إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الميزان

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • ناصر اليماني الموعود
    عضو جديد
    • 19-02-2010
    • 15

    الميزان

    الميزان
    بسم الله الرحمن الرحيم .الحمد لله رب العالمين.صلى الله على محمد وعلى آل محمد
    إن النظر العميق في حقائق الأمور مع التجرد من النتائج الذاتية أو الموروثة لهو طريق للمعرفة الصحيحة للموضوع المنظور فيه بهدف معرفة حقيقته، وأعني هنا بالنظر العميق أي النظر الذي يصل إلى أصل الموضوع.
    إذا نظرنا في موضوع القرارات التي يبني عليها الإنسان أموره بشكل عميق فإننا نستنتج من النظر أن الإنسان لا يفعل فعلاً ولا يتحرك حركة إلا ويجري عملية (وزن) تمامًا كعملية الوزن للأجسام الملموسة كالمعادن، وما تنبت الأرض وغير ذلك مما يكون مثلها، فعلى سبيل المثال إذا كان لك ولد وكنت تحبه كثيرًا، وقبل ذهابه إلى المدرسة طلب منك عشرة جنيهات. من جهة حبك الشديد لولدك فإنك لو كنت تمتلك مليون جنيهًا فإنك سوف لن تراها مساوية لأظفر واحد من أظافر ولدك، ومن جهة حرصك على أخلاقه فإنك ترى أن العشرة جنيهات شيطان مفسد يتربص بإبنك متى تمكن منه، في هذه اللحظة تحصل عملية الوزن، فأنت في هذا المثال تزن الأمرين، وبعد الوزن تقرر إعطاء ابنك جنيهان فقط؛ لأنك لم تزن بميزان العاطفة الجبلية التي جبلك الله عليها، وإنما وزنت بميزان المصلحة التابع ل (الميزان الأوحد).
    إن عمليات الوزن تحدث دائما قبل اتخاذ أي قرار.
    لقد تمت الآن النظرة العميقة - في حد علمنا - في موضوع الضرورة الحتمية للوزن قبل اتخاذ أي قرار، فماذا عن الميزان نفسه الذي يستخدم في عملية الوزن والذي تقوم الأفعال على نتائجه؟
    لقد وصلنا الآن إلى النقطة الأهم في الموضوع
    الحقيقة أن الناس يزنون قراراتهم بموازين مختلفة، وغالبية الخلق منذ العصر الأول يزنون بموازين قاموا بإنتاجها، إما أن يكون حكامهم هم من أنتجها، أو أن يكونوا هم أنفسهم؛ كالتقاليد التي تتوارثها الأجيال عبر العصور. ونتيجة لذلك الاختلاف في الموازين تتكون التجمعات البشرية، المتضادة، والمتنازعة، والمتقاتلة أحيانًا.
    إن المنشأ الرئيسي للموازين في كل العصور؛ لهو (ما تهوى الأنفس)، فالنفس البشرية لا حصر لأهوائها، والشهوة مركبة فيها، والشهوة متى استثارت ألحت على من ركبت فيه، فههنا تتم صناعة الموازين، فإما أن يطيعها نتيجة لاستخدام ميزان الهوى، وإما أن يضبطها نتيجة لاستخدام (الميزان الرباني الأوحد).
    واضح أنه لا يمكن مع اختلاف الموازين وتعارضها؛ السير في اتجاه واحد، ولا يمكن كذلك الالتقاء على هدف واحد، ويستحيل جني ثمرة واحدة إذ أن الزرع لم يكن من نوع واحد.
    انظر معي إلى المصطلح الذي يُطلق عليه اسم (المثالية)، فمثلا المجتمع المثالي عند مفكر ما (فَعَّال): هو المجتمع الذي يجب على الحكومات أن تسعى لأن تجعل مجتمعاتها مثله تمامًا، لكن المجتمع المثالي عند مفكر آخر (فَعَّال) مختلف تمامًا، وكذلك الشاب المثالي عند مجموعة بشرية؛ تنظر إليه مجموعة أخرى على أنه شاب سيء، بل ربما يجعلونه مستحقًا للقتل.
    وأنا أتساءل: هل يمكننا أن نثق في مصطلح (المثالية) أو غيره مما هو من نوعه بعد أن اتضح لنا أنها لا ميزان واحد لها، بل هي من نتاج الأهواء المختلفة؟
    يزعم أكثر الناس أن ميزانه - الذي اختاره وفضله على غيره من الموازين - هو أحق الموازين بالعمل؛ من حيث أنه - على حد زعمه - يوصل بالفعل إلى أرقى مستوى.
    الحقيقة التي لا تقبل النقاش أبدًا هي أن الله خلق الجن والإنس للعبادة - بمعناها الصحيح - قال الله عز وجل {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، والخلق جميعًا ولدوا من أمهاتهم مفتقرين إلى العلم الذي تصلح به دنياهم وآخرتهم؛ إذ كل حركة أو سكنة تفتقر إلى علم، ولقد جعل الله أوليائه من الرسل وغيرهم وسطاء بينه وبين عباده، فجعل إرادته في إرادتهم ، قال الله في حق نبيه ص و{و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى}، فالله تبارك وتعالى يصطفي واحدًا من خلقه - لكونه أفضلهم (عنده) - ثم يفوض إليه أمر خلقه، ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغاية من بعث الله له حيث قال "إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق"، ولقد وصف الله تبارك وتعالى بعض من اصطفاهم واتخذهم له أولياء بالهداية الكاملة فقال {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}. والحقيقة أن معرفة الله توصل إلى القطع بحتمية نصب ميزان للعباد؛ لأن العلم بصفته سبحانه أنه (عِلْمٌ لا جَهْلَ فِيهِ) وأنه كما قال {وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فمن الأُولى يُعلم أنه كامل العلم وأن كل ما دونه مفتقر إلى العلم؛ وهذا يؤدي إلى حتمية اتخاذ المصطفين (نصب الميزان)، ومن الثانية يُعلم استحالة تركهم من غير ميزان - يزنون من خلاله قراراتهم - ثم يُحتم عليهم تلك الأيام المَهُولة العظيمة المخيفة ووو... والتي أخذت مساحة كبيرة من كلامه ووحيه الذي أوحاه إلى أولياءه، ففي يوم من أيام الله يقول تعالى {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فهل يقول مؤمن يؤمن بقول الله (وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) عن الله أنه يجازيهم على الخير وعلى الشر من غير أن يجعل لهم ميزانًا من عنده - سبحانه (الكامل المطلق، العالم المطلق) - يَزِنون به قراراتهم؟! كلا، ولا يقول بذلك إلا مخطئا.
    إذن نَخْلُصُ مما سبق بأن الله سبحانه وتعالى حَكَمَ بأن يكون له ميزان في أرضه، وهو (بشر مثلنا يأكل الزيت ويمشي في الأسواق) وأمر العباد أن يزنوا عن طريقه قراراتهم حتى يحصلوا على النتيجة الصحيحة؛ والنتيجة الصحيحة هي الحق المطلق الذي ليس بعده إلا الضلال.
    بعد أن خرجنا بهذه النتيجة العميقة أرى أنه يتثنى لنا أن نكتشف سر اختلاف الناس فيما بينهم، والتضاد في آرائهم الموصل إلى التنازع، بل إلى التقاتل أحيانا، وكما هو واضح فالأمور المختلف فيها بين الناس لا يمكن حصرها في صفحات قلائل بل هي تتطلب ما لا حصر له من المجلدات الضخمة، ولكن لنأخذ عنصرًا هامًا من مجموعة الاختلاف، ذلك العنصر هو الاختلاف الديني، أيضا الاختلاف الديني هو مجموعة كبيرة، فلنأخذ منها موضوع (الاختلاف بين أمة محمد ص).
    الحقيقة أن الاختلاف والافتراق الذي نشأ واستمر بين أمة محمد ص باختصار يرجع إلى اتخاذ الناس المتفرقين ميزانًا غير الميزان الذي نصبه الله عن طريق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، - وأرجوا أن نتنبه إلى أن الإيمان بأن الله واحد أحد يستلزم الإيمان بواحدية الميزان - فإذا أخذنا - على سبيل المثال لا الحصر - موضوع اختلاف الناس في تفسير القرآن الكريم، نجد أن من تناولوا تفسير كلام الله فسروه تفاسير مختلفة ومتناقضة، بمعنى أن بعضها يسقط الآخر، وقد قام الناس بتدوين تلك التفاسير في الكتب، وتم بيعها إلى الناس، فقرأوا منها ما قرأوا ثم وجدوا بها - على سبيل المثال - عبارة تقول "هذه الآية فيها ثلاثة أقوال"، فبأي قول يأخذ؟ فهو كالذي يقف في مفترق ثلاثة طرق يريد أن يختارا طريقًا يسير فيه حتى يصل إلى مراده، فأي طريق يسلك، وبأي ميزان يزن؟ الواقع أن اختيار واحد من تلك الطرق لن يوصل إلى المراد، لأن المراد هو التفسير الحقيقي، والتفسير الحقيقي عبارة عن علم، والعلم عند الله، والله جعله (بكماله) عند الواسطة بينه وبين خلقه، إذن فولي الله الذي اصطفاه من الخلق هو الميزان، لأنه يعرف العلم كله بلا زيادة عليه ولا نقصان فيه، لأنه مفوض إليه من قبل الله، والله لا يفوض إلا من يضمنه ضمانًا لا تقصير فيه، فهو سبحانه منزه عن كل صفة نقص، وهذا الموضوع الحقيقة لم أبتدعه من رأيي وإنما هو موجود في كلام الله، قال سبحانه: {وَ السَّماءَ رَفَعَها وَ وَضَعَ الْمِيزانَ}، وقال{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
    هذا وأنبه إلى أن كلامي أيضًا ككلام أي بشر مممن يخطئ ويصيب؛ يحتاج إلى وزن
    والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎