إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

وقفة مع صحراء المادة

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • المعدن
    عضو نشيط
    • 22-04-2011
    • 125

    وقفة مع صحراء المادة

    صحراء المادة


    بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين
    الله صل على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، مجري الفلك، مسخر الرياح، فالق الإصباح ، ديان الدين، رب العالمين. الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها، وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها.
    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.

    نهدي مولاي وامامي أحمد الحسن عليه السلام ، وانصار الله هذه الأسطر.

    ونسأل الله التمكين لآل محمد عليه السلام ، ودعائنا لنا ولكم بالتوفيق والسداد والثبات على نصره يماني آل محمد عليه السلام.


    المقدمة :
    في الأسطر التالية ، ليست سوى حديث النفس والتأمل في كلمات الامام أحمد الحسن عليه السلام التي (وبلا شك) تتسم بالعمق ، ومع تلك التأملات لمجمل أحوالنا التي نراها في ضمائرنا وأعيننا (وان كان مبدأ العين أقل ما يمكن أن يستدل به للحقيقة) لتلك المفردات المعيشية التي قد صاغت السولك البشري والمنهجي بشكل عام.
    حتى أصبحت البشرية في عقلياتها عبارة عن قالب واحد في نمطه ، وبكل كادت تتغذى من نفس المورد ، وهو مورد الظلمة ، والتيه ، والشتات ، والضياع.
    فالناس باتت قواميسها لا تعمل ولا تتصفح إلا من خلال العين ، من خلال الملموس ، من خلال المادة ، فباتوا يتعاملون مع الروحانيات بكاتالوج خاص للاستعمال ، علما بأن طرقت الارشادية أشبه ما تكون بالصحراء الخالية من اللوحات الارشادية.
    وعلى بركة الله نبدأ رحلتنا.



    * وقفة مع صحراء المادة.

    فقد ذكر الامام أحمد الحسن عليه السلام ، في كتاب التيه أو الطريق الى الله :
    "... ، ونجا بنو اسرائيل وعبروا البحر ووجدوا أنفسهم في صحراء مقفرة بعد أن كانوا يعيشون في زادي النيل الخصب ، ولكن موسى عليه السلام جاءهم بالبشارة والأمر الالهي بالدخول الى الأرض المقدسة ووعدهم بالنصر من الله ، وكان المفروض بعد كل تلك اللآيات والمعجزات التي رأوها في مصر ، وبعد أن انشق البحر وأغرق فرعون وجنوده أن لا يترددوا بالطاعة ، وكان المفروض أن يوقنوا بالنصر ، ولكنهم تمردوا وفضوا الدخول الى أرض المقدسة!!
    ولعل أهم أسباب هذا الرفض هي:
    1- ضعف ايمانهم بنبوة موسى عليه السلام ، ...الخ.
    2- ضعف التقوى والخوف من الله ؛ ...الخ.
    3- ضعف النفوس والخوف من الطواغيت ...الخ.
    4- الاهتمام بالحياة الدنيا أكثر من الآخرة ، ...الخ.
    5- انتشار حب الذات بينهم ؛ حتى أن بعضهم كان يرى نفسه أفضل من موسى وهارون عليهما السلام ولا يقبل قيادتهما له!! ...الخ ".
    (لمزيد من التفصيل ، الاطلاع على محتوى الكتاب ، عليه اللجوء الى المصدر ، كتاب التية أو الطريق الى الله للامام أحمد الحسن عليه السلام)



    وفي كتاب الجواب المنير عبر الأثير - ج1
    في رد الامام احمد الحسن عليه السلام على السائل (المسيحية ريتا)

    "... ، حزين لأجلكم، فقد تـُهـتــُم يا أهل الأرض في صحراء المادة، كما تاه بنو إسرائيل في صحراء سيناء."

    ونسأل الله العلي القدير ، ان يوفقنا ويسددنا لخوض وفهم كلمات قائم ال محمد عليه السلام ، فبواطن كلماتهم عميقة . وانفاسنا حتما لا تحتمل خوض غمار وعمق معانيهم ، بل لياقتنا الذهنية تحتاج للكثير من التحصيل من علوم أل محمد كي يتلائم معها النفس واللياقة ، والفهم ، والتقبل . ومع التسديد من الله عز وجل ومع العمل الخالص لوجه الله تعالى يكون ان شاء الله التوفيق.

    ونسأل الله العلي القدير ان يوفقنا واياكم لخدمة قائم آل محمد عليه السلام ، وأن نجد عند الله لذلك قبولا.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال الامام أحمد عليه السلام : "تهتم يا أهل الأرض في صحراء المادة"

    ولكن ، ماذا لو قال الامام أحمد ع "تهتم يا أهل الأرض في مادة الصحراء؟!"

    وليغفر لي الله جرأتي وحماقتي على ذلك ، وعلى هذه الفرضية.

    نعم...
    هل نحن تائهون في صحراء المادة؟ أم نحن تائهون في مادة الصحراء؟
    ولتقريب المعنى لمن يحتاج ذلك ، وكأننا نقول:

    هل هناك، خزان للماء ، في النهر؟ أم هناك شيئ من ماء النهر، في ذلك الخزان؟!

    فأيهما موجود بالآخر؟

    لنتعرف على ملامح وعمق معاني الامام أحمد ع السلام ، لا بد أن يتم تجزئة المفردات الأساسية في الجملة المعنية في بادئ الأمر.
    ونرجوا من المتحقق والقارئ الوقوف قليلا والتأمل في المفردات الواردة في كلامة الشريف سلام الله عليه.

    1- تـُهتـُم / 2- يا أهل الأرض / 3- في / 4- صحراء / 5- المادة

    1- فالتيه هنا قد وقع ، (تهتم) وأصبح من الأمور الحتمية ، ولا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم.
    2- ونحن المشار اليهم ، اي البشرية المتجذرون في مادة الأرض الملموسة والفعلية.
    3- نحن منصهرون بجوف هذا التيه ، والمغلف بغلاف المادة
    4- الصحراء المكان الواسع والخالي من المفردات الارشادية ، بعكس الشوارع التي تملأها الأرقام والعناوين والتي يستدل عليها في المقام الأول عبر الوسيلة البصرية.
    5- المادة ، فالمادة لها معان ٍ كثيرة ، وتعريفات عديدة ، وقد تأتي في معنى المادة أي النقود ، أو بمعنى كل ما حول له كتلة على أن يكون ملموسا ، أو محددا بكلتة أو وزن ، وغيرها الكثير من التعريفات.

    ولكن ، ومع سياغ الكلمة والمعنى المراد منها في الجملة ، فنحن أمام جملة تحتمل العديد من التعريفات والتفسيرات ، خاصة في المفردة الواردة منه عليه السلام في شأن المادة تحديدا.

    في السابق ، اي قبل زحف الوسائل التكنلوجية التي أتت (من المفترض) أن تكون في خدمة البشرية ، فقد عملت بعض تلك الواسائل الى تغريب الناس ، وحصرهم ووضعهم في الاطار المادي واختزالهم في محيط ضيق ، بعيد عن التواصل مع الله عز وجل واللجوء اليه ، مثلا:

    كان الناس في أيام الحر والجفاف يتضرعون لله (من خلال الوسيلة) بانزال المطر عليهم ، كما لجأ الناس في زمن الامام الرضا عليه السلام بأن يدعو لهم بالاستسقاء وانزال المطر ، وكان هذا طبعا بتحريض من المأمون (لعنه) لأنه كان يعتقد بأن المطر لن ينزل ، محاولة منه لاحراج الامام الرضا عليه السلام أمام الناس ، إلا أن الله عز وجل أبى إلا أن يتمم ارادته ، ونزل المطر بغزارة ، وبهت المأمون وحاشيته.

    المراد هنا ، أو أن يدعون أهلنا في السابق الله عز وجل أن يخفف عليه الحر مثلا في أيام الصيف، فقد كانت الناس يلجأون لله عز وجل ، ولو عبر الدعاء ، فيقولون مثلا / اللهم خفف علينا هذا الحر.

    فهذه القيمة الآن تكاد تكون شبه معدومة ، ولا يكاد يكون هناك مكان إلا وبه جهاز وحدة تكييف أو تبريد بطرقه المتعددة. بل وحتى المركبات ووسائل النقل وأماكن العمل والمحال وغير ذلك من تلك الأماكن التي تم تحديدها بإطار معماري مادي ، ومحدّد ومحكم من ناحية البناء.

    الشواهد كثيرة بلجوء الانسان بشكل عام لوسائل مادية تعمل على توفير سبل الراحة ، سواء من ناحية الجو والمأكل والمشرب والملبس...الخ ، وقد سيطرت هذه المفردات المادية سواء أكان على الفرد أو المجتمعات ككل ، واستبدلت مكان الدعاء واللجوء الى الله عز وجل.

    اذن نحن أمام عصر وزمان يكاد يكون مختلف تمام عن باقي خطوط الوسائل الحياتية عن ما سبقه من العصور.

    بل ، واصبحت الوسيلة البصرية (العين) من الوسائل التي يعتبرها الكثير بأنها وسيلة شريعة لادراك ما يكون من تواجد فعلي لأي مفردة من مفردات المادة.

    (فلا يظن القارئ الكريم بأنها دعوة للتفسخ ونبذ تلك الوسائل ولكنها دعوة للتأمل والتفكـّـر في ذلك).

    فنحن أمام عملية تقرّب وابتعاد ، التقرب من الماديات والابتعاد عن الروحانيات.



    * وقفة مع ، الـتـيـه.

    قال لامام أحمد عليه السلام : "...أمـّة دخلت في التيه وخرجت منه وأمّة دخلت فيه ولا تزال فيه...".
    ان عمليات التيه كثيرة ، وتتعدد اشكالها وسبلها ، ولربما تكون احد اهم العوامل التي تجعل من الكثير في حالة من عدم القدرة على التركيز في التأمل في أوقات قد لا تطول ، فاللياقة الروحانية تكاد لا تكون سوى بضع خطوات في ذلك المضمار الطويل ، فتجد الناس غير قادرة على المواصلة في الروحانيات مدة طويلة ، فيتوقفوا ، ومن ثم يعيدون انطلاقتهم مرة أخرى ، أو يعيدون الكرة بعد الكرة ؛ وان انطلقوا للوصول ، يكون وصولهم لأهداف لا يعرفونها ، فلماذا؟ لأنهم أتخذوا من أنفسهم مقامات تصل لحد الثقة وسيطرة الأنا التي نبتت بداخلهم وصاروا أئمة لأنفسهم ، بل واتخذوا من ساداتهم وكبرائهم كأنهم هم الأقدر على التشخيص والاستدلال بهم والاعتماد عليهم لمعرفة الحجج.

    فالتية (في رأي القاصر) يكون في محيطين ، وهذين المحطين متلازمين في حيات الفرد والجماعة ، ومعه في كل وقت ، في كل يوم .
    1- المحيط القصير
    2- المحيط الطويل

    1- المحيط القصير :
    ونضرب لذلك مثال / الذهاب للسينما لمشاهدة فيلم إثارة وعنف ، فتجد بأن في الأحداث المتصاعدة وقمة الذروة في الفيلم ، سرعة خفقان القلب وافراز هرمون الآدرينالين بسبب ما يتركه احداث الفيلم علينا ، على الرغم بأننا نعلم بأنها ليست سوى مؤثرات وعدد من الممثلين الذين يقفون امام كاميرة التصوير وأنهم أشخاص مثلنا ، ولربما نفوقهم قوة جسدية وذكاء ، ولكن المشاهد يسقط في الاندماج ويصبح اندماجه جزء من تلك اللعبة التي تعرض امام عينه باشتراك العديد من الحواس. وكلما حاول أن ينسلخ أو ينتبه من ذلك المحيط الفرضي الذي يجري امام عينيه ، الا وتجده قد عاد للانصهار وأصبح جزء من الفيلم وهو لا يشعر.
    كثير من تلك العرض التي تنتهي ، ويخرج المشاهدون بعدها مباشرة وهم في نشره تقمص ذلك الوهم ، ذلك الوهم الذي انتهى من العرض ، إلا أنه لايزال مستمر فيهم ولو لوقت محدد ويختلف باختلاف الناس.

    كثيرا ما سمعنا وقرأنا بوقوع تشابك وشجار وقتل بعد انتهاء فيلم للاثارة والعنف بعد انتهاء عرض من دور السينما ، وسرعان ما يتقمص الناس أدوار البطولة وتلبس الشخصيات الخيالية تلك في عقول وصدور هؤلاء ، وهذا بسبب الخواء وخلل في ميزان العقل.

    ولك أن تتخيل ذلك ايها القارئ الكريم أثر افلام الرعب أو الرومانسية وافلام العنف والخيال العلمي... الخ كما يتم تصنيفها على فطرة الشباب والشابات ، ومدى استمرار أثر تلك المعطيات على حال المتلقي أو المشاهد، فساعة واحدة تترك أثر يمتد في فكر ونهج هؤلاء ؛ سنجد حينها ذلك التقليد الأعمى لهؤلاء.

    فإذا كان الفيلم لمدة ساعة تقريبا هكذا يكون تأثيره ، فكيف اذن يكون الفرد والمجتمع في مجمل الحياة العصرية؟! وما مادى اختراقها للحياة البشرية؟!

    بل ، ونتساءل ، ما هو الحال اذن في بيوتنا؟! عبر التلفاز تحديدًا ، عبر تلك البرامج والمسلسلات التي تدخل بيوتنا من غير اذن مسبق ، بل وتكون حاضرة وحضورها يكاد (وأجزم) يكون أكثر ثأثيرًا من الآباء انفسهم على أبنائهم. بل وأصبح النشأ لا يتلاقى أي نصيحة أو معلومة أو أمر من الآباء بسبب مصادرة تلك البصريات التي تنفذ من المادة وتستزرع في فكر الناس ، بل في فكر النشأ.

    فالناس اصبحوا أشبه بالألبوم الذي يحتوي صور خاصة في فكرهم وضمائهم وقلوبهم (فكرًا وعاطفة) وهذا مما جعل بأن تكون صورنا في داخل ألبوم أبنائنا أشبه بالصور التي لا تتلائم مع هذا العصر ، فصورنا الواقعية الفعلية باتت اقل وزنًا وحضورًا بسبب تلك الصور الواهية والغير واقعية والتي نبتت بسبب صحرائهم التي يتواجدون بها ، فالصور الذهنية التي في داخل ألبوم هؤلاء هي وصور وهمية ، غير حقيقية ، ولكن ، وللأسف ، يتم مقارنتها بالصورة الفعلية والواقعية ، فالعديد من الصور الجميلة والمثالية والواقعية ، ليست سوى محيط مرأي ولكنه غير ملموس ، كمن يشاهد نفسه بأبناءه ، ولكن الحقيقة المرّة بأن تلك الصورة ليست سوى انعكاس لمرآة ، فالصورة فعلا موجودة ، ولكن. ليس بها محيط أو هواء ، فليست سوى صورة ليس إلا.

    وهنا وضعنا استشهادًا من أحد أهم المفردات المادية التي ينهصر معها الفرد والجماعة ، بسبب عدم وجود مصل فكري أو مضاد فعــّـال أو ارشادي خاص يقي الناس ويقي ضمائرهم وعقولهم من تلك البكتيريا والجراثيم التي لا تتوانى بضرب النسيج الداخلي لنا. سواء على محيط انفسنا او اسرتنا او مجتمعنا او العالم ككل.

    وهنا ، نستطيع ان نجد أرضية حاضرة التواجد ونتحسس قوتها الوهمية التي من خلالها ينطلق فيها الفكر ، فالعقل أصبح يتلقى المشهديات والبصرات عبر العين ومرات عبر السمع ، ولكن قيمة العين كبوابة أصبحت أكثر شريعية ، بل ، أصبحت أكثر شرعية ومشروعية من باقي الحواس. ومنها تم استزراع وبناء مدن من الفكر الذي يعتمد على الملموس ، اي المادة.

    وهذا ما نتلمسه بالعديد من هؤلاء السائلين عن الدعوة وعن صاحب هذه الدعوة اليمانية المباركة ، فهذا هو سؤالهم الذي يكاد يكون من الأسئلة والطلبات الحتمية:
    - هل للامام صورة ، لنشاهده؟!

    ان كانت الأظرف البريدية تكاد لا تخلون من الطابع كما يقال ، فالسائل يكاد لا يخلوا من هذا التساؤل ، وان لم يصرح به على لسانه . هنا ، لست في معرض النقد والمصادرة على السائل في ذلك ، ولكن ما أود الاشارة عليه ، بأن تلك التأثيرات (التي ذكرنا منها البعض سابقا) هي التي صاغت في السائل هذا السؤال ، وهي التي تنطق على لسانه ، وهي الترجمة التي يتوهم من خلالها أنه يستطيع أن يفك الشيفرة التي تكونت بداخله. فالناس تكاد لا تستطيع أن تسطير حتى على السنتها ، فالمادة هي التي باتت تنطق على السنتهم.

    وبعد ان تعرفنا على هذا المحيط ، وهو محيط صحراء الوهم ، من خلال بعض المؤثرات الوقتية والتي تتصف بالوقتية ، ننتقل الى المحيط الآخر ، وهو :

    2- المحيط الطويل
    اي ، المحيط المقرون بطول الوقت ، ويكاد يكون بسبب حتى ما قد توارثناه من فكر أو أمور مادية عشنا معها منذ ان ادركنا محتويات هذه الدنيا.

    وهي تلك المقرونه في بناء شخصيتنا ، كلامنا ، طريقة تفكيرنا ، حركتنا ، نومنا ، مأكلنا ، ملبسنا ، الثقافة العامة... الخ .
    كثيرًا نجد من الفرد تفنى حياته مع فكر معين ، قضية خاصة أو عامة ، مع فلسفة ، او مع نهج قد تلاقاه من منبر ، أو خطبة ، أو ما بين دهاليز الدراسة (في مجمل مراحلها) فأما أن تجعله خارج الصحراء ، أو بوسط الصحراء ، وهي صحراء الوهم.
    كيف تكون صحراء الوهم في هذه الحال؟!

    نعم ، نسأل الله العلي القدير ان يوفقنا لشرح هذه المسألة ، بل ، وأسأل الله ان يغفر لنا زلاتنا وغفلاتنا وسقطاتنا ، ونعتذر الامام أحمد عليه السلام بأننا قد تقمصناها ونحن لسنا بأهلا لها ، خاصة بحظرة مقامة الشريف والكبير. فهو المعلـّـم والأعلم والأكثر بيانا وبلاغة ومنطقا وحكمة وعلما.

    كي نجيب على التسائل السابق ، نلجأ الى الاستشاهد ببعض الأمثلة المعايشة والحياتية لتقريب الصورة لدى القارئ الكريم ، لمن يحتاج لذلك.

    الحياة مليئة بالصراعات ، سواء بين الجماعة والفرد والعكس ، بين الفرد ونفسه ، بين الجماعة والجماعة ، وهو صراع متعدد الفصول ، قد ينتهي بعضها ، ويستمر بعضها.

    لكن في مجملها أما تكون :
    - صراعات دنيوية وهي واضحة المعالم ، وقد يتم تغليف بعضها بغلاف مغاير.
    - أو صراعات دينية أو مذهبية...الخ ، وهي واضحة المعالم ، وقد يتم تغليف بعضها بغلاف مغاير.

    فالشكل ليست بالضرورة أن يتطابق مع المضمون.

    قال رسول الله صل الله عليه وآل : "تنقسم أمتي الى ثلاثة وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة..."

    اذن ندرك حتما ، بأن فرقة واحدة فقط في الجنة ، فأما البقية فهم في النار . وهذا دليل صارخ وحقيقة تجعل من كل هؤلاء المتنافسين ينشد الكمال والصحة فيما يعتقد ، وهو التيه بعينه.
    ولكن أن تتخيل ايها القارئ الكريم عندما تجد كذلك الصراعات السياسية القائمة التي تتسم بالتناحر الفعلي أو التناحر الفكري ، وبعد أن يفنى عمل هؤلاء ويفنى عمرهم لأجل قضية خاسرة أو فكر امتد معه لأعوام ، ومن ثم يتم هدم فكره الذي تبناه خلال نقاش أو حقيقة جليه تنقض عليه ما قد بناه بجد وجهد جهيد ، ثم ماذا تكون النتيجة له ؟! ... لا شيئ.
    يدرك ويتيقن تمام ، بأن عمله خاو ٍ ، وان كان عمله مخلص ، ولكن السؤال هو ... كان مخلص لمن؟!
    ان كان الفرد أو الجماعة قد علموا بأن عمله هذا ذهب هباءا منثورا ، لكنه في نهاية الأمر قد علم ، لكن ما هو الحال مع من لا يعلم بأن علم ، ذلك المتكابر ، ذلك المعاند ، تلك الآنا التي نبتت بين جنبيه فصاغت معها بنحت صنم ثابت ، صلب ، كبير ، ثقيل ، وان كان في ظاهرة متقن وجميل ، إلا أن في جوف ذلك الصنم امران:
    - اما في باطن ذلك التمثال مجرد حجر ، ويكون جوفة محكم وصلد ومعبـّأ، وسقوطه يحتاج فقط أن تدفعه من خلال قمته وليس قاعدته ، فأعلا نقطعة ضعفه. ويبقى صنم نابت في الصحراء.
    - أو مجرد فراغ ، وهو صنم مجوّف ، يتهشم برمية حجر ويتساقط كما تتساقط أجزاء الفخار عند تعرضها للكسر. أو لرمية حجر مسددة. وهو صنم في الصحراء ، وفي جوفه صحراء.

    علما ، بأن الفرد قد لا يكون وحده من نحت هذا الصنم في داخله وبين جنبيه ، لربما قد شاركه في ذلك آخرون. كأفراد أو مجتمع.

    إذن ، نحن أمام صحراء خاصة بالفرد ، يبنيها بنفسه في فكره ومعتقده ، ويسعى جاهدًا بأن تكون مترامية الاطراف وغير محدودة ، ظننا منه (أي الفرد) بانها ستكون ارضية لبناء الكثير مما تلاقه من فكر او علوم ، فالفرد او الجماعة تمنوا بان تكون تلك الصحراء لا حدود لها ، فهو الطمع الغير محدود بمعرفة ماهي تلك الامكانات المتوفرة لدية ، وان توفرت تلك الامكانات ، فهو غير مدرك بنوعية تلك الامكانات وما مدى ملائمتها من ما يراد بنائه او تأسيسه.

    فيجد الطمع الفكري ، وصعود الآنا على الاستحواذ قهرًا على أكبر مساحة ممكنة من تلك الأراضي الخاوية ، علما بأنه لم يشرع حتى هذه اللحظة بالبناء ، وتذرع البشرية أو الفرد أو الجماعة بأن تمتلك لمخططات للبناء ، فقط مخططات. وبعد حيث يكتشفون بأن قد بنوا صحراء كبيرة ، ولكن لا يسكنها الا تراب أفكارهم ، حيث لا لوحات ارشادية ، وقد حادوا عن الصواب ، فتاهوا وتاهت معهم من كان يلحق بهم ، وتاه معهم من كان يظن بأن من كانوا يلحقون به هو الأقدر على التشخيص والبناء والمعرفة. فاصبحوا يتخبطون بالاستدلاد والارشاد، ولا يكون هناك أي استدلال ، فالصحراء سرعان ما تخفي آثار أقدامهم بمجرد القليل من الهواء ، فضاعوا واضلوا السبيل.

    لأنهم اتبعوا الآنا ، اتبوعوا اهوائهم المضلة التي ارتبطت بالسبل المادية فاضلوا السبيل.

    لقد غاصوا في تلك الدروع التي جعلوها حول صدورهم ، واحكموها وأشد الاحكام ، ظنا منهم بأنها دروع تقيهم شر الضربات ، ظنا منهم بأنها دروع تقيهم وتحمي ما بين جنوبهم. وقد احكموها (اي الدروع) كقبضة قوية تمسك بصدورهم ، ظنا منهم بأنها ستحمي تلك الأصنام التي انبتوها بين طيات أضلعهم ، بل ، أخذت صدورهم تأخذ الشكل المحيط لشكل ذلك الدرع ، وكانها تلك الفاكهة التي كبرت بوسط قالب المكعب فأخذت تلك الفاكهة شكل القالب وحجمه. ولكنهم وفي تلك الصحراء ، ومع حرارتها العالية ، قد اصابهم الحر ، وثقلت دروعهم ، فلا يزالون يحاولون انتزاع انفسهم والخلاص من ذلك القفص المحكم التي بنوه بأنفسهم واحكموا اغلاقه حول صدورهم ، يحاولون انتزاع انفسهم انزاعات ، ولكن ، لا سبيل للخلاص ، إلا مع من سيأتي ويبين لهم الطريقة المثلى لفك شفرة ذلك الدرع ، وان صاحب ذلك ألم. (سنتطرق أكثر شرحا لهذا الموضوع في نهاية هذا المبحث)

    فنحن أمام مادة ، وهذه المادة تحتوي على صورة مخادعة غير حقيقية ، وان كانت حقيقية فيه من مفردات العالم المظلم ، العالم المادي البعيد كل البعد عن معرفة الحق ، بعيدة عن معرفة الله عز وجل ، وبعيدة عن معرفة حجج الله تعالى. فالماديات تلك ليست سوى طرق ، وهي طرق بعيدة ومعاكسة عن نصرة الحق.

    فنحن أمام فكر ، منهج ، أيدلوجية ، فالناس مؤدلجة ، ممنهجة ، مبرمجة ، نعم هم مستقلون فجسد من ناحية الحدود ، إلا أنهم قد وضعوا جهاز التحكم بيد الذي يعتقدون بأنهم الأقدر على التشخيص والأقدر على معرفة الحق.

    (وقالوا ربنا إنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فاضلونا السبيلا) بل ، وباتت تلك البشرية المسيّرة ، مقيدة ، مسلوبة (الفكر والضمير) ولا تنشد إلا أن يغذيها كبرائهم وساداتهم بتلك البطاريات الوهمية ، ظنا منهم بأنها أشبه ما تكون بأكسير الحياة ، فمنا ينشدون من خلالها الكمال والكمالات.

    ان العناصر المادية في دهاليز كل حياتنا ، جعلتنا نلجأ احيانا بالاعتقاد بأننا نسمو ونسمو ونسمو ، لدرجة ظننا معها بأننا نحن كذلك قادرون على التشخيص وتوجيه النقد أن كان ذلك على حجج الله والعياذ بالله عز شأنه.

    واستطاعت المحطات المادية أن تستجذبنا اجتذاب ، كما يجتذب الثقب الأسود الكواكب في وسط محيط الفضاء الذي يحيط بنا. وتجد البشرية ، ترقص بحركة أشبه برقصة الموت وبإرادتها ، وتلقي بنفسها وسط ذلك الثقب الذي لا يتورع بابتلاع كل ما يمر بجاذبيته ، بل ، وحتى الضوء ، وحتى النور ، فلا يسلم منه شيئ. اعتقادا منهم ، بأنها مرحلة جهادية ، مرحلة فدائية ، مرحلة أشبه ما تكون بأنهم يمنــّون على الله بفعلهم هذا ، وكأنهم على لسان حال يشترطون على الله ويلقون على المنـّة بأنهم قد عرفوا حججة وقد ادوا التكليف ، ويجب أن نأخذ من الله الجنة. جزاءا لما صنعت أيديهم.

    فالمادة عنصر شرعي للتعامل والمخاطبة (هكذا هم اعتقدوا) وهي الوسيلة الشريعية لهم ، ومن خلالها يكون مبدأ المقايضة مع الخالق جل شأنه. وما ربحت تجارتهم ، واصبحوا على فعل ذلك نادمين.



    *وقفة مع ، المادة والآنا .

    في الجواب المنير عبر الأثير ج1 سؤال14
    قال الامام أحمد عليه السام :" ... ، تحطم كل الاصنام التي تعبد من دون الله ، بما فيهم الصنم الموجود بين جنبيك وهو الأنا ، ..."

    والقارئ لكتب الامام أحمد سيدرك حتما كثرة المواضع التي يستعيذ بها الامام أحمد الحسن عليه السلام من الأنا ، ويحث على محاربتها.

    - فالأنا هي الغرور ، التكبر ، العناد ، الجهل ...الخ .
    - والمادة هي انصهار الانسان بالماديات التي تبعده عن الروحانيات.

    فالسؤال / اي مزيج ذلك ، سينتج عن انصهار الأنا والمادة في الفرد؟

    لعلها تكون تركيبة صلبة ، صلدة ، قوية ، ثقيلة ، ثابتة بارتباط المرء مع نفسه فقط. ويعيش حينها في عزلة تامة ، مع وجود عنصر الوهم الذي يزين له عزلته التي يعتقد بأنها ومعها يسمو فوق الكل ، وهو من حيث لا يشعر يظن بأنه المطلق والعياذ بالله.
    وان كان يبدو لنفسه بأنه يستمع ظنا منه بأنه في موقع الانصاف ، ولكن في داخل لا يستطيع (بل ويرفض) كل ما يخالف معتقده ، ولو كان هذا المعتقد من جراء تحليله الشخصي.
    وتتلون الأنا بألوان يكاد الناس لا يعرفون اي توجد في طيات نفسه ، لنضرب مثالا صارخا على ذلك.

    شخص يجالس الفقراء ، ومنصف ، ويستمع للصغار ويحاورهم ، ولكن في داخله ينتظر مدحًا من الآخرين بأنه متواضع، فيفرح بذلك لا لأمر إلا بأن يشعر بالفخر والرضا على نفسه ، وهنا تنبت بذور الآنا وهو لا يشعر ، فعلا الانسان أن يكون مراقبا جيدًا ويقظًا وأن تكون نظرته مجهرية لتلمس تلك المواضع التي تحتاج للدقة في ملاحظتها ، كي لا تتكاثر ومن ثم تلوث بواطنه.

    في رأي القاصر ، (وارجو من القارئ عدم التسليم لكل ما تم طرحه في هذه الأسطر ، فالخطأ وارد بسبب قصور الرأي والعلم) بأن التمازج بين الأنا والمادة هو نفق مظلم ينحدر للأسفل ، ويظن الانسان معها بأنها ليست سوى مغامرة تستحق أن يتم خوض غمارها للاكتشاف والبحث للوصول لنتيجة خاصة أو عامة أو مجهولة ، ولكن الحقيقة هي ، بأنه يتجه للأسفل في كل الأحوال.

    ان ارتباط الأنا والمادة في عقل الانسان ، ينتج عنه مادة ثقيلة الوزن ، وهذه المادة الثقيلة يحملها الانسان مع حيث ذهب ، وهي تحول بين قدرته على التواجد في أي ارضية ، وان استقر معها، حتما ستغوص معه قدماه وترتكز في مكان واحد.
    وان كان (حامل المادة والأنا معا ) يرغب في مسايرة اي علم حتما ستكون حركة بطيئة وثقيلة ، يكاد لا يستطيع أن يلحق بأقل القطارات سرعة ، وان استطاع أن يجاريها ، فالمادة وانصهار المرء بها ، ستعمل على فقدان لياقة بالاستمرار وينقطع نفسه.

    اذن ، نحن أمام نوع من التركيبة التي لا يستصيغ طعمها إلا حاملها ، وتتزين له من خلال الأنا ، فالأنا بالنسبة للمادة كالنكهة التي تضاف على مبدأ المادة بحسب رغبة حاملها.
    فيصور المرء حينها بأنها سفرة للأكل الذي لا يستطيع أن يفارقها ، فهي تحتوي على كل ما لذ وطاب
    مادة = أكل
    الأنا = طعم لذيذ
    ولكن تلك السفرة التي تحتوي على الطعام اللذيذ تتواجد في مكان معين ، والانسان غير قادر من الابتعاد عنها خوفا منه وجهل باعتقاده بان الابتعاد سيتسبب بهلاك فكره ، فتجده متشبث بالمكان برفقة الأنا والمادة.
    والشبابيك الخادعة التي تحيط بالمكان الذي تواجد فيه ، قد وضع عليها صور تمثل له بأنه في مكان جميل ، فالشبابيك رسك عليها الأشجار والحدائق والأنهر ، أو رسمت عليها ملامح الحي النظيف والمباني التي تحيطه ، إلا أنه يبقى وهم ، وحقيقة الأمر بان مكانه الفعلي هي الصحراء الخاوية ، الخالية من الموجودات. ولكن الأنا تحول له أن يعترف بذلك ، بل ، وحتى يرفض الاعتراف بذلك بينه وبين نفسه ، بل ولا يصرح بذلك حتى مع خالقه المطلع على أمره.


    ان الاعتراف بالفشل ، أو في بعض منه ، يكون مؤلم بالنسبة للمعترف (حامل الأنا والمادة) ، فالاعتراف هي عملية تقشير مؤلمة ، ويكون الانسان حينها غير مستعد بمواجة الحقيقة التي تقول له : انت قبيح


    الأنا والصحراء
    وهو ذلك العرش الذي صنع من الورق ، وكثيرا ما يتردد الانسان للجلوس عليه ، فهو يعرف في قراره نفسه ، بأن لمجرد الجلوس علي ذلك العرش ، سيتحطم وبسرعة ، لذلك تجد صاحب الأنا لا يجلس على عرشه كي يمارس سلطته الموهية ، فهو على علم بأن عرشة معرض للتحطم . لكن هذا العرش ، يستطيع أن يحتمل جالسه ولكن بشرط ، أن لا تتحرك ، ويجب أن يكون الجالس على عرش الأنا الورقي أن يكون ثابت ، لا يتحرك ، فقط بالكاد يسمح له بالتنفس.
    وصاحب الأنا تسمو نشوته مع وجود من لا ينازعه عرشه ، ولا يكون ذلك إلا اذا وضع عرشه في... الصحراء.
    فندرك حينها ، بأن المكان الشرعي لعرش الأنا يجب أن يكون في الصحراء. وحده ، لا حاشية له إلا من خلال وهم الأنا ، الأنا التي تخلق له شعبا وحاشية وجاها وسلطانا ومالا وعلما ، و حتى فقهًا.


    * وقفة مع ، الصحراء في المادة.

    يقول الامام أحمد الحسن سلام الله عليه (تهتم في صحراء المادة)
    اذن ، نحن أمام صحراء التيه ، المختزلة في المادة ، فالعصر الحالي هو عصر تتزاحم فيه الماديات وتفوقت على الوجود البشري ، بل وفاقته في عدة مجالات ، وصادرت عليه وجوده ، وبدأت تزاحمه وكأنها في نهاية المطاف ستحل محله.

    ان انشغال الفرد أو الجماعة في المادة أو عدة مواد في هذه الحياة ، تجعله لا يكاد ينتقل من صحراء حتى يدخل ويتيه بالأخرى . حتى يصبح معتادا على غربته الداخلية ، التي زينت له الأنا وجوده وانعزاله الداخلي.

    ولكن ، هل كان هذا التيه بارادته أم بارادة غير؟

    الناس مسئولون ، ومكلفون بالبحث والاتباع ، ولكن مع خضم ومرارة الغربة الداخلية التي وضع الانسان نفسه فيها ، جعلت منه لا يبصر إلا عالمه الداخلي فقط. ولكن العالم الخارجي يبقى بالنسبة له سر يصعب حله ، خاصة تلك الروحانيات.

    مثال/ كمن اتخذ له بيت من خلال المقطورات ، اي المنازل المتحركة التي ترجها العربات ، كالتي تستخدم في الرحلات.

    فنجد بأنه منزل متحرك فيه كل مقومات الحياة ، أثاث فاخر وطعام وماء...الخ ، ومع كل هذا ، فهو منزل يجره الآخرون حيث شاءوا. يبقى الفرد راضيا بوجوده في جوف هذا المنزل المنتقل. وما أن يخرج حتى يجد نفسه في الصحراء ، ومنزله المنتقل هذا ليس سوى وهم.
    ولا يستطيع التخلص منه هذا الى من يستطيع ان يخرج من غلاف المادة التي احطت بالصحراء .
    ولكم هذا المثال لتقريب الصورة: الكرة هي المادة ، وبجوفها الهواء المحتبس وهو الصحراء

    اذن ، فكم كرة موجودة الآن في حياتنا؟
    وما هي احجامها؟

    لعلها تتعدد لدى البعض ، خاصة أولائك المنغمسين في وحل الماديات ، فتتعدد بتعدد انصهار الفرد أو المجتمع في كل ما هو مادي ، وكل ما هو ملموس ، وكل ما هو مجسّم ، وكل ما هو مرأي. فلا قابلية للفرد أو الجماعة الا مع معرفة واتباع راية المادة.

    الى أن اصبحت عقول الناس لا تنتمي الا للخرسانات الاسمنتية ، والحديد الصلب ، حتى اصبح الناس أشباه المباني المتراصة الجامدة وان تعددت طوابقهم وارتفعت ، وان كثر سكانها ومستأجريها ، فلا هم الناس هؤلاء سوى جمع محاصيل قيمة الأيجارات الوهمية التي أودعوها في بنوك الصحراء. وسيذهب عملهم هباءا منثورا.

    وفي مجمل الالتهاء في الدنيا وببعض علومها العبثية ، والسعي الحثيث للحصول على كل ما هو مادي ، بل واصبح التنازع عليها (اي الماديات) وهم الناس بجمعها والنيل منها ، إلا أن الحقيقة هي بأن تلك الماديات كوحش يلتهم الناس التهاما وهم لا يشعرون ، حتى الناس اصبحت تنقاد لذلك وهم مسلوبون الوعي والادراك. فاصبحت المفردات المادية المدركة هي القيمة الوحيدة والأساسية التي من خلالها يستطيع الفرد والجماعة ان يتعاملون مع هذه الدنيا.

    اذن ، فالناس باتت لا تدرك إلا كل ماهو مادي وملموس ومرئي ، وتعطلعت مع ذلك اتصالهم بالروحانيات ، وانقطع عنهم (بارادتهم) عن الملكوت ، وبل وباتوا في شك وريبة حتى من أن يتوجهوا للسؤال عن الخالق عز وجل والاتصال به من خلال الاستخارة. ففي يقينهم حتما بأن الله عز وجل لا يجيبهم.
    فان لله وان اليه راجعون.

    وكأن الانسان التائه قد تضاربت مصالحه ان خضع للتسليم ما بين روحه التائهة من جهة ، وجسدة وعقلة المنصهر في عالم المادة من جهة أخرى.

    فنحن في نهاية الأمر ، قوالب ، قد تكون قوالب ذات شكل ونهج اجتماعي خاص في محيط خاص. أو قالب اقتصادي ، أو قالب سياسي صاغته الأحزاب أو التعصبات الدنيوية أو قوالب دينية أو مذهبية وان كان الصراع يدور في المذهب الواحد.

    فقد تشكلت السنتنا وحركتنا وعقولنا وتوجهاتنا وسعينا فيما يتلائم مع شكل ذلك القالب والذي ارتضيناه لأنفسنا برضاء منا وبغفلة وجهل وحماقة. فالقواعد التأسيسية التي خطط لها مهندسو هذا العصر قد بنينا عليها المباني المتعددة الطوابق ، فان كان الأساس فيه خلل ، فلا رجاء مرجوا مما قد بني عليه ، اذن ، لا بد من هدم الأساس ، وهدم الأساس يتطلب ازالة كل ما فوقه وكل ما قد بني عليه ، فالأمر بحاجة لشجاعة ، بحاجة لحرية ، لا بد من تحرير العقل ، وهذا ما لا يتقبله الكثير ، لأنها مادة ملموسة ، مادة مرئية ، وهي تشكل أحد أهم المصاديق لدى الناس (ان لم يكن أصل) ، فهذه المباني المادي في فكر الفرد والمجتمع قد حجبت نور الشمس عن أرضية تلك المدينة الأسمنتتية والخرسانات الصلبة المسلحة بالحديد ، وقد حجبت ساكنيها من الاتصال والايمان بالروحانيات ، فالموانع المادية وحضورها في عقل الناس (كما يعتقد بها الماديون) جعلت من فهمهم ينحصر مع قاموس خاص ، قاموس لا يحتوي الا على ترجمة المعاني المادية فقط.

    س / وبات فهم الدعوات الهية مرتبط ارتباط وثيق بالمادة ، وكيف يكون ذلك؟

    ج / انظروا لمن يطلب دوما أن يرى صورة للامام عليه السلام.
    بل انظروا لمن يطلب المعجزة القهرية ، كمن طلب ان تنقلب لحيته لسوداء ، وهناك من يطلب أن يرى الامام عليه السلام في أحد القنوات ليدعو أو يناظر مثلا ، و... ، و... ، ... إلخ.

    ولعل من أهم دواعي ذلك هو اتكال الناس على من يقرأ عنهم ويفهمهم وفق فهمه الخاص ، والناس قد صكت صكوك الوكالة العامة والخاصة للآخرين من البشر كي ينوبوا عنهم بتصدير لعقولهم العلوم والفهم. فتجردت عقولهم من الركون واللجوء الى التحصيل والفهم ، فباتوا لا يقرأون ، وان قرأوا فلا يتعدى لذلك سوى تحريك السنتهم ليس إلا.

    فالخرسانات والمباني التي لا يسكنها إلا أشباح أوهامهم ، أشباح خرافية ، أشباح غير محسوسة وغير ملموسة ، لأنها أشباح صحراوية ، خاوية ، فلا تحتوي على على تلك الأتربه التي تغطي الصحراء الخالية من الدلالات والزرع ، ولا يسكنها إلا العقارب والسحالي والثعابين والجرابيع ، فلا مساكن بها إلا الجحور المظلمة ، فلذلك تجد ساكنيها لا يكادوا ان يستقروا في موضع واحد ، فهم في حركة دائمة من الترحال والحركة المتعبة والمضنية في طلب الماء ، وان وجدوا الماء استنزفوه ، فتجدهم يتحركون ويرتحلون مرة أخرى تل والأخرى للبحث وهكذا ، فتجد أنفسهم وضمائرهم تائهة غير مستقرة من نهج اللاستقرار ، فينتج عن ذلك عدم وجود ولاء حقيقي لديهم لتلك الأرض ، فولائهم فقط في طلب الماء ليس إلا مخالفة العطش والجفاف لهت قلوبهم بأن يلجأوا الى الله عز وجل ، على الرغم من أن عبق الواحات بقربهم ، لكنهم يشتوحشون ساكنيها ، فغابت عن تلك الواحة عن أعينهم رغم قربها منهم، لذلك هو تائهون في صحراء المادة.

    فستار المادة قد احال بينهم بين معرفة الله عز وجل ، وتوهموا بأن الله لا يسمع دعائهم ولا يستجيب ، بل توهموا بأنهم ليسوا أهلا لذلك ، فلا بد من وجود وسيلة ، ففرضت عليهم وسيلة علماء آخر الزمان وفقهاء الضلالة فارتضوها لأنفسهم ، فاتبعوهم وهم في حالة غير واعية (وبارادتهم) ، فباتوا ينتقلون من قالب الى قالب حتى قست فطرتهم وتحجرت ، فلا طائل أو فائدة مرجوة من ماء السماء أن يشربوها ، فماء السماء لا يكاد يستطيع أن يخترقهم أو حتى يبلل قوالبهم ، لذلك هم دوما تجدهم عطاشا حثيثون دوما في طلب ماء المادة ، فادمنوها واقتاتوا عليها.

    ان عملية تكسير صدفة المادة الصلبة ، تحتاج أولا لمعرفة تلك المادة التي غلفتهم باحكام واحكمت زواياها عليهم ، كي يتم اخيار الآداة المناسبة لهم ، وبعد ان يتم تكسير غلاف المادة ، سنجد بأن داخلها صحراء شاسعة ، واسعة ، خاوية ، جرداء ، فيكون حينها البحث فيها عن روح الفرد التائه فيها ، عل وعسى أن يتم انقاذ روحه التائة والضائعة وانتشاله عبر رمي طوق النجاة له.




    * وقفة مع ، غلاف المادة .

    تتشكل غلاف المادة مع احتكاك الفرد بعدة عناصر دنيوية وحياتية ، فالمادة تلك يزداد حجمها مع زيادة سماكة جدارها شيئا فشيئا ، ويترتب على ذلك زيادة بالوزن ، هذا الوزن الذي من شأنه يجعل من الفرد يغرق وينغمس بالظلمة.

    فالمادة تتأصل بتأصل نحو السعي للشهوات والرغبات الجسمانية والفكرية الدنيوية التي تبعد الفرد عن الله عز وجل وعن الملكوت وعن معرفة الحق والاتصال به. فالمادة تعمل على عزل صحراء الفرد عن الاتصال بالملكوت ، فالمادة هي حائل وعازل ومانع.

    المادة مما تتكون؟
    ان الرغبات (المادية الجسمانية الدنيوية) لها علاقة وثيقة بتشكيل محتويات تلك المادة ، مثلا:
    - حب السيارات
    - حب الاقتناء
    - حب المال
    - المأكل
    - المشرب
    - الملابس
    - الاكسسوارات ...الخ

    وهناك رغبات (نفسية دنيوية) ولها علاقة وثيقة بتشكيل المادة ومحتويات تلك المادة ، وهي الأصلب والأشرس في حيات الفرد والجماعة ، مثلا:
    - الشهوات
    - الرغبات
    - حب الحياة والتشبث بها
    - البخل
    - الكره (الكراهية)
    - النميمة
    - التلفاز بمحتواياته البصرية والسمعية التي لها تأثير في اللاوعي لدى المشاهد والمتلقي.
    - الحسد ...الخ

    اذن فالانسان خليص ما بين الملموس والمحسوس ، العام والخاص ، الكل والجزأ ، الحار والبارد ، نور وظلمة ...الخ.

    فهذه العناصر المتلاطمة في حيات الفراد ، أتت ضمن خياراته التي ارتضاها لنفسه حتى لوثت فطرته ولوثت ساحته ونسفت كل طرق وعلامات الارشاد للحق ، فتشكلت صحراءه.
    فقد استبدل الفرد الطرق واللوحات الارشادية السماوية بمباني أخرى اسمنتية ملموسة صنعها الأنسان ، إلا أنها وهمية. فان كان يعتقد هذا الفرد بأنها حقيقية ، لكن في حقيقة الأمر بأنها طرق ولوحات ارشادية لا تحقق له الوصول نحو الحقيقة.



    * وقفة مع ، قاموس المادة.

    ومع وجود كل هذه المفردات بمجملها (حول الفرد) اصبحت له لغة خاصة يتفاهم بها ومن خلالها ، ويعبّر بها ومن خلالها ويعيش عليها ويقتات ويستمر. وقد نبذ عن حياته المفردات التي من خلالها يتعرف على حجج الله عليهم السلام ، فكل ما يأتي بخلاف قاموسه الخاص يكون غير مفهوم، وكأنك في هذه الحالة تلقي محاضرة بلغتك الخاصة أمام جمع من الذي لهم لغة مغايرة ولا يفهوم لك.

    فالانسان المادي يرغب بأن يكون المنصب من الله عز وجل أن يكون خارق للعادة ، لا تدركه الحواس التي اعتادت على المادة ، وأن يكون المنصب من الله عز وجل خارق للعادة وما فوق الطبيعة ، وأن يأتي بأمور تكون قهرية على الفرد والجماعة ، فإبليس لعنه الله استطاع عبر ضعف الانسان (بارادته) ان يجره جرًا حيث هو يريد ، فانغمس الفرد في الجهل وعاش في صحراء مادته الخاوية المترامية الأطراف ، ففي هذه الصحراء الحرارة الشديدة ، فكل ما يأتي من دلالات الهية سرعان ما تموت في تلك الصحراء الخاصة بالفرد ، لأن لا وجود لسبل الحياة لديها ، لا وجود إلا فقط لتلك القضبان الحديدية التي يحيطها النفط.

    أن تلك القضبان هي بمثابة غرس ، غرس كان يعتقد بها الفرد بأن زرق ، والنفط ليس سوى حالة وهمية كان المراد منها أن تكون بمثابة ماء يصب عليها ، بغية أن يخلق هذا الفرد التائهة بأنه يصنع واحة غناء. فيذهب عمله هباءا منثورا.



    * وقفة مع ، الناقص والكامل.

    هناك فرق بين اتجاهين مختلفين في عملية البحث عن الحق:
    1- اللجوء للناس ، لمعرفة حجج الله.
    2- اللجوء لحجج ، الله لمعرفة الناس.

    ولعل ، بل ومن المؤكد بأن ما قد اوردناه في النقطة رقم (1) تبدو هي الخارطة الشرعية (لدى المغيبون والمسلوبون الادارة والتائهون) وتعد البوصة الصحيحة بالنسبة لهم لمعرفة الحق ، علما بأن الناس التي تلجأ لهذه البوصة لمعرفة الاتجاهات ، هي أناس مدركة تمام بأن ليس هناك أحد عقله كامل (على حجج الله) ، فكيف اذن يلجأوا للناقص لمعرفة الكامل؟!

    هذه المنهجية في الحياة ، أتت بسبب أن عدسة العقل التي يرى بها الناس (التائهون) هي عدسة عليها الكثير من الغبار ، ومخربشة فمنها ما يحتاج للتنظيف ومنها من يحتاج للتبديل.



    *وقفة مع ، العدسة مقلوبة (كل شيئ بعيد).

    نعم ، كثير من تلك العدسات مقلوبة تماما 180 درجة ، فالقريب يرونه بعيد ، واذا سألتهم عن المسافة ، سيقولون: مسيرة أيام . على الرغم من أنه لو مد يده ، لنال الحقيقة القريبة منه ، التي هي بالاساس قريبة من عقله.



    *وقفة مع ، العدسة مقلوبة (كل شي قريب)

    وهناك عدسات خادعة ، واهمة ، مضلة ، تجعل من البعيد قريب جدا ، قريبة من عدستهم ، ولكنها في الحقيقة ، هي بعيدة.

    ونتيجة هذه العدسات تأتي من خلال بعض الكذبة (جمع كذاب) الذين وضعوها على عقول الناس، التي سلمّت أمورها لهؤلاء صنـّـاع العدسات.

    قال الامام علي لأنه الحسن عليهما السلام: "... يا بني إياك ومصاحبة الكذاب ، فأنه كالسراب يرقب عليك البعيد ويبعد عن القريب..."

    ومع هذا الجهل المقنع بالتسليم لفقهاء آخر الزمان ، وهو أن يكون الناس غير أحرار في دينهم (فقط) جعل من بوصلتهم تخطئ الاتجاهات الإلهية ، ويبدون غير واثقين باللجوء لكلام آل محمد عليهم السلام والذي هو أبين من الشمس. وكأن غاب عنهم بأن الأئمة وحجج الله عليهم السلام ليسوا بحاجة الناس ، بل هم (اي الناس) من بحاجة الحجج اينما كانوا في كل مكان وزمان.

    لكن ، تبقى هذه الحقيقة غير مترسخة وغير ثابتة وغير مكتملة اليقين لديهم ، فتاهوا في تلك الصحراء الواسعة في المادة التي انشغلوا بها ، فباتوا لا يرون في تلك الصحراء سوى ظلهم ، فانتبهوا لوجودهم من خلال ظلالهم ، فعرفوا بأن هذه الظلال لهم ، تخصهم ، فانشغلوا اعجابا بهذه الظلال ، فنبتت الأنا معها ، وجهلوا كل الجهل بأن الظلال هذه ، مصدرها الشمس . فهم إن كانوا يطلبون الشمس ، فهم بالحقيقة يطلبونها كي تستمر ظلالهم وهم لا يشعرون بذلك. لأن الجهل قد عم عقولهم وتلبست الأنا وسكنت صدورهم.



    *وقفة مع ، الشمس والظلال.

    وقد تناسوا بأن الظلال تلك ، تأتي دائما عكس اتجاه مصدر الشمس. فان كان الشمس بالشرق فيكون الظلال متجها للمغرب ، وان كانت الشمس منتصبة في الأعلى ، فيكون الظلال أدنى من ما يكون به جسم الفرد.

    وقد تناسوا بأن أجسادهم تقع في منتصف (من الناحية التراتبية) ما بين الظلال والشمس ، فهم أقرب للشمس من ظلالهم. والظل بالحقيقة دليلا علة وجود الشمس ، ولكنهم اقتنعوا بأن ظلالهم دليل على وجودهم هم.

    فكلما غابت الشمس ونزلت عنهم ، كلما طالت معها ظلالهم ، فتباهوا بها ، حتى صارت تلك الظلال أطول منهم، ثم ، شيئا فشيئا، تلاشت الظلال ، مع مغيب الشمس ، فاصبحوا يتخبطون في صحراء مظلمة ، تائهون ، لا يتلمسون حتى أثار أقدامهم وللأسف ، نعم ، للأسف بأن هؤلاء بعد ان كانت الشمس دليلا لهم ، باتوا يتبعون آثار الأقدام وهو الانحطاط بعينه ، تلك الأثار التي سرعان ما تزول مع أقل نسمة هواء من تلك الصحراء ، فلا أثر له يبقى.



    *وقفة مع ، الدروع الحديدية والخلاص.

    كان الناس ولا يزالون يحقنون أنفسهم بمضادات على اعتبار انها تحمي الجسم من الهجمات المتتالية لتلك الجراثيم والفايروسات ، حتى أصبح هذا الجسد لا يكاد يعتمد على نفسه بالحماية والتحصين الطبيعي ، فأصبح الجسد يعتمد اعتمادا تاما على تلك المضادات والتي تأتي بتأثيرات جانبية من شأنها أن تحطم ما بداخل هذا الفرد.

    ونعني هنا بتلك المضادات ، هي الركون واللجوء الى بعض العلوم والأفكار والمنهجيات والأسس والاعتقاد...الخ ، التي كان ولا يزال يستقيها من الأفراد لا مو حجج الله .

    فعبر القراءات الخاصة بهم (التائهون) كانوا يظنون بأنها هي تلك الدروع التي تحميهم من ضربات كل ما هو جديد عليهم (حتى وان كان هذا الجديد مغاير لما كان به يعتقدون) ، لأنهم فرحون بما لديهم.

    فالناس ، ومع وجود هذه الدروع الحديدية التي غلــّـفوا بها صدورهم (ظننا منهم بأنها دروع للحماية والوقاية) تجدهم يلهثون عند السير بسبب ثقل تلك الدروع ، تجدهم عطاشا يطلبون الماء دوما بسبب الحر الشديد الذي يصيبهم كلما ظهرت الشمس ، لأن حرارة الأمر يكون بالنسبة لهم عال جدا اذا ما قورن بالحرارة الفعليه للشمس الدافئة ، فتراهم يختبئون منها ويحتمون خلف الجدران ، ظننا منهم بأن الشمس هي التي تحرقهم ، ولكن الحقيقة بأن تلك الدروع الحديدية هي التي ترفع درجة حرارتهم وتحبس الحر في جوفهم.

    وان أرادوا التخلص من تلك الدروع ، فهم بالأساس قد قفلوا عليها بالأقفال المحكمة ، وتناسوا بأن مفاتيح تلك الأقفال هي بيد من أرشدهم لتلك الدروع وشار عليهم بوضعها وفق خلطة معدنية خاصة وتركيبة غير مفهومة.

    اذن ، وفي هذه الحالة ، لابد من متمرس قادر على صنع مفتاح يستطيع أن يفتح كل تلك الأقفال لتلك الدروع الحديدية الثقيلة الساخنة التي طوقت صدور الناس.

    مع ذلك ، نجد من يرفض أساسا أن يتم فتح تلك القفال التي أحاطت الصدور ، خوفا منهم بأن وضعيتهم في جوف تلك الدروع هي أفضل بكثير من لتعرض لنسمات الهواء النقية ، جهلا منهم خوف وعناد.
    وتمسكهم بتلك الدروع ووجود صدورهم في جوفه يعد (بالنسبة لهم) هو الجمال الذي يخفي ذلك التفسخ وذلك التشوه الذي اصاب صدورهم بسبب تخمـّـر جلودهم المقرحة والتي لا تنزف إلا القيح.
    ويظن البعض الآخر ، بأن وجود تلك الدروع على صدورهم بأن نوع من أنواع التحمل والجهاد ، فالدرع ثقيل ، حار ، عفن ، جميل في ظاهرة ولكن جوفه صدئ ، مدبب ، لا يستطيع معه أن يتحركوا حركة طبيعية ، وهو يشعرون بذلك الألم ، لكنهم يحتملونه بحب على فرضية بأن في ذلك أجرا عظيما.

    وذهب علمهم هباءا منثورا

    الناس ، ومع هذه الأحمال الثقيلة يجدون مساعدة من صانعي تلك الدروع ( وهم فقهاء آخر الزمان المضلين) فكاد الناس لا يستطيعون الحركة والتحرك إلا مع مساعدة هؤلاء (علماء الظلالة) لهم بالسير والمسير. وقد سلبوا اليقين والارادة بأنه الجهاد الحقيقي هو بأن يتخلص الفرد من تلك الدروع لا أن يكون بجوفه.



    * وقفة مع ، جلد الذات.

    التمسك بتلك الدروع الثقيلة ، والاصرار بالتواجد في جوفه الصدئ (اي الدرع الوهمي) وتحمله هذا العبئ الغير مبرر ، هو بمثابة جلد للذات ؛ ويتصوّر (في فكر ذلك الانسان المحبوس في الدرع الحديدي) بأنه يعذب نفسه في مقابل تحمل هذا الدرع فيه جهاد وثواب وأجر عظيم ، وكأنه اشترط وتصور في داخله بأنها تكون فيه قربى الى الله تعالى.


    * ختاما.
    في هذا الزمن ، مع هذه النمطية والمنهجية لجمل الحياة بمعطياتها ، التي ضربت بجذورها بالكبير وبالصغير ، بالفرد وبالجماعة ، فقد ضرب بأعماق أرضهم الخاوية ، حتى توهم البعض (ولعلها حقيقة) بأن اقتلاع تلك الجذور الفاسدة بات من المستحيل.
    متناسين بأن هذه الجذور الضاربة في عمق منهجهم ، تمتص كل ما تبقى من روحهم الانسانية ، فماتوا اسرى ، عبيد ، لتلك الجذور المادية.
    ولكي يعوض هذا الفرد تلك النواقص التي تناقصت بسبب امتصاص تلك الجذور الفاسدة من حياته ، لجأ لأسلوب أقل ما يكون في مراتبه الدنيئة ، وهي : فقد مد هذا الفرد بجذوره (من جهته) في صحراء المادة ، ظنا منه بأن يعوض النقص الذي ابتلي فيه ، وبارادته.

    ونحمد الله حمدا كثيرا حيث فضلنا على كثيرا من خلقه، والحمد لله على نعمة الهداية. الحمد له وله المنة بأننا اتبعنا أمر أهل بيت العصمة ، فأمرهم أبين من الشمس ، ونسأل الله الثبات ، وأن لايستبدل بنا أحد غيرها ، اللهم مكن لوليك الامام أحمد الحسن عليه السلام .

    اللهم صلي على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    * * *

    العبـد الحقيـر الفانـي الجاهل
    مشعــل الموســى
    Last edited by المعدن; 28-10-2012, 16:15.
    خادمكم المعدن
    اللهم صل على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎