إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الجهاد الأكبر (جهاد النفس)

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • Saqi Alatasha
    عضو مميز
    • 09-07-2009
    • 2487

    الجهاد الأكبر (جهاد النفس)

    الجهاد الأكبر (جهاد النفس)


    قلب الإنسان بين إصبعين من أصابع الرحمن(1)؛ الشيطان إصبع والملك إصبع، أو الظلمة إصبع والنور إصبع، أو الجهل إصبع والعقل إصبع.
    والقلب بين هذين الإصبعين ، فجهاد النفس هو السعي مع الملك والنور والعقل إلى الله، ونبذ الشيطان والظلمة والجهل.
    وبما أنّ هدف الشيطان وغرضه هو أن يردي الإنسان في هاوية الجحيم، وأن يجعله في مواجهة مخزية مع رب العالمين عندما يعصي الخالق الرؤوف الرحيم الكريم، وليحقق هذا الغرض لابد له من أسلحة يستعين بها على تنفيذ ما يريد.
    وهذه الأسلحة تتدرج من الظهور إلى الخفاء، ومن الضعف إلى القوّة، وكلٌ بحسبه، فلكلٍّ صنف سلاحه الملائم لإضلاله.
    ومن باب (اعرف عدوك) أتعرض لهذه الأسلحة ؛ ليتسنّى لمن يريد أن يجاهد بالجهاد الأكبر معرفة عدوه ، وبالتالي إنقاذ نفسه من النار ، وتحصين نفسه والتدرع بما هو ملائم ؛ لأنّ لا يكون هدفاً سهل المنال للشيطان (لعنه الله).
    ولابد من معرفة أولاً - وقبل كل شيء - أنّ دوافع الإنسان للغواية مركبة ومشتبكة مع بعضها، والشيطان (لعنه الله) يستخدم من هذه التركيبة المعقدة ما يناسب كل إنسان لإضلاله؛ حيث إنّ الإنسان يعيش في هذا العالم الجسماني وممتحن بهذا العالم الجسماني في هذا الوقت وفي هذه الحياة الدنيا، فنفس الإنسان ومحيطها هما مدار البحث حول أسلحة الشيطان، فمن النفس ومن محيطها يتسلح الشيطان (لعنه الله) لإغواء الإنسان وليرديه في هاوية الجحيم، ومحيط الإنسان هو العالم الجسماني أو الدنيا.
    فالبحث إذن يدور حول الدنيا والنفس الإنسانية من جهة، وحول النفس الإنسانية من جهة أخرى؛ لأنّ السلاح إمّا:
    أن يكون مركباً من العالم الجسماني والنفس الإنسانية، كالسكين والجسم الذي تغرس فيه وكمثال الزاني والزانية، فالشيطان يستخدم المرأة أو الرجل وأيضاً يحتاج إلى الضعف الجنسي في نفس هذا الإنسان الذي يريد إغواءه وإردائه في الهاوية. فبالنسبة لرجل عصى الله بالزنا تمثّل المرأة السكين التي طعنه بها الشيطان ، أمّا ضعفه الجنسي فقد مثّل المكان الذي الذي طعنه به الشيطان .
    أن يكون السلاح من داخل النفس الإنسانية ، فتكون السكين وموضع الطعن واحد وهي النفس، فلا يوجد شيء من العالم الجسماني، ومثاله العجب.
    فنحتاج إذن إلى معرفة السكين (الدنيا)، والجسم الذي تغرس فيه (النفس)، والسكين النفسية (وهي سكين وسلاح يؤخذ من النفس ويغرس في النفس) ، وعندها إذا وفقنا سنعرف أسلحة الشيطان بشكل تفصيلي بعد أن عرفناها بشكل مبسط ، ونحن نحتاج إلى كلا المعرفتين البسيطة (أي كون النفس والدنيا هما سلاح الشيطان)، والتفصيلية التي أتركها؛ لأنها تتفرع من هذا الإجمال.
    ولا بأس من إلقاء نظرة على الدنيا والنفس الإنسانية من حيث إنها سلاح للشيطان.
    1- السكين ( الدنيا ) :
    والعالم الجسماني المحيط بالإنسان ينقسم إلى: جمادات ونباتات وحيوانات، وبقية الناس غيره، وعلاقة الإنسان معها إما ملائمة أو منافاة، فتجده - مثلاً - يحب تملّك الأرض والذهب والفضة والزرع والحيوانات وقضاء شهوته مع الجنس المقابل له، ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(2).
    ويكره التعرّض للضرر كالقتل في ساحة المعركة، وهو من نتائج الجهاد المحتملة:
    ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(3).
    ولابد من بيان أنّ الدنيا بالنسبة للآخرة ضرّة لا تجتمع معها في قلب إنسان أبداً (4)، فهما في اتجاهين متقابلين إذا التفت الإنسان إلى إحداهما أعطى ظهره للاُخرى ، ولا يمكن لإنسان أن يجمع الدنيا والآخرة في عينه أو قلبه ، قال تعالى:
    ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ(5).
    وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً).(6)
    ومن هذه التركيبة الجسمانية المحيطة بالإنسان ونفس الإنسان - وبالخصوص الثغرات ونقاط الضعف الموجودة فيها - يكون سلاح الشيطان (لعنه الله).
    2 - النفس :
    وهي أُسّ البلاء وبيت الداء، فلو لم تكن فيها الثغرات الملائمة لما في الدنيا من شهوات، ولو لم تكن فيها علة العلل وهي (الأنا) لما كان للشيطان على الإنسان سبيل، فبصحتها يصحّ ابن آدم، وبدائها يمرض، وبموتها يموت.
    والشيطان (لعنه الله) إمّا يستخدم ما فيها وهو الأنا لطعنها، فيكون سلاح الشيطان منها والطعن فيها ، وإمّا أنّ الشيطان (لعنه الله) يستخدم ما في الدنيا ليطعن النفس في ثغراتها.
    والآن عرفنا سلاح الشيطان وتركّبه من النفس ومحيطها، وبهذا نعرف معنى أن يكون جهاد النفس هو الجهاد الأكبر؛ لأنّ تحصين النفس في هذه المعركة يؤدي إلى النصر على الشيطان وهزيمته وكسر سلاحه.
    أمّا تفصيل أسلحة الظلمة والجهل والشيطان فأتركه لهذه الجوهرة من جواهر آل محمد (ع) التي بيّنت جنود الجهل وجنود العقل؛ ليتحلّى المؤمن بجنود العقل بعد أن يتخلّى عن جنود الجهل فيتم عقله، ويتحصّن بالله من أسلحة الشيطان.
    روى الشيخ الكليني في (الكافي) عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن سماعة بن مهران، قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال أبو عبد الله (ع): (اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، قال سماعة: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرفتنا، فقال أبو عبد الله (ع): إنّ الله عزّ وجل خلق العقل وهو أوّل خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً فلما رأى الجهل ما أكرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته، فقال: نعم فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي، قال قد رضيت فأعطاه خمسة وسبعين جنداً.
    فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند: الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل، والايمان وضده الكفر، والتصديق وضده الجحود، والرجاء وضده القنوط، والعدل وضده الجور، والرضا وضده السخط والشكر وضده الكفران، والطمع وضده اليأس، والتوكل وضده الحرص، والرأفة وضدها القسوة، والرحمة وضدها الغضب والعلم وضده الجهل، والفهم وضده الحمق، والعفة وضدها التهتك، والزهد وضده الرغبـة، والرفق وضده الخرق، والرهبة وضدها الجرأة، والتواضع وضده الكبر، والتؤدة وضدها التسرع، والحلم وضدها السفه، والصمت وضده الهذر، والاستسلام وضده الاستكبار، والتسليم وضده الشك والصبر وضده الجزع، والصفح وضده الانتقام، والغنى وضده الفقر، والتذكر وضده السهو، والحفظ وضده النسيان، والتعطف وضده القطيعة، والقنوع وضده الحرص، والمؤاساة وضدها المنع، والمودة وضدها العداوة والوفاء وضده الغدر، والطاعة وضدها المعصية، والخضوع وضده التطاول والسلامة وضدها البلاء، والحب وضده البغض، والصدق وضده الكذب، والحق وضده الباطل، والأمانة وضدها الخيانة، والإخلاص وضده الشوب، والشهامة وضدها البلادة، والفهم وضده الغباوة، والمعرفة وضدها الإنكار والمداراة وضدها المكاشفة، وسلامة الغيب وضدها المماكرة، والكتمان وضده الإفشاء، والصلاة وضدها الإضاعة، والصوم وضده الإفطار، والجهاد وضده النكول، والحج ( أي الولاية ) وضده نبذ الميثاق، وصون الحديث وضده النميمة، وبر الوالدين وضده العقوق، والحقيقة وضدها الرياء، والمعروف وضده المنكر، والستر وضده التبرج، والتقية وضدها الإذاعة، والإنصاف وضده الحمية، والتهيئة وضدها البغي، والنظافة وضدها القذر، والحياء وضدها الخلع، والقصد وضده العدوان، والراحة وضدها التعب والسهولة وضدها الصعوبة، والبركة وضدها المحق، والعافية وضدها البلاء، والقوام وضده المكاثرة، والحكمة وضدها الهواء، والوقار وضده الخفة، والسعادة وضدها الشقاوة، والتوبة وضدها الإصرار والاستغفار وضده الاغترار، والمحافظة وضدها التهاون، والدعاء وضده الاستنكاف، والنشاط وضده الكسل، والفرح وضده الحزن، والألفة وضدها الفرقة والسخاء وضده البخل.
    فلا تجتمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلاّ في نبي أو وصي نبي، أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، وأمّا سائر ذلك من موالينا فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل، وينقي من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء ( أي إذا تمّ عقله كان من أهل السماء السابعة ، وهي سماء العقل )، وإنما يدرك ذلك بمعرفة العقل وجنوده، وبمجانبة الجهل وجنوده، وفقنا الله وإياكم لطاعته ومرضاته)
    (7).

    *******
    الهامش
    (1) عن النبي(ص): ( قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ) عوالي اللئالي:ج1 ص48.
    (2) آل عمران : 14.
    (3) البقرة: 216.
    (4) قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (إنّ الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما، كلما قرب من واحد بعد من الآخر، وهما بعد ضرتان) نهج البلاغة بشرح محمد عبده : ج4 ص23.
    (5) الشورى: 20.
    (6) الاسراء: 18 - 19.
    (7) الكافي: ج1 ص20، كتاب العقل والجهل، ح14.

    المصدر : كتاب الجهاد باب الجنة للسيد أحمد الحسن (عليه السلام)
    هل يصعب عليك أن تسجد ولا ترفع رأسك حتى تسمع جواب ربك لتنجو في الآخرة والدنيا ؟
    وهل يصعب عليك أن تصوم ثلاثة أيام وتتضرع في لياليها إلى الله أن يجيبك ويعرفك الحق ؟

    الامام احمد الحسن (ع) ـ كتاب الجواب المنير
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎