إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • راية اليماني
    مشرف
    • 05-04-2013
    • 3021

    #16
    رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

    ===============

    (241)

    يعني لا يتكلم العجل وليس له منطق واما قوله (ولما سقط في ايديهم) يعني لما جاءهم موسى (1) واحرق العجل قالوا (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان اسفا قال بئس ما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى الالواح واخذ برأس اخيه يجره اليه ـ إلى قوله ـ ان ربك من بعدها لغفور رحيم) فانه محكم وقوله (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي) فان موسى (عليه السلام) لما قال لبني اسرائيل ان الله يكلمني ويناجيني لم يصدقوه، فقال لهم اختاروا منكم من يجئ معي حتى يسمع كلامه، فاختاروا سبعين رجلا من خيارهم وذهبوا مع موسى إلى الميقات فدنا موسى فناجا ربه وكلمه الله تعالى، فقال موسى لاصحابه اسمعوا واشهدوا عند بني اسرائيل بذلك فقالوا له لن نؤمن "، حتى نرى الله جهرة فاسئله ان يظهر لنا، فانزل الله عليهم صاعقة فاحترقوا وهو قوله " واذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة وانتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " فهذه الآية في سورة البقرة وهى مع هذه الآية في سورة الاعراف فنصف الآية

    ـــــــــــــــــــــــــ

    (1) قال في مجمع البحرين: فلما سقط في ايديهم بالبناء للمفعول والظرف نائبه يقال لكل من ندم وعجز عن الشئ، قد سقط في يده واسقط في يده لغتان ومعنى سقط في ايديهم ندموا على ما فاتهم، وقرأ بعضهم سقط بالفتح كانه اضمر لندم انتهى فعلى هذا يكون معنى الآية الشريفة: لما لحقتهم الندامة، وكذا في مجمع البيان، اما على ما فسر به المصنف (رح) فهو " سقط " بالفتح مبني للفاعل، ومعناه جاء موسى نازلا من الجبل بين ايديهم، يقال على الخبير سقطت اي نزلت عنده وجئت عنده. ج. ز (*)



    ===============

    (242)

    في سورة البقرة ونصفها في سورة الاعراف ههنا، فلما نظر موسى إلى اصحابه قد هلكوا حزن عليهم فقال (رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي اتهلكنا بما فعل السفهاء منا) وذلك ان موسى (عليه السلام) ظن ان هؤلاء هلكوا بذنوب بني اسرائيل فقال (ان هى الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة انا هدنا اليك) فقال الله تبارك وتعالى (عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شئ، فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) ثم ذكر فضل النبي (صلى الله عليه وآله) وفضل من تبعه فقال (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم) يعني الثقل الذي كان على بني اسرائيل وهو انه فرض الله عليهم الغسل والوضوء بالماء ولم يحل لهم التيمم ولا يحل لهم الصلاة الا في البيع والكنايس والمحاريب، وكان الرجل اذا اذنب خرج نفسه منتنا فيعلم انه اذنب، واذا اصاب شيئا من بدنه البول قطعوه، ولم يحل لهم المغنم فرفع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن امته ثم قال (فالذين آمنوا به) يعني برسول الله (صلى الله عليه وآله) (وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه) يعني امير المؤمنين (عليه السلام) (اولئك هم المفلحون) فاخذ الله ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء ان بخبروا اممهم وينصرونه، فقد نصروه بالقول وامروا اممهم بذلك وسيرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويرجعون وبنصرونه في الدنيا.

    حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفض ابن غياث عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال جاء ابليس لعنه الله إلى موسى (عليه السلام) وهو يناجي ربه، فقال له ملك من الملائكة ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحالة يناجي ربه، فقال ارجو منه ما رجوت من ابيه آدم وهو في الجنة، وكان



    ===============

    (243)

    مما ناجى الله موسى (عليه السلام) ياموسى اني لا اقبل الصلاة الا لمن تواضع لعظمتي والزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري ولم يبت مصرا على الخطيئة وعرف حق اوليائي واحبائي، فقال موسى يا رب تعني باوليائك واحبائك ابراهيم واسحاق ويعقوب؟ قال هو كذلك الا اني اردت بذلك من من اجله خلقت آدم وحواء ومن اجله خلقت الجنة والنار، فقال ومن هو يارب؟ فقال محمد احمد شققت اسمه من اسمي لاني انا المحمود، وهو محمد فقال موسى يا رب اجعلني من امته.

    فقال يا موسى انت من امته اذا عرفته وعرفت منزلته ومنزلة اهل بيته وان مثله ومثل اهل بيته فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ينتشر ورقها ولا يتغير طعمها، فمن عرفهم وعرف حقهم جعلت له عند الجهل علما وعند الظلمة نورا اجيبنه قبل ان يدعوني واعطينه قبل ان يسألني.

    يا موسى اذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، واذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب تعجلت عقوبته.

    يا موسى ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته وجعلتها ملعونة ملعونة بمن فيها الا ما كان فيها لي.

    يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما احد من خلقي عظمها فقرت عيناه فيها، ولم يحقرها الا تمتع بها، ثم قال ابوعبدالله (عليه السلام) ان قدرتم ان لا تعرفوها فافعلوا وما عليك ان لم يثن عليك الناس وما عليك ان تكون مذموما عند الناس وكنت عند الله محمودا، ان امير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا الا لاحد رجلين، رجل يزداد كل يوم احسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وانى له بالتوبة والله ان سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه الا بولايتنا اهل البيت، الا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا رضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر



    ===============

    (244)

    به عورته وما اكن رأسه وهم في ذلك والله خائفون وجلون.

    واما قوله (وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما) اي ميزناهم به (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر اذ يعدون في السبت اذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فانها قرية كانت لبني اسرائيل قريبا من البحر، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر فيدخل انهارهم وزروعهم، وبخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زرعهم، وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد يوم السبت وكانوا يضعون الشباك في الانهار ليلة الاحد يصيدون بها السمك وكان السمك يخرج يوم السبت ويوم الاحد لا يخرج وهو وقوله (اذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة وخنازير، وكانت العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت ان عيد جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة فخالفت اليهود وقالوا عيدنا يوم السبت فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت ومسخوا قردة وخنازير.

    حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن ابي عبيدة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) ان قوما من اهل ايكة من قوم ثمود وان الحيتان كانت سبقت اليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت اليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام ابوابهم في انهارهم وسواقيهم فبادروا اليها فاخذوا يصطادونها فلبثوا في ذلك ما شاء الله لاينهاهم عنها الاحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم ان الشيطان اوحى إلى طائفة منهم انما نهيتم عن اكلها يوم السبت فلم تنهوا عن صيدها، فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الايام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، فعتت، وانحازت طائفة اخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة الله ان تتعرضوا لخلاف امره واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم



    ===============

    (245)

    لم تعظون قوما الله مهلكم او معذبهم عذابا شديدا، فقالت الطائفة التي وعظتهم (معذرة إلى ربكم لعلهم يتقون) قال فقال الله عزوجل فلما (نسوا ما ذكروا به) يعنى لما تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة ان ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم، قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة ان يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء فلما اصبح اولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ما حال اهل المعصية، فاتوا باب المدينة فاذا هو مصمت، فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها خبر واحد فوضعوا سلما على سور المدينة ثم اصعدوا رجلا منهم فاشرف على المدينة فنظر فاذا هو بالقوم قردة يتعاوون، فقال الرجل لاصحابه يا قوم ارى والله عجبا، قالوا وما ترى قال أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ولها اذناب، فكسروا الباب قال فعرفت القردة انسابها من الانس ولم تعرف الانس انسابها من القردة، فقال القوم للقردة الم ننهكم فقال علي (عليه السلام) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة اني لاعرف انسابها من هذه الامة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما امروا به فتفرقوا وقد قال الله عزوجل (فبعدا للقوم الظالمين)، فقال الله (وانجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) واما قوله (واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم) يعني يعلم ربك (إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب ان ربك لسريع العقاب وانه لغفور رحيم) نزلت في اليهود لا يكون لهم دولة ابدا (1) وقوله (وقطعناهم في

    ـــــــــــــــــــــــــ

    (1) وما حصل لاسرائيل من الملك الحقير الآن فهو بالنسبة إلى سعة الارض وطول الزمان ليس بشئ وان هو الا كشعرة سوداء في بقرة بيضاء. ج. ز. (*)



    ===============

    (246)

    الارض) اي ميزهم (امما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم) اي اختبرناهم (بالحسنات والسيئات) يعني بالسعة والامن والفقر والفاقة والشدة (لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا وقوله (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى) يعني ما يعرض لهم من الدنيا (ويقولون سيغفر لنا وان يأتهم عرض مثله ياخذوه الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق ودرسوا ما فيه) يعني ضيعوه ثم قال (والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا ـ تعقلون والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلوة انا لا نضيع اجر المصلحين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في وقوله الذين يمسكون بالكتاب قال نزلت في آل محمد واشياعهم واما قوله (واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب) فهم في امة محمد يسومون اهل الكتاب سوء العذاب ياخذون منهم الجزية.

    واما قوله (واذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم) قال الصادق (عليه السلام) لما انزل الله التوراة على بني اسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء، فقال لهم موسى (عليه السلام) ان لم تقبلوه وقع عليكم الجبل، فقبلوه وطأطؤا رؤسهم.

    واما قوله (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) اول من سبق من الرسل الي بلى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك انه كان اقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما اسرى به إلى السماء " تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ولولا ان روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان يبلغه، فكان من الله عزوجل. كما قال الله قاب قوسين او ادنى اي بل



    ===============

    (247)

    ادنى، فلما خرج الامر من الله وقع إلى اوليائه (عليهم السلام)، فقال الصادق (عليه السلام) كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولامير المؤمنين والائمة بالامامة، فقال الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي امامكم والائمة الهادون ائمتكم؟

    فقالوا بلى شهدنا فقال الله تعالى (ان تقولوا يوم القيمة) اى لئلا تقولوا يوم القيامة (انا كنا عن هذا غافلين) فاول ما اخذ الله عزوجل الميثاق على الانبياء له بالربوبية وهو قوله " واذا اخذنا من النبيين ميثاقهم " فذكر جملة الانبياء ثم ابرز افضلهم بالاسامي فقال ومنك يامحمد، فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لانه افضلهم ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم، فهؤلاء الخمسة افضل الانبياء ورسول الله (صلى الله عليه وآله) افضلهم، ثم اخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء بالايمان به وعلى ان ينصروا امير المؤمنين (عليه السلام) فقال " واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " (1) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لتؤمنن به ولتنصرنه " يعنى امير المؤمنين (عليه السلام) واخبروا اممكم بخبره وخبر وليه من الائمة (عليهم السلام) حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) وعن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " لتؤمنن به ولتنصرنه " قال قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام) ثم اخذ ايضا ميثاق الانبياء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال قل يامحمد آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب واالاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا تفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون (2)

    ـــــــــــــــــــــــــ

    (1) آل عمران 81.

    (2) آل عمران 84. (*)



    ===============

    (248)

    وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن ابن مسكان عن ابى عبدالله (عليه السلام) " واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي " قلت معاينة كان هذا قال نعم (1) فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر احد من خالقه ورازقه. فمنهم من اقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " (2) واما قوله (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين) فانها نزلت في بلعم بن باعورا وكان من بني اسرائيل، وحدثني ابى عن الحسن (الحسين ط) بن خالد عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام) انه اعطي بلعم بن باعورا الاسم الاعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون. فلما مر فرعون في طلب موسى واصحابه قال فرعون لبلعم ادعو الله على موسى واصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته ليمر في طلب موسى واصحابه فامتنعت عليه حمارته فاقبل يضربها فانطقها الله عزوجل فقالت ويلك علي ما تضربني اتريد اجئ معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين، فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الاعظم من لسانه، وهو قوله (فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الارض فاتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) وهو مثل ضربه، فقال الرضا (عليه السلام) فلا يدخل الجنة من البهائم الا ثلاثة حمارة بلعم وكلب اصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب انه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين وبعذبهم وكان للشرطي ابن يحبه، فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه

    ـــــــــــــــــــــــــ

    (1) اي معاينة لجلال الله تعالى لانفسه لانه منزه عن الجسم والجسمانيات.

    (2) الاعراف 101 ج. ز (*)



    ===============

    (249)

    فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما احزن الشرطي وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس) اي خلقنا، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (لهم قلوب لا يفقهون بها) اي طبع الله عليها فلا تعقل (ولهم اعين) عليها غطاء عن الهدى (لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) اي جعل في آذانهم وقرا فلن يسمعوا الهدى، وقوله (وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون) فهذه الآية لآل محمد واتباعهم، وقوله (عسى ان يكون قد اقترب اجلهم) هو هلاكهم وقوله (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها) قال الرحمن الرحيم وقوله (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال تجديد النعم عند المعاصي وقوله (واملي لهم) اي اصبر لهم (ان كيدي متين) اي عذابي شديد ثم قال (او لم يتفكروا) يعني قريش (ما بصاحبهم من جنة) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) اي ما هو مجنون كما يزعمون (ان هو الا نذير مبين) وقوله (او لم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شئ وان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده) يعني بعد القرآن (يؤمنون) اي يصدقون، وقوله (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) قال يكله الي نفسه.

    واما قوله (يسألونك عن الساعة ايان مرساها) فان قريشا بعثت العاص بن وايل السهمي والنضر بن حارث بن كلدة وعتبة بن ابي معيط إلى نجران ليتعلموا من علماء اليهود مسائل ويسألوا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان فيها سلوا محمدا متى تقوم الساعة؟ فان ادعى علم ذلك فهو كاذب، فان قيام الساعة لم يطلع الله عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا. فلما سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) متى تقوم الساعة؟ انزل الله تعالي (يسألونك عن الساعة ايان مرسيها قل انما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم الا بغتة يسئلونك كانك حفي عنها)



    ===============

    (250)

    اي جاهل بها (1) قل لهم يامحمد (انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون) وقوله (ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) قال كنت اختار لنفسي الصحة والسلامة.

    واما قوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها فلما تغشيها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما لان آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما

    ـــــــــــــــــــــــــ

    (1) لقد خالف المصنف (رح) في معنى هذه الكلمة سائر المفسرين حيث فسرها بالجاهل بها، وفسروها بالعالم بها، فالتفسيران متضادان ظاهرا، ويمكن ان يقال في مقام رفع التنافي بينهما ان معني " حفي عن الشي " انه استقصى في السؤال عنه، فبدؤه الجهل وختامه العلم، لان الجهل بالشئ ينشئ السؤال عنه ونتيجة الاستقصاء في السؤال العلم به غالبا، فكأن نظر المصنف (رح) إلى البداوة ونظر الذي فسرها بالعلم الي النهاية. وكلا المعنيين لهما ربط بالمقام الا ان الاول ارجح لان المستقصي في السؤال عن شئ لا يخلو من الجهل به قبل الاستقصاء وانه قد يخلو من العلم بعده اذا ليس كل مستقص عالما فالمعنى على تعبير المصنف (رح): ان مشركي قريش يسألونك عن الساعة كانهم يحسبونك من الجهلاء الذين مدرك علمهم الناس، وقصدهم ان يعيروك لانك اذا عينت وقتها تكون كاذبا عند اليهود، واذا فحمت عن الجواب يظهر جهلك عندهم والحال انك لست من الجهلاء الذين يسألون الناس عن كل شئ حتى اذا لم تجبهم عن هذه المسألة يكن لك عيبا بل انك كلما تعلم فهو من الله فعدم علمك بوقت الساعة ليس بعيب لك لان الله لم يخبرك به واختصه لنفسه كما قال " انما علمها عند الله لا يجليها لوقتها الا هو " ج. ز (*)



    ===============

    (251)

    آتاهما) حدثني ابي قال حدثني الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الاحول عن بريد العجلي عن ابي جعفر (عليه السلام) لما علقت حواء من آدم وتحرك ولدها في بطنها قالت لآدم ان في بطني شيئا يتحرك، فقال لها آدم الذي في بطنك نطفة مني استقرت في رحمك يخلق الله منها خلقا ليبلونا فيه فاتاها ابليس، فقال لها كيف انت؟ فقالت له اما اني قد علقت وفي بطني من آدم ولد قد تحرك، فقال لها ابليس اما انك ان نويت ان تسميه عبدالحارث ولدتيه غلاما وبقي وعاش وان لم تنو ان تسميه عبدالحارث مات بعدما تلدينه بستة ايام، فوقع في نفسها مما قال لها شئ فاخبرت بما قال آدم، فقال لها آدم قد جاءك الخبيث لا تقبلي منه فاني ارجو ان يبقى لنا ويكون بخلاف ما قال لك، ووقع في نفس آدم مثل ما وقع في نفس حواء من مقالة الخبيث، فلما وضعته غلاما لم يعش الا ستة ايام حتى مات فقالت لآدم قد جاءك الذي قال لنا الحارث فيه، ودخلهما من قول الخبيث ما شككهما، قال فلم تلبث ان علقت من آدم حملا آخر فاتاها ابليس، فقال لها كيف انت؟ فقالت له قد ولدت غلاما ولكنه مات اليوم السادس فقال لها الخبيث اما انك لو كانت نوبت ان تسميه عبدالحارث لعاش وبقي، وانما هو الذي في بطنك كبعض ما في بطون هذه الانعام التى بحضرتكم اما ناقة واما بقرة واما ضان واما معز فدخلها من قول الخبيث ما استمالها إلى تصديقه والركون إلى ما اخبرها الذي كان تقدم اليها في الحمل الاول، واخبرت بمقالته آدم فوقع في قلبه من قول الخبيث مثل ما وقع في قلب حواء " فلما اثقلت دعو الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهم صالحا " اي لم تلد ناقة او بقرة او ضانا أو معزا فاتاهما الخبيث، فقال لها كيف انت؟ فقالت له قد ثقلت وقربت ولادتي، فقال اما انك ستندمين وترين من الذي في بطنك ما تكرهين ويدخل آدم منك ومن ولدك شئ لو قد ولدتيه ناقة او بقرة او ضانا او معزا فاستمالها الي طاعته



    ===============

    (252)

    والقبول لقوله، ثم قال لها اعلمي ان انت نويت ان تسميه عبدالحارث وجعلت لي فيه نصيبا ولدتيه غلاما سويا عاش وبقي لكم، فقالت فاني قد نويت ان اجعل لك فيه نصيبا، فقال لها الخبيث لا تدعي آدم حتى ينوي مثل ما نويتي ويجعل لى فيه نصيبا ويسميه عبدالحارث فقالت له نعم، فاقبلت على آدم فاخبرته بمقالة الحارث وبما قال لها ووقع في قلب آدم من مقالة ابليس ما خافه فركن إلى مقالة ابليس، وقالت حواء لآدم ائن انت لم تنو ان تسميه عبدالحارث وتجعل للحارث فيه نصيبا لم ادعك تقربني ولا تغشاني ولم يكن بيني وبينك مودة، فلما سمع ذلك منها آدم قال لها اما انك سبب المعصية الاولى وسيدليك بغرور قد تابعتك واجبت إلى ان اجعل للحارث فيه نصيبا وان اسميه عبدالحارث (1) فاسرا

    ـــــــــــــــــــــــــ

    (1) لا يخفى ان الحارث وان كان من اسامي ابليس لعنه الله كما يظهر من هذه الرواية، لكن له معان اخر ايضا كزارع الحرث والكاسب، وليس من قبيل " ابليس " او " الشيطان " المختصين به، فانه لو كان كذلك لم يسم به اخيار الناس كحارث بن همام وحارث بن سراقة الذين كانا صحابيين جليلين لامير المؤمنين عليه السلام، فاذا لم يكن باس في التسمية بنفس الحارث كيف يكون التباس في النسمية بعبد الحارث لامكان ان اراد منه آدم (ع) هو الله لصدق الحارث بمعنى مخرج الحرث، عليه حقيقة واما قوله: اجعل للحارث فيه نصيبا معنا اجعل نصيبا في الطاعة لا في العبادة وهو المراد من شرك الطاعة في قول الامام (ع) الآتي ذكره فان قلت: كيف جاز لآدم ان جعل للشيطان نصيبا في واده؟ واذا جاز لم عاتبه الله تعالى بقوله: فلما آتاهم صالحا جعلا له شركاء قلت: كان ذلك جائزا لان الذي جعل للشيطان نصيبا في ولد آدم هو الله تعالى بقوله: وشاركهم في الاموال والاولاد، فاذا جعل آدم له فيهم نصيبا لم يكن = (*)



    ===============

    (253)

    النية بينهما بذلك فلما وضعته سويا فرحا بذلك وامنا ما كان خافا من ان يكون ناقة او بقرة او ضانا او معزا واملا ان يعيش لهما ويبقى ولا يموت في اليوم السادس فلما كان في اليوم السابع سمياه عبدالحارث.

    اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى ابن بكر عن الفضل عن ابي جعفر (عليه السلام) في قول الله " فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " فقال هو آدم وحواء وانما كان شركهما شرك طاعة ولم يكن شرك عبادة فانزل الله على رسوله الله (صلى الله عليه وآله) (هو الذي خلقكم من نفس واحدة ـ إلى قوله ـ فتعالى الله عما يشركون) قال جعلا للحارث نصيبا في خلق الله ولم يكن اشركا ابليس في عبادة الله ثم قال (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) ثم احتج على اللمحدين فقال (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصرا ولا انفسهم ينصرون ـ إلى قوله وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون) ثم ادب الله رسوله (صلى الله عليه وآله) فقال (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) ثم قال (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) قال ان عرض في قلبك منه شئ ووسوسة (فاستعذ بالله انه سميع عليم) ثم قال (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) قال واذا ذكرهم الشيطان المعاصي وحملهم عليها يذكرون الله فاذاهم مبصرون، قال واذا ذكرهم الشيطان واخوانهم من الجن (يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) اي لا يقصرون من

    ـــــــــــــــــــــــــ

    = مقدوحا الا ان آدم لما لم يكن له مقام كمقام الله حتى يجيز للشيطان في المشاركة كما اجاز الله، لم يكن سائغا له ان يرخصه بكذا خصوصا اذا كان مترشحا منه الانقياد للشيطان والرضا على طاعة ولده له فلذا عاتبه الله تعالى والله العالم. ج. ز (*)



    (254)

    تضليلهم (واذا لم تأتهم بآية قالوا) قريش (لولا اجتبيتها) وجواب هذا في الانعام في قوله " قل لهم ـ يامحمد ـ لو ان عندي ما تستعجلون به " يعني من الآيات " لقضي الامر بيني وبينكم " وقوله في بني اسرائيل " وما نرسل بالآيات الا تخويفا " وقوله (واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) يعني في الصلاة اذا سمعت قراءة الامام الذي تأتم به فانصت (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) قال في الظهر والعصر (ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) قال بالغداة والعشي (ولا تكن من الغافلين ان الذين عند ربك) يعني الانبياء والرسل والائمة (عليهم السلام) (لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)

    Comment

    • راية اليماني
      مشرف
      • 05-04-2013
      • 3021

      #17
      رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

      سورة اﻷنفال



      سورة الانفال مدنية خمس وسبعون آية (بسم الله الرحمن الرحيم يسئلونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول واتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعو الله ورسوله ان كنتم مؤمنين) فحدثني ابي عن فضالة بن ايوب عن ابان بن عثمان عن اسحاق بن عمار قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن الانفال فقال هي القرى التي قد خربت وانجلا اهلها فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للامام وما كان من ارض الجزية لم يوجف (1) عليها بخيل ولا ركاب، وكل ارض لا رب لها والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى فما له من الانفال، وقال نزلت يوم بدر لما انهزم الناس كان اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ثلاث فرق، فصنف كانوا عند خيمة النبي (صلى الله عليه وآله) وصنف اغاروا علي النهب، وفرقة طلبت العدو واسروا وغنموا فلما جمعوا الغنائم والاسارى تكلمت الانصار في الاسارى فانزل الله تبارك وتعالي " ما كان لنبي

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) اوجف دابته ايجافا جعله يعدو عدوا سريعا ج ز (الانفال) (*)



      ===============

      (255)

      ان يكون له اسرى حتى يثخن (1) في الارض " فلما اباح الله لهم الاسارى والغنائم تكلم سعد بن معاذ وكان ممن اقام عند خيمة النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال يارسول الله ما منعنا ان نطلب العدو زهادة في الجهاد ولا جبنا عن العدو ولكنا خفنا ان نعدو موضعك فتميل عليك خيل المشركين، وقد اقام عند الخيمة وجوه المهاجرين والانصار ولم يشك احد منهم والناس كثير يارسول الله والغنائم قليلة ومتى يعطي هؤلاء لم يبق لاصحاب شئ، وخاف ان يقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الغنائم واسلاب القتلي بين من قاتل ولا يعطي من تخلف عليه عند خيمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا، فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا لمن هذه الغنائم فانزل الله " يسئلونك عن الانفال قل الانفال لله وللرسول " فرجع الناس وليس لهم في الغنيمة شئ ثم انزل الله بعد ذلك (واعلموا ان ما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهم، فقال سعد بن ابي وقاص يا رسول الله ص أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال النبي ص ثكلتك امك وهل تنصرون الا بضعفائكم! قال فلم يخمس رسول الله ص ببدر وقسمه بين اصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر، ونزل قوله " يسألونك عن الانفال " بعد انقضاء حرب بدر فقد كتب ذلك في اول السورة وكتب بعده خروج النبي (صلى الله عليه وآله) الي الحرب.

      (وقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم ـ إلى قوله ـ (لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) فانها نزلت في امير المؤمنين (عليه السلام) وابي ذر وسلمان والمقداد ثم ذكر بعد ذلك الانفال وقسمة الغنائم، خروج

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) اي يغلب على الارض ويبالغ في قتل اعدائه (مجمع البحرين) (*)



      ===============

      (256)

      رسول الله (صلى الله عليه وآله) الي الحرب فقال (كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كانما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) وكان سبب ذلك ان عيرا لقريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم، فامر رسول الله اصحابه بالخروج ليأخذوها فاخبرهم ان الله قد وعده احدى الطائفتين اما العير واما قريش ان اظفر بهم، فخرج في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما قارب بدر كان ابوسفيان في العير فلما بلغه ان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشام فلما وافى البهرة (1) اكترى ضمضم الخزاعي بعشرة دنانير واعطاه قلوصا وقال له امض إلى قريش واخبرهم ان محمدا والصباة (2) من اهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فادركوا العير واوصاه ان يخرم ناقته ويقطع اذنها حتى يسيل الدم ويشق ثوبه من قبل ودبر فاذا دخل مكة ولى وجهه إلى ذنب البعير وصاح باعلي صوته يا آل غالب! الطيمة اللطيمة العير العير (3) ادركوا ادركوا! وما اراكم تدركون، فان محمدا والصباة من اهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم، فخرج ضمضم يبادر إلى مكة ورأت عاتكه بنت عبدالمطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة ايام كأن راكبا قد دخل مكة ينادي يا آل عذر يا آل فهر اغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث ثم وافى بجملة على ابي قبيس فاخذ حجرا فدهده (4) من الجبل فما ترك من دور قريش الا اصابها منه فلذة وكان وادي مكة قد سال من اسفله دما فانتبهت ذعرة فاخبرت العباس بذلك فاخبر العباس عتبة بن ربيعة، فقال عتبة

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) البهرة بالضم موضع بنواحي المدينة وموضع باليمامة. ق

      (2) جمع صبوة اي الجهلة.

      (3) السعير التى تحمل المسك ق

      (4) دهده الحجر اي دحرجه. (*)



      ===============

      (257)

      مصيبة تحدث في قريش وفشت الرؤيا في قريش وبلغ ذلك ابا جهل فقال ما رأت عاتكة هذه الرؤيا وهذه نبية ثانية في بني عبدالمطلب واللات والعزى لننتظر ثلاثة ايام فان كان ما رأت حقا فهو كما رأت وان كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا انه ما من اهل بيت من العرب اكذب رجالا ولا نساءا من بني هاشم، فلما مضى يوم قال ابوجهل هذا يوم قد مضى فلما كان اليوم الثاني قال ابوجهل هذان يومان قد مضيا، فلما كان اليوم الثالث وافى ضمضم ينادي في الوادي " ياآل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير ادركوا ادركوا وما اراكم تدركون فان محمدا والصباة من اهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم " فتصايح الناس بمكة وتهيئوا للخروج وقام سهيل بن عمرو وصفوان بن امية وابوالبختري ابن هشام ومنية وبنية ابنا الحجاج ونوفل بن خويلد فقال يا معشر قريش والله ما اصابكم مصيبة اعظم من هذه ان يطمع محمد والصباة عن اهل يثرب ان يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم فوالله ما قرشي ولا قرشية الا ولها في هذه العير شئ فصاعدا وانه الذل والصغار ان يطمع محمد في اموالكم ويفرق بينكم وبين متجركم فاخرجوا، واخرج صفوان بن امية خمس مائة دينار وجهز بها، واخرج سهيل بن عمرو خمس مائة وما بقي احد من عظماء قريش الا اخرجوا مالا وحملوا وقووا واخرجوا على الصعب والذلول ما يملكون انفسهم كما قال الله تعالى: خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس، وخرج معهم العباس بن عبدالمطلب ونوفل بن الحارث وعقيل ابن ابى طالب واخرجوا معهم القينان يشربون الخمر ويضربون بالدفوف؟.

      وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما كان بقرب بدر علي ليلة منها بعث بشير بن ابي الرعبا (بن ابي الدعناء خ ل) ومجد بن عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر واناخا راحلتيهما؟ واستعذبا من الماء، وسمعا جاريتين قد تشبثت احديهما بالاخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها فقالت

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) النش بفتح النون وتشديد الشين نصف اوقية (عشرون درهما) مجمع (*)



      ===============

      (258)

      عير قريش نزلت امس في موضع كذا وكذا وهى تنزل غدا هاهنا وانا اعمل لهم واقضيك، فرجع اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليه فاخبراه بما سمعا، فاقبل ابوسفيان بالعير فلما شارف بدر تقدم العير واقبل وحده حتى انتهى الي ماء بدر وكان بها جل من جهينية يقال له كسب الجهني فقال له ياكسب هل لك علم بمحمد واصحابه؟ قال لا، قال واللات والعزى لان كتمتنا امر محمد لا يزال قريش معادية لك آخر الدهر فانه ليس احد من قريش الا وله في هذه العير النش فصاعدا فلا تكتمى، فقال والله مالي علم بمحمد وما بال محمد واصحابه بالتجار الا واني رأيت في هذا اليوم راكبين اقبلا واستعذبا من الماء واناخا راحلتيهما ورجعا فلا ادري من هما، فجاء ابوسفيان إلى موضع مناخ ابلهما ففت ابعار الابل بيده فوجد فيها النوى فقال هذه علايف يثرب هؤلاء عيون محمد، فرجع مسرعا وامر بالعير فاخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين ونزل جبرئيل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخبره ان العير قد افلتت وان قريشا قد اقبلت لتمنع عن عيرها وامره بالقتال ووعده النصر، وكان نازلا ماء الصفراء فاحب ان يبلو الانصار لانهم انما وعدوه ان ينصروه في الدار، فاخبرهم ان العير قد جازت وان قريشا قد اقبلت لتمنع عن عيرها وان الله قد امرني بمحاربتهم، فجزع اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك وخافوا خوفا شديدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشيروا علي، فقام الاول فقال يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها (1) ما آمنت منذ كفرت ولا ذلت مند عزت، ولم تخرج علي هيئة الحرب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) له اجلس فجلس قال اشيروا علي فقام الثانى فقال مثل مقالة الاول فقال (صلى الله عليه وآله) اجلس فجلس ثم

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) الخيلاء بضم الخاء وفتح الياء: الكبر، وفي الحديث لا يدخل الجنة شيخ زان ولا جبار ازاره خيلاء. (*)



      ===============

      (259)

      قام المقداد فقال يا رسول الله وانا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به حق من عند الله ولو امرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوك الهراش (1) خضنا معك ولا نقول لك ما قالت بنو اسرائيل لموسى " اذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " ولكنا نقول " امض لامر ربك فانا معك مقاتلون " فجزاه النبي (صلى الله عليه وآله) خيرا ثم جلس ثم قال اشيروا علي، فقام سعد بن معاذ، فقال بابى انت وامي يارسول الله كأنك اردتنا؟ قال نعم قال فلعلك خرجت على امر قد امرت بغيره قال نعم قال بابي انت وامي يارسول الله انا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من اموالنا ما شئت واترك منه ما شئت والذي اخذت منه احب الي من الذي تركت منه، والله لو امرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معك، فجزاه خيرا ثم قال سعد بابي انت وامي يارسول الله والله ما خضت هذا الطريق قط ومالي به علم وقد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن باشد جهادا لك منهم ولو علموا انه الحرب لما تخلفوا ولكن نعد لك الرواحل ونلقى عدونا فانا نصبر عند اللقاء، انجاد في الحرب (2) وانا لنرجو ان يقر الله عينك بنا فان يك ما تحب فهو ذلك وان يكن غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) او يحدث الله غير ذلك، كأني بمصرع فلان ههنا وبمرصع فلان ههنا وبمصرع ابي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج فأن الله قد وعدنى احدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد، فنزل جبرئيل (عليه السلام) علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الآية " كما اخرجك ربك من بيتك بالحق ـ إلى قوله ـ ولو كره المجرمون " فامر

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) الغضا الواحدة منه غضاة شجر من الاثل جمرة تبقى زمنا طويلا، الهريشة نبات. جمعها الهراش

      (2) اي شجعان، وفي حديث علي عليه السلام: اما بنو هاشم فانجاد. ج ز (*)



      ===============

      (260)

      رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالرحيل حتى نزل عشاءا علي ماء بدر وهى العدوة الشامية.

      واقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فاخذهم اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبسوهم، فقالوا لهم من انتم؟ قالوا نحن عبيد قريش، قالوا فاين العير؟ قالوا لا علم لنا بالعير، فاقبلوا يضربونهم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي فانقتل (1) من صلاته فقال ان صدقوكم ضربتموهم وان كذبوكم تركتموهم علي بهم، فاتوا بهم فقال لهم من انتم؟ قالوا يا محمد نحن عبيد قريش، قال كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم، قال كم ينحرون في كل يوم جزورا؟

      قالوا تسعة او عشرة، فقال (صلى الله عليه وآله) تسعمائة او الف، ثم قال فمن فيهم من بني هاشم؟ قال العباس بن عبدالمطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن ابي طالب، فامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهم فحبسوهم، وبلغ قريشا ذلك فخافوا خوفا شديدا، ولقي عتبة بن ربيعة ابا البختري بن هشام (بن هاشم بن عبدالمطلب ك) فقال له اما ترى هذا البغي (2) والله ما ابصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد افلتت فجئنا بغيا وعدوانا، والله ما افلح قوم قط بغوا ولوددت ان ما في العير من اموال بني عبدمناف ذهب كله ولم نسر هذا الميسر، فقال له ابوالبختري انك سيد من سادات قريش، تحمل العير التي اصابها محمد (صلى الله عليه وآله) واصحابه بنخلة (بنخيلة خ ل) ودم ابن الحضرمي فانه حليفك، فقال عتبة انت علي بذلك وما علي احد منا خلاف الا ابن حنظلة يعني ابا جهل فسر اليه واعلمه اني قد تحملت العير التي قد اصابها محمد ودم ابن الحضرمي.

      فقال ابوالبختري فقصدت خباءه فاذا هو قد اخرج درعا له فقلت له ان

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) اي صرف وجهه اليهم.

      (2) اي بغي المشركين ج. ز (*)



      ===============

      (261)

      ابا الوليد بعثنى اليك برسالة، فغضب ثم قال اما وجد عتبة رسولا غيرك؟ فقلت اما والله لو غيره ارسلني ما جئت ولكن ابا الوليد سيد العشيرة، فغضب اشد من الاولى، فقال تقول سيد العشيرة! فقلت انا قوله؟ وقريش كلها تقوله، انه قد تحمل العير ودم ابن الحضرمي، فقال ان عتبة اطول الناس لسانا وابلغهم في الكلام ويتعصب لمحمد فانه من بني عبد مناف وابنه معه، ويريد ان يحذر (يخذل ك) بين الناس لا واللات والعزى حتى نقتحم عليهم بيثرب ونأخذهم اسارى فندخلهم مكة وتتسامع العرب بذلك ولا يكونن بيننا وبين متجرنا احد نكرهه.

      وبلغ اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثرة قريش ففزعوا فزعا شديدا وبكوا واستغائوا فانزل الله على رسوله (اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم) فلما مشى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجنه الليل القى الله علي اصحابه النعاس حتى ناموا وانزل الله تبارك وتعالى عليهم السماء وكان نزل الوليد في موضع لا يثبت فيه القدم فانزل الله عليهم السماء حتى تثبت اقدامهم علي الارض وهو قول الله تعالى (اذ يغشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان) وذلك ان بعض اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) احتلم (وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) وكان المطر علي قريش مثل العزالى (1) وكان علي اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) رذاذا (2) بقدر ما لبد الارض.

      وخافت قريش خوفا شديدا فاقبلوا يتحارسون يخافون البيات فبعث

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) جمع العزلاء: مصب الماء من الرواية اشارة إلى شدة المطر.

      (2) الرذاذ كالسحاب: المطر الضعيف. ق (*)



      ===============

      (262)

      رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمار بن ياسر وعبدالله بن مسعود فقال ادخلا في القوم واتياني بأخبارهم، فكانا يجولان في عسكرهم لا يرون الا خائفا ذعرا اذا صهل الفرس وثب علي جحفلته (1) فسمعوا منبة بن الحجاج يقول:

      لايترك الجزع (الجوع ط) لنا مبيتا * لا بد ان نموت او نميتا قال (صلى الله عليه وآله) والله كانوا شباعى (سباعى) ولكنهم من الخوف قالوا هذا والقى الله على قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) فلما اصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبأ اصحابه وكان في عسكره (صلى الله عليه وآله) فرسان فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد، وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومرثد بن ابي مرثد الغنوي وعلى بن ابي طالب (عليه السلام) علي جمل يتعاقبون عليه والجمل لمرثد وكان في عسكر قريش اربعمائة فرس.

      فعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه بين يديه وقال غضوا ابصاركم لا تبدوهم بالقتال ولا يتكلمن احد، فلما نظر قريش إلى قلة اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ابوجهل: ما هم الا اكلة رأس ولو بعثنا اليهم عبيدنا لاخذوهم اخذا باليد، فقال عتبة بن ربيعة اترى لهم كمينا ومددا؟ فبعثوا عمر بن وهب الجمحي، وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف إلى معسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم صعد الوادي وصوت ثم رجع إلى قريش، فقال ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع، اما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الافاعي (2) ما لهم ملجأ الا سيوفهم وما اراهم يولون حتى يقتلون، ولا يقتلون حتى يقتلون

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) وهى لذي الحافر كالشفة لغيره.

      (2) تلمظ تتبع بلسانه لبقية الطعام في الفم واخرج لسانه فمسح شفته. (*)



      ===============

      (263)

      بعددهم، فارتاؤا رأيكم، فقال ابوجهل كذبت وجبنت وانتفخ منخرك حين نظرت إلى سيوف يثرب.

      وفزع اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم فانزل الله على رسوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله) وقد علم الله انهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم وانما اراد سبحانه بذلك ليطيب قلوب اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قريش، فقال يا معشر قريش ما احد من العرب ابغض الي ممن بدأ بكم خلوني والعرب فان أك صادقا فانتم اعلي بي عينا وان اك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب امري فارجعوا، فقال عتبة والله ما افلح قوم قط ردوا هذا، ثم ركب جملا له احمر فنظر اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال ان يكون عند احد خير فعند صاحب الجمل الاحمر فان يطيعوه يرجعوا ويرشدوا، فاقبل عتبة يقول يامعشر قريش اجتمعوا واستمعوا ثم خطبهم فقال يمن رحب فرحب مع يمن يا معشر قريش! اطيعوني اليوم واعصوني الدهر وارجعوا الي مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور فان محمدا له ال (1) وذمة وهو ابن عمكم فارجعوا ولا تنبذوا رأيي وانما تطالبون محمدا بالعير التي اخذها محمد (صلى الله عليه وآله) بنخيلة ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله، فلما سمع ابوجهل ذلك عاظه (2) وقال ان عتبة اطول الناس لسانا وابلغهم في الكلام ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر ثم قال يا عتبة! نظرت إلى سيوف بني عبدالمطلب وجبنت وانتفخ سحرك (3) وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا ثارنا باعيننا، فنزل عتبة عن جمله وحمل علي ابي جهل

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) الال بالكسر العهد

      (2) اداره في فيه

      (3) السحر والسحر والسحر: الرءة. ج ز (*)



      ===============

      (264)

      وكان على فرس فاخذ بشعره فقال الناس يقتله، فمرقب فرسه وقال امثلي يجبن وستعلم قريش اليوم اينا ألام واجبن واينا المفسد لقومه، لا يمشي الا انا وانت إلى الموت عيانا ثم قال هذا حبائي وخياره فيه، وكل جان يده إلى فيه (ثم اخذ بشعره يجره ك) فاجتمع الناس فقالوا يا ابا الوليد الله الله لا تفت في اعضاد الناس (1) تنهى عن شئ وتكون اوله. فخلصوا ابا جهل من يده فنظر عتبة إلى اخيه شيبة، ونظر إلى ابنه الوليد، فقال قم يا بني فقام ثم لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته، فاعتم بعمامتين ثم اخذ سيفه وتقدم هو واخوه وابنه، ونادى يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قريش. فبرز اليه ثلاثة نفر من الانصار عود ومعود وعوف من بني عفرا، فقال عتبة من انتم؟ انتسبوا لنعرفكم فقالوا نحن بنو عفرا انصار الله وانصار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالوا ارجعوا، فانا لسنا اياكم نريد، انما نريد الاكفاء من قريش، فبعث اليهم رسول الله ان ارجعوا فرجعوا وكره ان يكون اول الكرة بالانصار، فرجعوا ووقفوا موقفهم، ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب، وكان له سبعون سنة، فقال له قم ياعبيدة! فقام بين يديه بالسيف، ثم نظر إلى حمزة بن عبدالمطلب، فقال قم يا عم! ثم نظر إلى امير المؤمنين (عليه السلام) فقال له قم يا علي! وكان اصغرهم، فقال فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم قد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطغي نور الله ويابي الله الا ان يتم نوره، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ياعبيدة عليك بعتبة، وقال لحمزة عليك بشيبة. وقال لعلي عليك بالوليد بن عتبة، فمروا حتى اننهو إلى الفوم، فقال عتبة من انتم؟ انتسبوا لنعرفكم،

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) فت الشئ: كسره بالاصابع كسرا صغيرة ومنه فت الخبز في المرق ويقال فت في عضده، اي كسر قوته. (*)



      ===============

      (265)

      فقال عبيدة: انا عبيدة بن حارث بن عبدالمطلب، فقال كفو كريم فمن هذان؟ قال حمزة بن عبدالمطلب وعلي بن ابي طالب (عليه السلام)، فقال كفوان كريمان لعن الله من اوقفنا واياكم هذا الموقف، فقال شيبة لحمزة من انت؟ فقال انا حمزة ابن عبدالمطلب اسد الله واسد رسوله، وقال له شيبة لقد لقيت اسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا اسد الله! فحمل عبيدة على عتبة فضربه على راسه ضربة ففلق هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقه قطعها، وسقطا جميعا، وحمل حمزة علي شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما؟، وكل واحد يتقى بدرقته (1) وحمل امير المؤمنين (عليه السلام) على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فاخرج السيف من ابطه، فقال علي (عليه السلام) فاخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت ان السماء وقعت علي الارض، ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون يا علي اما ترى الكلب قد ابهر عمك، فحمل علي (عليه السلام) ثم قال يا عم طأطأ رأسك وكان حمزة اطول من شيبة فادخل حمزة رأسه في صدره فضربه امير المؤمنين (عليه السلام) علي رأسه فطير نصفه، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فاجهز عليه، وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتى اتيا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستعبر، فقال يارسول الله يا بي انت وامي الست شهيدا؟ فقال بلي انت اول شهيد من اهل بيتي قال اما لو كان عمك حيا لعلم اني اولي بما قال منه، قال واي اعمامي تعني؟ قال ابوطالب حيث يقول (عليه السلام):

      كذبتم وبيت الله نبرأ محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن ابنائنا والحلائل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله وابنه الآخر في جهاد الله بارض الحبشة فقال يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) الدرقة بفتحتين الترس. (*)





      ===============

      (266)

      فقال ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.

      وقال ابوجهل لقريش لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر ابناء ربيعة، عليكم باهل يثرب فاجزروهم جزرا وعليكم بقريش فخذوهم اخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها وكان فتية من قريش اسلموا بمكة فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم علي الشك والارتياب والنفاق منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وابوقيس بن الفاكهة والحارث بن ربيعة وعلي ابن امية بن خلف والعاص بن المنية، فلما نظروا إلى قلة اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالوا مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة، فانزل الله علي رسوله؟

      (اذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم) وجاء ابليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم انا جاركم ادفعوا الي رايتكم، فدفعوها اليه وجاء بشياطينه يهول بهم علي اصحاب رسول الله ويخيل اليهم ويفزعهم واقبلت قريش يقدمها ابليس معه الراية فنظر اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال غضوا ابصاركم وعضوا علي النواجذ ولا تسلوا سيفا حتى آذن لكم ثم رفع يده إلى السماء وقال " يارب ان تهلك هذه العصانة؟ لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " ثم اصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه ويقول: هذا جبرئيل قد اتاكم في الف من الملائكة مردفين قال فنظرنا فاذا بسحابة سوداء فيها برق لايح قد وقعت على عسكر رسول الله وقائل يقول اقدم حيزوم اقدم حيزوم! وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ونظر ابليس إلى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء فاخذ منية بن الحجاج بمجامع ثوبة ثم قال ويلك ياسراقة تفت في اعضاد الناس فركله ابليس ركلة (1) في صدره وقال اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله وهو قول الله (واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) الركل: الضرب برجل واحدة (*)



      ===============

      (267)

      وقال اني برئ منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب) ثم قال عزوجل (ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم وذوقوا عذاب الحريق).

      قال وحمل جبرئيل علي ابليس فطلبه حتى غاص في البحر، وقال رب انجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين، روي في الخبر ان ابليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة فقال يا هذا أبدا لكم فيما اعطيتمونا؟ فقيل لابي عبدالله (عليه السلام) أترى كان يخاف ان يقتله؟ فقال لا ولكنه كان يضربه ضربا يشينه منها إلى يوم القيامة، وانزل علي رسوله (صلى الله عليه وآله) (اذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان) قال اطراف الاصابع، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطفئ نور الله ويأبي الله الا ان يتم نوره، وخرج ابوجهل من بين الصفين فقال ان محمدا (صلى الله عليه وآله) قطعنا الرحم واتانا بما لا نعرفه فاحنه (1) الغداة فانزل الله علي رسوله (ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وان تنتهوا فهو خير لكم وان تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين) ثم اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفا من حصى فرمى به وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللهم لا يفلتن فرعون هذه الامة ابوجهل بن هشام، فقتل منهم سبعون، واسر منهم سبعون، والتقى عمرو بن الجموح مع ابي جهل فصرب عمرو ابا جهل بن هشام علي فخذيه وضرب ابوجهل عمرو على يده فابانها من العضد فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو علي يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) يقال " حن عني شرك " اي كفه. (*)



      ===============

      (268)

      الجلدة ورمى بيده، وقال عبدالله بن مسعود انتهيت إلى ابي جهل وهو يتشحط في دمه فقلت الحمد لله الذي اخزاك، فرفع رأسه فقال إنما اخزى الله عبد بن ام عبدالله لمن الدين ويلك قلت لله ولرسوله واني قاتلك ووضعت رجلي على عنقه فقال ارتقيت مرتقا صعبا يارويعي الغنم اما انه ليس شئ اشد من قتلك إياي في هذا اليوم الا تولى قتلي رجل من المطمئنين او رجل من الاحلاف (1) فاقتلعت بيضة؟ كانت على رأسه فقتلته واخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت يا رسول الله البشرى هذا رأس ابي جهل بن هشام، فسجد لله شكرا واسر ابوبشر الانصاري العباس بن عبدالمطلب وعقيل بن ابي طالب (عليه السلام) وجاء بهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له هل اعانك عليهما احد؟ قال نعم رجل عليه ثياب بياض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذاك من الملائكة ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس افد نفسك وابن اخيك، فقال يا رسول الله قد كنت اسلمت ولكن القوم استكرهوني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعلم باسلامك ان يكن ما تذكر حقا فان الله يجزيك عليه واما ظاهر امرك فقد كنت علينا ثم قال (صلى الله عليه وآله) ياعباس انكم خاصمتم الله فخصمكم، ثم قال افد نفسك وابن اخيك وقد كان العباس اخذ معه اربعين اوقية من ذهب فغنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما قال (صلى الله عليه وآله) للعباس افد نفسك فقال يا رسول الله احسبها من فدائي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا، ذاك اعطانا الله منك، فافد نفسك وابن اخيك، فقال العباس فليس لي مال غير الذي ذهب مني، قال بلى المال الذي خلفته عند ام الفضل بمكة. فقلت لها ان حدث علي حدث فاقسموه بينكم. فقال ما تتركني إلا وانا اسئل الناس بكفي. فانزل

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) وفى نسخة " الاجلاف " والجلف كالحلف: الاحمق، المطمئن من الارض: ما انخفض منها والمراد هنا الوضيع يعني لو تولى كل وضيع قتلى غيرك. ج. ز (*)



      ===============

      (269)

      الله على رسوله في ذلك (يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) ثم قال (وان يريدوا خيانتك ـ في علي ـ فقد خانوا الله من قبل فامكن منهم والله عليم حكيم) ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعقيل. قد قتل الله يا ابا يزيد ابا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشبيب بن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج ونوفل بن خويلد وسهيل بن عمرو والنظر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن ابي معيط وفلانا وفلانا، فقال عقيل اذا لا تنازع في تهامة فان كنت قد اثخنت القوم إلا فاركب اكتافهم فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله.

      وكان القتلى ببدر سبعين والاسرى سبعين قتل منهم امير المؤمنين (عليه السلام) سبعة وعشرين ولم يوسر احدا، فجمعوا الاسارى وقرنوهم في الجمال وساقوهم على اقدامهم وجمعوا الغنائم، وقتل من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة رجال فمنهم سعد بن خثيمة وكان من النقباء فرحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل الاثيل عند غروب الشمس وهو من بدر علي ستة اميال فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عقبة بن ابي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد، فقال النضر لعقبة يا عقبة انا وانت من المقتولين فقال عقبة من بين قريش قال نعم لان محمدا قد نظر الينا نظرة رأيت فيها القتل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ياعلي علي بالنضر وعقبة وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر فجاء علي فاخذ بشعره فجره إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال النضر يا محمد اسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا اجريتني كرجل من قريش ان قتلتهم قتلتني وان فاديتهم فاديتني وان اطلقتهم اطلقتني فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا رحم بينى وبينك قطع الله الرحم بالاسلام قدمه ياعلي فاضرب عنقه، فقال عقبة يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبرا، قال أفانت من قريش؟ إنما أنت علج من اهل صفورية لانت في الميلاد اكبر من ابيك الذي تدعى له لست منها قدمه



      ===============

      (270)

      ياعلي فاضرب عنقه، فقدمه وضرب عنقه فلما قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) النضر وعقبة خافت الانصار ان يقتل الاسارى كلهم فقاموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قتلنا سبعين واسرنا سبعين وهم قومك واساراك هبهم لنا يارسول الله وخذ منهم الفداء واطلقهم فانزل الله عليهم (ما كان النبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فاطلق لهم ان يأخذوا الفداء ويطلقوهم وشرط انه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك فلما كان يوم احد قتل من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعون رجلا فقال من بقي من اصحابه يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما هذا الذي اصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر! فانزل الله عزوجل فيهم (او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها) ببدر قتلتم سبعين واسرتم سبعين (قلتم انى هذا قل هو من عند انفسكم) (1) بما اشترطتم.

      رجع الحديث إلى تفسير الآيات التي لم تكتب في قوله (وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم) قال العير او قريش وقوله (وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم) قال ذات الشوكة الحرب قال تودون العير لا الحرب (ويريد الله ان يحق الحق بكلماته) قال الكلمات الائمة (عليهم السلام) وقوله: (ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله) اي عادوا الله ورسوله، ثم قال عزوجل (ياايها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) اي يدنوا بعضكم من بعض. (فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) يعني يرجع (او متحيزا إلى فئة) يعني يرجع إلى صاحبه وهو الرسول او الامام، فقد كفرو (باء بغضب من الله وماواه جهنم وبئس المصير) ثم قال (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) اي انزل الملئكة حتى قتلوهم ثم قال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) يعني الحصى الذي حمله

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) آل عمران 165 (*)



      (271)

      رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورمى به في وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " ثم قال (ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين) اي مضعف كيدهم وحيلتهم ومكرهم، وقوله (ياايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم) قال الحياة الجنة وقوله (واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) اي يحول بين ما يريد الله وبين ما يريده.

      حدثنا احمد بن محمد عن جعفر بن عبدالله عن كثير بن عياش عن ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " ياايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " يقول ولاية علي بن ابي طالب (عليه السلام) فان اتباعكم إياه وولايته اجمع لامركم وابقى للعدل فيكم، واما قوله " واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه " يقول يحول بين المؤمن ومعصيته التي تقوده إلى النار ويحول بين الكافر وبين طاعته ان يستكمل به الايمان واعلموا ان الاعمال بخواتيمها، وقوله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فهذه في اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، قال الزبير يوم هزم اصحاب الجمل لقد قرأت هذه الآية وما احسب اني من اهلها حتى كان اليوم، لقد كنت اتقيها ولا اعلم اني من اهلها.

      رجع إلى تفسير علي بن ابراهيم قوله " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " قال نزلت في الزبير وطلحة لما حاربا امير المؤمنين (عليه السلام) وظلموه وقوله (واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فآواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) نزلت في قريش خاصة وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون) نزلت في ابي لبابة بن عبدالمنذر فلفظ الآية عام ومعناها خاص وهذه الآية نزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار بدر وكانت بدر على رأس ستة عشر شهرا



      ===============

      (272)

      من مقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة ونزلت مع الآية التي في سورة التوبة قوله " آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا " الآية نزلت في ابي لبابة فهذا دليل على ان التأليف على خلاف ما انزله الله على نبيه (صلى الله عليه وآله).

      وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون " فخيانة الله والرسول معصيتهما واما خيانة الامانة فكل انسان مأمون على ما افترض الله عليه.

      رجع إلى تفسير علي بن ابراهيم قوله (ياأيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق والباطل (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) وقوله (وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فانها نزلت بمكة قبل الهجرة وكان سبب نزولها انه لما اظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدعوة بمكة قدمت عليه الاوس والخزرج، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تمنعوني وتكونون لي جارا حتى اتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا نعم خذ لربك ولنفسك ما شئت، فقال لهم موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فحجوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير، فلما كان اليوم الثاني من ايام التشريق قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان الليل فاحضروا دار عبدالمطلب على العقبة ولا تنبهوا نأئما ولينسل واحد فواحد، فجاء سبعون رجلا من الاوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تمنعوني وتجيروني حتى اتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقال سعد بن زرارة والبراء بن مغرور (معرور ط) وعبدالله بن حزام نعم با رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال اما ما اشترط لربي فان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون انفسكم وتمنعوا اهلى مما تمنعون اهاليكم



      ===============

      (273)

      واولادكم، فقالوا ومالنا على ذلك؟ فقال الجنة في الآخرة وتملكون العرب وتدين لكم العجم في الدنيا،... فقالوا قد رضينا، فقال اخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما اخذ موسى من بني اسرائيل اثني عشر نقيبا فاشار اليهم جبرئيل فقال هذا نقيب هذا نقيب تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس فمن الخزرج سعد بن زرارة والبراء بن مغرور وعبدالله بن حزام و (وهوك) ابوجابر بن عبدالله ورافع بن مالك وسعد بن عبادة والمنذر بن عمر وعبدالله بن رواحة وسعد بن الربيع وعبادة بن والصامت ومن الاوس ابوالهشيم بن التيهان وهو من اليمن واسد بن حصين وسعد ابن خثيمة، فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاح ابليس يا معشر قريش والعرب! هذا محمد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فاسمع اهل منى وهاجت قريش فاقبلوا بالسلاح وسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) النداء فقال للانصار تفرقوا، فقالوا يا رسول الله ان امرتنا ان نميل عليهم باسيافنا فعلنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم اومر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم، قالوا أفتخرج معنا قال انتظر امر الله فجاءت قريش على بكره ابيها (1) قد اخذوا السلاح، وخرج حمزة وامير المؤمنين (عليه السلام) ومعهما السيوف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش اليهما قالوا ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة ما اجتمعنا وما ههنا احد والله لا يجوز هذه العقبة احد إلا ضربته بسيفي فرجعوا إلى مكة وقالوا لا نأمن من ان يفسد امرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فاجتمعوا في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد اتى عليه اربعون سنة، فدخلوا اربعون رجلا من مشايخ قريش، وجاء ابليس لعنه الله في صورة شيخ كبير فقال

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) يقال جاء القوم على بكرة ابيهم: اي جاؤا جميعا لم يتخلف منهم احد ج. ز (*)



      ===============

      (274)

      له البواب من أنت فقال انا شيخ من اهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب اني حيث بلغني اجتماعكم في امر هذا الرجل فجئت لاشير عليكم، فقال الرجل ادخل فدخل ابليس.

      فلما اخذوا مجلسهم قال ابوجهل يامعشر قريش انه لم يكن احد من العرب اعز منا، نحن اهل الله تغدو الينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبدالله فكنا نسميه الامين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ واكرمناه ادعى انه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان اخبار السماء تأتيه فسفه احلامنا وسب آلهتنا وافسد شبابنا وفرق جماعتنا وزعم انه من مات من اسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شئ اعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأيا قالوا وما رأيت؟ قال رأيت ان ندس اليه رجلا منا ليقتله، فان طلبت بنو هاشم بدمه اعطيناهم عشر ديات، فقال الخبيث هذا رأي خبيث قالوا وكيف ذلك؟ قال لان قاتل محمد مقتول لا محالة فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فانه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة وان بني هاشم لا ترضى ان يمشي قاتل محمد على الارض فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا. فقال آخر منهم فعندي رأي آخر، قال وما هو؟ قال نثبته في ييت ونلقى اليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس، فقال ابليس هذا اخبث من الآخر. قال وكيف ذلك؟

      قال لان بني هاشم لا ترضى بذلك، فاذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فاخرجوه، قال آخر منهم لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا، قال ابليس هذا اخبث من الرأيين المتقدمين قالوا وكيف ذاك؟ قال لانكم تعمدون إلى اصبح الناس وجها وانطق الناس لسانا وافصحهم لهجة فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه فلا يفجأكم



      ===============

      (275)

      إلا وقد ملاها عليكم خيلا ورجلا، فبقوا حائرين ثم قالوا لابليس فما الرأي فيه ياشيخ؟ قال ما فيه إلا رأي واحد، قالوا وما هو؟ قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة او حديدة او سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فان سألوكم ان تعطوا الدية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم وعشر ديات، ثم قالوا الرأي رأي الشيخ النجدي، فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك ابولهب عم النبي، ونزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واخبره ان قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك وانزل عليه في ذلك " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " واجتمعت قريش ان يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت فانزل الله (وما كان صلوتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فالمكاء التصفير والتصدية صفق اليدين وهذه الآية معطوفة على قوله " وإذا يمكر بك الذين كفروا " وقد كتبت.

      بعد آيات كثيرة.

      فلما امسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال ابولهب لا ادعكم ان تدخلوا عليه بالليل فان في الدار صبيانا ونساءا ولا نأمن ان تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة، فاذا اصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يفرش له ففرش له فقال لعلي بن ابي طالب افدني بنفسك، قال نعم يا رسول الله قال نم على فراشي والتحف ببردتي فنام علي على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتحف ببردته (1) وجاء جبرئيل فاخذ

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) اقول وعند ذلك نزل جبرئيل بالآية: ومن الناس من يشري نفسه = (*)



      ===============

      (276)

      بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم " وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون " وقال له جبرئيل خذ على طريق ثور، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور، فدخل الغار وكان من امره ما كان فلما اصبحت قريش واتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي في وجوههم، فقال ما شأنكم؟ قالوا له اين محمد؟ قال اجعلتموني عليه رقيبا؟ الستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم، فاقبلوا يضربون ابا لهب ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة، فتفرقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له ابوكرز يقفو الآثار، فقالوا له ياابا كرز اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال هذه قدم محمد والله انها لاخت القدم التي في المقام وكان ابوبكر استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرده معه، فقال ابوكرز وهذه قدم ابن ابي قحافة او ابيه ثم قال وههنا عبر ابن ابي قحافة فما زال بهم حتى اوقفهم على باب الغار، ثم قال ما جاوزا هذا المكان اما ان يكونا صعدا إلى السماء او دخلا تحت الارض، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله (صلى الله عليه وآله) ثم اذن لنبيه في الهجرة.

      وقوله (واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم) فانها نزلت لما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقريش ان

      ـــــــــــــــــــــــــ

      = ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد (البقرة 207) وقد ذكر القندوزي في الينا بيع وغيره قضية مباهاة الله على الملائكة من هذا الايثار والفداء العظيم الذي اظهره علي بن ابي طالب عليه السلام ليلة الهجرة فراجع. ج. ز (*)



      ===============

      (277)

      الله بعثني ان اقتل جميع ملوك الدنيا واجر الملك اليكم فاجيبوني إلى ما ادعوكم اليه تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملوكا في الجنة، فقال ابوجهل اللهم ان كان هذا الذي يقوله محمد (صلى الله عليه وآله) هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء اوآتنا بعذاب اليم، حسدا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال كنا وبنو هاشم كفرسي رهان نحمل اذا حملوا ونطعن إذا طعنوا ونوقد إذا اوقدوا (1) فلما استوى بنا وبهم الركب قال قائل منهم منا نبي، لا نرضى بذلك ان يكون في بني هاشم ولا يكون في بني مخزوم، ثم قال غفرانك اللهم فانزل الله في ذلك (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) حين قال غفرانك اللهم، فلما هموا بقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) واخرجوه من مكة قال الله (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا اولياءه) يعني قريشا ما كانوا اولياء مكة (ان اولياؤه إلا المتقون) انت واصحابك يامحمد فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا، قال وحدثني ابي عن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقامي بين اظهركم خير لكم فان الله يقول " وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم " ومفارقتي اياكم خير لكم فقالوا يارسول الله مقامك بين اظهرنا خير لنا فكيف تكون مفارقتك خيرا لنا؟ قال اما ان مفارقتي اياكم خير لكم فان اعمالكم تعرض علي كل خميس واثنين فما كان من حسنة حمدت الله عليها وما كان من سيئة استغفرت الله لكم واما قوله (ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) قال نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم واخبرهم بخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طلب العير فاخرجوا اموالهم

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (2) يقال " اوقدت بك زنادي " اي نجح بك امري. ج. ز (*)



      ===============

      (278)

      وحملوا وانفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار وكان ما انفقوا حسرة عليهم وقوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) اي كفرا وهى ناسخة لقوله " كفوا ايديكم " ولقوله " ودع اذاهم " قوله (واعلموا الجزء (10) انما غنتمهم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) وهو الامام (واليتامى والمساكين وابن السبيل) فهم أيتام آل محمد خاصة ومساكينهم وابناء سبيلهم خاصة فمن الغنيمة يخرج الخمس ويقسم علي ستة اسهم: سهم لله وسهم لرسول الله وسهم للامام، فسهم الله وسهم الرسول يرثه الامام (عليه السلام) فيكون للامام ثلاثة اسهم من ستة وثلاثة اسهم لايتام آل الرسول ومساكينهم وابناء سبيلهم، إنما صارت للامام وحده من الخمس ثلاثة اسهم لان الله قد الزمه ما ألزم النبي من تربية الايتام ومؤن المسلمين وقضاء ديونهم وحملهم في الحج والجهاد وذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما انزل الله عليه " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم " وهو اب لهم فلما جعله الله ابا للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد فقال عند ذلك من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا او ضياعا فعلى الوالي، فلزم الامام ما لزم الرسول فلذلك صار له من الخمس ثلاثة اسهم.

      قوله (واذ انتم بالعدوة (1) الدنيا وهم بالعدوة القصوى) يعني قريشا حيث نزلوا بالعدوة اليمانية ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث نزل بالعدوة الشامية (والركب اسفل منكم) وهي العير التي افلتت ثم قال ولو تواعدتم للحرب لما وفيتم ولكن الله جمعكم من غير ميعاد كان بينكم (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) قال يعلم من بقي ان الله نصره وقوله (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو اريكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر) فالمخاطبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) العدوة بضم العين وكسرها قرء بهما في السبعة: شاطي الوادي (مجمع) (*)



      ===============

      (279)

      والمعنى لاصحابه اراهم الله قريشا في نومهم انهم قليل ولو اراهم كثيرا لفزعوا.

      حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن على عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة عن ابي جعفر صلوات الله عليه في قوله (ان شر الدواب عندالله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) قال ابوجعفر (عليه السلام) نزلت في بني امية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون قوله (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل عام مرة) فهم اصحابه الذين فروا يوم احد قوله (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على السواء) نزلت في معاوية لما خان امير المؤمنين (عليه السلام) قوله (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) قال السلاح قوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) قال هى منسوخة بقوله " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وانتم الاعلون والله معكم " نزلت هذه الآية اعني قوله " وان جنحوا للسلم " قبل نزول قوله " يسئلونك عن الانفال " وقبل الحرب، وقد كتبت في آخر السورة بعد انقضاء اخبار بدر وقوله (وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم) قال نزلت في الاوس والخزرج.

      وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال ان هؤلاء قوم كانوا معه من قريش فقال الله " فان حسبك الله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم " إلى آخر الآية فهم الانصار كان بين الاوس والخزرج حرب شديد وعداوة في الجاهلية فالف الله بين قلوبهم ونصر بهم نبيه (صلى الله عليه وآله) فالذين الف بين قلوبهم هم الانصار خاصة، رجع إلى رواية علي بن ابراهيم قوله (ياايها النبي حرض المؤمنين علي القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا) قال كان الحكم في اول النبوة في اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان



      ===============

      (280)

      الرجل الواحد وجب عليه ان يقاتل عشرة من الكفار، فان هرب منهم فهو الفار من الزحف (1) والمائة يقاتلون الفا ثم علم الله ان فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فانزل الله (ألآن خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) ففرض الله عليهم ان يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفار فان فر منهما فهو الفار من الزحف، فان كانوا ثلاثة من الكفار وواحد من المسلمين ففر المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف، وقوله (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك بعضهم اولياء بعض) فان الحكم كان في اول النبوة ان المواريث كانت على الاخوة لا على الولادة، فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة آخا بين المهاجرين وبين الانصار فكان اذا مات الرجل برثه اخوه في الدين ويأخذ المال وكان ما ترك له دون ورثته، فلما كان بعد؟ بدر انزل الله " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم واولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا ان تفعلوا إلى اوليائكم معروفا " فنسخت آية الاخوة بقوله " اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض " قوله (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فانها نزلت في الاعراب وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صالحهم علي ان يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة وعلى انه ان ارادهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) غزا بهم وليس لهم في الغنيمة شئ واوجبوا على النبي انه ان ارادهم الاعراب من غيرهم او دهاهم دهم من عدوهم ان ينصرهم إلا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدة (والذين كفروا بعضهم اولياء بعض) يعني هم يوالي بعضهم بعضا ثم قال (إلا تفعلوه) يعني ان لم تفعلوه فوضع حرف مكان حرف (تكن فتنة في الارض وفساد كبير)

      ـــــــــــــــــــــــــ

      (1) الزحف: الجيش. ق (*)



      ===============

      (281)

      ثم قال (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) قال نسخت قوله " والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم ".

      Comment

      • راية اليماني
        مشرف
        • 05-04-2013
        • 3021

        #18
        رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

        سورة التوبة

        سورة التوبة مدنية مأة وتسع وعشرون آية (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) قال حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابى الصباح الكنانى عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غزوة تبوك في سنة سبع من الهجرة قال وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة وكان سنة في العرب في الحج انه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له امساكها وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، وكان من وافى مكة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثم يرده ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ومن لم يجد عارية ولا كراءا ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت ثوبا عارية او كراءا فلم تجده، فقالوا لها ان طفت في ثيابك احتجت ان تتصدقي بها فقالت وكيف اتصدق بها وليس لي غيرها فطافت بالبيت عريانة، واشرف عليها الناس فوضعت احدى يديها على قبلها والاخرى على دبرها فقالت مرتجزة:

        اليوم يبدو بعضه او كله * فما بدا منه فلا احله فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت ان لي زوجا.

        وكانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل نزول سورة البراءة ان لا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب إلا من حاربه واراده وقد كان نزل عليه في ذلك من الله



        ===============

        (282)

        عزوجل " فان اعتزلوكم ولم يقاتلوا كم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا (1) " فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقاتل احدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة البراءة وامره الله بقتل المشتركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلا الذين قد كان عاهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة إلى مدة، منهم صفوان بن امية وسهيل ابن عمرو، فقال الله عزوجل " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض اربعة اشهر " ثم يقتلون حيث ما وجدوا فهذه اشهر السياحة عشرون من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشرة من شهر ربيع الآخر، فلما نزلت الآيات من اول براءة دفعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ابي بكر وامره ان يخرج إلى مكة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر، فلما خرج ابوبكر نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يامحمد لا يؤدي عنك إلا رجل منك، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) امير المؤمنين (عليه السلام) في طلبه فلحقه بالروحا فاخذ منه الآيات فرجع ابوبكر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول اللهءأنزل الله في شئ؟ قال لا ان الله امرني ان لا يؤدي عني إلا انا او رجل مني.

        قال فحدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن الرضا قال قال امير المؤمنين (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرني ان ابلغ عن الله ان لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام وقرأ عليهم " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض اربعة اشهر " فاحل الله للمشركين الذين حجوا تلك السنة اربعة اشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ثم يقتلون حيث وجدوا، قال وحدثني ابي عن فضالة بن ايوب عن ابان بن عثمان عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في قوله (واذان من الله ورسوله) قال الاذان امير المؤمنين (عليه السلام) وفي حديث آخر قال امير المؤمنين (عليه السلام) كنت انا الاذان في الناس وقوله (يوم الحج الاكبر) قال هو يوم النحر ثم

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) النساء 89. (*)



        ===============

        (283)

        استثنى عزوجل فقال (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم احدا فاتموا اليهم عهدهم إلى مدتهم ان الله يحب المتقين فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ـ إلى قوله ـ غفور رحيم) ثم قال (وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه) قال إقرأ عليه وعرفه لا تتعرض له حتى يرجع إلى مأمنه واما قوله (وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) فانها نزلت في اصحاب الجمل وقال امير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلا بآية من كتاب الله عزوجل يقول الله " وان نكثوا ايمانهم من بعد بعهدهم وطعنوا في دينكم إلى آخر الآية " فقال امير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته الزهراء: والله لقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا اربع فقال ياعلي! انك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين أفاضيع ما امرني به رسول الله (صلى الله عليه وآله) او أكفر بعد اسلامي؟ " وقوله (ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) اي لما ير فاقام العلم مقام الرؤية لانه قد علم قبل ان يعلموا.

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) يعني بالمؤمنين آل محمد والوليجة البطانة (1) وقال على بن ابراهيم في قوله (ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على انفسهم بالكفر) اي لا يعمروا وليس لهم ان يقيموا وقد اخرجوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه ثم قال: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.

        الآية) وهي محكمة واما قوله (أجعلتم سفاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) اي خاصته وما يتخذه معتمدا عليه. (مجمع) (*)



        ===============

        (284)

        آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) فانه حدثني ابي عن صفوان عن ابن مسكان عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) قال نزلت في على وحمزة والعباس وشيبة قال العباس انا افضل لان سقاية الحاج بيدي وقال شيبة انا افضل لان حجابة البيت وقال حمزة انا افضل لان عمارة البيت بيدي وقال علي أنا افضل آمنت قبلكم ثم هاجرت وجاهدت فرضوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) حكما فانزل الله " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام إلى قوله عنده اجر عظيم ".

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال نزلت هذه الآية في علي ابن ابي طالب (عليه السلام) قوله " كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ثم وصف علي بن ابي طالب (عليه السلام) (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون) ثم وصف ما لعلي (عليه السلام) عنده فقال (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم) قوله (قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها) يقول اكتسبتموها.

        وقال علي بن ابراهيم لما اذن امير المؤمنين (عليه السلام) بمكة ان لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام جزعت قريش جزعا شديدا وقالوا ذهبت تجارتنا وضاعت عيالنا وخربت دورنا فانزل الله عزوجل في ذلك قل يامحمد (ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين) قوله (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) حدثني محمد بن عمير قال كان المتوكل قد اعتل علة شديدة



        ===============

        (285)

        فنذر ان عافاه الله ان يتصدق بدنانير كثيرة او قال بدراهم كثيرة فعوفي، فجمع العلماء فسألهم عن ذلك فاختلفوا عليه، قال احدهم عشرة آلاف وقال بعضهم مائة الف فلما اختلفوا قال له عبادة ابعث إلى ابن عمك على بن محمد بن على الرضا (عليهم السلام) فاسأله فبعث اليه فسأله فقال الكثير ثمانون، فقالوا له رد اليه الرسول فقل من اين قلت ذلك؟ فقال من قوله تعالى لرسوله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " وكانت المواطن ثمانين موطنا، وقال علي بن ابراهيم في قوله (ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) فانه كان سبب غزوة حنين انه لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فتح مكة اظهر انه يريد هوازن وبلغ الخبر هوازن فتهيئوا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمعوا رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النضري فرأسوه عليهم وخرجوا وساقوا معهم اموالهم ونساءهم وذراريهم ومروا حتى نزلوا باوطاس وكان دريد بن الصمة الجشمي في القوم وكان رئيس جشم وكان شيخا كبيرا قد ذهب بصره من الكبر فلمس الارض بيده فقال في اي واد انتم؟ قالوا بوادي اوطاس قال نعم مجال خيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس (1) مالي اسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وخوار البقر وثغاء الشاة وبكاء الصبي، فقالوا له ان مالك بن عوف ساق مع الناس اموالهم ونساءهم وذراريهم ليقاتل كل امرئ عن نفسه وماله واهله، فقال دريد: راعي ضأن ورب الكعبة! ماله وللحرب، ثم قال ادعوهم لى مالكا فلما جاءه قال له يامالك ما فعلت؟ قال سقت مع الناس اموالهم ونساءهم وابناءهم ليجعل كل رجل اهله وماله وراء ظهره فيكون اشد

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) الحزن: ما غلظ من الارض، الضرس: الامكنة الخشنة، الدهس:

        المكان السهل. (*)



        ===============

        (286)

        لحربه، فقال يا مالك انك اصبحت رئيس قومك وانك تقاتل رجلا كبيرا وهذا اليوم لما بعده ولم تضع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا (1) ويحك وهل يلوي المنهزم على شئ؟ اردد بيضة هوازن إلى عليا بلادهم وممتنع محالهم وابق الرجال على متون الخيل فانه لا ينفعك إلا رجل بسيفه ودرعه وفرسه فان كانت لك لحق بك من وراؤك وان كانت عليك لا تكون قد فضحت في اهلك وعيالك، فقال له مالك انك قد كبرت وذهب علمك وعقلك فلم يقبل من دريد فقال دريد ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا لم يحضر منهم أحد قال غاب الجد والحزم لو كان يوم علا وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب قال فمن حضرها من هوازن؟

        قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك الجذعان لا ينفعان ولا يضران ثم تنفس دريد وقال حرب عوان ليتني فيها جذع احب فيها واضع اقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع. (2) وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجتماع هوازن باوطاس فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد ووعدهم النصر وان الله قد وعده ان يغنمه اموالهم ونساءهم وذراريهم فرغب الناس وخرجوا على راياتهم وعقد اللواء الاكبر ودفعه إلى امير المؤمنين (عليه السلام) وكل من دخل مكة براية امره ان يحملها، وخرج في اثنى عشر الف رجل عشرة آلاف ممن كانوا معه.

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال وكان معه من بني سليم الف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ومن مزينة، الف رجل، رجع الحديث إلى علي بن ابراهيم قال فمضوا حتى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة قال وقال مالك بن عوف لقومه ليصير كل رجل منكم اهله وماله خلف ظهره واكسروا

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) اي لم تخف في عرض جميغة هوزان على سيوف العدو.

        (2) (العوان الحرب الشديدة) الجذع الشاب اخب واضع اى اسرع، الزمع الرعدة التى تكون عند الخوف، والصدع من الظباء والحمر: الفتى الشاب القوى. ج. ز (*)



        ===============

        (287)

        جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فاذا كان في غلس الصبح فاحملوا حملة رجل واحد وهدوا القوم فان محمدا لم يلق احدا يحسن الحرب قال فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد وكانت بنو سليم على مقدمة فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم وبقى امير المؤمنين (عليه السلام) يقاتلهم في نفر قليل ومر المنهزمون برسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يلوون على شئ وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن يمينه وابوسفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب عن يساره فاقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينادي يامعشر الانصار إلى اين المفر؟ ألا انا رسول الله فلم يلو أحد عليه وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول: اين تفرون عن الله وعن رسوله؟ ومر بها عمر فقالت له ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها هذا امر الله فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه، فقال يا عباس اصعد هذا الطرب (1) وناد ياأصحاب البقرة! ويااصحاب الشجرة! إلى اين تفرون هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله).

        ثم رفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده فقال: اللهم لك الحمد واليك المشتكى وانت المستعان، فنزل جبرئيل (عليه السلام) عليه فقال له يارسول الله دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابي سفيان بن الحارث ناولني كفا من حصى فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال شاهت الوجوه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: " اللهم ان تهلك هذه العصابة لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " فلما سمعت الانصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون لبيك ومروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) واستحيوا ان يرجعوا اليه ولحقوا بالراية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس من هؤلاء ياابا الفضل؟

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) الطرب ككتف فرس النبى صلى الله عليه وآله ق (*)



        ===============

        (288)

        فقال يارسول الله هؤلاء الانصار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الآن حمي الوطيس (1) ونزل النصر من السماء وانهزمت هوازن فكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو وانهزموا في كل وجه وغنم الله رسوله اموالهم ونساءهم وذراريهم وهو قول الله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين ".

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا) وهو القتل (وذلك جزاء الكافرين) قال وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو اسير في ايديهم اين الخيل البلق والرجال عليهم الثياب البيض؟ فانما كان قتلنا بايديهم وما كنا نريكم فيهم إلا كهيئة الشامة قالوا تلك الملائكة قوله (ياايها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وان خفتم علية فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ان الله عليم حكيم) وهي معطوفة علي قوله " قل ان كان آباؤكم الآية " قوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا بدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) حدثنا محمد بن عمير وقال حدثني ابراهيم بن مهزيار عن اخيه علي بن مهزيار عن اسماعيل بن سهل عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قلت لابي عبدالله (عليه السلام) ما حد الجزية على اهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شئ يوصف لا ينبغي ان يجوز إلى غيره؟ فقال ذلك إلى الامام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله ما يطيق إنما هم قوم فدوا انفسهم من ان يستعبدوا أو يقتلوا فالجزية تؤخذ منهم ما يطيقون له أن يؤخذ منهم بها حتى يسلموا فان الله قال " حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون " (قلت ط) وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه (قال ط) لا حتى يجد ذلا لما اخذ منه فيتألم لذلك فيسلم وفي رواية

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) الوطيس التنوراى اشتدت الحرب ق. (*)



        ===============

        (289)

        ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله والمسيح بن مريم) اما المسيح فعصوه وعظموه في انفسهم حتى زعموا انه إله وانه ابن الله وطائفة منهم قالوا ثالث ثلاثة وطائفة منهم قالوا هو الله واما احبارهم ورهبانهم فانهم اطاعوهم واخذوا بقولهم واتبعوا ما امروهم به ودانوا بهم بما دعوهم اليه فاتخذوهم اربابا بطاعتهم لهم وتركهم ما امر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم وما امرهم به الاحبار والرهبان اتبعوه واطاعوهم وعصموا الله وإنما ذكر هذا في كتابنا لكى نتعظ بهم فعير الله بني اسرائيل بما صنعوا يقول الله (وما امروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون).

        قال علي بن ابراهيم في قوله (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فانها نزلت في القائم من آل محمد وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) فان الله حرم كنز الذهب والفضة وامر بانفاقه في سبيل الله وقوله (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) قال كان ابوذر الغفاري يغدو كل يوم وهو بالشام وينادي باعلى صوته بشر اهل الكنوز بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور ابدا حتى يتردد الحر في اجوافهم وقال علي بن ابراهيم في قوله (ان عدة الشهور عندالله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم) فالآن يعد الحرم منها ذوالقعدة وذوالحجة والمحرم ثلاثة متواليات ورجب مفرد وحرم الله فيها القتال.

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (وقاتلوا المشركين



        ===============

        (290)

        كافة) يقول جميعا كما يقاتلونكم كافة وقال على بن ابراهيم في قوله (انما النسئ زيادة في الكفر الخ) فانه كان سبب نزولها ان رجلا من كنانة كان يقف في الموسم فيقول قد احللت دماء المحدين؟ من طى وخثعم في شهر المحرم وانسأته وحرمت بدله صفر فاذا كان العام المقبل يقول قد احللت صفر وانسأته وحرمت بدله شهر المحرم فانزل الله " انما النسى زيادة في الكفر ـ إلى قوله ـ زين لهم سوء اعمالهم " وقوله (الا تنصروه فقد نصره الله اذا خرجه الذين كفروا ثانى اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فانه حدثنى ابى عن بعض رجاله رفعه إلى ابى عبدالله قال لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار قال لفلان كانى انظر إلى سفينة جعفر في اصحابه يقوم في البحر وانظر إلى الانصار محتسبين في افنيتهم فقال فلان وتراهم يارسول الله قال نعم قال فارنيهم فمسح على عينيه فرآهم (فقال في نفسه الآن صدقت انك ساحر ط) فقال له رسول الله انت الصديق وقوله (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا) قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (والله عزيز حكيم) وقوله (انفروا خفافا وثقالا) قال شبابا وشيوخا يعنى إلى غزوة تبوك وفى رواية ابي الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله (لو كان عرضا قريب) يقول غنيمة قريبة (لاتبعوك) وقال علي بن ابراهيم في قوله (ولكن بعدت عليهم الشقة) يعني إلى تبوك وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يسافر سفرا ابعد منه ولا اشد منه وكان سبب ذلك ان الصيافة كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرموك (1) والطعام وهم الانباط فاشاعوا بالمدينة ان الروم قد اجتمعوا يريدون غزوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عسكر عظيم وان هرقل قد سار في جنود رحلت معهم غسان وجذام (حزام ك) وبهراء (فهرا ك) وعاملة وقد قدم عساكره البلقاء ونزل هو حمص، فامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه بالتهيؤ إلى تبوك وهي من بلاد البلقاء وبعث إلى القبائل حوله والي مكة والى من اسلم من خزاعة ومزينة وجهينة فحثهم على الجهاد، وامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعسكره وضرب في ثنية الوداع وامر اهل الجدة (2) ان يعينوا من لا قوة به ومن كان عنده شئ اخرجه وحملوا وقووا وحثوا على ذلك وخطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال بعد ان حمد الله واثنى عليه: " ايها الناس ان اصدق الحديث كتاب الله واولى القول كلمة التقوى وخير الملل ملة ابراهيم،

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) البساط والثوب.

        (2) اي الاغنياء. (*)



        ===============

        (291)

        وخير السنن سنة محمد، واشرف الحديث ذكر الله، واحسن القصص هذا القرآن وخير الامور عزايمها وشر الامور محدثاتها واحسن الهدى الانبياء، واشرف القتل قتل الشهداء، واعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الاعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر والهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتى الجمعة إلا نزرا (1) ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن اعظم خطايا اللسان الكذب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما القي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول (2) من جمر جهنم، والسكر جمر النار والشعر من ابليس، والخمر جماع الاثم، والنساء حبائل ابليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل اكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن امه، وانما يصير أحدكم إلى موضع اربعة اذرع، والامر إلى آخره وملاك العمل خواتيمه واربا الربى الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسق، وقتال المؤمن كفر، واكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن توكل على الله كفاه، ومن صبر ظفر، ومن يعف يعف الله عنه. ومن كظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يصم يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذبه، اللهم اغفر لي ولامتي اللهم اغفرلي ولامتى استغفر الله لي ولكم " قال فرغبوا الناس في الجهاد لما سمعوا هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم، وقعد عنه قوم من المنافقين ولقي

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) اي بطيئا.

        (2) أي الخيانة (*)



        ===============

        (292)

        رسول الله الجد بن قيس (1) فقال له: ياابا وهب! ألا تنفر معنا في هذه الغزاة؟

        لعلك ان تستحفد (2) من بنات الاصغر (3) فقال يارسول الله والله ان قومى ليعلمون انه ليس فيهم احد اشد عجبا بالنساء مني واخاف ان خرجت معك ان لا اصبر إذا رأيت بنات الاصفر فلا تفتني وائذن لي ان اقيم، وقال لجماعة من قومه لا تخرجوا في الحر فقال ابنه: ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقول له ما تقول! ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر والله لينزلن في هذا قرآنا تقرأه الناس إلى يوم القيامة فانزل الله على رسوله في ذلك (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين) ثم قال الجد بن القيس أيطمع محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء احد ابدا وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (ان تصبك حسنة تسوءهم وان تصبك مصيبة) اما الحسنة فالغنيمة والعافية واما المصيبة فالبلاء والشدة (يقولوا قد اخذنا امرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله (قل هل تربصون بنا إلا احدى الحسنيين) يقول الغنيمة والجنة إلى قوله (انا معكم متربصون) ونزل ايضا في الجد بن قيس في رواية علي بن ابراهيم لما قال لقومه لا تخرجوا في الحر (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم اشد حرا لو كانوا يفقهون ـ إلى قوله ـ وماتوا وهم فاسقون) ففضح الله الجد بن قيس واصحابه فلما اجتمع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الخيول رحل من ثنية الوداع وخلف امير المؤمنين

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) وفى ط الحر بن قيس وهو خطأ وان كان كلاهما صحابيين غير ممدوحين لكن المراد هنا هو الجد وفى قاموس الرجال ناقلا عن جماعة: انه يظن فيه النفاق وكل من حضر الحديبية بايع النبى صلى الله عليه وآله الاجد بن قيس فانه استتر تحت ناقة النبى ص (اقول) هذا عمله وذاك ـ اى الاستهزاء برسول الله عند ذكره بنات الاصفر ـ قوله أبعد اللتيا والتى يبقى المجال ان يقال فيه " يظن فيه النفاق

        (2) الاستحفاد والاستخدام

        (3) اسم اطلقه العرب على الغربيين لاسيما على اليونان والروم. ج. ز (*)



        ===============

        (293)

        (عليه السلام) على المدينة فاوجف المنافقون بعلي (عليه السلام) فقالوا ما خلفه الا تشأما به فبلغ ذلك عليا فاخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجرف، فقال له رسول الله يا علي ألم اخلفك علي المدينة؟ قال نعم ولكن المنافقين زعموا انك خلفتني تشأما بي، فقال كذب المنافقون ياعلي أما ترضى ان تكون اخى وانا اخوك بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وان كان بعدى نبى لقلت انت وأنت خليفتي في امتي وانت وزيري واخى في الدنيا والآخرة، فرجع علي (عليه السلام) إلى المدينة وجاء البكاؤن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم سبعة من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير قد شهد بدرا لا اختلاف فيه ومن بنى واقف هدمي (هرمي ط مدعى ك) بن عمير ومن بنى جارية علية بن زيد (يزيد خ ل) وهوالذي تصدق بعرضه وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) امر بصدقة فجعل الناس يأتون بها فجاء علية فقال يا رسول الله والله ما عندي ما اتصدق به وقد جعلت عرضي حلا فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبل الله صدقتك ومن بني مازن بن النجار ابوليلى عبدالرحمن بن كعب ومن بني سلمة عمرو بن غنمة (عتمة ط) ومن بني زريق سلمة بن صخر ومن بني العرياض ناصر بن سارية السلمى هؤلاء جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبكون فقالوا يارسول الله ليس بنا قوة ان تخرج معك فانزل الله فيهم (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذ ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) قال وإنما سألوا هؤلاء البكاؤن نعلا يلبسونها ثم قال (إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم اغنياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف) والمستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتى والخوالف النساء.

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (عفى الله عنك لم اذنت



        ===============

        (294)

        لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) يقول تعرف اهل الغدر والذين جلسوا بغير عذر وفي رواية علي بن ابراهيم قوله (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ـ إلى قوله ـ ما زادوكم إلا خبالا) اي وبالا (ولا وضعوا خلالكم) اى يهربوا عنكم.

        وتخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوم من اهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شك ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) منهم ابوخثيمة وكان قويا وكانت له زوجتان وعريشتان فكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء وهيئتا له طعاما، فاشرف على عريشته، فلما نظر اليهما قال والله، ما هذا بانصاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قد خرج في الصخ (1) والريح وقد حمل السلاح مجاهدا في سبيل الله وابوخثيمة قوي قاعد في عريشته وامرأتين حسناوتين لا والله ما هذا بانصاف ثم اخذ ناقته فشد عليها رحله فلحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر الناس إلى راكب على الطريق فاخبروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كن ابا خثيمة، فاقبل واخبر النبي بما كان منه فجزاه خيرا ودعا له.

        وكان ابوذر رحمه الله تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة أيام وذلك ان جمله كان اعجف (2) فلحق بعد ثلاثة ايام به ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه علي ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كن أباذر فقالوا هو ابوذر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ادركوه بالماء فانه عشطان فادركوه بالماء ووافى ابوذر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه اداوة فيها ماء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا اباذر معك ماء وعطشت؟ فقال نعم يارسول الله بابي انت وامي انتهيت

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) الداهية.

        (2) أي هزل (*)



        ===============

        (295)

        إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فاذا هو عذب بارد، فقلت لا اشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله: " يااباذر أرحمك الله تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من اهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك " فلما سير به عثمان إلى الربذة فمات بها ابنه ذر، فوقف على قبره فقال رحمك الله ياذر لقد كنت كريم الخلق بارا بالوالدين وما علي في موتك من غضاضة وما بي إلى غير الله من حاجة، وقد شغلني الاهتمام لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لاحببت ان اكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك وما قلت لهم، ثم رفع يده فقال: اللهم انك فرضت لك عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا فاني قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فانك اولى بالحق واكرم مني.

        وكانت لابي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها فاصابها داء يقال له النقار (1)، فماتت كلها فاصاب اباذر وابنته الجوع فماتت اهله، فقالت ابنته اصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا فقال لي ابي يا بنية قومي بنا إلى الرمل نطلب القت وهو نبت له حب فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئا فجمع ابي رملا ووضع رأسه عليه ورأيت عينه قد انقلبت، فبكيت وقلت له ياابت كيف اصنع بك وانا وحيدة؟ فقال يا بنتي لا تخافي فاني إذا مت جاءك من اهل العراق من يكفيك امري، فانه اخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك. فقال يا اباذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك اقوام من اهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك فاذا انا مت فمدي الكساء على وجهي ثم اقعدي على طريق العراق فاذا اقبل ركب فقومي اليهم وقولي هذا ابوذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد توفي، قال فدخل اليه قوم من اهل الربذة فقالوا يااباذر ما تشتكي؟ قال ذنوبي قالوا فما تشتهي؟ قال رحمة ربي قالوا فهل لك

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) النقار كالغراب داء الماشية كالطاعون. ق (*)



        ===============

        (296)

        بطبيب؟ قال الطبيب امرضني قالت ابنته فلما عاين؟ الموت سمعته يقول مرحبا بحبيب اتى على فاقة لا افلح من ندم اللهم خنقني خناقك فوحقك انك لتعلم اني احب لقاءك قالت ابنته فلما مات مددت الكساء على وجهه ثم قعدت على طريق العراق فجاء نفر فقلت لهم يا معشر المسلمين هذا ابوذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد توفي فنزلوا ومشوا يبكون فجاءوا فغسلوه وكفنوه ودفنوه وكان فيهم الاشتر فروي انه قال دفنته في حلة كانت معي قيمتها اربعة آلاف درهم فقالت ابنته فكنت اصلي بصلاته واصوم بصيامه فبينما انا ذات ليلة نائمة عند قبره إذ سمعته يتهجد بالقرآن في نومي كما كان يتهجد به في حياته فقلت يا ابة ماذا فعل بك ربك؟

        فقال يا بنية قدمت على رب كريم فرضي عني ورضيت عنه، واكرمني وحباني فاعملي فلا تغتري.

        وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتبوك رجل يقال له المضرب من كثرة ضرباته التي اصابته ببدر واحد، فقال له رسول الله عد لي اهل العسكر فعددهم فقال هم خمسة وعشرون الف رجل سوى العبيد والتباع، فقال عد المؤمنين فعددهم فقال هم خمسة وعشرون رجلا، وقد كان تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشاعر ومرادة بن الربيع وهلال بن امية الواقفي (الموافقى ط) فلما تاب الله عليهم قال كعب ما كنت قط اقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى تبوك وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم وكنت اقول اخرج غدا اخرج بعد غد فاني قوي وتوانيت وبقيت بعد خروج النبي (صلى الله عليه وآله) اياما ادخل السوق فلا اقضى حاجة فلقيت هلال بن امية ومرادة بن الربيع وقد كانا تخلفا ايضا فتوافقنا ان نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة فما زلنا نقول نخرج غدا بعد غد حتى بلغنا اقبال رسول الله فندمنا فلما وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله) استقبلناه نهنئه بالسلامة فسلمنا



        ===============

        (297)

        عليه فلم يرد علينا السلام واعرض عنا وسلمنا على اخواننا فلم يردوا علينا السلام فبلغ ذلك اهلونا فقطعوا كلامنا وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا احد ولا يكلمنا فجئن نساؤنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلن قد بلغنا سخطك على ازواجنا فتعتزلهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا اخواننا ولا اهلونا فهلموا نخزج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون وكان اهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم، فبقوا على هذا اياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله ان يغفر لهم فلما طال عليهم الامر، قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله قد سخط علينا واهلونا واخواننا قد سخطوا علينا فلا يكلمنا احد فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الليل وحلفوا ان لا يكلم احد منهم صاحبه حتى يموت او يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة ايام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه فلما كان في الليلة الثالثة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت ام سلمة نزلت توبتهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقوله (لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) قال الصادق (عليه السلام) هكذا نزلت (1) وهو ابوذر وابوخثيمة وعمر بن وهب الذين تخلفوا ثم لحقوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال في هؤلاء الثلاثة (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) فقال العالم (عليه السلام) إنما انزل " وعلى الثلاثة الذين خالفوا " ولو خلفوا لم

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) وفي المصحف لفظة " على النبي والمهاجرين " مكان " بالنبي على المهاجرين ". ج. ز (*)



        ===============

        (298)

        يكن عليهم عيب (حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت) حيث لم يكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا اهلوهم فضاقت عليهم المدينة حتى خرجوا منها وضاقت عليهم انفسهم حيث حلفوا ان لا يكلم بعضهم بعضا فتفرقوا وتاب الله عليهم لما عرف من صدق نياتهم، وقوله في المنافقين قل لهم يامحمد (انفقوا طوعا او كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين ـ إلى قوله ـ وتزهق انفسهم وهم كافرون) وكانوا يحلفون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) انهم مؤمنون فانزل الله (ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ او مغارات) يعني غارات في الجبال (او مدخلا) قال موضعا يلتجئون اليه (لولوا اليه وهم يجمحون) اي يعرضون عنكم وقوله (ومنهم من يلمزك في الصدقات فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون) فانها نزلت لما جاءت الصدقات وجاء الاغنياء وظنوا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسمها بينهم فلما وضعها في الفقراء تغامزوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولمزوه وقالوا نحن الذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوي امره ثم يدفع الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئا فانزل الله (ولو انهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا إلى الله راغبون) ثم فسر الله الصدقات لمن هي وعلى من تجب فقال (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) فاخرج الله من الصدقات جميع الناس إلا هذه الثمانية الاصناف الذين سماهم الله، وبين الصادق (عليه السلام) منهم فقال الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم والدليل على انهم هم الذين لا يسألون قول الله في سورة البقرة " للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس الحافا " والمساكين هم اهل الزمانة من العميان



        ===============

        (299)

        والعرجان والمجذومين وجميع الاصناف الزمنى الرجال والنساء والصبيان " والعاملين عليها " هم السعاة والجباة في اخذها وجمعها وحفظها حتى يردوها إلى من يقسها " والمؤلفة قلوبهم " قوم وحدوا لله ولم تدخل المعرفة في قلوبهم من ان محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألفهم ويعلمهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا.

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال المؤلفة قلوبهم ابوسفيان ابن حرب بن امية وسهيل بن عمرو وهو من بني عامر بن لوي وهمام بن عمرو واخوه وصفوان بن امية بن خلف القرشي ثم الجشمي الجمحي والاقرع بن حابس التميمي ثم عمر احد بني حازم وعيينة بن حصين الفزاري ومالك بن عوف وعلقمة بن علاقة، بلغني ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعطي الرجل منهم مائة من من الابل ورعاتها واكثر من ذلك واقل، رجع إلى تفسير على بن ابراهيم في قوله " وفي الرقاب " قوم قد لزمهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وقتل الصيد في الحرم وفي الايمان وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم منها سهما في الصدقات ليكفر عنهم " والغارمين " قوم قد وقعت عليهم ديون انفقوها في طاعة الله من غير اسراف فيجب على الامام ان يقضي ذلك عنهم ويفكهم من مال الصدقات " وفي سبيل الله " قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون، او قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجون به او في جميع سبل الخير فعلى الامام ان يعطيهم من مال الصدقات حتى ينفقوا به على الحج والجهاد و " ابن السبيل " ابناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب ما لهم فعلى الامام ان يردهم إلى اوطانهم من مال الصدقات، والصدقات تتجزى ثمانية اجزاء فيعطى كل انسان من هذه الثمانية على قدر ما يحتاجون اليه بلا اسراف ولا تقتير يقوم في ذلك الامام يعمل بما فيه الصلاح.



        ===============

        (300)

        وقوله (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) فانه كان سبب نزولها ان عبدالله بن نفيل كان منافقا وكان يقعد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين وينم عليه، فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يامحمد ان رجلا من المنافقين ينم عليك وينقل حديثك إلى المنافقين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هو؟ فقال الرجل الاسود الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كانهما قدران وينطق بلسان شيطان، فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخبره فخلف انه لم يفعل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبلت منك فلا تقعد فرجع إلى اصحابه فقال ان محمدا أذن اخبره الله انى انم عليه وانقل اخباره فقبل واخبرته اني لم افعل ذلك فقبل فانزل الله على نبيه " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " اي يصدق الله فيما يقول له ويصدقك فيما تعتذر اليه في الظاهر ولا يصدقك في الباطن وقوله " ويؤمن للمؤمنين " يعني المقرين بالايمان من غير اعتقاد وقوله (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) فانها نزلت في المنافقين الذين كانوا يحلفون للمؤمنين انهم منهم لكي يرضى عنهم المؤمنين فقال الله (والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين) وقوله (يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا ان الله مخرج ما تحذرون) قال كان قوم من المنافقين لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى تبوك كانوا يتحدثون فيما بينهم ويقولون أيرى محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع منهم احد ابدا، فقال بعضهم ما اخلفه ان يخبر الله محمدا بما كنا فيه وبما في قلوبنا وينزل عليه بهذا قرآنا يقرأه الناس وقالوا هذا على حد الاستهزاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر الحق القوم فانهم قد احترقوا فلحقهم عمار فقال ما قلتم قالوا ما قلنا شيئا انما كنا نقول شيئا على حد اللعب والمزاح فانزل الله (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بانهم كانوا مجرمين).

        وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم " قل هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكوا



        ===============

        (301)

        ونافقوا بعد ايمانهم وكانوا اربعة نفر وقوله " ان نعف عن طائفة منكم " كان أحد الاربعة محتبر (نحشى ط) بن الحمير واعترف وناب وقال يا رسول الله اهلكني اسمي فسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبدالله بن عبدالرحمن فقال يا رب اجعلني شهيد حيث لا يغلم احد اين انا فقتل يوم اليمامة ولم يعلم احد اين قتل فهو الذي عفى الله عنه قال علي بن ابراهيم ذكر المنافقين فقال (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ـ إلى قوله ـ ولكن كانوا انفسهم يظلمون) فانه محكم ثم ذكر المؤمنين فقال (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار) الآية محكمة وقوله (ياايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) قال إنما نزلت " ياايها النبي جاهد الكفار بالمنافقين " لان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يجاهد المنافقين بالسيف. قال حدثني ابى عن ابن ابى عمير عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه السلام) قال جاهد الكفار والمنافقين بالزام الفرائض وقوله (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم) قال نزل في الذين تحالفوا في الكعبة ألا يردوا هذا الامر في بني هاشم فهى كلمة الكفر ثم قعدوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في العقبة وهموا بقتله وهو قوله " وهموا بما لم ينالوا " حدثنا (1) احمد بن الحسن التاجر قال حدثنا الحسن بن على بن عثمان الصوفى قال حدثنا زكريا بن محمد عن محمد بن على عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما اقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) امير المؤمنين يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم فلان وفلان وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وابوعبيده وسالم مولى ابى حذيفه والمغيره بن شعبة قال الثانى اما ترون عينه كانما عينا مجنون يعنى النبى الساعة يقوم ويقول قال لى ربى فلما قام قال ايها الناس من اولى بكم من انفسكم قالوا الله ورسوله قال اللهم فاشهد ثم قال الا من كنت مولاه فعلى مولاه وسلموا عليه بامرة المؤمنين فنزل جبرئيل واعلم رسول الله بمقالة القوم فدعاهم وسألهم فانكروا وحلفوا فانزل الله (يحلفون بالله ما قالوا الخ) ثم ذكر البخلاء وسماهم منافقين وكاذبين فقال (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ـ إلى قوله اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر ع قال هو ثعلبة بن خاطب بن

        ـــــــــــــــــــــــــ

        (1) هذه الروايه واردة في الصافى بعينها ج ز (*)



        ===============

        (302)

        عمرو بن عوف كان محتاجا فعاهد الله فلما آتاه الله بخل به، ثم ذكر المنافقين فقال (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجويهم وان الله علام الغيوب) واما قوله (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم) فجاء سالم بن عمير الانصاري بصاع من تمر فقال يارسول الله كنت ليلتي اجيرا لجرير حتى نلت صاعين تمرا اما احدهما فامسكته واما الآخر فاقرضه ربي، فامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان ينثره في الصدقات، فسخر منه المنافقون وقالوا والله ان الله يغني عن هذا الصاع ما يصنع الله بصاعه شيئا ولكن ابا عقيل اراد ان يذكر نفسه ليعطى من الصدقات فقال: (سخر الله منهم ولهم عذاب اليم) قوله (استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قال علي بن ابراهيم انها نزلت لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة ومرض عبدالله ابن ابي وكان ابنه عبدالله بن عبدالله مؤمنا فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابوه يجود بنفسه فقال يا رسول الله بابي انت وامي انك ان لم تأت ابي كان ذلك عارا علينا، فدخل اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمنافقون عنده، فقال ابنه عبدالله بن عبدالله يارسول الله استغفر له فاستغفر له، فقال الثانى ألم ينهك الله يارسول الله ان تصلى عليهم او تستغفر لهم فاعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاعاد عليه فقال له ويلك انى خيرت فاخترت ان الله يقول " استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فلما مات عبدالله جاء ابنه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال بابي انت وامي يا رسول الله ان رأيت ان تحضر جنازته فحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام على قبره فقال له الثانى يا رسول الله ألم ينهك الله ان تصلي على احد منهم مات ابدا وان تقوم على قبره؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويلك وهل تدري ما قلت؟ انما قلت اللهم احش قبره نارا وجوفه نارا واصله النار، فبدا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يكن يحب.

        قال ولما قدم النبي (صلى الله عليه وآله) من تبوك كان اصحابه المؤمنون يتعرضون للمنافقين ويؤذونهم وكانوا يحلفون لهم انهم على الحق وليس هم بمنافقين لكي



        ===============

        (303)

        يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم فانزل الله (سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا الجزء (11) عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجس وماويهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) ثم وصف الاعراب فقال (الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مفرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) ثم ذكر السابقين فقال (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار) وهم النقباء ابوذر والمقداد وسلمان وعمار ومن آمن وصدق وثبت على ولاية امير المؤمنين (عليه السلام) (والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم) وقوله (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم) نزلت في ابي لبابة بن عبدالمنذر وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما حاصر بني قريظة قالوا له ابعث الينا ابا لبابة نستشيره في امرنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا أبا لبابة ائت حلفاءك ومواليك فاتاهم فقالوا له يا أبا لبابة ما ترى تنزل على حكم محمد؟ فقال انزلوا واعلموا ان حكمه فيكم هو الذبح واشار إلى حلقه ثم ندم على ذلك، فقال خنت الله ورسوله ونزل من حصنهم ولم يرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومر إلى المسجد وشد في عنقه حبلا ثم شده إلى الاسطوانة التي تسمى اسطوانة التوبة وقال لا احله حتى اموت او يتوب الله علي، فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال اما لو اتانا لاستغفرنا الله له، فاما اذا قصد إلى ربه فالله اولى به، وكان ابولبابة يصوم النهار ويأكل بالليل ما يمسك به رمقه فكانت ابنته تأتيه بعشائه وتحله عند قضاء الحاجة فلما كان بعد ذلك ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت ام سلمة نزلت توبته فقال ياام سلمة، قد ناب الله على ابي لبابة، فقالت يارسول الله



        ===============

        (304)

        افأوذنه بذلك؟ فقال لتفعلن، فاخرجت رأسها من الحجرة، فقالت ياابا لبابة ابشر لقد تاب الله عليك، فقال الحمد لله فوثب المسلمون ليحلوه فقال لا والله حتى يحلني رسول الله فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا ابا لبابة قد تاب الله عليك توبة لو ولدت من امك يومك هذا لكفاك، فقال يا رسول الله أفأتصدق بمالي كله؟ قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فبثلثه قال نعم فانزل الله (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم) حدثني ابي عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) المؤمنون ههنا الائمة الطاهرون صلوات الله عليهم وعن محمد بن الحسن الصفار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال ان اعمال؟

        العباد تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل صباح ابرارها وفجارها فاحذروا فليستحيي احدكم ان يعرض على نبيه العمل القبيح، وعنه صلوات الله عليه وآله قال ما من مؤمن يموت او كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى امير المؤمنين (عليه السلام) وهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته فذلك قوله " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " واما قوله (وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم) قال فانه حدثني ابي عن يحيى بن ابي عمران عن يونس عن ابى الطيار قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) المرجون لامر الله قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة وجعفر واشباههما من المؤمنين ثم دخلوا بعد ذلك في الاسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الايمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة ولم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار فهم على تلك الحالة مرجون لامر الله



        ===============

        (305)

        اما يعذبهم واما يتوب عليهم وقوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) فانه كان سبب نزولها انه جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا يا رسول الله اتأذن لنا ان نبني مسجدا في بني سالم للعليل والليلة المطيرة والشيخ الفاني فاذن لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على الخروج إلى تبوك فقالوا يارسول الله لو اتيتنا فصليت فيه قال (صلى الله عليه وآله) انا على جناح السفر فاذا وافيت ان شاء الله اتيته فصليت فيه فلما اقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد وابي عامر الراهب وقد كانوا حلفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) انهم يبنون ذلك للصلاح والحسنى فانزل الله على رسوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) يعني ابا عامر الراهب كان يأتيهم فيذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) واصحابه (وليحلفن ان ارادنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون لا تقم فيه ابدا لمسجد اسس على التقوى من اول يوم) يعني مسجد قبا (احق ان تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المتطهرين) قال كانوا يتطهرون بالماء وقوله (افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير من اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال مسجد ضرار الذى " اسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم " قال علي ابن ابراهيم قوله (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلى ان تقطع قلوبهم) إلى في موضع حتى تنقطع قلوبهم (والله عليم حكيم) فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) مالك بن الدجشم (دجشم خ ل) الخزاعي وعامر بن عدي اخا بني عمرو بن عوف على ان يهدموه ويحرقوه فجاء مالك فقال لعامر انتظرني حتى اخرج نارا من منزلى فدخل فجاء بنار واشعل في سعف النخل ثم اشعله في المسجد فتفرقوا وقعد زيد ابن حارثة حتى احترقت البلية ثم امر بهدم حايطه.



        ===============

        (306)

        واما قوله (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) قال نزلت في الائمة فالدليل على ان ذلك فيهم خاصة حين مدحهم وحلاهم ووصفهم بصفة لا يجوز في غيرهم فقال (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله) فالآمرون بالمعروف هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليه والناهون عن المنكر هم الذين يعرفون المنكر كله صغيره وكبيره والحافظون لحدود الله هم الذين يعرفون حدود الله صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليها ولا يجوز ان يكون بهذه الصفة غير الائمة (عليهم السلام) قال حدثني ابي عن بعض رجاله قال لقي الزهرى علي بن الحسين (عليه السلام) في طريق الحج فقال له ياعلي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته واقبلت على الحج ولينته ان الله يقول " ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " قال له علي بن الحسين انهم الائمة فقال " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " فقال علي ابن الحسين (عليه السلام) إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم افضل من الحج وقوله (ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى) اي ولو كانوا قراباتهم وقوله (وما كان استغفار ابراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه) قال ابراهيم لابيه ان لم تعبد الاصنام استغفرت لك فلما لم يدع الاصنام تبرأ منه ابراهيم (ان ابراهيم لاواه حليم) اي دعاء، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال الاواه المتضرع إلى الله في صلاته واذا خلا في قفرة في (من خ ل) الارض وفي الخلوات.



        ===============

        (307)

        وقوله (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) يقول كونوا مع علي بن ابى طالب وآل محمد (عليهم السلام) والدليل على ذلك قول الله " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " فهو حمزة " ومنهم من ينتظر " وهو علي بن ابى طالب (عليه السلام) يقول الله " وما بدلوا تبديلا " وقال الله تعالى " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " وهم آل محمد (عليهم السلام) قال علي ابن ابراهيم في قوله " يا ايها آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " هم الائمة (عليهم السلام) وهو معطوف على قوله " وبشر المؤمنين " وقوله (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ) أي عطش (ولا نصب) أي عناء (ولا مخمصة في سبيل الله) أي جوع (ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار) يعني لا يدخلون بلاد الكفار (ولا ينالون من عدو نيلا) يعني قتلا واسرا (إلا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين) وقوله (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون) قال كلما فعلوا من ذلك لله جازاهم الله عليه وقوله (ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم) يعني إذا بلغهم وفاة الامام يجب ان يخرج من كل بلاد فرقة من الناس ولا يخرجوا كلهم كافة ولم يفرض الله ان يخرج الناس كلهم فيعرفوا خبر الامام ولكن يخرج طائفة ويؤدوا ذلك إلى قومهم (لعلهم يحذرون) كي يعرفوا اليقين وقوله (يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) قال يجب على كل قوم ان يقاتلوا الذين من يليهم ممن يقرب من بلادهم من الكفار ولا يجوزوا ذلك الموضع والغلظة اي غلظوا لهم القول والقتل وقوله (واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين آمنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون



        (308)

        واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) اي شكا إلى شكهم فهو رد علي من يزعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص ومثله في سورة الانفال في قوله " انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " ومثله كثير مما حكى الله من زيادة الايمان وقوله أو لا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين) أي يمرضون (ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) وقوله (وإذا ما انزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) يعني المنافقين (ثم انصرفوا) اي تفرقوا (صرف الله قلوبهم) عن الحق إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحق ثم خاطب الله عزوجل الناس واحتج عليهم برسول الله فقال:

        (لقد جاءكم رسول من انفسكم) اي مثلكم في الخلقة ويقرأ من انفسكم (1) أي اشرفكم (عزيز عليه ما عنتم) أي انكرتم وجحدتم (حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ثم عطف بالمخاطبة على النبي (صلى الله عليه وآله) (فان تولوا) يا محمد عما تدعوهم اليه (فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)

        Comment

        • راية اليماني
          مشرف
          • 05-04-2013
          • 3021

          #19
          رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

          سورة يونس


          سورة يونس مكية مأة وعشر آية (بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب الحكيم) قال الرا هو حرف من حروف الاسم الاعظم المنقطع في القرآن فاذا الفه الرسول او الامام فدعا به اجيب ثم قال: (أكان للناس عجبا ان اوحينا إلى رجل منهم) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) (أن انذر الناس وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم) قال فحدثني ابي عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن
          ـــــــــــــــــــــــــ

          (1) اي بناءا على افعل التفضيل من النفاسة. ج ز (*)



          ===============

          (309)

          ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله " قدم صدق عند ربهم " قال هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله (ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش ـ إلى قوله ـ لآيات لقوم يتقون) فانه محكم وقوله (ان الذين لا يرجون لقاءنا) اي لا يؤمنون به (ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون) قال الآيات امير المؤمنين والائمة (عليهم السلام) والدليل على ذلك قول امير المؤمنين (عليه السلام) " ما لله آية اكبر مني " وقوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم دعواهم فيها) اي تسبيحهم في الجنة (سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلم) قال بعضهم لبعض وقوله (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم) قال لو عجل الله لهم الشر كما يستعجلون الخير لقضي اليهم اجلهم أي يفرغ من اجلهم قوله (واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه او قاعدا او قأئما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) قال دعانا لجنبه العليل الذي لا يقدر ان يجلس او قاعدا الذي لا يقدر ان يقوم او قأئما قال الصحيح وقوله " فلما كشفنا عنه ضره مر كان لم يدعنا إلى ضر مسه " اي ترك ومر ونسي كان لم يدعنا إلى ضر مسه وقوله (ولقد اهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات) يعني عادا وثمود ومن اهلكه الله ثم قال (ثم جعلناكم خلائف في الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون) يعني حتى نرى فوضع النظر مكان الرؤية وقوله (وإذا تتلي عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا او بدله قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسى ان اتبع إلا ما يوحى إلي) فان قريشا قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ائتنا بقرآن غير هذا فان هذا شئ تعلمته من اليهود والنصارى قال الله (قل لهم لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا ادريكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) اي لقد لبثت فيكم اربعين سنة قبل ان يوحي الي لم آتكم بشئ منه



          ===============

          (310)

          حتى اوحي الي واما قوله " او بدله " فانه اخبرني الحسن بن على عن ابيه عن حماد بن عيسى عن ابي السفاتج عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قول الله: ائت بقرآن غير هذا او بدله يعني امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع إلا ما يوحى الي يعني في علي بن ابي طالب امير المؤمنين (عليه السلام) قال علي بن ابراهيم في قوله (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) قال كانت قريش يعبدون الاصنام ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فانا لا نقدر على عبادة الله فرد الله عليهم فقال قل لهم يامحمد (أتنبئون الله بما لا يعلم) اي ليس فوضع حرفا مكان حرف اي ليس له شريك يعبد وقوله (وما كان الناس إلا امة واحدة فاختلفوا) اي على مذهب واحد (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم) اي كان ذلك في علم الله السابق ان يختلفوا ويبعث فيهم الانبياء والائمة من بعد الانبياء ولولا ذلك لهلكوا عند اختلافهم.

          قوله: (إنما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس) فانه حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابيه عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قلت له جعلت فداك بلغنا ان لآل جعفر راية ولآل العباس رايتين فهل انتهى اليك من علم ذلك شئ؟ قال اما آل جعفر فليس بشئ ولا إلى شئ واما آل العباس فان لهم ملكا مبطنا يقربون فيه البعيد ويبعدون فيه القريب وسلطانهم عسر ليس يسر حتى إذا امنوا مكر الله وامنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم منال يجمعهم ولا (رجال تمنعهم ك) وهو قول الله حتى إذا اخذت الارض زخرفها الآية، قلت جعلت فداك فمتى يكون ذلك قال اما انه لم يوقت لنا فيه



          ===============

          (311)

          وقت ولكن إذا حدثناكم بشئ فكان كما نقول فقولوا صدق الله ورسوله وان كان بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله تؤجروا مرتين ولكن اذا اشتدت الحاجة والفاقة وانكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك توقعوا هذا الامر صباحا او مساءا، فقلت جعلت فداك الحاجة والفاقة قد عرفناهما فما انكار الناس بعضهم بعضا قال يأت الرجل اخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه ويكلمه بغير الكلام الذي كان يكلمه قوله (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يعنى الجنة قوله (للذين احسنوا الحسنى وزيادة) قال النظر إلى وجه الله عزوجل (1) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله للذين احسنوا الحسنى وزيادة فاما الحسنى الجنة واما الزيادة فالدنيا ما اعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ويجمع ثواب الدنيا والآخرة ويثيبهم باحسن اعمالهم في الدنيا والآخرة يقول الله (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون) قال على بن ابراهيم في قوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة القتر الجوع والفقر والذلة الخوف.

          وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم) قال هؤلاء اهل البدع والشبهات والشهوات يسود الله وجوههم ثم يلقونه يقول الله (كانما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) يسود الله وجوههم يوم القيامة ويلبسهم الذل والصغار يقول الله (اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) قال علي بن ابراهيم في قوله (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا مكانكم انتم وشركاؤكم

          ـــــــــــــــــــــــــ

          (1) اي إلى نور وجه الله عزوجل كما في الدعاء: بنور وجهك الذي اضاء له كل شئ. ج. ز (*)



          ===============

          (312)

          فزيلنا بينهم) قال يبعث الله نارا تزيل بين الكفار والمؤمنين قوله (هنالك تبلو كل نفس ما اسلفت) اي تتبع ما قدمت (وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون) اي بطل عنهم ما كانوا يفترون وقوله (قل من يرزقكم من السماء والارض ـ إلى قوله ـ وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) فانه محكم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (أفمن يهدي إلى الحق احق ان يتبع أمن لا يهدي إلا ان يهدى فما لما لكم كيف تحكمون) فاما من يهدي إلى الحق فهم محمد وآل محمد من بعده واما من لا يهدي إلا ان يهدى فهو من خالف من قريش وغيرهم اهل بيته من بعده، وقال علي بن ابراهيم في قوله (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله) اي لم يأتهم تأويله (كذلك كذب الذين من قبلهم) قال نزلت في الرجعة كذبوا بها اي انها لا تكون ثم قال:

          (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله ومنهم من لا يؤمن به وفهم اعداء محمد وآل محمد من بعده " وربك اعلم بالمفسدين " والفساد المعصية لله ولرسوله.

          وقال علي بن ابراهيم في قوله (وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم ـ إلى قوله ـ ما كانوا مهتدين) فانه محكم ثم قال (واما نرنيك ـ يا محمد ـ بعض الذي نعدهم) من الرجعة وقيام القائم (او نتوفينك) قبل ذلك (فالينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (قل أرايتم ان اتاكم عذابه بياتا) يعني ليلا (او نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة وهم يجحدون نزول العذاب عليهم قال علي بن ابراهيم في قوله (أثم إذا ما وقع آمنتم به) اي صدقتم في الرجعة فيقال لهم (الآن) تؤمنون يعني بامير المؤمنين (عليه السلام) (وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا) آل محمد حقهم (ذوقوا عذاب الخلد



          ===============

          (313)

          هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) ثم قال (ويستنبئونك) يا محمد اهل مكة في علي (احق هو) اي امام (قل اي وربي انه لحق) امام ثم قال (ولو ان لكل نفس ظلمت) آل محمد حقهم (ما في الارض جميعا لافتدت به) في ذلك الوقت يعني الرجعة وقوله (واسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) حدثني محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن احمد عن احمد بن الحسين عن صالح بن ابي عمار عن الحسن بن موسى الخشاب عن رجل عن حماد بن عيسى عمن رواه عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سئل عن قول الله تبارك وتعالى:

          (واسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال قيل له ما ينفعهم اسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال كرهوا شماتة الاعداء وقوله (ألا ان لله ما في السموات والارض ألا ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون هو يحيى ويميت واليه ترجعون) فانه محكم رجع إلى رواية علي بن ابراهيم بن هاشم قال ثم قال: (ياايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقرآن ثم قال قل لهم يامحمد (بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) قال: الفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورحمته امير المؤمنين (عليه السلام) فبذلك فليفرحوا، قال فليفرح شيعتنا هو خير مما اعطوا اعداؤنا من الذهب والفضة وقوله (قل أرأيتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله اذن لكم ام على الله تفترون) وهو اما احلته وحرمته اهل الكتاب بقوله " وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا " وقوله " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا.. الآية " فاحتج الله عليهم فقال قل لهم " آلله اذن لكم ام علي الله تفترون " واما قوله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن) مخاطبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اذا قرأ هذه الآية بكى بكاءا



          ===============

          (314)

          شديدا، ومعنى قوله وما تكون في شأن اي في عمل نعمله خيرا او شرا (وما يعزب عن ربك) اي لا يغيب عنه (من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر إلا في كتاب مبين) وقوله (الذين آمنوا) اي صدقوا (وكانوا يتقون لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله) قال البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الحسنة يراها المؤمن وفي الآخرة عند الموت وهو قول الله " الذين تتوفيهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة " وقوله " لا تبديل لكلمات الله " اى لا تغير الامامة والدليل على ان الكلمات الامامة قوله " وجعلها كلمة باقية في عقبه " يعني الامامة وقوله (ولا يحزنك قولهم ان العزة لله جميعا وهو السميع العليم ـ إلى قوله ـ بما كانوا يكفرون) فانه محكم وقوله (واتل عليهم) مخاطبة لمحمد صلى لله عليه وآله (نبأ نوح) اي خبر نوح (إذا قال لقومه ياقوم ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فاجمعوا امركم وشركاءكم) الذين تعبدون (ثم لا يكن امركم عليكم غمة) اي لا تغتموا (ثم اقضوا الي) اي ادعوا علي (ولا تنظرون).

          وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (وقال موسى ياقوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) فان قوم موسى استعبدهم آل فرعون وقالوا لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم فقال موسى لقومه ياقوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين وقال علي بن ابراهيم في قوله (واوحينا إلى موسى واخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) يعني بيت المقدس حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك عن عباد بن يعقور (معقودك يعقوب ط عن محمد بن يعفور) عن ابى جعفر

          ـــــــــــــــــــــــــ

          (بن ك) الاحول عن منصور



          ===============

          (315)

          عن ابي ابراهيم (عليه السلام) قال لما خافت بنو اسرائيل جبابرتها اوحى الله إلى موسى وهارون (عليهما السلام) ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة قال امروا ان يصلوا في بيوتهم وقال علي بن ابراهيم في قوله (وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملاه زينة) اى ملكا (واموالا في الحيوة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) اي يفتنوا الناس بالاموال والعطايا ليعبدوه ولا بعبدوك (ربنا اطمس على اموالهم) اي اهلكها (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم) فقال الله عزوجل (قد اجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) اي لا تتبعا طريق فرعون واصحابه.

          وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (وجاوزنا ببني اسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا ـ إلى قوله ـ وانا من المسلمين) فان بني اسرائيل قالوا ياموسى ادع الله ان يجعل لنا مما نحن فيه فرجا فدعا فاوحى الله اليه ان سر بهم، قال يارب البحر امامهم، قال امض فاني آمره ان يطيعك وينفرج لك، فخرج موسى ببني اسرائيل واتبعهم فرعون حتى إذا كاد ان يلحقهم ونظروا اليه وقد اظلهم، قال موسى للبحر انفرج لي، قال ما كنت لافعل وقال بنو اسرائيل لموسى غررتنا واهلكتنا فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون ولم نخرج الآن نقتل قتلة، قال كلا ان معي ربي سيهدين واشتد على موسي ما كان يصنع به عامة قومه وقالوا ياموسى انا لمدركون، زعمت ان البحر ينفرج لنا حتى نمضي ونذهب وقد رهقنا فرعون وقومه وهم هؤلاء تراهم قد دنوا منا، فدعا موسى ربه فاوحى الله اليه ان اضرب بعصاك البحر فضربه، فانفلق البحر فمضى موسى واصحابه حتى قطعوا البحر وادركهم آل فرعون، فلما نظروا إلى البحر قالوا لفرعون ما تعجب مما ترى؟ قال انا فعلت هذا فمروا وامضوا فيه، فلما توسط فرعون ومن معه امر الله البحر فانطبق فغرقهم اجمعين، فلما



          ===============

          (316)

          ادرك فرعون الغرق (قال آمنت انه إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين) يقول الله (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) يقول كنت من العاصين (فاليوم ننجيك ببدنك) قال ان قوم فرعون ذهبوا اجمعين في البحر فلم ير منهم احد هووا في البحر (إلا هوى بجسمه) إلى النار واما فرعون فنبذه الله وحده فالقاه بالساحل لينظروا اليه وليعرفوه ليكون لمن خلفه آية ولئلا يشك احد في هلاكه وانهم كانوا اتخذوه ربا فاراهم الله اياه جيفة ملقاة بالساحل ليكون لمن خلفه عبرة وعظة يقول الله (وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون).

          وقال علي بن ابراهيم قال الصادق (عليه السلام) ما اتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا كئيبا حزينا ولم يزل كذلك منذ اهلك الله فرعون فلما امره الله بنزول هذه الآية " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " نزل عليه وهو ضاحك مستبشر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما اتيتني يا جبرئيل إلا وتبينت الحزن في وجهك حتى الساعة، قال يامحمد لما أغرق الله فرعون قال آمنت انه لا إله إلا الله الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين، فاخذت حماة (1) فوضعتها في فيه ثم قلت له الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، وعملت ذلك من غير امر الله خفت ان تلحقه الرحمة من الله ويعذبني على ما فعلت فلما كان الآن وامرني الله ان اؤدى اليك ما قلته انا لفرعون امنت وعلمت ان ذلك كان لله رضى وقوله (فاليوم ننجيك ببدنك) فان موسى (عليه السلام) اخبر بني اسرائيل ان الله قد أغرق فرعون فلم يصدقوه فامر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا وقوله (ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوأ صدق) قال ردهم إلى مصر وغرق فرعون وقوله (فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) يعني الانبياء حدثني ابي عن عمرو (عمران ط) بن سعيد الراشدي عن ابن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال لما اسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السماء فاوحى

          ـــــــــــــــــــــــــ

          (1) الطين الاسود المنتن. ق (*)



          ===============

          (317)

          الله اليه في علي صلوات الله عليه ما اوحى ما يشاء من شرفه وعظمه عند الله ورد إلى البيت المعمور وجمع له النبيين فصلوا خلفه عرض في نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عظم ما اوحى اليه في علي (عليه السلام) فانزل الله " فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك " يعني الانبياء فقد انزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما انزلنا في كتابك (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) فقال الصادق (عليه السلام) فوالله ما شك وما سأل وقوله (ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم) قال الذين جحدوا امير المؤمنين (عليه السلام) وقوله " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون " قال عرضت عليهم الولاية وقد فرض الله عليهم الايمان بها فلم يؤمنوا بها.

          وقوله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا ومتعناهم إلى حين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل قال قال لي ابي عبدالله (عليه السلام) ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الاسلام فيأبوا ذلك، فهم ان يدعو عليهم وكان فيهم رجلان عابد وعالم، وكان اسم احدهما مليخا والآخر اسمه روبيل، فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم وكان العالم ينهاه ويقول لا تدع عليهم فان الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم، فدعا عليهم فاوحى الله عزوجل اليه يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيها فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب فقال العالم لهم يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم ويرد العذاب عنكم، فقالوا كيف نصنع؟ قال اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء والاولاد وبين



          ===============

          (318)

          الابل واولادها وبين البقر واولادها وبين الغنم واولادها ثم ابكوا وادعوا فذهبوا وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا فرحمهم الله وصرف عنهم العذاب وفرق العذاب على الجبال وقد كان نزل وقرب منهم، فاقبل يونس لينظر كيف اهلكهم الله فرأى الزارعين يزرعون في ارضهم، قال لهم ما فعل قوم يونس؟ فقالوا له ولم يعرفوه ان يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ونزل للعذاب عليهم فاجتمعوا وبكوا ودعوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرق العذاب على الجبال فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به، فغضب يونس ومر على وجهه مغاضبا لله كما حكى الله حتى انتهى إلى ساحل البحر فاذا سفينة قد شحنت واراذوا ان يدفعوها فسألهم يونس ان يحملوه فحملوه، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها فنظر اليه يونس ففزع منه وصار إلى مؤخر السفينة فدار اليه الحوت وفتح فاه فخرج اهل السفينة فقالوا فينا عاص فتساهموا فخرج سهم يونس وهو قول الله عزوجل " فساهم فكان من المدحضين " فاخرجوه فالقوه في البحر فالتقمه الحوت ومر به في الماء.

          وقد سأل بعض اليهود امير المؤمنين (عليه السلام) عن سجن طاف اقطار الارض بصاحبه، فقال يا يهودي اما السجن الذي طاف اقطار الارض بصاحبه فانه الحوت الذي حبس يونس في بطنه فدخل في بحر القلزم ثم خرج إلى بحر مصر ثم دخل في بحر طبرستان ثم خرج في دجلة الغورا ثم مرت به تحت الارض حتى لحقت بقارون، وكان قارون هلك في ايام موسى ووكل الله به ملكا يدخله في الارض كل يوم قامة رجل وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به انظرني فاني اسمع كلام آدمي فاوحى الله إلى الملك الموكل به انظره فانظره ثم قال قارون من أنت؟ قال يونس انا المذنب الخاطئ يونس بن متى قال فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران



          ===============

          (319)

          قال هيهات هلك، قال فمافعل الرؤف الرحيم علي قومه هارون بن عمران، قال هلك قال فما فعلت كلثم بنت عمران التى كانت سميت لي؟ قال هيهات ما بقي من آل عمران احد، فقال قارون وااسفا على آل عمران! فشكر الله له ذلك فامر الله الملك الموكل به ان يرفع عنه العذاب ايام الدنيا، فرفع عنه فلما رأى يونس ذلك فنادى في الظلمات: ان لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين، فاستجاب الله له وامر الحوت ان تلفظه فلفظته علي ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه وانبت الله عليه شجرة من يقطين وهى الدباء فاظلته من الشمس فشكر ثم امر الله الشجرة فتنحت عنه ووقع الشمس عليه فجزع فاوحى الله اليه يا يونس لم لم ترحم مائة الف او يزيدون وانت تجزع من الم ساعة فقال يارب عفوك عفوك، فرد الله عليه بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به وهو قوله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) وقالوا مكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات ثم قال الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يعني لو شاء الله ان يجبر الناس كلهم علي الايمان لفعل.

          وفى رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة ايام ونادى في الظلمات ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر ان لاإله إلا انت سبحانك (تبت اليك ط) اني كنت من الظالمين، فاستجاب الله له فاخرجه الحوت إلى الساحل ثم قذفه فالقاه بالساحل وانبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع فكان يمصه ويستظل به وبورقه وكان تساقط شعره ورق جلده وكان يونس يسبح ويذكر الله الليل والنهار فلما ان قوي واشتد بعث الله دودة فاكلت اسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك على يونس فظل حزينا فاوحى



          ===============

          (320)

          الله اليه مالك حزينا يايونس؟ قال يا رب هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست، قال يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعي بها ان يبست حين استغنيت عنها ولم تحزن لاهل نينوى اكثر من مائة الف اردت ان ينزل عليهم العذاب ان اهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع اليهم، فانطلق يونس إلى قومه فلما دنى من نينوى استحيى ان يدخل فقال لراع لقيه، ائت اهل نينوى فقل لهم ان هذا يونس قد جاء قال الراعي أتكذب أما تستحيي ويونس قد غرق في البحر وذهب، قال له يونس اللهم ان هذه الشاة تشهد لك انى يونس فنطقت الشاة بانه يونس، فلما اتى الراعي قومه واخبره اخذوه وهموا بضربه، فقال ان لي بيته بما اقول قالوا من يشهد؟ قال هذه الشاة تشهد؟

          فشهدت انه صادق وان يونس قد رده الله اليهم فخرجوا يطلبونه فوجده فجاءوا به وآمنوا وحسن ايمانهم فمتعهم الله إلى حين وهو الموت واجارهم من ذلك العذاب.

          وقوله: (قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) اخبرني الحسين بن محمد عن المعلي بن محمد قال حدثني احمد ابن محمد بن (عن ط) عبدالله عن احمد بن هلال عن امية بن علي عن داؤد بن كثير الرقي قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " قال الآيات الائمة والنذر الانبياء (عليهم السلام) وقال علي بن ابراهيم في قوله قل يامحمد (ياايها الناس ان كنتم في شك من ديني فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن ا عبدالله الذي يتوفيكم) فانه محكم وقوله (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فان فعلت فانك اذا من الظالمين) فانه مخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله) والمعني الناس ثم قال (قل ياايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل) اي

          (321)

          لست بوكيل عليكم احفظ اعمالكم انما علي ان ادعوكم ثم قال (واتبع) يا محمد (ما يوحى اليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).

          Comment

          • راية اليماني
            مشرف
            • 05-04-2013
            • 3021

            #20
            رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

            سورة هود

            سورة هود مكية مأة واثنتان وعشرون آية (بسم الله الرحمن الرحيم الرا كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) يعني من عند الله (ألا تعبدوا إلا الله انني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يمتعكم متاعا حسنا إلى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) وهو محكم، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) " الرا كتاب احكمت آياته " قال هو القرآن " من لدن حكيم خبير " قال من عند حكيم خبير " وان استغفروا ربكم " يعني المؤمنين قوله " ويؤت كل ذي فضل فضله " فهو علي بن ابي طالب (عليه السلام) وقوله (وان تولوا فاني اخاف عليكم عذاب يوم كبير) قال الدخان والصيحة وقوله (ألا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) يقول يكتمون ما في صدورهم من بغض على، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان آية المنافق بغض علي فكان قوم يظهرون المودة لعلي (عليه السلام) عند النبي (صلى الله عليه وآله) ويسرون بغضه فقال (ألا حين يستغشون ثيابهم) فانه كان اذا حدث بشئ من فضل علي بن ابي طالب (عليه السلام) او تلا عليهم ما انزل الله فيه نفضوا ثيابهم ثم قاموا يقول الله (يعلم ما يسرون وما يعلنون) حين قاموا (انه عليم بذات الصدور) وقوله (وما الجزء (12) من دابة في الارض إلا على الله رزقها) يقول يكفل بارزاق الخلق قوله (ويعلم مستقرها) يقول حيث يأوي بالليل (ومستودعها) حيث يموت وقوله (وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء) وذلك في مبتداء الخلق، ان الرب تبارك وتعالى خلق الهواء ثم خلق القلم فامره ان يجري فقال يارب بما



            ===============

            (322)

            اجري؟ فقال بما هو كائن ثم خلق الظامة من الهواء وخلق النور من الهواء وخلق الماء من الهواء وخلق العرش من الهواء وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد وخلق النار من الهواء وخلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهواء فسلط العقيم على الماء فضربته فاكثرت الموج والزبد وجعل يثور دخانه في الهواء فلما بلغ الوقت الذي اراد قال للزبد اجمد فجمد وقال للموج اجمد فجمد فجعل الزبد ارضا وجعل الموج جبالا رواسي للارض فلما اجمدها قال للروح والقدرة سويا عرشي إلى السماء فسويا عرشه إلى السماء وقال للدخان اجمد فجمد

            ثم قال له ازفر فزفر (1) فناداها والارض جميعا ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ففضاهن سبع سموات في يومين ومن الارض مثلهن، فلما اخذ في رزق خلقه خلق السماء وجناتها والملائكة يوم الخميس وخلق الارض يوم الاحد وخلق دواب البحر والبر يوم الاثنين وهما اليومان اللذان يقول الله انكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وخلق الشجر ونبات الارض وانهارها وما فيها والهوام في يوم الثلاثاء وخلق الجان وهو ابوالجن في يوم السبت وخلق الطير يوم الاربعاء وخلق آدم في ست ساعات من يوم الجمعة فهذه الستة الايام خلق الله السموات والارض وما بينهما.

            قال علي ابراهيم في قوله (ليبلوكم ايكم احسن عملا) معطوف على قوله " الرا كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ليبلوكم ايكم احسن عملا " وقوله (ولئن اخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة) قال ان متعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم فنردهم ونعذبهم (ليقولن ما يحبسه) اي يقولون

            ـــــــــــــــــــــــــ

            (1) زفر زفيرا: اخرج نفسه والمراد هنا اخرج الصوت من اعماق النفس. ج. ز (*)



            ===============

            (323)

            اما لا يقوم القائم ولا يخرج، على حد الاستهزاء فقال الله (الا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف عن حسان عن هشام بن عمار عن ابيه وكان من اصحاب على ع عن على ع في قوله تعالى " لئن اخرنا عنهم العذاب الي امة معدودة ليقولن ما يحبسه " قال الامة المعدودة اصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر، قال علي بن ابراهيم والامة في كتاب الله على وجوه كثيرة فمنه المذهب وهو قوله " كان الناس امة واحدة " اي على مذهب واحد، ومنه الجماعة من الناس وهو قوله " وجد عليه امة من الناس يسقون " اي جماعة، ومنه الواحد قد سماه الله امة قوله " ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا " ومنه جميع اجناس الحيوان وهو قوله " وان من امة إلا خلا فيها نذير " ومنه امة محمد (صلى الله عليه وآله) وهو قوله " وكذلك ارسلناك في امة قد خلت من قبلها امم " وهى امة محمد (صلى الله عليه وآله) ومنه الوقت وهو قوله " وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة " اي بعد وقت وقوله:

            إلى امة معدودة، يعني به الوقت ومنه الخلق كله وهو قوله " وترى كل امة جاثية وكل امة تدعى إلى كتابها "، وقوله " يوم نبعث من كل امة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون " ومثله كثير.

            وقوله (ولان اذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه انه ليؤس كفور ولان اذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني انه لفرح فخور) قال اذا اغنى الله العبد ثم افتقر اصابه الاياس والجزع والهلع فاذا كشف الله عنه ذلك فرح وقال ذهب السيئات عني انه لفرح فخور ثم قال (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات) قال صبروا في الشدة وعملوا الصالحات في الرخاء.

            قوله (فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك ان يقولوا لو لا انزل عليه كنز او جاء معه ملك إنما أنت نذير والله علي كل شئ وكيل) فانه



            ===============

            (324)

            حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن عمارة بن سويد عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال سبب نزول هذه الآية ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج ذات يوم فقال لعلي يا علي اني سألت الله الليلة بان يجعلك وزيري ففعل وسألته ان يجعلك وصيي ففعل وسألته ان يجعلك خليفتي في امتي ففعل، فقال رجل من اصحابه المنافقين والله لصاع من تمر في شن (1) بال احب الي مما سأل محمد ربه ألا سأله ملكا يعضده او مالا يستعين به علي ما فيه ووالله ما دعا عليا (2) قط إلى حق او إلى باطل إلا اجابه فانزل الله علي رسوله الله " فلعلك تارك بعض ما يوحي اليك الآية " وقوله (أم يقولون افتريه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) يعني قولهم ان الله لم يأمره بولاية علي (عليه السلام) وإنما يقول من عنده فيه فقال الله عزوجل (فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا إنما انزل بعلم الله) اي ولاية امير المؤمنين (عليه السلام) من عند الله وقوله (من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) قال من عمل الخير على ان يعطيه الله ثوابه في الدنيا اعطاه ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار وقوله (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة اولئك يؤمنون به ـ إلى قوله ـ لا يؤمنون) فانه حدثني ابي عن يحيى بن ابي عمران عن يونس عن ابي بصير والفضيل عن ابي جعفر (عليه السلام) قال انما نزلت افمن كان على بينة من ربه، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى اولئك يؤمنون به فقدموا واخروا في التأليف وقوله (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون علي ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا

            ـــــــــــــــــــــــــ

            (1) الشن القربة.

            (2) كذا في النسخ والمظنون ان يكون لفظ " ربه " مكان " عليا " ج ز (*)



            ===============

            (325)

            علي ربهم) يعني بالاشهاد الائمة (عليهم السلام) (ألا لعنة الله على الظالمين) لآل محمد صلى لله عليه وآله حقهم وقوله (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا) يعني يصدون عن طريق الله وهى الامامة " ويبغونها عوجا " يعنى حرفوها الي غيرها وقوله (ما كانوا يستطيعون السمع) قال ما قدروا ان يسمعوا بذكر امير المؤمنين (عليه السلام) وقوله (اولئك الذين خسروا انفسهم وضل) اي بطل (عنهم ما كانوا يفترون) يعني يوم القيامة بطل الذين دعوا غير امير المؤمنين (عليه السلام) (وقال ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الي ربهم) اي تواضعوا لله وعبدوه وقوله (مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) يعني المؤمنين والخاسرين وقوله (إلا الذين هم اراذلنا بادى الرأي وما نرى لكم علينا من فضل) يعني الفقراء والمساكين الذين تراهم بادي الرأي (فعميت عليكم) الانباء اي اشتبهت عليكم حتى لم تعرفوها ولم تفهموها (ويا قوم لا اسئلكم عليه مالا ان اجري إلا على الله وما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم) اي الفقراء الذين آمنوا به قوله (وياقوم من ينصرني من الله ان طردتهم أفلا تذكرون ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ـ إلى قوله ـ للذين تزدري اعينكم) اي تقصر اعينكم عنهم وتستحقرونهم (لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم اني اذا لمن الظالمين) وقوله (واوحي إلى نوح انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير من ابن سنان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم الي الله فلم يجيبوه فهم ان يدعو عليهم، فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة، فقال لهم نوح من انتم؟ فقالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وان مسيرة غلظ سماء الدنيا خمسمائة عام ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام



            ===============

            (326)

            وخرجنا (اخرجنا الله ك) عند طلوع الشمس ووافيناك في هذا الوقت فنسألك ان لا تدعو علي قومك، فقال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة، فلما اتى عليهم ستمائة سنة ولم يؤمنوا هم ان يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبايل ملائكة السماء الثانية فقال نوح من انتم قالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبايل ملائكة السماء الثانية وغلظ السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الثانية الي سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وغلظ سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام خرجنا عند طلوع الشمس ووافيناك ضحوة نسألك ان لا تدعو على قومك فقال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة.

            فلما اتى عليهم تسعمائة سنة هم ان يدعو عليهم فانزل الله عزوجل " انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " فقال نوح " رب لا تذر علي الارض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " فامره الله ان يغرس النخل فكان قومه يمرون به فيسخرون منه ويستهزؤن به ويقولون شيخ قد اتى له تسعمائة سنة يغرس النخل وكانوا يرمونه بالحجارة فلما اتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه فسخروا منه وقالوا بلغ النخل مبلغه وهو قوله (وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه وقال ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعملون) فامره الله ان ينحت السفينة وامر جبرئيل ان ينزل عليه ويعلمه كيف يتخذها فقدر طولها في الارض الفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء ثمانون ذراعا فقال يا رب من يعينني على اتخاذها؟ فاوحى الله اليه ناد في قومك من اعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضة، فنادى نوح فيهم بذلك فاعانوه عليها وكانوا يسخرون منه ويقولون ينحت سفينة في البر.

            قال حدثني ابي عن صفوان عن ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال لما



            ===============

            (327)

            اراد الله عزوجل هلاك قوم نوح عقم ارحام النساء اربعين سنة فلم يولد فيهم مولود فلما فرغ نوح من اتخاذ السفينة امره الله ان ينادي بالسريانية لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلا حضر، فادخل من كل جنس من اجناس الحيوان زوجين في السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا فقال الله عزوجل:

            (احمل فيها من كان زوجين اثنين واهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل) وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة (المدينة ك) فلما كان في اليوم الذي اراد الله هلاكهم كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة وقد كان نوح اتخذ لكل ضرب من اجناس الحيوان موضعا في السفينة وجمع لهم فيها ما يحتاجون من الغذاء، فصاحت امرأته لما فارالتنور فجاء نوح إلى التنور فوضع عليها طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوان السفينة ثم جاء الي التنور ففض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس وجاء من السماء ماء منهمر صب بلا قطر وتفجرت الارض عيونا وهو قوله عز وجل " ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء علي امر قد قدر وحملناه على ذات الواح ودسر " فقال الله عزوجل (اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها) يقول مجربها اي مسيرها ومرسيها اى موقفها فدارت السفينة ونظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم فقال له (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) فقال ابنه كما حكى الله عزوجل (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) قال نوح (لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم) الله ثم قال نوح:

            (رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين) فقال الله (يانوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين) فقال نوح كما حكى الله (رب اني اعوذ بك ان اسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين) فكان كما حكى الله



            ===============

            (328)

            (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) فقال ابوعبدالله (عليه السلام) فدارت السفينة وضربتها الامواج حتى وافت مكة وطافت بالبيت وغرق جميع الدنيا إلا موضع البيت إنما سمي البيت العتيق لانه اعتق من الغرق فبقي الماء ينصب من السماء اربعين صباحا ومن الارض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال فرفع نوح يده فقال يارهمان اخفرس (اتغرك) تفسيرها رب احسن فامر الله الارض ان تبلع ماءها وهو قوله (وقيل يا ارض ابلعي ماءك وياسماء اقلمي) يعني امسكي (وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي) فبلعت الارض ماءها فاراد ماء السماء ان يدخل في الارض فامتنعت الارض من قبولها وقالت إنما امرني الله عزوجل ان ابلع مائي فبقي ماء السماء على وجه الارض واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم، فبعث الله جبرئيل فساق الماء الي البحار حول الدنيا وانزل الله على نوح (يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم من معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم) فنزل نوح بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين وكانت لنوح ابنة ركبت معه في السفينة فتناسل الناس منها وذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله) نوح احد الابوين ثم قال

            الله عزوجل لنبيه (تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين) وروي في الخبر ان اسم نوح عبدالغفار وانما سمي نوحا لانه كان ينوح علي نفسه اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابان بن عثمان الاحمر عن موسى بن اكيل النميري عن العلا بن سيابة عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قول الله ونادى نوح ابنه فقال ليس بابنه إنما هو ابنه من زوجته علي لغة طي يقولون لابن المرأة ابنه.

            قال علي بن ابراهيم ثم حكى الله عزوجل خبر هود (عليه السلام) وهلاك قومه



            ===============

            (329)

            فقال (والي عاد اخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ان انتم إلا مفترون يا قوم لا اسئلكم عليه اجرا ان اجري إلا علي الذي فطرني أفلا تعقلون) قال ان عادا كانت بلادهم في البادية من الشقيق إلى الاجفر اربعة منازل وكان لهم زرع ونخيل كثير ولهم اعمار طويلة واجسام طويلة فعيدوا الاصنام فبعث الله اليهم هودا يدعوهم إلى الاسلام وخلع الانداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه فكفت السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا وكان هود زراعا وكان يسقي الزرع فجاء قوم إلى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأة شمطاء عوراء (1) فقالت من انتم؟ فقالوا نحن من بلاد كذا وكذا اجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله ان يدعو الله حتى تمطر وتخصب بلادنا، فقالت لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه لقلة الماء، قالوا فاين هو؟ قالت هو في موضع كذا وكذا فجاؤا اليه فقالوا يانبي الله قد اجدبت بلادنا ولم تمصر؟ فاسأل الله ان يخصب بلادنا وتمطر فتهيأ للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم ارجعوا فقد امطرتم واخصبت بلادكم، فقالوا يانبي الله انا رأينا عجبا قال وما رأيتم؟ فقالوا رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء قالت لنا من انتم وما تريدون قلنا جئنا إلى هود ليدعو الله فنمطر فقالت لو كان هود داعيا لدعا لنفسه فان زرعه قد احترق فقال هود تلك اهلي وانا ادعوا الله لها بطول البقاء فقالوا وكيف ذلك قال لانه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدو يؤذيه وهى عدوتي فلان يكون عدوى ممن املكه خير من ان يكون عدوي ممن يملكني، فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة الاصنام حتى تخصب بلادهم وانزل الله عليهم المطر وهو قوله عزوجل (ياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم

            ولا تتولوا مجرمين) فقالوا كما حكى الله (ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إلى آخر الآية) فلما لم يؤمنوا ارسل الله

            ـــــــــــــــــــــــــ

            (1) الشمط محركة بياض الراس خالطه سواد والعور: محركة ذهاب حس احدى العينين ق (*)



            ===============

            (330)

            عليهم " الريح الصرصر يعني الباردة وهو قوله في سورة اقتربت " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر انا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " وحكى في سورة الحاقة فقال " واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " قال كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام.

            قال فحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن عبدالله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن ابي جعفر (عليه السلام) قال الريح العقيم تخرج من تحت الارضين السبع وما يخرج منها شئ قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فامر الخزان ان يخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعصت علي الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد فضج الخزنة إلى الله من ذلك وقالوا يا ربنا انها قد عتت علينا ونحن نخاف ان يهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك فبعث الله جبرئيل فردها بجناحه وقال لها اخرجي علي ما امرت به فرجعت وخزجت علي ما امرت به فاهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم واما قوله (والى ثمود اخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا اليه ان ربى قريب مجيب) إلى قوله (واما لفي شك مما تدعونا اليه مريب) فان الله تبارك وتعالى بعث صالحا إلى ثمود وهو ابن ستة عشر سنة لا يجيبوه إلى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم قال لهم ياقوم بعثت اليكم وانا ابن ستة عشر سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وانا اعرض عليكم امرين ان شئتم فاسألوني مهما اردتم حتى اسأل إلهي فيجيبكم وان شئتم سألت آلهتكم فان اجابتني خرجت عنكم، فقالوا انصفت فامهلنا فاقبلوا يتعبدون ثلاثة ايام ويتمسحون بالاصنام ويذبون لها واخرجوها إلى سفح الجبل واقبلوا يتضرعون اليها، فلما كان اليوم



            ===============

            (331)

            الثالث قال لهم صالح (عليه السلام) قد طال هذا الامر فقالوا له سل من شئت، فدنا إلى اكبر صنم لهم، فقال ما اسمك؟ فلم يجبه، فقال لهم ما له لا يجبيني؟ قالوا له تنح عنه فتنحى عنه واقبلوا اليه ووضعوا على رؤوسهم التراب وضجوا وقالوا فضحتنا ونكست رؤوسنا وقال صالح قد ذهب النهار، فقالوا سله فدنا منه فكلمه فلم يجبه فبكوا وتضرعوا حتى فعلوا ذلك ثلاث مرات فلم يجبهم بشئ، فقالوا ان هذا لا يجيبك ولكنا نسأل إلهك، فقال لهم سلوا ما شئتم فقالوا سله ان يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء عشراء اي حاملة تضرب بمنكبيها طرفي الجبلين وتلقى فصيلها من ساعتها وتدر لبنها، فقال صالح ان الذي سألتموني عندي عظيم وعند الله هين، فقام وصلي ركعتين ثم سجد وتضرع إلى الله فما رفع رأسه حتى تصدع الجبل وسمعوا له دويا شديدا ففزعوا منه وكادوا ان يموتوا منه فطلع رأس الناقة وهى تجتر فلما خرجت القت فصيلها ودرت لبنها فبهتوا وقالوا قد علمنا ياصالح ان ربك اعز واقدر من آلهتنا التي نعبدها.

            وكان لقريتهم ماء وهى الحجر التي ذكرها الله تعالى في كنابه وهو قوله " كذب اصحاب الحجر المرسلين " فقال لهم صالح لهذه الناقة شرب اي تشرب ماءكم يوما وتدر لبنها عليكم يوما وهو قوله عزوجل " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم " فكانت تشرب ماءهم يوما وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية احد إلا حلب منها حاجته وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون " فعقروا الناقة ورموها حتى قتلوها وقتلوا الفصيل فلما عقروا الناقة قالوا لصالح " ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين " قال صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)



            ===============

            (332)

            ثم قال لهم وعلامة هلاككم انه تبيض وجوهكم غدا وتحمر بعد غد وتسود في اليوم الثالث فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم وقد ابيضت مثل القطن فلما كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان اليوم الثالث اسودت وجوههم فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا وهو قوله " فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في ديارهم جاثمين " فما تخلص منهم غير صالح وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله (فلما جاء امرنا نجينا صالحا ـ إلى قوله ـ ألا ان ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود).

            واما قوله (ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ) اي مشوي نضج فانه لما القى نمرود ابراهيم (عليه السلام) في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما بقي ابراهيم مع نمرود وخاف نمرود من ابراهيم فقال ياابراهيم اخرج من بلادي ولا تساكني فيها، وكان ابراهيم (عليه السلام) قد تزوج بسارة وهى بنت خاله وقد كانت آمنت به، وآمن له لوط وكان غلاما، وقد كان ابراهيم (عليه السلام) عنده غنيمات وكان معاشه منها فخرج ابراهيم من بلاد نمرود ومعه سارة في صندوق وذلك انه كان شديد الغيرة، فلما اراد الخروج من بلاد نمرود منعوه وارادوا ان يأخذوا منه غنيماته، وقالوا له هذا ما كسبته في سلطان الملك وبلاده وانت مخالف له فقال لهم ابراهيم بيني وبينكم قاضي الملك سدوم (سندوم ك) فصاروا اليه وقالوا ان هذا مخالف لدين الملك وما معه كسبه في بلاد الملك ولا ندعه يخرج معه شيئا فقال سندوم صدقوا خل عما في في يديك، فقال ابراهيم (عليه السلام) انك ان لم تقض بالحق تمت الساعة، قال وما الحق قال قل لهم يردوا علي عمري الذي افنيته في كسب ما معي حتى ارد عليهم، فقال سندوم يجب ان تردوا عمره فخلوا عنه عما كان في يده فخرج ابراهيم وكتب نمرود في الدنيا ألا تدعوه يسكن العمران فمر ببعض عمال نمرود وكان كل من مر به يأخذ عشر ما معه وكانت سارة مع ابراهيم في الصندوق، فاخذ



            ===============

            (333)

            عشر ما كان مع ابراهيم ثم جاء إلى الصندوق فقال له لابد من ان افتحه فقال ابراهيم (عليه السلام) عده ما شئت وخذ عشره فقال لابد من ان تفتحه ففتحه فلما نظر إلى سارة تعجب من جمالها فقال لابراهيم ما هذه المرأة التى هى معك؟ قال هى اختي وإنما عني اخته في الدين، قال العاشر لست ادعك تبرح من مكانك حتى اعلم الملك بحالك وحالها فبعث رسولا إلى الملك فامر اجناده فحملت الصندوق اليه فهم بها ومد يده اليها فقالت له اعوذ بالله منك فجفت يده والتصقت بصدره واصابته من ذلك شدة، فقال ياسارة ما هذا الذى اصابني منك؟ فقالت بما هممت به، فقال قد هممت لك بالخير فادعي الله ان يردني الي ما كنت، فقالت اللهم ان كان صادقا فرده كما كان فرجع إلى ما كان وكانت على رأسه جارية فقال ياساره خذي هذه الجارية تخدمك وهى هاجر ام اسماعيل (عليه السلام) فحمل ابراهيم سارة وهاجر فنزلوا البادية علي ممر طريق اليمن والشام وجميع الدنيا فكان يمر به الناس فيدعوهم إلى الاسلام وقد كان شاع خبره في الدنيا ان الملك القاه في النار فلم يحترق وكانوا يقولون له لا تخالف دين الملك فانه يقتل من خالفه، وكان ابراهيم كل من يمر به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة قالشجر والنبات والخير وكان الطريق عليهم، فكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول من ثمارهم وزروعهم فجزعوا من ذلك فجاءهم ابليس في صورة شيخ فقال لهم ادلكم على ما ان فعلتموه لم يمر بكم احد، فقالوا ما هو؟ قال من مر بكم فانكحوه في دبره فاسلبوه ثيابه ثم تصور لهم ابليس في صورة امرد حسن الوجه جميل الثياب فجاءهم فوثبوا عليه ففجروا به كما امرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فشكى الناس ذلك إلى ابراهيم (عليه السلام) فبعث الله اليهم لوطا يحذرهم وينذرهم فلما نظروا إلى لوط قالوا من أنت؟

            قال انا ابن خال ابراهيم الذي القاه الملك في النار فلم يحترق وجعلها الله بردا وسلاما وهو بالقرب منكم قاتقوا الله ولا تفعلوا هذا فان الله يهلككم فلم يجسروا



            ===============

            (334)

            عليه وخافوه وكفوا عنه وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من ايديهم وتزوج لوط فيهم وولد له بنات، فلما طال ذلك علي لوط ولم يقبلوا منه قالوا له " لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين " الي لنرجمنك ولنخرجنك فدعا عليهم لوط فبينما ابراهيم (عليه السلام) قاعد في موضعه الذي كان فيه وقد كان اضاف قوما وخرجوا ولم يكن عنده شئ فنظر إلى اربعة نفر قد وقفوا عليه لا يشبهون الناس فقالوا سلاما فقال ابراهيم سلام، فجاء ابراهيم إلى سارة فقال لها قد جاء اضياف لا يشبهون الناس قال ما عندنا إلا هذا العجل فذبحه وشواه وحمله اليهم وذلك قول الله عزوجل " ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجس منهم خيفة " وجاءت سارة في جماعة معها فقالت لهم مالكم تمتنعون من طعام خليل الله فقالوا لابراهيم (لا تخف انا ارسلنا إلى قوم لوط) ففزعت سارة، وضحكت اي حاضت وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل فقال الله عزوجل (فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) فوضعت يدها على وجهها فقالت (ياويلتئ الد وانا عجوز وهذا بعلى شيخا ان هذا لشئ عجيب) فقال لها جبرئيل (أتعجبين من امر الله ورحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاءته البشرى) باسحق اقبل يجادل كما حكى الله عزوجل (يجادلنا في قوم لوط ان ابراهيم لحليم اواه منيب) فقال ابراهيم لجبرئيل بما اذا ارسلت قال بهلاك قوم لوط فقال ابراهيم " ان فيها لوطا " قال جبرئيل نحن اعلم بمن فيها لننجيه واهله " إلا امرأته كانت من الغابرين " قال ابراهيم ياجبرئيل ان كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين يهلكهم الله قال لا قال فان كان فيهم خمسون قال لا قال فان كان فيهم عشرة رجال قال لا قال فان كان واحد قال لا وهو قوله فما وجدنا فيها غير بيت من



            ===============

            (335)

            المسلمين فقال ابراهيم ياجبرئيل راجع ربك فيهم فاوحى الله كلمح البصر (يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتاهم عذاب غير مردود) فخرجوا من عند ابراهيم (عليه السلام) فوقفوا على لوط في ذلك الوقت وهو يسقي زرعه فقال لهم لوط من انتم قالوا نحن ابناء السبيل اضفنا الليلة، فقال لهم ياقوم ان اهل هذه القرية قوم سوء لعنهم الله واهلكهم ينكحون الرجال ويأخذون الاموال فقالوا فقد ابطأنا فاضفنا فجاء لوط إلى اهله وكانت منهم فقال لها انه قد اتاني اضياف في هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى اعفو عنك جميع ما كان منك الي هذا الوقت، قالت افعل وكانت العلامة بينها وبين قومها اذا كان عند لوط اضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار، فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوط (عليه السلام) وثبت امرأته على السطح فاوقدت نارا فعلم اهل القرية واقبلوا اليه من كل ناحية كما حكى الله عزوجل (وجاءه قومه يهرعون اليه) اي يسرعون ويعدون فلما صاروا الي باب البيت قالوا يالوط أو لم ننهك عن العالمين فقال لهم كما حكى الله (هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد).

            وحدثني ابى عن محمد بن عمرو رحمه الله في قول لوط (عليه السلام) " هؤلاء بناتي هن اطهر لكم " قال عني به ازواجهم وذلك ان النبي ابوامته، فدعاهم إلى الحلال ولم يكن يدعوهم إلى الحرام، فقال ازواجكم هن اطهر لكم (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد) فقال لوط لما يئس (لو ان لي بكم قوة او آوى إلى ركن شديد) اخبرنا الحسن بن علي بن مهزيار عن ابيه عن ابى ابي عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في عز من قومه، وحدثني محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن احمد (مسلم ط) عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبدالله بن القسم عن صالح عن



            ===============

            (336)

            ابي عبدالله (عليه السلام) قال في قوله قوة قال القوة القائم (عليه السلام) والركن الشديد ثلاثمائة وثلاثة عشر قال علي بن ابراهيم فقال جبرئيل لو علم ما له من القوة، فقال من انتم؟ فقال جبرئيل انا جبرئيل، فقال لوط بماذا امرت قال بهلاكهم فسأله الساعة قال (موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) فكسروا الباب ودخلوا البيت فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها (1) وهو قول الله عزوجل " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر " فلما رأوا ذلك وعلموا انهم قد اتاهم العذاب فقال جبرئيل يا لوط (فاسر باهلك بقطع من الليل) واخرج من بينهم انت وولدك (ولا يلتفت منكم احد إلا امرأتك انه مصيبها ما اصابهم) وكان في قوم لوط رجل عالم فقال لهم يا قوم قد جاءكم العذاب الذي كان يعدكم لوط فاحرسوه ولا تدعوه يخرج من بينكم فانه ما دام فيكم لا يأتيكم العذاب، فاجتمعوا حول داره يحرسونه فقال جبرئيل يا لوط اخرج من بينهم فقال كيف اخرج وقد اجتمعوا حول داري، فوضع بين يديه عمودا من نور فقال له اتبع هذا العمود ولا يلتفت منكم احد فخرجوا من القرية من تحت الارض فالتفتت امرأته فارسل الله عليها صخرة فقتلتها، فلما طلع الفجر صارت الملائكة الاربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع ارضين إلى تخوم الارض ثم رفعوها في الهواء حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصراخ الديكة ثم قلبوها عليهم وامطرهم الله (حجارة من سجيل منضودة مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) قوله " منضود " يعني بعضها على بعض منضدة وقوله " مسومة " اى منقوطة.

            حدثني ابي عن سليمان الديلمي عن ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله " وامطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة " قال ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط إلا رماه الله كبده من تلك الحجارة تكون منيته

            ـــــــــــــــــــــــــ

            (1) الطموس كالدروس لفظا ومعنى. ج ز (*)



            ===============

            (337)

            فيها ولكن الخلق لا يرونه.

            ثم ذكر عزوجل هلاك اهل مدين فقال (والى مدين اخاهم شعيبا ـ إلى قوله ـ ولا تعثوا في الارض مفسدين) قال بعث الله شعيبا إلى مدين وهى قرية على طريق الشام فلم يؤمنوا به وحكى الله قولهم (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا ـ إلى قوله ـ الحليم الرشيد) قال قالوا انك لانت السفيه الجاهل فكنى الله عزوجل قولهم فقال (انك لانت الحليم الرشيد) وانما اهلكهم الله بنقص المكيال والميزان (قال يا قوم أرأيتم ان كنت علي بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم إلى ما انهيكم عنه ان اريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيق إلا بالله عليه توكلت واليه انيب) ثم ذكرهم وخوفهم بما نزل بالامم الماضية فقال (ياقوم لا يجر منكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا) وقد كان ضعف بصره (ولولا رهطلك لرجمناك وما انت علينا بعزيز ـ إلى قوله ـ اني معكم رقيب) اي انتظروا فبعث الله عليهم صيحة فماتوا وهو قوله (فلما جاء امرنا نجيبنا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود).

            ثم ذكر عزوجل قصة موسى (عليه السلام) فقال (ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ـ إلى قوله ـ واتبعوا في هذه لعنة) يعني الهلاك والغرق (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) اي يرفدهم الله بالعذاب ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) (ذلك من انباء القرى) اي اخبارها (نقصه عليك ـ يا محمد ـ منها قائم وحصيد ـ إلى قوله ـ وما زادوهم غير تتبيب) اي غير تخسير (وكذلك اخذ ربك إذ اخذ القرى وهى ظالمة إن اخذه اليم شديد ان في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة



            ===============

            (338)

            ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) اي يشهد عليهم الانبياء والرسل (وما نؤخره إلا لاجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض) فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ما دامت السموات والارض وقوله (واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها) يعني في جنات الدنيا التي تنقل اليها ارواح المؤمنين (ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلا به وهو رد على من ينكر عذاب القبر والثواب والعقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم القيامة وقوله (وان كلا لما ليوفينهم ربك اعمالهم) قال في القيامة ثم قال لنبيه (فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا) اي في الدنيا لا تطغوا (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) قال ركون مودة ونصيحة وطاعة (وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون) وقوله (أقم الصلاة طرفي النهار) الغداة والمغرب (وزلفا من الليل) العشاء الآخرة (ان الحسنات يذهبن السيئات) فان صلاة المؤمنين في الليل تذهب ما عملوا بالنهار من السيئات والذنوب ثم قال (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة) اي على مذهب واحد (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال في قوله: لا يزالون مختلفين في الدين إلا من رحم ربك يعني آل محمد واتباعهم يقول الله ولذلك خلقهم يعني اهل رحمة لا يختلفون في الدين قوله (وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس اجمعين) وهم الذين سبق الشقاء لهم فحق عليهم القول انهم للنار خلقوا وهم الذين حقت عليهم كلمة ربك انهم لا يؤمنون قال علي بن ابراهيم ثم خاطب الله نبيه فقال (وكلا نقص عليك من انباء الرسل اي اخبارهم (ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق) في القرآن وهذه السورة من اخبار الانبياء وهلاك الامم ثم قال (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على



            (339)

            مكانكم انا عاملون) اي نعاقبكم (وانتظروا انا منتظرون ولله غيب السموات والارض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون)

            Comment

            • راية اليماني
              مشرف
              • 05-04-2013
              • 3021

              #21
              رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

              سورة يوسف




              سورة يوسف مكية اياتها مأة واحدى عشر (بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب المبين انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) اي كي تعقلوا ثم خاطب الله نبيه فقال (نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين) ثم قص قصة يوسف لابيه (ياابت اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن احمد قال حدثنا علي بن محمد عمن حدثه عن المنقري عن عمرو بن شمر عن اسماعيل السندي عن عبدالرحمن ابن سابط القرشي عن جابر بن عبدالله الانصاري في قول الله عزوجل " اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قال في تسمية النجوم هو الطارق وحوبان والذيال (الدبال ك) وذو الكتفين (ذو الكنفين ط) ووثاب وقابس وعمودان وفليق (فيلق) ومصبح والصرح والفروع (والقروع) والضياء والنور يعني الشمس والقمر وكل هذه النجوم محيطة بالسماء، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال تأويل هذه الرؤيا انه سيملك مصر ويدخل عليه ابواه واخوته، اما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب واما احد عشر كوكبا فاخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا اليه وكان ذلك السجود لله.

              قال علي بن ابراهيم فحدثنى ابي عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر (عليه السلام) انه كان من خبر يوسف (عليه السلام) انه كان له احد عشر اخا فكان له من امه



              ===============

              (340)

              اخ واحد يسمى بنيامين وكان يعقوب اسرائيل الله ومعنى اسرائيل الله خالص الله بن اسحاق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله، فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على ابيه فقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) " يكيدوا لك كيدا " أي يحتالوا عليك، فقال يعقوب ليوسف (وكذلك يجبتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحق ان ربك عليم حكيم) وكان يوسف من احسن الناس وجها وكان يعقوب يحبه ويؤثره على اولاده فحسده اخوته علي ذلك وقالوا فيما بينهم كما حكى الله عزوجل (إذ قالوا ليوسف واخوه احب الي ابينا منا ونحن عصبة) اي جماعة (ان ابانا لفي ضلال مبين) فعمدوا علي قتل يوسف فقالوا نقتله حتى يخلو لنا وجه ابينا فقال لاوي لا يجوز قتله ولكن نغيبه عن ابينا ونخلو نحن به فقالوا كما حكى الله عزوجل (يا ابانا مالك لا تأمنا علي يوسف وانا له لناصحون ارسله معنا غدا يرتع ويلعب) اي يرعى الغنم ويلعب (وانا له لحافظون) فاجرى الله علي لسان يعقوب (انى ليحزنني ان تذهبوا به واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون) فقالوا كما حكى الله (لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون) والعصبة عشرة إلى ثلاثة عشر (فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب واوحينا اليه لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون) اي لاخبرنهم بما هموا به.

              وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون " يقول لا يشعرون انك انت يوسف اتاه جبرئيل واخبره بذلك قال علي بن ابراهيم فقال لاوي القوه في هذا الجب (يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين) فادنوه من رأس الجب فقالوا له انزع قميصك فبكى وقال يااخوتي لا تجردوني، فسل واحد منهم عليه السكين وقال لئن لم تنزعه لاقتلنك



              ===============

              (341)

              فنزعه فألقوه في اليم وتنحوا عنه فقال يوسف في الجب يا إله ابراهيم واسحق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري، فنزلت سيارة من اهل مصر، فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب فلما ادلي الدلو على يوسف تشبت بالدلو فجروه فنظروا إلى غلام من احسن الناس وجها فعدوا الي صاحبهم فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا فبلغ اخوته فجاؤا وقالوا هذا عبد لنا، ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر بالعبودية لنقتلنك فقالت السيارة ليوسف ما تقول قال نعم انا عبدهم، فقالت السيارة أفتبيعونه منا؟ قالوا نعم فباعوه منهم على ان يحملوه إلى مصر (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) قال الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما وكان عندهم كما قال الله تعالى " وكانوا فيه من الزاهدين) اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد ابن محمد عن ابي بصير عن الرضا (عليه السلام) في قول الله " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة " قال كانت عشرين درهما والبخس النقص وهى قيمة كلب الصيد إذا قتل كان قيمته عشرين درهما.

              وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (وجاؤا على قميصه بدم كذب) قال انهم ذبحوا جديا على قميصه، قال علي بن ابراهيم ورجع اخوته فقالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لابينا ان الذئب اكله فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوي يا قوم ألسنا بني يعقوب اسرائيل الله بن اسحق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله أفتظنون ان الله يكتم هذا الخبر عن انبيائه، فقالوا وما الحيلة؟ قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تعالى ان يكتم ذلك الخبر عن نبيه فانه جواد كريم، فقاموا واغتسلوا وكان في سنة ابراهيم واسحق ويعقوب انهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا احد عشر رجلا فيكون واحد



              ===============

              (342)

              منهم اماما وعشرة يصلون خلفه فقالوا كيف نصنع وليس لنا امام (1) فقال لاوي نجعل الله امامنا فصلوا وتضرعوا وبكوا وقالوا يارب اكتم علينا هذا ثم جاؤا إلى ابيهم عشاءا يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم فقالوا (ياابانا انا ذهبنا نستبق) اي نعدو (وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ـ إلى قوله ـ على ما تصفون) ثم قال يعقوب ما كان اشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه علي قميصه حيث اكل يوسف ولم يمزق قميصه.

              قال فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر فقال العزيز (لامرأته اكرمي مثواه) اي مكانه (عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا) ولم يكن له ولد فاكرموه وربوه فلما بلغ اشده هوته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته ولا رجل إلا احبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز وهو قوله (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون) فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله عزوجل (ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه) فقامت امرأة العزيز وغلفت الابواب فلما هما رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على اصبعيه يقول يا يوسف! انت في السماء مكتوب في النبيين وتريد ان تكتب في الارض من الزناة؟ فعلم انه قد اخطأ وتعدى، وحدثني ابي عن بعض رجاله رفعه قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) لما همت به وهم بها قامت إلى صنم في بيتها فالقت عليه الملاءة لها فقال لها يوسف ما تعملين؟

              قالت القي على هذا الصنم ثوبا لا يرانا فانى استحيي منه، فقال يوسف فانت

              ـــــــــــــــــــــــــ

              (1) وذلك لان بنيامين كان في البيت فكانوا عشرا. ج. ز (*)



              ===============

              (343)

              تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا استحي انا من ربي فوثب وعدا وعدت من خلفه وادركهما العزيز على هذه الحالة وهو قول الله تعالى (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب) فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز (ما جزاء من اراد باهلك سوءا إلا ان يسجن او عذاب اليم) فقال يوسف للعزيز (هى راودتني عن نفسي وشهد شاهد من اهلها) فألهم الله يوسف ان قال للملك سل هذا الصبي في المهد فانه يشهد انها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي فانطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال (ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) فلما رأى قميصه قد تخرق من دبر قال لامرأته (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم (ثم قال ليوسف (أعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين) وشاع الخبر بمصر وجعلت النساء يتحدثن بحديثها ويعيرنها ويذكرنها وهو قوله (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فبلغ ذلك امرأة العزيز فبعثت إلى كل امرأة رئيسة فجمعتهن في منزلها وهئيت لهن مجلسا ودفعت إلى كل امرأة اترنجة وسكينا فقالت اقطعن ثم قالت ليوسف (اخرج عليهن) وكان في بيت فخرج يوسف عليهن فلما نظرن اليه اقبلن يقطعن ايديهن وقلن كما حكى الله عزوجل (فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن واعتدت لهن متكأ) اي اترنجة (وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه اكبرنه) إلى قوله (ان هذا إلا ملك كريم) فقالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه) اي في حبه (ولقد راودته عن نفسه) اي دعوته (فاستعصم) اي امتنع ثم قالت (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين) فما امسى يوسف في ذلك البيت حتى بعثت اليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن احب الي مما يدعونني اليه والا



              ===============

              (344)

              تصرف عني كيدهن) اي حيلهن (اصب اليهن) اي اميل اليهن وامرت امرأة العزيز بحبسه فحبس في السجن وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها اياه على الباب فلما عصاها فلم تزل ملحة بزوجها حتى حبسه (ودخل معه السجن فتيان) يقول عبدان للملك احدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز، رجع إلى حديث علي بن ابراهيم قال ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلما دخلا السجن قالا له ما صناعتك؟ قال اعبر الرؤيا فرأى احد الموكلين في نومه كما قال الله عزوعلى (اعصر خمرا) قال يوسف تخرج وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وقال الآخر (اني أرانى احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف انت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك، فجحد الرجل وقال اني لم أر ذلك، فقال يوسف كما قال الله تعالى (يا صاحبى السجن اما احدكما فيسقى ربه خمرا واما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان) فقال ابوعبدالله (عليه السلام) في قوله " انا نراك من المحسنين " قال كان يقوم على المريض ويلتمس المحتاج ويوسع على المحبوس فلما اراد من رأى في نومه يعصر الخمر الخروج من الحبس قال له يوسف (اذكرني عند ربك) فكان كما قال الله عزوجل (فانساه الشيطان ذكر ربه) اخبرنا الحسن به علي عن ابيه عن اسماعيل بن عمر عن شعيب العقرقوفي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال ان يوسف اتاه جبرئيل فقال له:

              يا يوسف ان رب العالمين يقرؤك السلام ويقول لك من جعلك في احسن خلقه؟

              قال فصاح ووضع خده على الارض ثم قال انت يارب، ثم قال له: ويقول لك من حببك إلى ابيك دون اخوتك؟ قال فصاح ووضع خده على الارض



              ===============

              (345)

              وقال انت يا رب، قال ويقول لك: من اخرجك من الجب بعد ان طرحت فيها وايقنت بالهلكة؟ قال فصاح ووضع خده على الارض ثم قال انت يارب قال:

              فان ربك قد جعل لك جل عقوبة في استغاثتك بغيره فلبثت في السجن بضع سنين، قال فلما انقضت المدة واذن الله له في دعاء الفرج فوضع خده على الارض ثم قال " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بوجه آبائي الصالحين ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب " ففرج الله عنه، قلت جعلت فداك أندعو نخن بهذا الدعاء؟ فقال ادع بمثله " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة (عليهم السلام) ".

              قال علي بن ابراهيم ثم ان الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه اني رأيت في نومي (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) اي مهازيل، ورأيت (سبع سنبلات خضر واخر يابسات) وقرأ ابوعبدالله (عليه السلام) سبع سنابل خضر ثم قال (ياايها الملا أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون) فلم يعرفوا تأويل ذلك، فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين وهو قوله (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة) اى بعد حين (انا انبئكم بتأويله فارسلون) فجاء إلى يوسف فقال (ايها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات) قال يوسف (تزرعون سبع سنين دأبا) اي ولاءا (فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) أي لا تدوسوه فانه يفسد في طول سبع سنين واذا كان في سنبله لا ينفسد (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن) اي سبع سنين مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع سنين الماضية قال الصادق (عليه السلام) إنما نزل ما قربتم لهن (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)



              ===============

              (346)

              اي يمطرون، وقال ابوعبدالله (عليه السلام) قرأ رجل على امير المؤمنين (عليه السلام) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون قال ويحك اي شئ يعصرون أيعصرون الخمر؟ قال الرجل يا امير المؤمنين كيف اقرؤها؟ قال إنما نزلت " عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " (1) اي يمطرون بعد سنين المجاعة والدليل على ذلك قوله " وانزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا " فرجع الرجل إلى الملك فاخبره بما قال يوسف فقال الملك (إئتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك) يعني إلى الملك (فسئله ما بال النسوة التي قطعن ايديهن ان ربي بكيدهن عليم) فجمع الملك النسوة فقال لهن (ما خطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص (2) الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين) أي لا اكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ثم قالت الجزء (13) (وما أبرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء) اي تأمر بالسوء فقال الملك (إئتوني به استخلصه لنفسي) فلما نظر إلى يوسف (قال انك اليوم لدينا مكين امين) سل حاجتك (قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) يعني على الكناديج والانابير فجعله عليها وهو قوله (وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوء منها حيث يشاء) فامر يوسف ان يبنى كناديج (3) من صخر وطينها بالكلس (4) ثم امر بزروع مصر فحصدت ودفع إلى كل انسان حصته وترك الباقي في سنبله لم يدسه، فوضعها في الكناديج ففعل ذلك سبع سنين فلما جاء سني الجدب فكان يخرج السنبل فيبيع بما شاء، وكان بينه وبين ابيه ثمانية عشر يوما وكانوا في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما وكان يعقوب

              ـــــــــــــــــــــــــ

              (1) اى مبنيا للمجهول. واعصروا اى امطروا. والمعصرات السحاب

              (2) جصحص. وضح

              (3) جمع كندوج كصندوق شبه المخزن

              (4) الكلس بالكسر الصاروج (النورة) (*)



              ===============

              (347)

              وولده نزولا في بادية فيه مقل (1) فاخذ اخوة يوسف من ذلك المقل وحملوه إلى مصر ليمتاروا به وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخلوا اخوته على يوسف عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عزوعلا (وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم) واعطاهم واحسن اليهم في الكيل قال لهم من انتم؟ قالوا نحن بنو يعقوب بن اسحق بن ابراهيم خليل الله الذي القاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما، قال فما فعل ابوكم؟ قالوا شيخ ضعيف، قال فلكم اخ غيركم؟

              قالوا لنا اخ من ابينا لا من امنا، قال فاذا رجعتم الي فأتوني به وهو قوله (ائتوني باخ لكم من ابيكم ألا ترون انى اوفي الكيل وانا خير المنزلين فان لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه اباه وانا لفاعلون) ثم قال يوسف لقومه ردوا هذه البضاعة التى حملوها الينا واجعلوها فيما بين رحالهم حتى اذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها رجعوا الينا وهو قوله (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى اهلهم لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا (فلما رجعوا إلى ابيهم قالوا يا ابانا منع منا الكيل فارسل معنا اخانا نكتل وانا له لحافظون) فقال يعقوب (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على اخيه من قبل فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم) في رحالهم التي حملوها إلى مصر (قالوا ياابانا ما نبغي) اي ما نريد (هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا ونحفظ اخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير) فقال يعقوب (لن ارسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا ان يحاط بكم فلما آتوه موثقهم) قال يعقوب (الله على ما نقول وكيل) فخرجوا وقال لهم يعقوب (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة

              ـــــــــــــــــــــــــ

              (1) المقل بالضم صمغ شجرة نافع للسعال وهش الهوام والبواسير وتنقية الرحم وتسهيل الولادة وانزال المشيمة وحصاة الكلية والرياح الغليظة مدرباه مسمن محلل للاورام ق. (*)



              ===============

              (348)

              - إلى قوله ـ اكثر الناس لا يعلمون) فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر ودخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى اخيه فعرفه فجلس منهم بالبعد، فقال يوسف انت اخوهم؟

              قال نعم، قال فلم لا تجلس معهم؟ قال لانهم اخرجوا من ابي وامي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا ان الذئب اكله فآليت على نفسي ألا اجتمع معهم على امر ما دمت حيا، قال فهل تزوجت؟ قال بلى، قال فولد لك ولد؟

              قال بلى، قال كم ولد لك؟ قال ثلاث بنين، قال فما سميتهم؟ قال سميت واحدا منهم الذئب وواحدا القميص وواحدا الدم، قال وكيف اخترت هذه الاسماء؟ قال لئلا انسى اخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت اخي، قال يوسف لهم اخرجوا وحبس بنيامين عنده فلما خرجوا من عنده قال يوسف لاخيه انا اخوك يوسف (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ثم قال له انا احب ان تكرن عندي، فقال لا يدعوني اخوتي فان ابي قد اخذ عليهم عهد الله وميثاقه ان يرودني اليه، قال فانا احتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم فقال لا، فلما جهزهم بجهازهم واعطاهم واحسن اليهم قال لبعض قوامه اجعلوا هذا الصواع في رحل هذا وكان الصواع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقفوا عليه فلما ارتحلوا بعث اليهم يوسف وحبسهم ثم امر مناديا ينادي (ايتها العير انكم لسارقون) فقال اخوة يوسف (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) اي كفيل فقال اخوة يوسف ليوسف (تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين) قال يوسف (فما جزاؤه ان كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله) فخذه فاحبسه (فهو جزاؤه كذلك تجزي الظالمين فبدأ باوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه) فتشبثوا باخيه وحبسوه وهو قوله (كذلك كدنا



              ===============

              (349)

              ليوسف) اي احتلنا له (وما كان ليأخذ اخاه في دين الملك إلا ان يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) فسئل الصادق (عليه السلام) عن قوله " ايتها العير انكم لسارقون " قال ما سرقوا وما كذب يوسف فانما عني سرقتم يوسف من ابيه، وقوله ايتها العير معناه يااهل العير ومثله قولهم لابيهم (واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها) يعني اهل العير فلما اخرج ليوسف الصواع من رحل اخيه قال اخوته (ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل) يعنون يوسف فتغافل يوسف عليهم وهو قوله (فاسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال انتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون) فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دما اصفر فكانوا يجادلونه في حبسه. وكانوا ولد يعقوب اذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤسهم دم اصفر وهم يقولون (ياايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين فاطلق عن هذا فلما رأى يوسف ذلك (قال معاذ الله ان نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل إلا من سرق متاعنا (انا اذا لظالمون فلما استيأسوا منه) وارادوا الانصراف إلى ابيهم قال لهم لاوي بن يعقوب (ألم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله) في هذا (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) فارجعوا انتم إلى ابيكم فاما انا فلا ارجع اليه (حتى يأذن لي ابي او يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) ثم قال لهم (ارجعوا إلى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها) اي اهل القرية واهل العير (وانا لصادقون).

              قال فرجع اخوة يوسف إلى ابيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف فكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فاقبلت تقذف بالدم وكان لا يسكن حتى يمسه بعض اولاد يعقوب، قال



              ===============

              (350)

              فكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها فلما رأى يوسف ان يهودا قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم اخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غضبه، قال فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ثم ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وقامت الشعرة تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا فتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه وقال ان في البيت لمن ولده يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات، فلما رجعوا اخوة يوسف إلى ابيهم واخبروه بخبر اخيهم قال يعقوب (بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم ثم تولى عنهم وقال يا اسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن) يعني عميت من البكاء (فهو كظيم) اي محزون والاسف اشد الحزن وسئل ابوعبدالله (عليه السلام) ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال حزن سبعين ثكلى باولادها وقال إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع ومن هنا قال وا اسفا على يوسف فقالوا له (تالله تفتؤ تذكر يوسف) اي لا تفتؤ عن ذكر يوسف (حتى تكون حرضا) اي ميتا (او تكون من الهالكين) فقال (إنما اشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) حدثني ابي عن حسان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قلت له اخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه) اكان علم انه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من البكاء عليه، قال نعم علم انه حي حتى انه دعا ربه في السحر ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في اطيب رائحة واحسن صورة فقال له من انت؟ قال انا ملك الموت أليس سألت الله ان ينزلتي عليك؟ قال نعم قال ما حاجتك يا يعقوب؟ قال له اخبرنى عن الارواح تقبضها جملة او تفاريقا؟ قال يقبضها اعواني متفرقة ثم تعرض علي



              ===============

              (351)

              مجتمعة؟ قال يعقوب فاسألك بآله ابراهيم واسحق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف فقال لا فعند ذلك علم انه حي فقال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيئسوا من روح الله انه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون) فكتب عزيز مصر إلى يعقوب: اما بعد فهذا ابنك قد اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا، فما ورد على يعقوب شئ اشد عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتى اجيبه فكتب اليه يعقوب (عليه السلام) بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله ابن اسحق بن ابراهيم خليل الله اما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه انك اشتريت ابني واتخذته عبدا وان البلاء موكل ببني آدم ان جدي ابراهيم القاه نمرود ملك الدنيا في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما وان ابى اسحق (1) امر الله تعالى جدي

              ـــــــــــــــــــــــــ

              (1) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في قصص الانبياء: " اختلف علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو اسماعيل او اسحق (عليه السلام) فذهبت الطائفة المحقة من اصحابنا وجماعة من العامة إلى انه اسماعيل (عليه السلام) والاخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل، وذهب طائفة من الجمهور إلى انه اسحق (عليه السلام) وبه اخبار واردة من الطرفين، وطريق تأويلها اما ان تحمل على التقية، واما حملها على ما قاله الصدوق (رحمه الله) صار ذبيحا بالنية والتمني قال الصدوق (رحمه الله) في العيون:

              " قد اختلفت الروايات في الذبح، فمنها ما ورد بانه اسماعيل، ومنها ما ورد بانه اسحق (ع) ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها وكان الذبيح اسماعيل عليه السلام لكن اسحق لما ولد بعد ذلك تمنى انه هو الذي امر ابوه بذبحه = (*)



              ===============

              (352)

              ان يذبحه بيده فلما اراد ان يذبحه فداه الله بكبش عظيم وانه كان لي ولد لم يكن في الدنيا احد احب الي منه وكان قرة عيني وثمرة فؤادي فاخرجوه اخوته ثم رجعوا الي وزعموا ان الذئب اكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري وكان له اخ من امه كنت آنس به فخرج مع اخوته إلى ملكك ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا وذكروا انه سرق صواع الملك وانك حبسته وانا اهل بيت لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة وانا اسألك بآله ابراهيم واسحق ويعقوب إلا ما مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته الي " فلما ورد الكتاب على يوسف اخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاءا شديدا ثم نظر إلى اخوته فقال (هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون فقالوا ءانك لانت يوسف فقال انا يوسف وهذا اخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين) فقالوا كما حكى الله عزوجل (لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم) اي لا تعيير (يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين) قال فلما ولي الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يديه إلى السماء فقال: " ياحسن الصحبة ياكريم المعونة ياخيرا كله ائتني بروح منك

              ـــــــــــــــــــــــــ

              = فكان يصبر لامر الله كصبر اخيه فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عزوجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك " ثم حمل رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وآله: " انا ابن الذبيحين " علي ذلك (اقول) ان بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فانها مصرحة بذبح اسحق حقيقة لا مجازا وفداه بكبش، فعليه لا مجال إلى ما ذهب اليه الصدوق رحمه الله من الحمل فاما ان تحمل هذه الروايات ـ كما قال جدي رح ـ على التقية او على تعدد الواقعة. ج. ز (*)



              ===============

              (353)

              وفرج من عندك " عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال يعقوب الا اعلمك دعوات يردالله عليك بصرك وابنيك؟ قال نعم قال قل: " يامن لا يعلم احد كيف هو إلا هو يامن شيد (سد ط) السماء بالهواء وكبس الارض على الماء واختار لنفسه احسن الاسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك " قال فما انفجر عمود الصبح حتى اوتي بالقميص فطرح عليه فرد الله عليه بصره وولده قال ولما امر الملك بحبس يوسف في السجن الهمه الله تأويل الرؤيا فكان يعبر لاهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا وعبر لهما وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرنى عند ربك ولم يفزع في تلك الحالة إلى الله فاوحى الله اليه من اراك الرؤيا التى رأيتها؟ قال يوسف انت يا رب قال فمن حببك إلى ابيك؟ قال انت يا رب، قال فمن وجه اليك السيارة التي رأيتها؟ قال انت يا رب، قال فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا؟ قال انت يارب قال فمن انطق لسان الصبي بعذرك؟ قال انت يارب قال فمن الهمك تأويل الرؤيا؟

              قال انت يا رب، قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي واملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي ولم تفزع الي ولبثت السجن بضع سنين! فقال يوسف: " اسئلك بحق آبائي واجدادي عليك إلا فرجت عني " فاوحى الله اليه يا يوسف وأي حق لآبائك واجدادك علي؟ ان كان ابوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي واسكنته جنتي وامرته ان لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألنى فتبت عليه، وان كان ابوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا اليهم فلما عصوا دعاني فاستجبت له واغرقتهم وانجيته ومن معه في الفلك، وان كان ابوك ابراهيم اتخذته خليلا وانجيته من النار وجعلتها بردا وسلاما، وان كان ابوك يعقوب وهبت له اثنى عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد في الطريق يشكونى إلى خلقي فاي حق لآبائك



              ===============

              (354)

              واجدادك علي؟ قال فقال جبرئيل يا يوسف قل: أسألك بمنك العظيم وسلطانك القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها وحدثني ابي عن العباس بن هلال عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) قال قال السجان ليوسف اني لاحبك؟ فقال يوسف ما اصابني بلاء إلا من الحب ان كانت عمتي (خالتى ط) احبتني فسرقتني وان كان ابي احبني فحسدوني اخوتى وان كانت امرأة العزيز احبتني فحبستني، قال وشكى يوسف في السجن إلى الله فقال يارب بماذا استحققت السجن؟ فاوحى الله اليه انت اخترته حين قلت: رب السجن احب الي مما يدعونني اليه هلا قلت العافية احب الي مما يدعونني اليه، وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن عمارة عن ابن سيارة عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال لما طرح اخوة يوسف يوسف في الجب دخل عليه جبرئيل وهو في الجب فقال يا غلام من طرحك في هذا الجب؟ فقال له يوسف اخوتى لمنزلتي من ابى وحسدوني لذلك في الجب طرحونى، قال فتحب ان تخرج منها فقال له يوسف ذلك إلى إله ابراهيم واسحق ويعقوب، قال فان إله ابراهيم واسحق ويعقوب يقول لك قل: " اللهم انى اسألك فان لك الحمد كله لا إله إلا انت الحنان المنان بديع السموات والارض ذو الجلال والاكرام (وم) صل على محمد وآل محمد واجعل لي من امري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث احتسب ومن حيث لا احتسب " فدعا ربه فجعل الله لا من الجب فرجا ومن كيد المرأة مخرجا وآتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب.

              واما قوله (اذهبوا بقميصى هذا فالقوة على وجه ابي يأت بصيرا واتونى باهلكم اجمعين) فانه حدثني ابى عن علي بن مهزيار عن اسماعيل السراج عن يونس بن يعقوب عن المفضل الجعفي عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال قال اخبرنى ما كان قميص يوسف؟ قلت لا ادري قال ان ابراهيم لما اوقدت لما اوقدت له النار اتاه جبرئيل



              ===============

              (355)

              بثوب من ثياب الجنة فالبسه اياه فلم يصبه معه حر ولا برد، فلما حضر ابراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على اسحق وعلقه اسحق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه فكان في عنقه حتى كان من امره ما كان فلما اخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله (انى لاجد ريح يوسف لولا ان تفندون) وهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة قلت له جعلت فداك فالى من صار ذلك القميص؟ فقال إلى اهله ثم قال كل نبي ورث علما او غيره فقد انتهى إلى محمد عليه وآله السلام وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة ونحن ورثته (صلى الله عليه وآله).

              اخبرنا الحسن بن علي عن ابيه عن الحسين (الحسن ط) بن بنت الياس واسماعيل بن همام عن ابي الحسن قال كانت الحكومة في بني اسرائيل اذا سرق احد شيئا استرق وكان يوسف عند عمته وهو صغير، وكانت تحبه وكانت لاسحق منطقة البسها يعقوب وكانت عند اخته وان يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى ارسله اليك واخذت المنطقة فشدت بها وسطه تحت الثياب فلما اتى يوسف اباه جاءت فقالت قد سرقت المنطقة ففتشته فوجدتها معه في وسطه فلذلك قالوا اخوة يوسف لما حبس يوسف اخاه حيث جعل الصواع في وعاء اخيه فقال يوسف ما جزاء من وجد في رحله قالوا جزاؤه السنة التي تجري فيهم فلذلك قالوا اخوة يوسف ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل فاسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم.

              قال علي بن ابراهيم ثم رجل يعقوب واهله من البادية بعد ما رجع اليه بنوه بالقميص فالقوه على وجهه فارتد بصيرا فقال لهم (ألم اقل لكم اني اعلم من الله ما لا تعلمون قالوا له ياابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين قال لهم سوف استغفر لكم ربي انه هو الغفور الرحيم) قال اخره إلى السحر لان الدعاء



              ===============

              (356)

              والاستغفار فيه مستجاب، فلما وافى يعقوب واهله وولده مصر قعد يوسف على سريره ووضع تاج الملك على رأسه فاراد ان يراه ابوه على تلك الحالة، فلما دخل ابوه لم يقم له فخروا كلهم له سجدا فقال يوسف (يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي إذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتى ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم).

              حدثني محمد بن عيسى عن يحيى بن اكثم وقال سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى مسائل فعرضها على ابي الحسن (عليه السلام) فكانت احديها اخبرني عن قول الله عزوجل ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا سجد يعقوب وولده ليوسف وهم انبياء، فاجاب ابوالحسن (عليه السلام) اما سجود يعقوب وولده ليوسف فانه لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم إنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم فسجد يعقوب وولده وسجد يوسف معهم شكر الله لاجتماع شملهم ألم تر انه يقول في شكره ذلك الوقت (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض انت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) فنزل جبرئيل فقال له يايوسف اخرج يدك فاخرجها فخرج من بين اصابعه نور، فقال ما هذا النور ياجبرئيل؟ فقال هذه النبوة اخرجها الله من صلبك لانك لم تقم لابيك فحط الله نوره ومحى النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوي اخي يوسف وذلك لانهم لما ارادوا قتل يوسف قال " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب " فشكر الله له ذلك ولما أرادوا ان يرجعوا إلى ابيهم من مصر وقد حبس يوسف اخاه قال " لن ابرح الارض حتى يأذن لي ابي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين " فشكر الله له ذلك فكان انبياء بني إسرائيل من ولد لاوي وكان موسى من ولد لاوي



              ===============

              (357)

              وهو موسى بن عمران بن يهصر بن واهث (واهب ك) بن لاوي بن يعقوب ابن اسحق بن ابراهيم، فقال يعقوب لابنه يا بني اخبرني ما فعل بك اخوتك حين اخرجوك من عندي؟

              قال يا ابت اعفني من ذلك، قال اخبرني ببعضه؟

              فقال يا ابت انهم لما ادنوني من الجب قالوا انزع قميصك فقلت لهم يا اخوتي اتقوا الله ولا تجردوني فسلوا علي السكين وقالوا لان لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص وألقونى في الجب عريانا، قال فشهق يعقوب شهقة واغمي عليه فلما افاق قال يا بني حدثني فقال ياابت اسألك باله ابراهيم واسحق ويعقوب إلا اعفيتني فاعفاه قال ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتى سألت الناس فقالوا ما يضرك لو قعدت للعزيز وكان يوسف يسمى العزيز فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له على الطريق فاقبل يوسف في موكبه فقامت اليه وقالت: سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا، فقال لها يوسف، انت هاتيك؟ فقالت نعم وكان اسمها زليخا فقال لها هل لك في؟ قالت دعني بعد ما كبرت أتهزء بى؟ قال لا قالت نعم فامر بها فحولت إلى منزله وكانت هرمة فقال لها يوسف ألست فعلت بى كذا وكذا فقالت يا نبي الله لا تلمني فانى بليت ببلية لم يبل بها احد قال وما هي؟ قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا وبليت بحسني بانه لم تكن بمصر امرأة اجمل مني ولا اكثر مالا مني نزع عني مالي وذهب عني جمالي (وبليت بزوج عنين ط) فقال لها يوسف فما حاجتك؟ قالت تسأل الله ان يرد على شبابى فسأل الله فرد عليها شبابها فتزوجها وهى بكر، قالوا ان العزيز الذي كان زوجها اولا كان عنينا وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله: " قد شغفها حبا " يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غيره والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب، قال علي بن ابراهيم ثم قال الله لنبيه



              ===============

              (358)

              (عليه السلام) (ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذا اجمعوا امرهم وهم يمكرون ثم قال وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).

              وقوله (وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون) قال الكسوف والزلزلة والصواعق وقوله (وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فهذا شرك الطاعة اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد ابن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن الفضيل عن ابي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى " وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون " قال شرك طاعة وليس شرك عبادة والمعاصي التي يرتكبون شرك طاعة اطاعوا فيها الشيطان فاشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة ان يعبدوا غير الله وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني) يعني نفسه ومن تبعه يعني علي بن ابى طالب وآل محمد (عليهم السلام)، قال علي بن ابراهيم حدثني ابى عن علي بن اسباط قال قلت لابى جعفر الثانى (عليه السلام) ياسيدي ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك قال وما ينكرون علي من ذلك فوالله لقد قال الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني " فما اتبعه غير علي (عليه السلام) وكان ابن تسع سنين وانا ابن تسع سنين وقوله (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) فانه حدثنى ابى عن محمد بن ابى عمير عن ابى بصير عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال وكلهم الله إلى انفسهم فظنوا ان الشياطين قد تمثلت لهم في صورة الملائكة ثم قال عزوجل (لقد كان في قصصهم عبرة لاولى الالباب) يعني لاولى العقول (ما كان حديثا يفترى) يعني القرآن (ولكن تصديق الذي بين يديه) يعني من كتب الانبياء (وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).

              Comment

              • راية اليماني
                مشرف
                • 05-04-2013
                • 3021

                #22
                رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]










                 

                سورة الرعد




                (359)

                سورة الرعد مكية آياتها ثلاث واربعون (بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب والذي انزل اليك من ربك الحق ولكن اكثر الناس لا يؤمنون الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) يعني بغير اسطوانة ترونها (ثم استوى على العرش وسحر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى ـ الي قوله ـ يتفكرون) فانه محكم (وفي الارض قطع متجاورات) اي متصلة بعضها إلى بعض (وجنات من اعناب) اي بساتين (وزرع ونخيل صنوان) والصنوان الفتالة التي نبتت من اصل الشجرة (وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل فمنه جلو ومنه حامض ومنه مر يسقى بماء واحد (ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) ثم حكى عزوجل قول الدهرية من قريش فقال (وان تعجب فعجب قولهمءاذا كنا تراباءانا لفي خلق جديد) ثم قال (اولئك الذين كفروا بربهم واولئك الاغلال في اعناقهم واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) وكانوا يستعجلون العذاب فقال الله عزوجل (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات) اي العذاب وقوله (ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه انما انت منذر ولكل قوم هاد) فانه حدثني ابى عن حماد عن ابى بصير عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال المنذر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والهادي امير المؤمنين (عليه السلام) وبعده الائمة (عليهم السلام) وهو قوله، ولكل قوم هاد " اي في كل زمان امام هاد مبين وهو رد على من ينكر ان في كل عصر وزمان اماما وانه لا تخلو الارض من حجة كما قال امير المؤمنين (عليه السلام): " لا تخلو الارض من امام قائم بحجة الله اما ظاهر مشهور واما خائف مقهور لئلا يبطل حجج الله وبيناته " والهدى في كتاب الله عزوجل على



                ===============

                (360)

                وجوه فمنه الائمة (عليهم السلام) وهو قوله " ولكل قوم هاد " اي امام مبين ومنه:

                البيان وهو قوله " أو لم يهد لهم " اي يبين لهم وقوله " واما ثمود فهديناهم " اي بينا لهم ومثله كثير ومنه: الثواب وهو قوله " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين " اي لنثيبنهم ومنه: النجاة وهو قوله " كلا ان معي ربى سيهدين " اى سينجيني ومنه الدلالة وهو قوله " واهديك إلى ربك " اي ادلك.

                واما قوله (الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار) ما تغيض اي ما تسقط من قبل التمام " وما تزداد " يعني على تسعة اشهر كلما رأت المرأة من حيض في ايام حملها زاد ذلك على حملها وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله (سواء منكم من اسر القول ومن جهر به) فالسر والعلانية عنده سواء وقوله (مستخف بالليل) مستخف في جوف بيته، وقال علي بن ابراهيم في قوله (وسارب بالنهار) يعنى تحت الارض فذلك كله عند الله عزوجل واحد يعلمه وقوله (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله) فانها قرئت عند ابى عبدالله صلوات الله عليه فقال لقاريها الستم عربا فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟ وانما للعقب من خلفه، فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا؟ فقال إنما نزلت " له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بامر الله " ومن ذا الذي يقدران يحفظ الشئ من امر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله يقول بامر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شئ حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينهم يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه وقال علي بن ابراهيم في قوله (واذا اراد الله بقوم



                ===============

                (361)

                سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) اي من دافع وقوله (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) يعني يخافه قوم ويطمع فيه قوم ان يمطروا (وينشئ السحاب الثقال) يعني يرفعها من الارض (ويسبح الرعد) الملك الذي يسوق السحاب (والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) اي شديد الغضب، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) فهذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الاصنام والذين يعبدون آلهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشئ ولا ينفعهم إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ليتناوله من بعيد ولا يناله، وقال علي بن ابراهيم في قوله (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) اي في بطلان وحدثني ابي عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر (عليه السلام) قال جاء رجل؟ إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله رأيت امرا عظيما فقال وما رأيت؟ قال كان لي مريض ونعت له ماء من بئر بالاحقاف يستشفى به في برهوت قال فانتهيت ومعي قربة وقدح لآخذ من مائها واصب في القربة وإذا بشئ قد هبط من جو السماء كهيئة السلسلة وهو يقول ياهذا اسقني الساعة اموت، فرفعت رأسي ورفعت اليه القدح لاسقيه فاذا رجل في عنقه سلسلة فلما ذهبت اناوله القدح فاجتذب مني حتى علق بالشمس ثم اقبلت على الماء اغرف اذ اقبل الثانية وهو يقول العطش العطش اسقني ياهذا الساعة اموت فرفعت القدح لاسقيه فاجتذب مني حتى علق بالشمس حتى فعل ذلك ثالثة فقمت وشددت قربتي ولم اسقه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك قابيل بن آدم الذي قتل اخاه وهو قول الله عزوجل " والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ ـ إلى قوله ـ إلا في ضلال " وقوله " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) قال بالعشي



                ===============

                (362)

                قال ظل المؤمن يسجد طوعا وظل الكافر يسجد كرها وهو نموهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم.

                وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها الآية " اما من يسجد من اهل السموات طوعا فالملائكة يسجدون لله طوعا ومن يسجد من اهل الارض طوعا فمن ولد في الاسلام فهو يسجد له طوعا واما من يسجد كرها فمن اجبر على الاسلام واما من لم يسجد فظله يسجد له بالغداة والعشي وقوله (قل من رب السموات والارض قل الله قل أفتخذتم من دونه اولياء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا قل هو يستوي الاعمى والبصير) يعني المؤمن والكافر (ام هل تستوي الظلمات والنور) اما الظلمات فالكفر واما النور فهو الايمان واما قوله (انزل من السماء ماءا فسالت اودية بقدرها) يقول الكبير على قدر كبره والصغير على قدر صغره (فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله) قول الله " انزل من السماء ماءا " يقول انزل الحق من السماء فاحتملته القلوب باهوائها ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشك على قدر شكه فاحتمل الهوى باطلا كثيرا وجفاءا، فالماء هو الحق والاودية هى القلوب والسيل هو الهوى والزبد هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق قال الله (كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاءا واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) فالزبد خبث الحلية هو الباطل والمتاع والحلية هو الحق من اصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به واما الحلية والمتاع فهو الحق من اصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينتفع به (كذلك يضرب الله الامثال).

                وقال علي بن ابراهيم في قوله " قل رب السموات والارض قل الله "



                ===============

                (363)

                الآية محكمة وقوله " انزل من السماء ماءا فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا " اي مرتفعا " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية " يعني ما يخرج من الماء من الجواهر وهو مثل اي يثبت الحق في قلوب المؤمنين وفي قلوب الكفار لا يثبت " كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاءا " يعني بطل " واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض " وهذا مثل للمؤمنين والمشركين فقال عزوجل (كذلك يضرب الله الامثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به اولئك لهم سوء الحساب ومأويهم جهنم وبئس المهاد) فالمؤمن اذا سمع الحديث ثبت في قلبه واجابه وآمن به فهو مثل الماء الذي يبقى في الارض فينبت النبات والذي لا ينتفع به يكون مثل الزبد الذي تضربه الرياح فيبطل وقوله " وبئس المهاد " قال يمهدون في النار ثم قال (أفمن يعلم إنما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى إنما يتذكر اولو الالباب) اي اولو العقول وقوله (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) فانه حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليه السلام) قال ان رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) معلقة بالعرش يقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وهى تجري في كل رحم ونزلت هذه الآية في آل محمد وما عاهدهم عليه وما اخذ عليهم من الميثاق في الذر من ولاية امير المؤمنين (عليه السلام) والائمة (عليهم السلام) بعده وهو قوله " الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق الآية " ثم ذكر اعداءهم فقال (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) يعنى امير المؤمنين (عليه السلام) وهو الذي اخذ الله عليهم في الذر واخذ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم ثم قال (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) وقوله (ويخافون سوء الحساب) فانه دخل رجل على ابي عبدالله



                ===============

                (364)

                (عليه السلام) فقال ابوعبدالله ما لفلان يشكوك قال طالبته بحقي فقال ابوعبدالله (عليه السلام) وترى انك اذا استقصيت عليه لم تسئ به أترى الذي حكى الله عزوجل في قوله " ويخافون سوء الحساب " اي يجور الله عليهم (1) والله ما خافوا ذلك ولكنهم خافوا الاستقصاء فسماه الله سوء الحساب وقوله (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة) يعني يدفعون وحدثني ابى عن حماد عن ابى بصير عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي ياعلي ما من دار فيها فرحة إلا تبعها ترحة (2) وما من هم إلا وله فرج إلا هم اهل النار فاذا عملت سيئة فاتبعها بحسنة تمحها سريعا وعليك بصنايع الخير فانها تدفع مصارع السوء وانما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لامير المؤمنين (عليه السلام) على حد التأديب للناس لا بان امير المؤمنين (عليه السلام) له سيئات عملها.

                وحدثني ابى عن النضر بن سويد عن محمد بن قيس عن ابن ابى يسار عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال اقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما واضعا يده علي كتف العباس فاستقبله امير المؤمنين (عليه السلام) فعانقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبل ما بين عينيه ثم سلم العباس على علي فرد عليه ردا خفيفا فغضب العباس فقال يارسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يدع على زهوه فقال رسول الله: ياعباس لا تقل ذلك في علي فاني لقيت جبرئيل آنفا فقال لي لقيني الملكان الموكلان بعلي الساعة فقالا ما كتبنا (3) عليه ذنبا منذ

                ـــــــــــــــــــــــــ

                (1) جار عن الشئ اي مال عنه.

                (2) الترحة كفرحة معناه الحزن.

                (3) ان الملك الموكل على السيئات واحد، فمشاركة الملك الثاني في هذا القول من باب التغليب والشهادة. ج. ز (*)



                ===============

                (365)

                ولد إلى هذا اليوم، وقوله (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) قال نزلت في الائمة (عليهم السلام) وشيعتهم الذين صبروا وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال نحن صبرنا وشيعتنا اصبر منا لانا صبرنا بعلم وصبروا على ما لا يعلمون وقوله (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) قال الذين آمنوا الشيعة وذكر الله امير المؤمنين والائمة (عليهم السلام) ثم قال (ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) اي حسن مرجع وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رياب عن ابي عبيدة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: طوبى شجرة في الجنة في دار امير المؤمنين (عليه السلام) وليس احد من شيعته إلا وفي داره غصن من اغصانها وورقة من اوراقها يستظل تحتها امة من الامم وعنه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) فانكرت ذلك عائشة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ياعائشة اني لما اسري بى إلى السماء دخلت الجنة فادناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فاكلت فحول الله ذلك ماءا في ظهري فلما هبطت إلى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها وقوله (ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى بل لله الامر جميعا) قال لو كان شئ من القرآن كذلك لكان هذا وقوله (أفلم ييئس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) يعني جعلهم كلهم مؤمنين وقوله (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) اي عذاب.

                وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة " وهى النقمة (او تحل قريبا من دارهم) فتحل بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم، ولا



                ===============

                (366)

                يتعظ بعضهم ببعض ولن يزالوا كذلك (حتى يأتي وعد الله) الذي وعد المؤمنين من النصر ويخزي الله الكافرين وقال علي بن ابراهيم في قوله (فامليت للذين كفروا ثم اخذتهم) اي طولت لهم الامل ثم اهلكتهم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبؤنه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول) الظاهر من القول هو الرزق وقال علي بن ابراهيم في قوله (وما لهم من الله من واق) اي من دافع (وعقبى الكافرين النار) اي عاقبة ثوابهم النار قال ابوعبدالله (عليه السلام) ان ناركم هذه جزؤ من سبعين جزءا من نار جهنم وقد اطفئت سبعين مرة بالماء ثم التهبت ولولا ذلك ما استطاع آدمي ان يطفيها وانها ليؤت بها يوم القيامة حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى على ركبتيه فزعا من صرختها، وفي رواية ابى الجارود في قوله (الذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما انزل اليك) فرحوا بكتاب الله اذا تلي عليهم واذا تلوه تفيض اعينهم دمعا من الفزع والحزن وهو علي بن ابى طالب (عليه السلام) وهى في قراءة ابن مسعود " والذي انزلنا اليك الكتاب هو الحق ومن يؤمن به " اي علي بن ابى طالب يؤمن به (ومن الاحزاب من ينكر بعضه) انكروا من تأويل ما انزله في علي وآل محمد صلوات الله عليهم وآمنوا ببعضه فاما المشركون فانكروه كله اوله وآخره وانكروا ان محمدا رسول الله، وقال علي بن ابراهيم في قوله (لكل اجل كتاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال اذا كانت ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون وما يكون من قضاء الله تبارك وتعالى في تلك السنة فاذا اراد الله ان يقدم او يؤخر او ينقص شيئا او يزيده امر الله ان يمحوا ما يشاء ثم اثبت الذي اراد،



                (367)

                قلت وكل شئ عنده بمقدار مثبت في كتابه؟ قال نعم قلت فاي شئ يكون بعده قال سبحان الله ثم يحدث الله ايضا ما يشاء تبارك الله وتعالى وقوله (أولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها) فقال موت علمائها (والله يحكم لا معقب لحكمه) اي لا مانع وقوله (وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا) قال المكر من الله هو العذاب (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) اي ثواب القيامة وقوله (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن اذينة عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال الذي عنده علم الكتاب هو امير المؤمنين (عليه السلام) وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب اعلم ام الذي عنده علم الكتاب فقال ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر، فقال امير المؤمنين (عليه السلام) ألا ان العلم الذى هبط به آدم من السماء إلى الارض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)




                Comment

                • راية اليماني
                  مشرف
                  • 05-04-2013
                  • 3021

                  #23
                  رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                  سورة ابراهيم



                  سورة ابراهيم مكية وهى اثنتان وخمسون آية (بسم الله الرحمن الرحيم الرا كتاب انزلناه اليك ـ يامحمد ـ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم) يعني من الكفر إلى الايمان (إلى صراط العزيز الحميد) والصراط الطريق الواضح وامامة الائمة (عليهم السلام) وقوله (الله الذي له ما في السموات وما في الارض ـ إلى قوله ـ وهو العزيز الحكيم) فهو محكم وقوله (ولقد ارسلنا موسى بآياتنا ان اخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بايام الله) قال ايام الله ثلاثة: يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة وقوله (وإذ تأذن ربكم لان شكرتم لازيدنكم ولان كفرتم ان عذابي لشديد) فهذا


                  ===============

                  (368)

                  كفر النعم ثم قال ابوعبدالله (عليه السلام) ايما عبد انعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه لم تنفد حتى يأمر الله له بالزيادة وهو قوله " لان شكرتم لازيدنكم " وقوله (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح إلى قوله ـ فردوا ايديهم في افواههم) يعني في افواه الانبياء (وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا اليه مريب) وقوله (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا) فانه حدثني ابي رفعه الي النبي (صلى الله عليه وآله) قال من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره وهو قوله (وقال الذين كفروا ـ إلى قوله ـ فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الارض من بعدهم) وقوله (واستفتحوا) اي دعوا (وخاب كل جبار عنيد) اي خسروا وفي رواية ابي الجارود قال العنيد المعرض عن الحق.

                  وقال علي بن ابراهيم في قوله (من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) قال ما يخرج من فروج الزواني وقوله (يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) قال يقرب اليه فيكرهه واذا ادني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فاذا شرب تقطعت امعاؤه ومزقت إلى تحت قدميه وانه ليخرج من احدهم مثل الوادي صديدا وقيحا ثم قال وانهم ليبكون حتى تسيل من دموعهم فوق وجوههم جداول ثم تنقطع الدموع فتسيل الدماء حتى لو ان السفن اجريت فيها لجرت وهو قوله " وسقوا ماءا حميما فقطع امعاءهم " وقوله (مثل الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) قال من لم يقر بولاية امير المؤمنين (عليه السلام) بطل عمله مثل الرماد الذي يجيئ الريح فتحمله (وبرزوا لله جميعا) معناه مستقبل انهم يبرزون واللفظ ماض وقوله (لو هدانا الله لهديناكم) فالهدى ههنا هو الثواب (سواء علينا أجزعنا ام صبرنا مالنا من محيص) اي مفر (وقال الشيطان لما قضي الامر) اي لما فرغ من امر الدنيا من



                  ===============

                  (369)

                  من اوليائه (ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم) اي بمعينكم (وما انتم بمصرخي) اي بمعيني (اني كفرت بما اشركتمون من قبل) يعني في الدنيا ثم قال عزوجل (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها نابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون) فحدثني ابى عن الحسن بن محبوب عن ابى جعفر الاحول عن سلام بن المستنير عن ابى جعفر (عليه السلام) قال سألته عن قول الله " مثل كلمة طيبة الآية " قال الشجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصلها نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة علي بن ابي طالب (عليه السلام) وغصن الشجرة فاطمة (عليها السلام) وثمرتها الائمة من ولد على وفاطمة (عليهم السلام) وشيعتهم ورقها وان المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وان المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت أرأيت قوله " تؤتي اكلها كل حين باذن ربها " قال يعني بذلك ما يفتون به الائمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام ثم ضرب الله لاعداء محمد مثلا فقال (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار " وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) قال كذلك الكافرون لا تصعد اعمالهم إلى السماء وبنو امية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد اعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم.

                  قال علي بن ابراهيم في قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين) فانه حدثني ابى عن علي بن مهزيار عن عمر بن عثمان عن المفضل بن صالح عن جابر عن ابراهيم بن العلي عن سويد بن علقمة (غفلة ط) عن امير المؤمنين (عليه السلام) قال ان ابن آدم اذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا واول يوم من ايام الآخرة مثل له اهله وما له وولده وعمله فيلتفت



                  ===============

                  (370)

                  إلى ماله فيقول والله اني كنت عليك لحريصا شحيحا فما عندك؟ فيقول خذ مني كفنك " ثم يلتفت إلى ولده فيقول والله انى كنت لكم لمحبا واني كنت عليكم لمحاميا فماذا عندكم؟ فيقولون نؤديك إلى حفرتك ونواريك فيها، ثم يلتفت إلى عمله فيقول والله اني كنت فيك لزاهدا وانك كنت علي لثقيلا فماذا عندك؟

                  فيقول انا قربنك في قبرك ويوم حشرك حتى اعرض انا وانت على ربك فان كان لله وليا اتاه اطيب الناس ريحا واحسنهم منظرا وازينهم رياشا فيقول ابشر بروح من الله وريحان وجنة نعيم وقد قدمت خير مقدم فيقول من انت؟ فيقول انا عملك الصالح ارتحل من الدنيا إلى الجنة وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يعجله فاذا ادخل قبره اتاه ملكان وهما فتانا القبر يجران اشعارهما وينحتان الارض بانيابهما واصواتهما كالرعد العاصف وابصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربك ومن نبيك وما دينك (1)؟ فيقول: الله ربى ومحمد نبيي والاسلام ديني (2) فيقولان ثبتك الله بما تحب وترضى وهو قول الله " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " فيفسحان له في قبره مد بصره ويفتحان له بابا إلى الجنة ويقولان له نم قرير العين نوم الشاب الناعم وهو قوله " اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا " (3) واذا كان لربه عدوا فانه يأتيه اقبح خلق الله رياشا وانتنه ريحا فيقول له من انت؟ فيقول له انا عملك ابشر (بنزل من حميم وتصلية جحيم) وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يحبسه فاذا ادخل قبره اتياه مفتحيا

                  ـــــــــــــــــــــــــ

                  (1) وفى نسخة ط " من امامك "

                  (2) وفى ط " وعلى عليه السلام والائمة امامى "

                  (3) الفرقان 24، وفي تفسير الصافي ان المقيل مكان يبات فيه لوقت يسير فعلى هذا هذه الآية تدل على ثواب الله في البرزخ لان الجنة لا نوم فيها فلا تكون مرادا منها. ج. ز (*)



                  ===============

                  (371)

                  القبر فالقيا اكفانه ثم قالا له من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فيقول لا ادري فيقولان له لا دريت ولا هديت فيضربانه بمرزبة (1) ضربة ما خلق الله دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتحان له بابا الي النار ثم يقولان له نم بشر حال فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج (2) حتى ان دماغه يخرج مما بين ظفره ولحمه ويسلط عليه حيات الارض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره وانه ليتمنى قيام الساعة مما هو فيه من الشر.

                  واما قوله (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال نزلت في الافجرين من قريش حدثني ابي عن محمد ابن ابي عمير عن عثمان بن عيسى عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن قول الله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال نزلت في الافجرين من قريش ومن بني امية وبني المغيرة فاما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، واما بنو امية فمتعوا إلى حين ثم قال ونحن والله نعمة الله التي انعم بها علي عباده وبنا يفوز من فاز ثم قال لهم تمتعوا فان مصيركم إلى النار وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلال) أي لا صداقة وقوله (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) اي على الولاء وقوله يحكى قول ابراهيم (وإذا قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا) يعني مكة (واجنبني وبني ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس) فان الاصنام لم تضل وانما ضل الناس بها وقوله (ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم من الثمرات) اي من ثمرات القلوب (لعلهم يشكرون) يعني كي يشكروا وحدثني ابي عن حماد عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله " ربنا انى اسكنت من ذريتي الآية " قال نحن والله بقية تلك العترة واما قوله (ربنا اغفر لي ولوالدي) قال إنما نزلت

                  ـــــــــــــــــــــــــ

                  (1) المرزبة بكسر الميم وتشديد الياء عصية حديد

                  (2) الزج بالضم حديدة في اسفل الرمح. ج. ز (*)



                  (372)

                  " ولولدي اسماعيل واسحق " وقوله (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار) قال تبقى اعينهم مفتوحة من هول جهنم لا يقدرون ان يطرفوها وقوله (افئدتهم هواء) قال قلوبهم تنصدع من الخفقان ثم قال (وانذر الناس ـ يامحمد ـ يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا اخرنا إلى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا اقسمتم) اي حلفتم (من قبل ما لكم من زوال) اي ولا تهلكون (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم) يعني ممن هلكوا من بني امية (وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم ـ ثم قال ـ وان كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال مكر بني فلان وقوله (يوم تبدل الارض غير الارض) قال تبدل خبزة بيضاء نقية في الموقف يأكل منها المؤمنون (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الاصفاد) قال مقيدين بعضهم إلى بعض (سرابيلهم من قطران) قال السرابيل القميص وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " سرابيلهم من قطران " وهو الصفر الحار الذائب يقول انتهى حره يقول الله (وتغشى وجوههم النار) سربلوا ذلك الصفر فتغشى وجوههم النار وقال علي ابن ابراهيم في قوله (هذا بلاغ للناس) يعني محمدا (ولينذروا به وليعلموا إنما هو إله واحد وليذكر اولو الالباب) اي اولو العقول.

                  Comment

                  • راية اليماني
                    مشرف
                    • 05-04-2013
                    • 3021

                    #24
                    رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                    سورة الحجر



                    سورة الحجر مكية الجزء (14) آياتها تسع وتسعون (بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) حدثني ابي عن محمد بن ابى عمير عن عمر بن اذينة عن رفاعة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند



                    ===============

                    (373)

                    الله لا يدخل الجنة إلا مسلم فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ثم قال (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل) اي يشغلهم (فسوف يعلمون) وقوله (وما اهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) اي اجل مكتوب ثم حكى قول قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (وقالوا ياايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة ان كنت من الصادقين) اي هلا تأتينا فرد الله عزوجل عليهم فقال (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا اذا منظرين) فقال لو انزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا ثم قال (ولو فتحنا) ايضا (عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون ولقد جعلنا في السماء بروجا) قال منازل الشمس والقمر (وزيناها للناظرين) بالكواكب (وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين) قال لم تزل الشياطين تصعد إلى السماء وتتجسس حتى ولد النبي (صلى الله عليه وآله) وروي عن آمنة ام النبي (صلى الله عليه وآله) انها قالت لما حملت برسول الله (صلى الله عليه وآله) لم اشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل ورأيت في نومي كأن آتيا اتاني فقال لي قد حملت بخير الانام ثم وضعته يتقي (قابض ك) الارض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء وخرج مني نور اضاء ما بين السماء إلى الارض ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا من السماء ورأت قريش الشهب تتحرك وتزول وتسير في السماء ففزعوا وقالوا هذا قيام الساعة واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجربا فسألوه عن ذلك فقال انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فان كانت قد زالت فهي الساعة وان كانت هذه ثابتة فهو لامر قد حدث وكان بمكة رجل يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تتحرك وتسير في السماء خرج إلى نادي قريش فقال: يا معشر قريش! هل ولد منكم الليلة مولود؟

                    فقالوا لا فقال اخطأتم والتوراة قد ولد في هذه الليلة آخر الانبياء وافضلهم وهو



                    ===============

                    (374)

                    الذي نجده في كتبنا انه اذا ولد ذلك النبي رجمت الشياطين وحجبوا من السماء فرجع كل واحد إلى منزله يسأل اهله فقالوا قد ولد لعبدالله بن عبدالمطلب ابن، فقال اليهودي اعرضوه علي، فمشوا معه إلى باب آمنة فقالوا لها اخرجي ابنك بنظر اليه هذا اليهودي فاخرجته في قماطه فنظر في عينيه وكشف عن كتفه فرأى شامة سوداء عليه شعرات فسقط إلى الارض مغشيا عليه فضحكوا منه فقال أتضحكون يامعشر قريش هذا نبي السيف ليبيدنكم وذهبت النبوة من بني اسرائيل إلى آخر الابد وتفرق الناس يتحدثون بخبر اليهودي.

                    فلما رميت الشياطين بالنجوم وانكروا ذلك اجتمعوا إلى ابليس فقالوا قد منعنا من السماء وقد رمينا بالشهب فقال اطلبوا فان امرا قد حدث في الدنيا فرجعوا وقالوا لم نر شيئا فقال ابليس انا له بنفسي فجال ما بين المشرق والمغرب حتى انتهى إلى الحرم فرآه محفوفا بالملائكة وجبرئيل على باب الحرم بيده حربة فاراد ابليس ان يدخل فصاح به جبرئيل فقال اخسأ ياملعون فجاء من قبل حراء (فصار مثل الصد (2) ثم قال ياجبرئيل حرف اسئلك عنه؟ قال وما هو قال ما هذا وما اجتماعكم في الدنيا فقال هذا نبي هذه الامة قد ولد وهو اخر الانبياء وافضلهم قال هل لي فيه نصيب قال لا قال ففي امته؟ قال بلى قال قد رضيت وقوله (والارض مددناها والقينا فيها رواسي) اي الجبال (وانبتنا فيها من كل شئ موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) قال لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدراء وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " وانبتنا فيها من كل شئ موزون " فان الله تبارك وتعالى انبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر

                    ـــــــــــــــــــــــــ

                    (1) حراء بالكسر والمد جبل بمكة. مجمع

                    (2) الصد بالضم والفتح جبل او سحاب مرتفع، وفى بعض الروايات انه صار مثل العصفور. ج ز (*)



                    ===============

                    (375)

                    والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ واشباه هذه لاتباع إلا وزنا، وقال علي بن ابراهيم في وقوله (وان من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) قال الخزانة الماء الذي ينزل من السماء وينبت لكل ضرب من الحيوان ما قدر الله له من الغذاء وقوله (ارسلنا الرياح لواقح) قال التي تلقح الاشجار وقوله (وانزلنا من السماء ماءا فاسقيناكموه وما اننم له بخازنين) أي لا تقدرون ان تخزنوه (وانا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) اي نرث الارض ومن عليها وقوله (ولقد خلقنا الانسان من صلصال) قال الماء المتصلصل بالطين (من حمأ مسنون) قال حمأ متغير وقوله (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) وقال هو ابوابليس وقال الجن من ولد الجان منهم مؤمنون ومنهم كافرون ويهود ونصارى وتختلف اديانهم والشياطين من ولد ابليس وليس فيهم مؤمن إلا واحد اسمه هام بن هيم بن لاقيس بن ابليس جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرآه جسيما عظيما وامرءا مهولا فقال له من أنت؟ قال انا هام بن هيم من لاقيس بن ابليس قال كنت يوم قتل هابيل غلاما ابن اعوام انهي عن الاعتصام وآمر بافساد الطعام فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بئس لعمري الشاب المؤمل والكهل المؤمر فقال دع عنك هذا يامحمد! فقد جرت توبتي علي يد نوح ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ولقد كنت مع ابراهيم حيث القي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما ولقد كنت مع موسى حين اغرق الله فرعون ونجى بني اسرائيل ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ولقد قرأت الكتب فكلها تبشرني بك والانبياء يقرؤنك السلام ويقولون أنت افضل الانبياء واكرمهم فعلمني مما انزل الله عليك شيئا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لامير المؤمنين (عليه السلام) علمه فقال هام يامحمد انا لا نطيع الا نبيا أو وصي نبي فمن هذا؟ قال هذا اخي ووصيي



                    ===============

                    (376)

                    ووزيري ووارثي علي بن ابى طالب قال نعم نجد اسمه في الكتب " اليا " فعلمه امير المؤمنين (عليه السلام) فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى امير المؤمنين (عليه السلام) قوله (وإذا قال ربك للملائكة انى خالق بشرا من صلصال) فقد كتبنا خبره (1) وقوله (وان جهنم لموعدهم اجمعين لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم) قال يدخل في كل باب اهل ملة وللجنة ثمانية ابواب وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله " ان جهنم لموعدهم اجمعين " فوقوفهم على الصراط واما لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم فبلغني والله اعلم ان الله جعلها سبع درجات اعلاها: الجحيم يقوم اهلها على الصفا منها تغلى ادمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها والثانية: لظى نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى والثالثة: سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر، والرابعة: الحطمة ترمي بشرر كالقصر كانها جمالات صفر، تدق كل من صار اليها مثل الكحل، فلا تموت الروح كلما صاروا مثل الكحل عادوا، والخامسة: الهاوية فيها ملك يدعون يامالك اعثنا فاذا اغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيها صديد ماء يسيل من جلودهم كأنه مهل فاذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها من شدة حرها وهو قول الله " وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسائت مرتفقا " ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النار كلما احترق جلده بدل جلد غيره، والسادسة: السعير فيها ثلاث مائة سرادق من نار في كل سرادق ثلاث مائة قصر من نار، في كل قصر ثلاث مائة بيت من نار، وفي كل بيت ثلاث مائة لون من عذاب النار، فيها جبات من نار وعقارب من نار وجوامع من نار وسلاسل واغلال من نار وهو الذي يقول الله " انا

                    ـــــــــــــــــــــــــ

                    (1) فراجع ص 37 من هذا الكتاب. (*)



                    ===============

                    (377)

                    اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالا وسعيرا " والسابعة جهنم وفيها الفلق وهو جب في جهنم إذا فتح اسعر النار سعرا وهو اشد النار عذابا واما صعود، فجبل من صفر من نار وسط جهنم واما اثاما فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل فهو اشد النار عذابا.

                    وقال علي بن ابراهيم في قوله (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال العداوة وقوله (لا يمسنا فيها نصب) اى تعب وعناء وقوله (نبئ عبادي) اي اخبرهم (اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم ونبئهم عن ضيف ابراهيم) فقد كتبنا خبرهم (1) وقوله (وقضينا اليه ذلك الامر) اي اعلمناه (ان دابر هؤلاء) يعني قوم لوط (مقطوع مصبحين) وقوله (لعمرك) اي وحياتك يا محمد (انهم لفي سكرتهم يعمهون) فهذه فضيلة (2) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء وقوله (ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لبسبيل مقيم) قال نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم والسبيل طريق الجنة (وان كان اصحاب الايكة) يعني اصحاب الغيظة وهم قوم شعيب (لظالمين) وقوله (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) قال فاتحة الكتاب اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثني احمد بن محمد عن (عن محمد بن سنان ط) محبوب بن سيار عن سورة بن كليب عن ابى جعفر (عليه السلام) قال نحن المثاني التي اعطاها الله تعالي نبينا ونحن وجه الله الذي نتقلب في الارض بين اظهركم من عرفنا فاماهه اليقين ومن جهلنا فامامه السعير، قال علي بن ابراهيم في قوله (الذين جعلوا القرآن عضين) قال قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما انزله الله فقال لنسئلنهم اجمعين عما كانوا يعملون وقوله (فاصدع بما تؤمر واعرض عن

                    ـــــــــــــــــــــــــ

                    (1) راجع ص 334 ج 1

                    (2) يعني ان الله اقسم بخياته صلى الله عليه وآله. ج. ز (*)



                    ===============

                    (378)

                    المشركين انا كفيناك المستهزئين) فانها نزلت بمكة بعد ان نبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بثلاث سنين وذلك ان النبوة نزلت على رسول الله يوم الاثنين واسلم علي يوم الثلاثاء ثم اسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) ثم دخل ابوطالب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يصلي وعلي (عليه السلام) بجنبه وكان مع ابي طالب (عليه السلام) جعفر فقال له ابوطالب صل جناح ابن عمك فوقف جعفر على يسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بينهما فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي وعلي وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمون به فلما اتى لذلك ثلاث سنين انزل الله عليه (فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين) والمستهزؤن برسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والاسود بن (المطلب ط) عبدالمطلب والاسود بن عبد يغوث والحرث بن طلاطلة الخزاعي، اما الوليد فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليه لما كان يبلغه من اذائه واستهزائه فقال اللهم اعم بصره واثكله بولده فعمي بصره وقتل ولده ببدر (وكذلك دعا على الاسود بن يغوث والحارث بن طلاطلة ط) فمر الوليد بن المغيرة برسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه جبرئيل (عليه السلام) فقال جبرئيل يامحمد هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك؟ قال نعم وقد كان مر برجل من خزاعة وهو يريش نبالا له فوطى على بعضها فاصاب عقبه قطعة من ذلك فدميت فلما مر بجبرئيل اشار إلى ذلك الموضع فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره وكانت ابنته نائمة اسفل منه فانفجر الموضع الذي اشار اليه جبرئيل اسفل عقبه فسال منه الدم حتى صار إلى فراش ابنته فانتبهت فقالت الجارية انحل وكاء القربة، قال ما هذا وكاء القربة ولكنه دم ابيك فاجمعي لي ولدي وولد اخي فاني ميت، فجمعتهم فقال لعبد الله بن ابى ربيعة ان عمارة بن الوليد بارض الحبشة بدار مضيعة فخذ كتابا من محمد إلى النجاشي ان يرده ثم قال لابنه هاشم وهو اصغر اولاده يابني اوصيك بخمس خصال فاحفظها: اوصيك



                    ===============

                    (379)

                    بقتل ابى درهم الدوسى فانه غلبني على امرأتى وهي بنته ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابنا مثلك ودمي في خزاعة وما تعمدوا قتلى واخاف ان تنسوا بعدي ودمي في بني خزيمة بن عامر ودياتى (رثاثى ك وديانى خ ل) في ثقيف فخذه ولاسقف نجران علي مائنا دينار فاقضها ثم فاضت نفسه ومر ربيعة بن الاسود برسول الله (صلى الله عليه وآله) فاشار جبرئيل إلى بصره فعمي ومات، ومر به الاسود بن عبد يغوث فاشار جبرئيل إلى بطنه فلم يزل يستسقي حتى انشق بطنه، ومر العاص بن وائل فاشار جبرئيل إلى رجليه فدخل عود في اخمص قدمه وخرج من ظاهره ومات ومر به الحرث ابن طلاطلة فاشار جبرئيل إلى وجه فخرج إلى جبال تهامة فاصابته من السماء ديم استسقى حتى انشق بطنه وهو قوله الله " انا كفيناك المستهزئين ".

                    فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام على الحجر فقال " يا معشر قريش يا معشر العرب ادعوكم إلى شهادة ان لا إله إلا الله وانى رسول الله وآمركم بخلع الانداد والاصنام فاجيبونى تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنة " فاستهزؤا منه وقالوا جن محمد بن عبدالله ولم يجسروا عليه لموضع ابى طالب فاجتمعت قريش إلى ابى طالب فقالوا ياابا طالب ان ابن اخيك قد سفه احلامنا وسب آلهتنا وافسد شباننا وفرق جماعتنا فان كان يحمله علي ذلك العدم جمعنا له مالا فيكون اكثر قريش مالا ونزوجه اي امرأة شاء من قريش، فقال له ابوطالب ما هذا يابن اخي؟ فقال: ياعم هذا دين الله الذي ارتضاه لانبيائه ورسله بعثني الله رسولا إلى الناس، فقال يابن اخي ان قومك قد اتوني يسألوني ان اسئلك ان تكف عنهم، فقال ياعم لا استطيع ان اخالف امر ربي فكف عنه ابوطالب ثم اجتمعوا إلى ابي طالب فقالوا انت سيد من ساداتنا فادفع الينا محمدا لنقتله وتملك علينا، فقال ابوطالب قصيدته الطويلة يقول فيها:

                    ولما رأيت القوم لا ود عندهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل



                    ===============

                    (380)

                    كذبتم وبيت الله يبرؤ محمد (نبرئ محمدا ط) * ولما نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن ابنائنا والحلائل فلما اجتمعت قريش على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتبوا الصحيفة القاطعة جمع ابوطالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والركن والمقام والمشاعر في الكعبة لان شاكت محمدا شوكة لابثن عليكم بني هاشم فادخله الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار قائما علي رأسه بالسيف اربع سنين، فلما خرجوا من الشعب حضر ابا طالب الوفاة فدخل اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يجود بنفسه فقال: يا عم ربيت صغيرا وكفلت يتيما فجزاك الله عني خيرا اعطني كلمة اشفع لك فيها عند ربي، فروي انه لم يخرج من الدنيا حتى اعطى رسول الله الرضى، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو قمت المقام المحمود لشفعت لابي وامي وعمي واخ لي كان مواخيا في الجاهلية.

                    وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن سيف بن عميرة وعبدالله بن سنان وابن ابي حمزة الثمالي قالوا سمعنا ابا عبدالله جعفر بن محمد (عليهم السلام) يقول لما حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع نزل بالابطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم رفع يده إلى السماء وبكى بكاءا شديدا ثم قال: يا رب انك وعدتني في ابي وامي وعمي ان لا تعذبهم بالنار، قال فاوحى الله اليه اني آليت على نفسي ان لا يدخل جنتي إلا من شهدا ان لا إله إلا الله وانك عبدي ورسولي ولكن ائت الشعب فنادهم فان اجابوك فقد وجبت لهم رحمتي، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الشعب فناداهم وقال يا ابتاه ويا اماه ويا عماه فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم فقال لهم رسول الله ألا ترون إلى هذه الكرامة التي اكرمني الله بها فقالوا نشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله حقا حقا وان جميع ما اتيت به من عند الله فهو الحق فقال ارجعوا إلى مضاجعكم.



                    ===============

                    (381)

                    ودخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى مكة وقدم اليه علي بن ابي طالب (صلى الله عليه وآله) من اليمن فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا ابشرك يا علي! فقال امير المؤمنين بابي انت وامي لم تزل مبشرا، فقال ألا ترى إلى ما رزقنا الله تبارك وتعالى في سفرنا هذا واخبره الخبر (1) فقال له علي (عليه السلام) الحمد لله قال واشرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بدنته اباه وامه وعمه ثم قال الله (ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون) أي بما يكذبونك ويذكرون الله (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) اخبرنا احمد ابن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد عن محمد بن سيار (سنان ط) عن المفضل بن عمير (عمر ط) عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال لما نزلت هذه الآية (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى بنظره إلى ما في يد غيره كثر همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعلم ان لله عليه نعمة لا (الا خ ل) في مطعم او ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن اصبح على الدنيا حزينا اصبح على الله ساخطا ومن شكى مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه، ومن دخل النار من هذه الامة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا، ومن اتى ذا ميسرة فيخشع له طلب ما في يده ذهب ثلثا دينه ثم قال ولا تعجل، وليس يكون الرجل يسأل من الرجل الرفق فيجله ويوقره فقد يجب ذلك له عليه ولكن يراه انه يريد بتخشعه ما عند الله ويريد ان يحيله عما في يده.

                    ـــــــــــــــــــــــــ

                    (1) اي الخبر المذكور سابقا من اجابة ابيه وامه وعمه صلى الله عليه وآله وسلم. ج. ز (*)

                    Comment

                    • راية اليماني
                      مشرف
                      • 05-04-2013
                      • 3021

                      #25
                      رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                      سورة النحل


                      (382)

                      سورة النحل مكية آياتها مأة وثمانيه وعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) قال نزلت لما سألت قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان ينزل عليهم العذاب فانزل الله تبارك وتعالى " اتى امر الله فلا تستعجلوه " وقوله (ينزل الملائكة بالروح من امره) يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا إله إلا انا فاتقون) يقول بالكتاب والنبوة وقال علي بن ابراهيم في قوله (خلق الانسان من نطفة فاذا هو خصيم مبين) قال خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا وقال ابوالجارود في قوله (والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع) والدفء حواشي الابل ويقال بل هى الادفأ من البيوت والثياب وقال علي بن ابراهيم في قوله " دفء " اي ما تستدفئون به مما يتخذ من صوفها ووبرها وقوله (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) قال حين ترجع من المرعى وحين تسرحون حين تخرج إلى المرعى (وتحمل اثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس) قال إلى مكة والمدينة وجميع البلدان ثم قال (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) ولم يقل عزوجل لتركبوها وتأكلوا منها كما قال في الانعام (ويخلق ما لا تعلمون) قال العجائب التي خلقها الله في البحر والبر (وعلي الله قصد السبيل ومنها جائر) يعني الطريق (ولو شاء لهديكم اجمعين) يعني الطريق وقوله عزوجل (هو الذي انزل من السماء ماءا لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) اي تزرعون ثم قال (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب



                      ===============

                      (383)

                      ومن كل الثمرات) يعني بالمطر (ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون) وقوله (وه ذرأ لكم في الارض) اي خلق واخرج (مختلفا الوانه ان في ذلك لآية لقوم يذكرون) وقوله عزوجل (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) يعني ما يخرج من البحر من انواع الجواهر (وترى الفلك مواخر فيه) يعني السفن (والقى في الارض رواسي ان تميد بكم) يعنى الجبال وانهارا وسبلا اي طرقا (لعلكم تهتدون) يعني كي تهتدوا وقوله عزوجل (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلي بن خنيس عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال النجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعلامات الائمة (عليه السلام) وقوله (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) فانه رد علي عبدة الاصنام وقوله (وإدا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا اساطير الاولين) يعني اكاذيب الاولين حدثني جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة الثمالي قال سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله (فالذين لا يؤمنون بالآخرة) يعني انهم لا يؤمنون بالرجعة انها حق (قلوبهم منكرة) يعني انها كافرة (وهم مستكبرون) يعني انهم عن ولاية علي مستكبرون (لا جرم ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون انه لا يحب المستكبرين) عن ولاية علي وقال نزلت هذه الآية هكذا " واذا قيل لهم ماذا انزل ربكم في علي قالوا اساطير الاولين " وقال علي ابن ابراهيم فقال الله عزوجل (ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم) قال يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا امير المؤمنين (عليه السلام) وآثام كل من اقتدى بهم وهو قول الصادق (عليه السلام) والله ما اهريقت محجمة من دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا اخذ مال من غير حله إلا ووزر ذلك في اعناقهما من غير ان ينقص من اوزار العالمين بشئ.



                      ===============

                      (384)

                      قال علي بن ابراهيم حدثني ابي عن ابن ابى عمير عن جميل عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال خطب امير المؤمنين (عليه السلام) بعد ما بويع له بخمسة ايام خطبة فقال فيها:

                      " واعلموا ان لكل حق طالبا ولكل دم ثائرا والطالب (بحقنا ط) كقيام الثائر بدمائنا والحاكم في حق نفسه هو العادل الذي لا يحيف والحاكم الذي لا يجور وهو الله الواحد القهار، واعلموا ان على كل شارع بدعة وزره ووزر كل مقتد به من بعده من غير ان ينقص من اوزار العاملين شئ وسينتقم الله من الظلمة مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب من لقم العلقم ومشارب الصبر الادهم فيشربوا بالصب من الراح السم المذاق وليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا ولهم بكل ما اتوا وعملوا من افاويق الصبر الادهم فوق ما اتوا وعملوا، اما انه لم يبق إلا الزمهرير من شتائهم وما لهم من الصيف إلا رقدة ويحهم ما تزودوا وجمعوا على ظهورهم من الآثام (1) فيا مطايا الخطايا (ويارزء الزورك) وزاد الآثام مع الذين ظلموا اسمعوا واعقلوا وتوبوا وابكوا على انفسكم فسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون، فاقسم ثم اقسم ليتحملنها بنو امية من بعدي وليعرفنها في دار غيرهم عما قليل فلا يبعد الله إلا من ظلم وعلى البادي (يعني الاول) ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل اوزارهم واوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " وحدثني ابى عن محمد بن ابى عمير عن ابى ايوب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله (قد مكر الذين من قبلهم فاتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) قال ثبت مكرهم اي ماتوا فالقاهم الله في النار وهو مثل لاعداء آل محمد عليه و(عليهم السلام) (ثم يوم القيمة يخزيهم ويقول اين شركائى الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين اوتوا العلم ان الخري؟ اليوم والسوء علي الكافرين) قال الذين اوتوا العلم الائمة (عليهم السلام) يقولون لاعدائهم اين

                      ـــــــــــــــــــــــــ

                      (1) وفى ط بعد هذا: والخطايا وما تزاوروا اوزار الاثام من الذين ظلموا (*)



                      ===============

                      (385)

                      شركاؤكم ومن اطعتموهم في الدنيا ثم قال فيهم ايضا (الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم فالقوا السلم) اي سلموا لما أصابهم من البلاء ثم يقولون: (ما كنا نعمل من سوء) فرد الله عليهم فقال (بلى ان الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) ثم ذكر المؤمنين (فقال الذين تتوفيهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) قوله طيبين قال هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا وقوله (هل ينظرون إلا ان تأتيهم الملئكة او يأتي امر ربك) من العذاب والموت وخروج القائم (كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون) وقوله (فاصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) من العذاب في الرجعة وقوله: (وقال الذين اشركوا ـ إلى قوله ـ البلاغ المبين) فانه محكم وقوله:

                      (واجتنبوا الطاغوت) يعني الاصنام قوله (فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) اى انظروا في اخبار من هلك من قبل وقوله (ان تحرص على هديهم) مخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله) (فان الله لا يهدي) اي لا يثيب (من يضل) اي يعذب وقوله (واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون) فانه حدثني ابي عن بعض رجاله يرفعه إلى ابى عبدالله (عليه السلام) قال ما يقول الناس فيها؟ قال يقولون نزلت في الكفار قال ان الكفار كانوا لا يحلفون بالله وإنما نزلت في قوم من امة محمد (صلى الله عليه وآله) قيل لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا انهم لا يرجعون فردالله عليهم فقال ليبينن لهم الذي يختلفون فيه (وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين) يعني في الرجعة يردهم فيقتلهم ويشفى صدور المؤمنين فيهم وقوله (والذين هاجروا في الله) اي هاجروا وتركوا الكفار في الله (1) وقوله (افأمن الذين مكروا السيئات) يا محمد وهو استفهام (ان يخسف الله بهم الارض او يأتيهم العذاب من حيث

                      ـــــــــــــــــــــــــ

                      (1) وفى ط بعد ذلك: (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) اى لنؤتينهم (*)



                      ===============

                      (386)

                      لا يشعرون او يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين) قال اذا جاؤا وذهبوا في التجارات وفي اعمالهم فيأخذهم في تلك الحالة (او يأخذهم على تخوف) قال على تيقظ وقوله (أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) قال تحويل كل ظل خلقه الله وهو سجود لله لانه ليس شئ إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحريكه سجوده وقوله (ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملئكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) قال الملائكة ما قدر الله لهم يمرون فيه ثم احتج عزوجل على الثنوية فقال: (لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فاياي فارهبون) وقوله: (وله ما في السموات والارض وله الدين واصبا) اي واجبا ثم ذكر تفضله فقال: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فاليه تجئرون) أي تفزعون وترجعون والنعمة هى الصحة والسعة والعافية وقوله: (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) وهو الذي وصفناه مما كانت العرب يجعلون للاصنام نصيبا في زرعهم وابلهم وغنمهم فرد الله عليهم فقال: (تالله لتسئلن عما كنتم تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) قال قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله فنسبوا ما لا يشتهون إلى الله فقال الله عزوجل " ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون " يعني من البنين ثم قال: (واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سؤ ما بشر به أيمسكه على هون) اي يستهين به (ام يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) وقوله: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) اى عند معصيتهم وظلمهم (ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقوله:

                      (ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب) يقول السنتهم الكاذبة (ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون) اي معذبون وقوله:



                      ===============

                      (387)

                      (والله انزل من السماء ماءا) الآية محكمة وقوله: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) قال الفرث ما في الكرش (1) وقوله: (ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا) قال الخل (ورزقا حسنا) قال الزبيب وقوله: (واوحى ربك إلى النحل) قال وحي إلهام تأخذ النحل من جميع النور ثم تتخذه عسلا.

                      وحدثني ابي عن الحسن بن علي الوشاء عن رجل عن حريز بن عبدالله عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله واوحى ربك إلى النحل قال نحن النحل التى اوحى الله اليها (ان اتخذى من الجبال بيوتا) امرنا ان نتخذ من العرب شيعة (ومن الشجر) يقول من العجم (ومما يعرشون) يقول من الموالي والذي (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه) العلم الذي يخرج منا اليكم وقوله (والله خلقكم ثم يتوفيكم ـ إلى قوله ـ لكي لا يعلم من بعد علم شيئا) قال إذا كبر لا يعلم ما علمه قبل ذلك وقوله (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء) قال لا يجوز للرجل ان يخص نفسه بشئ من المأكول دون عياله وقوله (والله جعل لكم من انفسكم ازواجا) يعني حواء خلقت من آدم (وحفدة) قال الاختان وقوله: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) قال لا يتزوج ولا يطلق ثم ضرب الله مثلا في الكفار فقال: (وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه اين ما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) قال كيف يستوى هذا وهذا الذي يأمر بالعدل امير المؤمنين والائمة (عليهم السلام) وقوله (والله اخرجكم من بطون امهاتكم ـ إلى قوله ـ ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) فانه محكم وقوله: (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) يعني المساكن (وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا) يعني الخيم والمضارب

                      ـــــــــــــــــــــــــ

                      (1) الكرش كظلف والكتف لذى اخف والحافر كالمعدة للانسان. ج ز (*)



                      ===============

                      (388)

                      (تستخفونها يوم ظعنكم) اي يوم سفركم (ويوم اقامتكم) يعني في مقامكم (ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا إلى حين) وفي رواية ابى الجارود في قوله (اثاثا) قال المال و (متاعا) قال المنافع (إلى حين) اي إلى حين بلاغها.

                      وقال على بن ابراهيم في قوله (والله جعل لكم مما خلق ظلالها) قال ما يستظل به (وجعل لكم من الجبال اكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) يعني القمص وإنما جعل ما يجعل منه (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعني الدروع وقوله: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) قال نعمة الله هم الائمة والدليل على ان الائمة نعمة الله قول الله تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال الصادق (عليه السلام): نحن والله نعمة الله التي انعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز، وقوله: (ويوم نبعث من كل امة شهيدا) قال لكل زمان وامة امام يبعث كل امة مع امامها وقوله: (والذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب) قال كفروا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وصدوا عن امير المؤمنين (عليه السلام) (زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) ثم قال (ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم) يعني من الائمة ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) (وجئنا بك ـ يامحمد ـ شهيدا على هؤلاء) يعني على الائمة فرسول الله شهيد على الائمة وهم شهداء على الناس وقوله: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم) قال: العدل شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاحسان امير المؤمنين والفحشاء والمنكر والبغى فلان وفلان وفلان حدثنا محمد بن ابى عبدالله قال حدثنا موسى بن عمران قال حدثني الحسين ابن يزيد عن اسماعيل بن مسلم قال جاء رجل إلى ابى عبدالله جعفر بن محمد (عليهما السلام) وانا عنده فقال يا بن رسول الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون



                      ===============

                      (389)

                      وقوله: (امر) ربي (ألا تعبدوا إلا اياه) فقال نعم ليس لله في عباده امر إلا العدل والاحسان فالدعاء من الله عام والهدى خاص مثل قوله: (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ولم يقل ويهدي جميع من دعا إلى صراط مستقيم.

                      وقال على بن ابراهيم في قوله: (واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) فانه حدثني ابى رفعه قال قال ابوعبدالله (عليه السلام): لما نزلت الولاية وكان من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم سلموا علي علي بامرة المؤمنين (عليه السلام) فقالوا: أمن الله ورسوله؟ فقال لهم نعم حقا من الله ورسوله، فقال انه امير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل اولياءه الجنة ويدخل اعداءه النار وانزل الله عزوجل (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها.. الخ) يعني قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الله ورسوله ثم ضرب لهم مثلا فقال: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: التى نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها رابطة (ريطة ط) بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لوي بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فاذا غزلت نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله كالتي نقضت غزلها قال إن الله تبارك وتعالى امر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا.

                      رجع إلى رواية علي بن ابراهيم في قوله " ان تكون أئمة هي ازكى من أئمتكم، فقيل يا بن رسول الله نحن نقرؤها (هي اربى من امة) قال ويحك وما اربى؟ واومأ بيده بطرحها (انما يبلوكم الله به) يعني بعلي بن ابي طالب (عليه السلام) يختبركم (وليبين لكم يوم القيامة ماكنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة) قال على مذهب واحد وامر واحد (ولكن يضل من يشاء) قال يعذب بنقض العهد (ويهدي من يشاء) قال يثيب (ولتسئلن عما كنتم تعملون



                      ===============

                      (390)

                      ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم) قال هو مثل لامير المؤمنين (عليه السلام) (فتزل قدم بعد ثبوتها) يعني بعد مقالة النبي (صلى الله عليه وآله) فيه (وتذوقوا السؤء بما صددتم عن سبيل الله) يعني عن علي (ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) معطوف على قوله: (واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) ثم قال: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) اى ما عندكم من الاموال والنعمة تزول وما عند الله مما تقدموه من خير او شر فهو باق وقوله: (من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة) قال القنوع بما رزقه الله، ثم قال: (فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) قال الرجيم اخبث الشياطين فقلت له ولم سمي رجيما؟

                      قال لانه يرجم وقوله (انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) قال ليس له ان يزيلهم عن الولاية فاما الذنوب فانهم ينالون منه كما ينالون من غيره وقوله (واذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا إنما انت مفتر) قال كانت اذا نسخت آية قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) انت مفتر فرد الله عليهم فقال: (قل لهم ـ يامحمد ـ نزله روح القدس من ربك بالحق) يعني جبرئيل (عليه السلام) وفي رواية ابي الجارود في قوله روح القدس قال هو جبرئيل (عليه السلام) والقدس الطاهر (ليثبت الذين آمنوا) هم آل محمد (وهدى وبشرى للمسلمين) واما قوله: ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي) وهو لسان ابي فكيهة مولى ابن الحضرمي كان اعجمي اللسان وكان قد اتبع نبي الله وآمن به وكان من اهل الكتاب فقالت قريش هذا والله يعلم محمدا بلسانه يقول الله: (وهذا لسان عربى مبين) واما قوله (من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان) فهو عمار بن ياسر اخذته قريش بمكة فعذبوه بالنار حتى اعطاهم بلسانه ما ارادوا وقلبه مطمئن بالايمان واما قوله (ولكن من شرح بالكفر صدرا) فهو عبدالله بن سعد بن ابى سرح بن الحارث من بني لوي يقول الله " ذلك بان



                      ===============

                      (391)

                      الله ختم على سمعهم وابصارهم وقلوبهم واولئك هم الغافلون لا جرم انهم في الآخرة هم الاخسرون " هكذا في قراءة ابن مسعود وقوله (اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصار هم الآية) هكذا في القراءة المشهورة هذا كله في عبدالله ابن سعد بن ابى سرح كان عاملا لعثمان بن عفان على مصر ونزل فيه ايضا " ومن قال سأنزل مثل ما انزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " وقال على ابن ابراهيم ثم قال ايضا في عمار (ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم).

                      وقوله: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفروا بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) قال نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له الثلثان (الثرثار ك ط) وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير فكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هو ألين لنا، فكفروا بانعم الله واستنجوا (واستخفوا خ ل) بنعمة الله فحبس الله عنهم الثلثان فجدبوا حتى احوجهم الله إلى اكل ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه ثم قال عزوجل (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) قال هو ما كانت اليهود يقولون ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا وقوله (ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا) اي طاهرا (اجتباه) اي اختاره (وهداه إلى صراط مستقيم) قال إلى الطريق الواضح ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) (ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) وهي الحنفية العشر التي جاء بها ابراهيم (عليه السلام) خمسة في البدن وخمسة في الرأس فاما التي في البدن: فالغسل من الجنابة، والطهور بالماء وتقليم الاظفار وحلق الشعر من البدن، والختان، واما التي في الرأس: فطم الشعر، واخذ الشارب، واعفاء اللحى، والسواك، والخلال، فهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة



                      ===============

                      (392)

                      وقوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه. الآية) وقد كتبنا خبره في سورة الاعراف وقوله (وجاد لهم بالتي هي احسن) قال بالقرآن وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر في قوله " ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا " وذلك انه كان على دين لم يكن عليه احد غيره فكان امة واحدة وإنما قال قانتا فالمطيع واما الحنيف فالمسلم قال وما كان من المشركين واما قوله (انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) وذلك ان موسى امر قومه ان يتفرغوا إلى الله في كل سبعة ايام يوما يجعله الله عليهم وهم الذين اختلفوا فيه واما قوله (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وذلك ان المشركين يوم احد مثلوا باصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) الذين استشهدوا، منهم حمزة فقال المسلمون اما والله لان اولانا الله عليهم لنمثلن باخيارهم، فذلك قول الله " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " يقول بالاموات: " ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ".

                      لقد تم ـ بحول الله وقوته ـ الجزء الاول من الكتاب المستطاب " تفسير القمي " تصحيحا وتعليقا بيد العبد المذنب السيد طيب الموسوى الجزائري في يوم السابع من ذي الحجة الحرام من سنة ثلاثمائة وست وثمانين بعد الالف الهجرية ويتلوه ان شاء الله الجزء الثانى أوله سورة بني اسرائيل.

                      Comment

                      • راية اليماني
                        مشرف
                        • 05-04-2013
                        • 3021

                        #26
                        رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                        الجزء الثاني

                        __________
                        ----------
                         

                        سورة بني اسرائيل


                        مكية الجزء(15) وآياتها مأة واحدى عشر


                        (بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير) فحكى ابي عن محمد بن ابي عمير عن هشام بن سالم عن ابي عبدالله عليه السلام قال جاء جبرئيل وميكائيل واسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل ثم قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فرقت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرئيل يريه الآيات من السماء والارض قال فبينا انا في مسيري إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم اجبه ولم ألتفت اليه ثم نادانى مناد عن يساري يا محمد فلم اجبه ولم التفت اليه ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها وعليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انظرني حتى اكلمك فلم ألتفت اليها ثم سرت فسمعت صوتا أفزعني فجاوزت به فنزل بى جبرئيل، فقال صل فصليت فقال اتدري اين صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطيبة واليها مهاجرتك، ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل وصل فنزلت وصليت، فقال لي أتدري اين

                        [4]

                        صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل فصل فنزلت وصليت فقال لي اتدري اين صليت؟ فقلت لا، قال صليت في بيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الانبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي فوجدنا ابراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من انبياء الله قد جمعوا الي واقمت الصلاة ولا اشك إلا وجبرئيل استقدمنا، فلما استووا اخذ جبرئيل عليه السلام بعضدي فقدمني فاممتهم ولا فخر، ثم اتانى الخازن بثلاث اواني، اناء فيه لبن واناء فيه ماء واناء فيه خمر، فسمعت قائلا يقول ان اخذ الماء غرق وغرقت امته، وان اخذ الخمر غوى وغوت امته وان اخذ اللبن هدي وهديت امته، فاخذت اللبن فشربت منه فقال جبرئيل هديت وهديت امتك ثم قال لي ماذا رأيت في مسيرك؟ فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أو أجبته؟ فقلت لا ولم التفت اليه، فقال ذاك داعي اليهود لو اجبته لتهودت امتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت؟ فقلت نادانى مناد عن يساري فقال أو أجبته؟ فقلت لا ولم التفت اليه، فقال ذاك داعي النصاري لو اجبته لتنصرت امتك من بعدك ثم ثم قال ماذا استقبلك؟ فقلت لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة فقالت يا محمد انظرني حتى اكلمك، فقال لي أفكلمتها؟ فقلت لم اكلمها ولم التفت اليها، فقال تلك الدنيا ولم كلمتها لاختارت امتك الدنيا على الآخرة، ثم سمعت صوتا افزعني فقال جبرئيل أتسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرت، قالوا فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض.
                        قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى سماء الدنيا وعليها ملك يقال له اسماعيل

                        [5]

                        وهو صاحب الخطفة التي قال الله عزوجل: " ألا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب " وتحته سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك، فقال يا جبرئيل من هذا معك؟ فقال: محمد صلى الله عليه وآله قال أوقد بعث؟ قال نعم ففتح الباب فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالاخ الناصح والنبي الصالح وتلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا فما لقيني ملك إلا كان ضاحكا مستبشرا حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا انه لم يضحك ولم ار فيه من الاستبشار وما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فاني قد فزعت فقال يجوز ان تفزع منه، وكلنا نفزع منه هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على اعداء الله واهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى احد قبلك او كان ضاحكا لاحد بعدك لضحك اليك ولكنه لا يضحك، فسلمت عليه فرد علي السلام وبشرني بالجنة، فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم امين، ألا تأمره ان يريني النار؟ فقال له جبرئيل يا مالك ار محمدا النار، فكشف عنها غطاء‌ها وفتح بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت فارتعدت حتى ظننت ليتنا ولني مما رأيت، فقلت له يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاء‌ها فامرها، فقال لها ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.
                        ثم مضيت فرأيت رجلا ادما جسيما فقلت من هذا يا جبرئيل، فقال هذا ابوك آدم فاذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيب وريح طيبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله سورة المطففين على رأس سبعة عشر آية " كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم " إلى آخرها، قال فسلمت على ابي آدم وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وقال مرحبا بالابن

                        [6]

                        الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح.
                        ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه واذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك الموت دائب في قبض الارواح فقلت يا جبرئيل ادنني منه حتى اكلمه، فادناني منه فسلمت عليه، وقال له جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة الذي ارسله الله إلى العباد فرحب بى وحياني بالسلام وقال ابشر يا محمد فاني ارى الخير كله في امتك فقلت الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته علي، فقال جبرئيل هو اشد الملائكة عملا فقلت أكل من مات او هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟ قال نعم قلت تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال نعم، فقال ملك الموت ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني منها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا اتصفحها كل يوم خمس مرات واقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم احد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرئيل فقال جبرئيل ان ما بعد الموت اطم واطم من الموت.
                        قال ثم مضيت فاذا انا بقوم بين ايديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون الخبيث ويدعون الطيب، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من امتك يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله امره عجبا نصف جسده نار والنصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار وهو ينادي بصوت رفيع يقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار الف بين قلوب عبادك

                        [7]

                        المؤمنين، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك وكله الله يا كناف السماوات واطراف الارضين وهو انصح ملائكة الله تعالى لاهل الارض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السماء احدهما يقول اللهم اعط كل منفق خلفا والآخر يقول اللهم اعط كل ممسك تلفا.
                        ثم مضيت فاذا أنا باقوام لهم مشافر كمشافر الابل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في افواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الهمازون اللمازون ثم مضيت فاذا انا باقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ثم مضيت فاذا انا باقوام تقذف النار في افواههم وتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا، ثم مضيت فاذا انا باقوام يريد أحدهم ان يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس فاذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا يقولون ربنا متى تقوم الساعة قال ثم مضيت فاذا انا بنسوان معلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء اللواتي يورثن اموال ازواجهن اولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله اشتد غضب الله على امرأة ادخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطلع على عوراتهم واكل خزائنهم.
                        قال ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عزوجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوهم كيف شاء ليس شئ من اطباق اجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية باصوات مختلفة اصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم، فقال كما ترى خلقوا ان الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من

                        [8]

                        الله خشوعا فسلمت عليهم فردوا علي إيماء‌ا برؤسهم لا ينظرون الي من الخشوع فقال لهم جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة ارسله الله إلى العباد رسولا ونبيا وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلمونه؟ قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل اقبلوا علي بالسلام واكرمونى وبشروني بالخير لي ولامتي.
                        قال ثم صعد بي إلى السماء الثانية فاذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان يا جبرئيل؟ فقال لي ابناء الخالة يحيى وعيسى بن مريم فسلمت عليهما وسلما علي واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الاولى وعليهم الخشوع قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح لله ويحمده باصوات مختلفة.
                        ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فاذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا اخوك يوسف فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لى وقال مرحبا بالنبي الصالح والاخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الاولى والثانية، وقال لهم جبرائيل في امري ما قال للآخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.
                        ثم صعدنا إلى السماء الرابعة واذا فيها رجل، قلت من هذا يا جبرئيل؟ قال هذا ادريس رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولامتي، ثم رأيت ملكا جالسا علي سرير تحت يديه سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله انه هو، فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة، ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فاذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا اعظم منه حوله ثلة من امته

                        [9]

                        فاعجبتني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ قال هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
                        ثم صعدنا إلى السماء السادسة واذا فيها رجل ادم طويل عليه سمرة ولولا ان عليه قميصين لنفذ شعره منهما فسمعته يقول تزعم بنو اسرائيل انى اكرم ولد آدم على الله وهذا رجل اكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرائيل؟ قال هذا اخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
                        ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد احتجم وأمر امتك بالحجامة، واذا فيها رجل اشمط الرأس(1) واللحية، جالس على كرسي فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟ فقال هذا ابوك ابراهيم وهذا محلك ومحل من اتقى من امتك، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " قال صلى الله عليه وآله: فسلمت عليه وسلم علي وقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات، فبشرونى بالخير لي ولامتي.
                        قال رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلالا يكاد تلالؤها يخطف بالابصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد فلما فزعت ورأيت هولا سألت جبرئيل فقال ابشر يا محمد واشكر كرامة ربك واشكر الله بما صنع اليك قال فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل


                        ___________________________________
                        (1) خالط بياض رأسه سواد فهو اشمط.ج.ز.

                        [10]

                        وتعجبي، فقال جبرئيل يا محمد أتعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من ربك فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى، وما لا ترى اعظم من هذا من خلق ربك، ان بين الله وبين خلقه سبعون (تسعون خ ل) الف حجاب واقرب الخلق إلى الله انا واسرافيل وبيننا وبينه اربعة حجب.
                        حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من الماء، قال ورأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه وسخر به على ما اراده ديكا رجلاه في تخوم الارضين السابعة ورأسه عند العرش وملكا من ملائكة الله خلقه كما اراد رجلاه في تخوم الارضين السابعة ثم اقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعدا حتى استقر قرنه إلى قرب العرش وهو يقول: سبحان ربى حيث ما كنت لا تدري اين ربك من عظم شأنه وله جناحان في منكبيه اذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فاذا كان في السحر ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله الحي القيوم، واذا قال ذلك سبحت ديوك الارض كلها وخفقت باجنحتها واخذت في الصراخ فاذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الارض كلها ولذلك الديك زغب اخضر وريش ابيض كاشد بياض ما رأيته قط وله زغب اخضر ايضا تحت ريشه الابيض كاشد خضرة ما رأيتها.
                        ثم قال مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين ومعي اناس من اصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون عليهم ثياب خلقان فدخل اصحاب الجدد وحبس اصحاب الخلقان ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر، ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة فاذا على حافتيها بيوتى وبيوت ازواجي واذا ترابها كالمسك فاذا جارية تنغمس في انهار الجنة فقلت لمن انت يا جارية؟ فقالت لزيد

                        [11]

                        ابن حارثة فبشرته بها حين اصبحت، واذا بطيرها كالبخت(1) واذا رمانها مثل الدلاء العظام، واذا شجرة لو ارسل طائر في اصلها ما دارها تسعمائة سنة، وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل؟ فقال هذه شجرة طوبى، قال الله طوبى لهم وحسن مآب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهو لها واعاجيبها قال هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شئ فيه، وانتهيت إلى سدرة المنتهى فاذا الورقة منها تظل به امة من الامم فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى: " كقاب قوسين او ادنى " فناداني " آمن الرسول بما انزل اليه من ربه " وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا رب اعطيت انبيائك فضائل فاعطني، فقال الله قد اعطيتك فيما اعطيتك كلمتين من تحت عرشي: " لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا منك إلا اليك " قال وعلمتني الملائكة قولا اقوله إذا اصبحت وامسيت: (اللهم ان ظلمي اصبح مستجيرا بعفوك وذنبي اصبح مستجيرا بمغفرتك وذلي اصبح مستجيرا بعزك وفقري اصبح مستجيرا بغناك ووجهي الفاني البالي اصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقى الذي لا يفنى) ثم سمعت الاذان فاذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال: الله اكبر الله اكبر فقال الله صدق عبدي انا اكبر فقال: اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله فقال الله صدق عبدي انا الله لا إله غيري، فقال: اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله فقال الله صدق عبدي ان محمدا عبدي ورسولي انا بعثته وانتجبته، فقال: حيى على الصلاة حيى على الصلاة فقال صدق عبدي ودعا إلى فريضتي فمن مشى اليها


                        ___________________________________
                        (1) البخت بالضم الابل الخراسانية والجمع بخاتى ق

                        [12]

                        راغبا فيها محتسبا كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه، فقال: حي على الفلاح حي على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح، ثم اممت الملائكة في السماء كما اممت الانبياء في بيت المقدس، قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجدا فناداني ربي اني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقم بها انت في امتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فانحدرت حتى مررت على ابراهيم فلم يسألني عن شئ حتى انتهيت إلى موسى فقال ما صنعت يا محمد؟ فقلت قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقال موسى يا محمد ان امتك آخر الامم واضعفها وان ربك لا يرد عليك شيئا وان امتك لا تستطيع ان تقوم بها فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك، فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ثم قلت فرضت علي وعلى امتى خمسين صلاة ولا اطيق ذلك ولا امتي فخفف عني فوضع عني عشرة فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال ارجع وفى كل رجعة ارجع اليه اخر ساجدا حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني خمسا فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال لا تطيق فقلت قد استحييت من ربى ولكن اصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر، من هم من امتك بحسنة يعملها كتبت له عشرة وان لم يعمل كتبت واحدة(1) ومن هم من امتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وان لم يعملها لم اكتب عليه شيئا فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الامة خيرا وهذا تفسير قول الله: " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام " الآية.


                        ___________________________________
                        (1) اي لم يقدر على فعلها وهذا كما قال صلى الله عليه وآله نية المؤمن خير من عمله.ج ز

                        [13]

                        وروى الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال بينا انا راقد بالابطح وعلي (ع) عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة بين يدي واذا انا بخفق اجنحة الملائكة وقائل منهم يقول إلى ايهم بعثت يا جبرئيل؟ فقال إلى هذا واشار الي ثم قال هو سيد ولد آدم وحواء وهذا وصيه ووزيره وختنه وخليفته في امته وهذا عمه سيد الشهداء حمزة وهذا ابن عمه جعفر له جناحان خصيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة دعه فلتنم عيناه ولتسمع اذناه وليعي قلبه واضربوا له مثلا ملك بنى دارا واتخذ مأدبة وبعث داعيا، فقال النبي صلى الله عليه وآله فالملك الله والدار الدنيا والمأدبة الجنة والداعي انا، قال ثم ادركه جبرائيل بالبراق واسرى به إلى بيت المقدس وعرض عليه محاريب الانبياء وآيات الانبياء فصلى فيها ورده من ليلته إلى مكة فمر في رجوعه بعير لقريش واذا لهم ماء في آنيه فشرب منه واهرق باقى ذلك وقد كانوا اضلو بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فلما اصبح قال لقريش ان الله قد اسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس فعرض علي محاريب الانبياء وآيات الانبياء وانى مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه واهرقت باقى ذلك وقد كانوا اضلوا بعيرا لهم، فقال ابوجهل لعنه الله قد امكنكم الفرصة من محمد سلوه كم الاساطين فيها والقناديل، فقالوا يا محمد ان ههنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم اساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجاء جبرئيل فعلق صورة البيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه فلما اخبرهم قالوا حتى تجيئ العير ونسألهم عما قلت، فقال لهم وتصديق ذلك ان العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر، فلما اصبحوا واقبل ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبيناهم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء‌ا واصبحنا وقد اهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا.
                        وقوله: (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا) فانه حدثني ابى عن ابن ابى عمير

                        [14]

                        عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال كان نوح إذا امسى واصبح يقول امسيت اشهد انه ما امسى بى من نعمة في دين او دنيا فانها من الله وحده لا شريك له له الحمد على بها كثيرا والشكر كثيرا فانزل الله انه كان عبدا شكورا فهذا كان شكره.
                        واما قوله (وقضينا إلى بنى اسرائيل في الكتاب) اى اعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بنى اسرائيل وخاطب امة محمد صلى الله عليه وآله فقال (لتفسدن في الارض مرتين) يعنى فلانا وفلانا واصحابهما ونقضهم العهد (ولتعلن علوا كبيرا) يعنى ما ادعوه من الخلافة (فاذا جاء وعد اوليهما) يعنى يوم الجمل (بعثنا عليكم عبادا لنا اولى باس شديد) يعنى امير المؤمنين (ع) واصحابه (فجاسوا خلال الديار) اى طلبوكم وقتلوكم (وكان وعدا مفعولا) يعنى يتم ويكون (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) يعنى بنى امية على آل محمد (وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا) من الحسن والحسين ابناء على واصحابهما فقتلوا الحسين بن على وسبوا نساء آل محمد (ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة) يعنى القائم واصحابه (ليسوؤا وجوهكم) يعنى يسودون وجوههم(1) (وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله واصحابه وامير المؤمنين عليه السلام واصحابه (وليتبروا ما علوا تتبيرا) اى يعلوا عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد عليه السلام فقال (عسى ربكم ان يرحمكم) اى ينصركم على عدوكم ثم خاطب بنى امية فقال (وان عدتم عدنا) يعنى عدتم بالسفيانى عدنا بالقائم من آل محمد (ع) (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) اى حبسا يحصرون فيها ثم قال عزوجل (ان هذا القرآن يهدى) اى يبين (للتى هى اقوم ويبشر المؤمنين) يعنى آل محمد (ع) (الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا) ثم عطف على بنى اميه فقال (وان الذين لا يؤمنون بالاخرة اعتدنا لهم عذابا اليما) وقوله (ويدع الانسان بالشر دعاء‌ه بالخير وكان الانسان عجولا) قال يدعو على اعدائه بالشر كما يدعوا لنفسه بالخير ويستعجل الله بالعذاب وهو قوله وكان الانسان عجولا وقوله: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) قال المحو في القمر وحدثني ابى عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان (سيار خ ل) عن معروف بن خربوذ عن الحكم بن المستنير عن علي بن الحسين عليهما السلام قال ان من الاوقات التى قدرها الله

                        [15]

                        للناس مما يحتاجون اليه البحر الذي خلق الله بين السماء والارض وان الله قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك يديرون الفلك فاذا دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه نزلت في منازلها التى قدرها الله فيها ليومها وليلتها واذا كثرت ذنوب العباد واراد الله ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر الملك اولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس في البحر الذي يجري فيه الفلك فيطمس حرها ويغير لونها فاذا اراد الله ان يعظم الاية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس وكذلك يفعل بالقمر فاذا اراد الله ان يخرجهما وبردهما إلى مجريهما امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس إلى مجريها فيرد الملك الفلك إلى مجراه فتخرج من الماء(1) وهي كدرة والقمر مثل ذلك ثم قال علي بن الحسين عليه السلام


                        ___________________________________
                        (1) لا يخفى ان مفاد هذه الرواية وان كان غير مطابق ظاهرا للتحقيقات العصرية لان كسوف الشمس على ما حققوه عبارة عن حيلولة القمر بين الشمس والارض وخسوف القمر عبارة عن حيلولة الارض بينها وبين القمر، مع انه لا وجود للماء في الفضاء فلا معنى لطمس الشمس فيه، إلا انه يمكن ان يقال في مقام التوفيق انه للكسوفين سببان الاول: الحيلولة والثانى: طمسها في الماء على النحو الذي ذكر في الرواية، ووجود الماء في الفضاء غير محال كما دلت عليه الآية الشريفة " هو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء " ويمكن توجيهه بطريق آخر وهو: ان الارض ثلاثة ارباع منها او ازيد مغطاة بالماء فلما تكون حائلة بين الشمس والقمر يصير ظل الماء واقعا على القمر لان نحن الماء الملتف عليها زائد حدا، فاذا فرضنا الشمس إلى جانب والقمر إلى جانب آخر وفي وسطهما من الارض قسمة منها عليها الماء وسطحه محدب لاجل كروية الارض فيكون الحد؟ المائى مانعا عن وصول ضوء الشمس إلى القمر لكونه حائلا بينهما فيقع ظل نحن الماء على القمر فينخسف تماما او ناقصا حسب مقدار حيلولة الماء فيصدق على القمر انه انطمس في الماء ولو مجازا (اي في ظل الماء).
                        وكذا نقول في انكساف الشمس من انه ليس الحائل بينها وبين الارض نفس السيارة بل قسمة من الماء الموجود فيه ولو في الزمان السابق لامكان الماء فيه سابقا كما ذهب اليه بعض محققى عصرنا، ويؤيده ما عثرنا عليه اخيرا في كتاب " ماه " تاليف فارسى للفاضل المحقق السيد جلال امام جمعة الجزايرى ما خلاصته مترجما بالعربية: " ان التصاوير التى اخذت اخيرا بواسطة سبوتنك الامريكى اوربيتر الرقم 4 - 5 من كرة القمر انعكست فيها اشكال شباهة تامة بالانهار الارضية وهذا صار سببا لاعتقاد بعض محققى العصر بان القمر كان فيه سابقا كمية وافره من الماء - وان الفلكى الامريكائى بروفيسر يورى (UREY) قال في مجلة الطبيعة الرقم 216، ان حاصل الرسوم الجديدة (اوربيتر 4 - 5) برهان ساطع على ان الماء كان موجودا في القمر بكمية كثيرة واعلام جريانه واضحة في هذه التصاوير، لكنه بمرور الزمان وحرارة الشمس تبدل بشكل البخار ولكون قلة جاذبية القمر لم يرجع وانتشر في الفضاء - إلى ان قال - بل انه موجود الان ايضا في طبقات القمر منجمدا بشكل الثلج " فمفاد هذا الكشف ان كرة القمر متركب من اجزاء مائية ويؤيد ما في الحديث الاتى الذى قال فيه الامام الباقر عليه السلام ان الله خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا الحديث، فتبين من ذلك كله ان هذه الرواية مما دل على العلم الحيوى لاهل بيت العصمة عليهم السلام ورسوخهم في العلوم بارجائها زمان لم يكن لتلك التحقيقات الجديدة اثر ولا خبر نعم هنا شئ ذكره الامام عليه السلام في هذه الرواية " بطونهما يضيئان لاهل السماء وظهورهما يضيئان لاهل الارض " ومعناه ان الشمسين لا تديران وجهيهما إلى الارض بل الينا طرف واحد منهما وهذا مما بلغه اليوم العلماء العصريون مع ان الفضل للمخبر به قبل الف عام. وفي الكافي والبحار انه قال امير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل له: ان الشمس لو كان وجهها لاهل الارض لاحترقت الارض ومن عليها من شدة حرها (الهيئة والاسلام ص 23).

                        [17]

                        انه لا يفزع لهما ولا يرهب إلا من كان من شيعتنا فاذا كان ذلك فافزعوا إلى الله وارجعوا.
                        قال وقال امير المؤمنين عليه السلام الارض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة اربعمائة عام والعمران منها مسيرة عام والشمس ستون فرسخا في ستين فرسخا والقمر اربعون فرسخا في اربعين فرسخا بطونهما يضيئان لاهل السماء وظهورهما يضيئان لاهل الارض والكواكب كاعظم جبل على الارض وخلق الشمس قبل القمر، وقال سلام بن المستنير قلت لابي جعفر عليه السلام لم صارت الشمس احر من القمر؟ قال ان الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا صارت سبعة اطباق ألبسها الله لباسا من نار فمن هنالك صارت الشمس احر من القمر، قلت فالقمر؟ قال ان الله خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا صارت سبعة اطباق البسها الله لباسا من ماء فمن هناك صار القمر ابرد من الشمس.
                        وقوله: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) قال قدره الذي قدره عليه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا - إلى قوله - حتى نبعث رسولا) فانه محكم وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه " يقول خيره وشره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل وقال على بن ابراهيم في قوله: (وإذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها) اي كثرنا جبابرتها (ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) وقوله: (من كان يريد العاجلة) يعنى اموال الدنيا (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد)

                        [18]

                        في الدنيا (ثم جعلنا له جهنم) في الآخرة (يصلاها مذموما مدحورا) يعنى يلقى في النار ثم ذكر من عمل للآخرة فقال: (ومن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا - ثم قال - كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) يعنى من أراد الدنيا من الآخرة ومعنى نمداي نعطي (وما كان عطاؤ ربك محظورا) اي ممنوعا وقوله: (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا) اى في النار وهو مخاطبة للنبي والمعنى للناس وهو قول الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه " باياك اعني واسمعي يا جارة " وقوله: (وقضى ربك ان لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف) قال لو علم ان شيئا اقل من اف لقاله (ولا تنهرهما) اي لا تخاصمهما وفي حديث آخر افا بالالف اي ولا تقل لهما افا (وقل لهما قولا كريما) اي حسنا (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فقال تذلل لهما ولا تتجبر عليهما (وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ربكم اعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فانه كان للاوابين) يعني للتوابين (غفورا) وقوله (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وانزلت في فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك والمسكين من ولد فاطمة وابن السبيل من آل محمد وولد فاطمة (ولا تبذروا تبذيرا) اي لا تنفق المال في غير طاعة الله (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين) والمخاطبة للنبي والمعني للناس ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين فقال (واما تعرضن عنهم) يعني عن الوالدين إذا كان لك عيال او كنت عليلا او فقيرا (فقل لهما قولا ميسورا) اي حسنا اذا لم تقدر على برهم وخدمتهم فارج لهم من الله الرحمة.
                        وقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) فانه كان سبب نزولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يرد احدا يسأله شيئا عنده فجاء‌ه رجل فسأله فلم يحضره شئ فقال يكون ان شاء الله،

                        [19]

                        فقال يا رسول الله اعطني قميصك وكان عليه السلام لا يرد احدا عما عنده فاعطاه قميصه فانزل الله " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك..الخ " فنهاه ان يبخل او يسرف ويقعد محسورا من الثياب، فقال الصادق عليه السلام المحسور العريان وقوله: (ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق) يعني مخافة الفقر والجوع فان العرب كانوا يقتلون اولادهم لذلك فقال الله عزوجل (نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطأ كبيرا) وقوله: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا) فانه محكم وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله " ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة " يقول معصية ومقتا فان الله يمقته ويبغضه قوله (وساء سبيلا) وهو اشد النار عذابا والزنا من اكبر الكبائر، وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) اي سلطانا على القاتل (فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) يعني ينصر ولد المقتول على القاتل وقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي احسن) يعني بالمعروف ولا يسرف وقوله: (وأوفوا بالعهد) يعني اذا عاهدت انسانا فأوف له (ان العهد كان مسئولا) يعني يوم القيامة وقوله: (واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم) اي بالسواء وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال: القسطاس المستقيم فهو الميزان الذي له لسان وقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) قال لا ترم احدا بما ليس لك به علم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من بهت مؤمنا او مؤمنة اقيم في طينة خبال او يخرج مما قال، وقال على بن ابراهيم في قوله: " ولا تقف ما ليس لك به علم " اي لا تقل (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا) قال يسأل السمع عما سمع والبصر عما نظر والفؤاد عما اعتقد عليه.
                        وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام

                        [20]

                        قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن اربع خصال عمرك فيما افنيته وجسدك فيما ابليته ومالك من اين كسبته واين وضعته وعن حبنا اهل البيت وقوله (ولا تمش في الارض مرحا) اي بطرا او فرحا (انك لن تخرق الارض) اى لم تبلغها كلها (ولن تبلغ الجبال طولا) اى لا تقدر ان تبلغ قلل الجبال وقوله: (ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة) يعني القرآن وما فيه من الانباء ثم قال: (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) فالمخاطبة للنبي والمعنى للناس وقوله (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة اناثا) هو رد على قريش فيما قالوا ان الملائكة هن بنات الله وقوله (وما يزيدهم إلا نفورا) قال إذا سمعوا القرآن ينفروا عنه ويكذبوه ثم احتج عزوجل على الكفار الذين يعبدون الاوثان فقال قل لهم يا محمد (لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا) قال لو كانت الاصنام آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش ثم قال الله لذلك (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) وقوله: (وان من شئ إلا يسبح بحمده) فحرمة كل شئ تسبيح الله عزوجل وقوله: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) يعني يحجب الله عنك الشياطين (وجعلنا على قلوبهم اكنة) اى غشاوة (ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا) اي صمما وقوله: (واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله اذا تهجد بالقرآن تسمع له قريش بحسن صوته وكان إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فروا عنه وقوله: (نحن اعلم بما يستمعون به إذ يستمعون اليك وإذهم نجوى) يعنى اذهم في السر يقولون هو ساحر وهو قوله: (اذ يقول الظالمون ان تتبعون إلا رجلا مسحورا) ثم حكى لرسول الله صلى الله عليه وآله قول الدهرية فقال (وقالوا ء‌اذا كنا عظاما ورفاتاء إنا لمبعوثون خلقا جديدا) ثم قال: (قل كونوا

                        [21]

                        حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم اول مرة فسينغضون اليك) والنغض تحريم الرأس (ويقولون متى هو قل عسى ان يكون قريبا) وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السلام قال الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت.
                        وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم) اي يدخل بينهم يحثهم على المعاصي وقوله: ربكم اعلم بكم ان يشأ يرحمكم - إلى قوله - زبورا) فهو محكم قوله (وان من قرية إلا نحن مهلكوها) اي اهلها (قبل يوم القيامة او معذبوها عذابا شديدا) يعني بالخسف والموت والهلاك (كان ذلك في الكتاب مسطورا) اى مكتوبا وقوله: (وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا ان كذب بها الاولون) نزلت في قريش (وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فعطف على قوله وما منعنا ان نرسل بالآيات.
                        وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " وما منعنا ان نرسل بالآيات " وذلك ان محمدا صلى الله عليه وآله سأله قومه ان يأتيهم بآية فنزل جبرئيل قال ان الله يقول وما منعنا ان نرسل بالآيات إلى قومك إلا ان كذب بها الاولون وكنا إذا ارسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها اهلكناهم فلذلك اخرنا عن قومك الآيات، وقال على بن ابراهيم في قوله: (وما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) قال نزلت لما رأى النبي في نومه كأن قرودا تصعد منبره فساء‌ه ذلك وغمه غما شديدا فانزل الله " وما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن " كذا نزلت وهم بنو امية ثم حكى عزوجل خبر ابليس فقال: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس - إلى قوله لاحتنكن ذريته إلا

                        [22]

                        قليلا) اي لافسدنهم إلا قليلا فقال الله عزوجل: (اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء‌ا موفورا) وهو محكم (واستفزز) اي اخدع (من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد) قال ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان فاذا اشترى به الاماء ونكحهن وولد له فهو شرك الشيطان كما تلد يلزمه منه ويكون مع الرجل اذا جامع فيكون الولد من نطفته ونطفة الرجل اذا كان حراما، وفي حديث آخر اذا جامع الرجل اهله ولم يسم شاركه الشيطان ثم قال: (ربكم الذي يزجى لكم الفلك) اي السفن (في البحر لتبتغوا من فضله انه كان بكم رحيما واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) اي بطل من تدعون غير الله (فلما نجاكم إلى البر اعرضتم وكان الانسان كفورا) ثم ارهبهم فقال: (أفامنتم ان يخسف بكم جانب البر او يرسل عليكم حاصبا) اي عذابا وهلاكا (ثم لا تجدوا لكم وكيلا ام امنتم ان يعيدكم فيه تارة اخرى) اي مرة اخرى (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) اي تجئ من كل جانب (فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " قاصفا من الربح " قال هي العاصف وقوله " تبيعا " يقول وكيلا ويقال كفيلا ويقال ثائرا.
                        قال علي بن ابراهيم ثم ذكر بني آدم فقال: (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) حدثنا جعفر بن محمد (احمد ط) قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم قال حدثنا محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابى حمزة الثمالي عن ابى جعفر عليه السلام قال ان الله لا يكرم روح كافر ولكن يكرم ارواح المؤمنين وإنما كرامة النفس والدم بالروح والرزق الطيب هو العلم.
                        اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن

                        [23]

                        سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبدالله بن الفضيل بن يسار (سيار ط) عن ابى جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: (يوم ندعوا كل اناس بامامهم) قال يجيئ رسول الله صلى الله عليه وآله في فرقة وعلى في فرقة والاحسن في فرقة والحسين في فرقة وكل من مات بين ظهراني قوم جاؤا معه وقال علي بن ابراهيم في قوله " يوم ندعوا كل اناس بامامهم " قال ذلك يوم القيامة ينادي مناد ليقم فلان وشيعته وفلان وشيعته وفلان وشيعته وعلي وشيعته وقوله: (ولا يظلمون فتيلا) قال الجلدة التي في ظهر النواة.
                        واما قوله (ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا) فانه حدثني ابي عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن ابي الطفيل عن ابى جعفر عليه السلام قال جاء رجل إلى ابى على بن الحسين عليهما السلام فقال ان ابن عباس يزعم انه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفي من نزلت فقال ابى عليه السلام سله فيمن نزلت " ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضلا سبيلا " وفيمن نزلت " لا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم " وفيمن نزلت " يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " فاتاه الرجل فسأله، فقال وددت ان الذي امرك بهذا واجهني به فاسأله عن العرش مم خلقه الله ومتى خلق؟ وكم هو وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى ابى فقال ابى فهل اجابك بالآيات؟ فقال لا.
                        قال ابى: لكن اجيبك فيها بعلم ونور غير مدع ولا منتحل اما قوله: ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا ففيه نزل وفي ابيه، واما قوله: ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ففي ابيه نزلت واما الاخرى(1) ففي ابيه (ابنه ك) نزلت وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط، واما ما سأل عنه من العرش مم خلقه الله.
                        فان الله خلقه ارباعا،


                        ___________________________________
                        (1) اى قوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا الخ

                        [24]

                        لم يخلق قبله إلا ثلاثة اشياء الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من ألوان انوار مختلفة، ومن ذلك النور نور اخضر ومنه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة، ونور احمر منه احمرت الحمرة، ونور ابيض وهو نور الانوار، ومنه ضوء النهار ثم جعله سبعين الف طبق غلظ كل طبق لاول (كاول ك) العرش إلى اسفل السافلين وليس من ذلك طبق إلا ويسبح بمد ربه ويقدسه باصوات مختلفة والسنة غير مشتبهة لو اذن للسان واحد فاسمع شيئا مما في تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون وكشف البحار ولهلك ما دونه، له ثمانية اركان يحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولو احس حس (ولو احسر - ك) شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين، بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة والعلم وليس وراء هذا مقال لقد طمع الحاير في غير مطمع اما ان في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم فيخرجون اقواما من دين الله وستصبغ الارض بدماء فراخ من افراخ محمد تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير مدرك وترابط الذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
                        قال ابوعبدالله عليه السلام ايضا: ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا قال نزلت فيمن يسوف الحج حتى مات ولم يحج فهو اعمى فعمي عن فريضة من فرايض الله قوله (وان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غيره) قال يعني امير المؤمنين عليه السلام (إذا لاتخذوك خليلا) اي صديقا لو اقمت غيره ثم قال: (ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا اذا لاذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات) من يوم الموت إلى ان تقوم الساعة ثم قال: (وان كادوا ليستفزونك من الارض) يعنى اهل مكة (لا يلبثون خلافك إلا قليلا) حتى قتلوا ببدر.

                        [25]

                        واما قوله: (اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: دلوكها زوالها وغسق الليل انتصافه (وقرآن الفجر) صلاة الغداة (ان قرآن الفجر كان مشهودا) (قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ثم قال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) قال: صلاة الليل وقال: سبب النور في القيامة الصلاة في جوف الليل واما قوله: (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) فانه حدثنى ابي عن الحسن ابن محبوب عن زراعة (زرعة خ ل) عن سماعة عن ابي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة فقال: يلجم الناس يوم القيامة العرق(1) فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم اشفع لنا عند ربك فيقول: إن لي ذنبا وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحا فيردهم إلى من يليه ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول: عليكم بمحمد رسول الله فيعرضون انفسهم عليه ويسألونه، فيقول: انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجدا فيمكث ما شاء الله فيقول الله ارفع رأسك واشفع تشفع واسأل تعط وذلك هو قوله: " عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا " وحدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن معاوية وهشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في ابي وامي وعمي واخ كان لي في الجاهلية(2) وقوله: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)


                        ___________________________________
                        (1) اي يبلغ عرقهم إلى افواههم من شدة الحر او التعب.
                        (2) قاله لسد ألسنة المعترضين وإلا المستفاد من الادلة هو إيمان ابيه وامه وعمه وهو ابوطالب كأنه جواب تنزيلي يعني إذا بلغت مقاما محمودا وشفعت عدد الرمل والحصى كيف لا أشفع في ابي وامي وعمي الذين احسنوا إلي.ج ز.

                        [26]

                        اي معينا (وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) فانها نزلت يوم فتح مكة لما اراد رسول الله صلى الل عليه وآله دخولها انزل الله قل يا محمد ادخلني مدخل صدق الآية وقوله: سلطانا نصيرا اي معينا (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فارتجت مكة من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.
                        وقوله: (قل كل يعمل على شاكلته) قال: على نيته (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) فانه حدثنى ابي عن جعفر بن ابراهيم عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة اوقف المؤمن بين يديه فيكون هو الذي يتولى حسابه فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفته، فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعش فرائصه وتفزع نفسه، ثم يرى حسناته فتقر عينه وتسر نفسه وتفرح روحه، ثم ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه ثم يقول الله للملائكة هلموا الصحف التي فيها الاعمال التي لم يعملوها، قال: فيقرؤنها ثم يقولون وعزتك انك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا، فيقول: صدقتم نويتموها فكتبناها لكم ثم يثابون عليها واما قوله: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة وفي خبر آخر هو من الملكوت واما قوله: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) فانها نزلت في عبدالله بن ابي امية اخي ام سلمة رحمة الله عليها وذلك انا قال هذا لرسول الله بمكة قبل الهجرة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فتح مكة استقبله عبدالله بن ابي امية فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يرد عليه السلام فأعرض عنه ولم يجبه بشئ وكانت اخته ام سلمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل اليها فقال: يا اختي ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبل إسلام الناس كلهم ورد

                        [27]

                        علي إسلامي وليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ام سلمة قالت بأبي انت وامي يا رسول الله صلى الله عليه وآله سعد بك جميع الناس إلا اخي من بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت اسلام الناس كلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ام سلمة ان اخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني احد من الناس هو الذي قال لي: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تأتي بالله والملائكة قبيلا او يكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) قالت ام سلمة بأبي انت وامي يا رسول الله الم تقل ان الاسلام يجب ما كان قبله؟ قال: نعم فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إسلامه وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا يعني عينا او تكون لك جنة يعني بستانا من نخيل وعنب فتفجر الارض خلالها تفجيرا من تلك العيون او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنه يسقط من السماء كسفا لقوله: وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم وقوله: او تأتي بالله والملائكة قبيلا والقبيل اي الكثير " او يكون لك بيت من زخرف " اي المزخرف بالذهب " او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " يقول من الله إلى عبدالله بن ابي امية ان محمدا صادق واني أنا بعثته ويجئ معه أربعة من الملائكة يشهدون ان الله هو كتبه فأنزل الله عزوجل قل " سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ".
                        وقوله: (قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) فانه حدثني ابي عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده جبرئيل إذ حانت

                        [28]

                        من جبرئيل عليه السلام نظرة قبل السماء فامتقع لونه حتى صار كأنه كركمة(1) ثم لاذ برسول الله صلى الله عليه وآله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حيث نظر جبرئيل فاذا شئ قد ملا ما بين الخافقين مقبلا حتى كان كقاب من الارض(2) ثم قال: يا محمد إني رسول الله اليك أخبرك ان تكون ملكا رسولا أحب اليك او تكون عبدا رسولا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل وقد رجع اليه لونه، فقال جبرئيل: بل كن عبدا رسولا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل اكون عبدا رسولا فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا ثم رفع الاخري فوضعها في الثانية ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة ثم هكذا حتى انتهى إلى السماء السابعة كل سماء خطوة وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل الذر - الصر (ك) فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعرا وما رأيت شيئا كان اذعر لي من تغير لونك، فقال: يا نبي الله لا تلمني أتدري من هذا؟ قال: لا، قال: هذا اسرافيل حاجب الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والارض، فلما رأيته منحطا ظننت انه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي أما رأيته كلما ارتفع صغر انه ليس شئ يدنو من الرب إلا صغر لعظمته ان هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بين عينيه من يلقوتة حمراء فاذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم يلقيه الينا فنسعى به في السماوات والارض انه لادنى خلق الرحمن منه وبينه وبينه سبعون حجابا من نور تقطع دونها الابصار ما لا يعد ولا يوصف واني لاقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة الف عام وقوله: (وما منع الناس ان يؤمنوا إذ جاء‌هم الهدى إلا ان قالوا أبعث الله بشرا رسولا) قال


                        ___________________________________
                        (1) كركم: العلك ق م.
                        (2) أي مقدار نصف القوس.ج.ز.

                        [29]

                        قال الكفار: لم لم يبعث الله الينا الملائكة؟ فقال الله عزوجل: (ولو بعثنا اليهم ملكا لما آمنوا ولهلكوا ولو كانت الملائكة في الارض يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) وقوله: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) قال: على جباههم (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) اي كلما انطفت فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن سيف بن عميرة يرفعه إلى علي بن الحسين عليهما السلام قال: إن في جهنم واديا يقال له سعير إذا خبت جهنم فتح سعيرها وهو قوله: كلما خبت زدناهم سعيرا اي كلما انطفت وقوله: (قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لامسكتم خشية الانفاق وكان الانسان قتورا) قال: لو كانت الاموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة النفاد (وكان الانسان قتورا) اي بخيلا واما قوله: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) فقال: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والعصا ويده والبحر وقوله يحكى قول موسى (واني لاظنك يا فرعون مثبورا) اي هالكا تدعو بالثبور وفي رواية ابي الجارود في قوله: (فأراد ان يستفزهم من الارض) اي اراد ان يخرجهم من الارض وقد علم فرعون وقومه ما أنزل تلك الآيات إلا الله واما قوله: (فاذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) يقول جميعا وفي رواية علي بن ابراهيم (فأراد) يعني فرعون (ان يستفزهم من الارض) أي يخرجهم من مصر (فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الارض فاذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) أي من كل ناحية وقوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) اي على مهل (ونزلناه تنزيلا) ثم قال: يا محمد (قل آمنوا به اولا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله) يعني من أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله (إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا) قال: الوجه (ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)

                        [30]

                        وهم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله، وحدثني ابي عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع باذنك واقرأ ما بين ذلك وحدثنى ابي عن الصباح عن اسحاق بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: رفع الصوت عاليا ومخافته ما لم تسمع نفسك، قال قلت له: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها قال: يسجد ما بين طرف شعره فان لم يقدر سجد على حاجبه الايمن فان لم يقدر فعلى حاجبه الايسر فان لم يقدر فعلى ذقنه قلت: على ذقنه قال: نعم أما تقرأ كتاب الله عزوجل " يخرون للاذقان سجدا " وروي ايضا عن ابي جعفر الباقر عليه السلام في قوله: " ولا تج‍؟ ر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: الاجهار ان ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك والاخفات ان لا تسمع من معك إلا يسيرا ثم قال: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) قال: لم يذل فيحتاج إلى ولي فينصره.

                         

                        Comment

                        • راية اليماني
                          مشرف
                          • 05-04-2013
                          • 3021

                          #27
                          رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                            

                          سورة الكهف


                          مكية وآياتها مأة وعشر


                          (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما) قال: هذا مقدم ومؤخر لان معناه الذي انزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا، فقد قدم حرف على حرف (لينذر بأسا شديدا من لدنه) يعني يخوف ويحذرهم عذاب الله عزوجل (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم اجرا حسنا ماكثين فيه ابدا) يعني في الجنة (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم) ما قالت قريش حين زعموا ان الملائكة بنات

                          [31]

                          الله وما قالت اليهود والنصارى في قولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله فرد الله عليهم فقال: (ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون إلا كذبا) ثم قال: (فلعلك - يا محمد - باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله " فلعلك باخع نفسك " يقول قاتل نفسك على آثارهم واما اسفا يقول حزنا وقال علي بن ابراهيم في قوله: (إنا جعلنا ما على الارض زينة لها) يعني الشجر والنبات وكلما خلقه الله في الارض (لنبلوهم) اي نختبرهم (ايهم احسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا) يعني خرابا وفي رواية ابي الجارود في قوله تعالى صعيدا جرزا اي لا نبات فيها.
                          وقوله: (ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) يقول قد آتيناك من الآيات ما هو اعجب منه، وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى ابن مريم ومحمد صلى الله عليه وآله، واما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم اي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم، قال علي بن ابراهيم فحدثني ابي عن ابن عمير عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان سبب نزولها يعنى سورة الكهف ان قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران، النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن ابي معيط والعاص بن وائل السهمي ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا: سلوه عن ثلاث مسائل فان أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثم سلوه عن مسألة واحدة فان ادعى علمها فهو كاذب قالوا: وما هذه المسائل؟ قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزمن الاول فخرجوا وغابوا وناموا وكم بقوا في نومهم حتى انتبهوا؟ وكم كان عددهم؟ واي شئ كان معهم من غيرهم وما كان قصتهم؟ واسألوه عن موسى حين امره الله ان

                          [32]

                          يتبع العالم ويتعلم منه من هو وكيف تبعه وما كان قصته معه؟ واسألوه عن طايف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد ياجوج وماجوج من هو وكيف كان قصته؟ ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل وقالوا لهم ان اجابكم بما قد املينا عليكم فهو صادق وان اخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه، قالوا: فما المسألة الرابعة؟ قال: سلوه متى تقوم الساعة؟ فان ادعى علمها فهو كاذب فان قيام الساعة لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى.
                          فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى ابي طالب عليه السلام فقالوا: يا ابا طالب إن ابن اخيك يزعم ان خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فان أجابنا عنها علمنا انه صادق وإن لم يجبنا علمنا انه كاذب، فقال ابوطالب: سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث مسائل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: غدا اخبركم ولم يستثن(1) فاحتبس الوحي عليه اربعين يوما حتى اغتم النبي صلى الله عليه وآله وشك اصحابه الذين كانوا آمنوا به وفرحت قريش واستهزؤا وآذوا وحزن ابوطالب، فلما كان بعد اربعين يوما نزل عليه بسورة الكهف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل لقد أبطأت؟ فقال: إنا لا نقدر أن ننزل إلا باذن الله فأنزل (ام حسبت) يا محمد (ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) ثم قص قصتهم فقال: (إذ آوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) فقال الصادق عليه السلام: إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الاصنام فمن لم يجبه قتله وكان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عزوجل ووكل الملك بباب المدينة وكلاء ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للاصنام فخرج هؤلاء بحيلة الصيد وذلك انهم مروا براع في


                          ___________________________________
                          (1) اي لم يقل لفظة إن شاء الله. ج.ز.

                          [33]

                          طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم فقال الصادق عليه السلام: فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة، حمار بلعم بن باعوراء وذئب يوسف وكلب اصحاب الكهف، فخرج اصحاب الكهف من المدينة بحيلة الصيد هربا من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم فألقى الله عليهم النعاس كما قال الله تعالى فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا، فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ها هنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوما او بعض يوم ثم قالوا لواحد منهم خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكرا لا يعرفوك فاشتر لنا طعاما فانهم إن علموا بنا وعرفونا يقتلونا او يردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف الذي عهدها ورأى قوما بخلاف اولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم، فقالوا له: من انت ومن اين جئت؟ فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع اصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف وأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم وقال بعضهم: خمسة وسادسهم كلبهم وقال بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم وحجبهم الله عزوجل بحجاب من الرعب فلم يكن احد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فانه لما دخل اليهم وجدهم خائفين ان يكون اصحاب دقيانوس شعروا بهم فأخبرهم صاحبهم انهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل وانهم آية للناس فبكوا وسألوا الله تعالى ان يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ثم قال الملك، ينبغي ان نبني ههنا مسجدا ونزوره فان هؤلاء قوم مؤمنون، فلهم في كل سنة نقلتان ينامون ستة اشهر على جنوبهم اليمنى وستة اشهر على جنوبهم اليسرى والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف وذلك قوله: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أي بالفناء (وكذلك اعثرنا

                          [34]

                          عليهم) وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف قوله: (سبعة وثامنهم كلبهم) فقال الله لنبيه: (قل لهم ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) ثم انقطع خبرهم فقال: (ولا تمار فيهم إلا مراء‌ا ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا إلا ان يشاء الله) اخبره انه انما حبس الوحي عنه اربعين صباحا لانه قال لقريش غدا اخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن فقال الله: (ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا إلا ان يشاء الله - إلى قوله - رشدا) ثم عطف على الخبر الاول الذي حكى عنهم انهم يقولون ثلاثة رابعهم كلبهم فقال (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) وهو حكاية عنهم ولفظه خبر والدليل على انه حكاية عنهم قوله: (قل الله اعلم بما لبثوا له غيب السموات والارض) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) يعني جورا على الله ان قلنا ان له شريكا وقوله (لولا يأتون عليهم بسلطان بين) يعني بحجة بينة ان معه شريكا وقوله: (وتحسبهم إيقاظا وهم رقود) يقول ترى اعينهم مفتوحة وهم رقود يعني نيام (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الارض وقوله: (فلينظر ايها ازكى طعاما) يقول ايها أطيب طعاما (فليأتكم برزق منه) إلى قوله (وكذلك اعثرنا عليهم) يعني اطلعنا على الفتية (ليعلموا ان وعد الله حق) في البعث (والساعة لا ريب فيها) يعني لا شك فيها بانها كائنة وقوله (رجما) يعني ظنا (بالعيب) ما يستفتونهم وقوله (ولا تمار فيهم إلا مراء‌ا ظاهرا) يقول حسبك ما قصصنا عليك من امرهم (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) يقول لا تسأل عن أصحاب الكهف أحدا من اهل الكتاب.
                          وقوله: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا) فهذه نزلت في سلمان

                          [35]

                          الفارسي كان عليه كساء فيه يكون طعامه وهو دثاره ورداؤه وكان كساء من صوف فدخل عيينة بن حصين على النبي صلى الله عليه وآله وسلمان عنده، فتأذى عيينة بريح كساء سلمان وقد كان عرق فيه وكان يوم شديد الحر فعرق في الكساء، فقال: يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فأخرج هذا واصرفه من عندك فاذا نحن خرجنا فأدخل من شئت فأنزل الله (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري وقال علي بن ابراهيم في قوله (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها) فقال ابوعبدالله عليه السلام نزلت هذه الآية هكذا وقل الحق من ربكم يعني ولاية علي عليه السلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين آل محمد نارا احاط بهم سرادقها (وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) قال المهل الذي يبقى في اصل الزيت المغلي (يشوي الوجوه بئس الشراب وساء‌ت مرتفقا) ثم ذكر ما أعد الله للمؤمنين فقال: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات - إلى قوله - وحسنت مرتفقا) وقوله (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) قال: نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان كثيرا التمار كما حكى الله عزوجل وفيهما نخل وزرع وكان له جار فقير فافتخر الغني على ذلك الفقير وقال له (أنا اكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته) أي بستانه وقال (ما اظن ان تبيد هذه ابدا وما اظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا) فقال له الفقير: (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا) ثم قال الفقير للغني: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ان ترن أنا اقل منك مالا وولدا) ثم قال الفقير: (فعسى ربي ان يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا) اي محترقا

                          [36]

                          (او يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا) فوقع فيها ما قال الفقير في تلك الليلة وأصبح الغني (يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي احدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) فهذه عقوبة البغي وقوله: (واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء - إلى قوله - وخير أملا) فانه حدثنى ابي عن بكر بن محمد الازدي عن ابى عبدالله عليه السلام قال سمعته يقول ايها الناس آمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا ولم يباعدا رزقا فان الامر ينزل من السماء إلى الارض كقطر المطر في كل يوم إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة او نقصان في اهل او مال او نفس وإذا اصاب احدكم مصيبة في مال او نفس ورأى عند أخيه عفوة(1) فلا يكونن له فتنة فان المرء المسلم ما لم يغش دناء‌ة تظهر ويخشع لها إذا ذكرت ويغرى بها لئام الناس كالياسر الفالج الذي ينتظر أول فوز من قداحه يوجب له بها المغنم ويدفع عنه المغرم كذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة والكذب ينتظر إحدى الحسنيين إما داعيا من الله فما عند الله خير له وإما رزقا من الله فهو ذو اهل ومال ومعه دينه وحسبه والمال والبنون وهو حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لاقوام.
                          وقوله: (ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا) فانه سئل عن قوله: ويوم نحشر من كل امة فوجا فقال ما يقول الناس فيها؟ قلت يقولون انها في القيامة فقال ابوعبدالله عليه السلام يحشر الله في يوم القيامة من كل امة فوجا ويذر الباقين؟ انما ذلك في الرجعة فاما آية القيامة فهذه " وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا وعرضوا على ربك صفا - إلى قوله - موعدا "


                          ___________________________________
                          (1) عفوة الشئ صفوته مجمع.

                          [37]

                          فهو محكم قال (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين - إلى قوله - ولا يظلم ربك أحدا) قال يجدون كلما عملوا مكتوبا وقوله (وما كنت متخذ المضلين عضدا) اي ناصرا وقوله (وجعلنا بينهم موبقا) اي سترا وقوله (ورأى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها) اي علموا فهذا ظن يقين وقوله (وما منع الناس ان يؤمنوا إذ جاء‌هم الهدى - إلى قوله - ويجادل الذين كفروا بالباطل) اي يخاصمون بالباطل (ليدحضوا به الحق) اي يدفعوه (واتخذوا آياتى - إلى قوله - لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد) فهو محكم وقوله (ولن يجدوا من دونه موئلا) اي ملجأ (وتلك القرى) اي اهل القرى (اهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) اي يوم القيامة يدخلون النار فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا اخبرنا عن العالم الذي امر الله موسى عليه السلام ان يتبعه وما قصته؟ فأنزل الله عزوجل (وإذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا) قال وكان سبب ذلك انه لما كلم الله موسى تكليما وانزل عليه الالواح وفيها كما قال الله تعالى: وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم ان الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه قال في نفسه ما خلق الله خلقا اعلم مني فأوحى الله إلى جبرئيل ان ادرك موسى فقد هلك وأعلمه ان عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلا أعلم منك فصر اليه وتعلم من علمه، فنزل جبرئيل على موسى عليه السلام وأخبره فذل موسى في نفسه وعلم انه أخطأ ودخله الرعب وقال لوصيه يوشع بن نون: إن الله قد أمرنى ان أتبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلم منه، فتزود يوشع حوتا مملوحا وخرجا فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه، فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحي الحوت ودخل في الماء فمضى

                          [38]

                          موسى ويوشع معه حتى عشيا فقال موسى لوصيه (آتنا غداء‌نا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) اي عناء‌ا فذكر وصيه السمك فقال لموسى: إنى نسيت الحوت على الصخرة فقال موسى: ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فرجعا على (آثارهما قصصا) اي عند الرجل وهو في صلاته فقعد موسى حتى فرغ من صلاته فسلم عليهما.
                          فحدثني محمد بن علي بن بلال عن يونس قال: اختلف يونس وهشام بن ابراهيم في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان اعلم وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه فقال قاسم الصيقل: فكتبوا ذلك إلى ابى الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك فكتب في الجواب: اتى موسى العالم فأصابه وهو في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا وإما متكئا فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس فيها سلام قال: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، قال: أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما؟ قال: نعم، قال: فما حاجتك؟ قال: جئت ان تعلمن مما علمت رشدا قال: إني وكلت بأمر لا تطيقه ووكلت أنت بأمر لا أطيقه، ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد من البلاء وكيد الاعداء حتى اشتد بكماؤهما ثم حدثه العالم عن فضل آل محمد حتى جعل موسى يقول يا ليتني كنت من آل محمد، وحتى ذكر فلانا وفلانا وفلانا ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه وذكر له من تأويل هذه الآية " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " حين أخذ الميثاق عليهم فقال له موسى (هل أتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا) فقال الخضر: (انك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) فقال موسى عليه السلام: (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك امرا) قال الخضر: (فان اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا) يقول

                          [39]

                          لا تسألني عن شئ أفعله ولا تنكره علي حتى أنا اخبرك بخبره قال: نعم، فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر وقد شحنت سفينة وهي تريد ان تعبر فقال لارباب السفينة: تحملوا هؤلاء الثلاثة نفر فانهم قوم صالحون، فحملوهم فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر إلى جوانب السفينة فكسرها وأحشاها بالخرق والطين، فغضب موسى غضبا شديدا وقال للخضر: (اخرقتها لتغرق اهلها لقد جئت شيئا أمرا) فقال له الخضر عليه السلام: (الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا) قال موسى: (لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا) فخرجوا من السفينة فمروا فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر في اذنيه درتان، فتأمله الخضر ثم اخذه فقتله، فوثب موسى على الخضر وجلد به الارض فقال: (أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) فقال الخضر: (الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا) قال موسى: (إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا اهل قرية) بالعشي تسمى الناصرة واليها ينتسب النصارى ولم يضيفوا أحدا قط ولم يطعموا غريبا فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم فنظر الخضر عليه السلام إلى حائط قد زال لينهدم فوضع الخضر يده عليه وقال: قم باذن الله فقام فقال موسى لن ينبغ لك ان تقيم الجدار حتى يطعمونا ويأوونا وهو قوله (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) فقال له الخضر: (هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا اما السفينة) التي فعلت بها ما فعلت فانها كانت لقوم (مساكين يعملون في البحر فأردت ان اعيبها وكان وراء‌هم) اي وراء السفينة (ملك يأخذ كل سفينة) صالحة (غصبا) كذا نزلت وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا (واما الغلام فكان أبواه مؤمنين) وطبع كافرا، كذا نزلت، فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب طبع كافرا (فخشينا ان يرهقهما طغيانا

                          [40]

                          وكفرا فأردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة وأقرب رحما) فأبدل الله لوالديه بنتا وولدت سبعين نبيا، واما الجدار الذي اقمته (فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك ان يبلغا أشدهما - إلى قوله - ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا).
                          حدثنى ابي عن محمد بن ابي عمير عن معاوية بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بسم الله لا إله إلا الله محمد رسول الله والائمة حجج الله عجب لمن يعلم ان الموت حق كيف يفرح، عجب لمن يؤمن بالقدر كيف يفرق(1)، عجب لمن يذكر النار كيف يضحك، عجب لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن اليها، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: وإذ قال موسى لفتاه وهو يوشع بن نون وقوله: لا ابرح يقول لا ازال حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا قال الحقب ثمانون سنة وقوله: لقد جئت شيئا امرا هو النكر وكان موسى ينكر الظلم فأعظم ما رأى.
                          قال على بن ابراهيم: فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بخبر موسى وفتاه والخضر قالوا فأخبرنا عن طايف طاف المشرق والمغرب من هو وما قصته؟ فأنزل الله (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا) اي دليلا (فاتبع سببا) حدثنا جعفر بن احمد عن عبدالله بن موسى عن الحسن بن على عن (بن ك) ابي حمزة عن ابيه عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألته عن قول الله: (يسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا قال ان ذا القرنين بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه الايمن فأماته الله خمسمائة عام بعثه اليهم بعد ذلك فضربوه على قرنه الايسر فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه اليهم بعد ذلك فملكه مشارق الارض ومغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب فهو قوله (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها


                          ___________________________________
                          (1) فرق كفرح فزع.ق.

                          [41]

                          تغرب في عين حمأة - إلى قوله - عذابا نكرا) قال في النار فجعل ذو القرنين بينهم بابا من نحاس وحديد وزفت(1) وقطران(2) فحال بينهم وبين الخروج ثم قال ابوعبدالله عليه السلام: ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه الف ولد ذكر ثم قال هم اكثر خلق خلقوا بعد الملائكة وسئل امير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين نبيا كان أم ملكا؟ فقال: لا نبي ولا ملك بل انما هو عبد احب الله فأحبه ونصح لله فنصح له، فبعثه الله إلى قومهفضربوه على قرنه الايمن فغاب عنهم ما شاء الله ان يغيب ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم ما شاء الله ان يغيب ثم بعثه ثالثة فمكن الله له في الارض وفيكم مثله يعني نفسه (حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) قال لم يعلموا صنعة الثياب (ثم اتبع سببا) اي دليلا (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا - إلى قوله - آتوني زبر الحديد) فأمرهم ان يأتوه بالحديد فأتوا به فوضعه بين الصدفين يعني بنى الجبلين حتى سوى بينهما ثم امرهم ان يأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا فأشعلوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار ثم صب عليه القطر وهو الصفر حتى سده وهو قوله: " حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا - إلى قوله - نقبا " فقال ذو القرنين: (هذا رحمة من ربي فاذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا) قال إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السد وخرج ياجوج ومأجوج إلى الدنيا واكلوا الناس وهو قوله: " حتى إذا فتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون "


                          ___________________________________
                          (1) نوع من القير.
                          (2) بفتح القاف وكسر الطاء او سكونها او بكسر القاف وسكون الطاء: مادة يطلى بها جرب الابل فيحرقه.
                          مجمع.

                          [42]

                          قال فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان اذا مر بقرية زأر فيها كما يزأر الاسد المغضب، فينبعث في القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق تهلك من ناواه وخالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له اهل المشرق والمغرب، فقال أمير المؤمنين عليه السلام وذلك قوله عزوجل: (إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا) اي دليلا، فقيل له ان لله في ارضه عينا يقال لها عين الحياة لا يشرب منها ذو روح إلا لم يمت حتى الصيحة، فدعا ذو القرنين الخضر وكان افضل أصحابه عنده ودعا بثلاثمائة وثلاثين (وستين ط) رجلا ودفع إلى كل واحد منهم سمكة وقال لهم اذهبوا إلى موضع كذا وكذا فان هناك ثلاثمائة وثلاثين عينا فليغسل كل واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه، فذهبوا يغسلون وقعد الخضر يغسل فانسابت السمكة منه في العين وبقي الخضر متعجبا مما رأى وقال في نفسه ما اقول لذي القرنين ثم نزع ثيابه يطلب السمكة فشرب من مائها ولم يقدر على السمكة فرجعوا إلى ذي القرنين فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه فلما انتهوا إلى الخضر لم يجدوا معه شيئا، فدعاه وقال له: ما حال السمكة؟ فأخبره الخبر فقال له: فصنعت ماذا؟ قال: اغنمست فيها فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها، قال: فشربت من مائها؟ قال: نعم، قال: فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها فقال للخضر: كنت انت صاحبها.
                          فحدثني ابى عن يوسف بن ابى حماد عن ابى عبدالله عليه السلام قال: لما اسري برسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء وجد ريحا مثل ريح المسك الاذفر فسأل جبرئيل عليه السلام عنها، فأخبره انها تخرج من بيت عذب فيه قوم في الله حتى ماتوا ثم قال له: إن الخضر كان من أبناء الملوك فآمن بالله وتخلى في بيت في دار ابيه يعبد الله ولم يكن لابيه ولد غيره فأشاروا على ابيه ان يزوجه فلعل الله ان يرزقه ولدا فيكون الملك فيه وفي عقبه فخطب له امرأة بكرا وأدخلها عليه فلم يلتفت الخضر

                          [43]

                          اليها فلما كان في اليوم الثانى قال لها: تكتمين على أمري؟ فقالت: نعم قال لها: إن سألك ابى هل كان مني اليك ما يكون من الرجال إلى النساء فقولي نعم، فقالت افعل فسألها الملك عن ذلك فقالت نعم وأشار عليه الناس أن يأمر النساء ان يفتشنها فأمر بذلك فكانت على حالها فقالوا: ايها الملك زوجت الغر من الغرة(1) زوجه امرأة ثيبا فزوجه فلما أدخلت عليه سألها الخضر ان تكتم عليه أمره فقالت: نعم فلما ان سألها الملك قالت له ايها الملك ان ابنك امرأة فهل تلد المرأة من المرأة، فغضب عليه وأمر بردم الباب عليه فردم فلما كان اليوم الثالث حركته رقة الآباء فأمر بفتح الباب ففتح فلم يجدوه فيه وأعطاه الله من القوة انه يتصور كيف يشاء ثم كان على مقدمة ذي القرنين وشرب من الماء الذي من شرب منه بقي إلى الصيحة.
                          قال: فخرج من مدينة ابيه رجلان في تجارة في البحر حتى وقعا في جزيرة من جزائر البحر فوجدا فيها الخضر عليه السلام قائما يصلي فلما انتقل دعاهما فسألهما عن خبرهما فأخبراه فقال لهما: هل تكتمان علي أمري ان رددتكما في يومكما هذا إلى منازلكما؟ فقالا: نعم، فنوى أحدهما ان يكتم امره ونوى الآخر ان يرده إلى منزله اخبر أباه بخبره فدعا الخضر سحابة وقال لها احملي هذين إلى منازلهما فحملتهما السحابة حتى وضعتهما في بلدهما من يومهما فكتم أحدهما امره وذهب الآخر إلى الملك فأخبره بخبره فقال له الملك: من يشهد لك بذلك؟ قال: فلان التاجر فدل على صاحبه فبعث الملك اليه فلما حضر انكره وانكر معرفة صاحبه، فقال له الاول ايها الملك ابعث معي خيلا إلى هذه الجزيرة واحبس هذا حتى آتيك بابنك فبعث معه خيلا فلم يجدوه فأطلق عن الرجل الذي كتم عليه ثم ان القوم عملوا بالمعاصي


                          ___________________________________
                          (1) أي من لا عقل له لصغر سنه.ج.ز.

                          [44]

                          فأهلكهم الله وجعل مدينتهم عاليها سافلها وابتدرت الجارية التي كتمت عليه امره والرجل الذي كتم عليه كل واحد منهما ناحية من المدينة فلما أصبحا التقيا فأخبر كل واحد منها صاحبه بخبره فقالا ما نجونا إلا بذلك فآمنا برب الخضر وحسن إيمانهما وتزوج بها الرجل ووقعا إلى مملكة ملك آخر وتوصلت المرأة إلى بيت الملك وكانت تزين بنت الملك فبينما هي تمشطها يوما إذ سقط من يدها المشط فقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت لها بنت الملك: ما هذه الكلمة؟ فقالت لها ان لي إلها تجري الامور كلها بحوله وقوته فقالت لها بنت الملك ألك إله غير أبي؟ قالت: نعم وهو إلهك وإله أبيك فدخلت بنت الملك على ابيها فأخبرت أباها ما سمعت من هذه المرأة فدعاها الملك فسألها عن خبرها، فأخبرته فقال لها من على دينك؟ قالت زوجي وولدي فدعاهما الملك فأمرهما بالرجوع عن التوحيد فأبوا عن ذلك فدعا بمرجل من ماء فأسخنه وألقاهم فيه فأدخلهم بيتا وهدم عليهم البيت، فقال جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه وآله فهذه الرائحة التي شممتها من ذلك البيت.
                          وعنه قال: أقبل امير المؤمنين عليه السلام يوما ويده على عاتق سلمان ومعه الحسن عليه السلام حتى دخل المسجد فلما جلس جاء‌ه رجل عليه برد خز فسلم وجلس بين يدي امير المؤمنين فقال: يا امير المؤمنين أريد أن أسألك عن مسائل فان انت خرجت منها علمت ان القوم نالوا منك وانت أحق بهذا الامر من غيرك وان انت لم تخرج منها علمت انك والقوم شرع سواء(1) فقال له امير المؤمنين: سل ابني هذا يعني الحسن فأقبل الرجل بوجهه على الحسن عليه السلام فقال له: يا بني اخبرني عن الرجل إذا نام اين تكون روحه؟ وعن الرجل يسمع الشئ فيذكره دهرا ثم ينساه في وقت الحاجة اليه كيف هذا؟ وأخبرني عن الرجل يلد له الاولاد منهم


                          ___________________________________
                          (1) الشرع كالطفل والشرع كالفرح: المثل.ج.ز.

                          [45]

                          من يشبه أباه وأعمامه ومنهم من يشبه امه وأخواله فكيف هذا؟ فقال له الحسن عليه السلام: نعم اما الرجل إذا نام فان روحه تخرج مثل شعاع الشمس فتعلق بالريح والريح بالهوى فاذا أراد الله ان ترجع جذب الهوى الريح وجذب الريح الروح فرجعت إلى البدن وإذا أراد الله ان يقبضها جذب الهوى الريح وجذبت الريح الروح فيقبضها اليه واما الرجل الذي ينسى الشئ ثم يذكره فما من احد إلا على رأس فؤاده حقة مفتوحة الرأس فاذا سمع الشئ وقع فيها فاذا اراد الله ان ينسيها اطبق عليها وإذا اراد الله ان يذكره فتحها وهذا دليل الالهية، واما الرجل الذي يلد له أولاد فاذا سبق ماء الرجل ماء المرأة فان الولد يشبه أباه وعمومته وإذا سبقت ماء المرأة ماء الرجل يشبه امه وأخواله فالتفت الرجل إلى امير المؤمنين عليه السلام فقال: أشهد ان لا إله إلا الله ولم أزل اقولها وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ولم أزل أقولها وأشهد انك وصي محمد وخليفته في امته وامير المؤمنين حقا حقا وان الحسن القائم بأمرك من بعدك وان الحسين القائم من بعده بأمره وان علي ابن الحسين القائم بأمره من بعده وان محمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ووصي الحسن ابن علي القائم بالقسط المنتظر الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ثم قام وخرج من باب المسجد فقال امير المؤمنين عليه السلام للحسن: هذا اخي الخضر قال: فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بخبر اصحاب الكهف وخبر الخضر وموسى وخبر ذي القرنين قالوا قد بقيت مسألة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هي؟ قالوا: متى تقوم الساعة فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الساعة ايان مرسيها قل انما علمها عند ربي...الخ) فهذا كان سبب نزول سورة الكهف وهذه الآية " يسألونك عن الساعة ايان مرسيها " في سورة الاعراف وكان الواجب ان تكون في هذه السورة وقوله (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) اي

                          [46]

                          يختلطون (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا) قال: كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله من الآيات والسماوات والارض وقوله: (أفحسب الذين - إلى قوله - إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا) اي منزلا وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) قال: هم النصارى والقسيسون والرهبان واهل الشبهات والاهواء من اهل القبلة والحرورية واهل البدع وقال علي بن ابراهيم نزلت في اليهود وجرت في الخوارج (اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) قال: اى حسنة (ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا) يعني بالآيات الاوصياء اتخذوها هزوا ثم ذكر المؤمنين بهذه الآيات فقال (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) اي لا يحولون ولا يسألون التحويل عنها واما قوله: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا) حدثنا محمد بن (جعفر خ ل) احمد عن عبدالله (عبيدالله ط) بن موسى عن الحسن بن علي بن ابى حمزة عن ابيه عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام في قوله: " خالدين فيها لا يبغون عنها حول " قال: خالدين فيها لا يخرجون منها ولا يبغون عنها حولا قال: لا يريدون بها بدلا قلت قوله " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى الخ " قال: قد أخبرك ان كلام الله ليس له آخر ولا غاية ولا ينقطع أبدا قلت قوله: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " قال: هذه نزلت في ابى ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا اي مأوى ومنزلا، قال: ثم قال قل يا محمد (انما أنا بشر مثلكم

                          [47]

                          يوحى إلي انما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) فهذا الشرك شرك رياء وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قول الله " فمن كان يرجو لقاء ربه...الخ " فقال: من صلى مرائاة الناس فهو مشرك ومن زكى مرائاة الناس فهو مشرك ومن صام مرائاة الناس فهو مشرك ومن حج مرائاة الناس فهو مشرك ومن عمل عملا مما امر الله به مرائاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عمل مرائاة.
                          حدثنا جعفر بن احمد عن عبيدالله (عبدالله ط) بن موسى عن الحسن (بن حمزة ط) بن علي بن ابي حمزة عن ابيه والحسين (الحسن ط) بن ابي العلا وعبدالله بن وضاح وشعيب العقرقوفي جميعهم عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله: انما أنا بشر مثلكم قال: يعني في الخلق انه مثلهم مخلوق يوحى إلي - إلى قوله - بعبادة ربه أحدا " قال: لا يتخذ مع ولاية آل محمد ولاية غيرهم وولايتهم العمل الصالح فمن أشرك بعبادة ربه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها وجحد امير المؤمنين عليه السلام حقه وولايته قلت قوله: " الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري " قال: يعني بالذكر ولاية علي عليه السلام وهو قوله ذكري، قلت قوله " لا يستطيعون سمعا " قال: كانوا لا يستطيعون إذا ذكر علي عليه السلام عندهم ان يسمعوا ذكره لشدة بغض له وعداوة منهم له ولاهل بيته قلت قوله " أفحسب الذين كفروا ان يتخذوا عبادي من دوني اولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " قال (ع): يعنيهما واشياعهما الذين اتخذوهما من دون الله اولياء وكانوا يرون انهم بحبهم إياهما انهما ينجيانهم من عذاب الله وكانوا بحبهما كافرين، قلت قوله " إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " اي منزلا فهي لهما ولاشياعهما عتيدة عند الله، قلت قوله: نزلا قال: مأوى ومنزلا.

                            

                          Comment

                          • راية اليماني
                            مشرف
                            • 05-04-2013
                            • 3021

                            #28
                            رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                              

                            سورة مريم
                            مكية وآياتها ثمان وتسعون
                            (بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص قال: حدثنا جعفر بن احمد (محمد ط) عن عبيدالله (عبدالله ط) عن الحسن بن علي عن ابيه عن ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) قال هذه كهيعص اسماء الله مقطعة واما قوله كهيعص قال الله هو الكافي الهادي العالم (ذو الايادي الصابر على الاعادي ك) الصادق ذو الايادي العظام وهو قوله كما وصف نفسه تبارك وتعالى، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) يقول ذكر ربك زكريا فرحمه (إذ نادى ربه نداء‌ا خفيا قال رب اني وهن العظم مني) يقول الضعف (ولم أكن بدعائك رب شقيا) يقول لم يكن دعائي خائبا عندك (واني خفت الموالي من ورائي) يقول خفت الورثة من بعدي (وكانت امرأتي عاقرا) ولم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه ويرثه وكانت هدايا بني إسرائيل ونذورهم للاخبار وكان زكريا رئيس الاخبار وكانت امرأة زكريا اخت مريم بنت عمران بن ماثان، وبنو ماثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم وهم من ولد سليمان بن داود فقال زكريا (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) يقول لم يسم باسم يحيى أحد قبله (قال رب انى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) فهو اليؤس قال (كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) صحيحا من غير مرض، وعن علي بن ابراهيم قال ثم قص الله عزوجل خبر مريم (ع) فقال: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) قال: خرجت إلى
                            [49]
                            النخلة اليابسة (فاتخذت من دونهم حجابا) قال في محرابها (فأرسلنا اليها روحنا) يعني جبرئيل عليه السلام (فتمثل لها بشرا سويا قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا) يعنى ان كنت من يتقى الله قال لها جبرئيل (انما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا) فأنكرت ذلك لانها لم يكن في العادة ان تحمل المرأة من غير فحل فقالت (انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا) ولم يعلم جبرئيل ايضا كيفية القدرة فقال لها (كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا) قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة وكان حملها تسع ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرئيل عليه السلام وهزي اليك بجذع النخلة اي هزي النخلة اليابسة فهزت، وكان ذلك اليوم سوق فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم اين النخلة اليابسة؟ فاستهزؤا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم بورا وجعلكم في الناس عارا ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم مريم جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس اليكم، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى عليه السلام فلما نظرت اليه قالت (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) ماذا أقول لخالي وماذا أقول لبني إسرائيل (فناديها) عيسى (من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) اي نهرا (وهزي اليك بجذع النخلة) اي حركي النخلة (تساقط عليك رطبا جنيا) اي طيبا وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل، فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها.
                            فقال لها عيسى قمطيني وسويني ثم افعلي كذا كذا فقمطته وسوته وقال لها عيسى (كلي واشربي وقري عينا فأما ترين من البشر أحدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما) وصمتا كذا نزلت (فلن أكلم اليوم انسيا) ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج خالها
                            [50]
                            زكريا فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء اليها بنو إسرائيل وزكريا (فقالوا لها يا مريم لقد جئت شيئا فريا اى عظيما من المناهى يا اخت هرون ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا) ومعنى قولهم: يا اخت هارون ان هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به من اين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته لبني إسرائيل، فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) فأنطق الله عيسى ابن مريم عليه السلام فقال: (إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا - إلى قوله - ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) اي يخاصمون فقال الصادق عليه السلام في قوله " وأوصاني بالصلوة والزكوة " قال زكاة الرؤوس لان كل الناس ليس لهم اموال وانما الفطرة على الفقير والغني والصغير والكبير، حدثنى محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن احمد عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبدالله بن جبلة عن رجل عن ابي عبدالله صلوات الله عليه في قوله " وجعلني مباركا اين ما كنت " قال نفاعا.
                            وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) فانه حدثنى ابى عن الحسن بن محبوب عن ابى ولاد الحناط عن ابى عبدالله عليه السلام قال سئل عن قوله " وانذرهم يوم الحسرة " قال: ينادي مناد من عند الله وذلك بعد ما صار اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار يا اهل الجنة ويا اهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور فيقولون لا فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم ينادون جميعا اشرفوا وانظروا إلى الموت فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح ثم يقال يا اهل الجنة خلود فلا موت ابدا ويا اهل النار خلود فلا موت ابدا وهو قوله " وانذرهم يوم الحسرة إذ قضي الامر وهم في غفلة " اي قضي على اهل الجنة بالخلود وعلى اهل
                            [51]
                            النار بالخلود فيها وقوله (إنا نحن نرث الارض ومن عليها) قال كل شئ خلقه الله يرثه الله يوم القيامة ثم قص عزوجل قصة ابراهيم عليه السلام فقال: (يا ابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا - إلى قوله - عسى ألا اكون بدعاء ربى شقيا فلما اعتزلهم) يعنى ابراهيم عليه السلام (وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا) يعنى لابراهيم واسحاق ويعقوب من رحمتنا، رسول الله صلى الله عليه وآله (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) يعنى امير المؤمنين عليه السلام حدثني بذلك ابى عن الحسن بن علي العسكري عليه السلام ثم ذكر موسى ثم ذكر اسماعيل عليه السلام فقال: " واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد) قال: وعد وعدا فلنتظر صاحبه سنة وهو اسماعيل بن حزقيل عليه السلام.
                            وقوله: (واذكر في الكتاب إدريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا) فانه حدثني ابى عن محمد بن ابى عمير عمن حدثه عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه وألقاه في جزيرة من جزائر البحر فبقي ما شاء الله في ذلك البحر فلما بعث الله إدريس (ع) جاز ذلك الملك اليه فقال: يا نبي الله ادع الله ان يرضى عنى ويرد علي جناحي، قال نعم فدعا إدريس فرد الله عليه جناحه ورضي عنه قال الملك لادريس ألك إلي حاجة قال: نعم أحب أن ترفعني إلى السماء حتى أنظر إلى ملك الموت فانه لا عيش لى مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه حتى انتهى به إلى السماء الرابعة فاذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبا فسلم إدريس على ملك الموت وقال له: مالك تحرك رأسك؟ قال: إن رب العزة أمرني ان اقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة فقلت: يا رب وكيف هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الثالثة إلى الثانية خمسمائة عام وكل سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا ثم قبض روحه بين السماء
                            [52]
                            الرابعة والخامسة وهو قوله (ورفعناه مكانا عليا) قال: وسمي إدريس لكثرة دراسته الكتب وقوله (فخلف من بعدهم خلف) وهو الدني (الردي خ ل) والدليل على ذلك قوله (اضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ثم استثنى عزوجل فقال: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا - إلى قوله - لا يسمعون فيها) يعني في الجنة (لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) قال ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة والدليل على ذلك قوله: بكرة وعشيا فالبكرة والعشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد وانما يكون الغدو والعشي في جنات الدنيا التي تنتقل اليها أرواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر.
                            وقوله عزوجل يحكي قول الدهرية الذين أنكروا البعث فقال: (ويقول الانسان ء‌إذا ما مت لسوف أخرج حيا أو لا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) اي لم يكن ثم ذكره وقوله (وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) يعنى في البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيامة، وفي حديث آخر هي منسوخة بقوله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون " أخبرنا احمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن احمد (احمد بن محمد خ ل) بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن ابى العلا عن ابى عبدالله (ع) في قوله " وان منكم إلا واردها " قال: أما تسمع الرجل يقول وردنا ماء بني فلان فهو الورد ولم يدخله وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وكم اهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا) قال: عني به الثياب والاكل والشرب، وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع) قال الاثاث المتاع واما رئيا فالجمال والمنظر الحسن وقال علي بن ابراهيم في قوله (حتى إذا رأوا ما يوعدون اما العذاب واما الساعة) قال العذاب القتل والساعة الموت وقوله: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) رد على من زعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص
                            [53]
                            وقوله: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا) قال: الباقيات الصالحات هو قول المؤمن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر.
                            وحدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيتها قيعان يقق(1) ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما امسكوا فقلت لهم ما لكم ربما بنيتم وربما امسكتم؟ فقالوا: حتى تجيئنا النفقة قلت لهم وما نفقتكم؟ فقالوا قول المؤمن في الدنيا: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر) فاذا قال بنينا وإذا امسك امسكنا وقوله (الم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازا) قال: نزلت في مانعي الخمس والزكاة والمعروف يبعث الله عليهم سلطانا او شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة والخمس في غير طاعة الله ويعذبه الله على ذلك وقوله (فلا تعجل عليهم انما نعد لهم عدا) فقال لي: ما هو عندك؟ قلت: عدد الايام، قال: لا ان الآباء والامهات ليحصون ذلك ولكن عدد الانفاس واما قوله (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) فانه حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن عبدالله بن شريك العامري عن ابي عبدالله (ع) قال: سأل على (ع) رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قوله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال: يا علي ان الوفد لا يكون إلا ركبانا اولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله واختصهم ورضي اعمالهم فسماهم الله المتقين ثم قال: يا علي أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلالا.
                            وفي حديث آخر قال: إن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت وجلالها الاستبرق والسندس وخطامها جدل
                            ___________________________________
                            (1) قيعان جمع قاع ارض سهلة.يقق محركة ككتف شديد البياض ج.ز
                            [54]
                            الارجوان(1) وازمتها من زبرجد فتطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم الف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الاعظم وعلى باب الجنة شجرة، الورقة منها يستظل تحتها مائة الف من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية فيسقون منها شربة فيطهر الله قلوبهم من الحسد ويسقط عن ابشارهم الشعر وذلك قوله: وسقاهم ربهم شرابا طهورا من تلك العين المطهرة ثم يرجعون إلى عين اخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون منها وهي عين الحياة فلا يموتون ابدا ثم يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والاسقام والحر والبرد ابدا، قال: فيقول الجبار للملائكة الذين معهم احشروا أوليائي إلى الجنة ولا تقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضائي عنهم ووجبت رحمتي لهم فكيف اريد ان اوقفهم مع اصحاب الحسنات والسيئات فتسوقهم الملائكة إلى الجنة فاذا انتهوا إلى باب الجنة الاعظم ضربوا الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها الله وأعدها لاوليائه فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة ويقول بعضهن لبعض قد جاء‌نا اولياء الله فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة فيشرف عليهم ازواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا اليكم، ويقول لهن اولياء الله مثل ذلك، فقال على (ع): من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: يا على هؤلاء شيعتك وشيعتنا المخلصون (لولايتك ط) وانت إمامهم وهو قول الله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لاوتين مالا وولدا) وذلك ان العاص
                            ___________________________________
                            (1) الجدل: كصحف جمع الجديل وهو الحبل المفتول، والارجوان: شجرة طيبة الرائحة زهرها وردي تظهر في مطلع الربيع. ج.ز.
                            [55]
                            ابن وائل بن هشام القرشي ثم السهمي وهو أحد المستهزئين وكان لخباب بن الارت على العاص بن وائل حق فأتاه يتقاضاه، فقال له العاص: ألستم تزعمون ان في الجنة الذهب والفضة والحرير قال بلى قال فموعد ما بيني وبينك الجنة فو الله لاوتين فيها خيرا مما اوتيت في الدنيا (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) الضد القرين الذي يقترن به.
                            حدثنا جعفر بن احمد قال: حدثنا عبيدالله (عبدالله ط) بن موسى قال: حدثنا الحسن ابن علي بن ابي حمزة عن ابيه عن ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) في قوله: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) يوم القيامة اي يكونون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله عليهم ضدا ويوم القيامة ويتبرؤن منهم وعن عبادتهم إلى يوم القيامة ثم قال: ليست العبادة هي السجود ولا الركوع وانما هي طاعة الرجال، من اطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده وقوله " إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازا " قال: لما طغوا فيها وفي فتنتها وفي طاعتهم مد لهم في طغيانهم وضلالهم ارسل عليهم شياطين الانس والجن تؤزهم ازا اي تنخسهم نخسا(1) وتحضهم على طاعتهم وعبادتهم فقال الله: " ولا تعجل عليهم انما نعد لهم عدا " اي في طغيانهم وفتنهم وكفرهم.
                            وقال علي بن ابراهيم في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن سليمان بن جعفر عن ابيه عن ابي عبدالله عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقص في مروته، قلت: يا رسول الله وكيف يوصي
                            ___________________________________
                            (1) نخس الدابة اي غرز جنبها بعود ونحوه فهاجت. ج.ز.
                            [56]
                            الميت عند الموت؟ قال: إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس اليه قال: اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اني اعهد اليك في دار الدنيا اني اشهد أن لا إله إلا انت وحدك لا شريك لك وأشهد ان محمدا عبدك ورسولك وان الجنة حق وان النار حق وان البعث حق والحساب حق والقدر والميزان حق وان الدين كما وصفت وان الاسلام كما شرعت وان القول كما حدثت وان القرآن كما انزلت وانك انت الله الملك الحق المبين جزى الله محمدا خير الجزاء وحي الله محمدا وآله بالسلام اللهم يا عدتي عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي ويا وليي في نعمتي يا إلهي وإله أبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فانك ان تكلني إلى نفسي كنت أقرب من الشر وأبعد من الخير واسرى في الفتن وحدي فآنس في القبر وحشتي واجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصي بحاجته وتصديق هذه الوصية في سورة مريم في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم ان يحفظ هذه الوصية ويتعلمها وقال علي (ع): علمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: علمنيها جبرئيل (ع).
                            وقوله: (لقد جئتم شيئا إدا) اي ظلما واما قوله: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) فانه قال الصادق (ع): كان سبب نزول هذه الآية ان امير المؤمنين (ع) كان جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له قل يا على " اللهم اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا فأنزل الله: ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ثم خاطب الله عزوجل نبيه فقال: (انما يسرناه بلسانك) يعني القرآن (لنبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) قال اصحاب الكلام والخصومة ثم ذكر الفرق الهالكة فقال: (وكم اهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) اي حسا.
                            حدثنا جعفر بن احمد عن عبيدالله (عبدالله ط) بن موسى عن الحسن بن علي بن
                            [57]
                            ابي حمزة عن ابيه عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله: " ولا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " قال لا يشفع ولا يشفع لهم ولا يشفعون إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا إلا من أذن له بولاية امير المؤمنين والائمة عليهم السلام من بعده فهو العهد عند الله قلت قوله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا " قال: هذا حيث قالت قريش ان لله ولدا وان الملائكة اناث، فقال الله تبارك وتعالى ردا عليهم " لقد جئتم شيئا إدا " اي عظيما (تكاد السموات يتفطرن منه) يعنى مما قالوه ومما موهوا به (رموه به خ ل) (وتنشق الارض وتخر الجبال هدا) مما قالوا (ان دعوا للرحمن ولدا) فقال الله تبارك وتعالى (وما ينبغي للرحمن ان نتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض إلا اتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا) واحدا واحدا، قلت قوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) قال: ولاية امير المؤمنين عليه السلام هي الود الذي ذكره الله، قلت قوله (فانما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) قال انما يسره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله حتى اقام امير المؤمنين عليه السلام علما فبشر به المؤمنين وأنذر به الكافرين وهم القوم الذين ذكرهم الله قوما لدا اي كفارا، قلت قوله (وكم اهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) قال اهلك الله من الامم ما لا يحصون له فقال يا محمد (هل تحس منهم من احد او تسمع لهم ركزا) اي ذكرا.
                              

                            Comment

                            • راية اليماني
                              مشرف
                              • 05-04-2013
                              • 3021

                              #29
                              رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                                

                              سورة طه
                              مكية وآياتها مأة وخمس وثلاثون
                              (بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) فانه حدثنى ابي عن القاسم بن محمد عن على بن (ابى حمزة عن ط) ابي بصير عن ابي عبدالله وابي جعفر عليهما

                              [58]

                              السلام قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى قام على اصابع رجليه حتى تورمت (تبرم ك) فأنزل الله تبارك وتعالى طه بلغة طي يا محمد ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى وقوله: (له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى) فانه حدثني ابي عن علي بن مهزيار عن علاء (بن ط) المكفوف عن بعض اصحابه عن ابي عبدالله عليه السلام قال سئل عن الارض على اي شئ هي؟ قال: على الحوت(1) قيل له فالحوت على اي شئ هو؟ قال: على الماء فقيل له فالماء على


                              ___________________________________
                              (1) لا ينبغي للعاقل ان يكذب كل شئ بمجرد ان يستنكره عقله، لان عقل الانسان في قبال مصنوعات العالم قليل فكيف قبال صانعها، فان الذي يحكم لكثير من الاشياء بالاستحالة لاجل كونه بعيدا عن عقله سوف يأتي عليه زمان يرى نفسه على الخطأ ثم يتلقى ما كذبه بأحسن قبول.
                              والشاهد على ذلك تطورات الفلاسفة وافكارهم المتغيرة بالنسبة إلى حركة الارض وسكونها وتقسيم الجسم إلى أجزاء لا تتجزى وعدمه وغير ذلك من أقاويل الفلاسفة التي سنحت فيها التطورات كل يوم - فالعجب ممن يعتنق بهذه الافكار التي لا ثبات لها يوما ما كيف ينكر شيئا ورد في الحديث لاجل عدم كونه منطبقا على تلك الافكار التي ليس لها قرار، مع ان العلم الانسانى المترقى يفهم احيانا بعض الاسرار المودعة فيه.
                              ومن هذا القبيل هذا الحديث المظهر بكون الارض على الحوت، فانهم كانوا يكذبونه ويتخذونه سخرة، بأنه كيف تكون الارض التي وزنها معادل(5981019 تنا) على حوت وكيف تدور الارض حول الشمس على هذا الحوت؟ نقول في جواب هذه الاشكالات انه من المحتمل ان يكون المراد من الحوت الكوكب المعروف ب‍ (الحوت) وقد تبين من إرسال امريكا وروسيا الاقمار الصناعية في الجو حيث جعلت تدور حول الارض بنفسها بدون محرك ظاهر، ان مركز تدويرها وتدوير الارض الشمس وواحدة من تلك الكواكب السابحة في الفضاء، فمن الممكن ان يكون هذا المركز هو الكوكب (اي البرج الحوت) فيصدق حينئذ القول بأن الارض قائمة عليه وهو سابح في الجو المشابه بالماء، والمراد من الثرى في الحديث ما وراء هذا الجو الفسيح، وعليه يحمل ما في الخبر الآتى من قيام الحوت على الماء والماء على الصخرة والصخرة على قرن الثور، لامكان ان يراد من الصخرة كوكب مجهول لم يستكشف بعد، ومن الثور كوكب مسمى بالثور احد الابراج الاثنتي عشرة. ج.ز.
                              [59]

                              اي شئ هو؟ قال: على الثرى، قيل له فالثرى على اي شئ هو؟ قال: عند دلك انقضى علم العلماء حدثنا محمد بن ابي عبدالله قال: حدثنا سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن محمد بن مارد ان ابا عبدالله عليه السلام سئل عن قول الله جل اسمه (الرحمن على العرش استوى) قال استوى من كل شئ فليس شئ أقرب اليه من شئ، وعنه عن سهل عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن ابان ابن تغلب قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن الارض على اي شئ هي؟ قال: على الحوت قلت فالحوت على اي شئ هو؟ قال: على الماء قلت فالماء على اي شئ هو؟ قال على الصخرة قلت فعلى اي شئ الصخرة؟ قال على قرن ثور املس قلت فعلى اي شئ الثور؟ قال على الثرى قلت فعلى اي شئ الثرى؟ فقال هيهات عند ذلك ضل علم العلماء.
                              وقوله: (وان تجهر بالقول فانه يعلم السر وأخفى) قال السر ما أخفيته وأخفى ما خطر ببالك ثم نسيته ثم قص عزوجل قصة موسى عليه السلام فقال: (وهل أتاك حديث موسى) يعني قد أتاك حديث موسى (ع) ونكتب خبره في سورة

                              [60]

                              القصص وقوله (اخلع نعليك) قال: كانتا من جلد حمار ميت (أنا اخترتك فاستمع لما يوحى انني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلوة لذكري) قال: إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (آتيكم منها بقبس) يقول آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد وقوله (او أجد على النار هدى) كان قد أخطأ الطريق يقول أو أجد على النار طريقا وقوله (اهش بها على غنمي) يقول اخبط بها الشجر لغنمي (ولي فيها مآرب اخرى) فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال (ولي فيها مآرب اخرى) يقول حوائج اخرى، قال علي بن ابراهيم في قوله (إن الساعة آتية اكاد اخفيها) قال من نفسي هكذا نزلت قيل كيف يخفيها من نفسه قال جعلها من غير وقت وقوله (وفتناك فتونا) اي اختبرناك اختبارا (فلبثت سنين في اهل مدين) يعني عند شعيب وقوله (اصطنعتك لنفسي) اي اخترتك (اذهب انت واخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري) اي لا تضعفا (اذهبا إلى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى) وقد ذهب بعض المعتزلة في قوله: لعله يتذكر او يخشى انه لم يعلم عزوجل ان فرعون لا يتذكر ولا يخشى وقد ضلوا في تأويلهم واعلم ان الله قال لموسى (ع) حين أرسله إلى فرعون إئتياه (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى) وقد علم انه لا يتذكر ولا يخشى ولكن ليكون احرص لموسى على الذهاب وآكد في الحجة على فرعون.
                              وحدثني هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني رجل من بني عدي بن حاتم عن ابيه عن جده عدي بن حاتم وكان مع علي صلوات الله عليه وآله في حروبه ان عليا (ع) قال ليلة الهرير بصفين حين التقى مع معاوية رافعا صوته يسمع اصحابه: لاقتلن معاوية واصحابه ثم قال في آخر قوله: إن شاء الله تعالى، يخفض به صوته وكنت منه قريبا فقلت: يا امير المؤمنين انك حلفت

                              [61]

                              على ما قلت ثم استثنيت فما أردت بذلك؟ فقال: إن الحرب خديعة وأنا عند اصحابي صدوق، فأردت ان أطمع اصحابي في قولي كيلا يفشلوا ولا يفروا فافهم فانك تنتفع بها بعد اليوم إن شاء الله واما قوله (إن في ذلك لآيات لاولي النهى) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن مروان عن ابي عبدالله (ع) قال: سألته عن قول الله عزوجل: إن في ذلك لآيات لاولي النهى قال: نحن والله اولو النهى فقلت جعلت فداك وما معنى اولي النهى؟ قال ما اخبر الله به رسوله مما يكون بعده من ادعاء فلان الخلافة والقيام بها والاخر من بعده والثالث من بعدهما وبني امية فاخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ذلك كما اخبر الله به نبيه وكما أخبر رسول الله عليا وكما انتهى الينا من علي فيما يكون من بعده من الملك في بني امية وغيرهم فهذه الآية التي ذكرها الله في الكتاب: إن في ذلك لآيات لاولي النهى الذي انتهى الينا علم هذا كله فصبرنا لامر الله فنحن قوام الله على خلقه وخزانه على دينه نخزنه ونسره ونكتتم به من عدونا كما اكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أذن الله له في الهجرة وجاهد المشركين فنحن على منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يأذن الله لنا في إظهار دينه بالسيف وندعو الناس اليه فنضربهم عليه عودا كما ضربهم رسول الله صلى الله عليه وآله بدء‌ا قوله: (واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) قال: ا؟ الولاية، حدثنا احمد بن علي قال حدثنا الحسن بن عبدالله (الحسين بن عبيد الله ط) عن السندي بن محمد عن ابان عن الحارث ابن يحيى عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله: واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، قال: ألا ترى كيف اشترط ولم ينفعه التوبة والايمان والعمل الصالح حتى اهتدى والله لو جهد ان يعمل بعمل ما قبل منه حتى يهتدي، قلت: إلى من؟ جعلني الله فداك قال الينا، وقوله: (فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري) قال بالعجل الذي عبده وكان سبب ذلك ان موسى لما وعده الله ان ينزل عليه التوراة والالواح إلى ثلاثين يوما اخبر بني إسرائيل بذلك وذهب إلى

                              [62]

                              الميقات وخلف هارون على قومه فلما جاء‌ت الثلاثون يوما ولم يرجع موسى اليهم غضبوا وأرادوا ان يقتلوا هارون، قالوا: إن موسى كذبنا وهرب منا فجاء‌هم إبليس في صورة رجل فقال لهم: إن موسى قد هرب منكم ولا يرجع اليكم ابدا فاجمعوا لي حليكم حتى أتخذ لكم إلها تعبدونه وكان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون وأصحابه فنظر إلى جبرئيل وكان على حيوان في صورة رمكة(1) فكانت كلما وضعت حافرها على موضع من الارض تحرك ذلك الموضع فنظر اليه السامري وكان من خيار اصحاب موسى فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل وكان يتحرك فصره في صرة وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل فلما جاء‌هم إبليس واتخذوا العجل قال للسامري هات التراب الذي معك فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل فلما وقع التراب في جوفه تحرك وخار ونبت عليه الوبر والشعر، فسجد له بنو إسرائيل فكان عدد الذين سجدوا سبعين الفا من بني إسرائيل فقال لهم هارون كما حكى الله (يا قوم انما فتنتم به وان ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى) فهموا بهارون حتى هرب من بينهم وبقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى اربعين ليلة، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة انزل الله عليه الالواح فيها التوراة وما يحتاجون اليه من احكام السير والقصص ثم اوحى الله إلى موسى: إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار فقال موسى عليه السلام يا رب العجل من السامري فالخوار ممن؟ فقال مني يا موسى انى لما رأيتهم قد ولوا عني إلى العجل أحببت ان أزيدهم فتنة، فرجع موسى كما حكى الله عزوجل إلى قومه غضبان أسفا (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد


                              ___________________________________
                              (1) الرمكة: كرقبة الانثى من البراذين جمعه رماك كرقاب. ج.ز.
                              [63]

                              أم أردتم ان يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي) ثم رمى بالالواح وأخذ بلحية اخيه هارون ورأسه يجره اليه فقال (يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري) فقال هارون كما حكى الله (يابن ام لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي انى خشيت ان تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) فقال له بنو إسرائيل: (ما أخلفنا موعدك بملكنا) قال ما خالفناك (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم) يعنى من حليتهم (فقذفناها) قال: يعني التراب الذي جاء به السامري طرحناه في جوفه ثم أخرج السامري العجل وله خوار فقال له موسى (ما خطبك يا سامري؟) قال السامري (بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها) يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر فنبذتها اي أمسكتها (وكذلك سولت لي نفسي) اي زينت، فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار وألقاه في البحر ثم قال موسى للسامري (فاذهب فان لك في الحيوة ان تقول لا مساس) يعني ما دمت حيا(1) وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة ان تقول لا مساس يعني حتى تعرفوا انكم سامرية فلا يغتر بكم الناس فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفون ب‍ " لا مساس " ثم هم موسى بقتل السامري فأوحى الله اليه لا تقتله يا موسى فانه سخي فقال له: (انظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا انما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما) قيل وان من عبد العجل انكر عند موسى عليه السلام انه لم يسجد له، فأمر موسى عليه السلام ان يبرد العجل بالمبارد وألقى برادته في الماء ثم أمر بني إسرائيل ان يشرب كل منهم من ذلك الماء فالذين كانوا سجدوا يظهر له من البرادة شئ فعند ذلك استبان من خالف ممن ثبت على إيمانه.
                              فحدثنى ابى عن الحسن بن محبوب بن سعيد عن علي بن ابى حمزة عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ما بعث الله رسولا إلا وفي وقته شيطانان يؤذيانه


                              ___________________________________
                              (1) وفى الصافى خوفا ان يمسك احد فياخذك الحمى ومن مسك فتحامى الناس وتحاموك وتكون طريدا وحيدا كالوحشى النافر.ج - ز
                              [64]

                              وبفتنانه ويضلان الناس بعده وقد ذكرنا هذا الحديث في تفسير: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن في سورة الانعام(1) وقوله (ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) تكون اعينهم مزرقة لا يقدرون ان يطرفوها وقوله (يتخافتون بينهم) قال يوم القيامة يشير بعضهم إلى بعض انهم لم يلبثوا إلا عشرا (قال الله نحن أعلم بما يقولون إذ يقول امثلهم طريقة) قال أعلمهم وأصلحهم يقولون (ان لبثتم إلا يوما) ثم خاطب الله نبيه عليه وآله والسلام فقال (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) قال الامت الارتفاع والعوج الحزون والذكوات(2) وقوله (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له) قال مناديا من عند الله.
                              وقوله: (وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) فانه حدثنى ابى عن الحسن بن محبوب عن ابى محمد الوايشي عن ابى الورد عن ابى جعفر عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد وهم حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا وتشتد أنفاسهم فيمكثون في ذلك خمسين عاما وهو قول الله: وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، قال ثم ينادي مناد من تلقاء العرش اين النبي الامي؟ فيقول الناس قد اسمعت فسم باسمه فينادي اين نبي الرحمة اين محمد بن عبدالله الامي، فيقدم رسول الله صلى الله عليه وآله أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين ايلة وصنعاء فيقف عليه فينادى بصاحبكم فيقدم علي عليه السلام أما الناس فيقف معه ثم يؤذن للناس فيمرون فبين وارد الحوض


                              ___________________________________
                              (1) راجع الجزء الاول ص 214 من هذا الكتاب.
                              (2) الذكوات جمع ذكاة: الجمرة الملتهبة من الحصى ومنه الحديث: قبر علي عليه السلام بين ذكوات بيض.
                              مجمع
                              [65]

                              يومئذ وبين مصروف عنه فاذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من يصرف من محبينا يبكي ويقول: يا رب شيعة علي قال: فيبعث الله اليه ملكا فيقول له: ما يبكيك يا محمد؟ فيقول: أبكي لاناس من شيعة علي أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ومنعوا ورود حوضي قال فيقول الملك ان الله يقول قد وهبتهم لك يا محمد وصفحت لهم عن ذنوبهم بحبهم لك ولعترتك وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولون به وجعلناهم في زمرتك فأوردهم حوضك، فقال ابوجعفر عليه السلام: فكم من باك يومئذ وباكية ينادون يا محمداه إذا رأوا ذلك ولا يبقى أحد يومئذ يتولانا ويحبنا ويتبرأ من عدونا ويبغضهم إلا كانوا في حزبنا ومعنا ويردون حوضنا.
                              وقوله: (يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) قال ما بين ايديهم ما مضى من اخبار الانبياء وما خلفهم من اخبار القائم عليه السلام وقوله: (وعنت الوجوه للحي القيوم) اي ذلت واما قوله (او يحدث لهم ذكرا) يعني ما يحدث من أمر القائم عليه السلام والسفياني وقوله (لا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه وقل رب زدني علما) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نزل عليه القرآن بادر بقراء‌ته قبل تمام نزول الآية والمعنى فأنزل الله عزوجل (ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه) اي تفرغ من قراء‌ته (وقل رب زدني علما) وقوله (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) قال فيما نهاه عنه اكل الشجرة وقد روي فيه غير هذا وقوله (ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا) اي ضيقة أخبرنا احمد بن إدريس قال حدثنا احمد بن محمد عن عمر بن عبدالعزيز عن ابراهيم بن المستنير عن معاوية بن عمار قال قلت لابي عبدالله عليه السلام عن قول الله إن له معيشة ضنكا قال هي والله النصاب، قال جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الاطول في كفاية حتى ماتوا، قال ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة.
                              وعنه عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن المفضل بن صالح عن جابر

                              [66]

                              عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال عهد اليه في محمد صلى الله عليه وآله والائمة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم انهم هكذا وانما سموا اولو العزم انه عهد اليهم في محمد والاوصياء من بعده والقائم عليه السلام وسيرته فأجمع عزمهم ان ذلك كذلك والاقرار به.
                              قال علي بن ابراهيم في قول الله (ونحشره يوم القيمة اعمى) حدثنا ابي عن ابن ابي عمير وفضالة عن معاوية بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألته عن رجل لم يحج قط وله مال قال هو ممن قال الله: ونحشره يوم القيامة اعمى قلت سبحان الله اعمى قال اعماه الله عن طريق الجنة وقوله (وكذلك اليوم تنسى) اي تترك وقوله (إن في ذلك لآيات لاولي النهى) قال نحن اولو النهى وقوله (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما) قال ما كان ينزل بهم العذاب ولكن قد قد أخرهم الله إلى أجل مسمى وقوله (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار) قال بالغداة والعشي قوله (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) قال ابوعبدالله عليه السلام لما نزلت هذه الآية استوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا ثم قال من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن اتبع بصره ما في ايدي الناس طال همه ولم يشف غيظه ومن لم يعرف ان لله عليه نعمة إلا في مطعم او في مشرب قصر أجله ودنا عذابه وقوله (وامر أهلك بالصلوة) اي امتك (واصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) قال للمتقين فوضع الفعل مكان المفعول واما قوله (قل كل متربص فتربصوا) اي اننظروا امرا (فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب قال قال لي ابوعبدالله عليه السلام نحن والله سبيل الله الذي امر الله باتباعه ونحن والله الصراط المستقيم ونحن والله الذين امر الله العباد بطاعتهم فمن شاء فليأخذ

                              [67]

                              هنا ومن شاء فليأخذ من هناك لا يجدون والله عنا محيصا.
                              وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (لا يخاف ظلما ولا هضما) يقول لا ينقص من عمله شئ واما ظلما يقول لن يذهب به واما قوله (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها) يقول اي تركتها فلم تعمل بها (وكذلك اليوم تنسى) يقول تترك في العذاب وقوله (وامر أهلك بالصلوة واصطبر عليها) فان الله امره ان يخص اهله دون الناس ليعلم الناس ان لاهل محمد صلى الله عليه وآله عند الله منزلة خاصة ليست للناس إذ أمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة فلما انزل الله هذه الآية كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجئ كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فيقول: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول الصلاة الصلاة يرحمكم الله " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا.
                              وقال ابوالحمراء خادم النبي صلى الله عليه وآله أنا اشهد به يفعل ذلك وقوله (أفلم يهد لهم) يقول يبين لهم وقوله (لكان لزاما) قال اللزام الهلاك وقوله (قاعا صفصفا) فالقاع الذي لا تراب عليه والصفصف الذي لا نبات له.
                                

                              Comment

                              • راية اليماني
                                مشرف
                                • 05-04-2013
                                • 3021

                                #30
                                رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]

                                  

                                سورة الانبياء
                                مكية وآياتها مأة واثنتا عشر
                                (بسم الله الرحمن الرحيم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) قال قربت القيامة والساعة والحساب ثم كنى عن قريش فقال (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم) قال من التلهي وقوله: (أفتأتون السحر وانتم تبصرون) اي تأتون محمدا وهو ساحر ثم قال قل لهم

                                [68]

                                يا محمد (ربي يعلم القول في السماء والارض) يعني ما يقال في السماء والارض ثم حكى الله قول قريش فقال: (بل قالوا اضغاث احلام بل أفتريه) اي هذا الذي يخبرنا به محمد صلى الله عليه وآله يراه في النوم وقال بعضهم بل أفتريه اي يكذب وقال بعضهم (بل هو شاعر فليأتنا بآية كما ارسل الاولون) فرد الله عليهم فقال: (ما آمنت قبلهم من قربة اهلكناها أفهم يؤمنون) قال كيف يؤمنون ولم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتى هلكوا.
                                وقوله: (فسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) قال آل محمد هم اهل الذكر حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبدالله بن محمد عن ابي داود (عن ط) سليمان بن سفيان عن ثعلبه (تغلبة ط) عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: فسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون من المعنون بذلك؟ فقال: نحن والله، فقلت فانتم المسؤلون قال نعم قلت ونحن السائلون قال نعم قلت فعلينا ان نسألكم قال نعم قلت وعليكم ان تجيبونا قال لا ذلك الينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا تركنا ثم قال: هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وقال علي بن ابراهيم في قوله (وكم قصمنا من قرية) يعني اهل قرية (كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما احسوا بأسنا) يعني بني امية إذا أحسوا بالقائم من آل محمد (إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) يعني الكنوز التي كنزوها قال فيدخل بنو امية إلى الروم إذا طلبهم القائم عليه السلام ثم يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز التي كنزوها فيقولوا كما حكى الله (يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) قال بالسيف وتحت ظلال السيوف وهذا كله مما لفظه ماض ومعناه مستقبل وهو مما ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله وقوله: (وله من في السموات والارض ومن عنده) يعني من الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) اي لا يضعفون وقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله

                                [69]

                                لفسدتا) فانه رد على الثنوية ثم قطع عزوجل حجة الخلق فقال: (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) وقوله (هاتوا برهانكم) اى حجتكم (هذا ذكر من معي) اي خبري (وذكر من قبلي) اي خبرهم وقوله (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) قال هو ما قالت النصارى ان المسيح ابن الله وما قالت اليهود عزير ابن الله، وقالوا في الائمة ما قالوا فقال الله عزوجل إبطالا له بل عباد مكرمون يعني هؤلاء الذين زعموا انهم ولد الله وجواب هؤلاء الذين زعموا ذلك في سورة الزمر في قوله: لو أراد الله ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه قوله: (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم) قال من زعم انه إمام وليس هو بامام واما قوله: (أو لم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما) فانه حدثنى ابي عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن ابى بكر الحضرمي عن ابى عبدالله (ع) قال خرج هشام بن عبدالملك حاجا ومعه الابرش الكلبي فلقيا ابا عبدالله (ع) في المسجد الحرام فقال هشام للابرش تعرف هذا؟ قال: لا، قال: هذا الذي تزعم الشيعة انه نبي من كثرة علمه فقال الابرش لاسألنه عن مسائل لا يجيبنى فيها إلا نبي او وصي نبي فقال هشام وددت انك فعلت ذلك، فلقي الابرش ابا عبدالله (ع) فقال يا ابا عبدالله اخبرني عن قول الله " أو لم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما " فبما كان رتقهما وبما كان فتقهما؟ فقال ابوعبدالله (ع): يا ابرش هو كما وصف نفسه وكان عرشه على الماء والماء على الهواء والهواء لا يحد ولم يكن يومئذ خلق غيرهما والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد ان يخلق الارض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من ربد ثم دحا الارض من تحته فقال الله تبارك وتعالى " ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد ان يخلق

                                [70]

                                السماء امر الرياح فضربت البحور حتى أزبدت بها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الاخضر وكانت الارض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما ابواب ولم يكن للارض ابواب وهي النبت ولم تمطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر وفتق الارض بالنبات وذلك قوله: " أو لم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما " فقال الابرش والله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد علي فأعاد عليه وكان الابرش ملحدا فقال: أنا اشهد انك ابن نبي ثلاث مرات.
                                وقوله: (وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) قال نسب كل شئ إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا إلى غيره وقوله: (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) يعني من الشياطين اي لا يسترقون السمع واما قوله: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفان مت فهم الخالدون) فانه لما اخبر الله نبيه بما يصيب اهل بيته بعده وادعاء من ادعى الخلافة دونهم، اغتم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله عزوجل (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفان مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) اي نختبرهم (والينا ترجعون) فاعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ان لابد ان تموت كل نفس، وقال امير المؤمنين عليه السلام يوما وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذين نشيع من الاموات سفر عما قليل الينا راجعون ننزلهم اجداثهم ونأكل تراثهم كانا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة ورمينا بكل حايجة ايها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وتواضع من غير منقصة وجالس اهل الفقه والرحمة وخالط اهل الذل والمسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ايها الناس طوبى لمن ذلت نفسه

                                [71]

                                وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت خليقته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من كلامه وعدل عن الناس شره ووسعته السنة ولم يتعد إلى البدعة، ايها الناس طوبى لمن لزم بيته واكل كسرته وبكى على خطيئته وكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة.
                                وقوله: (خلق الانسان من عجل) قال لما اجرى الله في آدم روحه من قدميه فبلغت الروح إلى ركبتيه أراد ان يقوم فلم يقدر فقال عزوجل خلق الانسان ومن عجل وقوله (ونضع الموازين القسط) ليوم القيامة قال المجازات (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) اي جازينا بها وهي ممدودة آتينا بها.
                                ثم حكى عزوجل قول ابراهيم لقومه وأبيه فقال: (ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل - إلى قوله - بعد ان تولوا مدبرين) قال فلما نهاههم ابراهيم عليه السلام واحتج عليهم في عبادتهم الاصنام فلم ينتهوا فحضر عيد لهم فخرج نمرود وجميع اهل مملكته إلى عيد لهم وكره ان يخرج ابراهيم معه فوكله ببيت الاصنام فلما ذهبوا عمد ابراهيم إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم صنم ويقول له كل وتكلم فاذا لم يجبه أخذ القدوم فكسر يده ورجله حتى فعل ذلك بجميع الاصنام ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر فلما رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الاصنام مكسرة فقالوا: (من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم) وهو ابن آزر(1) فجاؤا به إلى نمرود فقال نمرود لآزر خنتني وكتمت هذا الولد عني فقال ايها الملك هذا عمل امه وذكرت انى اتقوم بحجته، فدعا نمرود ام ابراهيم فقال ما حملك على ان كتمتني امر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل؟ فقالت ايها الملك نظرا مني


                                ___________________________________
                                (1) راجع حاشيتنا في الجزء الاول من هذا الكتاب ص 206.ج.ز.
                                [72]

                                لرعيتك قال وكيف ذلك؟ قالت رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل فقلت: إن كان هذا الذي تطلبه دفعته اليك لتقتله وتكف عن قتل اولاد الناس وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا وقد ظفرت به فشأنك فكف عن اولاد الناس فصوب رأيها ثم قال لابراهيم عليه السلام: من فعل هذا بآلهتنا يا ابراهيم؟ قال ابراهيم (فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) فقال الصادق عليه السلام والله ما فعله كبيرهم وما كذب ابراهيم فقيل وكيف ذلك؟ قال انما قال فعله كبيرهم هذا ان نطق وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا، فاستشار نمرود قومه في ابراهيم (فقالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين) فقال الصادق (ع) كان فرعون ابراهيم لغير رشد وأصحابه لغير رشد (فرعون ابراهيم لغير رشده واصحابه لغير رشدهم - ك -) فانهم قالوا لنمرود: حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين وكان موسى وأصحابه رشده فانه لما استشار اصحابه في موسى قالوا: ارجه وأخاه وارسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم، فحبس ابراهيم وجمع له الحطب حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود ابراهيم في النار برز نمرود وجنوده وقد كان بني لنمرود بناء لينظر منه إلى ابراهيم كيف تأخذه النار، فجاء؟ بليس واتخذ لهم المنجنيق لانه لم يقدر واحد ان يقرب من تلك النار عن غلوه سهم وكان الطائر من مسيرة فرسخ يرجع عنها ان يتقارب من النار وكان الطائر إذا مر في الهواء يحترق فوضع ابراهيم (ع) في المنجنيق وجاء ابوه فلطمه لطمة وقال له ارجع عما انت عليه.
                                وأنزل الرب ملائكته إلى السماء الدنيا ولم يبق شئ إلا طلب إلى ربه وقالت الارض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق وقالت الملائكة يا رب خليلك ابراهيم يحرق، فقال الله عزوجل: اما انه إن دعاني كفته؟ وقال جبرئيل: يا رب خليلك ابراهيم ليس في الارض أحد يعبدك غيره سلطت عليه

                                [73]

                                عدوه يحرقه بالنار فقال اسكت انما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت فان دعاني أجبته فدعا ابراهيم (ع) ربه بسورة الاخلاص " يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك " فالتقى معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق، فقال: يا ابراهيم هل لك إلي من حاجة؟ فقال ابراهيم: أما اليك فلا، وأما إلى رب العالمين فنعم فدفع اليه خاتما عليه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله أسندت أمري إلى (قوه خ ل) الله وفوضت أمري إلى الله، فأوحى الله إلى النار كوني بردا فاضطربت أسنان ابراهيم من البرد حتى قال وسلاما على ابراهيم وانحط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار ونظر اليه نمرود، فقال من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله ابراهيم، فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود اني عزمت على النار أن لا تحرقه.
                                فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقته فآمن له لوط وخرج مهاجرا إلى الشام ونظر نمرود إلى ابراهيم في روضة خضراء في الناء ومعه شيخ يحدثه فقال لآزر ما اكرم ابنك على ربه قال وكان الوزغ ينفخ في نار ابراهيم وكل الضفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار قال ولما قال الله للنار كوني بردا وسلاما لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة ايام ثم قال الله عزوجل: (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين) فقال الله (ونجيناه ولوطا إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين) يعني إلى الشام وسواد الكوفة وكوثى رباط وقوله: (ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة) قال ولد الولد وهو يعقوب وقوله (ونجيناه) يعني لوطا (من القرية التي كانت تعمل الخبائث) قال كانوا ينكحون الرجال.
                                واما قوله: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين) فانه حدثني ابي عن عبدالله بن يحيى عن ابن مسكان عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال كان في بني إسرائيل رجل له كرم ونفشت فيه

                                [74]

                                غنم رجل آخر بالليل وقضمته وأفسدته فجاء صاحب الكرم إلى داود فاستعدى(1) على صاحب الغنم، فقال داود عليه السلام: اذهبا إلى سليمان عليه السلام ليحكم بينكما فذهبا اليه فقال سليمان عليه السلام ان كانت الغنم اكلت الاصل والفرع فعلى صاحب الغنم ان يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها وان كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالاصل فانه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم، وكان هذا حكم داود وانما أراد ان بعرف بني إسرائيل ان سليمان وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم ولو اختلف حكمهما لقال(2) كنا لحكمهما شاهدين وقوله: (وعلمناه صنعة لبوس لكم) يعني الدرع (لتحصنكم من بأسكم فهل انتم شاكرون) وقوله: (ولسليمان الريح عاصفة) قال تجري من كل جانب (إلى الارض التي باركنا فيها) قال إلى بيت المقدس والشام حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى بن زياد عن الحسن بن علي بن فضال عن عبدالله بن بكير وغيره عن ابي عبدالله عليه السلام في قول الله: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) قال أحيى الله له(3) أهله الذين كانوا قبل البلية وأحيى له أهله الذين ماتوا وهو في البلية.
                                وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) قال هو يونس ومعنى ذا النون ذا الحوت وقوله: (فظن ان لن نقدر عليه) قال أنزله على أشد الامرين وظن به أشد الظن، وقال ان جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس ولم يسمعه يونس، قلت ما كان حال يونس لما ظن ان الله لن يقدر عليه؟ قال كان من أمر شديد، قلت وما كان سببه حتى ظن ان الله لن يقدر عليه؟ قال وكله الله إلى نفسه طرفة عين، قال وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن عبدالله بن


                                ___________________________________
                                (1) استعداه استغاثه ق م.
                                (2) لعل الصواب " لما قال " مكان " لقال "
                                (3) أي لايوب عليه السلام ج.ز.
                                [75]

                                سيار عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت ام سلمة في ليلتها ففقدته من الفراش فدخلها من ذلك ما يدخل النساء فقامت تطلبه في جوانب البيت حتى انتهت اليه وهو في جانب من البيت قائم رافع يديه يبكي وهو يقول " اللهم لا تنزع مني صالح ما أعطيتني أبدا اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا اللهم لا تشمت بي عدوا ولا حاسدا أبدا اللهم لا تردني في سوء استنقذتني منه أبدا " قال فانصرفت ام سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله لبكائها فقال لها ما يبكيك يا ام سلمة؟ فقالت بأبي انت وامي يا رسول الله ولم لا أبكي وانت بالمكان الذي انت به من الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر تسأله ان لا يشمت بك عدوا ابدا ولا حاسدا وان لا يردك في سوء استنقذك منه ابدا وان لا ينزع عنك صالح ما اعطاك ابدا وان لا يكلك إلى نفسك طرفة عين ابدا، فقال يا ام سلمة وما يؤمنني وانما وكل الله ونس بن متى إلى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان.
                                وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) يول من أعمال قومه (فظن ان لن نقدر عليه) يقول ظن ان لن يعاقب بما صنع، وفي رواية علي بن ابراهيم في قوله: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وانت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) قال كانت لا تحيض فحاضت وقوله (ويدعوننا رغبا ورهبا) قال راغبين راهبين وقوله (والتي أحصنت فرجها) قال مريم لم ينظر اليها شئ وقوله: (فنفخنا فيها من روحنا) قال روح مخلوقة بأمر الله يعني من أمرنا وقوله: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) اي لا يبطل سعيه وقوله: (وحرام على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن سنان عن ابي بصير عن محمد بن مسلم عن ابي عبدالله

                                [76]

                                وابي جعفر (عليهما السلام) قالا كل قرية أهلك الله اهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لان احدا من اهل الاسلام لا ينكر ان الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك قوله (ولا يرجعون) ايضا عنى في الرجعة فاما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار وقوله (حتى إذا فتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون) قال إذا كان في آخر الزمان خرج ياجوج وماجوج إلى الدنيا ويأكلون الناس ثم احتج عزوجل على عبدة الاوثان فقال (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم - إلى قوله - وهم فيها لا يسمعون) في رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع) قال: لما نزلت هذه الآية وجد منها أهل مكة وجدا شديدا فدخل عليهم عبدالله بن الزبعرى(1) وكفار قريش يخوضون في هذه الآية، فقال ابن الزبعرى: أمحمد تكلم بهذه الآية؟ قالوا: نعم، قال ابن الزبعرى ان اعترف بها لاخصمنه، فجمع بينهما فقال: يا محمد أرأيت الآية التي قرأت آنفا أفينا وفي آلهتنا ام في الامم الماضية وآلهتهم قال صلى الله عليه وآله: بل فيكم وفي آلهتكم وفي الامم الماضية إلا من استثنى الله، فقال ابن الزبعرى خاصمتك والله ألست تثنى على عيسى خيرا وقد عرفت ان النصارى يعبدون عيسى وامه وان طائفة من الناس يعبدون الملائكة أفليس هؤلاء مع الآلهة في النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا، فضحكت قريش وضحك وقالت قريش خصمك ابن الزبعرى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قلتم الباطل أما قلت إلا من استثنى الله وقوله: (ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت انفسهم خالدون) وقوله (حصب جهنم) يقول يقذفون فيها قذفا وقوله (اولئك عنها مبعدون) يعنى الملائكة وعيسى


                                ___________________________________
                                (1) وفي النسختين " ك ط " " الزبعرا " بالالف ج.ز.
                                [77]

                                ابن مريم (ع).
                                وقال علي ن ابراهيم " ان الذين سبقت لهم منا الحسنى " ناسخة لقوله " وان منكم إلا واردها " وقوله (لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون - إلى قوله - إنا كنا فاعلين) فانه حدثنى ابى عن ابن ابى عمير عن منصور بن يونس عن عمرو بن ابى شيبة عن ابى جعفر (ع) قال سمعته يقول ابتداء‌ا منه: ان الله إذا بدا له ان يبين خلقه ويجمعهم لما لابد منه امر مناديا ينادي فاجتمع الانس والجن في اسرع من طرفة العين ثم أذن لسماء الدنيا فتنزل فكان من وراء الناس وأذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها فاذا رآها اهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعنى امره حتى تنزل كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الاخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل امر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر وإلى ربك ترجع الامور ثم يأمر الله مناديا ينادي " يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " قال وبكى (ع) حتى إذا سكت قال قلت جعلني الله فداك يا ابا جعفر واين رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام وشيعته؟ فقال ابوجعفر (ع) رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي (ع) وشيعته على كثبان من المسك الاذفر على منابر من نور يحزن الناس ولا يحزنون ويفزع الناس ولا يفزعون ثم تلا هذه الآية " من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون " بالحسنة والله ولاية علي (ع) ثم قال: " لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون " واما قوله: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) قال السجل اسم الملك الذي يطوي الكتب ومعنى يطويها اي يفنيها فتتحول دخانا والارض نيرانا وقوله: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) قال الكتب كلها ذكر (وان الارض يرثها عبادي الصالحون) قال: القائم (ع) وأصحابه قال والزبور فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء وقوله

                                [78]

                                (قال رب احكم بالحق) قال معناه لا تدعو (تدع ط) للكفار، والحق الانتقام من الظالمين ومثله في سورة آل عمران " ليس لك من الامر شئ او يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون ".
                                  

                                Comment

                                Working...
                                X
                                😀
                                🥰
                                🤢
                                😎
                                😡
                                👍
                                👎