إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

روايات مسنده

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • red
    عضو جديد
    • 09-07-2013
    • 3

    روايات مسنده


    رؤيا عثمان بن عفَّان رضي الله عنه أنه سيُقتَل، وقد جاء ذلك في عِدَّة أحاديث؛ منها: ما رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد في "الطبقات" عن أمِّ هلال بنت وكيع، عن امرأة عثمان قالت: أغْفَى عثمان، فلمَّا استيقظ قال: إنَّ القوم يقتلونني، قلت: كلاَّ يا أمير المؤمنين، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، قال: قالوا: ((أفطِرْ عندنا الليلة))، أو قالوا: ((إنَّك تُفطِر عندنا الليلة)).



    ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة والحاكم عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن عثمان رضي الله عنه أصبح يُحدِّث الناس، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلةَ في المنام، فقال: ((يا عثمانُ، أفطِر عندنا))، فأصبح صائمًا، وقُتِل من يومه، صحَّحه الحاكم والذهبي.



    وقد رواه ابن سعد في "الطبقات" عن نافع، قال: أصبح عثمانُ بن عفان يومَ قُتِل يقصُّ رؤيا على أصحابه رآها، فقال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم البارحة، فقال لي: ((يا عثمانُ، أفطِر عندنا))، قال: فأصبح صائمًا، وقُتِل في ذلك اليوم، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا.

    ومنها: ما رواه أبو يعلَى الموصليُّ، وعبدالله بن الإمام أحمد في "زوائد المسند" عن مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان: أنَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام، ورأيت أبا بكر وعمر، وإنَّهم قالوا لي: ((اصبرْ فإنَّك تُفطِر عندنا القابلة))، ثم دعا بمصحف فنشَرَه بين يديه فقُتِل وهو بين يديه.
    قال الهيثمي: رجالهما ثقات، وصحَّح الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد إسنادَ هذا الحديث.


    ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وابن عبَّاس، وأمِّ سلمة - رضي الله عنهم - في قتْل الحسين بن علي - رضي الله عنهما -

    فأمَّا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فهي في حديثٍ رواه الحاكم عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها -: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذاتَ ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرَقَد، ثم استيقظ وفي يده تُربةٌ حمراء يُقلِّبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: ((أخبَرَني جبريل أنَّ هذا يُقتَل بأرض العِراق)) للحسين، ((فقلت لجبريل: أرِنِي تربةَ الأرض التي يُقتَل بها، فهذه تربتها)).


    قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
    وقد رواه الطبراني في "الكبير" مختصرًا، ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذاتَ يوم فاستيقظَ وهو خاثِر النفس، وفي يده تُربةٌ حمراء يقلبها فقلت: ما هذه التربةُ يا رسول الله؟ فقال: ((أخبَرَني جبريل - عليه السلام - أنَّ هذا يُقتَل بأرض العراق)) للحسين ((فقلت لجبريل: أرِني تربةَ الأرض التي يُقتل بها، فهذه تربتها))، قال ابن الأثير: خاثِر النفس؛ أي: ثقيل النفس، غير طيِّب، ولا نشيط؛ انتهى.


    وأمَّا رؤيا ابن عباس - رضي الله عنهما - فقد رواها الإمامُ أحمد والطبراني في "الكبير"، والحاكم من طريق عمَّار بن أبي عمَّار، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنِصف النهار أشعثَ أغبرَ معه قارورة فيها دَمٌ يلتقطه، أو يتتبع فيها شيئًا، قال: قلت: يا رسولَ الله ما هذا؟ قال: ((دمُ الحسين وأصحابه لم أَزلْ أتتبعه منذ اليوم))، قال عمَّار: فحَفِظْنا ذلك اليوم، فوجدناه قُتِل ذلك اليوم؛ هذا لفظ أحمد في إحدى الروايتَين، وإسناده في كلٍّ منهما صحيح على شرْط مسلم، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه، وقال الحاكم: صحيح على شرْط مسلم، ووافقه الذهبي في تلخيصه.


    وأمَّا رؤيا أمِّ سلمة - رضي الله عنها - فقد رواها الترمذيُّ والحاكم من طريق رزين - وهو الجهني - قال: حدَّثتْني سلمى - وهي البكرية - قالت: دخلتُ على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يُبكيك؟ قالت: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تعني في المنام، وعلى رأسه ولحيتِه التراب، فقلت: ما لكَ يا رسول الله؟ قال: ((شهدتُ قتْلَ الحسين آنفًا))، قال الترمذي: هذا حديث غريب.

    وفي رواية الحاكم قالت: رأيتُ رسول الله  في المنام يبكي، وعلى رأسه ولحيتِه التراب... الحديث؛ وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الحاكم.

    وقد انتقم الله - تبارك وتعالى - مِن قَتَلةِ الحسين رضي الله عنه على يدِ المختار بن أبي عُبَيد الثقفي الكذَّاب فتتبَّعهم وقتلهم،

    وقد رأى الشعبيُّ في ذلك رؤيا رواها الطبراني في "الكبير" عن مجالِد، عن الشعبي، قال: رأيتُ في النوم كأنَّ رجالاً نزلوا من السماء، معهم حِراب يتتبَّعون قَتَلةَ الحسين رضي الله عنه فما لَبثتُ أن نزل المختار فقتَلَهم، قال الهيثمي: إسناده حسن.





    ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا أمِّ حبيبة بنتِ أبي سفيان - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتزوَّجها، وقد جاء ذلك في قصَّة طويلة، ذَكَرها الحاكمُ في "المستدرك" في "ذكْر أمِّ حبيبة بنت أبي سفيان" من كتاب "معرفة الصحابة"، ففيه: أنَّ أمَّ حبيبة - رضي الله عنها - قالت: أرى في النوم كأنَّ آتيًا يقول لي: يا أم المؤمنين ففزعتُ، وأوَّلتُها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوَّجني، قالت: فما هو إلاَّ أن انقضتْ عِدَّتي، فما شعرتُ إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها: أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودُهنه، فدخلتْ عليَّ فقالت: إنَّ المَلِك يقول لك: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليَّ أن أزوِّجك، فقلت: بشَّركِ الله بخير، وقالت: يقول لك الملك وَكِّلي مَن يزوجك، وذكرتِ القصَّة؛ ورواه ابن سعد في "الطبقات" بنحوه.








    ومن الرؤيا الظاهر: رؤيا المرأة التي حَلَفتْ أنَّ الله لا يُعذِّبها، وقد ذكرها الحاكم في "المستدرك" بإسناده عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، قال: اجتمع نساءٌ مِن نساء المؤمنين عندَ عائشة أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - فقالتِ امرأة منهنَّ: والله لا يُعذِّبني الله أبدًا، إنما بايعتُ رسول الله  على ألاَّ أشركَ بالله شيئًا، ولا أسرِقَ ولا أزنيَ، ولا أقتلَ ولدي، ولا آتيَ ببهتان أفتريه بين يدي ورِجلي، ولا أعصيه في معروف، وقد وفَّيت، قال: فرجعتْ إلى بيتها فأُتيت في منامها، فقيل لها: أنت المتألية على الله - تعالى - ألاَّ يعذِّبَك، فكيف بقولك فيما لا يَعنيك، ومَنْعك ما لا يُغنِيك، قال: فرجعتْ إلى عائشة - رضي الله عنها - فقالتْ لها: إني أُتيتُ في منامي، فقيل لي كذا وكذا، وإني أستغفر الله وأتوب إليه، ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا.






    ومن الرؤيا الظاهرة: قصَّة ثابت بن قيس بن شَمَّاس  بعد موته، وقد روَى قصَّتَه الطبرانيُّ في "الكبير" عن عطاء الخراساني، قال: قدمتُ المدينة فسألتُ عمَّن يُحدِّثني بحديث ثابت بن قيس بن شَمَّاس، فأرشدوني إلى ابنته، فسألتُها -فذَكَر الحديث عنها، وفيه: فلمَّا استنفر أبو بكر  المسلمين إلى أهلِ الرِّدة واليمامة ومسيلِمة الكذَّاب، سار ثابتُ بن قيس فيمَن سار، فلمَّا لقوا مسيلِمةَ وبني حنيفة هزَموا المسلمين ثلاثَ مرَّات، فقال ثابت وسالِم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنَّا نقاتل مع رسول الله  فجعلاَ لأنفسهما حُفرةً فدخلاَ فيها فقاتلاَ حتى قُتِلا، قالت: وأُري رجلٌ من المسلمين ثابت بن قيس في منامه، فقال: إني لما قتلت بالأمس مَرَّ بي رجل من المسلمين، فانتزعَ منِّي درعًا نفيسة، ومنزلُه في أقصى العسكر، وعند منزله فرس يستنُّ في طِوَله، وقد أكفأ على الدِّرْع بُرْمة، وجعل فوقَ البُرمة رَحْلاً، وائتِ خالدَ بن الوليد فليبعثْ إلى درعي فليأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله  فأعْلِمْه أنَّ عليَّ من الدَّيْن كذا، ولي من المال كذا، وفلان مِن رقيقي عتيق، وإيَّاك أن تقول هذا حُلْم، فتضيعه، قال: فأتى خالد بن الوليد فوجَّه إلى الدرع فوجَدَها كما ذَكَر، وقدم على أبي بكر  فأخبره فأنفذ أبو بكر  وصيتَه بعد موته، فلا نعلم أنَّ أحدًا جازتْ وصيته بعد موته إلاَّ ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه.
    قال الهيثمي: وبنت ثابت بن قيس لم أعرفْها، وبقية رجاله رجالُ الصحيح، والظاهر أنَّ بنت ثابت بن قيس صحابيَّة، فإنَّها قالتْ: سمعت أبي، والله أعلم.
    وروى الطبرانيُّ أيضًا من طريق ثابت عن أنس : أنَّ ثابت بن قيس  جاءَ يومَ اليمامة، وقد تحنَّط ونشَر أكفانَه فقال: اللهمَّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وأعتذر مما صَنَع هؤلاء، فقُتِل، وكانت له درعٌ فسُرِقت فرآه رجل فيما يرى النائم، فقال: إنَّ درعي في قِدرٍ تحت الكانون في مكان كذا وكذا، وأوصاه بوصايا، فطلبوا الدرع فوجدُوها، وأنفذوا الوصايا.
    قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.




    ومن الرؤيا الظاهرة: ما أُمِر به عبدُ المطلب بن هاشم جَدُّ النبي  من حَفْر زمزم بعدما اندرس موضعُها، وعفَى أثرُها، قال ابن إسحاق: حدَّثَني يزيد بن أبي حبيب المصريُّ، عن مرثد بن عبدالله اليزنيِّ، عن عبدالله بن زرير الغافقي: أنَّه سمع عليَّ بن أبي طالب  يُحدِّث حديثَ زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرِها، قال: قال عبد المطلب: إني لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آتٍ، فقال: احفُرْ طَيْبة، قال: قلت وما طَيْبة؟ قال: ثم ذهب عني، فلمَّا كان الغَدُ رجعتُ إلى مضجعي، فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر برَّة ، قال: فقلت: وما برَّة؟ قال: ثم ذهب عنِّي، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال: فقلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني، فلمَّا كان الغدُ رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفِرْ زمزم، قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزِف أبدًا، ولا تُذم، تُسقَى يومَ الحجِّ الأعظم، وهي بين الفَرْث والدم، عند نُقرةِ الغُراب الأعصم، عند قرية النمل.
    قال ابن إسحاق: فلمَّا بُيِّن له شأنها، ودُلَّ على موضعها، وعَرَف أنه قد صُدِق، غدَا بمِعْوَله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، ليس له يومئذ ولدٌ غيره، فحَفَر، فلمَّا بدا لعبد المطلب الطي كبَّر، فعرفَتْ قريش أنَّه قد أدرك حاجتَه، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب، إنها بِئر أبينا إسماعيل، وإنَّ لنا فيها حقًّا فأشرِكْنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل، إنَّ هذا الأمر قد خُصصتُ به دونكم، وأعطيتُه من بينكم، فقالوا له: فأنصِفْنا فإنَّا غير تاركيك حتى نخاصمَك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم مَن شئتم أحاكمْكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم؟ قال: نعم، قال: وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف، وركب مِن كلِّ قبيلة من قريش نَفرٌ، قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعضِ تلك المفاوز بين الحجاز والشام فنِي ماء عبد المطلب وأصحابه، فظَمِئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا مَن معهم من قبائل قريش، فأَبَوْا عليهم، وقالوا: إنَّا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثلَ ما أصابكم، فلمَّا رأى عبد المطلب ما صَنَع القومُ وما يتخوَّف على نفسه وأصحابه، قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رَأيُنا إلاَّ تَبعٌ لرأيك، فمُرْنا بما شئت، قال: فإني أرى أن يَحفِر كلُّ رجل منكم حفرتَه لنفسه بما بكم الآن من القوَّة، فكلَّما مات رجل دفَعَه أصحابه في حفرته، ثم واروه حتى يكون آخرُكم رجلاً واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسرُ مِن ضيعة ركْب جميعًا، قالوا: نِعْمَ ما أمرتَ به، فقام كلُّ واحد منهم فحَفَر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشًا، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إنَّ إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرِب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لَعَجْزٌ، فعسى الله أن يرزقَنا ماءً ببعض البلاد ارتَحِلوا، فارتَحَلوا حتى إذا فرغوا ومَن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدَّم عبد المطلب إلى راحلته فرَكِبها فلمَّا انبعثت به انفجرتْ من تحت خفِّها عين ماء عَذْب، فكبَّر عبد المطلب وكبَّر أصحابه، ثم نَزَل فشرِب وشرب أصحابه، واستقوا حتى ملؤوا أسقيتَهم، ثم دعا القبائل من قريش، فقال: هلمَّ إلى الماء فقد سقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاؤوا فشرِبوا واستقوا، ثم قالوا: قد والله قُضِي لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نُخاصِمك في زمزم أبدًا، إن الذي سقاك هذا الماءَ بهذه الفلاة لهو الذي سقاكَ زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدًا، فرجع ورجعوا معه، ولم يَصِلوا إلى الكاهنة وخلَّوْا بينه وبينها، قال ابن إسحاق: فهذا الذي بَلَغني من حديث علي بن أبي طالب  في زمزم.
    قلت: رجال إسنادِه كلهم ثقات، وقد صرَّح ابنُ إسحاق بالتحديث، فزال ما يُخشَى من تدليسه، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق ابن إسحاق، وإسناده حسن.
    ومِن الرؤيا الظاهرة: رؤيا رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم في الجاهلية الأمرَ بالاستسقاء، حين أصاب قريشًا القحطُ والمَحْل، وقد روى حديثَها الطبرانيُّ في "الكبير" وفي الأحاديث الطوال، والبيهقي في "دلائل النبوة"، وابن الأثير في "أُسْد الغابة" عن مخرمة بن نَوْفل  عن أمِّه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم، وكانت لِدَةَ عبد المطلب قالت: تتابعت علىْ قريش سنون جدبة أقحلت الجلد وأرقت العظم، قالت: فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة إذا أنا بهاتِف صيت يصرُخ بصوت صحل، يقول: يا معشرَ قريش، إنَّ هذا النبي مبعوث منكم، وهذا إبَّان مخرجه فحيَّ هلاً بالخير والخصْب، ألاَ فانظروا منكم رجلاً طوالاً، عظامًا أبيضَ بضًّا، أشمَّ العرنين، له فخر يكظم عليه، وسُنَّة تهدي إليه، ألاَ فليخلص هو وولدُه وليدلف إليه من كلِّ بطن رجل، ألاَ فليشنوا من الماء، وليمسوا من الطِّيب، وليستلموا الركن، وليطوفوا بالبيت سَبعًا، ثم ليرتقوا أبا قبيس، فليستسق الرجلُ، ولْيؤمِّنِ القوم، ألاَ وفيهم الطاهر والطيِّب لذاته، ألا فغثتم إذًا ما شئتم وعشتم.
    قالت: فأصبحتُ - عَلِمَ الله - مفؤودةً مذعورة قد قفَّ جلدي، ووله عقلي، فاقتصصت رؤياي، فنمتُ في شعاب مكة، فو الحرمة والحرم، إنْ بقي بها أبطحي إلاَّ قال هذا شيبة الحمد، هذا شيبة، وتتامتْ عنده قريش، وانفض إليه من كلِّ بطن رجل، فشنُّوا وطيَّبوا، واستلموا وطافوا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفِق القومُ يدفُّون حولَه ما إن يدركَ سعيهم مهله، حتى قرَّ لذروته فاستكنوا جنابيه، ومعهم رسولُ الله  وهو يومئذ غلامٌ قد أيفع أو كَرَبَ، فقام عبد المطلب فقال: اللهمَّ سادَّ الخُلَّة، وكاشفَ الكربة، أنت عالِم غير مُعلَم، ومسؤول غير مُبخَّل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذارت حرمك، يشكون إليك سَنتَهم التي قد أقحلتِ الظلفَ والخُفّ، فاسمعن اللهمَّ، وامطرن غيثًا مريعًا مغدقًا، فما راموا حتى انفجرتِ السماء بمائها، وكظَّ الوادي بثجيجه.
    فلسمعتُ شيخانَ قريش وهي تقول لبعد المطلب: هنيئًا لك أبا البطحاء هنيئًا؛ أي: بك عاش أهلُ البطحاء، وفي ذلك تقول رقيقة:
    بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَى اللَّهُ بَلْدَتَنَا وَقَدْ فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ الْمَطَرُ
    فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ لَهُ سَبَلٌ دَانٍ فَعَاشَتْ بِهِ الْأَمْصَارُ وَالشَّجَرُ
    سَيْلٌ مِنَ اللَّهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ وَخَيْرِ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ
    مُبَارَكِ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عِدْلٌ وَلاَ خَطَرُ
    هذه إحدى الروايتَين عند البيهقي.
    وقال ابن الأثير بعدَ إيراده: أخرجه أبو نعيم وأبو موسى، وقال أبو موسى - يعني المديني - هذا حديثٌ حسنٌ عالٍ، وفي هذا الحديث غريبٌ نشرحه مختصرًا، قوله: لِدَةُ عبد المطلب؛ أي: على سِنه، وأقحلت: أيبست، وأرقت العظم؛ أي: جعلته ضعيفًا من الجهد، والتهويم: أول النوم، والإبان: الوقت، وحي هلاً: كلمة تعجيل، والحيا - مقصور -: المطر والخَصْب؛ أي: أتاكم المطر والخصْب عاجلاً، والعُظَام - بضم العين -: أبلغ من العظيم، والبضّ: الرقيق البشرة، والأشم: المرتفع، وقوله: له فخرٌ يكظم عليه؛ أي: يُخفيه ولا يفاخر به، والسُّنَّة: الطريقة، وتهدي إليه؛ أي: تدل الناس عليه، فليشنوا - بالسين والشين -: أي فليصبُّوا، ومعناه فليغتسلوا، فغثتم؛: أي أتاكم الغَيْث والغوث، ونَمَتْ؛ أي: فشت، وشَيبة الحمد: لقب عبد المطلب، وتَتَامَّت إليه؛ أي: جاؤوا كلهم، ومَهَلُه: سكونه، وقوله: كَرَبَ؛ أي: قَرُب، والخَلَّة: الحاجة. والعذرات: الأفنية، والسَّنَة: القحط والشِّدة، ويعني بالظلف والخف: الغنم والإبل، والمُغْدق: الكثير، واكتظ؛ أي: ازدحم، والثجيج: سيلان كثرة الماء، والشِّيخان: المشايخ، واجْلَوَّذ؛ أي: تأخَّر، والجوني: السحاب الأسود؛ انتهى.
    وفي القصَّة كلمات لم يشرحْها ابن الأثير، وهي تحتاج إلى الشرح؛ منها قوله: "بصوت صحل"؛ أي: فيه بحوحة، وقوله: "رجلا طُوالاً"؛ أي: طويل، فإذا أفرط في الطول قيل طُوَّال بالتشديد، وقوله: "فليدلف": الدليف هو المشي الرويد، يقال: دَلَف إذا مشى وقارب الخطو، وقولها: وفيهم الطاهر والطيب لذاته؛ تعني به: رسول الله  وقولها: "مفؤودة": المفؤود هو الذي أُصيب فؤاده - أي قلبه - بوجع، و"الذعر" - بالضم -: الخوف والفزع، وقوله: "وقَفَّ جِلدي"؛ أي: تقبض، وقيل: أرادت قف شعري فقام من الفزع، و"الوله": ذَهاب العقل والتحيُّر من شِدَّة الوَجْد، وقولها: "فوالحرمة والحرم": هذا من الحَلِف بغير الله، وهو شِرْك، وقد وقع ذلك منها في زمن الجاهلية، وهي إذ ذاك مشرِكة، وقولها: "يدفُّون حوله"؛ أي: يسيرون سيرًا لينًا، و"الميمون طائرُه، وخير مَن بُشِّرت به مضر": هو النبي  ولا يبعد أن تكون إغاثةُ قريش بسبب كونِه  مع المستغيثين منهم، والله أعلم.
    ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا خالد بن سعيد بن العاص قبلَ إسلامه ما كان سببًا في إسلامه، وقد روى قِصَّتَه محمدُ بن سعد في "الطبقات" عن محمد بن عمر - وهو الواقدي - قال: حدَّثَني جعفرُ بن محمد بن خالد بن الزبير، عن محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، قال: كان إسلام خالد بن سعيد قديمًا، وكان أوَّلَ إخوته أسلم، وكان بدءُ إسلامه أنَّه رأى في النوم أنَّه واقف على شفير النار، فذَكَر مِن سَعتِها ما الله به أعلم، ويرى في النوم كأنَّ أباه يدفعه فيها، ويرى رسولَ الله  آخذًا بحِقْوَيه لئلاَّ يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله، إنَّ هذه لرؤيا حقّ، فلقي أبا بكر بن قحافة، فذَكَر ذلك له، فقال أبو بكر: أُرِيدَ بك خير، هذا رسولُ الله  فاتبعه، فإنَّك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يَحجِزُك من أن تقع فيها، وأبوك واقع فيها، فلقِيَ رسولَ الله  وهو بأجياد، فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: ((أدعو إلى الله وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وخلع ما أنت عليه مِن عبادة حجر لا يسمع ولا يُبصر، ولا يضرُّ ولا ينفع، ولا يدري مَنْ عَبَده ممَّن لم يعبده))، قال خالد: فإنِّي أشهد ألاَّ إله إلا الله، وأشهد أنَّك رسولُ الله، فسَّر رسول الله  بإسلامه.
    وتغيَّب خالد، وعَلِم أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه مَن بقي مِن ولده ممَّن لم يُسلِم ورافعًا مولاه، فوجدوه فأتوا به إلى أبيه أبي أحيحة، فأنَّبه وبكَّته، وضربه بمقرعة في يده حتى كسرَها على رأسه، ثم قال: اتبعتَ محمدًا وأنت ترى خلافَه قومَه، وما جاء به من عَيْب آلهتهم، وعيب مَن مضى من آبائهم؟! فقال خالد: قد صَدَق والله واتبعتُه، فغضب أبو أحيحة ونال من ابنه وشتمه، ثم قال: اذهب يا لكع حيثُ شئت، فوالله لأمنعنَّك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإنَّ الله يرزقني ما أعيش به، فأخرجه وقال لبنيه: لا يُكلِّمه أحدٌ منكم إلاَّ صنعتُ به ما صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله  فكان يلزمه ويكون معه، ورواه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الواقدي، ورواية البيهقي مختصرة.







    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن طُفَيل بن سَخْبرة أخي عائشة لأمِّها: أنه رأى فيما يرى النائم كأنَّه مرَّ برهط من اليهود فقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن اليهود، قال: إنَّكم أنتم القوم، لولا أنكم تزعمون أنَّ عُزيرًا ابن الله، فقالت اليهود: وأنتم القومُ، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مرَّ برهط من النصارى فقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن النصارى، فقال: إنكم أنتم القوم، لولا أنَّكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم أنتم القوم، لولا أنَّكم تقولون: ما شاء الله وما شاء محمد؛ فلمَّا أصبح أخبر بها مَن أخبر، ثم أتى النبي  فأخبره فقال: ((هل أخبرتَ بها أحدًا)) قال: نعم، فلمَّا صَلَّوْا خطَبَهم، فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إنَّ طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها مَن أخبر منكم، وإنَّكم كنتم تقولون كلمةً كان يمنعني الحياءُ منكم أن أنهاكم عنها، قال: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمَّد))؛ وقد رواه الطبراني في "الكبير"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه.
    وفي رواية للطبراني: أنَّ رسول الله  قال: ((فإذا قلتُم فقولوا: ما شاء الله وحدَه))، وفي رواية الحاكم: ((فلا تقولوا: ما شاء الله وما شاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحدَه لا شريكَ له)).
    وقد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن رِبْعي بن حِراش، عن حُذَيفة بن اليمان - رضي الله عنهما -: أنَّ رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنَّه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نِعمَ القومُ أنتم، لولا أنَّكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، وذكر ذلك للنبي  فقال: ((أمَا والله إن كنتُ لأعرفها لكم، قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد))، ثم رواه بإسناد صحيح عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سَخْبرة أخي عائشة لأمِّها، عن النبي  بنحوه.
    ورواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن رِبعي - وهو ابن حِراش - عن حذيفة قال: أتى رجل النبي  فقال: إنِّي رأيت في المنام أنِّي لقيت بعضَ أهل الكتاب، فقال: نِعمَ القوم أنتم، لولا أنَّكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فقال النبي : ((قد كنت أكرهها منكم، فقولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد)).







    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن أبي شَيْبة، وأبو نُعَيم في "الحلية" من طريقه، والبيهقي في "دلائل النبوة" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال عمر : رأيتُ رسولَ الله  في المنام، فرأيتُه لا ينظر إليَّ، فقلت: يا رسولَ الله ما شأني؟ قال: ((ألستَ الذي تُقبِّل وأنت صائم؟))، قلت: والذي بعثك بالحق لا أُقبِّل بعدها وأنا صائم.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب البغداديُّ في "تاريخه" عن أحمد بن سِنان قال: سمعتُ يزيد بن هارون يقول: رأيت ربَّ العِزَّة في المنام، فقال لي: يا يزيدُ، تكتب عن حَرِيْز بن عثمان؟ فقلت: يا ربِّ ما علمت منه إلاَّ خيرًا، فقال لي: يا يزيد، لا تكتب منه، فإنه يسبُّ عليًّا.



    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا عن سعيد بن سافري الواسطي قال: كنتُ في مجلس أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبدالله، رأيتُ يزيدَ بن هارون في النوم، فقلت له: ما فَعَل الله بك؟ قال: غَفَر لي ورحمني وعاتبني، فقلت: غفر لك ورحمك وعاتبك! قال: نعم، قال لي: يا يَزيد بن هارون، كتبتَ عن حَرِيز بن عثمان، قلت: يا ربِّ العِزَّة ما علمت إلاَّ خيرًا، قال: إنَّه كان يُبغِض أبا الحسن عليَّ بن أبي طالب.
    وروى الخطيبُ أيضًا عن أبي نافع بن بنت يزيد بن هارون، قال: كنتُ عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان - وأحسبه قال: شيخان - فقال أحدهما: يا أبا عبدالله، رأيت يزيدَ بن هارون في المنام، فقلت له: يا أبا خالد، ما فَعَل الله بك؟ قال: غفر لي، وشفَّعني وعاتبني، قال: قلت: غَفَر لك، وشفَّعك قد عرفتُ، ففيمَ عاتبك؟! قال: قال لي: يا يزيد، أتحدِّث عن حَرِيز بن عثمان؟ قال: قلت: يا ربِّ ما علمتُ إلاَّ خيرًا، قال: يا يزيد، إنه كان يُبغض أبا حسن عليَّ بن أبي طالب، قال: وقال الآخر: أنا رأيت يزيد بن هارون في المنام، فقلت له: هل أتاك مُنكَر ونكير؟ قال: إي والله، وسألاني مَنْ ربُّك، وما دِينُك، ومَن نبيك؟ قال: فقلت: ألِمِثْلي يقال هذا، وأنا كنت أعلم الناس بهذا في دار الدنيا؟! فقالا لي: صدقْتَ، فنَمْ نومة العروس لا بؤسَ عليك.
    وقال السفاريني في كتاب "البحور الزاخرة": "أخرج السِّلَفِي في "الطيوريات" عن سهل بن عمار قال: رأيتُ يزيد بن هارون في المنام بعدَ موته، فقلت: ما فعلَ الله بك؟ قال: أتاني إلى قبري ملَكانِ فظَّانِ غليظان، فقالا: ما دِينُك، ومَن ربُّك، ومَن نبيُّك؟ فأخذت بلحيتي البيضاء، وقلت: لِمِثلي يقال هذا، وقد علَّمْتُ الناس جوابكما ثمانين سَنة، فقالا: أكتبتَ عن حَرِيز بن عثمان؟ قلت: نعم، قالاَ: إنَّه كان يُبغِض عثمان فأبغَضَه الله، قال السفاريني: ورواه اللالكائي بدون زيادةِ أكتبت... إلى آخره، وبدل ثمانين سنة، سِتِّين سَنَة؛ وزاد فقال أحدهما: صَدَق، نَمْ نومة العروس، فلا روعةَ عليك بعد اليوم.
    وروى الخطيب في "تاريخه" عن وهْب بن بيان قال: رأيتُ يزيدَ بن هارون في المنام، فقلت: يا أبا خالد، أليس قد متَّ؟ قال: أنا في قبري، وقبري رَوْضة من رِياض الجنة.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" بإسناده إلى عبدالله بن الإمام أحمد، قال: سمعتُ أبي يقول: رأيت ربَّ العِزَّة - عز وجل - في المنام فقلت: يا ربِّ، ما أفضلُ ما تقرَّب به المتقرِّبون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، قال: قلت: يا ربِّ، بفَهْمٍ أو بغير فهمٍ؟ قال: بفهمٍ، وبغير فهمٍ.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة"، عن أبي جعفر محمَّد بن منصور العابد المعروف بالطوسي، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: رأيت رسولَ الله  في المنام، فقلت: يا رسول الله، كلُّ ما روى عنك أبو هريرة حقّ؟ قال: ((نعم)).
    ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا الشافعي أنَّ أحمد سيُمتحن ويُدْعى إلى القول بخلْق القرآن، وقد روى ذلك ابنُ الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" بإسناده إلى الربيع بن سليمان قال: قال لي الشافعي: يا ربيعُ، خذ كتابي وامضِ به، وسلِّمه إلى أبي عبدالله أحمد بن حنبل، وأتني بالجواب، قال الربيع: فدخلتُ بغداد ومعي الكتابَ، ولقيت أحمد بن حنبل في صلاة الصبح، فصليت معه الفجر، فلمَّا انفتل من المحراب سلمتُ إليه الكتاب، وقلت له: هذا كتابُ أخيك الشافعي مِن مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا، وكسر أحمد الخاتم، وقرأ الكتاب فتغرغرتْ عيناه بالدموع، فقلت له: أي شيء فيه يا أبا عبدالله؟ فقال: يذكر أنَّه رأى النبي  في المنام، فقال له: اكتب إلى أبي عبدالله أحمدَ بنِ حنبل، واقرأ عليه منِّي السلام، وقل: إنك ستُمتحن وتُدْعَى إلى خلق القرآن، فلا تُجبِهم يرفعِ الله لك علمًا إلى يوم القيامة.
    قال الربيع: فقلت: البِشارة، فخلع قميصَه الذي يلي جِلدَه فدفعه إليَّ، فأخذته وخرجتُ إلى مصر، وأخذت جوابَ الكتاب وسلمتُه إلى الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أي شيء الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده، فقال لي الشافعي: ليس نفجعك به، ولكن بلَّه وادفعْ إلينا الماء، حتى أشركك فيه.
    ورواه أيضًا من طريق آخرَ عن الربيع بن سليمان، وقال فيه: إنَّ الشافعي ذَكَر في كتابه أنَّه رأى النبي  في نومه وهو يقول له: يا ابنَ إدريس، بشِّرْ هذا الفتى أبا عبدالله أحمدَ بنَ حنبل أنَّه سيُمتحن في دِين الله، ويُدعَى إلى أن يقول: القرآن مخلوق، فلا يفعل، وإنَّه سيُضرب بالسياط، وإن الله - عز وجل - ينشُرُ له بذلك علمًا لا ينطوي إلى يوم القِيامة، وذكر بقية القصَّة بنحو ما تقدَّم.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي في "مناقِب الإمام أحمد" عن أبي بكر أحمد بن محمد الرمْلي قاضي دمشق، قال: دخلتُ العراق، فكتبت كُتبَ أهلها وأهل الحجاز، فمِن كثرة خلافهما لم أدرِ بأيِّهما آخذ، فلمَّا كان جوف الليل قمتُ فتوضأت وصليت ركعتين، وقلت: اللهمَّ اهدني إلى ما تحب، ثم أويتُ إلى فراشي فرأيتُ النبي  فيما يرى النائم دخل مِن باب بني شيبة، وأسند ظهرَه إلى الكعبة، فرأيت الشافعي وأحمد بن حنبل على يمين النبي  والنبي يتبسم إليهما، وبِشْرٌ المريسي من ناحية، فقلت: يا رسولَ الله، من كثرة اختلافهما لا أدري بأيها آخذ، فأومأَ إلى الشافعي وأحمد، فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ [الأنعام: 89]، ثم أومأ إلى بشْر فقال: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 89-90].






    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن محمَّد بن أبي الورد قال: سمعتُ يحيى الجلاَّء - أو علي بن الموفق - قال: ناظرتُ قومًا من الواقفة أيَّام المحنة، فنالوني بما أكره فصرتُ إلى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدَّمتْ إليَّ امرأتي عشاءً، فقلت لها: لستُ آكِلاً، فرفعتْه ونمتُ فرأيت النبي  في النوم داخلَ المسجد، وفي المسجد حلقتان؛ إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي دؤاد وأصحابه، فوقف بين الحلقتَين وأشار بيده، وقال: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ﴾ وأشار إلى حلقة ابن أبي دؤاد ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل، وقد رواه الخطيب في "تاريخه" بمثله.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن عبدالوهاب الورَّاق قال: رأيتُ النبيَّ  أقْبَل، فقال لي: ((ما لي أراك محزونًا؟)) قال: قلت: وكيف لا أكون محزونًا وقد حَلَّ بأمَّتك ما قد ترى، قال: فقال لي: ((لَينتهِينَّ الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل لينتهينَّ الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل)).




    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن أبي زرعة قال: رأيتُ النبي  في النَّوْم فشكوتُ ما نلقَى من الجهمية، فقال: ((لا تحزنْ، فإنَّ أحمد بن حنبل قد سدَّ عليهم الأفق)).
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن أبي عبدالله السِّجْستاني قال: رأيتُ رسولَ الله  في المنام، فقلت: يا رسول الله، مَن تركتَ لنا في عصرنا هذا من أمَّتك نقْتدي به في دِيننا؟ قال: ((عليكم بأحمدَ بن حنبل))، وروى ابن الجوزي أيضًا عن أحمد بن نَصْر الخزاعي نحوَه، ورواه القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة" بنحوه أيضًا.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن بندار محمَّد بن بشَّار العبدي قال: رأيت أحمدَ بن حنبل في المنام شِبهَ المغضب، فقلت: يا أبا عبدالله، أراك مغضبًا، فقال: وكيف لا أغضب وجاءني مُنكر ونكير يسألانِ مَنْ ربُّك؟ فقلت لهما: ولمثلي يقال مَنْ ربُّك؟! فقالا لي: صدقتَ يا أبا عبدالله، ولكن بهذا أُمرِنا فاعذرنا.
    وروى ابن الجوزي أيضًا عن عبدالله بن الإمام أحمد قال: رأيتُ أبي في المنام فقلت: ما فَعَل الله بك؟ قال: غفَرَ لي، قلت: جاءك منكر ونكير؟ قال: نعم، قالاَ لي: من ربُّك؟ قلت: سبحان الله، أما تستحيان مني؟! فقالا لي: يا أبا عبدالله، اعذرنا، بهذا أُمِرْنا.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن ابن خُزَيمة قال: لَمَّا مات أحمد بن حنبل اغتممتُ غمًّا شديدًا، فبتُّ من ليلتي فرأيتُه في النوم وهو يتبختَرُ في مِشيته، فقلت: يا أبا عبدالله، ما هذه المشية؟ قال: مِشية الخُدَّام في دار السلام، فقلت له: ما فَعَل الله بك؟ قال: غَفَر لي وتوَّجني، وألْبسني نعلَين من ذهب، وقال لي: يا أحمدُ، هذا بقولك: القرآن كلامي، ثم قال لي: يا أحمد، لِمَ كتبت عن حَرِيز بن عثمان؟ فقلت: يا ربِّ كان ثِقَة، فقال: صدقتَ، ولكنَّه كان يبغض عليًّا أبغضه الله، ثم قال لي: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بَلغتْك عن سفيان الثوريِّ كنت تدعو بها في دار الدنيا، فقلت: يا ربَّ كلِّ شيء، فقال: هيه، فقلت: بقدرتك على كلِّ شيء، فقال: صدقت، فقلت: لا تسألني عن شيء، واغفرْ لي كلَّ شيء، فقال: يا أحمد، هذه الجَنَّة، فادخل إليها.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن يحيى بن يوسف الزِّمِّي قال: رأيتُ في المنام إبليس رِجلاَه في الأرض، ورأسه في السماء، أسود مثل اللَّيْل، وله عينان في صدره، فلما رأيتُه قلت: مَن أنت؟ قال: هو إبليس، فجعلت أقرأ آية الكرسي، قال: فقلت له: ما أقْدَمك هذه البلاد؟ قال: إلى بِشْر بن يحيى، رجل من الجهمية، قال: قلت: مَن استخلفت بالعراق؟ قال: ما مِن مدينة ولا قرية إلاَّ ولي فيها خليفة، قلت: ومَن خليفتك بالعراق؟ فقال: بِشْر المريسي، دعا الناس إلى أمر عجزتُ عنه، وفي رواية قال: دعا الناس إلى ما عجزتُ عنه، قال: القرآن مخلوق، وقال في هذه الرواية، إنَّ بشر بن يحيى كان بمَرْو يرى رأيَ المريسي.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا عن أحمد بن الدورقي قال: مات رجلٌ مِن جيراننا شابّ، رأيتُه في الليل وقد شَابَ، فقلت: ما قِصتُك؟ قال: دُفِن بشر في مقبرتنا، زفرتْ جهنم زفرةً شابَ منها كلُّ مَن في المقبرة.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا وابن الجوزي في "مناقب أحمد" عن عبدالله بن المبارك الزَّمِن قال: رأيتُ زبيدة في المنام، فقلت: ما فَعَل الله بك؟ قالت: غَفَر لي بأوَّل مِعْوَل ضُرِب في طريق مكة، قلت: فما هذه الصُّفرة في وجهك؟ قالت: دُفِن بين ظهرانينا رجلٌ يقال له بشر المريسي، زفرتْ عليه جهنم زفرةً، فاقشعرَّ لها جلدي، فهذه الصفرة من تلك الزفرة.
    زاد ابن الجوزي، قلت: فما فَعَل أحمد بن حنبل؟ قالت: الساعة فارَقَني أحمد بن حنبل في طبار من دُرَّة بيضاء، في لُجَّة حمراء، يُريد زيارة الجبَّار عز وجل، قلت: بما نال ذلك؟ قلت: بقوله: القرآن كلام الله، غير مخلوق.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا عن سفيان بن وكيع، قال: رأيتُ كأنَّ جهنَّم زفرتْ فخرج منها اللهب، فقلت: ما هذا؟ قال: أُعِدَّت لابن أبي دؤاد.






    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الآجُريُّ في كتاب "الشريعة" عن بقية بن الوليد قال: حدَّثَني أبو غِياث، قال: بينا أنا أُغسِّل رَجلاً من أهل القَدَر قال: فتفرَّقوا عني، فبقيتُ أنا وحدي، فقلت: ويل للمكذِّبين بأقدار الله، قال: فانتفض حتى سَقَط عن دفِّه، قال: فلمَّا دفناه عند باب الشرقي رأيتُ في ليلتي تلك في منامي كأنِّي منصرف من المسجد، إذا بجنازة في السوق يحملها حبشيَّانِ، رِجلاها بين يديهما، فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، قلت: سبحان الله! أليس قد دفناه عند باب الشرقي؟! قال: دفنتموه في غير موضعه، فقلت: والله لأتبعنه حتى أنظرَ ما يُصنع به، فلمَّا أن خرجوا به من باب اليهود مالوا به إلى نواويس النصارى، فأتوا قبرًا منها فدفنوه فيه، فبدت لي رجلاه فإذا هو أشدُّ سوادًا من الليل.





    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه شيخُ الإسلام أبو إسماعيل الهروي بإسناده إلى أبي زيد المروزي قال: كنتُ نائمًا بين الرُّكن والمقام، فرأيتُ النبي  في المنام، فقال لي: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتابَ الشافعي، ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسولَ الله وما كتابك؟ قال: جامع محمَّد بن إسماعيل؛ ذكر هذه الرؤيا الحافظُ ابن حجر في آخر مقدمة "فتح الباري".




    ومن الرؤيا الظاهرة: ما ذكره ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" عن عبدالله البرداني الزاهد، قال: رأيتُ النبي  في المنام، فقال لي: يا عبدالله، مَن تمسَّك بمذهب أحمد في الأصول سامحتُه فيما اجترح - أو فيما فرَّط - في الفروع.





    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب في "تاريخه" قال: حدَّثَني علي بن الحسين العُكْبَري قال: رأيتُ أبا القاسم هِبةَ الله بن الحسن الطبريَّ في المنام، فقلت: ما فَعَل الله بك؟ قال: غَفَر لي، قلت: بماذا؟ فكأنِّي به قال كلمة خفية، يقول: بالسُّنَّة.



    ومن الرؤيا الظاهرة: ما نقله ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" عن ابن السمعاني: سمعتُ أبا حفص عمر بن المبارك بن سهلان، سمعتُ الحسينَ بن خِسْرو البلخي، قال: رُئِي الشيخ أبو منصور الخيَّاط في النوم، فقيل له: ما فَعَل الله بك؟ قال: غفر لي بتعليمي الصِّبيانَ فاتحةَ الكتاب.


  • red
    عضو جديد
    • 09-07-2013
    • 3

    #2
    رد: روايات مسنده


    ومن الرؤيا الظاهرة: ما ذكره ابن رجب عن ابن النجَّار: أنَّه ذَكر عن عليٍّ الفاخراني الضرير، قال: رأيتُ صدقةَ الناسخ في المنام، فقلتُ له: ما فَعَل الله بك؟ قال: غَفَر لي بعد شِدَّة، فسألتُه عن عِلم الأصول - أي الكلام - فقال: لا تشتغلْ به، فما كان شيءٌ أضرَّ عليَّ منه، وما نفعني إلاَّ خمس قصيبات - أو قال تميرات - تصدقتُ بها على أرملة.
    قال ابن رجب: قلت: هذا المنام حقّ، وما كانت مصيبتُه إلاَّ مِن علم الكلام، ولقد صَدَق القائل: ما ارتدَى أحدٌ بالكلام فأفلح، وبسبب شُبَه المتكلمين والمتفلسفة كان يقع له أحيانًا حَيْرة وشكٌّ يذكرها في أشعاره، ويقع له من الكلام والاعتراض ما يقع؛ انتهى.



    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الفاكهيُّ في "أخبار مكة" عن إبراهيم بن سعيد بن صيفيٍّ المخزومي - وكان صَدِيقًا لعُبيدالله بن قُثَم بن عباس - قال: أرسل إليَّ عُبيدُالله بن قُثَم وهو أمير مكة نصفَ النهار، وكان نازلاً ببئر ميمون في دار لُبَابة بنت علي – أي: ابنِ عبدالله بن عباس - زوجته، وهي معه، فأتيتُه وهو مذعورٌ، فقال: يا أبا إسماعيل، إني رأيتُ والله عجبًا في قائلتي، خرج إليَّ وجه إنسان مِن هذا الجدار، فقال:
    بَيْنَمَا الْحَيُّ وَافِرُونَ بِخَيْرٍ حَمَّلُوا خَيْرَهُمْ عَلَى الْأَعْوَادِ
    أنا والله ميِّت، قال: قلت: كلا، هذا والله من الشيطان، قال: لا والله، قال: قلت: فينعى غيرك، قال: مَنْ؟ قلت: لَعلَّ غيرك، قال: كأنك تُعرِّض بلبابة بنت علي، هي والله خير مني، قال: فوالله ما مكثنا إلا شهرًا أو نحوه حتى ماتتْ لُبَابة، فقال لي: يا أبا إسماعيل، هو ما قُلْتَ، قال: ثم أقمنا فأرسل إليَّ في مثل ذلك الوقت، فأتيتُه فقال: قد والله خرج إلي ذلك الوجه بعينه، فقال:
    بَيْنَمَا الْحَيُّ وَافِرُونَ بِخَيْرٍ حَمَّلُوا خَيْرَهُمْ عَلَى الْأَعْوَادِ
    أنا والله ميِّت، قال: قلت: كلاَّ إن شاء الله، قال: ليس ههنا لُبَابة أخرى تعللني بها، قال: فمكثنا شهرًا أو نحوه ثم مات.
    وروى الفاكهي أيضًا أنَّ عبيد الله بن قُثَم - وهو يومئذٍ والي مكة - قال: رأيت في منامي أنَّ رجلاً وقف بين يدي، فقال:
    بَيْنَمَا الْحَيُّ وَافِرُونَ بِخَيْرٍ حَمَّلُوا خَيْرَهُمْ عَلَى الْأَعْوَادِ
    قال: فظننتُ أنه يعنيني بذلك، وقلت: نُعيتْ إليَّ نفسي، ثم ذكر أنَّ لبابة بنت علي بن عباس زوجته، فقلت: إنَّها خير مني، وأنها التي تموت، وأقمت شهرين أو ثلاثة بذلك ثم ماتتْ، فأقمت بعدها شهرًا أو نحوها، فإذا بذاك قد مَثَل بين يدي فقال:
    فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقى خِلاَفَ الَّذِي مَضَى تَأَهَّبْ لِأُخْرَى بَعْدَهَا فَكَأَنْ قَدِي
    قال: فبعث حين رأى ذلك إلى إبراهيمَ بن سعيد بن صيفي، وإلى زكريا بن الحارث بن أبي مسرة، فذكر ذلك لهما فتوجَّعَا له، وقالا له: يقيك الله أيُّها الأمير، قال: فلَمْ يلبث إلاَّ يسيرًا حتى مات.




    ومن الرؤيا الظاهرة: ما ذكره ابن القيم في كتاب "الروح" أنَّ عُمير بن وهب  أُتِي في منامه، فقيل له: قمْ إلى موضع كذا وكذا من البيت فاحفره، تَجِد مالَ أبيك، وكان أبوه قد دَفَن مالاً، ومات ولم يوصِ به، فقام عمير من نومه فاحتفر حيث أمَرَه فأصاب عشرةَ آلاف درهم، وتبرًا كثيرًا، فقضى دَيْنه، وحَسُن حاله وحال أهل بيته، وكان ذلك عقبَ إسلامه، فقالت له الصغرى مِن بناته: يا أبت ربُّنا هذا الذي حَبَانا بدِينه خيرٌ من هُبَل والعزَّى، ولولا أنَّه كذلك ما ورثك هذا المال، وإنما عبدتَه أيامًا قلائل.
    قال ابن القيِّم: قال عليُّ بن أبي طالب القيرواني العابر: وما حديث عمير هذا واستخراجه المال بالمنام بأعجبَ مما كان عندنا، وشاهدناه في عصرنا بمدينتنا مِن أبي محمَّد عبدالله البغانشي، وكان رجلاً صالحًا، مشهورًا برؤية الأموات، وسؤالهم عن الغائبات، ونَقْله ذلك إلى أهلهم وقراباتهم، حتى اشتهر بذلك، وكَثُر منه، فكان المرء يأتيه فيشكو إليه أنَّ حميمه قد مات من غير وصية، وله مال لا يُهتدَى إلى مكانه، فيَعِدُه خيرًا ويدعو الله في ليلته، فيتراءَى له الميِّت الموصوف، فيسأله عن الأمر، فيخبره به!
    فمن نوادره: أنَّ امرأة عجوزًا من الصالحات تُوفِّيت ولامرأةٍ عندَها سبعةُ دنانير وديعة، فجاءتْ إليه صاحبةُ الوديعة، وشَكَتْ إليه ما نَزَل بها، وأخبرتْه باسمها واسم الميتة صاحبتها، ثم عادتْ إليه من الغد، فقال لها: تقول لك فُلانة: عُدِّي من سقف بيتي سبع خشبات، تجدي الدنانيرَ في السابعة في خِرْقة صوف، ففعلت ذلك فوجدتْها كما وصف لها.
    قال: وأخبرني رجلٌ لا أظنُّ به كذبًا، قال: استأجرتْني امرأة من أهل الدنيا على هدم دار لها وبنائها بمالٍ معلوم، فلمَّا أخذتُ في الهدم لزمتِ الفَعَلة هي ومن معها، فقلت: ما لك؟ قالت: واللهِ ما لي إلى هَدْم هذه الدار من حاجة، لكنَّ أبي مات، وكان ذا يسار كثيرٍ، فلم نجد له كثيرَ شيء، فخِلتُ أنَّ ماله مدفون، فعمدتُ إلى هدم الدار لعلِّي أجد شيئًا، فقال لها بعضُ مَن حضر: لقد فاتك ما هو أهونُ عليك مِن هذا، قالت: وما هو؟ قال: فلان تَمضِين إليه وتسألينه أن يبيت قصتك الليلة، فلعلَّه يرى أباك فيدلك على مكان مالِه بلا تعب ولا كُلْفة، فذهبتْ إليه، ثم عادتْ إلينا، فزعمت أنَّه كتب اسمها واسم أبيها عنده، فلمَّا كان من الغد بكَّرت إلى العمل، وجاءتِ المرأة من عند الرجل، فقالت: إنَّ الرجل قال لي: رأيت أباك وهو يقول: المال في الحنية، قال: فجعلنا نحفر تحت الحنية وفي جوانبها، حتى لاح لي شقٌّ وإذا المال فيه، قال: فأخذْنا في التعجُّب، والمرأة تستخفُّ بما وجدتْ، وتقول: مال أبي كان أكثر مِن هذا، ولكني أعود إليه، فمضتْ فأعلمته، ثم سألتْه المعاودة، فلمَّا كان من الغَدِ أتت، وقالت: إنَّه قال لها: إن أباك يقول لك: احفري تحت الجابية المربَّعة التي في مخزن الزَّيْت، قال: ففتحتِ المخزن فإذا بجابية مربَّعة في الركن، فأزلناها وحفرنا تحتَها فوجدنا كوزًا كبيرًا، فأخذتْه، ثم دام بها الطمع في المعاودة، ففعلتْ فرجعتْ من عنده وعليها الكآبة، فقالت: زعم أنَّه رآه وهو يقول له: قد أخذت ما قُدِّر لها، وأمَّا ما بقي فقد جلس عليه عِفريتٌ من الجن يحرسه إلى مَن قدِّر له.
    وذكر ابن القيم أيضًا عن القيروانيِّ: أنَّه ذكر في "كتاب البستان" عن بعض السلف قال: كان لي جارٌ يشتم أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فلمَّا كان ذات يوم أكثر مِن شتمهما فتناولتُه وتناولني، فانصرفتُ إلى منزلي وأنا مغموم حزين، فنمت وتركتُ العَشاء، فرأيت رسولَ الله  في المنام، فقلت: يا رسول الله، فلانٌ يسبُّ أصحابك، قال: ((مَن أصحابي؟)) قلت: أبو بكر وعمر، فقال: ((خُذْ هذه المدية فاذبحْه بها))، فأخذتُها فأضجعتُه وذبحتُه، ورأيت كأنَّ يدي أصابها من دمِه، فألقيت المدية، وأهويتُ بيدي إلى الأرض لأمسحَها، فانتبهت وأنا أسمع الصُّراخ من نحو داره، فقلت: ما هذا الصراخ؟ قالوا: فلانٌ مات فجأة، فلمَّا أصبحْنا جئتُ فنظرت إليه، فإذا خطُّ موضع الذبح.
    قال: وقال محمَّد بن عبدالله المهلبي: رأيتُ في المنام كأنِّي في رَحْبة بني فلان، وإذا النبي  جالسٌ على أكمة، ومعه أبو بكر، وعمر واقف قُدَّامَه، فقال له عمر: يا رسول الله، إنَّ هذا يشتمني ويشتم أبا بكر، فقال: ((جِئْ به يا أبا حفص))، فأتى برجل، فإذا هو العماني، وكان مشهورًا بسبِّهما، فقال له النبي : ((أَضْجِعه))، فأضجعه، ثم قال: ((اذْبحْه)) فذَبَحه، قال: فما نبَّهني إلا صِياحُه، فقلت: ما لي لا أخبره عسى أن يتوب، فلمَّا تقربت مِن منزله سمعت بكاءً شديدًا، فقلت: ما هذا البكاء؟ فقالوا: العمَّاني ذُبِح البارحةَ على سريره، قال: فدنوتُ من عنقه، فإذا مِن أذنه إلى أذنه طريقة حمراء كالدَّمِ المحصور.
    قال: وقال القيرواني: أخبرني شيخٌ لنا من أهل الفضْل، قال: أخبرني أبو الحسن المُطَّلبي إمامُ مسجد النبي  قال: رأيتُ بالمدينة عجبًا، كان رجل يسبُّ أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فبَيْنا نحن يومًا من الأيَّام بعد صلاة الصبح، إذ أقبل رجلٌ وقد خرجتْ عيناه، وسالتَا على خديه، فسألناه ما قِصَّتُك؟ فقال: رأيت البارحةَ رسولَ الله  وعليٌّ بين يديه، ومعه أبو بكر وعمر، فقالا: يا رسولَ الله، هذا الذي يؤذينا ويسبُّنا، فقال لي رسولُ الله : ((مَن أَمَرَك بهذا يا أبا قيس؟)) فقلت له: عليٌّ، وأشرتُ إليه، فأقبل عليَّ عليٌّ بوجهه ويده، وقد ضمَّ أصابعه، وبَسَط السبَّابة والوسطى، وقصد بها إلى عَيْني، فقال: إنْ كنت كذبت ففقأ الله عينيك، وأدخل أصبعيه في عيني، فانتبهتُ مِن نومي، وأنا على هذه الحال، فكان يبكي، يُخبِر الناس، وأعلن بالتوبة.
    قال: وفي "كتاب المنامات"؛ لابن أبي الدنيا، عن شيخ من قريش، قال: رأيتُ رجلاً بالشام قد اسودَّ نصفُ وجهه وهو يُغطِّيه، فسألتُه عن ذلك، فقال: قد جعلتُ لله علي ألاَّ يسألَني أحد عن ذلك إلاَّ أخبرتُه به؛ كنت شديدَ الوقيعة في عليِّ بن أبي طالب  فبَيْنا أنا ذات ليلة نائِم إذ أتاني آتٍ من منامي، فقال لي: أنت صاحبُ الوقيعة فيَّ؟ فضرب شقَّ وجهي، فأصبحتُ وشِقُّ وجهي أسودُ كما ترى.
    قال: وذَكَر ابن أبي الدنيا عن أبي حاتم الرازي، عن محمَّد بن علي قال: كنَّا بمكة في المسجد الحرام قعودًا، فقام رجلٌ نِصفُ وجهه أسودُ ونصفه أبيض، فقال: يا أيُّها الناس، اعتبروا بي، فإنِّي كنتُ أتناول الشيخَين وأشتمهما، فبينما أنا ذات ليلة نائِم، إذ أتاني آتٍ فرفع يدَه فلَطَم وجهي، وقال لي: يا عدوَّ الله، يا فاسق، ألستَ تسبُّ أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما؟! فأصبحتُ وأنا على هذه الحالة.
    قال: وقال القيرواني: أخبرني شيخٌ من أهل الفضْل، قال: أخبرني فقيهٌ، قال: كان عندنا رجلٌ يُكثِر الصوم ويسردُه، ولكنه كان يؤخِّر الفِطر، فرأى في المنام كأنَّ أسودين آخذين بضَبْعَيه وثيابه إلى تنُّور محمي ليلقياه فيه، قال: فقلت لهما: على ماذا؟ فقالاَ: على خِلافِك لسُنَّة رسول الله  فإنَّه أمر بتعجيل الفطر، وأنت تؤخِّره، قال: فأصبح وجهُه قد اسودَّ من وهجِ النار، فكان يمشي متبرقعًا في الناس.
    قال: وذَكَر مسعدةُ عن هشام بن حسان، عن واصل مولى أبي عُيَينة، عن موسى بن عبيدة، عن صَفيَّة بنت شيبة، قالت: كنتُ عند عائشة - رضي الله عنها - فأتَتْها امرأةٌ مشتملة على يدها، فجعل النِّساء يولعنَ بها، فقالت: ما أتيتُك إلاَّ من أجل يدي، إنَّ أبي كان رجلاً سمحًا، وإني رأيت في المنام حياضًا عليها رِجال معهم آنية يَسقُون مَن أتاهم، فرأيت أبي قلت: أين أمِّي؟ فقال: انظري، فنظرتُ فإذا أمي ليس عليها إلاَّ قطعة خِرْقة، فقال: إنَّها لم تتصدَّق قطُّ إلاَّ بتلك الخِرقة وشحمة مِن بقرة ذَبحُوها، فتلك الشحمة تُذاب وتطرى، بها وهي تقول: واعطشاه، قالت: فأخذتُ إناءً من الآنية فسقيتُها فنوديتُ مِن فوقي: مَنْ سقاها أيبس الله يدَه، فأصبحتْ يدي كما ترين.
    قال: وذَكَر الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ وأصبغ وخلف بن القاسم وجماعة، عن سعيد بن مسلمة، قال: بينما امرأةٌ عند عائشة، إذ قالت: بايعتُ رسولَ الله  على ألاَّ أشرك بالله شيئًا، ولا أسرقَ ولا أزنيَ، ولا أقتل ولدي، ولا آتيَ ببهتان أفتريه مِن بين يدي ورِجلي، ولا أعصي في معروف، فوفيتُ لربِّي، ووفا لي ربي، فوالله لا يُعذِّبني الله، فأتاها في المنام مَلَك، فقال لها: كلاَّ، إنك تتبرَّجين، وزينتَك تُبدِين، وخيرَك تَكندين، وجارَك تؤذين، وزوجَك تعصين، ثم وضع أصابَعه الخمس على وجهها وقال: خمس بخمس، ولو زدت زدناك، فأصبحتْ وأثر الأصابع في وجهها، قلتُ: وقد روى هذه القصَّة الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "دلائل النبوة" بسياق غير هذا السياق، وتقدَّم ذكرُها، فلتراجع.
    قال ابن القيِّم: وذَكَر مسعدة في كتابه في الرؤيا عن ربيع بن الرَّقَاشي، قال: أتاني رجلانِ فقعدَا إليَّ، فاغتابَا رجلاً فنهيتُهما، فأتاني أحدهما بعدُ، فقال: إني رأيتُ في المنام كأن زنجيًّا أتاني بطبق عليه جنب خنزير لم أرَ لحمًا قط أسمنَ منه، فقال لي: كُلْ، فقلت: آكلُ لحمَ خِنزير؟! فتهدَّدني فأكلتُ، فأصبحت وقد تغيَّر فمي، فلم يزلْ يجد الرِّيح في فمه شهرين.
    قال: وكان العلاءُ بن زياد له وقتٌ يقوم فيه، فقال لأهله تلك الليلة: إني أجد فترة، فإذا كان وقت كذا، فأيقظوني فلم يفعلوا، قال: فأتاني آتٍ في منامي، فقال: قم يا علاء بن زياد، اذكرِ الله يذكرْك، وأخذ بشعرات في مُقدَّم رأسي فقامتْ تلك الشعرات في مُقدَّم رأسي، فلم تزل قائمةً حتى مات، قال يحيى بن بسطام: فلقد غسَّلْناه يومَ مات، وإنهنَّ لقيام في رأسه.
    قال: وكان نافعٌ القاري إذا تكلَّم يُشمُّ من فيه رائحةُ المِسك، فقيل له: كلما قعدتَ تطيبت؟ فقال: ما أمسُّ طِيبًا ولا أقربه، ولكن رأيتُ رسولَ الله  في المنام وهو يقرأ في فمِي، فمِن ذلك الوقت يُشَمُّ مِن في هذه الرائحة.
    قال: وكان سِماك بن حرْب قد ذهب بصرُه، فرأى إبراهيم الخليل في المنام فمسح على عينيه، وقال: اذهب إلى الفُرات، فانغمس فيه ثلاثًا ففعل فأبصر.
    قال: وكان إسماعيل بن بلال الحضرمي قد عَمِي فأُتِي في المنام، فقيل له: قل يا قريب يا مجيب، يا سميعَ الدعاء، يا لطيف بمَن يشاء، رُدَّ عليَّ بصري، قال الليث بن سعد: أنا رأيتُه قد عمِي، ثم أبصر.
    وروى الخطيب في "تاريخه" عن عبدالله بن محمَّد بن إسحاق السمسار، قال: سمعتُ شيخي يقول: ذهبت عينَا محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - في صِغَره، فرأتْ والدته في المنام إبراهيمَ الخليل - عليه الصلاة والسلام - فقال لها: يا هذه قد ردَّ الله على ابنك بصرَه لكثرةِ بُكائِك، أو لكثرة دعائك، قال: فأصبح وقد ردَّ الله عليه بصرَه، وقد ذكر هذه القصَّةَ الحافظُ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" من رواية غنجار في تاريخ بُخارى، واللالكائي في "شرح السنة" في "باب كرامات الأولياء".




    ومن الرؤيا الظاهرة: ما نقله القلقشندي في كتاب "مآثر الأنافة، في معالِم الخلافة" عن القضاعي: أنَّه حَكَى في "خطط مصر" أنَّه كان للإمام اللَّيث بن سعد دارٌ ببلدة قلقشندة، فهدمها عبدالملك بن رفاعة عنادًا له، فعمرها الليث فهدَمها عبدالملك، فعمرها فهدمها، فلمَّا كان في الثالثة بينما اللَّيْث نائم إذا بهاتف يهتف به: قمْ يا ليثُ ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: 5]، فأصبح ابنُ رفاعة وقد أصابه الفالج، فأوصى إلى اللَّيْث، وبقي ثلاثًا ثم مات.




    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رآه يعقوبُ بن داود السُّلمي وزير المهدي وهو في الحبس، وأوَّله بأنَّه سيخرج مِن الحبس، وقد روى ذلك الخطيبُ البغدادي في "تاريخه" من طريق ابن أبي الدنيا: حدَّثَني خالد بن يزيد الأزدي، حَدَّثَني عبدالله بن يعقوب بن داود، قال: قال أبي: حَبَسني المهدي في بئر، وبُنيت عليَّ قُبَّة، فمكثت فيها خمس عشرة حجَّة، حتى مضى صدرٌ من خلافة الرشيد، وكان يدلي إليَّ في كل يوم رغيفًا وكوزًا من ماء، وأوذن بأوقات الصلاة، فلمَّا كان في رأس ثلاث عشرة حجَّة أتاني آتٍ في منامي فقال:
    حَنَا عَلَى يُوسُفٍ رَبٌّ فَأَخْرَجَهُ مِنْ قَعْرِ جُبٍّ وَبَيْتٍ حَوْلَهُ غَمَمُ
    قال: فحمدتُ الله، وقلت: أتى الفرج، قال: فمكثتُ حولاً لا أرى شيئًا، فلمَّا كان رأسُ الحول أتاني ذلك الآتي فقال لي:
    عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللَّهُ إِنَّهُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي خَلِيقَتِهِ أَمْرُ
    قال: ثم أقمتُ حولاً لا أرى شيئًا، ثم أتاني ذلك الآتي بعدَ الحول، فقال:
    عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ
    فَيَأْمَنُ خَائِفٌ وَيُفَكُّ عَانٍ وَيَأْتِي أَهْلَهُ النَّائِي الْغَرِيبُ
    قال: فلمَّا أصبحتُ نوديتُ، فظننت أني أوذن بالصلاة، فدلِّي لي حبل أسود، وقيل لي: اشدُد به وسطَك، ففعلت فأخرجوني، فلمَّا قابلت الضوء عَشَى بصري، فانطلقوا بي فأدخلت على الرشيد، فقيل: سَلِّم على أمير المؤمنين، فقلت: السلام عليك أميرَ المؤمنين ورحمة الله وبركاته، المهدي قال: لستُ به، قلت: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الهادي، قال: لستُ به، قلت: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، قال: الرشيد، فقلت: الرشيد، فقال: يا يعقوب بن داود، إنَّه والله ما شفع فيك إليَّ أحد، غير أنِّي حملتُ الليلة صبيةً لي على عنقي، فذكرتُ حملَك إيَّاي على عنقك، فرثيت لك من المحلِّ الذي كنتَ به فأخرجتك، قال: فأكرمني وقرَّب مجلسي، قال: ثم إنَّ يحيى بن خالد تنكَّر لي كأنَّه خاف أن أغلب على أمير المؤمنين دونه، فخفتُه فاستأذنت للحجِّ فأذن لي، فلم يزل مقيمًا بمكَّة حتى مات بها.



    ومن الرؤيا الظاهرة العظيمة: ما ذُكِر عن الملك العادل نورُ الدين محمود بن زنكي بن أقسنقر: أنَّه رأى رسولَ الله  في المنام يستنجده على رجلين أرادَا إخراجَه مِن قبره، وقد ذَكَر القصةَ في هذه الرؤيا نورُ الدين علي بن أحمد السمهودي في كتابه "الوفا بأخبار دار المصطفى"، وذكر أنَّ ذلك كان في سَنَة سبع وخمسين وخمسمائة، وهذا نصُّ ما ذكره.
    خاتمة: فيما نُقِل من عمل نور الدين الشهيد الخندق حولَ الحُجرة الشريفة مملوءًا بالرصاص، وذكر السبب في ذلك وما ناسبه.
    اعلم أنِّي وقفتُ على رسالة قد صنَّفها العلاَّمة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى، وسمَّاها بعضهم بـ "الانتصارات الإسلامية"، ورأيت عليها بخطِّ تلميذه شيخ مشايخنا زَيْن الدين المراغي ما صورته "نصيحة أولي الألباب، في مَنْع استخدام النصارى كتَّاب"؛ لشيخنا العلاَّمة جمال الدين الأسنوي، ولم يُسمِّه فسميتُه بحضرته فأقرَّني عليه؛ انتهى.
    فرأيته ذكر فيها ما لفظه: وقد دعتهم أنفسُهم - يعني النصارى - في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد إلى أمْر عظيم ظنُّوا أنه يتمُّ لهم، ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: 32]، وذلك أنَّ السلطان المذكور كان له تهجُّد يأتي به بالليلِ، وأوراد يأتي بها، فنام عقبَ تهجُّده فرأى النبي  في نومِه وهو يُشير إلى رَجلَين أشقرين، ويقول: أنْجدِني أنقذِني مِن هذين، فاستيقظَ فزعًا، ثم توضَّأ وصلَّى ونام، فرأى المنامَ بعينه، فاستيقظ وصلَّى ونام، فرآه أيضًا مرَّة ثالثة، فاستيقظ، وقال: لم يبقَ نومٌ، وكان له وزير من الصالحين يُقال له جمال الدين الموصلي، فأرسل خلفَه ليلاً، وحَكَى له جميعَ ما اتفق له، فقال له: وما قعودُك، اخرج الآن إلى المدينة النبويَّة، واكتم ما رأيت، فتجهَّز في بقية ليلته، وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرًا، وبصحبته الوزير المذكور ومالٌ كثير، فقدِم المدينة في ستة عشر يومًا، فاغتسل خارجَها ودخل، فصلَّى بالرَّوْضة وزار، ثم جلس لا يدري ماذا يصنع، فقال الوزير وقد اجتمع أهلُ المدينة في المسجد: إنَّ السلطان قَصَد زيارةَ النبي  وأحضر معه أموالاً للصدقة فاكتبُوا مَنْ عندَكم، فكتبوا أهل المدينة كلهم، وأمر السلطان بحضورهم، وكلُّ مَن حضر أَخَذ يتأمله؛ ليجدَ فيه الصفة التي أراها النبي  له فلا يجد تلك الصِّفة، فيعطيه ويأمره بالانصراف، إلى أن انقضى الناس، فقال السلطان: هل بقي أحدٌ لم يأخذ شيئًا من الصَّدقة، قالوا: لا، فقال: تفكَّروا وتأمَّلوا، فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلين مغربيِّين لا يتناولان من أحد شيئًا، وهما صالحان غنيَّان يُكْثران الصدقة على المحاويج، فانشرح صدرُه، وقال: عليَّ بهما؛ فأُتي بهما، فرآهما الرجلين اللَّذين أشار النبي  إليهما بقوله ((أنجدِني أنقذِني مِن هذين))، فقال لهما: مِن أين أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب جئْنا حاجَّين، فاخترنا المجاورةَ في هذا العام عند رسول الله  فقال: أصدقاني، فصمَّما على ذلك، فقال: أين منزلهما فأخبر بأنَّهما في رِباط بقرب الحجرة، فأمسكهما وحَضَر إلى منزلهما، فرأى فيه مالاً كثيرًا، وختمتَين وكتبًا في الرقائق، ولم ير فيه شيئًا غير ذلك، فأثنى عليهما أهلُ المدينة بخير كثير، وقالوا: إنهما صائمانِ الدهر، ملازمان الصلوات في الرَّوْضة الشريفة، وزيارة النبي  وزيارة البقيع كلَّ يوم بُكرةً، وزيارة قُباء كلَّ سبت، ولا يردَّان سائلاً قطُّ بحيث سدَّا خَلَّة أهل المدينة في هذا العام المجدب، فقال السلطان: سبحان الله! ولم يظهر شيئًا مما رآه، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه فَرَفع حصيرًا في البيت، فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى صَوْب الحجرة الشريفة فارتاعتِ الناس لذلك، وقال السلطان عند ذلك: اصْدُقاني حالكَما، وضربهما ضربًا شديدًا، فاعترفا بأنهما نصرانيَّان بعثهما النصارى في زيِّ حُجَّاج المغاربة وأمالوهما بأموال عظيمة، وأمروهما بالتحيُّل في شيء عظيم خيلتْه لهم أنفسهم، وتوهَّموا أن يُمكِّنَهم الله منه، وهو الوصول إلى الجَناب الشريف، ويفعلوا به ما زيَّنه لهم إبليس في النقل، وما يترتب عليه فنزلاَ في أقرب رِباط إلى الحجرة الشريفة، وفعلاَ ما تقدَّم، وصارَا يَحفِران ليلاً، ولكلٍّ منهما محفظة جلد على زيِّ المغاربة، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته، ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانِه بين القبور، وأقامَا على ذلك مدَّة، فلمَّا قربَا من الحجرة الشريفة أرعدتِ السماء وأبرقت، وحصل رجيفٌ عظيم، بحيث خُيِّل انقلاع تلك الجبال، فقدِم السلطان صبيحةَ تلك الليلة، واتفق إمساكهما واعترافهما، فلمَّا اعترفَا وظهر حالهما على يديه، ورأى تأهيلَ الله له لذلك دون غيره بَكَى بكاءً شديدًا وأَمَر بضرْب رقابهما، فقُتلاَ تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة، وهو ممَّا يلي البقيع، ثم أمر بإحضار رصاص عظيمٍ وحَفَر خندقًا عظيمًا إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأُذيب ذلك الرصاص، وملأ به الخندق فصار حولَ الحجرة الشريفة سورًا رصاصًا إلى الماء، ثم عاد إلى ملكه وأمر بإضْعاف النصارى، وأمر ألاَّ يُستعمل كافرٌ في عمل من الأعمال، وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها؛ انتهى.
    وقد أشار إلى ذلك الجمالُ المطري باختصار، ولم يذكر عملَ الخندق حول الحجرة وسَبْك الرصاص به، لكن بين السَّنة التي وقع فيها ذلك مع مخالفة لبعض ما تقدَّم، فقال في الكلام على سور المدينة المحيط بها اليوم: وصل السلطان نور الدين محمود بن زنكي بن أقسنقر في سَنَة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة الشريفة، بسبب رؤيا رآها ذَكَرها بعضُ الناس، وسمعتُها من الفقيه عَلَم الدين يعقوب بن أبي بكر المحترق أبوه ليلةَ حريق المسجد، عمَّن حدَّثَه مِن أكابر مَن أدرك: أنَّ السلطان محمودًا المذكور رأى النبي  ثلاثَ مرَّات في ليلة واحدة، وهو يقول في كل واحدة: يا محمود، أنقذِني من هذين الشخصَين الأشقرين تُجاهَه، فاستحضر وزيرَه قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حَدَث في مدينة النبي  ليس له غيرُك، فتجهَّز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة، وما يتبعها مِن خيل وغير ذلك، حتى دخل المدينة على حِين غفلة من أهلها، والوزير معه، وزارَ وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع، فقال له الوزير: أتعرف الشخصَين إذا رأيتهما؟ قال: نعم، فطلب الناس عامَّة للصدقة، وفرَّق عليهم ذهبًا كثيرًا وفضَّة، وقال: لا يبقين أحدٌ بالمدينة إلاَّ جاء فلم يبق إلاَّ رجلان مجاوران من أهل الأندلس، نازلانِ في الناحية التي قبلة حجرة النبي  من خارج المسجد عندَ دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة، فطلبهما للصدقة فامتنعَا وقالاَ: نحن على كفاية ما نقبل شيئًا، فجدَّ في طلبهما، فجيء بهما، فلما رآهما قال للوزير: هما هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما فقالاَ: لمجاورة النبي  فقال: اصْدقاني، وتكرَّر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، فأقرَّا أنهما من النصارى، وأنهما وصلاَ لكي ينقلاَ مَن في هذه الحجرة الشريفة باتِّفاق من ملوكهم، ووجدهما قد حفرَا نقبًا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة ويجعلانِ التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه، فضرب أعناقَهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النبي  خارجَ المسجد، ثم أُحْرِقَا بالنار آخرَ النهار، وركب متوجهًا إلى الشام؛ انتهى.
    وقد وقع في سَنة تسعين وثلاثمائة قِصَّةٌ قريبة الشبه من قصَّة النصرانيَين اللَّذَين أرادَا نقل النبي  من المدينة، وقد ذكر هذه القصَّة ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد"، ونقلها عنه ابنُ الجزري في تاريخه، ونقلها تقيُّ الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي في كتابه "العقد الثمين، في تاريخ البلد الأمين" عن الجزري، وذكرها أيضًا النجْمُ عمر بن فهْد في كتابه "إتحاف الورى، بأخبار أمِّ القرى"، وذكرها أيضًا السمهودي في كتابه "وفاء الوفا، بأخبار دار المصطفى"، وذكر ابن فهد أنَّ هذه القصة وقعتْ في سنة تسعين وثلاثمائة.
    قال الفاسي: ذَكَر الجزريُّ في تاريخه حكايةً اتفقت لأبي الفتوح صاحب مكَّة بالمدينة، نقلها عن تاريخ ابن النجَّار البغدادي، وقد رأيتُ أن أذكرها لغرابتها، أنبئت عمَّن أنبأه الحافظ ابن النجَّار - ثم ساق بالإسناد إلى أبي القاسم عبدالحكيم بن محمَّد المقري الزاهد، قال: أشار بعضُ الزنادقة على الحاكم العُبَيدي بنبش قبر النبي  وصاحبيه وحَمْلهم إلى مصر، وقال له: متى تمَّ هذا الأمر شدَّ الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر، فكانت منقبةً يعود جمالها على مصر وساكنيها، فدخل ذلك عقلَ الحاكم فنفذ إلى أبي الفتوح يأمرَه بذلك، فسار أبو الفتوح حتى قَدِم المدينة، وحضر إليه جماعة من أهلها؛ لأنَّه كان بلغهم ما قَدِم بسببه، وكان حضر معهم قارئ يعرف بالرُّكْباني، فقرأ بين يدي أبي الفتوح: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ﴾ [التوبة: 12-14] قال: فمَاجَ الناس، وكادوا أن يقتلوا أبا الفتوح ومَن معه من الأجناد، وما منعهم إلاَّ أنَّ البلاد كانت للحاكم، فلما رأى أبو الفتوح ما الناس عليه قال لهم: الله أحقُّ أن يُخشى، والله لا أتعرَّض لشيء من ذلك، وَدَعِ الحاكم يفعل فيَّ ما أراد، ثم استولى عليه ضِيق الصدر وتقسيم الفِكر كيف أجاب، فما غابتِ الشمس في بقية ذلك اليوم حتى أرسلَ الله تعالى من الريح ما كادتِ الأرض تزلزل منه، وتدحرجت الإبلُ بأقتابها، والخيل بسروجها كما تدحرج الكُرة على وجه الأرض، وهلك خَلْق كثيرون من الناس، وانفرج هَمُّ أبي الفتوح لَمَّا أرسل الله تعالى تلك الرِّياح التي شاعَ ذِكْرها في الآفاق؛ لتكون له حُجَّة عند الحاكم من الامتناع من نبْش القبور الكريمة؛ انتهى.





    ومن الرؤيا الظاهرة: ما جاء في قصَّة طويلة ذَكَرها اللاَّلَكائي في كتابه "شرح السُّنة"، عن يوسف بن الحسن بن إبراهيم الخيَّاط، قال: كان في الجانب الشرقي في وقت أبي الحسن بن بويه رجلٌ ديلمي من قوَّاده يُسمَّى جبنه، مشهور، وَجْهٌ من وجوه عسكره - ويذكر جماعة من الحاضرين لهذه الحكاية أنَّه كان رجلاً مشهورًا، له مال ونجدة وجمال - قال: بينما هو واقف يومًا في موسم الحاج ببغداد، وقد أخذ الناس في الخروج إلى مكَّة إذ عَبَر به رجلٌ يُعرف بعلي الدقاق - معافري - قال يوسف: هو حدثني بهذه القصة إذ هو صاحبُها، والمبتلَى بها، وكنتُ أسمع غيرَه من الناس يذكرونها لشهرتها، إلا أني سمعته يقول: عبرت على جبنه، فقال لي: يا عليُّ، هو ذا تحج هذه السَّنة؟ قلت: لمْ تتفق لي حجة إلى الآن، وأنا في طلبها، فقال لي - جوابًا عن كلامي -: أنا أعطيك حجَّة، فقلت له - من غير أن يصح في نفسي كلامه -: هاتِها، فقال: يا غلام مُرَّ إلى عثمان الصيرفي وقلْ له يزن لك عشرين دينارًا، فمررت مع غلامه فوزن لي عثمان عشرين دينارًا ورجعت إليه، فقال لي: أصلحْ أمورَك، فإذا عزمت على الرحيل فأرني وجهك؛ لأوصيكَ بوصية.
    فانصرفت عنه وهيأت أموري، فرجعت إليه، فقال لي أولاً: قد وهبت لك هذه الحجَّة، ولا حاجة لي فيها، ولكن أحملك رسالة إلى محمَّد، فقلت: ما هي؟ قال: قل له أنا بريء من صاحبيك أبي بكر وعمر اللَّذين هما معك، ثم حلَّفني بالطلاق إنك لتقولنها، وتبلغن هذه الرسالة إليه، فورد عليَّ موردٌ عظيم، وخرجت من عنده مهمومًا حزينًا، وحججت، ودخلتُ المدينة، وزرت قبر رسول الله  وصرتُ مترددًا في الرسالة أبلغها أم لا، وفكَّرت في أني إن لم أبلغْها طلقت امرأتي، وإن بلغت عظمتْ عليَّ مما أواجه به رسولَ الله  فاستخرتُ الله تعالى في القول، وقلت: إنَّ فلان بن فلان يقول كذا وكذا، وأديت الرسالة بعينها، واغتممت غمًّا شديدًا، وتنحيت ناحيةً، فغلبتني عيناي فرأيتُ النبي  فقال: قد سمعتُ الرسالة التي أديتَها، فإذا رجعتَ إليه فقل: إنَّ رسول الله  يقول: أبشرْ يا عدوَّ الله يومَ التاسع والعشرين من قدومك بغداد بنار جهنم.
    وقمتُ، وخرجت، ورجعت إلى بغداد، فلما عبرتُ إلى الجانب الشرقي فكرت وقلت: إنَّ هذا رجل سُوء، بلغتُ رسالته إلى رسول الله  أبلغ رسالتَه إليه، وما هو إلاَّ أن أخبره بها حتى يأمرَ بقتلي، أو يقتلني بيده، وأخذت أُقَدِّم وأؤخِّر، فقلت: لأقولنها ولو كان فيها قتلي، ولا أكتم رسالتَه وأخالف أمره، فدخلتُ عليه قبل الدخول على أهلي، فما هو إلاَّ أن وقعتْ عينه عليَّ، فقال لي: يا دقَّاق، ما عملت في الرِّسالة؟ قلت: أديتُها إلى رسول الله  ولكن قد حمَّلني جوابها، قال: ما هي؟ فقصصت عليه رؤياي، فنظر إليَّ، وقال: إن قتل مثلك عليَّ هيِّن - وسَبَّ وشتم، وكان بيده زوبين يهزُّه، فهزَّه في وجهي - ولكن لأتركنَّك إلى اليوم الذي ذكرتَه، ولأقتلنك بهذا الزوبين - وأشار إلى الزوبين - ولامني الحاضرون، وقال لغلامه: احبسه في الاصطبل وقيِّده.
    فحُبست وقيِّدت، وجاءني أهلي وبَكَوا عليَّ، ورثوا لي ولاموني، فقلت: قُضي الذي كان، ولا موت إلاَّ بأجل، ولم تزلْ تمرُّ بي الأيام والناس يتفقدوني ويرحموني ممَّا أنا فيه، حتى مضت سبعة وعشرون يومًا، فلما كانت الليلة الثامنة والعشرون اتَّخذ الديلميُّ دعوة عظيمة أحضر فيها عامَّةَ وجوه قوَّاد العسكر، وجلس معهم للشُّرْب، فلما كان نصف الليل جاءني السايس، فقال لي: يا دقَّاق، القائد أخذتْه حمى عظيمة، وقد تدثر بجميع ما في الدار، ووقع عليه الغلمان فوق الثياب وهو ينتفض في الثياب نفضًا عظيمًا، وكان على حالته اليوم الثامن والعشرين، وأتت ليلة التاسع والعشرين، ودخل السايس نصف الليل، وقال: يا دقَّاق مات القائد، وحلَّ عني القيد، فلما أصبحْنا اجتمع الناس من كلِّ وجه، وجلس القوَّاد للعزاء وأخرجتُ أنا، وكانت قصَّتي مشهورة، واستعادوني، فقصصت عليهم، ورجع جماعةٌ كثيرة عن مذابهم الرديئة.



    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن أبي الدنيا قال: حدَّثَني أحمد بن جميل، حدَّثَنا عبدالله بن المبارك، أخبرَنا عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن زيد بن أسلم، قال: أُغمي على المسور بن مَخْرَمة - رضي الله عنهما - ثم أفاق فقال: أشهد ألاَّ إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، عبدالرحمن بن عوف في الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، وعبد الملك والحجَّاج يجرَّان أمعاءهما في النار.
    وقد ذكر الحافظُ ابن حجر هذه القصَّة في ترجمة الحجَّاج بن يوسف من "تهذيب التهذيب"، ثم قال: هذا إسناد صحيح، ولم يكن للحجَّاج حينئذ ذِكْر، ولا كان عبدالملك وَلِي الخلافة بَعْدُ؛ لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعيُ يزيد بن معاوية من الشام، وذلك في ربيع الأول سنة أربع وستين من الهجرة؛ انتهى.
    ومن الرؤيا الظاهرة: ما رآه عمر بن عبد العزيز حين أُغمي عليه، وقد ذَكَر هذه القصةَ أبو نعيم في "الحلية"، وابن الجوزي في "سيرة عمر بن عبدالعزيز"، وذكرها غيرهما من المؤرِّخين، وهي قصة طويلة، وقد جاء فيها: أنَّ عمر بن عبدالعزيز حين أُغمي عليه رأى أنَّ القيامة قد قامتْ، ورأى أنه أوقف بين يدي الله، وأنَّ الله رحمه، وأمر به إلى الجنة، قال: فبينا أنا مارٌّ مع الملَكَيْن الموكلين بي إذ مررتُ بجيفة ملقاة على رماد، فقلت: ما هذه الجيفة؟ قالوا: ادنُ منه وسلْه، يخبرْك، فدنوت منه فوكزتُه برِجلي، وقلت له: مَن أنت؟ فقال لي: مَن أنت؟ قلت: أنا عمر بن عبدالعزيز، قال لي: ما فَعَل الله بك وبأصحابك؟ قلت: أمَّا أربعة فأمر بهم ذات اليمين إلى الجنة، ثم لا أدري ما فعل الله بِمَن كان بعد علي، فقال لي: أنت ما فعل الله بك؟ قلت: تفضَّل عليَّ ربي وتداركني منه برحمة، وقد أمر بي ذات اليمين إلى الجنة، فقال: أنا كما صرت - ثلاثًا - قلت: أنت من أنت؟ قال: أنا الحجَّاج بن يوسف، قلت له: حجَّاج - أُردِّدها عليه ثلاثًا - قلت: ما فعل الله بك؟ قال: قدمتُ على ربٍّ شديد العقاب، ذي بطشة، منتقم ممَّن عصاه، قتلني بكلِّ قتلة قتلتُ بها مثلها، ثم ها أنا ذا موقوفٌ بين يدي ربي أنتظر ما ينتظر الموحِّدون من ربهم، إمَّا إلى جنة، وإمَّا إلى نار.


    Comment

    • red
      عضو جديد
      • 09-07-2013
      • 3

      #3
      رد: روايات مسنده


      ومن الرؤيا الظاهرة: ما ذَكَره ابن كثير في "البداية والنهاية" عن الأصمعي، عن أبيه قال: رأيت الحجَّاج في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلَني بكلِّ قتلة قتلت بها إنسانًا، قال: ثم رأيتُه بعد الحَوْل، فقلت: يا أبا محمَّد، ما صنع الله بك؟ فقال: يا ماصَّ بَظْر أمِّه، أما سألتَ عن هذا عام أول؟!
      وقال القاضي أبو يوسف: كنتُ عند الرشيد، فدخل عليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، رأيتُ الحجَّاج البارحةَ في النوم، قال: في أيِّ زي رأيتَه؟ قال: في زيٍّ قبيح، فقلت: ما فعَل الله بك؟ فقال: ما أنت وذاك يا مَاصَّ بَظْر أمِّه؟!
      فقال هارون: صدق والله، أنت رأيت الحجَّاج حقًّا، ما كان أبو محمد ليدع صرامته حيًّا وميتًا.
      ، وروى حنبل بن إسحاق بإسناده عن أشعث الخراز، قال: رأيتُ الحجَّاج في المنام في حالة سيِّئة، فقلت: يا أبا محمد، ما صنع بك ربُّك؟ قال: ما قتلتُ أحدًا قتلةً إلاَّ قتلني بها، قال: ثم أمر بي إلى النار، قلت: ثم مَهْ؟ قال: ثم أرجو ما يرجو أهلُ لا إله إلا الله.


      ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "من عاش بعد الموت"، عن أبي مسعود الجريري، قال: ذَكَر شيخ في مسجد الأشياخ كان يُحدِّثنا عن أبي، قال: بينما نحن حولَ مريض لنا إذ هدأ وسَكَن، حتى ما يتحرَّك منه عرق، فسجيناه وأغمضناه، وأرسلْنا إلى ثيابه وسِدرِه وسريره، فلما ذهبْنا نحمله لنغسله تحرَّك فقلنا: سبحان الله! ما كنا نراك إلاَّ قد مت، قال: فإني قد مت، وذُهِب بي إلى قبري، فإذا إنسانٌ حسن الوجه، طيِّب الرِّيح قد وضعني في لحدي وطواه بالقراطيس، إذ جاءت إنسانة سوداء منتنة الرِّيح، فقالت: هذا صاحب كذا، وهذا صاحب كذا، أشياء والله أستحي منها، كأنما أقلعتُ عنها ساعتئذ!
      قال: قلت: أنشدك أن تدعني وهذه، قالت: انطلقْ نخاصمْك، قال: فانطلقنا إلى دار فيحاء واسعة، وفيها مصطبة كأنَّها من فضَّة، في ناحية منها مسجد، ورجل قائم يصلِّي، فقرأ سورة النحل فتردَّد في مكان منها، ففتحتُ عليه، فانفتل فقال: السورة معك؟ قلت: نعم، قال: أما إنها سورة النِّعم، قال: ورفع وسادةً قريبة منه، فأخرج صحيفة فنظر فيها فبدرتْه السوداء، فقالت: فعل كذا، وفعل كذا، قال: وجعل الحسن الوجه يقول: وفعل كذا، وفعل كذا - يذكر محاسن.
      قال: فقال الرجل: عبدٌ ظالم لنفسه، لكنَّ الله تجاوز عنه، لم يجئ أجلُ هذا بَعْدُ، أجل هذا يوم الاثنين، قال: فقال لهم: انظروا، فإن متُّ يوم الاثنين فارجوا لي ما رأيت، وإن لم أمتْ يوم الاثنين، فإنما هو هذيان الوجع، قال: فلمَّا كان يومُ الاثنين، صحَّ حتى بعد العصر، ثم أتاه أجلُه فمات.
      وفي هذا الحديث: فلما خرجنا من عند الرجل قلت للرجل الحسن الوجه الطيِّب الرِّيح: ما أنت؟ قال: أنا عملُك الصالح، قلت: فما الإنسانة السوداء المنتنة الرِّيح، قال: ذلك عملك الخبيث.


      ومن الرؤيا الظاهرة: ما ذَكَره ابن كثير في "البداية والنهاية" في ترجمة الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح، المتوفَّى في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، قال: روى أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، عن جماعة: أنَّ عطَّارًا من أهل الكرخ كان مشهورًا بالسُّنة رَكِبه ستمائة دينار دَيْنًا، فأغلق دُكَّانه وانكسر عن كسبِه، ولزم منزله، وأقبل على الدعاء والتضرُّع والصلاة لياليَ كثيرة، فلما كان في بعض تلك الليالي رأى رسول الله  في المنام وهو يقول له: ((اذهبْ إلى عليِّ بن عيسى الوزير، فقد أمرتُه لك بأربعمائة دينار))، فلما أصبح الرجل قصَد باب الوزير، فلم يعرفه أحدٌ، فجلس لعلَّ أحدًا يستأذن له على الوزير، حتى طال عليه المجلس وهمَّ بالانصراف، ثم إنه قال لبعض الحَجَبة: قل للوزير: إني رجل رأيتُ رسول الله  في المنام وأنا أريد أن أقصَّه على الوزير، فقال له الحاجب: وأنت صاحبُ الرؤيا! إنَّ الوزير قد أنفذ في طلبك رسلاً متعدِّدة، ثم دخل الحاجب فأخبر الوزير، فقال: أدخلْه عليَّ سريعًا، فدخل عليه، فأقبل عليه الوزير يستعلم عن حالِه واسمه، وصفتِه ومنزله، فذكر ذلك له، فقال له الوزير: إني رأيتُ رسول الله  وهو يأمرني بإعطائك أربعمائة دينار، فأصبحت لا أدري مَن أسأل عنك، ولا أعرفك، ولا أعرف أين أنت، وقد أرسلتُ في طلبك إلى الآن عِدَّة رسل، فجزاك الله خيرًا عن قصدك إيَّاي، ثم أمر الوزير بإحضار ألْف دينار، فقال: هذه أربعمائة دينار لأمْر رسول الله  وستمائة هِبة من عندي، فقال الرجل: لا والله لا أزيد على ما أمرني به رسولُ الله  فإني أرجو الخيرَ والبركة فيه، ثم أخذ منها أربعمائة دينار، فقال الوزير: هذا هو الصِّدق واليقين.
      فخرج ومعه الأربعمائة دينار، فعَرَض على أرباب الديون أموالَهم، فقالوا: نحن نصبر عليك ثلاثَ سنين، وافتح بهذا الذهب دُكَّانك ودُمْ على كسبك، فأبى إلاَّ أن يعطيهم من أموالهم الثلث، فدفع إليهم مائتي دينار، وفتح حانوته بالمائتي الدينار الباقية، فما حال عليه الحَوْلُ حتى رَبِح ألف دينار.
      وقد ذكر هذه القصَّة القاضي أبو علي التنوخي في الجزء الثاني من كتاب "الفرج بعد الشدة"، وفي الجزء الثاني من كتاب "نشوار المحاضرة".


      ومن الرؤيا الظاهرة: ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" قال: اجتمع بالدِّيار المصريَّة محمد بن نصر - يعني: المروزي - ومحمد بن جرير الطبري، ومحمد بن المنذر، فجلسوا في بيت يكتبون الحديث، ولم يكن عندَهم في ذلك اليوم شيء يقتاتونه، فاقترعوا فيما بينهم أيُّهم يخرج يسعى لهم في شيء يأكلونه، فوقعتِ القرعة على محمد بن نصر، فقام إلى الصلاة، فجَعَل يصلِّي، ويدعو الله عز وجل، وذلك في وقت القائلة، فرأى نائب مصر - وهو طولون، وقيل: أحمد بن طولون - في منامه في ذلك الوقت رسولَ الله  وهو يقول له: ((أدْرِك المحدِّثين، فإنهم ليس عندهم ما يقتاتونه))، فانتبه من ساعته، فسأل: مَن ها هنا مِن المحدِّثين؟ فذُكر له هؤلاء الثلاثة، فأرسل إليهم في الساعة الراهنة بألف دينار، فدخل الرسول بها عليهم، وأزال الله ضررَهم، ويسَّر أمرهم.
      تنبيه: ليعلم طالبُ العلم أنَّ باب الأحلام الظاهرة واسع جدًّا، وما ذكرته في هذا الفصل من الأحلام التي ليستْ في الأحاديث المرفوعة والموقوفة، فهو قليلٌ من كثير ممَّا وقفتُ عليه ممَّا جاء في هذا النوع، ولو ذكرت كلَّ ما وقفت عليه من ذلك لطال الكتاب، وفيما ذكرتُه كفاية - إن شاء الله تعالى

      Comment

      Working...
      X
      😀
      🥰
      🤢
      😎
      😡
      👍
      👎