إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

خطبتي الجمعة لأنصار الإمام المهدي ع في الغرب الجزائري ليوم 24 جمادى الثاني 1435 ه

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • aboaimen313
    عضو جديد
    • 26-05-2012
    • 10

    خطبتي الجمعة لأنصار الإمام المهدي ع في الغرب الجزائري ليوم 24 جمادى الثاني 1435 ه

    خطبة الجمعة: 24 جمادى الثاني 1435هـ
    الخطبة الأولى:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق. الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون. ولا يحصي نعماءه العادون. ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن. الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود. ولا وقت معدود ولا أجل ممدود.
    قال سيدي و مولاي احمد الحسن ع و هو يتحدث عن كيفية تعجيل الفرج في كتابه العجل (2):
    1-التفقه في الدين ويشمل:
    أ- قراءة القرآن وتفسيره:
    قال رسول الله (ص): (أيها الناس إنكم في زمان هدنة، وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع، فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدّوا الجهاز لبعد المفاز. فقام المقداد، فقال: يا رسول الله ما دار الهدنة؟ قال: دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفع وماحل ([173]) مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، له ظهر وبطن ، فظاهره حكمة، وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم وعلى تخومه تخوم ([174])، لا تحصى عجائبه، ولا يبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرفه) ([175]).
    وعن أمير المؤمنين (ع)، قال: (سمعت رسول الله (ص) يقول: أتاني جبرائيل فقال: يا محمد سيكون في أمتك فتنة. فقلت: فما المخرج منها؟ فقال: كتاب الله، فيه بيان ما قبلكم من خبر وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله، ومن التمس الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، لا تزيغه ([176]) الأهوية، ولا تلبسه الألسنة، ولا يخلق على الرد ([177])، ولا ينقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء، وهو الذي لم تكنه ([178]) الجن إذ سمعه إذ قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ([179]).
    وورد في الحديث أنّ ثلاثة يشتكون إلى الله يوم القيام للحساب، فعن النبي (ص) قال: (يجيء يوم القيامة ثلاثة يشتكون: المصحف والمسجد والعترة. يقول المصحف: يا رب حرّفوني ومزقوني. ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني. وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا. فأجثوا للركبتين في الخصومة، فيقول الله Y لي: أنا أولى بذل) ([180]).
    القرآن والعترة والمسجد. فهل أنتم أيها الأخوة مستعدون لمواجهة هؤلاء الخصوم الثلاثة بين يدي الله (عز وجل)؟.
    والأول: هو كتاب الله الماحل المصدَّق. والثاني: هو خليفة الله في أرضه. والثالث: هو بيت الله.
    والحق أنّ أهل الأرض جميعاً لا يقوون على هذه المواجهة، فإذا كان الأمر كذلك فلنعمل جميعاً للنصح لهؤلاء الثلاثة، لنلتقي بهم يوم القيامة وهم راضون عنّا، فلنعيد للمسجد مكانته الحقيقية ونبث فيه ومنه علوم القرآن وحديث أهل البيت (ع)، ولنتذكر الإمام صاحب الزمان (ع) في كل الأحوال، وهو الذي يمثل العترة اليوم، ولنقدّم قضيته على جميع القضايا، ولنقرأ القرآن ولا أعني الألفاظ فحسب، بل تدّبر معانيها واستقراء مداليلها والعمل بها، والتخلق بأخلاق القرآن، ونشرها في المجتمع بعد العمل بها، فالذي يأمر الناس بمكارم الأخلاق ولا يطبقها لا يكون له أي تأثير فيهم، بل ربما تكون النتيجة عكسية. وقد ورد عنهم (ع) ما معناه: (كونوا لنا دعاة صامتين) ([181])، أي: بالعلم والعمل والسيرة الحسنة بين الناس لا بالقول فقط الذي هو أداة التعبير والدعوة الأساسية، وجاء في الكتاب الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ ([182]).
    وأخلاق القرآن تؤخذ من القرآن ومن أهل القرآن محمد وآل محمد (ص). والحمد لله ورد عنهم في الحديث والدعاء والتفسير كثير جدّاً، وهو ثروة أخلاقية لا تنضب، ومع الأسف القرآن اليوم مهجور وميت في الحوزة العلمية في النجف الأشرف فضلاً عن غيرها، فالبحث يدور في المساجد التي أنشأها القرآن حول الكتب المنطقية والفلسفية والكلامية والنحوية، التي يدّعون دراستها وتدريسها لفهم القرآن والسنة، في حين أنّك لا تجد من يهتم بدراسة كتاب الله والبحث في تفسيره، وإذا وجد مثل هذا الاهتمام من قبل بعض المؤمنين فهو قليل يكاد لا يذكر!
    قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ ([183]). وقال رسول الله (ص) في وصف حالنا اليوم: (مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى) ([184])، أي عامرة بالناس ولكنهم ليسوا على الطريق الذي رسمه القرآن ومحمد وآل محمد (ص).
    وقال أمير المؤمنين (ع) في وصف معظم أهل العلم في زماننا هذا: (نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته) ([185])، أي المفروض أنّهم حملته وحفظته، وهم طلبة العلوم الدينية والعلماء.
    هذا، وإن وُجِدَ بحث في الكتاب الكريم فهو يدور حول آراء المفسرين التي لا يعدو كثير منها محاولات لصب آيات القرآن ضمن مجال القواعد النحوية والفلسفية وغيرها، مع أنّ كثيراً منها استقرائية تحتمل الخطأ وكثيراً منها خلافية لم يتحرّر النزاع فيها. ولو أنّهم فسّروا الكتاب على ما ورد في روايات أهل بيت العصمة ولم يتعدّوا الصراط المستقيم الذي رسمه أهل البيت (ع) لتدبر القرآن وتفسير آياته لكان خيراً لهم وأقرب للتقوى. ولكن أنّى لهم ذلك.
    قال أمير المؤمنين (ع) في وصف حال أهل هذا الزمان مع القرآن: (وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه) ([186]).
    ويجب الالتفات إلى أنّ معرفة تفسير كتاب الله غير مقتصرة على طلبة الحوزة العلمية فقط، بل على كل مسلم معرفة تفسير كتاب الله ما أمكن. ومهمة طلبة الحوزة هي تعلم التفسير الصحيح وتعليمه للناس في المساجد وفي غيرها، ويجب أن تفتح دورات لتعليم تفسير كتاب الله في كل مكان.
    فالعقائد الإسلامية الصحيحة كلّها في كتاب الله وبمعرفة تفسيره وتأويله الصحيح وبمباحثة كتاب الله باستمرار، وإدراك معانيه ومفرداته ينكشف للمجتمع الإسلامي كله مغالطات أئمة الضلال، أمثال ابن تيميه، وابن عبد الوهاب، واتهاماتهم الباطلة للمسلمين بالشرك كما وينكشف الطواغيت وأعوانهم وخططهم الشيطانية التي يهدفون من ورائها تضليل المجتمع الإسلامي.
    ب - العقائد الإسلامية الصحيحة تعلمها وتعليمها:
    وهي العقائد المستقاة من الآيات القرآنية المحكمة والسنّة. أمّا الآيات القرآنية المتشابهة فيجب إحكامها ومعرفة تفسيرها وتأويلها من الروايات التي وردت عن النبي وآله الأطهار (ع)، لا أن يؤولها كل بهواه ويعتقد ما يشاء.
    ونصيحتي لإخواني المؤمنين:
    تحصيل العقائد من القرآن المفسّر بروايات أهل البيت (ع) وبثها في المجتمع الإسلامي؛ ليكون مجتمعاً دينياً عقائدياً تزول الجبال ولا يزول عن عقائده القرآنية الصحيحة؛ ليكون بذلك المجتمع الإسلامي مستعداً لاستقبال ونصرة الإمام المهدي (ع).
    ج- الأحكام الشرعية:
    وتعلّمها واجب على كل مسلم؛ لأنّه مبتلى بها في حياته كمعاملات ومكلّف بأدائها كعبادات، بل إنّ واجب كل مسلم بعد أن يتعلّمها أو يتعلّم بعضها أن يعلم إخوانه المسلمين.
    والحقيقة أنّ الموجود في معظم كتب الفقه اليوم هو فتاوى وأحكام شرعية كلية تنطبق على مصاديق كثيرة في الخارج، أي: في مجتمعنا الإسلامي وتطبيقها على مصاديقها ليس بأقل أهمية منها، بل دون تطبيقها على مصاديقها لا تكون لها أي فائدة عملية، فواجب طلبة الحوزة العلمية العاملين حفظهم الله من كل سوء هو تطبيق هذه الأحكام الكلية على مصاديقها في مجتمعهم الإسلامي، وتنبيه الناس إلى المحرّمات الكثيرة التي استهانوا بها، بل على بعض طلبة الحوزة العاملين أن يتصدّوا لكتابة تطبيق الأحكام الشرعية على مصاديقها في المجتمع الإسلامي، وهذا واجب كفائي ربما يأثم بتركه الجميع.
    الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً يَعْدِلُ حَمْدَ مَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَ أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيينَ ، وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمُخْلَصِينَ
    اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشَاكَ كَأَنِّي أَرَاكَ ، وَ أَسْعِدْنِي بِتَقْوَاكَ‏ ، وَ لَا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ ، وَ خِرْ لِي فِي قَضَائِكَ ، وَ بَارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ ، حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ ، وَ لَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ
    اللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنَايَ فِي نَفْسِي ، وَ الْيَقِينَ فِي قَلْبِي ، وَ الْإِخْلَاصَ فِي عَمَلِي ، وَ النُّورَ فِي بَصَرِي ، وَ الْبَصِيرَةَ فِي دِينِي ، وَ مَتِّعْنِي بِجَوَارِحِي ، وَ اجْعَلْ سَمْعِي وَ بَصَرِي الْوَارِثَيْنِ مِنِّي ، وَ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَ ارْزُقْنِي مَآرِبِي وَ ثَأْرِي ، وَ أَقِرَّ بِذَلِكَ عَيْنِي .
    اللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتِي ، وَ اسْتُرْ عَوْرَتِي ، وَ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي ، وَ اخْسَأْ شَيْطَانِي ، وَ فُكَّ رِهَانِي ، وَ اجْعَلْ لِي يَا إِلَهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيَا فِي الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى .
    والحمد لله رب العالمين ثــــــــــــــــــم (سورة قرآنية)
    الخطبة الثانية:
    الحمد الله رب العالمين والحمد حقه كما يستحقه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ,الحمد لله الذى يخلق ولم يخلق ويرزق ولا يرزق ويطعم ولا يطعم ويميت الاحياء ويحيى الموتى وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ,الحمد لله الذى لم يشهد احدا حين فطر السماوات والارض ولا اتخذ معينا حين برأ النسمات ,الحمد لله الذى جعل الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا, الحمد لله الذى اذهب الليل مظلما بقدرته وجاء بالنهار مبصرا برحمته , وكسانى ضياءه وانا فى نعمته , الحمد لله الاول قبل الانشاء والاحياء ,والآخر بعد فناء الاشياء, اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الائمة والمهديين , اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى البتول فاطمة الزهراء وعلى السبطين الامامين الهاديين الزكيين الحسن والحسين وعلى السجاد علي بن الحسين وعلى الباقر محمد بن علي وعلى الصادق جعفر بن محمد وعلى الكاظم موسى بن جعفر وعلى الرضا علي بن موسى وعلى الجواد محمد بن علي وعلى الهادى علي بن محمد وعلى العسكرى الحسن بن علي وعلى الخلف الهادى المهدى الحجة ابن الحسن العسكرى محمد بن الحسن ابن العسكرى صاحب الزمان وشريك القرآن وامام الانس والجان وعلى وصيه ووليه وابنه وحبيبه ويمانيه احمد الحسن وعلى اولاده المهدين الاحد عشر مهدى مهدى الى قيام الساعة.
    2- العمل بالشريعة الإسلامية المقدسة:
    وطبعاً المهم من الشريعة هو العمل بها، حيث بدونه تكون معطّلة. والعمل مرّة يختص بالفرد، ومرّة يختص بعلاقته بالمجتمع. فعلى كل مسلم بعد أن يعرف ما له وما عليه بالشريعة المقدّسة أن يؤدي ما عليه ويطالب بما له دون زيادة. وله أن يعف ويتسامح مع الناس في حقوقه، طلباً لرضا الله سبحانه.
    والعاقل لا يضيّع حظّه من هذه الدنيا وفرصته فيها من السير إلى الله، ولا أعني فقط بأداء الواجبات، بل المستحبات وأهمّها الدعاء وصلاة الليل، بل النوافل اليومية جميعها، والصيام وزيارة الأنبياء والأئمة (ع) والصالحين والشهداء والاعتبار بأعمالهم واقتفاء آثارهم، وقضاء حوائج المؤمنين والنصح لهم وإرشادهم والرحمة والرأفة بهم، وبغض الطواغيت وأعوانهم ومزايلتهم، فهم ينصبون العداء لآل محمد (ع) وخصوصاً لخاتمهم المهدي (ع). وأفعال هؤلاء الطواغيت وأعوانهم دالة على أنّهم نواصب فيجب إجراء أحكام النواصب عليهم، فليس العمل بالشريعة هو العبادة فقط، بل المعاملة الحسنة مع الناس وليست المعاملة الحسنة باللين والرحمة فقط، بل وبالشدّة والغلظة أحياناً ولكل أهل، فمع المؤمنين يتعامل المؤمن بالرحمة واللين، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ([187]). ومع الطواغيت وأعوانهم يتعامل بالشدّة والغلظة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَأغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ([188]).
    وفي الكافي عن أبي عبد الله (ع)، قال: (قال رسول الله (ص) لأصحابه: أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله (ص): لكل ما قلتم فضل، ولكن ليس به. ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وتولي أولياء الله، والتبري من أعداء الله) ([189]).
    وعن علي بن الحسين قال: (إذا جمع الله (عز وجل) الأولين والآخرين قام مناد فنادي ليسمع الناس، فيقول: أين المتحابّون في الله، يقوم عنق من الناس. فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، فيقول الملائكة: فأي ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله.
    قال: فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله ونبغض في الله. فيقولون: نِعم أجر العاملين) ([190]).
    وعن أبى جعفر(ع)، قال: (قال رسول الله (ص): ودُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله، فهو من أصفياء الله)([191]).
    وليست الشريعة الإلهية داعية للتميّع أو دافعة للتخنّث. فباسم الدين تجد من يتماوت في مشيته ويخفض صوته حتى لا يكاد يُسمع. وباسم العرفان والأخلاق تجد من يسمي نفسه عالماً أو يسميه الجهَّال عالماً وهو تارك لأهم واجب في الإسلام الذي به تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعجيب أمر هؤلاء!! والأعجب أمر من يحترم هذه النماذج السلبية ويقدّسها!! والحال إنّ رسول الله (ص) كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين شديداً مع الكافرين، حتى ورد عن أمير المؤمنين (ع) ما معناه أنهم يحتمون به في المعارك ([192]).
    ثم إنّ أمير المؤمنين (ع) كان يصفه بأنّه كالطبيب الدوار بأدويته ([193])، أي: إنّه شديد الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبتبليغ الناس. فأي عرفان هذا، وأي أخلاق هذه التي تأمر صاحبها أن يسير عكس مسيرة رسول الله (ص) ؟
    أيّها المؤمنون والمؤمنات: إنّ إبراهيم (ع) حمل فأساً وكسّر الأصنام فتابعوا هذه المسيرة المشرفة، مسيرة الأنبياء والمرسلين التي تقرؤونها في القرآن. وإياكم ومسيرة أمثال السامري وبلعم بن باعوراء.
    احملوا الفؤوس وحطّموا الأصنام والعجول ([194])، وليبدأ كلٌ منّا بنفسه، وبالناس المحيطين به. ولا تخافوا فأنتم الأعلون أن كنتم مؤمنين: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ * قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ ([195]).
    وعلى طلبة الحوزة أن يعوا أنّ تكليف العالِم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص وأكبر من غيره؛ لأسباب كثيرة، منها: إنّه وضع نفسه في مكان الأنبياء والمرسلين، ووقف في باب الملكوت، وادعى أنّه من إدلاء الطريق إلى الله بلسان الحال، وإن لم يصرّح بالمقال.
    فالعالم يجب أن ينهى عن المنكر الذي يحاول الطواغيت وأتباعهم نشره في المجتمع الإسلامي، وبكل الوسائل المتاحة له. ويجب عليه مراقبة المجتمع الإسلامي وتقويم الانحرافات فيه، وإلاّ فهو يصبح قاطعاً لطريق الله سبحانه وتعالى وجندياً من جنود إبليس. فالطواغيت ينشرون المنكر بأيديهم وألسنتهم، والأئمة والعلماء غير العاملين ينشرون المنكر بترك النهي عنه بإهمالهم توجيه المجتمع الإسلامي وإصلاحه. فمثلهم كمثل الذي تصدّى لعمل معين ولم يؤدّه فلا هو قائم به ولم يترك غيره يقوم به.
    كما يجب الالتفات إلى أنّ هناك تقصيراً كبيراً في المجتمعات الإسلامية، وخصوصاً النخبة المؤمنة المثقفة فيها. فهؤلاء يجب أن يتصدّوا للنهي عن المنكر كل حسب علمه وتكليفه، كما يجب الالتفاف حول العلماء العاملين المخلصين لله الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر والمجاهدين في سبيل الله والدفاع عنهم. فليس من المعقول أن ينهض هؤلاء العلماء العاملون بعبء المسؤولية، والمجتمعات الإسلامية لاهية في متابعة الطواغيت وعلماء السوء غير العاملين.
    وليحذر أفراد المجتمع الإسلامي، فإنّهم يوم القيامة مسؤولون عن العالم العامل ومدى تجاوبهم معه، فعن أبي عبد الله (ع)، قال: (ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجل، مسجد خراب لا يصلّى فيه، وعالم بين جهّال، ومصحف معّلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه) ([196]).
    نعم أيها الأحبة، أيّها المؤمنون والمؤمنات إنّ واجبكم نصرة العالم العامل المخلص لله المجاهد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلاّ الله، لا الابتعاد عنه وخذلانه وتركه في النهاية يذهب إلى ربّه مقهوراً
    مظلوماً متشحطاً بدمه يشكو إلى الله خذلان الناصر بعد أن كان دليلاً إلى صراط الله المستقيم.
    قال أمير المؤمنين (ع): (إنّ الله سبحانه وتعالى جعل الذكر جلاءً للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزّت آلاؤه في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم وكلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأبصار والأسماع والأفئدة، يذكّرون بأيام الله ويُخوفون مقامه، بمنزلة الأدلة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه الطريق وبشّروه بالنجاة، ومن أخذ يميناً وشمالاً ذمّوا إليه الطريق وحذّروه من الهلكة، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات، وأدلّة تلك الشبهات، وإنّ للذكر لأهلاً أخذوه من الدنيا بدلاً، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط و يأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، وحققت القيامة عليهم عِداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا، حتى إنهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون … ) ([197]).
    ومع الأسف هناك من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا الواجب العظيم بحجة التقية، فلم أجد بدّاً من توضيحها قليلاً.
    التـقية:
    التقية هي: تجنب الضرر المادي. والحيوانات تتجنب الضرر عادةً فضلاً عن الإنسان، وعادةً معظم بني آدم يميلون عن الحق إلى الباطل إذا كانت متابعة الحق تسبب لهم ضرراً اقتصادياً أو بدنياً ولو كان يسيراً، وهذه مسيرة الإنسانية بين يديك في كتب التاريخ تصفّحها ستجد أنّ قلّة هم الذين تحملوا تلف أموالهم وأنفسهم في سبيل إعلاء كلمة الحق.
    إذاً فمعظم الناس يمارسون التقية، بل وبإفراط وبشكل دائم، فإذا انتقلنا إلى المسلمين وجدناهم فرقتين، فرقة صامتة وموافقة أو مداهنة للطواغيت الذين يحكمون البلاد الإسلامية، مع أنّهم يحكمون بالقوّة الغاشمة ويستخفون بالشريعة والقرآن وجميع النواميس الإلهية ويحكمون بغير ما أنزل الله ويستحلون دماء المؤمنين، فضلاً عن اغتصابهم قيادة الأمة من المعصومين (ع).
    وهذه الفرقة هي معظم أهل السنّة، إذاً فهؤلاء يمارسون التقية وبشكل مفرط، إلا أن يقولوا إنّ مذاهبهم توجّب طاعة الحاكم الجائر وإن عطّل الشريعة وسفك الدم الحرام، وقام بحركة إعلامية عظيمة لطمس الإسلام، ونشر الخمور والفجور والملاهي والأغاني وما يعرضه تلفزيون الدول الإسلامية من فساد وإفساد للمجتمع ([198]).
    ولا أظن أنّ من علماء السنة اليوم من يقول هذا، وإلاّ لكان بهذا القول محارباً لمحمد (ص) وشريعته وناصراً لكفار قريش وأشياعهم اليوم.
    إذن، فبما أنهم لا يقولون بوجوب طاعة الحاكم الجائر، بل ما أظنه أنّ كل مسلم يحرّم طاعة الحاكم الجائر؛ لأنّه محارب لله ولرسوله، وبما أنّهم لا يثورون على الحكّام الظلمة، بل ويداهنونهم في الغالب، فبماذا نصف حالهم هذا غير أنّهم يمارسون التقية وبشكل مفرط وليسمونها ما يشاؤون، فالمهم المعنى لا اللفظ.
    وطبعاً هناك قلّة من علماء السنّة لا يمارسون التقية بشكل مفرط، بل وقفوا يقارعون الطواغيت والحكّام الظلمة، ومن هؤلاء سيد قطب. ولا بأس أن نستعرض بعض كلامه في قصة أصحاب الأخدود، يقول: (إنّها قصة فئة آمنت بربها واستعلنت حقيقة إيمانها، ثم تعرّضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين مستهترين لحق الإنسان في حرية الاعتقاد بالحق والإيمان بالله العزيز الحميد، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلّى الطغاة بآلام تعذيبها ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق! وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة ولم تفتن عن دينها وهي تحرق بالنار حتى الموت … ثم يقول: إنّ الناس جميعاً يموتون وتختلف الأسباب ولكن الناس جميعاً لا ينتصرون هذا الانتصار ولا يرتفعون هذا الارتفاع ولا يتحرّرون هذا التحرّر ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق، إنّما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده؛ لتشارك الناس في الموت، وتنّفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى وفي دنيا الناس أيضاً. إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال، لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجو بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم، وكم كانت البشرية كلها تخسر، كم كانوا يخسرون وهم يقتلون؟ هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد، إنّه معنى كريم جدّاً ومعنى كبير جدّاً، هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار فتحترق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار!) ([199]).
    ويقول : (وتتبدّل الأحوال، ويقف المسلم موقف المغلوب المجرّد من القوة المادية، فلا يفارقه شعوره بأنّه الأعلى، وينظر إلى غالبه من علٍ مادام مؤمناً، ويستيقن أنها فترة وتمضي، وإنّ للإيمان كرّة لا مفر منها، وهبها كانت القاضية فإنّه لا يحني له رأساً. إنّ الناس كلهم يموتون، أمّا هو فيستشهد وهو يغادر هذه الأرض إلى الجنة وغالبه يغادرها إلى النار، وشتان شتان، وهو يسمع نداء ربّه الكريم: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ ([200]).
    ثم يقول: وقديماً قص علينا القرآن الكريم قول الكافرين للمؤمنين: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ ([201]). أي الفريقين؟ الكبراء الذي لا يؤمنون بمحمد، أم الفقراء الذين يلتفون حوله؟ أي الفريقين، النظر بن الحارث وعمرو بن هشام والوليد ابن المغيرة وأبو سفيان بن حر، أم بلال وعمار وصهيب وخباب؟ أ فلو كان ما يدعو إليه محمد خيراً أفكان أتباعه يكونون هم هؤلاء النفر الذين لا سلطان لهم في قريش ولا خطر؟ وهم يجتمعون في بيت متواضع كدار الأرقم، ويكون معارضوه هم أولئك أصحاب الندوة الفخمة الضخمة و المجد والجاه والسلطان؟!
    إنّه منطق الأرض، منطق المحجوبين عن الآفاق العليا في كل زمان ومكان، وإنّها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجرّدة من الزينة والطلاء، عاطلة من عوامل الإغراء، لا قربى من حاكم ولا اعتزاز بسلطان، ولا هتاف بلذّة، ولا دغدغة لغريزة، إنّما هو الجهد والمشقة والجهاد والاستشهاد … ليقبل عليها من يقبل وهو على يقين من نفسه إنّه يريدها لذاتها خالصة لله من دون الناس، ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات، ولينصرف عنها من يبتغي المطامع والمنافع، ومن يشتهي الزينة والأُبّهة، ومن يطلب المال والمتاع، ومن يقيم لاعتبارات الناس وزناً حين تخف في ميزان الله.
    إنّ المؤمن لا يستمد قيمه وتصوراته وموازينه من الناس حتى يأسى على تقدير الناس. إنّما يستمدّها من ربّ الناس وهو حسبه وكافيه. إنّه لا يستمدّها من شهوات الخلق حتى لا يتأرجح مع شهوات الخلق، إنّه يستمدّها من ميزان الحق الثابت الذي لا يتأرجح ولا يميل. إنّه لا يتلقاها من هذا العالم الفاني المحدود، إنّما تنبثق في ضميره من ينابيع الوجود. فأنّى يجد في نفسه وهناً أو يجد في قلبه حزناً، وهو موصول بربّ الناس وميزان الحق وينابيع الوجود؟
    إنّه على الحق، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال. وليكن للضلال سلطانه، وليكن له هيله وهيلمانه، ولتكن معه جموعه وجماهيره، إنّ هذا لا يغيّر من الحق شيئاً، إنّه على الحق وليس بعد الحق إلاّ الضلال، ولن يختار مؤمن الضلال على الحق - وهو مؤمن -، ولن يعدل بالحق الضلال كائنة ما كانت الملابسات والأحوال … ) ([202]).
    أمّا الفرقة الأخرى من المسلمين، فمنهم الذين رفضوا حكم الطواغيت ولم يقبلوا تسلطهم على الحكم واستيلائهم على دفّة القيادة، ورفضوا حكمهم بغير ما أنزل الله وإفسادهم في الأرض، حتى سمّاهم الناس رافضة وهذا الاسم فخر لهم ووسام شرف يميّزهم، وهم معظم الشيعة.
    ومن الطبيعي أنّ هؤلاء وهم الثلّة المؤمنة التي تمثّل دين الله في أرضه، إذا لم يضع لهم أئمتهم(ع) قوانين تضمن بقاءهم وبقاء مذهبهم الحق فإنهم سيُستأصلون ويُستأصل دين الله في أرضه، ويكون مصيرهم كمصير أصحاب الأخدود وهو مصير مشرِّف. ولكن المسألة إنّ هذه الأمة أراد الله بقاءها حتى آخر الزمان؛ لتحمل كلمة التوحيد لأهل الأرض جميعاً، ولهذا أكد أهل البيت (ع) على ممارسة التقية وتجنب الضرر لكن ليس بشكل سلبي وترك العمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل العمل وتجنب الضرر معاً، كمن يحترق بيته فهو لا يتركه يحترق و لا يلقي نفسه في النار، ولكن يطفئ النار ويتجنّب ضررها ما أمكن، هذه هي التقية التي أرادها أهل البيت وتدل عليه سيرتهم وحديثهم وتوجيههم لأصحابهم، وهذه هي التقية في القرآن في سورة غافر، رجل مؤمن من آل فرعون يكتم أيمانه عن فرعون تقية، وفي نفس الوقت يدعو إلى دين الله والإيمان بموسى والكفر بفرعون وحزبه الشيطاني.
    أمّا خضوع بعض العلماء غير العاملين ومن يتبعهم للطاغوت وصمتهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو تصرّف شخصي وليس من التقية في شيء. وإنّما هو جبن انطوت عليه نفوسهم، وحب للحياة والدنيا اكتظّت به صدورهم، حتى أصبحوا يسيرون في طريق معاكس لطريق الأنبياء والأوصياء (ع)، ومخالف للصراط المستقيم الذي يرسمه القرآن، وأمسوا أئمة ضلال يعلمون الناس الخضوع والمداهنة والركون للطاغوت حتى ظهرت غلبة الجهّال ودول الضلال، ولولا رحمة الله ووجود بعض العلماء العاملين لما أبقى الطاغوت من الدين اسماً ولا رسماً.
    اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا.
    والحمد لله وحده وحده وحده. قراءة سورة قرآنية
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎