إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

التوحيد

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • أبن العرب
    موقوف
    • 05-07-2012
    • 42

    التوحيد

    التوحيدُ : هو إفرادُ الله بالخلق والتدبر ، وإخلاصُ العبادة له ، وترك عبادة ما سواه ، وإثبات ما لَهُ من الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، وتنزيهه عن النقص والعيب ؛ فهو بهذا التعريف يشملُ أنواع التوحيد الثلاثة ، وبيانها كالتالي :

    1 - توحيد الربوبية


    ويتضمن الفصول التالية :

    الفصل الأول : في بيان معنى توحيد الربوبية ، وفطريته وإقرار المشركين به .

    الفصل الثاني : في بيان مفهوم كلمة الرب في القرآن والسنة ، وتصورات الأمم الضّالَّة في باب الربوبية ، والرد عليها .

    الفصل الثالث: في بيان خضوع الكون في الانقياد والطاعة لله .

    الفصل الرابع : في بيان منهج القرآن في إثبات وحدانية الله في الخلق والرزق وغير ذلك .

    الفصل الخامس : في بيان استلزام توحيد الربوبية لتوحيد الألوهية .


    الفصل الأول

    في بيان معنى توحيد الربوبية وإقرار المشركين به

    التوحيد : بمعناه العام هو اعتقادُ تفرُّدِ الله تعالى بالربوبية ، وإخلاص العبادة له ، وإثبات ما له من الأسماء والصفات ، فهو ثلاثة أنواع :

    توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وكل نوع له معنى لا بد من بيانه ؛ ليتحدد الفرق بين هذه الأنواع :

    1 - فتوحيد الربوبية

    هو إفرادُ الله تعالى بأفعاله ؛ بأن يُعتقَدَ أنه وحده الخالق لجميع المخلوقات : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ .

    وأنه الرزاق لجميع الدواب والآدميين وغيرهم : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا .

    وأنه مالكُ الملك ، والمدبّرُ لشؤون العالم كله ؛ يُولِّي ويعزل ، ويُعزُّ ويُذل ، قادرٌ على كل شيء ، يُصَرِّفُ الليل والنهار ، ويُحيي ويُميت : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .

    وقد نفى الله سبحانه أن يكون له شريكٌ في الملك أو معين ، كما نفى سُبحانه أن يكونَ له شريكٌ في الخلق والرِّزق ، قال تعالى : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ .

    وقال تعالى : أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ .

    كما أعلن انفراده بالربوبية على جميع خلقه فقال : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وقال : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ .

    وقد فَطَرَ الله جميعَ الخلق على الإقرار بربوبيته ؛ حتى إن المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة يقرون بتفرده بالربوبية ، كما قال تعالى : قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ .

    فهذا التوحيدُ لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم ؛ بل القلوب مفطورة على الإقرار به ؛ أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات ؛ كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم : قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .

    وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الرب فرعون ، وقد كان مستيقنًا به في الباطن كما قال له موسى : قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ .

    وقال عنه وعن قومه : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا .

    وكذلك من يُنكرُ الربَّ اليومَ من الشيوعيين ؛ إنما ينكرونه في الظاهر مكابرة ؛ وإلا فهم في الباطن لا بد أن يعترفوا أنه ما من موجود إلا وله موجد ، وما من مخلوق إلا وله خالق وما من أثر إلا وله مؤثر ، قال تعالى : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ .

    تأمل العالم كله ، علويه وسفليه ، بجميع أجزائه ؛ تجده شاهدًا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه . فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده ، لا فرق بينهما وما تتبجح به الشيوعية اليوم من إنكار وجود الرب ؛ إنما هو من باب المكابرة ، ومصادرة نتائج العقول والأفكار الصحيحة ، ومن كان بهذه المثابة فقد ألغى عقله ودعا الناس للسخرية منه .

    قال الشاعر :

    كـــيف يعصـــى الإلــه ويجحـــــده الجـــــاحد
    وفي كل شيء له آية تــدل علـى أنـه واحـد

    الفصل الثاني

    مفهومُ كلمةِ الربِّ في القرآن والسُّنَّة وتصوُّرات الأمم الضّالَّة

    1 - مفهوم كلمة الرّبِّ في الكتاب والسنة

    الرّبُّ في الأصل : مصدرُ ربَّ يَرُبُّ ، بمعنى : نشَّأ الشيءَ من حال إلى حال التمام ، يُقالُ : ربَّه وربَّاه وربَّبَهُ ، فلفظ ( رب ) مصدر مستعار للفاعل ، ولا يُقالُ : ( الرَّبُّ ) بالإطلاق إلا لله تعالى المتكفل بما يصلح الموجودات ، نحو قوله : رَبِّ الْعَالَمِينَ ، رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ .

    ولا يقال لغيره إلا مضافًا محدودًا ، كما يقال : رب الدار ؛ وربُّ الفرس . يعني صاحبُها ، ومنه قولُه تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ . وقوله تعالى : قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ . أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا .

    وقال - صلى الله عليه وسلم - في ضالة الإبل : حتى يجدها ربها .

    فتبين بهذا : أن الرب يطلق على الله معرفًا ومضافًا ، فيقال : الرب ، أو رب العالمين ، أو رب الناس ، ولا تُطلق كلمة الرّبِّ على غير الله إلا مضافة ، مثل : رب الدار ، ورب المنزل ، ورب الإبل .

    ومعنى ( رب العالمين ) أي : خالقهم ومالكهم ، ومصلحهم ومربهيم بنعمه ، وبإرسال رسله ، وإنزال كتبه ، ومجازيهم على أعمالهم . قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - : ( فإنَّ الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم ، وجزاء مُحسنهم بإحسانه ، ومُسيئهم بإساءته ) .

    هذه حقيقة الربوبية .

    2 - مفهوم كلمة الرب في تصورات الأمم الضالة :
    خلق الله الخلق مفطورين على التوحيد ، ومعرفة الرب الخالق سبحانه ، كما قال الله تعالى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ .

    وقال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا .

    فالإقرارُ بربوبية الله والتوجه إليه أمر فطري ، والشرك حادث طارئ ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كلُّ مولود يُولد على الفطرة ، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه فلو خُلِّيَ العبد وفطرته لاتجه إلى التوحيد وقَبِل دعوة الرسل ؛ الذي جاءت به الرسل ، ونزلت به الكتب ، ودلّت عليه الآيات الكونية ، ولكن التربية المنحرفة والبيئة الملحدة هما اللتان تغيران اتجاه المولود ، ومن ثَمَّ يقلد الأولاد آباءهم في الضلالة والانحراف .

    يقولُ الله تعالى في الحديث القدسي : خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين أي : صَرَفَتْهُم إلى عبادة الأصنام ، واتخاذها أربابًا من دون الله ؛ فوقعوا في الضلال والضياع ، والتفرق والاختلاف ؛ كل يتخذ له ربًّا يعبده غير رب الآخر ؛ لأنهم لما تركوا الرب الحق ، ابتُلُوا باتخاذ الأرباب الباطلة ، كما قال تعالى : فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ والضلال ليس له حدّ ونهاية ، وهو لازم لكل من أعرضَ عن ربه الحق ، قال الله تعالى : أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .

    والشّركُ في الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال ممتنع ، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون ، وقد تلاعب بهم الشيطان في عبادة هذه المعبودات ، فتلاعَبَ بكل قوم على قدر عقولهم ، فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم ، كقوم نوح ، وطائفةٌ اتخذت الأصنام على صورة الكواكب التي زعموا أنها تؤثر على العالم ، فجعلوا لها بيوتًا وسدنة .

    واختلفوا في عبادتهم لهذه الكواكب : فمنهم من عبد الشمس ، ومنهم من عبد القمر ، ومنهم من يعبدُ غيرهما من الكواكب الأخرى ؛ حتى بنوا لها هياكل ، لكل كوكب منها هيكل يخصه ، ومنهم من يعبدُ النار ، وهم المجوس ، ومنهم من يعبد البقر ، كما في الهند ، ومنهم من يعبد الملائكة ، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار ، ومنهم من يعبدُ القبور والأضرحة ، وكل هذا بسبب أن هؤلاء تصوروا في هذه الأشياء شيئًا من خصائص الربوبية .

    فمنهم من يزعم أن هذه الأصنام تمثل أشياء غائبة ، قال ابن القيم : ( وضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب ، فجعلوا الصنم على شكله وهيئته وصورته ؛ ليكون نائبًا منابه ، وقائمًا مقامه . وإلا فمن المعلوم أن عاقلًا لا ينحت خشبة أو حجرًا بيده ، ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده ... ) . انتهى .

    كما أن عُبَّاد القبورِ قديمًا وحديثًا يزعمون أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم ، ويتوسطون لهم عند الله في قضاء حوائجهم ويقولون : مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ، وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ .

    كما أن بعض مشركي العرب والنصارى تصوروا في معبوداتهم أنها ولد الله ، فمشركو العرب عبدوا الملائكة على أنها بنات الله ، والنصارى عبدوا المسيح - عليه السلام - على أنه ابن الله .

    3 - الرد على هذه التصورات الباطلة :
    قد رد الله على هذه التصورات الباطلة جميعًا بما يأتي :

    أ - ردّ على عبدة الأصنام بقوله : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم : 19 ، 20] ومعنى الآية كما قال القرطبي : أفرأيتم هذه الآلهة ! أنفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله تعالى ؟ وهل دفعت عن نفسها حينما حطمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - وهدموها .

    وقال تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ .

    فقد وافقوا على أنَّ هذه الأصنامَ لا تسمعُ الدعاءَ ولا تنفعُ ولا تضر ، وإنَّما عبدوها تقليدًا لآبائهم ، والتقليد حجة باطلة .

    ب - ورد على من عبد الكواكب والشمس والقمر بقوله : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ، وبقوله : وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ .

    ج - ورد على من عبد الملائكة والمسيح - عليهم السلام - على أنهم ولد الله بقوله تعالى : مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ، وبقوله : أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ، وبقوله : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .

    الفصل الثالث

    الكونُ وفطرتُهُ في الخُضُوعِ والطَّاعةِ لله

    إنَّ جميع الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه ، ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره ، وملائكته وجنه وإنسه ؛ كله خاضع لله ، مطيع لأمره الكوني ، قال تعالى : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ، وقال تعالى : بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ، وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ .

    فكُلُّ هذه الكائنات والعوالم مُنقادة لله ، خاضعة لسلطانه ؛ تجري وفق إرادته وطوع أمره ، لا يستعصي عليه منها شيء ؛ تقوم بوظائفها ، وتؤدي نتائجها بنظام دقيق ، وتنزه خالقها عن النقص والعجز والعيب ، قال تعالى : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .

    فهذه المخلوقات صامتها وناطقها ، وحيها وميتها ، كلها مُطيعةٌ لله ، مُنقادة لأمره الكوني ، وكُلُّها تنزه الله عن النقائص والعيوب بلسان الحال ، ولسان المقال . فكلما تدبّر العاقل هذه المخلوقات ؛ علم أنها خُلقت بالحق وللحق ، وأنها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء عن أمر مدبرها ؛ فالجميع مُقِرُّون بالخالق بفطرتهم .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( وهم خاضعون مُستسلمون ، قانتون مضطرون ، من وجوه :

    منها : علمهم بحاجتهم وضرورتهم إليه .

    ومنها : خضوعُهُم واستسلامهم لما يجري عليهم من أقداره ومشيئته .

    ومنها : دعاؤهم إياهُ عندَ الاضطرار .

    والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعًا ؛ وكذلك لما يقدره عليه من المصائب ، فإنه يفعلُ عندها ما أمر به من الصبر وغيره طوعًا ؛ فهو مسلم لله طوعًا ، خاضع له طوعًا . والكافرُ يخضع لأمر ربه الكوني ، وسجود الكائنات المقصود به الخضوعُ ، وسجود كل شيء بحَسَبِه ، سُجودٌ يناسبه ويتضمَّنُ الخضوع للرب ، وتسبيح كل شيء بحسبه حقيقةً لا مجازًا ) .

    وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على قوله تعالى : أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ .

    قال : ( فذكر سبحانه إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا ؛ لأن المخلوقات جميعها متعبدة له التعبد التام ؛ سواء أقر المقر بذلك أو أنكره ؛ وهم مَدينون له مُدَبَّرون ؛ فهمُ مسلمون له طوعًا وكرهًا ، وليس لأحد من المخلوقات خروج عمَّا شاءه وقدَّره وقضاه ، ولا حول ولا قوة إلا به ، وهو رب العالمين ومليكُهُم ، يصرفهم كيف يشاء ، وهو خالقهم كلهم ، وبارئهم ومصورهم ، وكل ما سواه فهو مربوب مصنوع ، مفطور فقير محتاج مُتعبدٌ مقهور ؛ وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصور ) .
  • ya fatema
    مدير متابعة وتنشيط
    • 24-04-2010
    • 1738

    #2
    رد: التوحيد

    بين خوارج الأمس والوهابية


    المبدأ الأساسي لخروج الخوارج على علي بن أبي طالب عليه السلام بل وخروجهم على الإسلام هو قولهم (لا حكم إلا لله)، ظاهر خادع وباطن أسود ولا يُخدع به إلا الأعراب الجهلة الذين لا يكادون يفقهون حديثاً
    ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾([1]).
    هذا قول الخوارج (لا حكم إلا لله)، وهي كلمة حق فالحكم لله.
    أما عبادتهم الظاهرية فكانوا من أعبد الناس، وأكثر الناس صلاة في المساجد والمحافل.
    أما قتالهم عن عقيدتهم فيكفي أن تعرف أنهم استقتلوا في النهروان حتى لم ينجُ منهم إلا القليل.
    ومع ذلك لم يعرفوا بل ولم يحملوا من الإسلام شيئاً، وهذان حديثان عن رسول الله في الخوارج في أول الزمان ، وفي آخر الزمان (الوهابية):
    · الحديث الأول:

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً، إذ أتاه ذوالخويصرة وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم اعدل ؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس.
    قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه.
    فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته) ([2]).
    · الحديث الثاني في خوارج آخر الزمان (الوهابية):
    عن سويد بن غفلة، قال: (قال علي: إذا حدثتكم عن رسول الله فلإن أخرّ من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية ([3])، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا تجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة
    ) ([4]).
    وأجد من الضروري تحليل مرتكز الخوارج وهو مرادهم من قول (لا حكم إلا لله)، وبيان مدى مطابقته لتوحيد الوهابية المدعى، فيتبين أنهم خوارج آخر الزمان.
    إن علياً عليه السلام لما سمع قول الخوارج " لا حكم إلا لله "، قال عليه السلام : (كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر).
    (وفي رواية أخرى أنه عليه السلام لما سمع تحكيمهم، قال: (حكم الله أنتظر فيكم (وقال) أمّا الإمرة البرة فيعمل فيها التقي، وأما الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي إلى أن تنقطع مدته وتدركه منيته) ([5]).

    إن معنى هذا الشعار (لا حكم إلا لله): هو حاكمية الله، أي أن من يرفعه المفروض أنه لا يقبل إلا بحاكمية الله التي تتمثل بالقانون الإلهي والحاكم المعين من الله،
    فالمفروض أن من يرفع هذا الشعار يطالب بتطبيق القانون الإلهي وتمكين الحاكم المنصب من الله.
    هذا هو معنى هذه الكلمة (لا حكم إلا لله)، وهذا هو المفروض أن يكون مطلب من يرفعها شعاراً، ولكن الخوارج جاءوا بهذه الكلمة لنقض حاكمية الله، لقد رفعوها بوجـه علي عليه السلام بالذات وهو خليفة الله والوصي المنصب من الله، هم بحسب ظاهر الكلام لا يرفضون الله، فقط يرفضون علياً عليه السلام ، ولكن لو تدبرنا موقفهم نجده تماماً كموقف إبليس الذي لم يرفض السجود لله بل كان طاووس الملائكة من كثرة العبادة ولكنه فقط رفض السجود لآدم عليه السلام خليفة الله.

    وجواب الإمام علي عليه السلام في نقض مرادهم هو الواقع الموجود، فمع وجود المجتمع الإنساني (الناس) لابد من وجود قانون وحاكم يقوم بتطبيق القانون؛ لتنظيم حياة هذا المجتمع،

    فإذا رفض القانون الإلهي والحاكم (البر، التقي) المنصب من الله جاء القانون الوضعي والحاكم الطاغوت (الفاجر) حتماً؛ لأن الواقع لا يخلو من أحدهما، قال u: (وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر).
    الآن فقط أطلب أن نستحضر المواقف الثلاثة:
    إبليس (لعنه الله): رفض السجود لآدم، (رفض أن يكون آدم "خليفة الله" واسطـة بينه وبين الله).

    الخوارج: رفضوا أن يكون الحاكم إنساناً منصباً من الله، حيث قالوا لا حكم إلا لله وهم يريدون لا إمرة إلا لله، (أي إنهم رفضوا أن يكون إنسان (خليفة الله) واسطة بينهم وبين الله) وهم يدعون بهذا التوحيد ونبذ الشرك !!

    الوهابية: هم يرفضون أن يكون إنسان (خليفة الله) واسطة بينهم وبين الله، ويدعون بهذا التوحيد ونبذ الشرك أيضاً !!!!

    ما هو الفرق بين المواقف الثلاثة ؟؟!!

    لو دققنا في المواقف الثلاثة لوجدنا أن مطابقة موقف الخوارج لموقف إبليس ربما يحتاج إلى التوضيح المتقدم،
    أما مطابقـة موقف الوهابـية لموقف إبليس فلا أعتقد، حيث إنّ موقفـهم (اعتقادهم) صورة طبق الأصل لموقف إبليس، فأين يكون موضع التوضيح لو أردناه ؟



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] - التوبة : 97.

    [2]- صحيح البخاري – البخاري : ج4 ص179.

    [3]- اي التوحيد فالوهابيون يدعون أنهم يطلبون التوحيد وينبذون الشرك.

    [4]- صحيح البخاري – البخاري : ج4 ص179.

    [5]- نهج البلاغة : ج1 ص91.



    تعرف على التوحيد الحق الذي يرتضيه الله لعباده : لقراءة وتحميل "كتاب التوحيد" للامام احمد الحسن (ع) اضغط على رابط الكتاب ---/ كتاب التوحيد للامام احمد الحسن عليه السلام
    عن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد صلوات الله عليهما
    : ( إلهي كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب )

    Comment

    • أبن العرب
      موقوف
      • 05-07-2012
      • 42

      #3
      رد: التوحيد

      سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وأكبر

      Comment

      Working...
      X
      😀
      🥰
      🤢
      😎
      😡
      👍
      👎