إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

جانب من خطبة الجمعة في حسينية الكاظمية المقدسة بتاريخ 7 شعبان 1434هجري قمري بعنوان السمع والبصر

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • شيخ نعيم الشمري
    عضو جديد
    • 05-03-2013
    • 94

    جانب من خطبة الجمعة في حسينية الكاظمية المقدسة بتاريخ 7 شعبان 1434هجري قمري بعنوان السمع والبصر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    نحن طالما ذكرنا واكدنا وبينا ان الله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق عبث وحاشاه بل خلقهم لاجل معرفته وبالتاي عبادته وقد فرض الله سبحانه وتعالى على كل عضو من اعضاء الانسان وكل حاسة وكل جارحة من جوارحه فرائض فمن وفق لاداء ما فرض الله على حواسه وجوارحه فاز برضى الله ومن قصر بسبب جهله او بسبب غفلته او لاي سبب ما فحضه ضيع وربه اغضب ومن تلك الحقوق التي فرضها الله على الانسان هو حق السمع والبصر وليعلم كل انسان ان الله من علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى . فلو تدبرنا حق التدبر فى نعمة واحدة من نعم العلى القدير ستمر بنا أياماً عديدة نقضيها فى التدبر فيها .ومن تلك النعم نعمتي السمع والبصر. السؤال: لقد من الله علينا سبحانه وتعالى بنعم الحواس من سمع وبصر وجعل لنا أفئدة فى الصدور ..فكيف نحافظ على هاتين الحاستين وكيف نستعملهما في طاعة الله وهل هناك فروض من الله عليهما؟؟؟ السمع والبصر نعمتان من نعم الله سبحانه وتعالى على الانسان ان استعملهما في طاعة الله ونقمتان على الانسان ان استعملهما في سخط الله قال الامام زين العابدين ع (للسمع على الانسان حق وللبصر على الانسان حق اما حق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه. اما حق البصر أن تغمضه عما لا يحل لك، وتعتبر بالنظر به. السمع والبصر عضوان قد يكونا نعمتان على صاحبهما او نقمتان عليه نجد ارتباط هاتان النعمتان بثواب المرء او عقابه ، بالتعبير عن سعادته أو شقاءه ، بالتصريح بايمانه او بكفره وقد وردت هاتان النعمتان كثيرا فى كتاب الله العزيز احيانا مع بعضهما واحيانا كلا منهما على حدى .قال تعالى ("وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ " المؤمنين 78 .

    نلاحظ سويا استخدام لفظ " أنشأ لكم " ولم يستخدم لفظ " يخلق لكم " مثلا وذلك لان الانشاء هو الصنع ليس ذلك فحسب وانما التفنن فى الصنع فاستخدم لفظ الانشاء للتعبير عن الدقة البالغة فى الصنع والخلق ..وقال تعالى (وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " النحل 78

    فتجد ايات لله تحث العبد على شكر الله سبحانه على ما انعم لعلكم تشكرون لماذا أختص ربنا جل وعلا بالذكرالسمع والبصر والفؤاد عند الحديث عن النعم ؟؟وذلك لاهميتهما وشدة حاجة البشر اليهما .فالاذن والعين هما عضوان مهمان لطاعة الخالق :-الاذن :- تسمع كلام الله .العين :- ترى خلق الله وابداعته فى الكون .ولان الاذن هى اول من تتلقى اوامر الله من الرسل فتسمع وتعى وكذلك البصر يرى آيات الله ثم يدركوا فيقروا اما الايمان او الكفر .و السمع والبصر وسيلتان للتعبير عن الايمان والطاعة للرحمن .. كيف ؟
    قال تعالى ("آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (" البقرة 285
    فالمؤمنون لم يقولوا سمعنا واجلنا ولم يقولوا سمعنا وجادلنا بل قالوا سمعنا واطعنا واستغفر بقولهم غفرانك ربنا واليك المصير فالسمع بالاذن هو اول من يتلقى الاوامر وبدوره عليه التطبيق تطبيق الطاعة وترجمة اوامر الله الى افعال .السمع تعبير عن الشهود والاقرار بالايمان والطاعة قال تعالى )رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ. " ال عمران 193

    فالسمع تعبير عن الشهود واعلان الشهادة والاقرار بالايمان فكما ان السمع تعبير عن الايمان والطاعة فبعدم السمع تعبر عن العصيان والكفر فاستخدام لفظ السمع للتعبير عن الوعى والادراك والتعقل بما انزله الله عليهم . لا للجحود والكفر
    قال تعالى ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ." البقرة 93

    قال تعالى (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ... " النساء 46

    قال تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " البقرة 75)قال تعالى وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُم ْوَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا " نوح 7
    وضع الاصابع فى الاذن لعدم السمع اعلان للكفر وعدم الطاعة مما نتج عنه الاستكبار على الخالق وعلى رسولهقد يتصور البعض ان السمع والبصر نعمتان من الله لكنهم حدوها واستخدموها للنظر والاستماع فقط وهذا تصور خاطا لان معنى السمع والبصر أكبر من حد النظر للاشياء او سماعها فقد استخدم ربنا جل وعلا هاتان النعمتان للتعبير عن التعقل والادراك والفهم واستخدم ايضا للتفريق بين البشر والدواب

    .قال تعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ( البقرة 171"
    شبه الله تبارك وتعالى الكافرين بالدواب التى لا تفقه ولا تعقل ثم قال ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) اى ان السمع والبصر واللسان مرادفات للتعبير عن التعقل صم بكم عمى عن ماذا ؟؟؟ صم عن الحق فلا يسمعونه بكم عن الحق فلا يقولونه عمى عن الحق فلا يرون طريقه .فهم شر الدواب
    قال تعالى ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ " الانفال 20 : 23
    وقال تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " الاعراف 297
    فاستخدام لفظ السمع للتعبير عن الوعى والادراك والتعقل بما انزله الله عليهم . لا للجحود والكفر. كما وشبه الله جل وعلا المؤمن قبل ايمانه بالميت الذى احياه الله بالايمان الذى عبر عنه بالنور فيمشى عليه المؤمن الذى كان كالميت فاحياه الله بنور الايمان
    قال تعالى ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. " الانعام 122
    فاعلم ان الله اعطى للعبد هذه النعم ليسخرها في التفكر والطاعة قال تعالى ("أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " الحج 46 فمنهم من يسمع ويتفكر بايات الله ويطيع خلفاء الله ومنهم من يعرض عن ذكر الله ويكون ظالما لنفسه

    قال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا " الكهف 57

    قال تعالى (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا " الكهف 101 فتكون نتيجة من اعرض عن الذكر ان يحشره الله اعمى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) طه 124 : 126
    بعد ان استعرضنا الايات القرءانية التي ذكرت السمع والبصر بشكل عام سوف نستعرض ما ورد من ايات وروايات عن اهل البيت ع تنهى الانسان المسلم ان يستمع لشئ دون اخر لذلك ورد المنع في كتاب الله وكلام الطاهرين عن مجالس الانحلال الخلقي والمفسدين في الأرض حيث ان منعها وحرمتها لأنها ستنقل إلى القلب عن طريق الأذن ما يفسد خلق الإنسان ويجره إلى الهاوية. ولذا نهى الله عن ذلك

    بقوله تعالىوَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) النساء 140

    وورد النهي عن ال محمد ع حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: حدثني علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «قال علي بن الحسين (عليه السلام): ليس لك أن تقعد مع من شئت، لأن الله تبارك و تعالى يقول: وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.) و ليس لك أن تتكلم بما شئت.لأن الله عز و جل قال وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «، و لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله)
    قال: رحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو صمت فسلم. و ليس لك أن تسمع ما شئت، لأن الله عز و جل يقو)إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «البرهان في تفسير القرآن، ج‏2، ص: 4303- علل الشرائع: 605/ 80.6371/ [3]-

    و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: بأبي أنت و امي، إني أدخل كنيفا لي، و لي جيران عندهم جوار يتغنين و يضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن، فقال: «لا تفعل».فقال الرجل: و الله، ما أتيتهن، إنما هو سماع أسمعه باذني. فقال: «لله أنت! أما سمعت الله عز و جل يقولإِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا؟!» فقال: بلى و الله، لكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من أعجمي و لا عربي، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله، و إني لأستغفر الله.فقال له: «قم فاغتسل وصل ما بدا لك، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك! احمد الله و اسأله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا كل قبيح، و القبيح دعه لأهله فإن لك أهلا». البرهان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 532

    عن الحسن بن ] هارون قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا " قال: يسأل السمع عما سمع والبصر عما نظر إليه والفؤاد عما عقد عليه. اصول الكافي ج2 ص 38(البرهان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 534.

    والفائدة التي يستفيدها الإنسان من نعمة البصر يعود إليه بالذات فإذا نظر إلى آثار الماضين وتأمل كيف كانت معيشتهم وأحوالهم وأخذ من ذلك كله العبرة والعظة يكون نظره نعمة له يستفيد منها في تصحيح مساره في الدارين الدنيا والآخرة.لاجل هذا كانت وصية الإمام علي (عليه السلام لابنه الحسن (عليه السلام) -: يا بني! إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم) نهج البلاغة: الكتاب ٣١

    عن القاسم بن بريد، قال:حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: أيها العالم، أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله؟قال: «ما لا يقبل الله شيئا إلا به».قلت: و ما هو؟ قال: «الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو، أعلى الأعمال درجة، و أشرفها منزلة، و أسناها حظا».قال: قلت: ألا تخبرني عن الإيمان، أقول هو و عمل، أم قول بلا عمل؟ فقال: «الإيمان عمل كله، و القول بعض ذلك العمل، بفرض من الله بين في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد له به الكتاب، و يدعوه إليه».قال: قلت له: صفه لي- جعلت فداك- حتى أفهمه. قال: «الإيمان حالات و درجات و طبقات و منازل، فمنه التام المنتهي تمامه، و منه الناقص البين نقصانه، و منه الراجح الزائد رجحانه».

    قلت: إن الإيمان ليتم و ينقص و يزيد؟ قال: «نعم».قلت: كيف ذاك؟ قال: «لأن الله تبارك و تعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم، و قسمه عليها، و فرقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلا و قد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، فمنها قلبه الذي به يعقل و يفقه و يفهم، و هو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح و لا تصدر إلا عن رأيه و أمره، و منها عيناه اللتان يبصر بهما، و أذناه اللتان يسمع بهما، و يداه اللتان يبطش بهما، و رجلاه اللتان يمشي بهما، و فرجه الذي الباه من قبله، و لسانه الذي ينطق به، و رأسه الذي فيه وجهه.فليس من هذه جارحة إلا و قد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، بفرض من الله تبارك و تعالى اسمه، ينطق به الكتاب لها، و يشهد به عليها، ففرض على القلب غير ما فرض على السمع، و فرض على السمع غير ما فرض على العينين، و فرض على العينين غير ما فرض على اللسان، و فرض على اللسان غير ما فرض على اليدين،

    و فرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، و فرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج، و فرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.فأما ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار و المعرفة و المحبة و الرضا و التسليم، بأن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إلها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و أن محمدا عبده و رسوله (صلى الله عليه و آله)، و الإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار و المعرفة، و هو عمله،
    و هو قول الله عز و جل:إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) النحل 16: 106.و قال: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ «الرعد 13: 28.
    و قال: الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ « المائدة 5: 41.
    و قال: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) البقرة 2: 284.
    فذلك ما فرض الله عز و جل على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله و هو رأس الإيمان.و فرض الله على اللسان القول و التعبير عن القلب بما عقد عليه و أقر به،
    قال الله تبارك و تعالى: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً « البقرة 2: 83.
    وقال: وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ « العنكبوت 29: 46.

    فهذا ما فرض الله على اللسان، و هو عمله.و فرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله، و أن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عز و جل عنه، و الإصغاء إلى ما أسخط الله عز و جل، فقال في ذلك: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ‏ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ( النساء 139
    ثم استثنى عز و جل موضع النسيان، فقال وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ « الانعام 68
    ، و قال فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ « الزمر 18
    و قال عز و جل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ ) السجدة 2
    و قال: وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ «5»،
    و قال: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً « الفرقان 72

    فهذا ما فرض الله على السمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحل له، و هو عمله، و هو من الإيمان.وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله عليه، و أن يعرض عما نهى الله عنه مما لا يحل له، و هو عمله، و هو من الإيمان،
    فقال تبارك و تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ « النور 30

    فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم، و أن ينظر المرء إلى فرج أخيه، و يحفظ فرجه أن ينظر إليه،

    و قالوَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ « النور 31

    من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها، و تحفظ فرجها من أن تنظر إليها».

    و قال: «كل شي‏ء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر.ثم نظم ما فرض على القلب و اللسان و السمع و البصر في آية اخرى، فقال وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ «،فصلت 22
    يعني بالجلود الفروج و الأفخاذ، و قال: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا « الاسراء 36
    ، فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عز و جل، و هو عملهما، و هو من الإيمان. اصول الكافي ج2 ص 35_37 (البرهان في تفسير القرآن، ج‏2، ص: 282 _873ابن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه)
    قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لابنه محمد بن الحنفية (رضي الله عنه): «يا بني لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم، فإن الله تبارك و تعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة، و يسألك عنها، و ذكرها و وعظها و حذرها و أدبها و لم يتركها سدى،

    فقال الله عز و جل وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ) و قال عز و جل إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)

    ثم استعبدها بطاعته فقال عز و جل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ « فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح،

    و قال عز و جل: (وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً يعني بالمساجد الوجه و اليدين و الركبتين و الإبهامين، و قال عز و جل: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ يعني بالجلود الفروج». البرهان في تفسير القرآن، ج‏4، ص: 105

    و لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا )- قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قال: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، ) البرهان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 531فليحذر الانسان وليعلم ان الله مطلع عليه وقد جعل سبحانه وتعالى شهودا على كل انسان يشهدون عليه في يوم الحساب والمحكمة الالهية فنسال الله ان يوفقنا لاستعمال ما انعم علينا في طاعته ولا نستغلها في سخطه انه حميد مجيد .والحمد لله وحده الشيخ نعيم الشمري
  • محمد الانصاري
    MyHumanity First
    • 22-11-2008
    • 5048

    #2
    رد: جانب من خطبة الجمعة في حسينية الكاظمية المقدسة بتاريخ 7 شعبان 1434هجري قمري بعنوان السمع والبصر

    احسنتم شيخنا نعيم الشمري وجزاكم الله خير الجزاء
    وتقبل الله اعمالكم


    جمعة مباركة

    ---


    ---


    ---

    Comment

    Working...
    X
    😀
    🥰
    🤢
    😎
    😡
    👍
    👎