إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الصرخي فــي الميــــزان

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • GAYSH AL GHADAB
    مشرف
    • 13-12-2009
    • 1797

    الصرخي فــي الميــــزان

    الصرخي
    فــي الميــــزان

    تأليف
    الشيخ ناظم العقيلي





    الإهداء

    إليك أيها الإمام المجهول
    إليك يا ريحانة الرسول
    إليك يا ابن علي والبتول
    إليك أيها المسموم المخذول
    إليك أيها الحسن ابن علي ابن أبي طالب

    أهدي هذا الجهد المتواضع ، فتفضل علي بقبوله مع ما به من التقصير والقصور وكن شفيعاً لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ولا سلامة للقلب إلا بولايتكم ومحبتكم ، والسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت مسموماً ويوم تبعث حياً والحمد لله رب العالمين.



    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة

    الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، وصلى الله على المحمود الأحمد النبي الأوحد الرسول الأمجد محمد المصطفى وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار الأئمة والمهديين .
    بعد ان أصدر السيد محمود الصرخي بياناً يكذب فيه السيد أحمد الحسن اليماني الموعود ، رددت عليه بكتاب عنوانه ( الإفحام لمكذب رسول الإمام ) وأثبتُ فيه بالدليل الشرعي من القرآن والسنة ركاكة استدلال السيد الصرخي وانه أوهن من بيت العنكبوت ، وتحديته بالرد على هذا الكتاب والدفاع عن كلامه الذي سطره في بيانه ، ومرت أكثر من سنة ولم يصدر من السيد محمود الصرخي حرف واحد في الرد على ذلك الكتاب .
    وكذلك صدر أكثر من كتاب في الرد على الصرخي وأتباعه، من جهة أنصار الإمام المهدي ، وقد دعاه السيد أحمد الحسن للمناظرة بالقرآن الكريم، في بيان موثق عندنا، وكالعادة قبع السيد محمود الصرخي وأتباعه بالسكوت المخزي ، رغم انه كان متحدياً للجميع بالمناظرة العلمية ومتبجحاً أيضاً بآثاره العلمية المزعومة ، مدعياً عدم إمكان الرد عليها أو نقضها .وبعد كل هذا أقول : تعتبر الرسالة العملية عصارة فكر المجتهد ـ كما يقولون ـ ونتاج علميته التي إكتسبها خلال سنين تحصيله الدراسي ، وهي أهم الآثار العلمية التي تدل على براعة صاحبها ـ كما يعتقدون ـ وبالرد عليها وتفنيد المباني الأساسية المعتمدة عليها ، تكون علمية ذلك المجتهد كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
    ولأجل قطع العذر على السيد محمود الصرخي وإلزامه الحجة هو وأتباعه ، عسى أن يتركوا الهوى والتعصب الأعمى ويهتدوا لنصرة قائم آل محمد (ع) ، عمدت إلى الرد على رسالة السيد محمود الصرخي والتي تسمى ( المنهاج الواضح ) واقتصرت على تفنيد الأدلة التي ساقها للاستدلال على وجوب التقليد والولاية العامة للفقيه ، في الجزء الأول من المنهاج الواضح ، وأيضاً ناقشت فتاواه حول الانتخابات التي أجريت في العراق ، واعتمدت في الرد على أدلته على القرآن والسنة المطهرة للرسول محمد (ص) وعترته الطاهرة ، وذيلت ذلك بأقوال بعض علماء الشيعة ، حرصاً على هداية طلاب الحق والعدل والانصاف .
    وأنبه على أني لم أقصد إثبات أو نفي التقليد أو الولاية العامة في هذه الوريقات ، فلهذا بحث آخر لا يهمنا الآن التطرق إليه ، وانما قصدت إثبات إن الأدلة التي ساقها محمود الصرخي لاثبات ذلك قاصرة الدلالة على المطلوب ، وأغلبها إن لم أقل كلها بعيدة كل البعد عن موضوع البحث ، وقصدت أيضاً إثبات أن مستوى السيد محمود الصرخي في الاستدلال ضحل جداً وغاية في الركاكة .
    وإذا لم يدافع السيد الصرخي عن أثره العلمي ، فعلى أتباعه التخلي عنه واتباع أهدى الرايات ،لأنهم يزعمون أنهم أتباع الدليل والأثر العلمي ، وإلا فهم أتباع الهوى والجهل والضلال.
    والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين .



    الوقفة الأولى

    استدل السيد محمود الحسني ببعض الآيات القرآنية على وجوب التقليد، حيث قال في كتابه المنهاج الواضح ج1ص45:
    (( المكلف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد يجب عليه التقليد، وأطرح في المقام عددا من الأدلة والمؤيدات بصورة موجزة ومبسطة، بعضها بصياغات متعددة تصلح كدليل، بمفردها أو بانضمامها، دون التعرض للمناقشة:- قوله تعالى :
    {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
    قوله تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

    ويرد عليه:-

    لقد ظُلِم آل محمد (ص) على مر العصور ولم يترك لهم مقام ولا منـزلة إلا اغتصبت وتقمصها أعدائهم (لع) ظلماً وعدواناً ونرى مرارة هذا الألم والأسى ظاهراً على لسان أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (ص) حينما اخبر بأنه مظلوم منذ الصغر وحتى الممات وبعد الممات :
    روي أن إعرابيا أتى أمير المؤمنين (ص) : وهو في المسجد فقال
    ( مظلوم ، قال :إدنو مني ، فدنى حتى وضع يديه على ركبتيه ، قال : ما ظلامتك ؟ فشكى ظلامته ، فقال : يا إعرابي أنا أعظم ظلامة منك ، ظلمني المدر والوبر ولم يبق بيت من العرب إلا وقد دخلت مظلمتي عليهم ، وما زلت مظلوما
    حتى قعدت مقعدي هذا، إن كان عقيل بن أبي طالب يومه ليرمد فما يدعهم يذرّونه حتى يأتوني فاذر وما بعيني رمد
    ) البحار ج 42 ص187-188.
    ولا ادري ما أصاب القوم الذين يدّعون ولاية آل محمد ((ص)) عندما اخذوا يتقمصون مقامات ومنازل العترة الطاهرة ((ص)) ابتغاءاً لإضفاء الشرعية على أنفسهم واتباع الناس لهم ، فأصبحوا في صف الغاصبين لآل محمد ((ص)) من حيث يعلمون أو لا يعلمون .
    فإن الآية الأولى التي استدل بها السيد محمود الحسني على وجوب تقليد غير المعصوم وهم العلماء في عصر الغيبة الكبرى ، خاصة بالأئمة المعصومين ((ص)) من ذرية النبي محمد ((ص)) ولا يمكن أن تنطبق على غيرهم وهذا واضح وجلي من خلال الروايات المتواترة التي نصت على ذلك منها:-
    عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) :
    قال :-
    ( إن من عندنا يزعمون إن قول الله عز وجل (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
    إنهم اليهود والنصارى، قال: إذاًَ يدعونكم إلى دينهم، قال: قال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر ونحن المسئولون)
    الكافي ج1 ص237
    وعن الو شاء عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سمعته يقول:
    (( قال علي بن الحسين عليه السلام :على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا ،أمرهم الله عز وجل أن يسألونا ، قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا وان شئنا امسكنا )) الكافي ج1 ص237
    وعن أبي بكر الحضرمي قال:-
    (( كنت عند أبي جعفر (ع) ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال : جعلني الله فداك اخترت لك سبعين مسألة ما تحضرني منها مسألة ، قال : ولا واحدة يا ورد ؟ . قال: بلى قد حضرني منها واحدة، قال: وما هي؟ . قال قول الله تبارك وتعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) من هم ؟ . قال: نحن، قلت علينا أن نسألكم ؟ قال: نعم، قلت عليكم أن تجيبونا ؟ قال: ذاك إلينا )) الكافي ج1 ص236.
    وعن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى:
    (((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: نحن أهل الذكر، ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60
    وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى :
    (((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: الذكر محمد صلى الله عليه واله ونحن أهله ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60.

    وغيرها من الروايات أعرضت عن ذكرها للاختصار ولأن المسألة من الواضحات ورواية واحدة تكفي لإثباتها لمن ألقى السمع وهو شهيد وأما من كان أعمى فلا يهتدي بنور الشمس حتى لو احرقه.
    وهذه المسألة ليست جديدة فقد مارسها بنو أمية وبنو العباس (لعنهم الله) . حيث قاموا بوضع الأحاديث الكاذبة، وأوّلوا كلام الله تعالى لصالحهم وانتحلوا مقامات الإمام علي وذريته (ع) كذباً وزوراً، ومن الآيات التي أوّلوها لصالحهم قوله تعالى:-
    (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)
    فقالوا نحن أولوا الأمر ، لأن أمور الناس بأيدينا ، ونحن خلفاء الرسول (ص) ، وغيرها من التأويلات الفاسدة . والحق أقول إن أولي الأمر هم أمير المؤمنين (ع) وذريته المعصومون (ع) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسيعلم الذين ظلموا آل محمد (ع) أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين .

    فان قال الحسني :
    إن قوله تعالى:- (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ذا معنى عام يمكن أن ينطبق في كل زمان ويمكن تجريده عن خصوصيته بأهل البيت (ع).


    ويرد عليه :-
    ان هذا القول دون إثباته خرط القتاد لأن الآية خاصة بأهل البيت كآية التطهير، وهل أتى ، فلا يمكن انطباقها على غيرهم وهذا ما صرح به الأئمة ((ع)) في الأحاديث التي ذكرتها وغيرها الكثير، بقولهم (نحن أولوا الذكر ونحن المسئولون ) ، وبقولهم (الذكر محمد ونحن أهله) . فالذي يكون من أهل البيت يجب أن يكون من أهل الذكر ـ محمد (ص) ـ الذين قال الله تعالى عنهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) والإجماع على إنها خاصة بعترة الرسول (ص) .
    وقد روي عن أمير المؤمنين (ص): في وصيته للحسن إن كل من يدعي هذا المقام فهو كذاب، إذ قال:
    (( ...وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا إلا كاذب...ثم قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فنحن أهل الذكر فاقبلوا أمرنا وانتهوا عما نهينا ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا منها، فنحن والله أبواب تلك البيوت ليس ذلك لغيرنا ولا يقوله أحد سوانا.... )) نهج السعادة ج8 ص318 للشيخ المحمودي / مستدرك الوسائل ج17ص273.
    وكلام أمير المؤمنين (ص) محكم لا يقبل التأويل، بأن كل من يدعي مقام ( أهل الذكر ) (ع) فهو كذاب.
    ثم ان المسئول في الآية يجب أن يكون عنده جواب عن كل مسألة يُسأل عنها وهذا يحتاج إلى العصمة والإلهام الإلهي وهذا ما لا يوجد إلا في العترة الطاهرة لمحمد (ص)، فإذا كان المسئول جاهلاً ولو في مسألة واحدة ، يكون سائلاً لا مسئولاً، وهو خلاف الفرض ، فلا بد أن تنتهي المسالة إلى من تحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد من الناس . وهم محمد وآل محمد (ع) كما نصت على ذلك الروايات المتواترة.
    والمسئول في الآية (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ) لابد أن يكون واجب الطاعة فيما يُسأل عنه ويأمر به، وهذا خاص بالأئمة المعصومين (ع) ، لأن القول بوجوب طاعة غير المعصوم يستلزم الأمر بالمعصية وهذا محال، لأن غير المعصوم ممكن الخطأ والانحراف عمداً أو سهواً فكيف تجب طاعته مطلقاً، وقد صرح بذلك الإمام علي (ع) بقوله:
    (( .... وإنما أمر الله بطاعة الرسول صلى الله عليه واله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بعصية )) الوسائل ج18 ص93.
    وبعد هذا يكون استدلال السيد محمود الحسني بهذه الآية مخالفاً للقران والسنة المطهرة وهو اجتهاد مقابل النص، الذي هو باطل ضرورة، وهو ظلم لآل محمد (ص) وانتحالاً لمقاماتهم التي خصهم الله تعالى بها. وأنصح السيد محمود الحسني بأن لا يُدخل نفسه في مضمار الاستدلال العلمي بهكذا أدلة غير ناهضة ومنقوضة بداهة . وقديما قال الشاعر :-

    فدع عنك الكتابة لست لها ولو سوّدت وجهك بالمداد

    وإلى القارئ المنصف أذكر آراء بعض علماء الشيعة في الرد على من استدل بهذه الآية على وجوب التقليد أو على وجوب حجية خبر الواحد:-
    1. أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي قال : ((..وهم – يعني الأئمة- الذين أُمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كون الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر وأهل الذكر دون غيرهم )) الكافي للحلبي ص56.
    وقال أيضاً في ص93 :
    (( قوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فأمر من لا يعلم بسؤال أهل الذكر ليعلم ، ولم يخص ذلك بشيء ، دون شيء ، وذلك مقتضى لعلم المسئولين بكل شيء يُسألون عنه ، معصومون فيما يفتون به ، لقبح الأمر بالمسألة من لا يعلم ما يُسأل عنه ، وعدم العلم لفتيا من يجوز عليه الخطأ عن قصد أو سهو... )) .
    2. أبو المجد الحلبي في كتابه إشارة السبق ص60 قال: ( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أمر بوجوب المسئولين لا يجوز كونهم سائلين، لأحاطتهم علما بكل ما يسألون عنه...) .
    3. السيد الخميني في كتابه الاجتهاد والتقليد ص89 قال: (( قوله تعالى في الأنبياء: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). بدعوى إن إطلاقه يقتضي الرجوع إلى المفضول حتى مع مخالفة قوله للأفضل ولا سيما مع ندرة التساوي بين العلماء وتوافقهم في الآراء .
    وفيه :
    مضافاً إلى ظهور الآية في أن أهل الذكر هم علماء اليهود والنصارى، إرجاع المشركين إليهم، وإلى ورود روايات كثيرة في إن أهله هم الأئمة (ع)، بحيث يظهر منها أنهم أهله لا غير....)).

    4. السيد محمد باقر الصدر في الحلقة الثانية من دروس في علم الأصول ص287 قال:
    ((... إضافة إلى أن الأمر بالسؤال في الآية ليس ظاهراً في الأمر المولوي لكي يستفاد منه ذلك ، لأنه وارد في سياق الحديث مع المعاندين والمتشككين في النبوة من الكفار ، ومن الواضح أن هذا السياق لا يناسب جعل الحجية التعبدية ، وإنما يناسب الإرشاد إلى الطرق التي توجب زوال التشكك ، ودفع الشبهة بالحجة القاطعة ، لأن الطرف ليس ممن يتعبد بقرارات الشريعة . ونلاحظ أيضا أن الأمر بالسؤال مفرع على قوله: ( َمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ ) والتفريع يمنع عن انعقاد إطلاق في متعلق السؤال لكي يثبت الأمر بالسؤال في غير مورد المفرع عليه وأمثاله.هذا على أن مورد الآية لا حجية فيه للأخبار الآحاد لأنه مرتبط بأصول الدين..)).

    5. الشيخ علي النمازي في كتابه مستدرك سفينة البحار ج3 ص441 ، قال: (( قال تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أهل الذكر الأئمة (عليهم السلام ) بذلك نطقت الروايات المتواترة المذكورة في باب أنهم أهل الذكر وأنهم هم المسئولون )).


    6. الشيخ مرتضى الأنصاري في كتابه فرائد الأصول ج1 ص288 قال رداً على من استدل بهذه الآية :
    (( ويرد عليه : أولاً إن الاستدلال إن كان بظاهر الآية ، فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب ..... إلى أن يقول : وان كان مع قطع النظر عن سياقها ، ففيه : انه وارد في الأخبار المستفيضة : ان أهل الذكر هم الأئمة (عليهم السلام ) وقد عقد في أصول الكافي بابا لذلك .
    ثم قال رداً على من قال بضعف سند الروايات : وفيه نظر ، لاًن روايتين منها صحيحتان ، وهما روايتا محمد ابن مسلم والوشاء ، فلاحظ ، ورواية أبي بكر الحضرمي حسنة أو موثقة . نعم ثلاث روايات آخر منها لا تخلو من ضعف ، ولا تقدح قطعاً ....)).

    7. المحقق الخوئي في كتاب الاجتهاد والتقليد ص90 ، ذكر كلاماً طويلاً ثم قال : ولكن الصحيح إن الآية المباركة لا يمكن الاستدلال بها على جواز التقليد وذلك لأن موردها ينافي القبول التعبدي حيث أن موردها من الأصول الاعتقادية بقرينة الآية السابقة عليها وهي :
    (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
    وهو رد لاستغرابهم تخصيصه سبحانه رجلاً بالنبوة من بينهم فموردها النبوة ويعتبر فيها العلم والمعرفة ولا يكفي فيها مجرد السؤال من دون أن يحصل الإذعان فلا مجال للاستدلال بها على قبول فتوى الفقيه تعبداً من دون أن يحصل منها علم بالمسألة ))

    8. السيد محمد سعيد الحكيم في كتابه مصباح المنهاج _ التقليد _ ص12 قال كلاًماً طويلاً نأخذ منه مقدار الحاجة وهو:
    (( انه لابد من رفع اليد عن ظهور الآية، في إرادة مطلق العلماء من أهل الذكر، بالنصوص الكثيرة الظاهرة، بل الصريحة في اختصاص أهل الذكر بالأئمة عليهم السلام وعدم شمولها لغيرهم... )) .

    9. السيـد الكلبايكاني في كتابه إفاضة الفوائد ج2 ص91 قال : ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ..... إلى أن يقول: وفيه- مضافاً إلى ما مر من الجواب- أنها لو دلت على حجية الغير لدلت على حجية الأخبار التي وردت في أن المراد بأهل الذكر الأئمة عليهم السلام. وعلى هذا لا دخل لها بحجية خبر الواحد، فصحة الاستدلال بها توجب عدم الاستدلال بها )).


    10. الشيخ جعفر السبحاني في كتاب تهذيب الأصول – تقرير بحث السيد الخميني – ج3ص176 ، قال :
    ((منها قوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) مدعياً إن إطلاقها يشمل السؤال عن مطلق أهل الذكر ...
    إلى قوله: وفيه: أولاً: انه لا يصح الاستشهاد بالآية لما نحن فيه لا بحكم السياق إذ لازمه كون المراد من أهل الذكر، هو علماء اليهود والنصارى، و لا بحكم الروايات، فإن مقتضى المأثورات كون الأئمة (ع) هم أهل الذكر المأمور بالسؤال عنهم...)) .


    وأقوال هؤلاء العلماء وإن كان بعضها فيه كلام ولكن كلها أو جلها تؤكد على أن المراد من الآية هم ( أهل البيت ) ((ع)) خاصة ولا دخل لها بوجوب تقليد غيرهم .
    ثم إن القول بشمول الآية لمطلق أهل الذكر من العلماء هو مذهب أبناء العامة في تفسير قوله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) وقد اخبرنا الأئمة ((ع)) بعدم ركوب مراكب أبناء العامة وإن الرشد في خلافهم .

    والشيعة قديما وحديثا يستدلون بهذه الآية :-
    ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) على أن المراد منها هم أهل بيت النبي (ص) لا غيرهم لأنهم معصومون ، وعندهم علم كل شيء من الله تعالى وفيهم وصية الرسول محمد (ص). فكيف يأتي اليوم السيد محمود الحسني ومن شاكله ليحملها على مطلق العلماء ولا يخصها بالعترة الطاهرة (ع). فعلى فرض كلام السيد محمود الحسني يكون تفسير أبناء العامة لهذه الآية صحيحاً وأنها غير مختصة بالأئمة المعصومين (ع) ـ والعياذ بالله من هكذا كلام ـ وإن أبناء العامة أخطئوا في تطبيقها على المصداق فقط و إلا فمفهوم تفسيرهم صحيحاً على فرض كلام السيد محمود الحسني !!!.
    وبعد هذا كله تبين خطأ استدلال السيد محمود الحسني بهذه الآية على وجوب التقليد ولو بمجرد إنها غير تامة الدلالة على هذا المعنى ومن المعلوم انه يشترط في الاستدلال أن يكون الدليل الشرعي تام الدلالة لا يقبل التأويل. وفيه كلاماً آخر مع السيد محمود الحسني اتركه إلى مناسبة أخرى ومن الله التوفيق.
    قال تعالى:( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) يونس 35
    وأما الآية الثانية التي استدل بها السيد محمود الحسني على وجوب التقليد هي قوله تعالى:
    {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }


    ويرد عليه :
    للإجابة على ذلك ينبغي معرفة عدة أمور منها :-

    1- الروايات الواردة في هذه الآية .


    2- ما المقصود من النفر وإلى من يكون ؟
    3- كم عدد الطائفة التي تنفر من كل فرقة ؟
    4- بماذا يكون الإنذار ؟ بنقل الرواية أم بالاجتهاد والرأي ؟

    ونأتي على مناقشة هذه النقاط بالتوالي ومن خلالها يتبين خطأ استدلال السيد محمود الحسني بهذه الآية على وجوب التقليد:

    المطلب الأول:-

    عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِنَّ قَوْماً يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ : اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ . فَقَالَ : صَدَقُوا . فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً ، فَاجْتِمَاعُهُمْ عَذَابٌ . قَالَ : لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وَذَهَبُوا إِنَّمَا أَرَادَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَيَتَعَلَّمُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إلى قَوْمِهِمْ فَيُعَلِّمُوهُمْ إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِلَافَهُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ لَا اخْتِلَافاً فِي دِينِ اللَّهِ إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ )) معاني الأخبار ص157.
    عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) : (( إِذَا حَدَثَ عَلَى الْإِمَامِ حَدَثٌ كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ قَالَ أَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) . قَالَ : هُمْ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ وَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ ) الكافي ج1 ص427

    وغيرها من الروايات التي تشير إلى هذا المعنى، فإذا كان السيد محمود الحسني يقصد:

    أن الناس هم النافرون والعلماء المنفور إليهم ، وهذا باطل قطعا لأن الروايات تشير إلى أن الله أمر الناس أن تنفر إلى النبي محمد (ص) و إلى الأئمة المعصومين (ع) من بعده لأخذ شرائع الأصول والفروع ، أي أن الأمر بالنفر إلى من له حق التشريع وهو معصوم ضرورة ولا يأمر بمعصية ولا يخطأ في التشريع وهذا لا يتوفر إلا في الأئمة المعصومين (ع) ولا يمكن أن ينطبق على علماء الغيبة لأنهم ليس لهم حق التشريع ولا يمتازون بالعصمة المانعة عن الخطأ في التشريع .
    وإذا كان يقصد بأن العلماء هم المأمورون بالنفر وعلى الناس الأخذ بقولهم إذا رجعوا إليهم بعد النفر فهذا رديء كسابقه لعدة أمور :
    الأول: أن النفر المأمور به في الآية الشريفة:

    {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } هو النفر إلى المعصوم (ع) سواء كان النبي أو الإمام وهذا النفر لم يتصف به علماء الغيبة، فهل إنهم نفروا إلى الإمام المعصوم (ع) والتقوا به وتفقهوا على يده لتنطبق عليهم الآية ؟!!.
    فإن قلت:
    إن قراءة ودراسة الكتب والسنة يعتبر من النفر إلى الرسول (ص) والأئمة (ع)
    أقول :
    إن هذا تكلف واضح وعدول عن نص الآية والروايات التي بهذا الصدد ، فإن معنى ( رواة الحديث ) الذين أُمرنا بالأخذ عنهم: هم من رووا الحديث عن الأئمة (ع) مباشرة أو نقلوا عمن نقل عن الأئمة أيضا بالمباشرة وهو المقصود من ما ورد في التوقيع عن الإمام المهدي (ع) :
    (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم).
    لا يَصْدق إلا على السفراء الأربعة، ولمزيد من البيان راجع كتاب ( من هم ورثة الأنبياء ) ففيه التفصيل الوافي الشافي لهذا الموضوع. فلا يصدق على من قـرأ كتب الحديث ودرسها صـفة ( رواة الحديث ) لأن الفرق شاسع بين من يلتقي بالمعصوم (ع) وينقل الحديث عنه وبين من يقرأ الحديث في كتاب، فالذي يدرس الروايات يعتبر نافراً إلى من نفر إلى المعصوم (ع) ، وليس من باب النفر إلى المعصوم بالذات . وهذا نجده واضحاً في التوقيع الشريف الوارد الى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ وهو :
    (( فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَوَالِينَا فِي التَّشْكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَنُحَمِّلُهُمْ إِيَّاهُ إليْهِم )) الوسائل ج18 ص108-109.
    فقد جعل الإمام (ع) علة عدم التشكيك فيما ينقله هؤلاء الثقاة إنهم يجلسون مع الأئمة (ع) ويفاوضونهم السر ويكلفونهم تبليغه إلى الشيعة. وهذا الحال يفتقر إليه علماء الغيبة فلا ينطبق عليهم ( رواة الحديث ) .
    فحتى لو وجد من يريد النفر فإن المنفور إليه غائب بسبب ذنوب الناس وإعراضهم عنه فعنهم (ع) :
    ( إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحانا من جوارهم ) أصول الكافي ج1 ص343.
    وعنهم (ع):
    (إن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم ). الإمامة تلك الحقيقة القرآنية ص42 تأليف : زهير بيطار.

    الأمر الثاني:-

    النفر إلى النبي محمد (ص) أو إلى أحد الأئمة (ع) للتفقه في الدين لا يختص في الفروع بل يشمل أصول الدين وفروعه وما عليه استدلالكم ان أصول الدين لا يمكن أن تثبت بخبر الواحد ، فلا يمكن الاستدلال بالآية على وجوب التقليد وقبول قول شخص واحد .


    وان قلت:
    ان النافرين من كل فرقة أكثر من واحد فيكون قولهم حجة حتى في الأصول .
    أقول :
    وهذا بعينه نقض لإستدلالكم لأنه إذا تعدد من يجب قبول قوله خرج الكلام عن موضوع التقليد ، لان التقليد الذي تزعمونه لشخص واحد لا لعدة أشخاص – وسيأتي تفصيل هذه النقطة في مستقبل البحث إن شاء الله- .

    الأمر الثالث:
    أما إذا كان النفر لمعرفة الإمام اللاحق بعد موت الإمام السابق كما في الرواية عن الإمام الصادق (ص) فهو أيضا من أصول الدين (الإمامة ) ولا يكفي في حجيته خبر الواحد--كما تقولون - بل لا بد من نقل عدد يوجب العلم القطعي بذلك ، وبهذا تكون الطائفة النافرة من كل فرقة أكثر من واحد ، وبهذا يخرج الكلام عن موضوع التقليد إلى الرواية عن المعصوم (ع) : في الأمور العقائدية التي يتكفلها رواة الحديث لا المجتهدون بالرأي وغيره .

    المطلب الثاني:
    ما المقصود من النفر وإلى من يكون ؟
    النفر: هو قيام مجموعة من الناس من كل فرقة بالسفر إلى الإمام المعصوم (ع) لمعرفة معالم دينهم ليبلغوها إلى قومهم إذا رجعوا إليهم على سبيل الرواية لا الفتوى بمعناها المعاصر.
    وقد تبين مما تقدم أن النفر المأمور به في الآية الشريفة هو النفر إلى الإمام المعصوم (ع) لا إلى غيره ، وبه ينهدم استدلال السيد محمود الحسني من أساسه.

    المطلب الثالث:
    كم عدد الطائفة التي تنفر من كل فرقة ؟
    هذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من قال واحد أو اثنان ومنهم من قال ثلاثة ومنهم من قال أربعة ومنهم من أوصلهم إلى العشرة، وكلامهم في ذلك طويل.
    والإنصاف أن من تدبر سياق الآية وقرينة الحال والعرف يعرف أن المراد من الطائفة النافرة من كل فرقة أكثر من واحد.
    فقد كان بنية الناس أن تنفر كافة فخفف الله عنهم بكفاية نفير بعضهم فيبعد أن يكون التخفيف من الجميع إلى الواحد، وإن كلمة النفير تشعر بالكثرة، ثم إن في ذلك الزمان كان السفر شاقا فلا يسافر شخص بمفرده إلا نادراً. بالإضافة إلى إن كلمة الطائفة تشير إلى الكثرة ويشهد لذلك العرف فلا يطلق على الواحد طائفة إلا نادراً.
    وإلى هذا المعنى أشار الشيخ الطوسي في التبيان رداً على من فسر الطائفة بالواحد من الناس إذ قال : (( وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح ، لان الذي يقتضيه ظاهر الآية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة ، ووجوب التفقه والإنذار إذا رجعوا ، ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم ( أي اليقين )......)) التبيان ج5ص322.
    ويمكن معرفة مقدار الطائفة من خلال روايات أهل البيت (ص) التي تشير إلى إن النافرين من كل فرقة هم جماعة وليس شخصا واحدا ومن ذلك ما ورد عن عبد الأعلى قال:
    (( قلت لأبي عبد الله (ع) إن بلغنا وفاة الإمام كيف نصنع قال عليكم النفير قلت النفير جميعاً. قال : إن الله يقول { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ }الآية: قلت نفرنا فمات بعضهم في الطريق قال : فقال: إن الله عز و جل يقول(( وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )) الإمامة والتبصرة ص89
    واستفهام عبد الأعلى عن الطائفة إذا مات بعضهم في الطريق ما حكمهم يدل على أن الطائفة مجموعة وليست شخصاً واحداً .
    وقول الصادق (ص) في حديث :
    (( هم في عذر -أي الطائفة- ماداموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر، حتى يرجع إليهم أصحابهم )).
    وما ذكرته سابقا من أن تفسير الطائفة بالشخص الواحد لا يمكن الاستدلال به على التقليد - حسب استدلالكم - لأنكم تشترطون في العقائد أن تكون عن علم قطعي وخبر الواحد يفيد ظناً لا علماً. ومن المعلوم أن الطائفة النافرة لا تقتصر على نقل الفقه بل العقائد وخبر الإمام اللاحق بعد موت الإمام السابق وهذا من العقائد التي لا تثبت بخبر الواحد عندكم.وعلى كلا الاحتمالين فالآية لا تدل على وجوب التقليد بالمعنى المعاصر، سواء فسرتم الطائفة بالواحد أو بالجماعة وقد تقدم تفصيله.

    المطلب الرابع:
    بماذا يكون الإنذار بالرواية أم بالفتوى ؟
    بالرغم من وضوح جواب هذا السؤال وان الإنذار يكون بالرواية عن المعصوم (ص) إلا إن البعض حاول أن يجعله شاملاً للإنذار بالفتوى وهو غريب جداً .
    فقد تواترت الروايات عن أهل البيت (ص) بمنع القول بالرأي والاجتهاد ، ولم يكن متعارفا في عصر التشريع ذلك بل الذي كان متعارفا هو إفتاء الناس بروايات أهل البيت (ص) فهؤلاء الطائفة النافرة هم بعينهم ( رواة الحديث ) الذين امرنا الأئمة بعدم رد ما ينقلونه عنهم (ع) . ثم ان هؤلاء الذين نفروا للتعلم من الرسول (ص) أو من الإمام المعصوم (ع) بالتأكيد عندما يرجعون إلى قومهم يقولون لهم : سألنا الإمام كذا ، فأجابنا بكذا ، أو قال الإمام كذا .... الخ ، وإن الناس لا يسألونهم عن رأيهم واجتهادهم بل يسألونهم عن الروايات والأحكام التي تعلموها من الإمام بالمباشرة .

    وبهذا أيضا ينهدم استدلال السيد محمود الحسني لأن الآية أقصى ما يستفاد منها قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد الذي يعتمد الدليل العقلي أحد مصادر التشريع .
    هذا وقد تقدم أن فقهاء الغيبة خارجين عن مصاديق هذه الآية تخصصاً (موضوعاً) لأنهم لم ينفروا للإمام ولم يلتقوا به ولم يتعلموا منه ، وتجريد الآية عن الخصوصية وتعديتها إلى من قرأ أو درس الروايات يحتاج إلى دليل ولا دليل ، والأصل عدمه كما تقولون انتم - فلا يثبت أيضا إلا بدليل ....

    وان تنزلنا - وان لم نتنزل - فالآية غير تامة الدلالة على وجوب التقليد وهذا كافٍ لهدم استدلال السيد محمود الحسني إذ يُشترط بالدليل الشرعي أن يكون محكماً لا متشابهاً يقبل أكثر من تفسير أو تأويل.
    وبعد هذا انقل لكم استدلال بعض علماء الشيعة الذين خالفوا استدلال محمود الحسني بهذه الآية على وجوب الاجتهاد ومنهم:
    1- رئيس الطائفة الشيخ الطوسي في كتابه التبيان ج5 ص322-323 قال كلاماًً طويلاً منه :
    (( ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم، ولو سلمنا انه يناول الواحد أو جماعة قليلة، فلم إذ أوجب عليهم الإنذار وجب على من يسمع القبول؟ والله تعالى إنما أوجب على المنذرين الحذر، والحذر ليس من القبول في شيء بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى يعرف صحته من فساده بالرجوع إلى الأدلة...)).
    2- السيد المرتضى في كتابه الذريعة ج2ص534-535 قال في الرد على من استدل بآية النفر على وجوب قبول القول:

    (( ....إذا سلمنا أن اسم الطائفة يقع على الواحد والاثنين ، فلا دلالة لكم في الآية ، لأنه تعالى سماهم منذرين ، والمنذر هو المخوف المحذر الذي ينبه على النظر والتأمل ، ولا يجب تقليده ولا القبول منه بغير حجة ، ولهذا قال تعالى (لعلهم يحذرون ) ومعنى ذلك ليحذروا ولو أراد ما ادعوا لقال تعالى : ( لعلهم يعملون أو يقبلون ) والنبي صلى الله عليه واله وان سميناه منذراً ، وكان قبول قوله واجبا ، فمن حيث كان في ابتداء دعوته مخوفاً ، ثم إذا استقر دليل نبوته ، وجب العمل بقوله )).

    3- السيد الطباطبائي في الميزان ج2 ص137 ، قال كلاماً طويلاً في عصمة الأنبياء جاء فيه :
    (( .... قوله تعالى فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فان الآية وان كانت في حق العامة من المسلمين ممن ليس بمعصوم لكنه أذن لهم في تبليغ ما تعلموا من الدين وتفقهوا فيه ، ولا تصديق لهم فيما انذروا به وجعل حجية لقولهم على الناس والمحذور إنما هو في الثاني دون الأول )) .

    السيد الخميني في كتابه الاجتهاد والتقليد ص90- 94 ، قال
    (( ...وأما وجوب العمل بقول المنذر بمجرده فلا تدل الآية عليه ...إلى أن يقول : وأما كون التحذر بمعنى التحذر العملي أي قبول قول الغير والعمل به ، فهو خلاف ظاهرها ، بل التحذر أما بمعنى الخوف ،وأما بمعنى الاحتراز، وهو الترك عن خوف . والظاهر انه بمعنى الخوف الحاصل عن إنذار المنذرين ، وهو أمر غير اختياري لا يمكن أن يتعلق بعنوانه الأمر، نعم يمكن تحصيله بمقدمات اختيارية ، كالحب ، والبغض ، وأمثالهما .....
    والإنصاف أن الآية أجنبية عن حجية قول المفتي ، كما أنها أجنبية عن حجية قول المخبر بل مفادها - والعلم عند الله - : انه يجب على طائفة من كل فرقة أن يتفقهوا في الدين ، ويرجعوا إلى قومهم ، وينذرونهم بالمواعظ والإنذارات والبيانات الموجبة لحصول الخوف في قلوبهم ،لعلهم يحذرون ، ويحصل في قلوبهم قهراً ، فإذا حصل الخوف في قلوبهم تدور رحى الديانة ، ويقوم الناس بأمرها قهراً ، لسوقهم عقلهم نحو القيام بالوظائف . هذا حالها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها .



    ومع النظر إليها أيضا لا تدل على المطلوب.....))

    يتبع ان شاء الله
    sigpic
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎