إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتاب “كون من لاشيء ” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - البرفسور لورانس كراوس

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5279

    كتاب “كون من لاشيء ” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - البرفسور لورانس كراوس





    A Summary of ‘A Universe from Nothing: Why There Is Something Rather than Nothing’ by Lawrence Krauss

    January 28, 2012

    بسم الله الرحمن الرحيم

    لغرض تجميع معلومات عن طرح الملحدين حول خلق الكون من لاشيء احببت ان اضع لك ترجمة مختصرة لكتاب كون من لاشي للبروفسور الملحد لورانس كراوس علما بان الكتاب صدر عام 2012 وتم ترجمته الى اكثر من عشرون لغة عالمية

    "كتاب كون من لاشيء " البروفسور لورانس كراوس


    المقدمة:

    افضل مايخبرنا به العلم ان كوننا هو شيء يتوسع ويتالف من 400 بليون مجرة والتي بدأت مع انفجار هائل وشديد الحرارة تأتّى من نفطة واحدة وعلى وجه الدقة قبل حوالي 13.72 بليون سنة

    درجة التطور العلمي التي حصلت في الماضي القريب تنعكس من خلال فهم الكون الذي وصلنا له فقط في القرن الماضي. في ذلك الوقت كان يعتقد ان الكون كان ساكنا ويتكون من مجرة واحدة فقط وهي مجرتنا.

    في المئة سنة الماضية احدثت نظرية اينشتاين النسبية ثورة في فهم الزمكان وفهم العمليات الفيزياوية على مستوى المقاييس الأكبر على الاطلاق بينما نظرية ميكانيكا الكم احدث ثورة في فهم العمليات الفيزياوية على المستوى الأصغر على الاطلاق. ان تطور هاتين النظريتين على وجه الخصوص هو الذي وفر لنا الفهم الحالي للكون.

    على كل حال فان صورة الكون التي زودتنا بها هاتين النظرتين لازالت تصاحبها مشاكل واضحة.

    ماذا كان يوجد قبل الانفجار الكبير؟

    بالتاكيد شيء ما كان موجود سابقا فلو كان لاشيء موجود لاصبحت الاشياء متأتّية من العدم وهذا شيء يبدو غير معقول. في الحقيقة هناك اشياء قليلة غير قابلة للتصديق الحسي بصورة اكبر من القول بان يكون شيء من لاشيء

    ضمن مجمتمع الفلسفة لاشيء يتنتج لاشيء (من اللاشيء لاياتي شيء) مسألة معتبرة كونها فرضية تدل على نفسها وهي واحدة من عدد قليل من المسلمات التي لا تقبل الجدل تماما

    التناقض الواضح بين بداية الكون عند وقت محدود وفرضية أن شيئا لا يمكن أن يأتي من لا شيء، استخدمت كثيرا كحجة لوجود سبب غير مسبّب او خالق (يفهم غالبا انه الله)

    على كل حال في كتابه الجديد " كون من لاشيء: لماذ هنالك شيء ما وليس لاشيء؟ " الفيزيائي وعالم الفلك الشهير لورنس كراوس يقدم فكرته انه مع فهم كامل للعلم الذي نتج عنه صورة الكون الحالية سيسمح برؤية ان شيء ما قد ينتج من لاشيء.

    ولهذا بالنسبة لكراوس فان العلم في الحقيقة بامكانه ان يقوم بالعمل الذي يعتقد غالبا ان الله فقط من يقوم به. كما وضع كراوس (استعارة سطرا من الفيزيائي ستيفن واينبرغ) العلم لايجعل الايمان بالله مستحيلا ولكنه يجعل بالامكان عدم الايمان به. (ص 183)

    بعرضه العلم الذي يسمح لامكانية شيء من لاشيء فان كراوس ياخذنا خلال تاريخ وتطور الفيزياء وعلم الفلك خلال القرن الماضي ابتداءا بالنظرية النسبية لالبرت اينشتاين في 1916

    خلال هذه الرحلة في تاريخ وتطور الفيزياء سنتعرف على مايقوله العلم عن مكونات الكون بضمنها وجود المادة المظلمة الطاقة المظلمة اضافة الى مايخبرنا به العلم عن بداية الكون (المحتملة) والى اين هو (كما يحتمل) متجه.


    1- من قوانين اسحاق نيوتن في الفيزياء الى النظرية النسبية لاينشتاين


    بالوقت الذي جاء به اينشتاين كعالم في مقتبل القرن الماضي فان قوانين اسحاق نيوتن في الفيزياء كانت مهيمنة خلال المئتين سنة التي سبقت. ولكن كان هناك ظاهرة معينة مرصودة لا تتماشى تماما مع قوانين نيوتن للفيزياء، علي سبيل المثال سلوك مجالات الفيض المغناطيسي.

    في محاولة لرفع عدم التوافق بين النظرية والمشاهدات العملية قدم اينشتاين نظرية بديلة عرفت بالنظرية النسبية. بينما رفعت نظرية اينشتاين التناقض في قوانين نيوتن فان اقل ما يقال عن الاثار المترتبة على هذه النظرية انها غريبة.

    من جانب فان نظرية اينشتاين اعتبرت ان الزمان والمكان ليسا مطلقين بل نسبيين وبالامكان انحنائهما وطيهما كما هي الاشياء ضمن الزمان والمكان يمكن ان تنحني وتطوى.

    كما كان يبدو ذلك غريبا فان الادلة التجريبية جاءت بعد ذلك بوقت قصير لتثبت صحة النظرية. الدليل الاول تمثل في قدرة النظرية النسبية على حساب الانحراف في مدار كوكب عطارد والتي لم تستطع أن تستوعبها نظرية نيوتن. (ص3)

    مع ذلك فإن الحسم الحقيقي جاء في عام 1919 عندما تم رصد انحاء المكان مباشرة. كما بيّن كراوس "في 1919...رصدت بعثتان انحناء ضوء النجوم حول الشمس خلال كسوف الشمس بتلك الدقة التي تنبأ بها اينشتاين بحدوث انحناء في المكان حوال الشمس." (ص 26)

    أحد الملابسات التي قدمتها نظرية اينشتاين هو ان الجاذبية تسحب الاجسام لتتجمع معا باستمرار ولذلك اذا لم يكن هناك قوة مضادة للجاذبية فان جميع الاجسام في الكون قد تحطم بعضها البعض. (ص 2)

    هذا ليس صعب الفهم فقط ولكنه يتعارض مع الفهم الحالي الذي تم الوصول اليه بعد النظرية وهو ان الكون ساكن (والذي تسنده جميع الادلة ناهيك عن ذكر تاييد الدين)

    من اجل ان تكون النظرية متوافقة مع كون ساكن افترض اينشتاين انه لابد من وجود قوة موازنة وتكون بمقدار دقيق لتلغي قوة الجاذبية (ص 3). هذه القوة اصبحت تدعى "الثابت الكوني ". (ص 57)


    2 - الانفجار الكبير

    مع استمرار ترشح الادلة حولة طبيعة الكون الحقيقية تبين ان الكون ليس ساكنا ولا انه ينهار ولكنه كان في الحقيقة يتوسع. اول من اكتشف ذلك هو " ادون هابل " في العشرينات والذي استعمل ادلة جديدة في تقنية التلسكوب بالتزامن مع الصفات المعروفة لنوعية وشدة اضاءة ضوء النجوم لعمل هذا التصميم. (ص 8-10)

    وبالصدفة فان رصد هابل واكتشاف توسع الكون سمح له بالاستنتاج ان مجرتنا ليست الوحيدة في الكون. (ص 8)

    وعليه بضربة واحدة وبفضل كبير لهابل فان تصورنا عن الكون مر بثورة كونية (ولاغرابة ان يسمى باسمه التلسكوب الخاص الذي أُنشئ بعده) وبالحديث عن ذلك فان الصور من هذا التلسكوب رائعة

    تحت اي ظرف (علماً أن الجاذبية تسحب - الجاذبية قوة جذب) فإن الكون المتوسع يعني انه يجب ان تكون هناك قوة تعاكس الجاذبية وفي وقتنا الحالي فان هذه القوة تفوق قوة الجاذبية. إضافة الى هذا إن الكون المتوسع يعني ان الكون كان في وقت ما اصغر ولا بد أنه قد بدأ في " نقطة مفردة " (ص 15).

    قدمت هذه النتائج زخما دافعا لافتراض نظرية الانفجار الكبير للكون. وهي فكرة ان الكون بدا بنقطة مفردة ساخنة وانفجر نحو الخارج مع طاقة هائلة لينتج الكون الحالي.

    من هذا المنطلق استمرت الادلة التي تدعم الانفجار الكبير للكون في النمو. واحد من اهم الادلة التي تدعم نظرية الانفجار الكبير هو ان النظرية تفترض ضمنا اننا يجب ان نرى وفرة من جسيمات العناصر الخفيفة في الكون بضمنها الهيدروجين والهيليوم والليثيوم (وهي التي عُرِف انها العناصر الوحيدة التي تكونت مباشرة من الانفجار الكبير[ص18])

    والتنبؤ الذي انتجته النظرية بخصوص وفرة جسيمات العناصر الخفيفة في الكون يتوافق بدقة مع الوفرة المرصودة لهذه العناصر. (ص 18)



    3 -الى أين يتوجه الكون؟

    إذن من المفهوم أن الجاذبية تشد الأجسام لبعضها باستمرار، بينما الطاقة من انفجار عظيم في الظاهر تدفع الأشياء بعيداً عن بعضها.

    أحد الأسئلة المطروحة تلقائياً هي: أيهما سينتصر في النهاية؟

    هل ستكون الطاقة من الانفجار العظيم كبيرة بما يكفي لتستمر بجعل أجزاء الكون تتنافر الى ما لا نهاية؟

    أم هل ستنفذ هذه الطاقة في النهاية فتسمح للجاذبية أن تسيطر وتجذب كل شيء لبعضه لتتشكل كتلة واحدة كبيرة؟

    الخيار الثالث هو: هل سيستمر الكون بالتوسع بمعدل أبطأ من دون أن يتوقف أبداً؟

    بناءً على النظرية النسبية لاينشتاين، والتي تسمح بانحناء المكان، كل خيار سيعني أن الكون سيتخذ شكلاً مختلفاً.

    في الحالة الأولى سيكون الكون مفتوحاً وفي الحالة الثانية مغلقاً وفي الأخيرة مسطحاً. إذن لتشكيل السؤال باعتبار النسبية نقول: هل كان الكون مفتوحاً، مغلقاً أم مسطحاً؟ (ص. 27)

    احدى طرق اجابة السؤال هي مقارنة قوة طاقة الانفجار العظيم (الظاهرة من خلال معدل توسع الكون) مع قوة الجاذبية (الظاهرة من خلال كتلة المادة في الكون، بما أن الجاذبية هي دالة كتلة المادة). اذا كانت الأولى تفوق الثانية فسيكون الكون مفتوح، وفي حالة العكس سيكون الكون مغلق، واذا كانت القوتان يلغيان تأثير بعضهما البعض فسيكون الكون مسطحاً.

    4 - وزن الكون واكتشاف عدم المادة

    فلنترك جانباً للحظات مسألة معدل توسع الكون ولنتطرق الى المسألة الثانية وهي قوة الجاذبية (والتي تتطلب قياس كتلة مادة الكون)

    قد يبدو أن ادراك كتلة مادة الكون هو مهمة صعبة للغاية، لكن هناك طريقة بسيطة لأدائها، وهذه الطريقة مشتقة من نفس الوفرة الملحوظة للعناصر الخفيفة (كالهيليوم والهيدروجين والليثيوم) والتي تسمح لنا أن نتوقع أن الانفجار العظيم كان ساخناً.

    نستطيع أن نستغل وفرة العناصر الخفيفة في الكون لقياس كتلة المادة. يقول كراوس: "كأي وصفة طبخ، وفي هذه الحالة هو طبخ نووي، كمية المنتج النهائي تعتمد على مقادير المكونات المستخدمة." (ص. 24)
    ولكن بنهاية السبعينيات، أصبح من الواضح أن المادة المحسوبة من خلال هذا الحساب (والتي تشمل كل شيء نفكر به أنه مادة أي الاشياء المكونة من بروتونات ونيوترونات والكترونات) هي ليست كل ما يحتويه الكون.

    أولاً تمت ملاحظة أن مجرتنا تدور بمعدل أسرع بكثير من المتوقع استناداً الى كمية المادة التي تم رصدها في المجرة على هيئة نجوم و غاز ساخن. (ص. 24)

    قد تظن أن هذا يعني أنه هناك مادة في مجرتنا ليست على هيئة غاز ساخن ونجوم، ولا يمكن كشفها لأنها لا تشع ضوء. لكن استناداً على ما نعرفه عن كثافة المادة المكونة من بروتونات، نيوترونات والكترونات، ببساطة لا يمكن أن يكون هناك ما يكفي منها في مجرتنا ليبرر سرعة دورانها(ص. 25). بمعنى آخر، لا بد أن يكون هناك مادة في مجرتنا هي ليست على صورة المادة التي نعرفها.

    كل ما عُرف عن هذه المادة الجديدة (ولا نعلم أكثر عنها الى اليوم مع أننا نأمل أن نكون قادرين على استكشافها باستخدام مصادم الهادرونات الكبير في اوروبا) هو أنها لا تشع ضوء (وإلا لكان من السهل كشفها)، لذلك تم تسميتها " المادة المظلمة"(ص. 24-25)

    بما أنه أصبح الآن عندنا شكلين من المادة تم تسمية ما كان يُعرف بالمادة (اي الاشياء المكونة من بروتونات ونيوترونات والكترونات) بالمادة الباريونية لغرض تمييزها عن المادة الجديدة المعروفة بالمادة المظلمة.

    كما يشرح كراوس، الاكتشاف يعني أن "الجزيئات المسيطرة في الكون لم تكن مجموعة منوعة تقليدية من النيوترونات والبروتونات، وإنما من المحتمل أن تكون نوع جديد من الجسيمات الأولية للعناصر، نوع غير موجود على الأرض اليوم، أي شيء غامض تدفق بين النجوم وأدار بصمت كل العرض الجاذبي الذي نسميه المجرة"(ص. 25)


    كما تذكر، كنا نحاول أن نحدد كتلة المادة في الكون لنحدد قوة الجاذبية فيه. بدت هذه العملية بسيطة للغاية الى أن توضح أن المادة الموجودة أكثر مما تراه العين. مع ذلك، قد لا نزال قادرين على وزن المادة اذا عرفنا وزن عدم المادة.

    بالطبع يبدو هذا مستحيلاً بما أنه وكما ذكر أعلاه أن المادة المظلمة غير ممكن كشفها بأي من الأدوات المعروفة لنا. ولكن هناك طريقة تستطيع من خلالها قياس عدم المادة بشكل غير مباشر وهذا عن طريق قياس الجاذبية نفسها. هذا لا يبدو أسهل من قياس شيء أنت غير قادر حتى أن تراه، ولكن هناك طريقة لعمل لذلك. مع أننا غير قادرين على قياس كل كمية الجاذبية في الكون الا أنه من الممكن أن نقيس كمية الجاذبية المؤثرة في الأنظمة الكبيرة كتكتلات المجرات، والتي يُعتقد أنها تحوي الأغلبية العظمى للمادة في الكون (إن لم يكن كلها).

    إن كنا قادرين على قياس كمية الجاذبية المؤثرة في هذه الأنظمة سنستطيع أن نميز كمية المادة المؤثرة فيها. ومن هنا نستطيع أن نطرح كتلة المواد المضيئة في هذه الأنظمة (والتي تأتي على شكل غازات ونجوم) لنصل الى كتلة المادة المظلمة. من هنا نستطيع أن نستخدم الوفرة النسبية للمادة المظلمة في هذه الأنظمة السماوية الكبيرة لنستنبط كتلتها في الكون.

    اذن كيف نقيس كمية الحاذبية في تكتلات المجرات؟

    نظرية النسبية تقول أن الجاذبية تستطيع أن تحني المكان. استناداً على ذلك فإن الضوء الذي ينتقل خلال المكان المنحني سينحني أيضاً. ودرجة انحناء المكان والضوء المنتقل خلاله بسبب الجاذبية تعتمد على قوة الجاذبية المسببة للانحناء.


    اذن اذا كان هناك كيان كبير بما فيه الكفاية ليحني المكان الذي حوله (كتكتل مجرات)، وكان هناك جسم خلفه يبعث ضوء خلال هذا المكان (مثلاً تكتل اخر من المجرات أو نجم فلكي بعيد الخ) اذن عندها يمكن قياس مقدار انحناء الضوء المذكور والمنحني بتأثير تكتل المجرات، وبالتالي يمكن تحديد كم من المكان يتعرض للانحناء حوله لتحديد كمية الجاذبية المؤثرة فيه. مع ان اينشتاين اكتشف (في الغالب) هذا الجزء من المنطق السماوي في 1912(ص. 29) الا أنه لم تكن التكنلوجيا الكاشفة للتصوير الجاذبي (انحناء شعاع الضوء القادم من المجرات البعيدة عند مروره بكوكب في طريقه وتسببه بتغيير مسار الضوء القادم) ممكنة الا في الثمانينيات (ومعها القدرة على كشف كتلة تكتل المجرة). أدناه صورة للتصوير الجاذبي من خلال تلسكوب هابل الفضائي.




    كما يتبين فإن مراقبة الضوء المنحني بتأثير تكتلات المجرات لا يتيح لنا أن نحدد كتلة هذه الأنظمة فحسب بل لنا أن نحدد موقع كتلتها وكيفية توزيعها (ص. 33) . وندما أصبحت صور التصوير الجاذبي متوفرة وجد العلماء أن هناك مادة في تكتلات المجرات أكثر بكثير من المادة الموجودة في النجوم والغاز الساخن في هذه التكتلات. ووجدوا أن أغلبية هذه الكتلة موجودة بين المجرات. يقول كراوس: "أغلبية كتلة النظام واقعة بين المجرات في توزيع سلس ومظلم. وفي الواقع، إن كتلة المادة الموجودة بين المجرات أكبر ب40 مرة من كتلة المجرات الظاهرة للعيان. (ص 34)



    إذن لدينا دليل رصدي أن المادة المظلمة موجودة فعلاً. بالاضافة الى ذلك يمكننا أن نحدد مقداره في تكتل المجرة نسبةً الى كمية المادة الباريونية في نفس التكتل (النسبة هي 40 الى واحد). انطلاقاً من فهمنا لكمية المادة الباريونية الموجودة في الكون نستطيع أن نستنبط مقدار المادة المظلمة التي نتوقع أن نجدها هناك، وبإضافة هذا المقدار الى مقدار المادة الباريونية نصل الى المقدار الكامل لمادة الكون.

    كما ذكر أعلاه بالإمكان استخدام هذا لتحديد سواء كان الكون مفتوح أو مغلق أو مسطح. فما الذي نجده؟ نجد أن الكون مفتوح (ص. 36-38). بناءً على حساب مقدار المادة في الكون (الباريونية وعدم المادة معاً) نتوقع أن الكون سيستمر بالتوسع الى ما لا نهاية (ص. 38).

    بالطبع إن كتلة المادة في الكون التي وصلنا اليها أعلاه مبنية على افتراض أن كل المادة المعتبرة في الكون متواجدة في تكتلات المجرات.

    اذن إذا كانت هناك كمية من المادة مختبئة بين تكتلات المجرات فهي لم تدخل في اعتبارنا وحساباتنا بخصوص مقدار المادة في الكون ستكون غير صحيحة. فبناء على هذا المنهج وحده لا نستطيع أن نكون متأكدين من كتلة المادة في الكون، وبالتالي لا نستطيع أن نكون متأكدين من شكلها.

    ٥- قياس شكل الكون

    من حسن الحظ ان نفس النظرية النسبية التي اتاحت لنا قياس كمية المادة المظلمة في تكتلات المجرات تفتح لنا مجالا ايضا في قياس شكل الكون بطريقة مباشرة. اسمحوا لي بان اشرح هذا. بما ان الضوء ينتقل في الفضاء بنسبة محددة، نستطيع ان ننظر الى الوراء في الزمن ابعد و ابعد عن طريق النظر الى الضوء الذي يأتي الينا من مسافات ابعد فابعد.. هذا يعني أنه اذا استطعنا التركيز على اقدم ضوء مطلقاً نستطيع عندها النظر الى الوراء الى بداية الكون، تلك هي نظرية الانفجار الكبير (ص. 42)

    من الممكن ان يكون هذا صحيحا لولا عقبة صغيرة واحدة.

    فقبل ان يصل عمر الكون الى حوالي ٣٠٠٠٠٠ سنة فانه لازال من السخونة بحيث ان المادة الباريونية لم تكن موجودة في الشكل الذي نراه الان، اي ان المادة الباريونية لم تكن توجد على هيئة العناصر كالهيدوجين و الكاربون و الاكسجين و غيرها، بل تواجدت المادة الباريونية على هيئة بلازما تطفو فيها المكونات الاساسية للمادة كالبروتونات و الالكترونات بحرية و بعيدا عن بعضها البعض (ص. 43).

    تمتلك البلازما خاصية مميزة في امتصاص الاشعاع و لهذا السبب امتصت هذه البلازما الاشعاع الذي صدر من الانفجار العظيم و لم تسمح له بالنفاذ (ص 43). على الرغم من هذا فإنه ما إن وصل عمر الكون الى ٣٠٠٠٠٠ سنة برد فجأة لدرجة انه سمح لجسيمات البروتونات و الالكترونات التي كانت تطفو بحرية بأن تتكتل لتكون العناصر المعروفة ايضا بالمادة المتعادلة (ص. 43). على عكس البلازما، المادة المتعادلة تسمح للاشعاع بالنفاذ من خلالها (ص43). نتيجةً لهذا، نستطيع الان النظر الى الوراء في الزمن الى ان وصل عمر الكون ٣٠٠٠٠٠ سنة و لكن ليس لابعد من هذا (ص44). تدعى ابعد نقطة مرئية "اخر سطح انتشاري."

    من الهائل اننا طورنا تكنولوجيا معقدة لدرجة انها تقيس الاشعاع الصادر عن اخر سطح انتشاري(مع ان فكرة اننا قمنا بذلك كان موقف صدمة عجيبة (ص. 42). علاوة على ذلك نستطيع استخدام قياسات الاشعاع الكوني الناتج عن الانفجار العظيم لنشتق شكل الكون في وقت اخر سطح انتشاري و الذي يمكننا استخدامه لاشتقاق شكل كوننا الحالي. الطرق التقنية المعنية هنا مبتكرة جدا لذا ساخذ مساحة لشرحهم.

    بداية، نعلم جميعا ان الجاذبية تسحب كونها قوة تجاذب. من المثير للاهتمام ان معلومات قوة التجاذب، كجميع ما ينتقل في الفضاء، تستطيع الانتقال بسرعة الضوء و لكن ليس اسرع من ذلك. تأمل الان شيء من المادة بعيد عنا ٣٠٠٠٠٠ سنة ضوئية في حين أن عمر الكون ٣٠٠٠٠٠ سنة فقط (وقت اخِر سطح انتشاري). هكذا شئ من المادة مهيأ للانهيار على نفسه بسبب قوة الجاذبية.

    على الرغم من هذا، و لأن عمرالكون ٣٠٠٠٠٠ سنة فقط، لم يمر وقت كافي لانتقال معلومات الجاذبية خلال هذا المدى . ولهذا لم تتوفرمدة زمنية كافية لهذا الشيء من المادة ليبدأ بالانهيار: "كما يمثل ذلك في الفيلم الكارتوني رود رنر إذ يركض الذئب من فوق جرف منحدر صخري و يقف معلقا في الهواء مدة من الزمن قبل ان يقع الى الأرض، ستجلس هذه الكتلة منتظرة ان تنهار حتى يكون الكون بعمر مناسب ليعلم ماذا عليه ان يفعل" (ص45). كنتيجة لهذا، اكبر شئ من المادة الذي نتوقع ان ينهار على نفسه في وقت اخر سطح انتشاري سيكون عبر حوالي ٣٠٠٠٠٠ سنة ضوئية (ص.45)

    يترك قياس الشئ من المادة المنهارة اثرا على الاشعاع الكوني المتنقل في الفضاء (على شكل تقلبات درجات الحرارة (ص. ٤٥-٤٦). باستخدام محاكاة الكمبيوتر (والهندسة البسيطة) نستطيع تمثيل كيف يبدو الاشعاع الكوني اعتمادا على كون اخر سطح انتشاري مسطحا و تقليديا او منطوياً مغلقاً او مفتوحاً (ص. ٤٦ ، ٥١).

    تم اجراء اول قياس للاشعاع الكوني عام ١٩٩٧ باستخدام بالون خاص يدعى بوميرانغ (ملاحظات البالون عن الاشعاع المللمتري خارج المجرة و الجيوفيزياء) (ص. ٤٨). اطلق البوميرانغ في القطب الجنوبي (لتجنب تلويث القياسات قدر الامكان بسبب دفء الارض(ص. ٤٨)). عندما قورنت الصور التي تم تحصيلها من البوميرانغ مع محاكاة الكمبيوتر لكون مسطح ومفتوح ومغلق، جاءت النتائج مذهلة، كانت الصور مطابقة بشكل لا يمكن الخلاف فيه مع المحاكاة التي تمثل كون مسطح (ص. ٥٢).


    هذا وصف بياني يوضح المواصفات الاصلية للاشعاع الكوني في الكون (كما تم قياسه بالبوميرانغ) مقارنةً مع محاكاة الكمبيوتر لمواصفات كون مغلق و كون مسطح و كون مفتوح:




    في محاولة للتحقق من صحة نتائج البوميرانغ بطريقة ادق، طورت ناسا ستالايت يمكن ارساله مسافة ١.٥ مليون ميل بعيدا عن الارض (وبهذا يتم الغاء اي امكانية لاحتمال أن تؤثر حرارة الارض على القياسات، كما و تتيح للمسبار ان يمسح الاشعاع الكوني في كل الاتجاهات الممكنة غير متأثر بتشويشات سطح الارض).

    اطلق المسبار الذي يدعى WMAP (مسبار ويلكنسون لتباين اشعاعات الميكرويف) في عام ٢٠٠١ و امضى ٧ سنوات في الفضاء لتجميع المعطيات. عندما جاءت المعطيات حكت هذه القصة: "تؤكد خريطة WMAP المماثلة للخريطة التي جاءت بها صور البوميرانغ اننا نعيش في كون مسطح بدقة ١٪ (ص. ٥٣)". و لكن هناك شئ ناقص.

    كما تتذكرون ان توقعات شكل الكون بناء على حساب كتلة المادة المكونة له تكشف عن كون مفتوح بينما معطيات مسبار الاشعاع الكوني تشير الى كون مسطح. ماذا يمكن ان يكون سبب التضارب هنا؟
    ان كنتم تظنون ان فكرة المادة المظلمة هي فكرة غريبة فاستعدوا لما هو اغرب من ذلك في صورة كوننا.

    كما ذكر سابقا، ان حساباتنا لكتلة المادة في الكون متوقفة على اننا لا نستطيع قياس كمية المادة الا في تكتلات المجرات. اذا وجد ان كمية هائلة من المادة وجدت بين تكتلات المجرات، يتضح عندها ان حساباتنا لكتلة المادة في الكون ستكون غير دقيقة و من هنا تلغى تقديراتنا لشكل الكون بناء على هذه الحسابات. و الان بما ان معطيات مسبار الاشعاع الكوني تشير الى كون مسطح، فيبدو لنا بشكل مؤكد اننا نغض النظر عن كم هائل من الكتلة الموجودة بين تكتلات المجرات.

    و لكن يوجد احتمال اخر وهذا الاحتمال يتعلق بمعادلة اينشتاين الشهيرة: E=mc2 التي تقول ان الطاقة مساوية للكتلة. في هذه الحالة من الممكن ان الجزء الناقص من الاشياء في كوننا ليست مادة على الاطلاق و انما طاقة. قد تكون هذه الطاقة مضادة للجاذبية في طبيعتها ولهذا تكون شيئا لم يتأنى لنا اكتشافه بعد.

    بقدر غرابة الفكرة هذه، نستذكر ان اينشتاين نفسه قد طرح مرة مبدأ هكذا طاقة (لمعادلة نظريته مع فكرة ان الكون ثابت غير متوسع). و عندما تم اكتشاف ان الكون متوسع - على ما يبدو من قوة انفجار كوني عظيم ساخن جدا - تراجع اينشتاين عن طرح فكرة الثابت الكوني (ص. ٥٦-٥٧). و بعد اكثر من قرن بدأ يتضح وكأن اينشتاين كان محقا منذ البداية.

    6 - من النسبية العامة الى ميكانيكيا الكم واكتشاف الجزيئات الافتراضية

    عند هذه النقطة في قصتنا الادلة على فهمنا فيما يتعلق بطبيعة الكون متاتية من النظرية النسبية لاينشتاين وهي النظرية التي تصف الزمان والمكان والعمليات التي تعمل في اكبر المقاييس مطلقاً.

    ولكن من المفارقات أنه مع أن الكون هو كيات موجود في أكبر المقاييس (في الحقيقة في أكبر مقياس)، لإحراز مزيد من التقدم في فهمنا يجب ان نعود إلى فرع من فروع الفيزياء التي تتعامل مع ظاهرة التشغيل في أصغر المقاييس: ميكانيكا الكم.

    ميكانيكا الكم هي نظرية تم تطويرها بين 1912 و 1927 كطريق لتبيين سلوك جزيئات العناصر مثل الالكترونات والتي تتحرك بطريقة مختلفة كثيرا عما نعرفه عن حركة الاجسام في حياتنا اليومية ككرة السلة مثلا والعلكة الفقاعية. (ص 8-57)

    بينما ميكانيكا الكم اُثبت انها فعالة بشكل كبير في تبيان والتنبؤ بالظواهر في اصغر المقاييس مطلقاً ، هي تعني العمليات غير البديهية كما يأتي (حتى اكثر من النظرية النسبية لاينشتاين). في الحقيقة يمكن القول ان ميكانيكا الكم تجعل البديهة مشتتة كاللحم المثروم.

    في لب ميكانيكا الكم هناك مبدا محدد وهو المسؤول عن اغلب الصخب: ذلك مبدا اللايقين. مبدا اللايقين يخبرنا انه عندما ياتي الامر للجزيئات الصغيرة فانه يستحيل ان يتم قياس اكثر من واحد من زوج واحد من الخصائص المكملة بدقة (كالسرعة وموقع الجزيء او الطاقة والزمان). كما وضح ذلك كراوس "مبدا اللايقين لهايزنبرغ ...... وضح انه من المستحيل حساب القيمة الدقيقة لزوج معين من الكميات (كالموقع والسرعة) لمنظومة معينة في نفس الوقت. بدلا من ذلك فانه لو تم قياس منظومة معينة لفترة زمنية محددة فلايمكن حساب طاقتها الكلية بدقة (ص 62)


    واحد من تداعيات مبدا اللايقين هو ان جزيئات العناصر تستطيع ان تتصرف بشكل خاص (او غريب) طالما ان ذلك يتم في اطار من الزمن قصير جدا بحيث لايمكن قياسه بدقة. على سبيل المثال: فان ميكانيكا الكم تتيح امكانية كون هذه الجزيئات تتصرف كما لو كانت تتحرك بسرعة اسرع من سرعة الضوء لوقت قصير جدا لدرجة لايمكن معها قياس السرعة بدقة عالية. (ص 62)

    على نفس المنوال وحتى اكثر غرابة فان ميكانيكا الكم تتيح لجزيئات العناصر الظهور والاختفاء من الوجود طالما ان ذلك يتم في وقت قصير جدا لايمكن قياسه. على سبيل المثال: جزيئين بشحنات مختلفة يظهرون للوجود بجانب الكترون ظاهر ثم ان الجزئ الجديد الموجب الشحنة يتحد مع الالكترون فيباد الاثنان معا ليبقى الثالث مستمرا بالوجود. (ص 63)

    كما بين ذلك كراوس فان الالكترون يبدا بالتحرك ثم في نقطة اخرى في الفراغ يخرج زوج بوزترون-الكترون من العدم والبسترون يلتقي الالكترون الاول ويباد الاثنان معا ليبقى بعدها الكترون فقط يتحرك بمفرده (ص 63).
    الجزيئات التي تظهر وتختفي من الوجود بسرعة فائقة لدرجة لايمكن ملاحظتها تسمى الجزيئات الافتراضية.

    والان بما ان الجزئ الافتراضي يختفي قبل ان نتمكن من قياسه فهنا يمكن ان نسال كيف عرفنا انه موجود فعلا ؟

    نحن نعلم بوجودهم لانه – رغم عدم ملاحظتنا لهم مباشرة- يمكننا رصد تاثيرهم. على سبيل المثال عند النظر لخصائص الالكترون في ذرة ما كذرة الهيدروجين (لها بروتون واحد والكترون واحد) تبيَّنَ ان خصائص الالكترون في هذه الذرة لايمكن تبيانها من خلال الالكترون والبروتون فقط (ص 68)

    ولكن عندما نفترض وجود الجزيئات الافتراضية فان الحسابات الجديدة ليست فقط تتفق مع ما تم رصده بدقة بل تصل الى درجة من الدقة الملحوظة بحدود جزء من المليار او حتى افضل. (ص 68)

    كما اتضح فالالكترونات ليس الشيء الوحيد الذي تظهر عندها الجزيئات الافتراضية للوجود. في الحقيقة فانه يعتقد ان الجزيئات الافتراضية تظهر للوجود وتختفي بصورة مستمرة بجوار الكواركات التي تكوّن البروتونات والنيوترونات (ص69)

    وهنا فان الجزيئات الافتراضية تتفاعل مع الكواركات ومجالات الطاقة بين الكواركات لتقوم بانتاج الطاقة (ص70). في الحقيقة فان الطاقة التي تُخلق من وجود الجزيئات الافتراضية ضمن البروتونات والنيوترونات واقعا تكوّن غالبية الطاقة -وعليه الكتلة- للبروتونات والنيوترونات

    بما أن كتلة كل المادة الباريونية مكونة من كتلة البروتونات والنيوترونات فيها وبما أن هذه الكتلة مكونة غالبا من طاقة خلقت بواسطة الجزيئات الافتراضية فان كتلة المادة الباريونية (بضمنها جسمك انت) تكونت في الاغلب من جزيئات افتراضية تظهر وتختفي للوجود من العدم.

    اذن، لو كانت الجزيئات الافتراضية قادرة على توليد طاقة في الذرات من العدم فما المانع ان تولد طاقة في الكون من العدم؟ اذا كان الحال كذلك فان الجزيئات الافتراضية قد تكون مسؤولة عن طاقة الكون الضرورية للشكل المسطح للكون.

    اقل مايمكن ان نفعله هو ان نحسب كمية الطاقة المطلوب وجودها في الكون في العدم (تسمى الطاقة المظلمة ) (ص 87) ومقارنة ذلك مع كمية الطاقة التي نحتاجها لتشكيل الشكل المسطح ونرى ماذا سنخرج به

    وكما هو متوقع قرر بعض نوابغ علماء الفيزياء الفلكية ان يفعلوا ذلك ولكن ما وصلوا اليه صدم حتى هؤلاء العلماء (ليس بالضرورة بطريقة جيدة)

    اكتشفوا ان العدم في الكون يجب ان يحتوي على طاقة تصل قيمتها الى 120 قيمة أسية اعظم مما يتطلب لتشكيل كون مسطح (وهذا يعني 1 مع 120 صفر)

    ليس ذلك فقط بل لو تواجدت في الحقيقة هذه الكمية من الطاقة في الفضاء سوف تكون من الكبر بحيث ان المجرات لايمكن ان تكون قد تشكلت اصلا (ص 72). هذا شيء نقض الفكرةالقائلة بتخلل الطاقة في العدم، ولكن هل فعلاً نقضها؟


    7. قياس سرعة تضخم الكون واكتشاف الطاقة المظلمة

    كما ذَكر مسبقاً، فقد عرف في هذه النقطة ان الكون يتوسع.

    أما عن معدل توسع الكون الدقيق فهو غير معروف. على كل حال كان مفترضا على اقل تقدير ان معدل توسع الكون في تباطؤ، بما انه كان مفهوما ان شكل الطاقة المسيطر في الكون هو الجاذبية- قوة جاذبة تعارض توسع الكون وبالضرورة سوف تبطؤه. (ص. 79).

    لكن في نهايات الـتسعينيات، برزت تكنولوجيا جديدة سمحت للعلماء بقياس معدل توسع الكون مباشرة. التقنية المستعملة تضمنت قياس سرعة وبعد النجوم المتفجرة البعيدة جداً(supernovae) ( ص. 79).

    فوراً انطلقوا العلماء لاجراء المراقبة المطلوبة لتحديد المعدل الدقيق لتباطؤ توسع الكون بما انه هذا مثًل طريقة اخرى لتحديد شكل الكون ومن هنا مستقبله (ص. 79).

    ما اكتشفه العلماء صدم الجميع. توسع الكون لم يكن في الواقع يتباطأ، وانما يتسارع (ص.82)!

    الكون المتوسع بمعدل متسارع يعني انه يجب تواجد شكل من الطاقة في الكون التي لا يعارض الجاذبية فقط، وإنما يفوقها. فجأة أصبحت فكرة شكل من الطاقة يتخلل العدم فكرة واردة للغاية.

    في الواقع، كانت الشيء الوحيد الذي يمكن ان يبرر الكون المتسارع والمسطح( ص.86).

    علماً بمعدل تسارع الكون، وضح ان الطاقة المظلمة تشكّل 70% من كتلة الكون، والمادة تشكل 30% فقط من هذه الكتلة (والمادة الباريونية تشكل فقط كسر من هذه المادة) (ص 86).

    كما ان هذا يبدو غير معقول فان الاكتشافات المتتالية منذ أول رصد لتوسع الكون بمعدل متسارع ايدت أن هذا هو بالضبط ما لدينا (ص.86- 90).

    من بين هذه الاكتشافات هو ان عمر الكون 13.72 بليون سنة بالضبط. هذا الرقم استمد من القياسات الدقيقة جدا للإشعاع الكوني للكون الموفرة من قبل مسبار ساتلايت WMAP في 2006(ص.87).

    مع هذا الرقم، يشرح كراوس ويقول:" يمكننا ان نؤكد انه من المستحيل أن يكون الكون صاحب معدل التسارع المُقاس اليوم بهذا القِدم من دون الطاقة المظلمة ، وبالتحديد الطاقة المظلمة الذي يتصرف أساساً كالطاقة الممثلة بثابت الكوني " (ص.87). وهكذا، عمر الكون (بالتزامن مع الاكتشافات الاخرى التي وصلنا لها) يفيد ان الطاقة المظلمة لا بد أن تكون موجودة ولا بد أن تكون بشكل بحيث تتخلل الفضاء بكثافة منتظمة في كل مكان(ص.88).


    8. كون من (تقريبا) لاشيء

    الشيء الغريب في الطاقة المتواجدة بشكل ثابت كوني هو انها تعني انه مع توسع الكون يتزايد مقدار هذه الطاقة (ص.98-9). كيف يمكن أن مقدار الطاقة في العدم له أن يتزايد؟ كما تَبَيّن يمكن توضيح هذا عن طريق أحدى اثار النظرية النسبية.

    تبعا للنظرية النسبية اي مقدارمن الطاقة في العدم سيسبب وجود ضغط سلبي في هذا العدم. في الواقع، هذا الضغط السلبي هو الذي يسبب ان الطاقة في الفضاء الفارغ تتصرف بطريقة منفرة جاذبياً.

    بما أن العدم المتخللة به الطاقة هو منفر جاذبياً، فهو يتوسع بطبيعة الحال. وعندما يتوسع يسحب طاقة الى نفسه. كما وضحها كراوس بقوله: "تبيّن أن طاقة العدم هي منفرة جاذبياً وبالتحديد لأنها تسبب ضغط سلبي في العدم. كنتيجة لهذا الضغط السلبي، الكون يبذل شغل على العدم أثناء توسعه. هذا العمل يصب في الحفاظ على كثافة الطاقة الثابتة في الفضاء حتى عندما يتوسع الكون" (ص. 104).

    احدى الطرق لفهم ذلك هو ان نقدّر ان هذه الظاهرة هي معاكسة تماما لما يحدث عندما ينحصر غاز في غرفة مرنة ــ ـكمثال ، بالون الهليوم (ص. 103-4).

    عندما يضخ الهليوم في بالون يصبح مضغوطا بواسطة الجدران الداخلية للبالون. الهيليوم يبذل شغل على البالون عندما يضغط على جدرانه الداخلية ونتيجة يسبب توسعهم (وهذا يسبب انخفاض درجة حرارة الغاز).

    في العدم يحدث العكس تماما. بخلاف غاز الهليوم ( الذي له ضغط ايجابي)، العدم الذي تتخلله طاقة له ضغط سلبي، لذا عندما يتوسع العدم، بدلا من استهلاك الطاقة كما يفعل الهليوم، فإنه يسحب الطاقة لذاته.

    الاثار الكاملة المترتبة على هذا مربكة لانها تعني انك اذا بدات بكمية متناهية الصغر من العدم ومتخللة بكمية متناهية الصغر من الطاقة، سيصبح عندك بالنتيجة كون متناهي الكبر تتخلله الطاقة (ص.104).

    بالاضافة بما أن الطاقة والكتلة قابلة للتبادل فإن مبادئ الفيزياء المفهومة جيداً تخبرنا أنك قد تحصل ايضا على كون حيث بعض هذه الطاقة تتحول الى اشياء مثل المجرات، النجوم، الكواكب والبشر (من ضمنهم علماء الفلك والفيزيائيين الذين يعملون لمعرفة كل ذلك).




    ٩ - الطاقة و المادة من لاشئ

    نحن الان في طريقنا الى فهم كيف ان الكون (كل شئ) ممكن ان يقوم من لا شئ. و لكن ما زال هناك بعض العقبات التي تقف في طريقنا. اولا، كيف تستطيع ان تحصل على كمية من الطاقة حتى ولو متناهية في الصغر من لا شئ في عدم؟ في الواقع لقد رأينا كيف مسبقا.

    تذكر ان العدم في داخل البروتونات مزدحم بجسيمات افتراضية تظهر للوجود تختفي من لاشئ. و هذا نتيجة القوانين الكمية التي تدير الظواهر التي تحدث بأصغر المقاييس. و بالتحديد هذه نتيجة مبدأ اللايقين الذي كما يشرحه كراوس : “هو قانون يحكم احيانا السياسيين او الرؤساء التنفيذيين - طالما انه لا احد يراقب فأي شئ ممكن الحصول.

    تستمر الانظمة بالتحرك ، ولو للحظات، بين كل الحالات الممكنة، و من ظمنها الحالات التي لا يمكن قياس الانظمة بها طالما ان ذلك يتم باطار من الزمن لا يمكن قياسه لدقته.

    هذه “التفاوتات الكمية” تعني شيئا جوهريا في عالم الكم : اللاشئ دائما ينتج شيئ ولو للحظة” (ص. ١٥٣ ).

    بالاضاقة الى ذلك، على الرغم من ان هذه الجزيئات الافتراضية تظهر في الوجود و تختفي بشكل اسرع من ان يمكن قياسه، الا أنها تنتج اثار ملموسة على العالم :” هذه الجزيئات الافتراضية، و لان قيمة الطاقة لديها صفر، تستطيع ان تتكاثر (أو تنتقل)عبر الكون .. و المجال الناتج عن تراكب كثير منهم حقيقي لدرجة انه يمكن الاحساس به” (ص. ١٥٤ ). احدى الطرق لفهم كل هذا ان نقول ان اللاشئ قادر على ان ينتج شئ لان اللاشئ غير مستقر: قوانين الطبيعة تملي ان لاشئ في حالة غير مستقرة (ص. ١٥٩ ).

    قد يبدو لنا كل هذا انه من غير البديهي، و لذا يصعب تصديقه. و لكن كما يشير كراوس “ لم يقل اي احد ابدا ان الكون موجه بما نراه نحن منطقياً، بقصر بصرنا في زوايا المكان و الزمان. وبالتأكيد أنه من المنطقي تخيل انه من البداهة، لا تستطيع المادة الظهور بشكل عفوي من العدم بحيث ان الشئ في هذا المعنى لا يستطيع ان ينتج من لاشئ. و لكن عندما نتيح لديناميك الجاذبية و ميكانيكا الكم، نجد ان هذا المنطق لم يعد صحيحا” (ص. ١٥١).


    10 - فضاء من لا شيء

    إذن لقد ثبتنا أنه وفق أفضل المعارف العلمية ءئئءلنا (مع انه لا يبدو بديهياً) أن مقداراً متناهي الصغر من الطاقة يستطيع أن يظهر من العدم ليولّد كوننا الحالي. لكن هذا يستلزم أن يكون عندنا مقدار متناهي الصغر من العدم ومنها ممكن أن تظهر طاقة. وهنا نحن أمام لغز حول كيفية الحصول على مقدار متناهي الصغر من العدم من اللاشيء. هنا تصبح الأمور مبنية على تكهنات.

    لكن كراوس يقول أننا قد نكون قادرين على تجنب هذا اللغز بأن نوسع ظاهرة الكم بخصوص ظهور الجزيئات الافتراضية الى الوجود من العدم لتشمل ظهور العدم الى الوجود من اللاشيء. كما يقول كراوس: "اللاشيء النسبي الذي يظهر منه الشيء الذي نلحظه هو عبارة عن لا شيء. ولكن ما أن نسمح بتزاوج ميكانيكا الكم والنظرية النسبية العامة، نستطيع أن نوسع هذا المطلب ليشمل الحالة التي يُخرج فيها المكان نفسه مُخرج الى الوجود." (ص. 161).

    كما يتبين أن هذا الاحتمال هو أكثر من مجرد تكهن جامح. بالطبع أنه وكما يشير كراوس لقد قال ستيفن هوكنج أن "النظرية الكمية للجاذبية تسمح لخلق المكان نفسه، ولو ربما للحظات، حيث لم يكن موجوداً من قبل" (ص. 163).

    اذا تم خلق بعض العدم من اللاشيء (وهو سيكون الكون في حد ذاته)، واذا حدث " تفاوت كمي " في هذا الجزء من العدم وأنتج بعض الطاقة قبل أن ينهار على نفسه، نستطيع أن نحصل على الكون الذي نحن فيه اليوم.

    بتعبير الكاتب: "لو حصل أن مواصفات المجال في ذاك الكون أنتجت فترة تضخم قبل انهياره، فعندها حتى الكون المغلق الصغير يستطيع أن يتوسع بسرعة كبيرة جدا فيصبح أقرب وأقرب في هذه الفترة الى كون مسطح وكبير الى ما لا نهاية. بعد حوالي مئة من المرات المتضاعفة لهذا التضخم سيصبح الكون مسطحاً الى درجة أنه سيدوم وبسهولة لفترة طويلة أكثر بكثير من الفترة التي تواجد فيها كوننا من دون أن ينهار.


    ١١ - قوانين الفيزياء من لاشئ

    لذا و طبقا لاحسن قوانين الفيزياء الحالية، يمكن الحصول على شئ من العدم و من الوارد ان يظهر العدم نفسه من لا شئ. و لكن ماذا عن قوانين الفيزياء نفسها؟ كيف لهم ان يخرجوا من لاشئ؟ وفقا لكراوس حتى هذا اللغز يمكن حله.

    يصبح هذا اللغز اقل تعقيدا بكثير ما ان تأملنا ان كوننا قد لا يكون الوحيد.

    في الواقع فان نظريتا الفيزياء كلتاهما تطرح (فيزياء الجسيمات القياسية و نظرية الاوتار) ان هناك اكوان عديدة (وعلى الاغلب عدد لا متناهي منها) (ص. ١٢٦ ، ١٣٤ ).

    المقصود بهذا انه يمكن ان يكون هناك العديد (او حتى عدد لا متناهي) من المناطق في الفضاء التي اقتطعت من بعضها البعض و تحكم بقوانين فيزيائية مختلفة.

    اذا كانت هذه الحالة، لن تكون المسألة ان هناك مسبب مميز لقوانين الفيزياء في كوننا، بل قد يكون نتيجة لصدفة عشوائية، حيث اي قانون فيزيائي ممكن الحدوث يصبح حقيقا واقعا في مكان ما: “ اذا كانت قوانين الطبيعة نفسها عشوائية، لن يكون عندها “مسبب” محدد لكوننا.

    و تحت المبدأ العام ان اي شئ غير ممنوع يكون مسموح، سيتم عندها الضمان لنا في هكذا صورة ان بعض الاكوان ستقوم بالقوانين التي اكتشفناها نحن، بلا حاجة الى تقنية و كيان لاصلاح قوانين الطبيعة لتكون ما هي عليه ” ( ص. ١٧٦ ).

    12 - من شيء رجوعاً الى اللاشيء

    سواء كان كوننا مخلوق من العدم أو لا، من الظاهر مؤكداً أنه يتجه الى العدم (أو على الاقل الى شيء يشبه العدم).

    بالطبع إن وجود الثابت الكوني للطاقة المظلمة في كوننا يعني أن الكون سيستمر بالتوسع بمعدل دائم التسارع الى أن يصل الى نقطة حيث هذا التسارع يتعدى سرعة الضوء (قد يبدو هذا كظاهرة تخرق نظرية النسبية العامة لاينشتاين، والتي تقول أنه لاشيء يتحرك بشكل أسرع من الضوء.

    لكن نظرية اينشتاين تنطبق فقط على الأجسام المتحركة في المكان وليس على المكان نفسه. بالتأكيد أنه بناءً على نظرية اينشتاين النسبية الخاصة يستطيع المكان أن يفعل أي شيء يريده وبما في ذلك التحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء (ص. 96).

    عندما يتوسع الكون بسرعة تفوق سرعة الضوء سيصبح الكون غير صالح للمعيشة: "من المؤكد أن أي حضارة ستختفي في هكذا كون وستكون محرومة من الطاقة اللازمة لبقائها... سيسيطر على المستقبل كون خالي من أي شيء قد يقدّر لغزه العظيم. (ص. 179)".

    بعد هذا ستبدأ المادة نفسها بالانهيار والتحلل: "الفيزياء طريق ذو اتجاهين، والبدايات والنهايات مرتبطات. في المستقبل البعيد البعيد ستتآكل البروتونات والنيوترونات، ستختفي المادة وسيقترب الكون الى حالة بساطة وتناظر قصوى. ربما يكون جميلاً رياضياً لكنه سيكون خالي من المحتوى." (ص. 179)

    وقد يكون هذا هو أفضل سيناريو. إن هذه القصة هي من فيزياء الجسيمات القياسية ولكن اذا تبين أن نظرية الأوتار صحيحة فإن الكون سيتجه إلى عدمٍ فعلي. كما يشير كراوس: "بناءً على رياضيات معقدة قال بعض منظّري نظرية الأوتار أن كوناً ككوننا فيه طاقة موجبة في العدم لا يمكن أن يكون مستقر.

    في النهاية لا بد أن يتحلل ويصل الى حالة حيث الطاقة المرتبطة بالمكان تكون سالبة.

    كوننا سينهار حينها مرة أخرى على نفسه الى ان يصل الى نقطة يرجع فيها الى السحابة الكمية الذي يحتمل أن وجودنا قد بدأ منها.

    اذا كانت هذه المقولات صحيحة إذن كوننا سيختفي فجأةً كما بدأ. في هذه الحالة سيكون جواب سؤال "لماذا هناك شيء بدلاً عن اللاشيء" هو ببساطة "لن يكون الحال هكذا لفترة طويلة" (ص. 180).
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎