إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

قصة سيدنا موسى عليه السلام

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    قصة سيدنا موسى عليه السلام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    بسم الله الرحمن الرحيم
    العبور


    " قصة سيدنا موسى ( عليه السلام ) "
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والآن يا أعزاءنا ننطلق معاً إلى أرض مصر . . مصر القديمة . . إلى أرض النيل قبل آلاف السنين . .
    هناك حيث يمضي آلاف العبيد المقهورون أعمارهم في نقل الصخور العملاقة إلى " الجيزة " لبناء قبور الفراعنة ، فتلك الأهرام التي ما تزال في طليعة الآثار العالمية لم تكن سوى مقبرة لملوك مصر . .
    لقد كانوا يعتقدون بان الحياة ستعود إليهم ، ولهذا فقد كانوا يهيئون كل أسباب القوّة والسلطان ، حتى إذا عادوا إلى الحياة أو عادت إليهم الحياة وجدوا كل شيء جاهزاً !
    ولعلّ العمال الحفاة كانوا يلقون نظرات متأملة من فوق الهرم عند الانتهاء من بنائه فيرون الزوارق وهي تنساب فوق أمواج النيل الهادئة ، ويتأملون أشجار النخيل هنا وهناك على ضفاف النهر الذي يجري صوب البحر الأبيض المتوسط .
    كان العمال يجبرون على العمل الشاق ليل ونهار وكانت السياط تلهب ظهورهم وأجسادهم العارية .
    هبة النيل :
    سمى هيروديت المؤرخ اليوناني مصر " هبة النيل " فلولا نهر النيل ما كانت مصر لأن الفيضان السنوي الذي يحدث بسبب ذوبان الثلوج هو الذي أخصب مصر وهكذا انتشرت الزراعة فيها .
    وكان القمح المحصول الأساسي وكان المصريون في ذلك الزمان يصنعون منه الخبز الذي يشبه خبزنا في الوقت الحاضر .
    وفي " دلتا " النيل انتشرت زراعة العنب وكانت هناك بساتين واسعة من الكروم ، وزرع المصريون في ذلك الزمان البقول والخضر مثل الفول والحمص ، وكانوا يحبّون البصل والكراث والثوم والخيار والخسّ .
    كما استخدموا العسل في تحلية بعض الأطعمة ، وشغفوا بزراعة الأزهار للزينة خاصّة في المناسبات والاحتفالات .
    المواصلات :
    وبسبب الفيضانات السنوية فقد كان نهر النيل الطريق الرئيسي الذي يربط جنوب مصر بشمالها .
    ولهذا صنعوا قوارب من خشب بعض الأشجار ، وكانت للقوارب دفة واحدة وأشرعة مصنوعة من النسيج .
    وتتحول المدن أثناء الفيضان إلى جزر صغيرة وسط مساحة واسعة من المياه .
    الحيوانات :
    عرف المصريون في ذلك الزمان كثيراً من الحيوانات ، فهناك القطط والكلاب التي استخدمت في الصيد والثيران لحراثة الأرض ، بينما كانت الحمير تستخدم لحمل الأثقال .
    وكانوا يرعون الماعز والأغنام في البراري وينظرون إلى الخنزير كحيوان نجس لان لحمه يتلف بسرعة .
    وأحبّ المصريون أكل السمك الذي يوجد بكميات هائلة في نهر النيل .
    وعبد المصريون في فترة من التاريخ التمساح وفرس النهر بسبب خطورتهما ، كما عبدوا الأُسود لنفس السبب وعبدوا أيضاً بنات آوى التي كانت تحوم حول المقابر .
    الكتابة :
    عرف المصريون الكتابة والقراءة وكانت لغتهم تدعى " الهير و غليفية " أي العلامة المقدسة المحفورة ، فمثلاً تعني " " الشمس وتدلّ على لفظ النهار وهناك رسوم أخرى تدلّ على ألفاظ أخرى .
    تاريخ مصر :
    ينقسم تاريخ مصر إلى ثلاث فترات :
    الأولى : وتدعى المملكة القديمة ( 2600 – 2280 ) قبل الميلاد .
    الثانية : المملكة الوسطى : ( 2100 – 1800 ) قبل الميلاد .
    الثالثة : المملكة الحديثة : ( 1500 – 1000 ) قبل الميلاد .
    وفي هذه الفترة ولد سيدنا موسى ين عمران عليه السلام .
    وفي الفترة بين عامي 1500 و 1200 قبل الميلاد كان المصريون دولة قوية جداً ، فقد توسعت رقعة الإمبراطورية وامتدت إلى بلاد النوبة ( السودان ) وفلسطين .
    وكان الجيش المصري آنذاك يستخدم الخيل والعربات بعد أن اكتشفوا أن أعداءهم يتفوقون عليهم باستخدام الخيول .
    وقد طغى الفراعنة في هذه الفترة وأعلنوا أنفسهم آلهة للناس خاصّة الفرعون " تحتمس " والفرعون " رمسيس الثاني " وعندما توفي رمسيس جاء ابنه إلى الحكم وهو الفرعون منفتاح . . . الذي ظهر في عهده موسى .
    بنو إسرائيل :
    تذكرون يا أعزائي قصة سيدنا يوسف عليه السلام وكيف هاجر يعقوب وبنوه إلى مصر بعد أكثر من عشرين سنة من إلقاء يوسف في البئر .
    هناك عاش بنو يعقوب أي بنو إسرائيل ومرّت عشرات السنين فأصبحوا شعباً كبيراً .
    عندما توفي يوسف ومرّت مئات السنين نسي الناس فضل يوسف على مصر .
    ومرّة أخرى حكم الفراعنة مصر وراحوا يقهرون الناس وكان لبني إسرائيل النصيب الأكبر من ذلك العذاب والظلم .
    وكان على رجال بني إسرائيل ان يعملوا من الصباح إلى المساء وكان عليهم أن يرضوا بحياة العبودية والذلّ ، عليهم ان يعبدوا الفرعون لأنه إله الناس ! لهذا كانوا ينتظرون من ينقذهم .
    كان ينو إسرائيل يتوارثون بشارة منذ زمن يوسف ويعقوب عليهم السلام . . كانوا ينتظرون ميلاد الرجل الذي سينقذهم من العذاب . .
    وعندما كان الظلم يزداد والعذاب يتضاعف فان أحاديثهم عن ميلاد المنقذ كانت تزداد .
    سمع الفرعون بتلك الهمسات . . همسات الناس المعذبين المقهورين وأيّد الكهنة ذلك . .
    أكد الكهنة لفرعون أنه سيولد في بني إسرائيل صبي وسيكون هلاك الفرعون على يديه .
    ارتاع الفرعون من هذه النبوءة وراح يفكّر بإبادة بني إسرائيل .
    قرر الفرعون ذبح كل من يولد من الذكور في بني إسرائيل ، ووضع جواسيس على النساء الحوامل ، وكانت النساء القوابل قبطيات وعن طريق هذه النساء يعرف الفرعون وجواسيسه جنس المواليد .
    وقد صوّر القرآن الكريم تلك الفترة السوداء بقوله تعالى : { وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم }.
    كان فرعون إنساناً خبيثاً عرف كيف يفرض سطوته على أهل مملكته ، فراح يبث الفرقة والاختلاف بينهم وجعل كل طائفة تسعى من أجل السيطرة على أخرى وكان الجميع يتقرّبون إلى فرعون باسترضائه ليكون نفوذهم أقوى .
    أما بني إسرائيل فقد كان الأقباط ينظرون إليهم كغرباء وعبيد ، لهذا كانوا يعيشون حياة المقهورين ثم جاءت النبوءة بظهور رجل من بني إسرائيل يكون على يديه هلاك الفرعون ، فأصبحوا يعاملون كما لو أنهم أسرى دولة أخرى .
    من أجل هذا مرّ بنو إسرائيل بأسوأ الفترات في حياتهم ،كان شرطة فرعون يأخذون المواليد من الذكور للذبح أو يلقونهم في نهر النيل وكانت الأمهات يبكين على أولادهن .
    وكان الفرعون يدوس على تلك الورود المتفتحة للحياة . . كان يسحقها بلا رحمة . . كان رجلاً جبّاراً مغروراً بنفسه وسلطته .
    الطفل الموعود :
    وشاء الله ان يولد موسى . وكانت " يوكابد " تلك المرأة الصالحة حزينة جدّاً فقد اقترب موعد الوضع ، وكانت القابلة القبطية تزورها لتتأكد من جنس الوليد .
    وفي تلك الظروف المريرة ولد صبي محبوب اسمه موسى كان موسى طفلاً محبوباً جدّاً ، إذا رآه أحد دخل حبّه في قلبه .
    الله سبحانه ألقى هذه المحبّة على موسى . . من أجل هذا احبّته القابلة وقالت لأمّه :
    لا تخافي يا يوكابد سوف لن أقول شيئاً لأحد .
    وأوحى الله في قلب يوكابد أن ترضع موسى ، كانت الأم تتدفق حبّاً لهذا الصبي بوجهه المضيء وبراءته . . وتساءلت في نفسها هل يكون هو الصبي الموعود ؟
    مرّت أيام ، وكان الجواسيس يبحثون عن كل طفل ذكر يولد ذلك العام لقد كان فرعون يفكر بطريقة خبيثة فهو يريد عمالاً يعملون بلا أجور لهذا كان يسخر بني إسرائيل للعمل ، فأصدر أمراً بأن يوقف الذبح عاماً وينفذ عاماً .
    وفي العام الذي سبق ميلاد موسى أنجبت يوكابد ولداً هو هارون .
    كان هارون صغيراً عندما ولد موسى وكانت لهما أخت تكبرهما أعواماً كانت فتاة طيبة وذكيّة . . تحب أخويها وتعطف عليهما وترعاهما .
    ومرّت أيام ويوكابد ترضع وليدها المحبوب ، ولكنها بدأت تشعر بالخوف والقلق . . سوف يكتشف الجواسيس أنها أنجبت ولداً . . ماذا تفعل كيف يمكنها أن تحمي موسى من خطر الفرعون ؟
    كيف تحفظه من الذبح ؟ من الخناجر التي ذبحت عشرات الأطفال الأبرياء وفجعت عشرات الأمهات ؟!
    أوحى الله في قلب الأم أن تصنع صندوقاً صغيراً لموسى وعندما تشعر بالخطر تلقيه في نهر النيل . . .
    ونفذت الأم الشجاعة هذه الفكرة وكانت ابنتها تساعدها وذات ليلة عندما شعرت بالخطر يقترب ، والجواسيس يفتشون المنازل بحثاً عن الأطفال الرضع . . انطلقت يوكابد مع ابنتها في الظلام إلى نهر النيل . . .
    نظرت الأم الحزينة إلى أمواج النيل ، ونظرت إلى طفلها الصغير كان موسى نائماً . . أرادت أن تعود إلى المنزل ولكن قوّة في أعماقها كانت تدفعها إلى أن تسلم الصندوق إلى أمواج النيل . . .
    نظرت يوكابد إلى السماء المرصعة بالنجوم ، وتدفق في قلبها نبع من السلام ...
    كانت يوكابد امرأة مؤمنة وكانت واثقة من أن الله سوف يحمي وليدها من التماسيح الخطرة ومن أنياب فرس النهر ومن كل الأخطار المحدقة بهذا الطفل البريء .
    كانت واثقة من أن الله سيعيده إليها . .
    في لحظة مزيجه من الخوف والإيمان والحبّ وضعت
    يوكابد الصندوق الصغير على صفحة مياه النيل .
    وكانت الأمواج المتألقة بسبب ضوء القمر رحيمة بالطفل البريء الوحيد فأخذته بعيداً . . .
    كادت يوكابد تصرخ وهي تراقب الصندوق إلى أن اختفى بسبب الظلام ، نظرت إلى النجوم . . إلى القمر . . إلى السماء الواسعة . . إلى الله . . تدفق نبع السلام في قلبها وعادت مع ابنتها إلى المنزل وهي تشعر تحتضن مرّة أخرى طفلها الصغير موسى .
    القصر الفرعوني :
    لم تنم يوكابد تلك الليلة . . كان قلبها مع موسى . . مع ذلك الصندوق الذي تتقاذفه الأمواج في النيل .
    أشرقت الشمس ، واستيقظت الطبيعة من سباتها الليلي ، وانطلق الصياديون إلى النيل بحثاً عن الرزق ، والفلاحون إلى حقولهم ، والرعاة إلى المروج . .
    وكان الصندوق يتهادى بين أمواج النيل . وكان صوت طفولي ينبعث منه . . صوت بريء يبحث عن حضن دافئ .
    كانت آسية زوجة فرعون امرأة طيبة . . امرأة بعكس زوجها متواضعة تحب الناس . . تحبّ الخير . . تكره الظلم . .
    كانت تتألم لما يفعله زوجها وما يرتكبه من الظلم والشرور .
    كانت آسية في ذلك الصباح المشرق جالسة تتأمل المياه المتدفقة في النيل . . تنظر إلى الزوارق والقوارب وهي تنساب في النهر .
    فجأة وقعت عيناها على صندوق صغير تدفعه الأمواج إلى الشاطئ الأخضر ... رسا الصندوق الصغير مثل سفينة جميلة ..سمعت آسية صوتا طفوليا ..
    نهضت من مكانها أمرت الحارس أن يحضر الصندوق ، كانت هناك فتيات مع آسية .. فتيات يخدمنها .. أحضر الحارس الصندوق و وضعه أمام زوجة الفرعون و أدى تحية الاحترام و هو يتقهقر إلى الوراء .
    في الأثناء حضر فرعون . . كان يمشي وأنفه إلى السماء مغروراً بنفسه وسلطته . . في يده عصا قصيرة مصنوعة من خشب الابنوس ومطعمة بالجواهر والذهب .
    وعندما يشير بعصاه فان هذا يعني أمراً نافذاً على الجميع إطاعته .
    حضر فرعون وارتاع لمنظر صبي في الصندوق ، نظر إليه بحقد واشتعلت في نفسه رغبة في أن يذبحه بنفسه . . ربّما يكون الصبي الذي تنبأوا بزوال ملكه على يديه !
    أشار الفرعون بعصاه السوداء ، وامتثل الجنود ينتظرون الأمر . .
    عندما أشار فرعون إلى رقبة الطفل البريء عرفوا أنه يطلب ذبحه !!
    وفي تلك اللحظة هبّت آسية تلك المرأة الطيبة . . كانت محرومة من الأطفال وعندما رأت موسى تدفق نبع الأمومة في قلبها . .
    { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا }!!
    سكت فرعون رأى في عيني زوجته موقفاً صلباً لا يعرف التراجع .
    فكر في ان زوجته قد يفارقها الحزن بسبب حرمانها من الأطفال فلماذا لا يسكت عن هذا الطفل ؟ لماذا يذبحه ؟ . . لقد ذبح عشرات الأطفال ومن الممكن أنه ذبح الطفل الموعود وانتهت النبوءة ! أدار الفرعون ظهره ومضى .
    وابتدرت آسية لتعانق الطفل البريء موسى . . كان وجهه المضيء يبعث الحب في القلوب ، وكانت عيناه الصافيتان تبحثان عن وجه أليف .. عن وجه يحبّه . . ولكن الطفل لم ير الوجه المشرق . . كان يبحث عن صدر دافئ . . صدر يمنحه اللبن والشعور بالسلام . . ولكن لا شيء . .
    بكى موسى . . علا صوته الطفو لي . . هبّت آسية أحضرت له نساء مرضعات . .
    جاءت أحداهن وأخذت موسى في حضنها ، ولكن الطفل استمر في بكائه . . كان جائعاً ولكن العجيب أنه لا يقبل أن يرضع من ايّة امرأة أبداً . .
    استمر موسى في بكائه أنها قدرة عجيبة مدهشة كانت تمنع الطفل عن الرضاعة بالرغم من جوعه الشديد . . .
    الوعد الإلهي :
    كانت " يوكابد " امرأة مؤمنة بالله وكان قلبها يحدّثها بان موسى سيعود إليها . . ماذا فعلت تلك الأم البائسة ؟
    قالت لابنتها :
    تقصّي أثره لنعرف ماذا سيحدث لأخيك .
    انطلقت الأخت تراقب الصندوق الصغير في نهر النيل ليس هناك من يعرف سرّ الصندوق سواها وأمها والله ثالثهما . .
    شاهدت الأخت كل شيء .
    في ذلك الصباح المثير كانت تراقب ما يجري على الشاطئ الأخضر أمام قصر الفرعون الذي تحفه الأشجار . .
    كانت تراقب من وراء نخلة ما يجري وكانت تصغي بألم إلى صراخ أخيها الذي يبحث عن ثدي أمّه .
    عندما جاءت نسوة كثيرات لا رضاع موسى ، حشرت أخت موسى نفسها بين النسوة وكأنها فتاة غريبة جاءت مع إحدى النساء .
    عندما رأت موسى خفق قلبها ، ولكنها تماسكت وتشجعت لتبدو فتاة لا تعرف الطفل ولم تره من قبل .
    كانت آسية تبحث عن امرأة يمكنها ان ترضع هذا الطفل المحبوب ، لهذا قالت أخت موسى :
    { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }؟
    استبشرت آسية وقالت :
    نعم . . نعم أحضريها الآن . . حالاً . . ان الطفل سيموت من البكاء .
    ركضت الفتاة بأقصى سرعة كانت فرحة جدّاً . . دخلت على أمّها لتبشرها بما حصل .
    وجاءت يوكابد وهي تتظاهر بأنها غريبة لا تعرف الطفل . . تأخرت قليلاً حتى تبدد الشكوك التي قد تحوم حولها .
    جاءت يوكابد لترى آسية تنتظرها على أحرّ من الجمر . .
    أخذت يوكابد موسى وبذلت قدرة جبّارة للسيطرة على مشاعرها . . بدا وجهها خال من أي تعابير توحي بأنها أمّه .
    فجأة سكت موسى في حضن أمّه . . وفرحت آسية وهي ترى موسى يشرب اللبن .
    فكرت آسية زوجة الفرعون أن تستأجر يوكابد لا رضاع الطفل وأرادت يوكابد ان تطرد عنها الشكوك تماماً فقالت :
    انني ارضع ابني هارون .
    قالت آسية :
    أنت امرأة قوية ويمكنك إرضاع الاثنين معاً . . سوف اقدّم لك مكافأة جيدة .
    تظاهرت يوكابد بأنها ستوافق من أجل المكافأة . . وهكذا عاد موسى لأمّه مرّة أخرى ، وتحقق وعد الله .
    وتضاعف إيمان أم موسى بأن الله سبحانه هو القادر على كل شيء وأنه لا يردّ قضاءه أحد .
    ممفيس :
    ممفيس [1] هي عاصمة الفراعنة في ذلك الزمان . . على شاطئ النيل وفي خارج هذه المدينة بنى الفرعون قصره الكبير في الشمال . .
    قصر الفرعون في الضفة اليسرى من النيل ، وفي غرب المدينة وفي منطقة صحراوية جافّة بنى الفراعنة قبورهم وهي الأهرامات التي ما تزال قائمة حتى اليوم في منطقة الجيزة .
    وأتم موسى فترة الرضاعة في أحضان أمه ، ثم انتقل بعدها ليعيش في قصر الفرعون في الشمال خارج المدينة .
    وكبر موسى أصبح فتى رشيداً ، كان يرتدي زيّاً يشبه ما يرتديه النبلاء من الأقباط ، وكان الجميع ينظرون إليه ويحسبونه ابناً للفرعون .
    ولكن موسى في حقيقته كان غير ذلك . . كان فتىً طيباً يحب الضعفاء ويعطف عليهم وكان يتألم في أعماقه من أجل الناس الفقراء والمقهورين ، ويرفض في قرارة نفسه تصرفات الفرعون .
    وكبر موسى ونما عقله أصبح شاباً مفتول العضلات قوّياً يهابه الجميع .
    غير أن موسى لم يغتر بقوّته أبداً . . كان يزداد تواضعاً وكان ينظر إلى إدّعاء فرعون بأنه إله الشعب افتراءً على الحقيقة لأن الإله لا يمكن أن يكون بشراً فكيف بفرعون ذلك الإنسان المغرور الطائش ؟!
    وخلال تلك الفترة الطويلة التي تمتد إلى ثمانية عشرة سنة عرف موسى أشياء كثيرة وعرف حقائق كثيرة ، واكتشف انه ليس ابناً للفرعون ، بل انه ليس قبطياً أنه ابن عمران من بني إسرائيل .
    وعرف موسى ان بني يعقوب جاءوا إلى مصر من فلسطين . . جاءوا بعد ان أصبح يوسف بن يعقوب زعيماً كبيراً وهو الذي انقذ مصر من الجوع قبل مئات السنين . .
    والآن أصبح بنو إسرائيل أو بنو يعقوب عبيداً للفرعون الذي يصب عليهم العذاب . . يذبح الأطفال ويستبعد الرجال ويفرض على الجميع عبادته وحده!
    وراح موسى يتردد على المدينة بين فترة وأخرى . . وأصبح يغيب عن القصر أياماً . . وكان ينفر من ثيابه المصنوعة من الكتّان الرقيق ليرتدي لباساً خشناً مصنوعاً من الصوف .
    موسى يفكر بمصير بني يعقوب . . لقد أصبحوا أمّة كبيرة ولكنها خائفة وذليلة . . أبناء يعقوب يخافون من الفرعون . . كانوا ينتظرون من يخلصهم . . ينتظرون فقط !
    صراع مع الظلم :
    لم يقف موسى مكتوف الايدي . . كان يحاول أن يفعل شيئاً من أجل المظلومين . . لهذا كان يتسلل من القصر . ويذهب إلى المدينة وكان يقف بوجه الظالمين .
    عندما يدخل المدينة كان يشاهد بعض القبط وبأيديهم السياط ، وسرعان ما ينهالون لسبب ولغير سبب على رجل مظلوم من بني إسرائيل . .
    لهذا كان يهب لنجدة المظلوم ويوجه ضرباته العنيقة للظالم الذي يفضل الفرار أمام قبضة موسى المدمّرة .
    وذات يوم خرج موسى من القصر . . القصر يقع في شمال مدينة ممفيس .
    دخل المدينة وكان الوقت ظهراً وقد عاد الناس إلى بيوتهم كانت المدينة شبه معطلة . .الشوارع والأزقة خالية من الماره تقريباً .
    ورأى موسى رجلين يتشاجران أحدهما كان قبطياً والآخر كان من بني إسرائيل .
    كان القبطي ينهال على ذلك الرجل بالسياط وكان الرجل الإسرائيلي يستغيث ويطلب النجدة . .
    وهبّ موسى لنجدة المظلوم . . كان موسى قويّاً قد آتاه الله بسطة في الجسم .
    اعترض موسى الرجل القبطي ودفعه ولكن القبطي كان يريد مواصلة العدوان ، اضطر موسى أن يسدد له ضربة عنيفة ، سقط بعدها المعتدي صريعاً . .
    شعر موسى بأنه ارتكب خطأ جسيماً لأنه ليس من الصحيح أن يفعل ذلك . .
    ان فرعون ساخط عليه بسبب أفكاره التوحيدية وكان يضع عليه الجواسيس ويراقب كل حركاته .
    ان مقتل الرجل القبطي سيكون ذريعة للفرعون في الانتقام من بني إسرائيل . . سوف يثير الفرعون أحقاد القبط ويحرّكهم ضد موسى وبني إسرائيل .
    لم يكن هناك أحد يعرف ماذا حصل ؟ . اختفى موسى عن الأنظار .
    وكانت الشرطة تبحث عن الفاعل .
    لم يرجع موسى إلى القصر . . كان يخشى بطش الفرعون . .
    لهذا أمضى ليلته في المدينة . . وحدث ما لم يكن في الحسبان .
    رأى موسى الرجل الإسرائيلي يتشاجر مع رجل قبطي آخر . . استغاث الرجل الإسرائيلي بموسى ..
    كان موسى منزعجاً مما حصل بالأمس ، ومع ذلك فقد هبّ لنجدة المظلوم . . تقدّم إليهما وهو يخاطب الإسرائيلي قائلاً :
    { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } . . انت تتشاجر كل يوم وهذا ليس صحيحاً .
    ظن الإسرائيلي ان موسى سوف يبطش به لهذا صرخ قائلاً :
    { يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ؟ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ }. .
    عندما سمع الناس ذلك اكتشفوا ان القاتل لم يكن سوى موسى وركض الجواسيس لاخبار الفرعون بذلك .
    المؤامرة :
    في القصر كان الفرعون يتآمر مع أعضاء حكومته . . كان يفكر في أن موسى هو الرجل الموعود . . انه لا يكفّ عن بث أفكاره الخطيرة . . وكان يعرف قبل أن يخبره الجواسيس ان موسى هو الذي قضى على الرجل القبطي . .
    لهذا قرر ان يقتل موسى مهما كان الثمن . .
    وكان هناك رجل قبطي طيب . . يحب موسى لأخلاقه الرفيعة وحبّه للخير والضعفاء ولشجاعته . .
    أسرع الرجل يبحث عن موسى . . دخل المدينة وراح يسأل عن موسى حتى عثر عليه قال له محذّراً :
    { يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }.
    لم يكن هناك وقت للانتظار. . ان هذا الفرعون الطاغية لن يتورّع عن قتله . .
    من أجل هذا أسرع موسى في اتخاذ قرار الهجرة من مصر كلها في أسرع وقت .
    استقل موسى زورقاً ليعبر نهر النيل إلى الضفة اليمنى . . ومن هناك انطلق باتجاه الشرق متوجهاً نحو خليج السويس . .كان هدف موسى أرض مدين . .
    نظر موسى إلى السماء وقال بخشوع :
    { عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }.
    كانت شرطة فرعون تبحث عنه في كل مكان ، ومضى موسى يجتاز الصحراء والمنعطفات الجبلية على البحر الأحمر ودلتا النيل .
    الطريق إلى مدين :
    الرمال في سيناء مد البصر ، وموسى وحيداً في تلك المنعطفات الجبلية على شواطئ البحر الأحمر .
    ثلاثون يوماً تمرّ وموسى يقطع الطرق المقفرة الموحشة في صحراء سيناء .
    كانت قدماه قد تورمتا وهو يطوي عشرات الأميال مشياً ، ولم يكن طعامه طوال الطريق سوى ما يعثر عليه من بقول الأرض البرّية .
    وكانت الشمس ترسل أشعة الأصيل عندما وصل موسى أرض مدين .
    كانت مدين لا تخضع لنفوذ الفراعنة ، وهي منطقة تقع في منتصف الطريق بين الحجاز ومصر على مقربة من سواحل خليج العقبة شرقاً .
    أطلّ موسى على الوادي الفسيح وجلس عند صخرة تظلّلها شجيرة شائكة .
    كان موسى متعباً جداً بعد رحلته الشاقّة ، وكانت الشمس تجنح باتجاه المغيب .
    راح موسى يراقب قطعان الماشية يسوقها رعاة اشدّاء إلى البئر .
    واصطبغ الأفق الغربي بألوان حمراء وبرتقالية متموجة ، فشعر موسى وهو يتأمل جلال الطبيعة بخشوع يتغلغل في قلبه .
    نسي آلامه ومتاعبه وكانت روحه تذوب مع كل ذرّة من ذرّات الكون الفسيح .
    كانت رحلته التي استغرقت شهراً قد صنعت منه انساناً آخر . . أن قلبه يتفتح للحقائق الكبرى .
    كان موسى يصغي إلى ثغاء الأغنام وهي تنحدر باتجاه البئر الوحيدة في الوادي .
    وتصاعدت أصوات الرعاة وهم يتدافعون للاستباق ، ورأى موسى منظراً جديداً للاستضعاف . . رأى القويّ هو الذي يحوز الماء أما الضعيف فعليه ان ينتظر . . أن يتحمل ألم الانتظار ومرارة الصبر .
    راح الرعاة الأشداء يملأون الأحواض لأغنامهم ، فيما ظهرت فتاتان تذودان قطيعهما . . وكانتا تنتظران في انكسار فراغ الرعاة من السقي .
    وهبّ موسى كعادته إلى نجدتهما . . نسي آلام قدميه المتورّمتين .
    تقدم موسى نحو الفتاتين وقال بأدب :
    ما خطبكما ؟
    قالت الفتاتان :
    { لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }.
    بالرغم من تعبه وآلامه . . بالرغم من جوعه الشديد فلقد بعثت الحمية في قلبه قوّة كبيرة . .
    أمسك بالدلو ورماه في أعماق البئر . . وقف الرعاة ينظرون إليه . . ينظرون إلى الرجل الغريب وإلى عضلاته المفتولة . .
    ملأ موسى الحوض وساقت الفتاتان قطيعهما الذي راح ينهل الماء حتى ارتوى . .
    فرحت الفتاتان وفي ذلك اليوم عادتاً إلى المنزل مبكّرتين .
    لم يكن أبوهما ذلك الشيخ الكبير سوى شعيب النبي ( عليه السلام ) ، عندما رأى ابنتيه تعودان على غير عادتهما في التأخر قال متعجباً :
    ماذا حصل ؟
    قالت ابنته :
    جاءنا شاب طيب غريب عن هذه الديار . . رحمنا فسقى لنا .
    وقالت الأخرى :
    يبدو عليه التعب والجوع يا أبي .
    قال الأب :
    استدعيه يا ابنتي لنعطيه أجرته .
    رحمة الله :
    كان موسى قد عاد إلى مكانه ، وشعر بالجوع يعتصر بطنه نظر إلى السماء وقال : {ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير }.
    كان موسى يتمنى تمرة واحدة تهّدئ من ألم الجوع . . الله سبحانه استجاب دعاءه . .
    جاءت ابنة شعيب تمشي في حياء ، وقفت قريباً منه وقالت بأدب :
    { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا }.
    نهض موسى ملبيّاً دعوة رجل كريم . .
    وعلى مائدة الطعام ذكر موسى اسم الله شاكراً نعمته واستجابة دعائه .
    وراح موسى يروي قصص الظلم في مصر وما يعانيه المستضعفون تحت حكم الفرعون .
    طمأن شعيب ضيفه وقال :
    { لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }. . ان هذه الأرض لا تخضع لحكم الفراعنة .
    القويّ الأمين :
    احبّ شعيب ضيفه . . ان موسى لا ينفك يذكر الله سبحانه في كل شيء ، وكان شعيب يحبّ الله . . من أجل هذا فهو يحب المؤمنين . .
    أحبّ شعيب موسى أكثر عندما عرف انه من نسل يعقوب من ذرّية إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) . .
    وأحبّ شعيب موسى لأمانته لقد عرف ذلك بعد أن دار حديث عائلي . . قالت ابنته :
    { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }.
    قال شعيب متسائلاً :
    لقد عرفنا قوّته فكيف عرفت أمانته .
    قالت :
    عندما ذهبت إليه أدعوه إلى المنزل . . كان مطرقاً ولم ينظر إليّ . . قال لي تأخرى عني ودلّيني على الطريق !
    عندما جلس موسى يتحدث إلى شعيب قال له في حضور ابنته :
    يا موسى { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ }.
    سكت موسى حياءً لأنه رجل فقير لا يملك شيئاً ، ولكن شعيباً ( عليه السلام ) قال له :
    شرط أن ترعى غنمنا ثمان سنين وإن شئت أن تجعلها عشراً فمن فضلك . . أنني لا أريد أن اشق عليك ستجدني رجلاً يعرف حقك .
    قال موسى بأدب :
    { ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }.
    العودة إلى الوطن :
    تزوج موسى في أرض مدين ، واستقرّ به المقام ولكنه لم ينس مصر ولم ينس الناس المستضعفين المقهورين هناك غير انه انصرف إلى عمله في نشاط وإخلاص يرعى الغنم يذهب بها على المروج . . إلى التلال . . إلى الوديان ثم يعود بها في الغروب .
    لم يكن موسى ليزاحم الرعاة أبداً ، وكان يختار لماشيته أمكنة مليئة بالعشب . ثم ينصرف إلى تأملاته . . كان يفكر . .
    تعلم أشياء كثيرة . . عرف كيف يهش على الغنم ويسوقها إلى المراعي .
    وكان يراقبها ويحافظ عليها من الذئاب . . الأغنام لا تعرف ماذا عليها أن تفعل فهي تستجيب لعصا الراعي . وعندما تنظر إليه تشعر بالأمن ، فتنصرف إلى تناول العشب بسلام .
    ما أجمل الحياة في المراعي . . ان نفس موسى تمتلأ جلالاً لله سبحانه .
    في كل يوم تشرق الشمس . . تعبر السماء ترسم الواناً زاهية في الأفق . . ثم تتجه نحو الغروب ، وكانت نفس موسى تمتلأ خشوعاً للخالق العظيم . . لهذا كان يرى فرعون صغيراً وحقيراً . . كيف يدّعي الإنسان الضعيف انه إله من دون الله ؟!
    الناس الضعفاء في مصر يخافون سطوة الفرعون وكانوا يتظاهرون بعبادته .
    وهكذا تمرّ الاعوام . . عاش موسى عشر سنين في مدين .
    أصبح عمره أربعين سنة . . تضاعفت تجربته في الحياة لا أحد يعرف هل ذهب موسى خلال تلك السنين إلى مكّة ؟ ان شعيباً ( عليه السلام ) عندما استأجره ليرعى الغنم قال له : { عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ومعنى هذا ان الحج معروف في ذلك الزمان ، وان شعيباً كان يحج بيت الله .
    عندما أصبح عمر موسى أربعين سنة كان قد وفى بوعده لشعيب وقد أتم الأجل الثاني أي إنه ظلَّ يرعى الغنم عشر سنين كاملة .
    وفكر موسى ان يعود إلى مصر . . كان يشعر ان له مهمّة ويجب عليه أن يقوم بها .
    وذات مساء شتائي ، وفيما كان الناس في مدين يجلسون حول مواقدهم للدفء قال موسى لشعيب .
    لقد تم الأجل الذي بيننا . . يجب أن أعود إلى مصر .
    سأدعو الله أن يحميك من شرور الفرعون . . ان الله سينصرك لأنك مع الحق . . عندما تكون مع الحق فان الحق سينصرك .
    وذات صباح مشرق كان موسى يسوق غنمه مغادراً أرض مدين متوجهاً نحو مصر .
    كل تلك السنين لم ينس موسى مصر . . لم ينس الناس المظلومين هناك .
    كان يفكر بانقاذهم من الظلم من الجهل . . لقد نسوا دين إبراهيم . . دين يعقوب . . دين يوسف نسوا أن الله وحده هو رب العالمين وانّ فرعون مجرّد بشر ضعيف .
    الإنسان عندما ينسى الله فانه سيخاف من كل شيء ، وعندما يؤمن بالله ولا يخاف من أحد إلاّ الله فانه سيكون إنساناً شجاعاً حرّاً يخاف منه الظالمون .
    نداء السماء :
    الصحراء مدّ البصر ، موسى بن عمران الذي بلغ الأربعين من عمره يغادر مدين عائداً إلى مصر .
    فرّ من مصر وحيداً خائفاً ، وعاش في أرض مدين عشر سنوات ، تزوّج وأصبحت له أسرة ، وأصبح له قطيعاً من الأغنام .
    وها هو الآن يسوق قطيع الماشية عائداً إلى أرض الوطن . .
    كان موسى يسير في الصحراء ومن بعيد كانت تلوح له جبال صغيرة .
    الرياح الشتائية تهبّ فتلفح الوجوه ، وموسى يهش على غنمه بعصاه ويسير ، كان يرتدي ثياباً منسوجة من الصوف . . فهو يحبّ بطبعه حياة التواضع والبساطة .
    لهذا كان يمقت الفرعون . . " منفتاح " يرتدي ثياباً كتانية رقيقة موشّاة بالذهب ! والجواهر الثمينة .
    موسى في منتصف الطريق في جزيرة سيناء على مقربة من جبل الطور .
    الرياح الشتائنة الباردة تعصف بشدّة وقد خيم الظلام تماماً .وقف موسى حائراً لقد ضاع عليه الطريق .
    كانت زوجته ترتجف من البرد ، كان موسى ينظر في كل اتجاه ليعرف الطريق الذي يسلكه .
    فجأة سطع نور من جهة جبل الطور . . رأى موسى ناراً تتوهج من بعيد لهذا قال لزوجته : انني أرى ناراً . . امكثوا حتى آتيكم منها بجذوة نتدفأ بها ، وربّما عثرت على الطريق .
    قال موسى ذلك واتجه صوب النار المتوهجة وسط الظلام .
    وشيئاً فشيئاً كان موسى يقترب من المكان ، لم يجد موسى قرب الشجرة أحداً .
    كانت هناك شجرة تتوهج ناراً لكنه لم ير أحداً يسأله عن الطريق !
    شيء عجيب ! شعر موسى أن هذا المكان مفعم بالصمت والهدوء لا أثر فيه للرياح والبرد ، حتى أنه كان يسمع وقع عصاه وهي تصطدم بالأرض . فجأة سمع صوتاً يناديه . .
    { اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى }!
    شعر موسى بالخوف . . خلع نعليه وكان يتساءل عن صاحب الصوت فسمعه يقول :
    يا موسى إني أنا الله رب العالمين !
    ملك الصوت قلب موسى فالقى نفسه ساجداً لله .
    كانت الكلمات تنفذ في قلبه نفوذ النور في مياه بحيرة صافية .
    ألق عصاك يا موسى !
    وامتثل موسى فالقى عصاه على الأرض ، وفي تلك اللحظة حدث شيء مذهل . . لقد تحولت فجأة إلى ثعبان يتلوّى ، وتراجع موسى خائفاً . . كان ثعباناً مخيفاً .
    وسمع موسى صوتاً يناديه من الجانب الأيمن في الوادي : يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين . . يا موسى لا تخف لأن الرسل لا يخافون . .
    وأضاء قلب موسى نور عجيب . . شعر بالطمأنينة والسلام . . انه رسول الله .
    اسلك يدك في جيبك سوف تخرج بيضاء .
    وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتألق بلون ناصع .
    تحسس موسى يده فإذا هي صحيحة سالمة من كل سوء وهوى موسى ساجداً لله مرّة أخرى . . ان الله قادر على كل شيء لا حدود لقدرة الله . . ان هذه الآيات كافية لأن يؤمن الناس بقدرة الله وحده .
    حاول موسى أن يهدّىء من خوفه فسمع الصوت يقول له :
    اضمم إليك جناحك .
    فعل موسى ذلك ضم يديه إلى صدره شعر بقلبه يهدأ تماماً .
    قال الله لموسى وهو يحمّله الرسالة .
    اذهب إلى فرعون انه طغى . .
    ان على موسى أن يحارب الظلم وأن ينصح فرعون بالكف عن عدوانه وغروره وإن يسلم وجهه لله رب العالمين .
    قال موسى وهو يطلب من يساعده وينصره في مهمته :
    رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون . .
    تذكر موسى الحادث الذي وقع قبل عشر سنوات . . ان فرعون لن ينسى ذلك . . انه يحقد على موسى ويتحيّن الفرص لقتله .
    يا رب أن أخي هارون أفصح مني لساناً فاجعله ناصراً وشريكاً في رسالتي . . إذا ذهبت وحدي سوف يكذبوني . . أريد نصيراً لي يقف معي ويؤازؤني ويشهد بصدق رسالتي .
    قال الله سبحانه وتعالى وقد استجاب طلبه .
    { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } .
    { قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }.
    { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } .
    عاد الصمت مرّة أخرى يهمين على الوادي المقدس واختفت النار ورجع موسى إلى أهله كانوا ينتظرون . .
    رجع موسى وهو يحمل أعباء رسالة الله الكبرى . . لقد وجد موسى الطريق .
    لهذا راح يحث الخطى وهو يغرز عصاه في رمال الصحراء
    المواجهة :
    اتجه موسى إلى جنوب العاصمة ممفيس حيث يعيش أبناء يعقوب .
    ازداد الظلم وتضاعف العذاب على بني إسرائيل . . وعاد موسى إليهم وهو يبشرهم برسالة الله . . بالخلاص من الظلم . .
    كانوا خائفين ، ولكنهم بدأوا يشعرون بالأمل .
    وقف هارون إلى جانب أخيه موسى ، وشعر موسى بالثقة أكثر إن معه من يؤازره وينصره .
    ان هارون فصيح اللسان ، وعندما يتحدث فإنه يتحدث باسم الحق باسم العدل . . لا يخاف أحداً إلاّ الله .
    من أجل هذا طلب موسى من الله أن يشركه في الرسالة ليعملا معاً على زعزعة الظلم والقضاء على الشر ونشر الخير والعدل .
    وقرر موسى وهارون الذهاب إلى قصر الفرعون خارج المدينة . .
    كان يمشيان على شاطئ النيل متجهين شمالاً ، كان موسى يتوكأ على عصاه ، وكانا يرتديان قميصين منسوجين من الصوف .
    ولاح من بعيد قصر الفرعون . . كان قصراً كبيراً جدرانه من الصخر المكسوة بالخشب المصقول بدقة ، أمّا ارضيته فقد فرشت بالرخام ، وأثاثه من المرمر والعاد والذهب .
    ودخل موسى وهارون القصر ، ودخلا البلاط حيث يتربع الفرعون على عرش من الآبنوس المطعم بالذهب والجواهر ، وكان فرعون يمسك بعصا قصيرة هي الأخرى من الآبنوس المزيّنة بالذهب والأحجار الكريمة .
    حيّا موسى الفرعون بأدب الهي ، وقابل الفرعون التحيّة بغروره المعروف . . لم ينظر إلى عيني موسى ليتأمل النور الذي يشعّ منهما ، لم ينظر إلى زهد موسى وبساطته . . لم ينظر إلى شخصيته القويّة وهو يقف بشجاعة أمامه . . نظر فقط إلى الثياب المنسوجة من الصوف ، وراح يقارن بينها وبين ما يرتديه هو من ثياب كتانية رقيقة منسوجة بخيوط الذهب وإلى يديه المليئتين بأساور ذهبية ، من أجل هذا راح ينظر إليه باستعلاء .
    لم يكن فرعون وحده كان معه وزيره هامان وشخصيات كبيرة في الدولة .
    وراح الفرعون يحدّق في موسى الذي فَرّ من مصر قبل عشر سنوات وها هو يعود أكثر صلابة !
    قال الفرعون :
    وأخيراً عدت يا موسى .
    نعم ولقد جئتك بخير الدنيا والآخرة .
    قال الفرعون :
    ماذا تقصد ؟
    قال موسى :
    إن الله قد أرسلني إليك لتعبده .
    الله ؟!
    الله ربّ العالمين . . ربّكم وربّ آبائكم الأولين . .
    ونظر الفرعون بدهشة إلى رجال دولته وقال :
    ألا تستمعون ؟!!
    قال موسى :
    رب السماوات والأرض ، وما بينهما إن كنتم موقنين .
    ونظر الفرعون إلى رجاله بغضب وصاح مستهزأ :
    إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون .
    انحنى هامان للفرعون وقال مخاطباً موسى :
    أنت تتحدّث بأشياء خطيرة . الشعب كلّه يعبد الفرعون ويسجد له . . وبنو إسرائيل يعبدونه أيضاً . . انه إله مصر .
    قال هارون بهدوء :
    انه ليس بإله .
    وقال موسى :
    ان الله وحده هو الربّ الذي ينبغي أن يُعبد . . هو الذي خلق الكون والوجود . . الله هو الذي خلق السحب وينزل المطر . . وهو الذي يخلق الشجر . .
    قال الفرعون وهو يحاول محاصرة موسى :
    لقد نسيت يا موسى أشياءً كثيرة . . نسيت اننا ربّيناك منذ كنت طفلاً رضيعاً .
    قال موسى :
    لقد كنت تذبح أطفال بني إسرائيل . . وتعذّب رجالهم وتقهر نساءهم . . وليست هذه بمنّة بعد أن عبّدت بني إسرائيل . .
    وماذا عن فعلتك التي فعلتها ثم هربت من مصر .
    لقد حصل ذلك خطأً لم أكن أنوي قتل الرجل . . وقد فررت لأنكم كنتم تخططون لقتلي . .
    ولقد اختارني الله رسولاً إليك . . فأرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم .
    صرخ الفرعون بغيط :
    لقد تجاوزت حدودك يا موسى . . أنت تتحدث في أشياء كبيرة لن يصدّقك بها عاقل . . ليس هناك من يصدّق بوجود إله واحد يمكنه أن يقوم بكل شيء . وهل هناك من يتخلّى عن سائر الآلهة . . ماذا تظنّ نفسك . . انظر إلى ثيابك الرثّة إنك لم ترتد شيئاً يستحق النظر . . اسمع يا موسى . . انك إذا انتخبت إلهاً غيري فسأقذفك في سجن مظلم .
    قال موسى :
    حتى لو جئتك بدليل على صدق رسالتي وكلماتي ؟
    قال الفرعون بغرور :
    دليل ؟! ما هو دليلك يا موسى هاته إن كنت صادقاً !
    ولم يفعل موسى شيئاً سوى أن ألقى عصاه أمام الفرعون وفجأة حدث شيء مدهش ذعر له الفرعون . . وأدهش الجميع . . انقلبت العصا إلى ثعبان مخيف . .
    راح يتلوّى فوق الرخام . . جمد الفرعون في مكانه . . وأصبح وجهه في صفرة الليمون . . وساد صمت رهيب سوى فحيح الثعبان المخيف . .
    ولأول مرّة شاهد الجميع الفرعون المغرور كاد يفرّ خائفاً . . ولكنه شاهد موسى يتقدم ليمسك بالثعبان ، وما أن مسّته يد موسى حتى عادت العصا إلى حالها الأول .
    وتحرّكت احقاد الفرعون راح يشعر بالخطر على عرشه . ان موسى يملك سلاحاً مخيفاً فماذا يفعل ؟!
    وهنا تظاهر الفرعون بان ما حصل لم يكن سوى سحراً .
    أدرك موسى ذلك فأدخل يده في جيبه وأخرجها توهجت اليد واضاءت المكان . . وكان ذلك آية عظيمة .
    لم يكن الفرعون غبياً وهو يشاهد ما حصل ، ولكنه كان مغروراً لا يفكر إلاّ بعرشه ومصالحه . . تقدم من موسى وقال :
    ماذا تريد يا موسى ؟!
    قال موسى بأدب الأنبياء :
    أن ترسل معي بني إسرائيل . . يكفي ما ذاقوه من العذاب والهوان والعبودية .
    فكر الفرعون بانه سوف يخسر الكثير من العمال الذين يعملون دون أجر كالعبيد . . وربّما يفكر موسى بتأليف جيش منهم يهدد سلطته وعرشه . . ومن الأفضل الاحتفاظ بهم كأسرى والاستفادة منهم في القيام بالأعمال الشاقة . .
    أراد الفرعون أن يثير مخاوف رجال دولته ويحرّضهم ضد موسى لهذا صرخ :
    ان موسى ساحر يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره !
    تبادل رجال الجولة النظرات الحائرة وتكلم هامان قائلاً :
    ان هناك الكثير من السحرة البارعين ، انهم يقومون بأعمال مذهلة . . انك تتآمر ضد القبط وتطردهم من أرض مصر . . سوف آتيك بسحر مثل سحرك فلنجعل بيننا موعداً لنا ولك .
    أجاب موسى بطمأنينة وإيمان :
    ليكن موعدنا يوم العيد في الضحى من أجل أن يشهد شعب مصر ذلك .
    هزيمة السحر :
    راح الفرعون يخطط لإلحاق الهزيمة بموسى ، فهناك من السحرة من يستطيع أن يفعل أشياءً عجيبة .
    وخلال تلك الفترة أشاع الفرعون بين أهل مصر أن يوم الزينة وهو يوم العيد الشعبي للمصريين في ذلك الزمان سيشهد مباراةً فريدة بين السحرة !
    أرسل الفرعون جنوده إلى أنحاء مصر وجمعوا له كبار السحرة في مصر كلّها .
    واجتمع الفرعون مع السحرة الذين جاءوا من أمكنة بعيدة وقريبة كان منظرهم بشعورهم الطويلة والحبال التي يحملونها والعصي التي بأيديهم مخيفاً . .
    شعر الفرعون ان هؤلاء سوف ينقذون عرشه من الخطر قال الفرعون :
    ان موسى يدّعي وجود إله غيري وقد تحدّاني بسحره . .
    فإذا استطعتم أن تهزموه فسوف أجعلكم من أصحاب النفوذ في الدولة . . ستكونوا حكاماً في مصر . .
    قال أحد السحرة وعيناه تبرقان .
    قال تكافئنا إن نحن غلبناه .
    نعم سوف أغرقكم بالذهب والجواهر . . غداً عندما تطلع الشمس سوف يجتمع الناس . . انه يوم الزينة والعيد . . أريد منكم أن تأتوا بسحر عجيب .
    قال كبير السحرة :
    اقسم بعزّتك أيها الفرعون الكبير باننا سنغلبه .
    وشعر الفرعون انه قد يمكنه أن يهزم موسى بالسحر .
    أشرقت الشمس وأضاءت فوق النيل ، وتألقت المياه وهي تنساب باتجاه الشمال .
    كان ذلك اليوم بهيجاً فهو يوم العيد . . يوم الزينة حيث يرتدي الناس أجمل ثيابهم ويخرجون للنزّهة .
    وكان ذلك اليوم مثيراً لأنه سيشهد مباراة بين السحرة لقد جمع الفرعون كبار السحرة في مصر ليقفوا في مواجهة موسى وهارون .
    البعض تصوّر أن انتصار السحرة سيكون انتصاراً للقبط على بني إسرائيل . . وكان الناس المقهورون من بني إسرائيل يتمنون انتصار موسى ليثأروا من الفرعون والظلم الذي نزل بهم . .
    أما موسى وهارون فكانا يفكران بانتصار الإيمان على الكفر . . انتصار المعجزة على السحر ، وانتصار الحق على الباطل .
    اجتمع آلاف الناس الذين جاءوا من العاصمة ومن غيرها من مدن مصر اجتمعوا ليشهدوا المباراة المثيرة .
    اصطف الجنود والحرّاس واخذوا أماكنهم ، وجاء فريق السحرة . .
    حيّا الجنود والحرس السحرة . . وانحنى الناس لهم اجلالاً كان الناس وفي ذلك الزمان يعتقدون بالسحر ، وكان للسحرة سلطة دينية على الشعب .
    وجاء موسى وأخوه هارون كانا يرتديان ثياباً صوفية ، وكان مع موسى عصاه العجيبة .
    وقفا في مقابل فريق السحرة الذي كانوا يحملون عصيّاً وحبالاً .
    ساد الصمت المكان وتبادل السحرة نظرات لها معنى . . سوف يهزمون موسى وأخاه وسيحصلون على الذهب والمجد والنفوذ الأكثر .
    وفي الأثناء قطع الصمت صوت البوق لقد وصل موكب الفرعون . .
    كان " منفتاح " يجلس على سرير الملك الذهبي يحمله الجنود ويحفّه الحرس .
    وألقى الجنود والناس والقادة والسحرة أنفسهم ساجدين للفرعون .
    سجد الجميع ما عدا اثنين فقط هما موسى وهارون . . انهما لن يسجدا لأحد إلاّ الله .
    وشعر الفرعون بالحق يملأ قلبه . . سوف ينتقم من موسى . . سيعلمه كيف يسجد للفرعون ملك مصر .
    عاد الصمت مرّة أُخرى وكان الجميع ينتظرون بدء المباراة بين موسى والسحرة !
    برقت عيون السحرة بالمكر قال كبير السحرة لموسى :
    يا موسى أما أن تلقي عصاك أو نلقي نحن !
    أجاب موسى :
    انني لست ساحراً . . انني احذركم مما تفعلون . . ان الله سيعاقبكم على ما تفترون .
    قال السحرة :
    والآن من يلقي أولاً ؟!
    قال موسى وهو يشدّ قبضته على عصاه :
    القوا أنتم أولاً .
    ألقى السحرة حبالاً وعصيّاً كثيرة وراحوا يتمتمون بكلمات غامضة ويأتون بحركات مخيفة .
    وساد المكان جوّ رهيب وخيل للجميع ان الساحة قد امتلأت بالافاعي والحيّات ! وابتسم الفرعون لما انجزه السحرة من عمل كبير . .
    شعر موسى بالخوف ليس من تلك الافاعي الخيالية . . بل من أن يؤمن الناس أكثر بالسحر والخزعبلات . .
    حيّا هامان السحرة وكان هذا بداية للجنود بأن يطلقوا صيمات الإجلال لسحرة الفرعون الكبير !
    الله سبحانه لم يترك رسوله وحيداً قذف في قلب عبده :
    لا تخف انك انت الأعلى . . والق ما في يمينك .
    نظر موسى إلى السماء الزرقاء الصافية ، وألقى عصاه . .
    وحدث أمر لم يكن ليخطر على بال أحد . . لقد تحوّلت العصا فجأة إلى ثعبان هائل . . تلوّى الثعبان وراح يبتلع الحبال والعصيّ وكل تلك الأفاعي الخيالية !!
    كان السحرة الذين أحضرهم الفرعون من كبار السحرة في مصر ، ولم يكن هناك من هو أحذق منهم في السحر والشعوذة ولهذا فهم أعرف من غيرهم بماهية السحر . .
    ان الحبال والعصيّ لم تتحول إلى أفاعٍ أو حيّات بل هكذا خيل للناس لأنهم يسحرون عيون البشر فقط .
    عندما رأى السحرة ما فعله موسى وكيف تحولت العصا إلى ثعبان حقيقي لا يتلوّى فقط بل أنه يبتلع العصيّ والحبال خشعوا لله ، وأدركوا أن موسى ليس كما ذكر لهم الفرعون . .
    لقد خدعهم ، إن موسى ليس ساحراً ، انه رسول من الله ربّ العالمين .
    لهذا سجد السحرة جميعاً لله . . سجدوا وهتفوا من كلّ قلوبهم :
    آمنا بالله رب العالمين . . ربّ موسى وهارون .
    كاد الفرعون منفتاح ينفجر من الحقد والغيظ . . ان سجود السحرة لإله غيره يعني هزيمته أمام موسى .
    يعني هزيمة السحر أمام ما قام به موسى من عمل خارق !
    ان عرشه في خطر لهذا صرخ بصوت مخيف :
    أتؤمنون بموسى قبل ان اسمح لكم . . انني اعرف خدعتكم ا ن موسى هو الساحر الأكبر الذي علمكم السحر . . سوف أنتقم منكم . . سوف أقتلكم أصلبكم على جذوع النخيل ، وأجعل منكم عبرة لغيركم .
    أصبح السحرة في لحظة واحدة مؤمنين بالله أعمق الإيمان فقالوا بصوت واحد :
    اننا لا نخاف وعيدك وتهديدك . . أنت الذي أجبرتنا على السحر والآن عندما رأينا بأعيننا معجزة موسى . . اكتشفنا ان الرب الحقيقي هو الله . . أما أنت فبشر مثلنا ولن نسجد لك بعد الآن .
    قال الفرعون بغيظ :
    سوف تعرفون من الأقوى . . سأقتلكم جميعاً .
    قالوا بشجاعة :
    لن نختار سوى الإيمان بالله الواحد الأحد . . رب السماوات والأرض . . إنّ الله سيغفر لنا خطيئتنا . . وانك لن تستطيع من عمل شيء إلاّ في هذه الدنيا الزائلة . . اما الآخرة فهي لنا . . للناس المؤمنين . .
    التفت أحدهم وخاطب الناس قائلاً :
    ان ما قام به موسى ليس سحراً انه آية من آيات الله . .
    أشار الفرعون إلى الحرّاس أن ينقضوا عليهم ، وهكذا سيق الرجال المؤمنون إلى ساحة الإعدام .
    بعض الناس الذين شاهدوا تلك المعجزة آمن بالله ولكنه كتم إيمانه . . وكان من بين الذين آمنوا برسالة موسى رجل من آل فرعون يقال له " حزقيل " كما آمنت زوجة الفرعون وتدعى " آسية " .
    وانفض الناس ذلك اليوم وعادوا إلى منازلهم وهم يتحدثون عما شاهدوه من عمل خارق . . وعرف شعب مصر وبنو إسرائيل ان موسى وهارون يتحديان الفرعون ويدعوان إلى عبادة الله الواحد . . وكانوا يتعجبون من شجاعتهما ومن عجز الفرعون عن فعل شيء تجاهما .
    كان مطلب موسى ان ينقذ بني إسرائيل من الذل والعبودية ويأخذهم إلى خارج مصر . . إلى مكان يستطيعون فيه أن يعبدوا الله بعيداً عن ظلم الفراعنة .
    وكان الفرعون منفتاح يرفض ذلك في كل مرّة لأنه لا يريد أن يخسر آلاف العبيد الذين يعملون من الصباح إلى المساء دون أجر .
    وفي تلك الفترة أصبح موسى زعيماً وقائداً لبني إسرائيل ، ورأى فيه المستضعفون الرجل الذي سينقذهم من الظلم والقهر والعبودية .
    عاش موسى مع قومه في جنوب العاصمة ممنفيس . . في الأحياء التي يسكنها الفقراء . . ومن هناك كان يقود المقاومة ضد الفرعون .
    لقد حصلت خلال تلك الفترة قصص كثيرة . . كثيرة ومثيرة ، وكان من بين تلك القصص قصة فريدة . . انها القصة التي تتحدث عن نهاية قارون . . قارون الذي بغى على موسى . . قارون الذي اغترّ بكنوزه وذهبه . . ما كانت قصته وكيف كانت نهايته ؟
    الصراع :
    كان لهزيمة السحر أمام معجزة الأنبياء أثرها الكبير في بث روح الإيمان ، فقد هزّت النتيجة مصر كلّها وأصبحت حديث الناس . .
    وراح الفرعون المغرور العنيد يخطط لإحباط محاولات موسى في نشر دين التوحيد الإلهي .
    أصبح لموسى مؤيدين داخل القصر من آل فرعون انفسهم حتى زوجته آسية أعلنت بشجاعة إيمانها .
    كان منفتاح انانياً لا يحب سوى نفسه لهذا لم يحترم زوجته ملكة مصر ولم يرحمها أيضاً .
    استدعى الفرعون زوجته وراح يهددها ولكنها لم تتراجع فأمر جلاوزته بتعذيبها اشدّ العذاب . . غير أن آسية التي ذاقت حلاوة الإيمان لم تتراجع ولم تنهزم ، نظرت إلى السماء وقالت :
    { رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ }.
    وظلّت آسية تقاوم العذاب والآلام إلى أن اغمضت عينيها بسلام والتحقت بملكوت السماء وعندما سمع موسى بالنبأ تأثر بشدّة . . لقد ذهبت آسية شهيدة الإيمان بالله .
    وراح الفرعون يصبّ العذاب على بني إسرائيل ويقتل المؤمنين .
    وكان المستضعفون من بني إسرائيل يبكون فيأتون إلى موسى ويقولون :
    أننا نتعذب منذ سنين طويلة من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا .
    وكان موسى يقول لهم مصبّراً .
    استعينوا بالله واصبروا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وتأكدوا ان الجولة الأخيرة ستكون من نصيب المؤمنين .
    كان الفرعون يخطط لقتل موسى وكان يظن انه إذا قتل موسى فأن عرشه سيبقى في مأمن من الخطر .
    وكان هناك رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه لم يكن يعرف أحد بان ذلك الرجل القبطي الذي له نفوذ في الدولة مؤمن بموسى .
    كان يتظاهر بزيارة المعابد . . ولم يكن يتحدث ضد الفرعون . . ومع ذلك فقد كان يعمل على نصرة موسى ودين الله . . .
    عندما يرى مؤامرة تحاك ضد دين الله وضد النبي فانه يواجه ذلك باسلوب ذكي . .
    ذات يوم اجتمع الفرعون مع رجال دولته وكان الرجل المؤمن حاضراً طرح الفرعون فكرة قتل موسى . .
    بعض الرجال أيّدوا فكرته . . وبعض اعتصم بالصمت أمّا الرجل المؤمن فراح يحذّرهم من عواقب ذلك قال لهم :
    كيف تقتلون رجلاً لم يتركب جريمة سوى الإيمان بالله . .
    انه لم يدّع رسالته كاذباً لقد جاء إليكم بالادلّة والبراهين أنسيتم عصاه ؟ أنسيتم هزينة السحرة أمامه ؟! . أنسيتم كيف انقذكم من السيول ؟من الضفادع ، من الجراد ، وفي كل مرّة كنتم تتضرّعون إليه بأن ينقذكم لتؤمنوا برسالته وعندما يُرفع عنكم البلاء تعودون إلى عنادكم . .
    انني أخشى عليكم من انتقام الله . . أخشى أن يكون مصيركم كمصير قوم نوح وعاد وثمود وأقوام أخرى جاءوا بعدهم .
    انني أخشى عليكم من عذاب يوم البعث والمعاد . .
    لا أدري لماذا هذا الشك في دين الله . . لقد كنتم تشكّون برسالة يوسف وعندما توفي قلتم لن يبعث الله بعده رسولاً . . إنّكم لا تريدون الهداية ولهذا فلن يهدي الله قوماً يريدون الضلال !
    كانت كلمات حزقيل مؤثرة . . سكت البعض وراح البعض الآخر ينظر إلى الفرعون . .
    تظاهر الفرعون بالسخرية والتفت إلى وزيره هامان وقال :
    أريد أن تبني لي صرحاً عالياً . . أريد أن أنظر في السماء . . لعلّي أطلع على إله موسى . . مع انني أظنّه كاذباً في ادعائه .
    انسحب هامان من الاجتماع لتنفيذ رغبة الفرعون وهكذا انفض الاجتماع والحيرة تسود على وجوه رجال الدولة .
    فيما راح الفرعون يخطط لمؤامرة أخرى .
    قارون :
    كان قارون رجلاً من بني إسرائيل رزقه الله ثروة كبيرة ، وبدل أن يشكر الله ويساعد الفقراء راح يتبختر ويتكبّر .
    كان قارون ثرياً يملك الكنوز ، فغرّته أمواله من الذهب والفضة وراح يتكبّر على غيره . . ويظنّ ان الذهب والشراء هو مصدر القوّة .
    كان يتشبه بالفرعون في ما يلبس ويرتدي .
    الناس المؤمنون كانوا ينصحون قارون الاّ يتكبر ويغترّ بذهبه وفضته وكنوزه . . كانوا يقولون له : لا تنس يوم القيامة . . لا تنس عالم الآخرة . . اعمل لآخرتك .. انفق بعض أموالك على الفقراء واشكر الله على ما آتاك . .
    كانوا يقولون له : احسن إلى الناس كما احسن الله إليك . . ولا تنشر الفساد في الأرض .
    غير أن قارون كان يجيب متكبّراً :
    أنني جمعت ثروتي بيدي . . انني أعرف كيف أحصل على المال . . ان نبوغي العلمي هو وراء ثروتي . .
    بعض الناس فتنوا بقارون أصبحوا مؤيدين له ووقفوا ضد نبيهم موسى ( عليه السلام ) كانوا يطمعون بالحصول على بعض المال . .
    وذات يوم ارتدى قارون ثياباً مزركشة بالذهب ، وخرج يتبختر بها أمام الناس .
    بعض الفقراء قالوا : ما أسعده وأوفر حظه ؟ يا ليت لنا مثل ما اُوتي قارون انه لذو حظ عظيم .
    ولكن الناس المؤمنين قالوا لهم : ان ثواب الله خير لمن آمن وعمل الصالحات .
    وجاء موسى لينصح قارون ويعظه قال له : لا تبغ الفساد في الأرض . . لا تغترّ بأموالك وثروتك .
    ولكن قارون كان مغروراً . . وكان يحقد على موسى .
    ولهذا راح يتآمر على النبي ، وذات مرّة اتهمه بافتراءات باطلة . . وجمع بني إسرائيل وراح يشيع على موسى تلك الاتهامات .
    وغضب الله على قارون المغرور . . وتجسد ذلك على وجه موسى ( عليه السلام ) الذي دعا الله أن ينتقم من قارون .
    وحدث شيء رهيب . . ان الأرض تهتز تحت قصر قارون . . كان قارون ينظر إلى قصره وهو يهتز أصيب بالذعر وأراد أن يهرب ولكن الأرض قد ابتلعته هو الآخر . وفي لحظات غاب قارون وقصره وكنوزه وأصبح عبرة لغيره . .
    الذين تمنّوا أن يكون لهم مثل ما كان لقارون ندموا واكتشفوا ان العمل الصالح أفضل من كنوز الذهب ، لأن العمل الصالح ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة ، أما الذهب . . امّا التكبر والغرور والكنوز ستعود على صاحبها بالوبال والخسران .
    الخلاص :
    راح الفرعون المغرور يخطط للقضاء على موسى وعندما رأى ان رجال دولته ورأى الأقباط يفكّرون في دعوة موسى وبرسالته ، وما فعله من معجزات عندما رأى الفرعون كل ذلك ، وضع خطّة ليضمن بها تأييد المصريين له .
    أمر بأن تضع له منصّة كبيرة على شاطئ النيل بحيث تنساب المياه تحتها ، وأذاع بانه سوف يلقي خطاباً هامّاً .
    وفي الموعد المقرر . . اصطف الجنود والحراس على جانبي الطريق الذي يؤدي إلى المنصة . .
    وضع فوق المنصّة العرش الذهبي ، ووقف الكهنة إلى جانبيه . . واحتشدت الجماهير أمام المنصة وراحت تنظر إلى العرش الذهبي بانبهار .
    وبعد ساعة وصل موكب الفرعون . . وكان هذه المرّة يقف فوق محفة يحملها جنود أشداء . . كان يرتدي ثياباً كتانية مزركشة بالذهب ومحلاّة بالجواهر والأحجار الكريمة . . على رأسه التاج المزدوج الذي يرمز إلى انه يحكم مصر العليا و السفلى .
    الموكب يمشي في بطء واستكبار ، دون ضجيج . . هكذا أراد الفرعون .
    ومن على المحفة انتقل الفرعون إلى المنصّة العالية وجلس على عرشه الذهبي . .
    وافتتنت الجماهير بمنظر الفرعون . .
    وبدأ الفرعون خطابه الهام قائلاً :
    انني إله مصر الأعلى . . لي ملك مصر . . الأنهار تجري من تحتي . .
    انني أقود الأرض والشعب إلى المجد . . لقد طردنا الأعداء وبنيت السدود في الشرق . . ليعيش الشعب في أمان .
    سوف اقضي على العدوّ في داخل مصر . . سأبيد شعب إسرائيل . . انهم شرذمة قليلون . . وهم يريدون إخراجكم من أرض مصر . . فدعوني اقتل موسى وليدع ربّه !
    عم الحماس نفوس الناس . . راحت الجماهير تحيّي الفرعون إله مصر الأكبر !
    وفي اليوم التالي تأهب جنود العاصمة لتنفيذ خطّة الفرعون في إبادة بني إسرائيل .
    وراح الجنود المسلحون بالرماح ينتزعون الأطفال الأبرياء من أحضان الأمهات ويلقون في النيل .
    التماسيح ذات الرؤوس المثلثة تلتهم الأطفال الأبرياء وكانت الأمهات يصرخن و يسنجدن بموسى . .
    امّا الرجال والشباب فكانوا يساقون إلى الأعمال الشاقة في بناء المدن الجديدة !
    وعندما اشتدّت المحنة . . وتطلع بنو إسرائيل إلى السماء يستمدّون منه النصر أوحى الله إلى رسوله موسى أن يقود بني إسرائيل للفرار من مصر ليلاً .
    وفي منتصف إحدى الليالي تأهب بنو إسرائيل للفرار من مصر وكان على موسى أن يقود شعباً كاملاً في اخطر عملية للإنقاذ الإنساني !
    كان موسى مؤمناً بان الله سينقذ الناس المؤمنين ، لهذا كان يقود امّته باتجاه الشرق .
    عبرت الجموع نهر النيل ثم بدأت رحلتها الخطيرة باتجاه خليج السويس .
    كان موسى ( عليه السلام ) يقود الجموع في ذات الطريق التي فرّ من خلالها إلى مدين عندما كان شاباً في الثلاثين من عمره .
    وفيما كانت الجموع تقطع المسافات باتجاه الشمال الشرقي ، استيقظت العاصمة " ممفيس " على دويّ المفاجأة !
    لقد فرّ بنو إسرائيل من مصر !!
    برق الغدر في عيني الفرعون الذي أصدر أوامره بالزحف العسكري ومطاردة بني إسرائيل .
    كانت خطة الفرعون أن يحاصر بني إسرائيل في الصحراء ويقتل موسى وهارون ليعود بالأسرى مرّة أخرى ليكونوا عبيداً في مملكته الكبرى .
    وهكذا انطلقت عشرات المركبات الفرعونية التي تجرّها الخيول في أخطر مطاردة لشعب آمن بالله ورسالته .
    اهتزّت الأرض تحت سنابك الخيول وأقدام الجنود وكان الفرعون منفتاح يقود مركبته بنفسه ويتقدم جيشه المؤلف من عشرات الآلاف من الجنود الأشداء .
    وانفلق البحر :
    من بعيد لاحت عشرات المركبات التي تجرّها الخيول وهي تنهب الأرض .
    صاح بنو إسرائيل يا لحظنا البائس . . سوف نموت في هذه الأرض . ليس هناك أمل في النجاة .
    بكى الأطفال ، وصاحت النساء . . وعمّ الخوف .
    المركبات الحربية تقترب .
    وصرخ أحدهم :
    إنّا لمدركون .
    ونظر موسى إلى السماء الصافية وقال :
    كلاّ ! إن معي ربي سيهديني .
    وفي تلك اللحظات المصيرية هبط جبريل ليبلغه أمر السماء :
    اضرب بعصاك البحر .
    وتقدّم موسى إلى البحر ووقف فوق صخرة غارقة في الماء ثم أهوى بعصاه على المياه الزرقاء .
    فجأة حدث أمر مدهش . . البحر يتحول إلى نصفين كل نصف كالجبل الشاهق وبينهما واد طويل ، ولأول مرّة أضاءت الشمس الرمال في تلك الأعماق السحيقة لقد كان ما حصل معجزة كبرى !
    كيف يمكن لإنسان أن يعمل ذلك ؟! انه قدرة الله المطلقة . . قدرة الله التي لا تعرف الحدود .
    وقفت المياه مثل سفوح الجبال ! واندفع موسى إلى الوادي الطويل الذي شطر البحر شطرين ومن ورائه بنو إسرائيل .
    وراح موسى وإلى جانبه أخوه هارون يشقان طريقهما بين سفوح المياه !
    وشعر بنو إسرائيل بالأمل والخلاص من الفرعون الظالم ، وأدركوا ان الله سينقذهم وسينجيهم كما وعدهم موسى .
    النهاية :
    وصل الفرعون منفتاح بجيوشه الساحل ورأى المعجزة العظيمة بعينيه . . ورأى الجنود أيضاً ذلك ولكن أحداً لم يراجع نفسه قليلاً ويفكر برسالة الله ولم يفكّر واحد منهم بالإيمان بموسى رسولاً من الله .
    برق الحقد في عيني الفرعون وهو يرى بني إسرائيل في منتصف الطريق العجيب !
    ألهب ظهر حصانه بالسوط ، واندفعت مركبته في الطريق وفعل الجنود أيضاً ذلك ، كانوا عشرات الآلاف من الجنود الأشدّاء الذين لا يعرفون غير عبادة الفرعون وتنفيذ إرادته .
    وصل بنو إسرائيل الساحل في الجانب الشرقي من خليج السويس ، ووقفوا ينظرون بقلق إلى جيش الفرعون وقد أصبح في منتصف الطريق .
    وفي تلك اللحظات حدثت المعجزة الأخرى عندما انهارت تلك السفوح المائية ، وكان الصوت الذي دوّى إثر ارتطام الجبال المائية رهيباً !
    وهاجمت الأمواج المندفعة من الجهة اليسرى واليمنى عشرات الآلاف من المعتدين الذين استكبروا في الأرض ولم يؤمنوا برسالة الله .
    ووجد الفرعون نفسه وسط الأمواج الغاضبة وشعر بذلّه وضعفه ، وانتهى غروره الفارغ فصاح :
    { آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }.
    وسمع الفرعون وهو يشرب المياه المالحة صوتاً يجيبه :
    { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } لقد كنت طوال تلك السنين تحارب الحق والعدل وتستعبد الناس ، وترتكب المذابح ، تكفر بآيات الله .
    وأدرك الفرعون أنه يعيش النهاية البائسة ، وسمع ذات الصوت يخاطبه :
    { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }.
    وامتلأت بطن الفرعون بالمياه المالحة وابتلعته الأمواج الغاضبة التي راحت تقذف به إلى الساحل بعد أن سحقته .
    غرق الفرعون الجبّار ، وغرق جميع جنوده الأشدّاء ، وسجد موسى وهارون لله .
    ولكن ماذا حصل بعد ذلك ما هو مصير جثة الفرعون ؟ لقد ظلّ السرّ خافياً تماماً طوال القرون المنصرمة .
    مرّت مئات السنين وبعدها ظهرت الحقيقة القرآنية تؤيدها الآثار التاريخية .
    المومياء :
    قذفت الأمواج الفرعون إلى الساحل جثة هامدة وانتهى بذلك فصل مرير من الظلم .
    وصنع المصريون في ذلك الوقت المومياء للفرعون منفتاح ليحمل إلى وادي الملوك في جنوب مصر وليدفن في مقبرة صخرية وهكذا ظل السرّ دفيناً طوال هذه القرون .
    وقبل مئة عام بالضبط ، أي في عام 1898 عثر أحد علماء الآثار وأثناء التنقيب في وادي الملوك على مومياء منفتاح بن رمسيس الثاني حيث نقلت إلى القاهرة .
    وفي 8 تموز 1907 حلّت الأربطة عن وجهه ورقبته .
    وجثة الفرعون حالياً موجودة إلى الآن في متحف القاهرة يشاهدها الزوار يومياً من وراء حاجز زجاجي .
    وفي حزيران سنة 1975 الحكومة المصرية بإجراء فحوصات جديدة للمومياء .
    وظهرت النتائج المذهلة تؤكد أن الفرعون مات غريقاً ، وانه تعرّض لرضوض عنيفة جدّاً قبل أن تبتلعه المياه .
    وستبقى هذه المومياء اعظم شاهد مادّي يؤكد الحقيقة القرآنية الخالدة في قوله تعالى مخاطباً الفرعون الجبّار وسط لجّة الأمواج والمياه :
    { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }[2].
    ولكن هل انتهت محنة سيدنا موسى وأخيه هارون ؟ كلاّ لقد غرق الفرعون الجبار ووصل بنو إسرائيل الشاطئ بسلام .
    ولكن محنة موسى ( عليه السلام ) لم تنته ، فقد بدأ فصل جديد من صراعه مع الباطل مع عناد بني إسرائيل ، مع جهلهم وظلمهم وانحرافهم ، ووقعت في شبه جزيرة سيناء حيث عاش بنو إسرائيل الكثير من القصص .
    فالى الكتاب التالي من هذه السلسلة لنتابع معاً قصة سيدنا موسى وأخيه هارون .
    في جزيرة سيناء

    عبر بنو إسرائيل البحر . . النساء والأطفال والشيوخ . . ملأت المعجزة قلوبهم بقدرة الله . .
    لم يروا في حياتهم معجزة كهذه . . كيف تقف المياه كالجبال شامخة ؟!
    كيف يتحول قاع البحر الغارق في الظلام إلى وادٍ طويل يتألق تحت ضوء الشمس ؟!
    لو كانت في قلب الفرعون " منفتاح " ذرّة من الحكمة ما اقتحم الوادي العجيب . . لقد اعماه الغرور ، لم يفكر في آيات الله ومعجزات رسوله موسى . . لم يفكر في مستقبل بلاده وشعبه . . خدع الناس بالمظاهر الزائفة . .
    عشرات الألوف من الجنود لا يعرفون سوى عبادة الفرعون وتنفيذ أوامره . .
    وقف سيدنا موسى وإلى جانبه شقيقه هارون وبنو إسرائيل . . وقفوا ينظرون إلى الفرعون وهو يمتطي مركبته الحربية ويلهب ظهر حصانه بالسوط اندفع الحصان الملكي واندفعت وراء مئات المركبات الحربية . .
    فجأة انهارت السفوح المائية ، ودوّى صوت رهيب صوت ارتطام الأمواج الهائلة .
    انفضت الأمواج من الجانبين لتسحق الفرعون الظالم ،وتسحق جنوده .
    وكانت عاقبة الفرعون منفتاح ان تتقاذفه الأمواج وتسحقه وتبتلعه إلى الأعماق المظلمة .
    لقد شهد بنو إسرائيل اعظم معجزة في التاريخ الإنساني ورأوا بأعينهم قدرة الله اللانهائية .
    ورأى المؤمنون في ذلك الصباح حصاناً أبيض كالغيمة الناصعة لا يكاد يلامس الأرض حتى يطير . . ورأى رجل من بني إسرائيل ان التراب الذي يمسّه حافر الحصان الأبيض يتحرك . . يموج . . أخرج منديله وأخذ قبضة من ذلك التراب وصرّها في المنديل كان يريد أن يتبرك بذلك التراب .
    سكن البحر بعد أن ابتلع الجيش الظالم ، هدأت الأمواج . . هدأت بعد أن كانت غاضبة هدأ البحر بعد أن ابتلع الظلم . .
    فرح بنو إسرائيل . . فرحوا بنجاتهم من الظلم والعدوان كانوا يفكرون بغد مشرق وحياة آمنة .
    وهكذا سار موسى وخلفه بنو إسرائيل إلى مكان في شبه جزيرة سيناء .
    هل انتهت محنة موسى ؟ . لقد نجح موسى ( عليه السلام ) في إنقاذ بني إسرائيل من الظلم والعدوان . . من العمل الشاق والعذاب . . من الذبح والسجن . .
    ولكنَّ بني إسرائيل عاشوا عشرات السنين في مصر تعوّدوا على الوثنية وتعلموا عبادة الأوثان والفراعنة . .
    من أجل هذا كان على سيدنا موسى أن يعلّمهم كيف يعبدون الله الواحد . . الله ربّ كل شيء . . لا معبود سواه ولا إله غيره . .
    الظامئون :
    سار بني إسرائيل وسط رمال الصحراء وأصبحوا قريباً من المنطقة الجبلية التي تقع على شاطئ البحر الأحمر بين خليج العقبة وخليج السويس .
    كانوا يبحثون عن نهر صغير عن نبع من الماء . . شعروا بالظمأ . . بكى الأطفال من العطش . .
    كان الحرّ شديداً . . الناس المؤمنون كانوا يؤمنون برسالة موسى ويثقون بالله . . ان الله لا ينسى عباده . . لهذا كانوا ينظرون إلى موسى .
    بعض الناس كانوا يخافون ان يموتوا من العطش . . الأرض هنا جرداء خالية من الماء .
    كان بنو إسرائيل اثنتي عشرة طائفة . . كل قبيلة كانت تسير لوحدها وكان الجميع يسيرون خلف موسى . . وكان موسى يتوكأ على عصاه ويسير واثقاً من رحمة الله .
    وفي منعطف جبلي وبينما كان الأطفال والنساء والشيوخ يئنون من العطش ، هبط الملاك من السماء فأوحى إلى موسى :
    اضرب بعصاك الحجر !
    وتقدم موسى ( عليه السلام ) إلى صخرة في سفح الجبل فأهوى عليها بعصاه .
    وحدثت المفاجأة انشقت الصخرة وتدفقت المياه باردة عذبة . .
    انفجرت الصخرة الكبيرة عن اثنتي عشرة عيناً اتجهت كل طائفة من بني إسرائيل إلى النبع الذي يخصّها . . وظهرت في السماء غيوم بيضاء حجبت أشعة الشمس اللاهبة .
    الروح الوثنية :
    وسار بنو إسرائيل إلى مكان فسيح ليقيموا فيه . في الطريق صادفوا أُناساً وثنيين ، كانوا يدورون حول تماثيل حجرية ويتمتمون بكلمات مبهمة ، وكانوا يقرءون بعض الطقوس الوثنية .
    قال بعض الرجال في بني إسرائيل لموسى ( عليه السلام ) :
    { اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ }!!
    شعر سيدنا موسى بالغضب من هؤلاء الذين يرون قدرة الله ثم يبحثون عن حجر يعبدونه من دون الله !
    قال لهم موسى ( عليه السلام ) وهو يحاول أن يعلمهم دين جدّه إبراهيم :
    { إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }. ان هؤلاء الوثنين على باطل في ما يعملون . . كيف تريدون مني أن ارشدكم إلى إله غير الله الذي فضلكم على العالمين ؟!
    الناس من بني إسرائيل عاشوا في مصر عشرات السنين فتحوا عيونهم ورأوا القبط يعبدون الفرعون ويعبدون الحيوانات المفترسة ويعبدون التماثيل ، لهذه تأثروا بالوثنية ، ولكنهم ظلّوا يدّعون انهم على دين إبراهيم الخليل .
    لهذا قالوا لموسى ( عليه السلام ) :
    كيف نعبد إلهاً لا نراه .
    قال لهم :
    لقد رأيتم آياته ، لقد أنقذكم من فرعون وهامان ورأيتم الماء العذب البارد يتدفق من قلب الصخور الصمّاء .
    سكت الرجال من بني إسرائيل . ان ما يسمعونه حقيقة كبرى ، ولكن قلوبهم لم تطمئن بعد .
    المنُّ والسلوى :
    وانزل الله عليهم المنّ ، كان يشبه الثلج يهبط من الفضاء فوق الشجيرات الشائكة ، وفي الصباح كان بنو إسرائيل يرونه ناصعاً متألقاً فوق الاشواك ، فيجمعونه ، ويتناولونه وله طعم الحلوى الشهية .
    وامّا السلوى فهو نوع من الطيور التي تطير على ارتفاع شاهق ، ولكن الله أراد أن يكرم بني إسرائيل فكانت طيور السلوى تطير على مقربة وكانت تتساقط أمامهم وهكذا رزق الله بني إسرائيل الأمن والمياه والطعام ، كل ذلك من أجل أن يدركوا حلاوة الإيمان بالله سبحانه .
    الميقات :
    وفي كل مناسبة وغير مناسبة كان بنو إسرائيل يطلبون من موسى أن يروا ربّهم . .
    لقد اعتاد بنو إسرائيل على الوثنية . . على الإيمان بالاشياء المحسوسة فقط . .
    أراد موسى أن يقوّي الإيمان في قلوبهم فاختار من قومه سبعين على أن يلحقوا به في جبل الطور .
    قال موسى لأخيه هارون :
    أنت خليفتي على بني إسرائيل يا أخي فاتبع طريق الصلاح ولا تتبع طريق المفسدين .
    وكان الله سبحانه قد واعد رسوله موسى أن يمكث في الميقات شهراً كاملاً .
    جاء موسى للميقات وكلّمه الله سبحانه .
    وقال موسى بقلب خاشع .
    { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } . . " يا ربّ مكنّي من النظر إليك " قال الله سبحانه لرسوله :
    { لَن تَرَانِي } . . ان كل الكائنات لا تستطيع رؤيتي . . ولكن انظر إلى الجبل . . فإذا ثبت الجبل في مكانه فانك تستطيع رؤيتي .
    والتفت موسى إلى جبل شاهق . . مرّت لحظات الانتظار . . فجأة حدث شيء رهيب . . غمر نور شديد الجبل ، وانفجرت الصواعق المدمرة ، وكان دوي الرعود مخيفاً ، وتشظّى الجبل !!
    لقد دكّت القدرة الإلهية ذلك الجبل العظيم ، وكانت الصخور العملاقة ، تتساقط بعنف فتهتز الأرض من تحت الأقدام . .
    وهوى موسى فوق الأرض وقد فقد وعيه . . ومضى زمن ثم استيقط موسى ( عليه السلام ) من هول الصدمة الرهيبة ورأى الجبل وقد تهاوى . . ورأى موسى بعينه قدرة الله ، وأدرك ان الله لا يرى بالعين بل يرى بقلب الإنسان المؤمن .
    وطلب موسى ( عليه السلام ) من الله سبحانه شريعة تنظم حياة الناس وتسعدهم في الدنيا وفي الآخرة . .
    من أجل هذا وعد الله رسوله بكلماته المقدسة ، وامتد الميقات أكثر من شهر .
    فماذا حدث بعد أن ودع موسى قومه بني إسرائيل ؟
    الفتنة :
    قال الله لرسوله :
    لماذا جئت قبل قومك .
    أجاب موسى : انهم على أثري وقد أسرعت إليك لترضى .
    قال الله سبحانه : ان قومك قد فتنوا بالعجل ، وقد أضلّهم السامري .
    شاعت بين بني إسرائيل ان موسى ذهب للقاء الرب . . موسى ذهب ليبحث عن الربّ . . موسى ذهب ليبحث عن الربّ . . يفتش عن الإله !
    وكان هناك رجل من بني إسرائيل يدعى " السامري " كان ذلك الرجل قد رأى يوم العبور حصاناً سماوياً يلامس الأرض بحافر ، وكان التراب الذي يلامسه الحافر يتحرك . . لهذا أخذ قبضة من التراب وصرّها في المنديل . .
    عندما ذهب موسى للقاء الله في الجبل واستماع كلماته ، استغل السامري تلك الفرصة ليصنع عجلاً ذهبياً .
    راح يطوف على بني إسرائيل ويجمع منهم الحلي الذهبية والفضية وبعض الجواهر والأحجار الثمينة ، وبعض الحلي المصنوعة من خشب الأبنوس .
    قال السامري انه سيصنع لهم إلهاً يعبدونه كما تفعل سائر الأقوام .
    كان بنوا إسرائيل قد عاشوا مع الوثنيين وتأثروا بعقائدهم ، لهذا استجابوا لفكرة السامري .
    صنع السامري عجلاً ذهبياً ، ثم قذف في جوفه التراب الذي احتفظ به يوم العبور .
    فجأة صدر صوت من داخل العجل يشبه الخوار ، وضع السامري العجل فوق صخرة واجتمع بنو إسرائيل ينظرون إليه في خشوع ، وصاح السامري : هذا إلهكم وإله موسى .
    وعنما اكتشف هارون تلك المؤامرة جاء إليهم وحذّرهم ، قال لهم :
    يا قوم انما فتنتم به وان ربّكم الرحمن ، فاتبعوني وأطيعوا أمري يا قوم انما هو جماد لا يضر ولا ينفع . . انظروا انه لا يكلمكم ولا يحل لكم شيئاً من مشاكلكم .
    لم يسمع بنوا إسرائيل نصائح هارون وقالوا :
    سوف نستمر في عبادته إلى أن يعود موسى .
    عودة موسى ( عليه السلام ) :
    واتمّ الله ميقات رسوله موسى أربعين ليلة وآتاه الألواح .
    الله سبحانه كتب له في الألواح المواعظ وبيّن شريعته . .
    أوضح لهم طريق السعادة في الدنيا والآخرة .
    وعاد موسى ( عليه السلام ) يحمل الألواح المقدسة إلى قومه . . من أجل أن سيروا على شريعة الله سبحانه .
    الله سبحانه أخبره بفتنة السامري وعبادة العجل . . وشعر موسى بالغضب يتفجّر في قلبه .
    كيف يمكن للإنسان أن يعبد صنماً يصنعه بيده ويترك عبادة الله العظيم الكبير القويّ الذي وهب الناس الحياة والرزق وأرسل إليهم الأنبياء يخرجونهم من ظلام الجهل إلى نور الإيمان ؟!
    ورأى موسى من بعيد قومه يسجدون لعجل ذهبي ، ويتضرعون إليه . فتضاعف غضبه ، وألقى الألواح بقوّة ، واتجه إلى أخيه هارون ، وأمسك برأسه وجرّه من لحيته وصاح به في غضب :
    ماذا فعلت يا هارون ؟! لماذا تركتهم يفعلون هذه الأباطيل ؟! هل عصيت أمري يا هارون ؟
    قال هارون وهو يتألم من أجل أخيه .
    لقد نصحتهم . . قلت لهم انه فتنة لكم . . لقد كادوا يقتلونني . . حاولت أن أفعل شيئاً ولكني خفت أن تقول لي فرّقت بين بني إسرائيل ولم تنتظر رأيي وأمري .
    والتفت موسى إلى السامري :
    ما خطبك يا سامري ، ما هذا الذي صنعته لبني إسرائيل أتريد أن تعيدهم إلى عبادة الأصنام ؟
    قال السامري :
    لقد رأيت أثر الملاك على التراب وأخذت حفنة منه ثم وسوست لي نفسي أن اُلقيه في جوف العجل الذهبي .
    قال موسى بغضب :
    أهذا هو إلهك اذن ؟! انظر كيف سأحرقه أمامك .
    وجمع المؤمنون الحطب حول العجل الصنم واشعلوا النار ، فالتهمت العجل في لحظات .
    أراد سيدنا موسى أن يرى بنو إسرائيل ان الأوثان لا قيمة لها ، وأن الله سبحانه هو القادر وهو الإله الحق .
    انطفأت النار وتحول العجل الذهبي إلى رماد ، وقام موسى والمؤمنون بحمل الرماد ورميه في البحر .
    وشاهد ينو إسرائيل رماد العجل تعبث به الأمواج هنا وهناك وقال موسى لبني إسرائيل :
    انما إلهكم الله الذي لا إله إلاّ هو وسع كل شيء علماً .
    ثم قال للسامري :
    : اذهب فان لك في الحياة أن تقول لا مساس " .
    سوف تحيا بقية عمرك وحيداً . . لأنك ستعيش نادماً وأنّ لك موعداُ لن تخلفه .
    وندم الذين سجدوا من بني إسرائيل للعجل بعد أن أعلنوا ندمهم وأدركوا ان الله إذا لم يرحمهم ويغفر لهم فسيكونوا من الخاسرين .
    وغفر الله لهم .
    وأخذ موسى معه السبعين رجلاً من قومه إلى جبل الطور ليشهدوا نزول التوراة ، وهناك طلبوا من موسى ان يروا الله . وحذرهم موسى من العاقبة قال لهم ان الله لا يرى بالعين ولا تحيط به الأبصار ، ولكنّهم لم يستجيبوا لنصائحه فاهتزّت الأرلاض تحت أقدامهم ، وارتجفت أجسامهم .
    واندلعت الصواعق في السماء وانقضت عليهم فتساقطوا فوق الأرض موتى .
    قال موسى يستغفر لهم :
    { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } . . { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا }؟ . . { أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }.
    ومرّة أخرى غفر الله لهم وأعاد إليهم الحياة كل ذلك من أجل أن يطهّر قلوبهم من الوثنية .
    جبل الطور :
    عاد موسى ( عليه السلام ) يحمل شريعة السماء فهل فرح بنو إسرائيل بالشريعة التي تكفل لهم السعادة في عالم الدنيا وعالم الآخرة ؟ كلاّ .
    لقد رفض أكثرهم قبول شريعة السماء لأنها تريد أن تصنع منهم أناساً طيبين .
    أما هم فكانوا يريدون أن يبقوا أنانيين لا يحبّ الواحد منهم إلاّ نفسه .
    وطلب موسى من قومه الميثاق للعمل بشريعة الله وعدم تجاوزها ، فرفضوا ذلك ، ولم يعطوا نبيهم الميثاق .
    ونظر موسى إلى السماء حائراً لا يدري ماذا يفعل مع هؤلاء الناس المعاندين ؟
    وحدث شيء رهيب رأى الجميع جبل الطور العظيم يكاد تهوي قمته عليهم وسمعوا دوي الصخور وهي تتشقق في سطح الجبل .
    وخشعت نفوسهم فاستسلموا لله صاغرين ، وعاهدوا رسول الله في العمل بما ورد في التوراة .
    البصل !
    في كل مرّ ة كان بنو إسرائيل يطلبون من موسى شيئاً عجيباً فقد طلبوا ذات مرّة البصل !
    قالوا له :
    يا موسى : { لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } !
    لقد مللنا المن والسلوى اننا نشتهي أن نأكل البصل فادع لنا ربّك يخرج لنا البصل !
    لم يقولوا له ادع لنا ربّنا قالوا له : ادع لنا ربّك وكِأنّ الله سبحانه هو ربّ موسى فقط لا ربّهم أيضاً ، ومع ذلك كان موسى يداريهم وكان الله يغفر لهم .
    قال لهم موسى :
    { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }؟!
    الأرض المقدسة :
    وأراد الله سبحانه أن يتم نعمته على بني إسرائيل فقال لهم موسى ( عليه السلام ) :
    يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم .
    عندما سمع بنو إسرائيل ذلك ، شعروا بالخوف من العمالقة الذين يسكنون تلك الأرض .
    أراد الله سبحانه أن يحرر بنو إسرائيل الأرض المقدسة لكي تنتشر عبادة التوحيد .
    ولكنَّ بني إسرائيل يحبّون حياة الراحة تعودّوا أن يتم كل شيء بمعجزة قالوا خائفين :
    يا موسى ان فيها قوماً جبّارين ونحن لن ندخلها حتى يخرجوا منها .
    اطرد منها العمالقة لكي ندخل تلك المدينة . . فإذا خرجوا منها فإننا سوف ندخلها .
    من بين تلك الألوف نهض رجلان فقط وقالا :
    انكم إذا حاصرتم المدينة ودخلتم بوابتها ، فإنكم سوف تنتصرون إذا كان في قلوبكم الإيمان بالله ، فتوكلوا عليه .
    ولكن بني إسرائيل سيطر عليهم الخوف فقالوا :
    يا موسى انّا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها . .
    ثم قالوا له :
    فاذهب أنت وربّك فقاتلا انها ههنا قاعدون !
    مرّة أخرى عاند بنو إسرائيل رسول الله قالوا له إذا أردت الحرب والقتال فاذهب أنت وربّك .
    وشعر موسى بالحزن فرفع رأسه إلى السماء وقال :
    يا ربّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي ، فاحكم بيننا وبين القوم الفاسقين .
    وغضب الله على بني إسرائيل بسبب إيذائهم النبي ( عليه السلام ) ، وبسبب عنادهم وتمرّدهم .
    التيه :
    كتب الله على بني إسرائيل أن يتهيوا في جزيرة سيناء أربعين سنة ، فظلّوا يدورون في رمال الصحراء وكانوا يحلّون كل مدّة من الزمن في مكان من الجزيرة.
    البقرة :
    وفي تلك المدّة من الزمن وقعت بعض الحوادث منها ما حصل ذات يوم .
    وقعت جريمة قتل في الليل ، وقام القاتل بحمل القتيل وطرحه في الطريق التي يسلكها أحد الصالحين .
    القاتل كان خبيثاً فهو ابن عمه ، ومن أجل أن يدفع عنه الشبهات جاء إلى سيدنا موسى يطالب بدمه .
    ومرّت أيام ولم يُعرف القاتل ، وكادت أن تقع المشاجرات بين بني إسرائيل وانتشرت الشائعات وتبادل الجميع الاتهامات .
    وأخيراً جاءوا إلى موسى لحلّ تلك المشكلة المعقدة .
    وأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة .
    قال لهم موسى :
    { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً }.
    قالوا بدهشة :
    هل تسخر منا يا موسى ؟!
    قال سيدنا موسى :
    أنا لست جاهلاً حتى اسخر منكم . .
    ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة من أجل أن يحيى القتيل فيخبر عن القاتل .
    وكعادتهم في العناد لم ينفذوا أمر الله فوراً ، قالوا لموسى ( عليه السلام ) :
    ادع لنا ربك يوضح لنا صفاتها .
    الله سبحانه عندما رأى تشدّدهم شدد عليهم .
    قال لهم موسى :
    ان الله يقول انها بقرة ليست كبيرة في العمر وليست صغيرة . . متوسطة العمر . . فاذهبوا لتنفيذ أمر الله .
    ولم ينفذّ بنو إسرائيل أمر الله بل عادوا مرّة أخرى يقولون :
    { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا }؟!
    وشدّد الله عليهم .
    قال موسى : زاهية الصفرة . ان الله يقول: { إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ }.
    وذهبوا ثم عادوا يقولون لموسى ( عليه السلام ) .
    { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا }.
    قال موسى ( عليه السلام ) :
    الله يقول : انها بقرة لم تستخدم في حراثة الأرض وسقيها .
    وعندها قال بنو إسرائيل :
    الآن جئت بالحق .
    وذهبوا يبحثون عن تلك البقرة فوجدوها عند صبي يتيم ، فاشتروها منه بثمن كبير .
    وأمام جموع بني إسرائيل ذبحت البقرة ثم أخذ بعض أعضائها ليضرب بها جسد القتيل ، وشاهد الناس معجزة أخرى من معجزات سيدنا موسى .
    عادت الحياة للقتيل وأخبر باسم القاتل وكان ابن عم له ، قتله من أجل أن يستولي على ثروته ، ففضحه الله أمام الملأ .
    مرّة أخرى شاهد ينو إسرائيل قدرة الله ، وشاهدوا أيضاً بأعينهم صدق رسالة موسى وكرامته عند الله ، وشاهدوا أيضاً كيف أكرم الله الصبي اليتيم ، فقد جاءه رزق وفير بسبب ذلك .
    كان ذلك الصبي بارّاً بابيه ، جاء إلى أبيه ذات يوم في أمر مهم فرآه نائماً ، لم يوقظ أباه تركه نائماً .
    عندما استيقظ الأب وعرف ذلك أهداه تلك البقرة ، فأراد الله أن يكرمه على برّه بابيه فحدثت المعجزة ، وكانت بقرته هي الوحيدة التي أرادها الله لإحياء القتيل .
    الخضر :
    وفي تلك المدّة أيضاً وقعت حادثة أخرى عندما أمر الله موسى ( عليه السلام ) أن يذهب إلى ساحل البحر ليتعلم الحكمة من أحد عباد الله الصالحين .
    وتساءل موسى : أين يجد العبد الصالح لكي يتعلم منه الحكمة ؟
    أوحى الله إليه أنه سيعثر عليه في " مجمع البحرين " واصطحب موسى الفتى يوشع بن نون ، وكانت العلامة أن يفتقد سمكة أخذها معه زاداً في الطريق .
    وسار موسى وخلفه سار الفتى ، قال موسى لفتاه يوشع :
    أخبرني عندما تختفي السمكة . وراح موسى ( عليه السلام ) يسير إلى ان وصل " مجمع البحرين " .
    وألقى موسى عصاه ونام . . كان متعباً جدّاً . .
    ظهرت في السماء الغيوم ، وهطل المطر . .
    عندما غمرت مياه المطر المتاع عادت الحياة إلى السمكة واتخذت طريقها إلى البحر مع جداول الماء التي صنعها المطر .
    واستيقظ موسى من نومه ونادى يوشع بن نون لاستئناف المسير .
    وأنسى الشيطان يوشع بن نون قصة السمكة فلم يخبر موسى ( عليه السلام ) بما حصل . وسارا مسافة طويلة حتى شعرا بالتعب والجوع .
    قال موسى لفتاه :
    هات طعامنا . . لقد تعبنا من طول الطريق .
    وهنا تذكر يوشع ما حصل للسمكة فقال لموسى ( عليه السلام ) :
    أتذكر المكان الذي استرحنا فيه لقد عادت الحياة للسمكة واتخذت طريقها إلى البحر . . ولقد أنساني الشيطان أن أخبرك .
    قال موسى وقد أشرق وجهه :
    هذا ما كنا نطلبه هيّا بنا إلى الصخرة التي جلسنا عندها وعادا يحثان السير إلى نفس المكان الذي استراحا فيه .
    وهناك رأى موسى الرجل الصالح كان جالساً فوق صخرة يتأمل أمواج البحر .
    حيّا موسى الرجل بتحية طيّبة ، ابتسم الرجل الصالح وردّ التحية بأحسن منها وسأل :
    من تكون ؟
    أنا موسى بن عمران .
    قال الرجل الصالح :
    نبي بني إسرائيل ؟
    قال موسى متعجباً .
    نعم . . ولكن من أخبرك بذلك .
    أخبرني الذي أرسلك إليّ .
    وأدرك سيدنا موسى انه قد عثر على الرجل الذي يبحث عنه .
    قال موسى ( عليه السلام ) :
    أريد أن أصحبك لأتعلّم منك ما علمك الله سبحانه .
    قال الرجل الصالح :
    إنك لا تستطيع معي صبراً . . وهذا حقك لأنك لا تعلم الحكمة من وراء أعمالي .
    قال موسى :
    سوف أحاول الصبر . . وأعدك بان اطيعك إذا ما أمرتني بشيء .
    إذا أردت ترافقني في رحلتي فان لذلك شرطاً .
    قال موسى :
    ما هو ؟
    لا تسألني عن أي شيء أقوم به ، وسوف أحدّثك فيما بعد .
    وافق سيدنا موسى على ذلك فسارا معاً .
    ولكن من يكون ذلك الرجل الصالح . . يقولون انه الخضر ( عليه السلام ) وكان نبياً من الأنبياء .
    وأمّا أين حدث اللقاء ؟ يقولون انه كان في مجمع البحرين .
    البحر الأبيض والمحيط الأطلسي في مضيق جبل طارق .
    هل واصل يوشع بن نون مسيره مع سيدنا موسى ( عليه السلام ) أم عاد إلى بني إسرائيل في سيناء ؟ لا أحد يعرف .
    الله سبحانه قص علينا رحلة سيدنا موسى مع الخضر . . سيدنا موسى ( عليه السلام ) يحبّ العلم لهذا عندما أوحى إليه الله بوجود رجل عالم ، رجل صالح ، ذهب إليه ليتعلّم منه .
    سيدنا موسى والرجل الصالح يسيران على الشاطئ ، وصلا إلى ميناء ووجدا سفينة . .
    ركب سيدنا موسى والرجل الصالح مع المسافرين ، وراحت السفينة تشق طريقها في البحر .
    وقبل أن تصل السفينة أحد المرافئ ، قام الرجل الصالح بانتزاع لوح من السفينة ، رأى موسى ( عليه السلام ) ذلك فقال مستنكراً :
    أتخرق السفينة لتغرق أهلها . . ان هذا لعمل فظيع ؟!
    قال الرجل الصالح مذكّراً موسى بالاتفاق :
    ألم أقل لك انك لا تستطيع الصبر على ما أقوم به ؟!
    وتذكر موسى الاتفاق فقال :
    اعتذر لك . . لقد نسيت . . أرجو أن تسامحني .
    غادرا السفينة في المرفأ وراحا يواصلان سيرهما باتجاه إحدى القرى .
    كانا جائعين متعبين ، ولم يكن معهما من النقود ما يمكنها أن يشتريا شيئاً من الطعام .
    وصلا القرية ، وسألا أهلها طعاما يأكلانه ، ولكن أحداً لم يقدّم لهما شيئاً ! ولم يستقبلهما أحد .
    ورأى موسى والرجل الصالح مجموعة من الناس ينظرون إلى جدار يريد أن يسقط . .
    لم يكن بينهم من يمكنه أن يفعل شيئاً لذلك الجدار . . تقدّم الرجل الصالح إلى الجدار ، وقد خطرت في باله فكرةً .
    استطاع الرجل الصالح أن يعيد للجدار صلابته واستقامته . . بإسناد أساسه بدعائم قوّية .
    عندما انتهى عمله قال موسى للخضر :
    لقد كان عملك رائعاً . . ولكن لماذا لم تأخذ عليه أجرة ؟!
    أراد موسى أن يذكّر الرجل الصالح بأنه لو أخذ أجرة لاستطاعا أن يشتريا طعاماً بها .
    قال الخضر مذكّراً بالاتفاق :
    هذا فراق بيني وبينك . . لقد قلتُ لك أنك لا تستطيع معي صبراً . . سوف أخبرك بحكمة ما قمت به . . لقد خرقت السفينة . . لأن أصحابها مساكين . . وهناك ملك ظالم يأخذ بالقوّة السفن ويغتصبها من أصحابها . . لقد أردت أصنع فيها عيباً حتى لا يأخذها الملك منهم ويمكنهم بعد ذلك إصلاحها .
    اما هذا الجدار فهو لصبيين يتيمين في المدينة وتحت الجدار كنزهما فلا يأخذه منهما أحد .
    ان كل ما فعلته يا موسى لم يكن إلاّ تنفيذاً لمشيئة الله سبحانه .
    وودّع موسى الرجل الصالح وقد تعلّم شيئاً مهماً : ان وراء بعض الأعمال حكمة لا يعرف تفسيرها إلاّ الله سبحانه .
    فهناك أعمال قد تبدوا في الظاهر سيئة ، ولكن وراءها حكمة فعلى الإنسان أن يتعمق في ما يرى قبل أن يصدر حكمه عليها .
    التوراة :
    عاد موسى إلى قومه ، وظل يعظ قومه ويهديهم إلى النور والهداية ، وكان يعلمهم التوراة . .
    التوراة كان كتاب هداية ونور . . هكذا قال القرآن الكريم عنه ولكن اليهود بعد أن توفي سيدنا موسى حرّفوه .
    كانوا يمسحون مواعظه وأحكامه الإلهية ويضعون بدلها ما تهوى أنفسهم وما ينسجم مع تقاليدهم ومصالحهم الشخصية .
    ولم يكتفوا بذلك بل راحوا يملأون التوراة بالأساطير والأكاذيب . فمثلاً نقرأ في التوراة :
    " عندما كان آدم وحواء في الجنة وقد أكلا من الشجرة سمعوا صوت الرب يتمشى بين الأشجار .
    اختبأ آدم وحواء بين الأشجار ، نادى الرب على آدم :
    أين أنت ؟
    قال آدم :
    سمعت صوتك ولأني عار فقد خفت واختبأت .
    قال الربّ :
    هل أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها ؟
    ثم يقول الرب : وهذا الإنسان قد أصبح مثلنا عرف الخير والشر ، وربّما سيعثر على شجرة الحياة ويأكل منها وسيبقى مثلنا إلى الأبد .
    لهذا طرده الله !
    فالتوراة اليوم ليست هي التوراة كما نزلت على سيدنا موسى ( عليه السلام ) ان سيدنا موسى بريء من الأكاذيب التي سطرها اليهود .
    الله سبحانه أرسل بعد موسى أنبياء كثيرين إلى بني إسرائيل ولكنهم كانوا يقتلونهم أو يؤذونهم .
    وأصبح اليهود أُناساً قساة القلوب لهم عادات وتقاليد غير إنسانية ، وهم يقدسون كتاباً آخر هو التلمود . . التلمود يعلمهم أشياء سيئة يقول لهم :
    1.ان اليهود شعب الله المختار . أما غير اليهود فهم حيوانات .
    2.على اليهودي أن يسعى دائماً لاضعاف الأمم والشعوب ليصبح اليهود حكاماً على العالم .
    3.يجوز لليهودي أن يسرق من أموال غير اليهود .
    4.يجوز لليهودي أن يخدع غير اليهود وأن يأخذ منه الربا الفاحش وأن يضطره لبيع كل ما يملك لليهودي .
    وسوف نتحدث يا أعزاءنا عن بعض أنبياء الله الذي أرسلهم إلى بني إسرائيل لنعرف كم عانى الأنبياء من عذاب ومحن على أيدي اليهود .

    [1] في الجنوب من القاهرة .

    [2] سورة يونس ( 10 ) الآيتان : 91 – 92 ) .الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أنصار الله


    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    #2
    رد: قصة سيدنا موسى عليه السلام

    وفقكم الله لكل خير

    كذلك اذا امكن ان تضعوا المصدر
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

    Comment

    • almawood24
      يماني
      • 04-01-2010
      • 2174

      #3
      رد: قصة سيدنا موسى عليه السلام

      اخي المصدر من موقع شيعي قديم لااذكره وفقك الله ويمكن اسمه
      انصار الحسين ع
      موفق لكل خير
      من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
      ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

      Comment

      Working...
      X
      😀
      🥰
      🤢
      😎
      😡
      👍
      👎