كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم) ثم قال: (قل - لهم يا محمد - ما كنت بدعا من الرسل) أي لم اكن واحدا من الرسل فقد كان قبلي أنبياء كثير وقوله (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به - إلى قوله - على مثله) قال قل إن كان القرآن من عند الله (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) قال: الشاهد(1) أمير المؤمنين (ع) والدليل عليه في سورة هود أفمن كان على



                                ___________________________________
                                (1) لعل مراده في غير هذه الآية والا لفظة " من بني إسرائيل " آبية عن هذا المعنى.ج.ز.


                                [297]


                                بينة من ربه ويتلوه شاهد منه يعنى امير المؤمنين (ع) وقوله: (ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال استقاموا على ولاية أمير المؤمنين (ع) وقوله (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) قال: الاحسان رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله (بوالديه) إنما عنى الحسن والحسين عليهما السلام ثم عطف على الحسين (ع) فقال: (حملته امه كرها ووضعته كرها) وذلك ان الله اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وبشره بالحسين (ع) قبل حمله وان الامامة تكون في ولده إلى يوم القيامة ثم اخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده ثم عوضه بان جعل الامامة في عقبه وأعلمه انه يقتل ثم يرده إلى الدنيا وينصره حتى يقتل اعداء‌ه ويملكه الارض وهو قوله " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض " الآية، قوله: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون " فبشر الله نبيه صلى الله عليه وآله ان اهل بيتك يملكون الارض ويرجعون إلى الدنيا ويقتلون اعداء‌هم واخبر رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام بخبر الحسين وقتله فحملته كرها، ثم قال ابوعبدالله (ع): فهل رأيتم احدا يبشر بولد ذكر فتحمله كرها أي انها اغتمت وكرهت لما اخبرها بقتله، ووضعته كرها لما علمت من ذلك وكان بين الحسن والحسين عليهما السلام طهر واحد وكان الحسين عليه السلام في بطن امه ستة اشهر وفصاله اربعة وعشرون شهرا وهو قول الله: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا.
                                وقوله: (والذي قال لوالديه اف لكما أتعداننى ان اخرج - إلى قوله - ما هذا إلا اساطير الاولين) قال نزلت في عبدالرحمن بن ابي بكر، حدثنى العباس ابن محمد قال حدثنى الحسن بن سهل باسناد رفعه إلى جابر بن يزيد عن جابر بن عبدالله قال: ثم اتبع الله جل ذكره مدح الحسين بن علي عليهما السلام بذم عبدالرحمن بن ابى بكر قال جابر بن يزيد نقلت هذا الحديث لابى جعفر (ع)


                                [298]


                                فقال ابوجعفر (ع يا جابر والله لو سبقت الدعوة من الحسين " وأصلح لي ذريتي " لكان ذريته كلهم أئمة ولكن سبقت الدعوة اصلح لي في ذريتي فمنهم الائمة (ع) واحد فواحد فثبت الله بهم حجته قال علي بن ابراهيم في قوله (ويوم يعرض الذين كفروا على النار اذهبتم طيباتكم في حيوتكم الدنيا واستمتعتم بها) قال اكلتم وشربتم ولبستم وركبتم وهي في بني فلان (فاليون تجزون عذاب الهون) قال العطش (بما كنتم تستكبرون في الارض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) وقوله (واذكر اخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف) والاحقاف بلاد عاد من الشقوق إلى الاجفر وهي اربعة منازل.
                                قال: حدثني أبى قال أمر المعتصم ان يحفر بالبطائية (البطانية ط) بئر فحفروا ثلاثمائة قامة فلم يظهر الماء فتركه ولم يحفره فلما ولى المتوكل أمر أن يحفر ذلك البئر أبدا حتى يبلغ الماء، فحفروا حتى وضعوا في كل مائة قامة بكرة حتى انتهوا إلى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت فخرج منها ريح باردة فمات من كان بقربها.
                                فاخبروا المتوكل بذلك فلم يعلم بذلك ما ذاك، فقالوا: سل ابن الرضا عن ذلك وهو ابوالحسن علي بن محمد عليهما السلام فكتب اليه يسأل عن ذلك؟ فقال ابوالحسن عليه السلام تلك بلاد الاحقاف وهم قوم عاد الذين اهلكهم الله بالريح الصرصر.
                                ثم حكى الله قوم عاد (قالوا أجئتنا لتأفكنا) أي تزيلنا بكذبك عما كان يعبد آباؤنا (فاتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من الصادقين) وكان نبيهم هود وكانت بلادهم كثيرة الخير خصبة.
                                فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى اجدبوا وذهب خيرهم من بلادهم، وكان هود يقول لهم ما حكى الله في سورة هود (استغفروا ربكم ثم توبوا اليه - إلى قوله - ولا تتولوا مجرمين) فلم يؤمنوا وعتوا فاوحى الله إلى هود انه يأتيهم العذاب في وقت كذا وكذا وريح فيها


                                [299]


                                عذاب اليم، فلما كان ذلك الوقت نظروا إلى سحاب قد أقبلت ففرحوا فقالوا: (هذا عارض ممطرنا) الساعة يمطر فقال لهم هود (بل هو ما استعجلتم به) في قوله إئتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بامر ربها) فلفظه عام ومعناه خاص لانها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها وإنما دمرت مالهم كله فكان كما قال الله (فاصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) وكل هذه الاخبار من هلاك الامم تخويف وتحذير لامة محمد صلى الله عليه وآله وقوله: (ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) أي قد اعطيناهم فكفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا ان ينزل بكم ما نزل بهم ثم خاطب الله قريشا فقال (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات) أي بينا وهي بلاد عاد وقوم صالح وقوم لوط ثم قال احتجاجا عليهم (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم) أي بطلوا (وذلك إفكهم) أي كذبهم (وما كانوا يفترون).
                                وقوله: (وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون - إلى قوله - اولئك في ضلال مبين) فهذا كله حكاية عن الجن وكان سبب نزول هذه الآية ان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من مكة إلى سوق عكاظ ومعه يزيد بن حارثة يدعو الناس إلى الاسلام فلم يجبه أحد ولم يجد من يقبله، ثم رجع إلى مكة فلما بلغ موضعا يقال له وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف الليل فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراء‌ة رسول الله صلى الله عليه وآله استمعوا له فلما سمعوا قراء‌ته قال بعضهم لبعض (انصتوا) يعني اسكتوا (فلما قضي) أي فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من القراء‌ة (ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به - إلى قوله - اولئك في ضلال مبين) فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله شرائع الاسلام، فانزل الله على نبيه


                                [300]


                                " قل اوحي إلي انه استمع نفر من الجن " السورة كلها فحكى الله قولهم وولى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله منهم كانوا يعودون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في كل وقت فامر رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ان يعلمهم ويفقههم فمنهم مؤمنون ومنهم كافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس وهم ولد الجان، وسئل العالم عليه السلام عن مؤمني الجن أيدخلون الجنة؟ فقال لا ولكن لله حظائر بين الجنة والنار يكون فيها مؤمنو الجن وفساق الشيعة.
                                ثم احتج الله على الدهرية فقال: (أولم يروا ان الله الذي خلق السموات والارض ولم يعي بخلقهن بقادر على ان يحيي الموتى بلى أنه على كل شئ قدير) ثم أدب الله نبيه صلى الله عليه وآله بالصبر فقال (فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل) وهو نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وآله، ومعنى اولي العزم انهم سبقوا الانبياء إلى الاقرار بالله والاقرار بكل نبي كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والاذى(1) ثم قال (ولا تستعجل لهم) يعني العذاب (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ) قال يرون يوم القيامة انهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار (بلاغ) أي ابلغهم ذلك (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون).



                                ___________________________________
                                (1) وقد مضى ايضا تفسير اولى العزم في هذا الكتاب فراجع ص 65 ج.ز


                                Comment

                                Working...
                                X
                                😀
                                🥰
                                🤢
                                😎
                                😡
                                👍
                                👎