إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • اختياره هو
    مشرف
    • 23-06-2009
    • 5310

    دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

    دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

    الإشكال الأول: إنّ النبي (ص) أعطى لعلي (ع) أسماء وقال له لا تصح لأحد غيرك، فقال (ص) : (سماك الله تعالى في سمائه: علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك). بينما في آخر الوصية أعطى لابن محمد بن الحسن (ع) اسم المهدي فقال (ص): (له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، ..).

    فكيف يقول لعلي (ع) هذه الأسماء لا تصح لأحد غيرك ويسميه المهدي، ثم يعطي لابن محمد بن الحسن (ع) اسم المهدي، أليس هذا تناقضاً ؟


    الجواب:

    أولاً:
    لاحظوا يا أولادي أنّ النبي محمد (ص) له اسمان اسم في السماء، واسم في الأرض.

    قال عيسى بن مريم (ع) لبني إسرائيل كما يقص القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين﴾([1]).

    وروي: سأل بعض اليهود رسول الله (ص): لم سميت محمداً واحمداً وبشيراً ونذيراً ؟

    قال: (أمّا محمد فإني في الأرض محمود، وأمّا أحمد فإني في السماء أحمد منه، وأمّا البشير فأبشر من أطاع الله بالجنة، وأمّا النذير فأنذر من عصى الله بالنار،...) ([2]).

    في الوصية أعطى الرسول (ص) لعلي (ع) أسماءً في السماء، ومنها المهدي، فقال (ص): (سماك الله تعالى في سمائه: ،...، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك)، وهذا لا ينافي أن يكون هذا الاسم لابن الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع) في الأرض، ومن هنا تعرفون سطحية وضحالة من يقول بهذا الإشكال.

    ثانياً: أنّ الأسماء بمجموعها لا تصح لأحد غير أمير المؤمنين (ع)، وهذا لا ينافي تسمية أحد أولاده بإسم منها.

    الإشكال الثاني: إنّ الوصية تقول بأنّ الرسول (ص) قال لعلي بن أبي طالب (ع): (يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا برئ منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي).

    فما معنى أنّ علياً (ع) يكون وصياً للنبي (ص) على أهل بيته ونسائه بحيث يوكل النبي (ص) له أمر الطلاق، فمن طلقها علي (ع) لم تر النبي (ص) في عرصة القيامة، ومن ثبتها علي (ع) تلقى النبي يوم القيامة، والحال أنّ المرأة تعتد عدة الوفاة بعد وفاة زوجها، وتكون منفصلة عنه قهراً، ولها الحق أن تتزوج غيره إذا انتهت عدة الطلاق. فما معنى قول النبي المتقدّم لعلي بن أبي طالب (ع) ؟


    الجواب:

    ـ هناك مختصات للنبي وأحكام خاصة به، منها تعدد الزوجات، فله (ص) أن يتزوج بأكثر من أربعة، ومنها عدم جواز زواج نسائه بعد وفاته، فهذا الحكم الذي جاء في الوصية من تلك الأحكام الخاصة به (ص)، بل من النص نستكشف ذلك.

    ـ بل يمكن القول بأنّ هذا الحكم من مختصات خليفة النبي (ص) ووصيه، الذي هو أولى من المؤمنين بأنفسهم، فيكون له الحق حتى في طلاق زوجات النبي (ص) من بعد وفاته.

    فمن ثبتها وصيه علي (ع) تلقاه غداً في يوم القيامة، ومن طلقها علي (ع)، فهو (ص) بريء منها يوم القيامة، ولا تراه ولا يراها.

    الإشكال الثالث: إنّ الوصية تقول إذا حضرت الإمام المهدي (ع) الوفاة فليسلمها إلى ابنه، ومعنى ذلك إذا لم تحضره الوفاة فلا يسلمها إليه، وهذا هو المعروف من أنّ الوصي يكون بعد وفاة الموصي لا قبله، بينما أحمد الحسن (ع)، ادعى الوصية في حياة أبيه الإمام المهدي (ع).


    الجواب:
    ـــ إنّ أحمد الحسن (ع) وصي أبيه لورود اسمه في الوصية، فهو الوصي لأبيه، وهذا مما لا إشكال فيه، كما أنّه رسول أبيه إلى الناس، وبهذه الصفة - أي كونه رسول أبيه إلى الناس - يكون هو اليماني كما تقدّم، وقد ثبت حرمة الالتواء عليه، كما أوجبت الروايات المبادرة إلى نصرته وخصوصاً الروايات التي دلت على خروج شاب من أهل بيت الإمام المهدي (ع) في المشرق، وقد عرفنا فيما تقدّم أنّ ذلك الشاب هو ابن الإمام المهدي (ع) المذكور في رواية رسول الله (ص).

    فهو احتج بالوصية لورود اسمه فيها، كما ووصفته الوصية بأنّه أول المؤمنين، بمعنى أول أنصار أبيه (ع) وعليه فلابد أن يكون موجوداً في زمن الظهور المبارك، ومن هنا قلنا سابقاً باتحاد لفظي اليماني والمهدي الذي هو الاسم الثالث لابن الإمام محمد بن الحسن (ع) في شخص واحد، و هو (أحمد).

    ـــ ثم إنّ الأوصياء دائماً نجدهم في حياة الموصي، فقد كان هارون (ع) وصياً لموسى (ع) في حياته.

    قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾([3])، وكان هارون واجب الطاعة عند غياب موسى(ع) .

    قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾([4]).

    كما كان الإمام علي (ع) وصياً لرسول الله (ص) في حياته.

    روى الكليني بسنده: (جاءت أم أسلم يوماً إلى النبي (ص) وهو في منزل أم سلمة، فسألتها عن رسول الله (ص)، فقالت: خرج في بعض الحوائج والساعة يجيئ، فانتظرته عند أم سلمة حتى جاء (ص)، فقالت أم أسلم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني قد قرأت الكتب وعلمت كل نبي ووصي، فموسى كان له وصي في حياته ووصي بعد موته، وكذلك عيسى، فمن وصيك يا رسول الله ؟ فقال لها: يا أم أسلم، وصيي في حياتي وبعد مماتي واحد، ثم قال لها: يا أم أسلم، من فعل فعلي هذا فهو وصيي، ثم ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها بأصبعه فجعلها شبه الدقيق، ثم عجنها، ثم طبعها بخاتمه، ثم قال: من فعل فعلي هذا فهو وصيي في حياتي وبعد مماتي.

    فخرجت من عنده، فأتيت أمير المؤمنين (ع) فقلت: بأبي أنت وأمي، أنت وصي رسول الله (ص)؟ قال: نعم يا أم أسلم. ثم ضرب بيده إلى حصاة ففركها فجعلها كهيئة الدقيق، ثم عجنها وختمها بخاتمه....
    ) ([5]).

    وكان الإمام الحسن (ع) وصي أبيه في حياته، وكان الإمام زين العابدين (ع) وصياً لأبيه في حياته، وهكذا سائر الأئمة (ع)، فكذلك اليوم أحمد الحسن (ع) وصي أبيه في حياته.

    الإشكال الرابع: إنّ رواية الوصية في متنها اضطراب، وجاء هذا الاضطراب، من أنها تقول أنّ لابن المهدي (ع) ثلاثة أسماء، ثم تذكر أربعة.


    الجواب: في الحقيقة أنّي لأعجب بل لا ينقضي عجبي من هكذا كلام، والسر في ذلك أنّ رواية الوصية لم تذكر أربعة أسماء بل ذكرت ثلاثة، ولا أعلم كيف فهم المستشكل أنها أربعة أسماء، وإليكم العبارة لنرى ماذا نفهم منها.

    قال (ص): (ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين).

    فلاحظوا:

    الاسم الأول: أحمد، والذي قال عنه رسول الله (ص) اسم كاسمي، وهو بين المراد من اسمه فقال (ص): أحمد. فلفظ أحمد هو شرح لقول رسول الله (ص) (كإسمي).

    الاسم الثاني: عبد الله، وهو الذي قال عنه الرسول (ص): (كإسم أبي)، فلفظ عبد الله شرح لقول (ص): (كإسم أبي).

    الاسم الثالث: المهدي، وقد صرحت الوصية بذلك فقالت: (والاسم الثالث: المهدي).

    هل لاحظتم ؟ إذن فكيف يقال بأنّ رواية الوصية تقول له ثلاثة أسماء وتذكر أربعة ؟

    إنّما يدل هذا الكلام على سطحية قائله، أو إفلاسه، لذا تراه يتعلل بأوضح الأمور ويعتبرها إشكالاً !

    الإشكال الخامس: إنّ الرواية لا يوجد فيها تصريح بأنّ الإمام المهدي (ع) يسلم الإمامة والقيادة العامة لابنه، إذ ابنه هو أول المهديين (ع) وقد جاءت الرواية تصفهم بأنّهم قوم من شيعة أهل البيت (ع)، كما جاء ذلك في الرواية.
    عن أبي بصير، قال: (قلت للصادق جعفر بن محمد (ع): يا ابن رسول، إني سمعت من أبيك (ع) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً. فقال: إنما قال: اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([6]).

    فيتعين أن يكون المقصود من قوله (ص): (فليسلمها،...) هو تسليم بعض المسؤوليات الدينية لا الإمامة والقيادة العامة.


    الجواب: أنّ الأمر الذي يسلمه الإمام المهدي (ع) لابنه هو منصب الإمامة العامة وخلافة الأرض، والذي يدل على ذلك وحدة السياق، حيث إنّ هذه العبارة جاءت في سياق تسليم الأئمة الإمامة والوصاية أحدهم لآخر، فكذلك يكون تسليم المهدي (ع) لابنه، فما يسلمه الحسن العسكري (ع) لابنه محمد بن الحسن (ع) عينه يسلمه محمد بن الحسن (ع) لابنه؛ لأنّ السياق في الجميع واحد.

    وأمّا الرواية التي عن الإمام الصادق (ع) والتي تقول بأنّ المهديين قوماً من شيعتهم، إنما تدل على أنّ مقام المهديين (ع) أقل من مقام الأئمة (ع)، كما أنّ مقام الأئمة أعلى من مقام الأنبياء سوى النبي محمد (ص)، فهو لا يدانيه في المقام أحد. أو أنّ الإمام الصادق (ع) قد استعمل التقية لوجود من يتقى منه، أو أنّ الإمام لا يريد أحداً يتعرّف على هذا السر لخوف الإذاعة وما إلى ذلك.

    الامام (ع) صحح قول ابيه ولم ينف مقاما :
    فـليس في مقام نفي الإمامة عن المهديين (ع) بل أكد على أنّ أبيه الإمام الباقر (ع) قد قال: (اثنا عشر مهدياً) ولم يقل: (اثنا عشر إماماً)، وهذا لا يستفاد منه نفي الإمامة عنهم، فإثبات نص ما قاله الإمام الباقر (ع) شيء ونفي الإمامة عن المهديين شيء آخر، وخصوصاً إذا علمنا تصريح الأئمة (ع) بأنهم يتكلمون على سبعين وجه وكل وجه لهم منه المخرج كما تقدّم ذلك في المقدمة الأولى من القسم الأول من هذا الحوار.

    فالمهديون حجج كسائر حجج الله تعالى، ولا ينافي ذلك كون مقامهم أقل من مقام الأئمة (ع) كما لا ينافي كون الأنبياء حججاً لكن مقام محمد (ص) أعلى من مقامهم (ص).

    هم قوم من شيعتنا
    لقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾([7])، إنّ إبراهيم (ع) من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

    عن أبي بصير، قال: سأل جابر الجعفي أبا عبد الله (ع) عن تفسير قوله (عز وجل): ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾، فقال: (إنّ الله لما خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش فقال: إلهي ما هذا النور ؟ فقال له: هذا نور محمد (ص) صفوتي من خلقي.

    ورأي نوراً إلى جنبه فقال: إلهي وما هذا النور ؟ فقيل له: هذا نور علي بن أبي طالب (ع) ناصر ديني. ورأي إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال: إلهي وما هذه الأنوار ؟ فقيل له: هذا نور فاطمة (ص) فطمت محبيها من النار ونور ولديها الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال: إلهي وأرى أنواراً تسعة قد حفوا بهم ؟ قيل: يا إبراهيم، هؤلاء الأئمة (ع) من ولد علي وفاطمة.

    فقال: إلهي أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يحصى عددهم إلاّ أنت ؟ قيل: يا إبراهيم، هؤلاء شيعتهم شيعة علي (ع).

    فقال إبراهيم (ع): وبم تعرف شيعته ؟ قال: بصلاة الإحدى والخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختم باليمين.

    فعند ذلك قال إبراهيم: اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين (ع). قال: فأخبر الله في كتابه فقال: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾
    ) ([8]).

    بل روي أنّ الحسن والحسين (عليهما السلام) من شيعة الإمام علي (ع) في جواب الرضا (ع) لمن زعموا أنهم من شيعة علي (ع)، قال: (... ويحكم، إنما شيعته الحسن والحسين وأبو ذر وسلمان والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره ... ) ([9]).

    وبنفس هذا الاعتبار يكون المهديون (ص) من شيعة الأئمة (ع)، لكن مقام المهديين أيضاً أعلى من مقام الأنبياء (ص) غير محمد (ص)، وقد تقدّم تفصيل ذلك.

    ــ ثم إنّ الروايات قد أعطت للمهديين القيادة العامة بعد الإمام المهدي (ع)، وسمتهم أئمة وقوّاماً :

    عن الإمام الصادق (ع)قال في أحد الأدعية المشهورة: (اللهم كن لوليك القائم بأمرك محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ومؤيداً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طولاً وعرضاً وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين) ([10]).

    وجاء في الدعاء عن الإمام المهدي (ع) في كيفية الصلاة على محمد وآل محمد إلى أن يصل إلى نفسه فيقول (ع): (... اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه ... إلى قوله (ع): وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده، ومدّ في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وآخرة ...) ([11]).

    وجاء في دعاء الإمام الرضا (ع) للإمام المهدي في عصر الغيبة: (اللهم أعطه في نفسه وأهله وَوَلـَدِه وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها ... إلى أن يقول: اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وأعز نصرهم ...) ([12]).

    فكيف يمكن الاقتصار في فهم مقام المهديين (ع) على رواية واحدة كونهم قوم من شيعتنا، وتترك الكثير من الروايات الاخرى التي سمتهم ائمة وولاة عهد وقوام ؟!

    الإشكال السادس: احتمال التصحيف في كلمة (ابنه).

    قال الشيخ الحر العاملي في سياق كلام له: (...، لاحتمال أن يكون لفظ ابنه تصحيفاً، وأصله أبيه بالياء آخر الحروف، ويراد به الحسين (ع)، لما روي سابقاً في أحاديث كثيرة من رجعة الحسين (ع) عند وفاة المهدي (ع) ليغسله ...) ([13]).


    الجواب:

    أولاً: إنّ دعوى التصحيف مجرّد احتمال [في الحقيقة احتمال ساقط] لا يمكن البناء عليه مع تصريح الروايات بأنّ المهديين من ذرية الإمام المهدي (ع)، فقد رفعت الروايات هذا الاحتمال رفعاً قطعياً؛ لتصريحها بوجود ابناً للإمام المهدي (ع) يطلّع عليه في زمن غيبته، وهو المولى الذي يلي أمره.

    عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: أحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قتل، ويقول بعضهم: ذهب حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير لا يطلّع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلاّ المولى الذي يلي أمره)([14]).

    ورواه النعماني في الغيبة بهذا المتن: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلاّ المولى الذي يلي أمره)، وعلّق عليه النعماني بقوله: ولو لم يكن يروى في الغيبة إلاّ هذا الحديث لكان فيه كفاية لمن تأمله ([15]).

    عن الباقر (ع) أنه قال في حديث طويل: (... ثم قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ماخلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع، فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (ص) أم بماذا ؟! فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك. فيقول القائم: أسكت يا فلان، أي والله إنّ معي عهد من رسول الله (ص) هات لي العيبة، فيأتيه فيقرأ العهد من رسول الله (ص) فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك اقبله، فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه، ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا البيعة، فيجدد لهم البيعة...) ([16]).

    عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) أنه قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى - حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم ولو رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون: والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة ويقول: أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة فيشيرون إليهم فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها...) ([17]).
    وروى الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد عن الرضا (ع): قال: (كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([18]).
    فمع وجود كل هذه الروايات المصرّحة بوجود ابنٍ للإمام المهدي (ع) يبطل احتمال التصحيف الذي ذكره الحر العاملي.

    ثانياً: بعد أن احتمل التصحيف تكون العبارة (فليسلمها إلى أبيه) بدل أبنه، ومن هنا قال الحر العاملي بأنّ المراد من أبيه هو الحسين (ع)؛ لأنّه هو الذي يتكفل تغسيل ولده المهدي (ع).
    وهذا الاعتقاد منه (رحمه الله) بسبب رواية رواها الشيخ النعماني في كتاب الغيبة: محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (ع) فقال له: أنت إمام ؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الإمام إلاّ وله عقب. فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت ؟ ليس هكذا قال جعفر (ع)، إنما قال جعفر (ع): لا يكون الإمام إلاّ وله عقب إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول) ([19]).

    حيث إنّ الرواية تنص على أنّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين (ع)، لا عقب له، والحال أنّ المراد بلفظ الإمام فيها ليس الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع)، بل هو المهدي الثاني عشر (ع) من ذرية الإمام المهدي (ع)، وبهذا يكون الجمع بين الروايات التي تدل على ثبوت الذرية للإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، وبين الرواية التي تقول بأنّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين (ع) لا عقب له، وبين روايات المهديين (ع).

    وفي الحقيقة أنّ المرتكز في ذهن الحر العاملي وغيره أنّ بعد وفاة الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) يأتي دور الرجعة، ولذا وقفوا من روايات المهديين موقفاً سلبياً، فبين من ردّها، وبين من أولها بالرجعة، ومن الذين أولوها بالرجعة هو الحر العاملي (رحمه الله).

    ــ ثم إنّ الحر العاملي بعد أن احتمل التصحيف وأنّ المراد بابنه هو (أبيه - أي الحسين (ع))، وقع في مشكلة أخرى، وهي: أنّ احتمال التصحيف لا يرفع الإشكال بسبب ذكر الأسماء الثلاثة، وهي (أحمد، عبد الله، المهدي) فليس أحد هذه الأسماء منطبقاً على الحسين (ع)، فحتى لو بنينا - جدلاً - على التصحيف لا يثبت ما أراده الحر العاملي من حمل الروايات على الرجعة.

    ومن هنا حاول الحر العاملي لدفع ما وقع فيه فقال: (ولا ينافي ذلك الأسماء الثلاثة، لاحتمال تعدد الأسماء والألقاب لكل واحد منهم (ص)، وإن ظهر بعضها ولم يظهر الباقي ولاحتمال تجدد وضع الأسماء في ذلك الزمان له (ع)، لأجل اقتضاء الحكمة الإلهية) ([20]).

    وهكذا بناء التوجيه الثاني على صرف الاحتمال، وهو يحتمل تعدد الأسماء والألقاب لكل واحد من الأئمة (ع)، ومن هنا يحتمل أنّ هذه الأسماء الثلاثة (أحمد، عبد الله، المهدي) هي أسماء للحسين (ع) في الرجعة، بسبب تجدد وضع الأسماء في الرجعة لحكمة إلهية.

    وأنتم كما ترون ، أنّ ما ذكرهما الحر العاملي من احتمالين لا يمكن قبولهما، إذ الدليل قائم على خلاف هذا الاحتمال، فينبغي الركون للدليل لا إلى صرف احتمالات ظنية واجتهادات شخصية، وإذا انفتح باب الافتراض والاحتمال فلن يُغلق إلاّ بعد أن يُطاح بكل الثوابت.


    =====
    الهوامش

    [1]- الصف: 6.
    [2]- تفسير القمي: ج2 ص365.
    [3]- الأعراف: 142.
    [4]- طه: 90.
    [5]- الكافي: ج1 ص355.
    [6]- كمال الدين: ص358.
    [7]- الصافات: 83.
    [8]- تأويل الآيات: ص496، مستدرك الوسائل: ج4 ص187، الحدائق الناضرة: ج8 ص171.
    [9]- تفسير البرهان: ج23 مج6 ص424.
    [10]- بحار الأنوار: ج94 ص349، مكيال المكارم: ج2 ص38.
    [11]- غيبة الطوسي: ص186، جمال الأسبوع: ص301.
    [12]- جمال الأسبوع: ص309، مصباح المتهجد: ص409، مفاتيح الجنان: ص618.
    [13]- الإيقاظ من الهجعة: ص370.
    [14]- غيبة الطوسي: ص162.
    [15]- غيبة النعماني: ص176.
    [16]- بشارة الإسلام: ص227 .
    [17]- غيبة النعماني: ص187 .
    [18]- الإرشاد: ص250.
    [19]- غيبة الطوسي: ص224، دلائل الإمامة: ص435.
    [20]- الإيقاظ من الهجعة: ص370.


    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

  • اختياره هو
    مشرف
    • 23-06-2009
    • 5310

    #2
    رد: دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

    دفع ما قيل في الوصية وأخبار المهديين (ع)


    يقول من يشكل على وصية رسول الله (ص): أسند الشيخ أبو جعفر الطوسي برجاله إلى علي (ع) أن النبي (ص) عند وفاته أملا عليه وصيته، وفي بعضها: سيكون بعدي اثنا عشر إماماً أولهم أنت، ثم عد أولاده، وأمر أن يسلمها كل إلى ابنه، قال: ومن بعدهم اثني عشر مهدياً.

    قلت: الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة، وأنه لم يمض من الدنيا إلاّ أربعين يوماً فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، على أن البعدية في قوله: من بعدهم لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: (فمن يهديه من بعد الله) فجاز كونهم في زمان الإمام وهم نوابه (ع).

    إن قلت: قال في الرواية: (فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل، قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده يجوز أن يكون لوظيفة الوصية، لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه.

    قال المرتضى: لا يقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية؛ لأنّا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف وقد بينا ذلك بيانا شافيا فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم.

    وأنا أقول: هذه الرواية آحادية، توجب ظناً، ومسألة الإمامة علمية، ولأنّ النبي (ص) إن لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم، فيلزم تأخير البيان عن الحاجة، وأيضا فهذه الزيادة شاذة لا تعارض الشائعة الذائعة.

    إن قلت: لا معارضة بينهما، لأن غاية الروايات يكون بعدي اثنى عشر خليفة. الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل ونحوها، قلت: لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الاثني عشر، ولأن في أكثر الروايات وتسعة من ولد الحسين ويجب حصر المبتدأ في الخبر، ولأنهم لم يذكروا في التوراة وأشعار قس وغيرها ولا أخبر النبي (ص) برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربّه، ولما عد الأئمة الاثني عشر، قال للحسن: لا تخلوا الأرض منهم، ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلو على أن المقصود به أولادهم لأنه من المجاز، ولا ضرورة تحوج إليه
    ([1]).


    خلاصة الإشكالات التي ذكرها تسعة، والآن لنناقش ما قاله من إشكالات واحداً تلو الآخر:

    الإشكال الأول وهو قوله: إنّ الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة.

    فيرد عليه ما يلي:

    النقطة الأولى: إنّ الشاذ - على ما صرح به علماء الدراية - هو: الخبر الذي يرويه الثقة ويكون مضمونه مخالفاً لما رواه الأكثر ولم يكن له إلاّ إسناد واحد، وهو مقابل للمشهور. وقد صرح بذلك صاحب الفوائد الرجالية، حيث قال: والمراد من الشاذ عند أهل الدراية، ما رواه الراوي الثقة مخالفاً لما رواه الأكثر، وهو مقابل المشهور. والشاذ مردود مطلقاً عند بعض، مقبول كذلك عند آخر، ومنهم من فصّل، بأنّ المخالف له إن كان أحفظ وأضبط واعدل فمردود، وان انعكس فلا يرد؛ لأنّ في كل منهما صفة راجحة ومرجوحة فيتعارضان ([2]).

    وقال السيد حسن الصدر نقلاً عن الشيخ الأنصاري تعريفاً آخر للشاذ، قال: وقال شيخنا العلامة المرتضى الأنصاري: (المراد بالشاذ: ما لا يعرفه إلاّ القليل...) ([3]).

    إنّ القوم قد اختلفوا في تعريف الشاذ على هذين القولين.

    ومن هنا يترتب على هذا الخلاف أمور، فقد يكون خبر يصفه أحدهم شاذاً، لكنّه ليس شاذاً عند الآخر، وبالتالي ما يترتب على ذلك أيضاً يختلف، فقد يأخذ به من لا يصفه بالشاذ، وقد لا يأخذ به الآخر الذي يعتبره شاذاً.

    فمن هنا وقع الاختلاف في حقيقة الشاذ ما هي.

    وطبقاً لكلا التعريفين فإنّ رواية الوصية والمهديين ليست من الشاذ، إذ غير منطبق عليها التعريف الأول للشاذ، ولا التعريف الثاني.

    ــــــــ : أمّا التعريف الأول، فقد أُخذ فيه قيد المعارضة، بمعنى أنّ الخبر لا يكون شاذاً إلاّ إذا تعارض مع أخبار أخرى، ورواية الوصية وروايات المهديين لا تتعارض مع أخبار أخرى، كما سيأتي بيان ذلك؛ ولذا قال السيد حسن الصدر: فلو روى الثقة من دون مخالفة لم يكن شاذاً بل متفرّداً...([4]).

    ــــــــ : وأمّا على التعريف الثاني الذي ذكره الشيخ الأنصاري، فأيضاً لا يرد الإشكال على رواية الوصية والمهديين، إذ قد رويت في أهم كتب الشيعة وتعرّض لمناقشتها الكثير كالمفيد والمرتضى والطبرسي والحر العاملي وغيرهم، فلا يقال عنها، لا يعرفها إلاّ قليل. وعليه فتخرج من الشاذ على التعريف الثاني.

    وعليه فوصف رواية الوصية وروايات المهديين بالشذوذ قول خالٍ من الدليل. بل ينطبق عليها مصطلح المفرد، وهو كما قال الملا حبيب الله الشريف الكاشاني في منظومته في الدراية: وما رواه واحد منفرد فالاصطلاح لاسم ذاك المفرد ([5])

    وعليه فالمفرد به هل يقبل طبقاً لقواعد القوم أم لا ؟


    قال الشيخ مهدي الكجوري: المفرد، وهو ما انفرد به راويه عن جميع الرواة، أو انفرد به أهل بلد معين كمكة والبصرة مثلاً. ولا يضعف الحديث بذلك من حيث نفسه، بل من حيث طرو المضعفات كما لو ألحق بالشواذ، فيرد لذلك ([6]).

    فالمفرد لا يُرد إلاّ إذا الحق بالشاذ، والشاذ لا يكون شاذاً إلاّ إذا كان له معارض.

    وقد تقدّم أنّ روايات الوصية والمهديين ليست متعارضة مع الروايات الأخرى، فلا تكون شاذة.

    النقطة الثانية: قالوا - كما تقدم في الفوائد الرجالية - أنّ الشاذ فيه أقوال ثلاثة:

    الأول: يرد مطلقاً.
    الثاني: يقبل مطلقاً.
    الثالث: يفصّل بين حالتين:
    • 1- إنّ رواة الحديث المخالف له إن كانوا أحفظ واضبط واعدل فيرد.
    • 2- إن انعكس الأمر، بأن كان رواة الشاذ أحفظ واضبط واعدل، فيتعارضان.


    بناءً على ما تقدّم من أنّ الشاذ فيه أقوال ثلاثة، فلو سلمنا جدلاً أنّ رواية الوصية وروايات المهديين شاذة، فلا ترد لمجرد ذلك، إلاّ على قول واحد تقدّم ذِكره، وليس على كل الأقوال، إذن فالمسألة في قبول الشاذ وعدمه مسألة خلافية، فكيف تُرد روايات أهل البيت (ع) طبقاً لقواعد مختلف فيها في نفسها ؟

    النقطة الثالثة: إنّهم عملوا برواية السمري على الرغم من تفرّد الشيخ الصدوق رحمه الله بها، ونقلها عنه الآخرون، وأفتوا بهدر دماء طاهرة على ضوء توقيع السمري المتشابه الذي لا يحكمه إلاّ أهله، كما أنّه مبتلى، إمّا بالإرسال وإمّا بمجهولية الراوي ([7])، فلماذا لا يعملون فيما تفرّد به الشيخ الطوسي رحمه الله، مع وثاقة سنده، مضافاً إلى القرائن التي تؤكد صحته ؟!

    النقطة الرابعة: إنّ الفقهاء قد عملوا بالمقبول، وهو الذي اشتهر العمل بمضمونه سواء رواه ثقة أم غيره، كمقبولة عمر بن حنظلة في حكم المتخاصمين، فإنها - مع اشتمال سندها على غير الثقة - تلقوها بالقبول، وقد قبلوها وعملوا بمضمونها، بل جعلوها عمدة أدلة التفقه وسمّوها مقبولة، فلماذا تُرد كل هذه الروايات التي تذكر المهديين (ع)، والروايات التي تثبت الذرية لإمامنا المهدي (ع)، وروايات القوّام بعد الإمام المهدي (ع) مع وثاقة سندها.

    النقطة الخامسة: إنّ رواية الوصية محفوفة بقرائن كثيرة تؤكد صحتها، وتخرجها عن هذا التقسيم، فلا تكون من الشاذ ولا من المنفرد، لأنّ الشاذ أو المنفرد كل منهما خالٍ عن القرائن الموجبة لصحته، أمّا رواية الوصية فهي محفوفة بالقرائن التي توجب صحتها، وتخرجها عن تقسيم خبر الواحد، فقد قال الشيخ الحر العاملي: أنهم اتفقوا على أن مورد التقسيم - أي تقسيم الخبر إلى ضعيف وصحيح وموثق وحسن - هو خبر الواحد الخالي عن القرينة. وقد عرفت: أنّ أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن، وقد اعترف بذلك أصحاب الاصطلاح الجديد في عدّة مواضع قد نقلنا بعضها. فظهر ضعف التقسيم المذكور وعدم وجود موضوعه في الكتب المعتمدة. وقد ذكر صاحب (المنتقى) أنّ: أكثر أنواع الحديث المذكورة في دراية الحديث بين المتأخرين من مستخرجات العامة، بعد وقوع معانيها في أحاديثهم، وأنه لا وجود لأكثرها في أحاديثنا. وإذا تأملت وجدت التقسيم المذكور من هذا القبيل ([8]).

    وسأنقل بعض هذه القرائن، وهذه القرائن على قسمين:

    القسم الأول: ما يؤكد أصل وجود الوصية.

    وتندرج تحت هذا القسم عدّة قرائن:

    القرينة الأولى: موافقتها للقرآن.

    حيث أنّه ينص على وجوب الوصية، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([9])، ويوجب الإشهاد عليها.

    وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾([10]). بل ويعد عدم الوصية من علامات العذاب وقال تعالى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ @ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾([11]).

    ولذا روى أنس بن مالك، قال: (كنا عند رسول الله (ص) فجاءه رجل فقال: يا رسول الله مات فلان، قال: أليس كان معنا آنفا ؟ قالوا: بلى، قال: سبحان الله كأنها أخذه على غضب، المحروم من حرم وصيته) ([12]).

    ولا يقال: إنّ الوصية هنا متعلقة بالمواريث، فإنّ لفظ الوصية مطلق ولم يرد مخصص يخصصه بالمواريث.

    القرينة الثانية: موافقتها للروايات الآمرة بالوصية.

    والروايات التي جاءت تبين هذه الحقيقة كثيرة، وسأنقل بعضاً منها:

    عن ابن عباس أن النبي (ص) قال: (ترك الوصية عار في الدنيا، ونار وشنار في الآخرة) ([13]).

    وروى الشيخ الطوسي في النهاية، عن رسول الله (ص)، أنّه قال: (من مات بغير وصية، مات ميتة جاهلية) ([14]).

    وعنه (ص): (ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة، إلاّ ووصيته تحت رأسه) ([15]).

    وعن الإمام الصادق(ع): قال: قال رسول الله (ص): (من لم يحسن وصيته عند الموت، كان نقصاً في مروته وعقله) ([16]).

    وبعد هذا القول منه (ص) كيف يقال أنّه لم يوص ([17]) ؟!

    القرينة الثالثة: تشير إلى وجود الوصية روايات عديدة:

    الرواية الأولى: فقد روى سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين (ع)، قال: فقال أمير المؤمنين (ع): (يا طلحة، إنّ كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد (ص) عندي بإملاء رسول الله (ص) وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد (ص) وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش. قال طلحة: كل شيء من صغير أو كبير أو خاص أو عام، كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك ؟ قال: نعم، وسوى ذلك أن رسول الله (ص) أسر إليّ في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب. ولو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداّ إلى يوم القيامة. ما كتب في الكتف بإملاء رسول الله (ص).

    يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله (ص) حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إنّ نبي الله يهجر) فغضب رسول الله (ص) ثم تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله (ص) وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: (إنّ الله (عز وجل) قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين - . كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد ؟ فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله (ص).

    فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله (ص) يقول لأبي ذر: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله)، وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلاّ على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما
    ) ([18]).

    الرواية الثانية: عن سليم بن قيس الهلالي، عن ابن عباس في حديث، أنه دخل على علي بن أبي طالب (ع) بذي قار فأخرج له صحيفة وقال: (يا ابن عباس، هذه صحيفة أملاها عليَّ رسول الله (ص) وخطي بيدي قال: فأخرج إليّ الصحيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين، أقرأها ؟ وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول الله (ص) إلى قتل الحسين (ع) ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه، وكان فيما قرأه كيف يصنع به وكيف تستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسين وكيف تغدر به الأمة، ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة وكان فيما قرأ منها أمر أبي بكر وعمر وعثمان، وكم يملك كل إنسان منهم، وكيف بويع علي ووقعة الجمل ومسيرة عائشة وطلحة والزبير ... إلى أن قال: فلما أدرج الصحيفة قلت: يا أمير المؤمنين، لو كنت قرأت عليَّ بقية الصحيفة قال: لا، ولكني محدثك ما يمنعني منها، ما يلقي أهل بيتك وولدك من أمر فضيع من قتلهم لنا وعداوتهم وسوء ملكهم وشؤم قدرتهم فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك... إلى أن قال ابن عباس: لأن يكون نسخني ذلك الكتاب أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس)([19]).

    الرواية الثالثة: عن سليم بن قيس الهلالي، قال: (سمعت سلمان يقول: سمعت علياً (ع) بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله (ص) ودفع الكتف: ألا نسأل رسول الله (ص) عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان، فسكت حتى إذا قام من في البيت وبقي علي وفاطمة والحسن والحسين (ص) وذهبنا نقوم وصاحبي أبو ذر والمقداد قال لنا علي (ع): اجلسوا. فأراد أن يسأل رسول الله (ص) ونحن نسمع فابتدأه رسول الله (ص) فقال: يا أخي، أما سمعت ما قال عدو الله، أتاني جبرئيل (ع) قبل فأخبرني أنه سامري هذه الأمة وأن صاحبه عجلها وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي فأمرني أن اكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه أدع لي بصحيفة. فأتى بها فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلا ً رجلاً وعلي (ع) يخط بيده وقال رسول الله (ص): إني أشهدكم أنّ أخي ووزيري ووارثي وخليفتي على أمتي علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين..) ([20]).

    الرواية الرابعة: روى الشيخ الكليني في الكافي عن الإمام موسى بن جعفر (ع) قال: (قلت لأبي عبد الله (ع): أليس كان أمير المؤمنين كاتب الوصية ورسول الله (ص) المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون (ص) ؟

    قال: فأطرق طويلاً، ثم قال: يا أبا الحسن، قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله (ص) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلا ،ً نزل بها جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة فقال جبرائيل: يا محمد، مـُر بإخراج من عندك إلاّ وصيك ليقبضها منّا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها - يعني علياً (ع) - وفاطمة فيما بين الستر والباب
    ) ([21]).

    الرواية الخامسة: عن الرضا (ع) في حديث دخوله الكوفة واحتجاجه على علماء اليهود والنصارى أنه قال لنصراني: (... إلى أن قال: وإن رسول الله (ص) لما كان وقت وفاته دعا علياً (ع) وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كانت فيها الأسماء التي خص الله بها الأنبياء والأوصياء) ([22]).

    الرواية السادسة: روى الشيخ النعماني في غيبته: عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: (الوصية نزلت من السماء على رسول الله (ص) كتاباً مختوماً، ولم ينـزل على رسول الله (ص) كتاب مختوم إلاّ الوصية، فقال جبرئيل (ع): يا محمد، هذه وصيتك في أمتك إلى أهل بيتك. فقال رسول الله (ص): أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ فقال: نجيب الله منهم وذريته ليورثك في علم النبوة قبل إبراهيم، وكان عليها خواتيم، ففتح علي (ع) الخاتم الأول ومضى لما أمر فيه، ثم فتح الحسن (ع) الخاتم الثاني ومضى لما أمر به، ثم فتح الحسين (ع) الخاتم الثالث فوجد فيه: أن قاتل واقتل وتقتل واخرج بقوم للشهادة، لا شهادة لهم إلا معك، ففعل، ثم دفعها إلى علي بن الحسين (ع) ومضى، ففتح علي بن الحسين الخاتم الرابع فوجد فيه: أن أطرق واصمت لما حجب العلم، ثم دفعها إلى محمد بن علي (ع) ففتح الخاتم الخامس فوجد فيه: أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك العلم واصطنع الأمة، وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلاّ الله، ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه، فقال معاذ بن كثير: فقلت له: وأنت هو ؟ فقال: ما بك في هذا إلا أن تذهب - يا معاذ - فترويه عني، نعم، أنا هو، حتى عدد علي اثنا عشر اسماً، ثم سكت، فقلت: ثم من ؟ فقال: حسبك) ([23]).

    فقوله (ع): حسبك، يُشعر بوجود كلام بعده إلاّ انّه لم يحن وقته في زمن سؤال السائل، كما في الحديث المتقدّم.

    ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن مسألته فأبى وأمسك، ثم قال: (لو أعطيناكم كلّما تريدون كان شرّاً لكم واخذ برقبة صاحب هذا الأمر) ([24]).

    وهذا من قبيل التدرج في إبراز الحقائق وتبليغ أوامر الله سبحانه، وهذا المعنى معروف حتى في صدر الإسلام، كما وستأتي الإشارة إليه في ردّنا لبعض الإشكالات الآتية.

    فجميع هذه الروايات تشترك في الدلالة على وجود وصية مكتوبة عند علي (ع)، وصّاه بها النبي (ص) عند وفاته (ص) بعد أن رفض القوم وصية نبيهم وأعرضوا عنها.

    القرينة الرابعة: إنّ جميع الأنبياء (ص) قد أوصوا لمن بعدهم، وهذه حقيقة يؤكدها القرآن الكريم، وتؤكدها الروايات.

    فيقول تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ @ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾([25]).

    وجاء في الروايات: عن أبي عبد الله (ع)، قال: (قال النبي (ص): أنا سيد النبيين، ووصيي سيد الوصيين وأوصياؤه سادة الأوصياء. إن آدم (ع) سأل الله تعالى أن يجعل له وصياً صالحاً، فأوحى الله (عز وجل) إليه: إني أكرمت الأنبياء بالنبوة، ثم اخترت خلقي وجعلت خيارهم الأوصياء.

    فقال آدم (ع): يا رب اجعل وصيي خير الأوصياء.

    فأوحى الله إليه: يا آدم، أوص إلى شيث فأوصى آدم إلى شيث، وهو هبة الله بن آدم. وأوصى شيث إلى ابنه شبان .. وأوصى شبان إلى مخلث، وأوصى مخلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى عثميثا، وأوصى عثميثا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (ع)، وأوصى إدريس إلى ناحور، ودفعها ناحور إلى نوح النبي (ع) وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر، وأوصى عثامر إلى برعثباشا وأوصى برعثباشا إلى يافث، وأوصى يافث إلى بره، وأوصى بره إلى حفسه، وأوصى حفسه إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل (ع)، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثريا، وأوصى بثريا إلى شعيب، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران (ع)، وأوصى موسى إلى يوشع بن النون، وأوصى يوشع إلى داود النبي، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف إلى زكريا، ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم (ع)، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة، ثم قال (ص): ودفعها إليّ بردة، وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد، حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك. ولتكفرن بك الأمة، ولتختلفن عليك اختلافاً كثيراً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي والشاذ عنك في النار، والنار مثوى الكافرين
    ) ([26]).

    وعنه (ع) أيضاً: (أوصى موسى إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى أن الله (عز وجل) له الخيرة يختار ما يشاء ممن يشاء، وبشر موسى ويوشع بالمسيح (ع) فلما أن بعث الله (عز وجل) المسيح (ع) قال المسيح لهم: إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل (ع) يجئ بتصديقي وتصديقكم عذري وعذركم وجرت من بعدي في الحواريين في المستحفظين وإنما سماهم الله (عز وجل) المستحفظين، لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر ... فلما بعث الله محمداً أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل، ودعا إلى الله (عز وجل) وجاهد في سبيله، ثم أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك فقال: رب إن العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبياً ولا يعرفون نبوة الأنبياء ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي فقال الله جل ذكره: ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾([27])، ﴿وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾([28])، فذكر من فضل وصيه ذكراً فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول الله ذلك وما يقولون فقال الله جل ذكره:

    يا محمد، ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾([29]) فإنهم لا يكذبونك ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾([30]) لكنهم يجحدون بغير حجة لهم .. ثم قال جل ذكره: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ وكان علي (ع)، فكان حقه الوصية التي جعلت له، والاسم الأكبر، وميراث العلم، وآثار علم النبوة
    ) ([31]).

    فها هو آدم (ع) يوصي لوصيه من بعده، ونوح (ع) يوصي إلى سام، وإبراهيم إلى ابنه إسماعيل، و إسماعيل إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب، ويعقوب إلى يوسف، وموسى إلى يوشع، ويوشع إلى داود، وداود إلى سليمان، وسليمان إلى آصف بن برخيا، وآصف إلى زكريا، وزكريا إلى عيسى بن مريم (ع)، وعيسى إلى شمعون الصفا، هكذا نجد الوصية من سنن الحجج الذين أختارهم الله واصطفاهم على خلقه، فلماذا ينّفرد عنهم محمد (ص) الذي ختم الله به الإرسال منه سبحانه، فلا يوصي لمن بعده ؟!

    أليس محمد (ص) أفضل الأنبياء (ص)، فكيف يترك سنن الله في أنبيائه وحججه ؟!

    اللهم إلاّ أن يقال بوجود دليل خاص يُخرج محمداً (ص) عن عموم هذه السنّة التي امتاز بها الأنبياء والأوصياء، وهو غير موجود في المقام.

    نعم يمكن أن يجعلوا حديثاً يُخرج محمداً (ص) عن عموم سنن الأنبياء (ص)، كما فعلوا ذلك في إرث النبي (ص)، حيث وضعوا حديثاً مخالفاً للقرآن لكي يصادروا به إرث محمد (ص)لاهل بيته (ص)([32]).



    =====
    الهوامش

    [1]- الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج2 ص152.
    [2]- الفوائد الرجالية: ص34، دراسات في علم الدراية: ص45.
    [3]- نهاية الدراية: ص220.
    [4]- نهاية الدراية: ص220.
    [5]- الدرة الفاخرة : ص357.
    [6]- الفوائد الرجالية: ص192.
    [7]- ستأتي دراسة هذا التوقيع في القسم الرابع من هذا الحوار إن شاء الله تعالى.
    [8]- وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج30 ص262.
    [9]- البقرة: 180.
    [10]- المائدة: من الآية 106.
    [11]- يـس:49 – 50.
    [12]- مجمع الزوائد: ج4 ص209، مسند أبي يعلى: ج7 ص152.
    [13]- مجمع الزوائد: ج4 ص209، المعجم الأوسط: ج5 ص319.
    [14]- النهاية: ص604، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج19 ص259.
    [15]- وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج19 ص259.
    [16]- النهاية للطوسي: ص605. ورواه الكليني مضيفاً إليه كيفية الوصية ونورده تميماً للفائدة، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن علي بن إسحاق، عن الحسن بن حازم الكلبي ابن أخت هشام بن سالم، عن سليمان بن جعفر، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): (من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله، قيل: يا رسول الله، وكيف يوصى الميت، قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه قال: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم إني أعهد إليك في دار الدينا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الحساب حق، والقدر والميزان حق، وأن الدين كما وصفت، وأن الإسلام كما شرعت وأن القول كما حدثت، وأن القرآن كما أنزلت، وأنك أنت الله الحق المبين، جزى الله محمداً (ص)خير الجزاء، وحيا الله محمداً وآل محمد بالسلام، اللهم يا عدتي عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي، ويا ولي نعمتي ، إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا فإنك ان تكلني إلى نفسي طرفة عين أقرب من الشر وأبعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشوراً. ثم يوصى بحاجته وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عز وجل: ﴿لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتخذ عند الرحمن عهدا﴾ فهذا عهد الميت، والوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها). وقال أمير المؤمنين (ع): (علمنيها رسول الله (ص) وقال رسول الله (ص): علمنيها جبرئيل (ع)). الكافي: ج7 ص2.
    [17]- قال الحر العاملي بعد نقله للروايات التي تبين ضرورة الوصية: أقول: ويأتي ما يدل على ذلك، والأحاديث الواردة في أنّ رسول الله (ص)أوصى وأن الأئمة (ع)أوصوا، كثيرة متواترة من طرق العامة والخاصة. وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج19 ص259.
    [18]- كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص211، غيبة النعماني: ص84، الاحتجاج: ج1 ص224، بحار الأنوار: ج31 ص425، بحار الأنوار: ج36 ص277، مكاتيب الرسول: ج2 ص173.
    [19]- إثبات الهداة: ج1 ص277.
    [20]- كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص398.
    [21]- الكافي: ج1 ص311.
    [22]- إثبات الهداة: ج1 ص613.
    [23]- غيبة النعماني: ص60، بحار الأنوار: ج36 ص210.
    [24]- الكافي: ج2 ص224، مختصر بصائر الدرجات: ص104، بحار الأنوار: ج52 ص110.
    [25]- البقرة: 132 – 133.
    [26]- أمالي الصدوق: ص242.
    [27]- النحل: 127.
    [28]- الزخرف: 89 .
    [29]- الحجر: 97.
    [30]- الأنعام: 33.
    [31]- غاية المرام: ج4 ص268.
    [32]- روى حديث نفي الإرث كثير من المحدثين، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها أخبرته : (أنّ فاطمة بنت رسول الله (ص) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص)، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (ص) قال : (لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمد (ص) في هذا المال). وإنّي والله لا أُغيِّرُ شيئاً من صدقة رسول الله (ص)، عن حالها التي كانت عليها، في عهد رسول الله (ص)، ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله (ص). فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً . فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ...) صحيح البخاري: ج4 ص42، صحيح مسلم: ج5 ص153، مسند أحمد: ج1 ص25.

    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

    Comment

    • اختياره هو
      مشرف
      • 23-06-2009
      • 5310

      #3
      رد: دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته


      القسم الثاني: القرائن التي تؤيد بعض مضامين الوصية التي هي محل الخلاف.


      النقطة الأولى: لقد دلت الوصية على وجود مهديين يحكمون الأرض بعد الإمام المهدي (ع)، وهم إثنا عشر مهدياً كما تقدم، وهذا المعنى لم تتفرّد به الوصية بل في روايات متعددة،
      وإليكم بعضاً منها:

      عن الإمام السجاد (ع) قال: (يقوم القائم منا ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً) ([1]).

      وعن الإمام الصادق (ع) إنه قال: (إنّ منّا بعد القائم (ع) اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين (ع)) ([2]).

      وعن أبي بصير، قال: (قلت للصادق جعفر بن محمد (ع): يا ابن رسول، إني سمعت من أبيك (ع) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً. فقال: إنما قال: اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماًً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([3]).

      وعن الإمام الرضا (ع)، قال: (اللهم صل عليه وعلى آله من آل طه ويس، واخصص وليك ووصي نبيك وأخا رسولك ووزيره وولي عهده إمام المتقين وخاتم الوصيين لخاتم النبيين محمد (ص) وابنته البتول وعلى سيدي شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وعلى الأئمة الراشدين المهديين السالفين الماضيين وعلى النقباء الأتقياء البررة الأئمة الفاضلين الباقين وعلى بقيتك في أرضك القائم بالحق في اليوم الموعود وعلى الفاضلين المهديين الأمناء الخزنة....)([4]).

      وعن حبة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين (ع) إلى الحيرة فقال: (لتصلن هذه بهذه - وأومى بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجداً له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم عجل الله فرجه؛ لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً...) ([5]).

      ومن الواضح أنّ الرواية تتكلّم عن زمن الظهور، وتبيّن أنّ اثني عشر إماماً عدلاً سيصلون في مسجد يُبنى ويكون له خمسمائة باب، والسبب هو أنّ مسجد الكوفة لا يسع ويضيق بالناس، فمن هم هؤلاء الإثنا عشر أماماً عدلاً غير المهديين الإثني عشر.

      وعن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في ذكر الكوفة قال: (... فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وصلى فيه، ومنها يظهر عدل الله وفيها يكون قائمه والقوام من بعده وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين) ([6]).

      فمن هو هؤلاء القوّام بعد القائم (ع) غير المهديين الإثني عشر ؟!

      وفي دعاء اليوم الثالث من شعبان الوارد عن الحسن العسكري (ع) بمناسبة ولادة الإمام الحسين (ع) قال فيه: (... وسيد الأسرة - أي الحسين - الممدود بالنصرة يوم الكرة، المعوض من قتله أن الأئمة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويكونوا خير أنصار) ([7]).

      فمن هؤلاء الأوصياء الذين ذكرهم هذا الدعاء والذي قبله غير المهديين الاثني عشر.

      النقطة الثانية: أثبتت الوصية أنّ للإمام المهدي (ع) ابناً، فقالت: (فليسلمها إلى ابنه..).

      وهذا معناه أنّ للإمام المهدي (ع) ذرية وأبناً، وهذا المعنى تؤيده روايات كثيرة، ذكرناها، وسنذكرها هنا إتماماً للفائدة:

      أمّا ما دل على وجود الذرية عموماً فهو:

      وعن الصادق (ع) قال في أحد الأدعية المشهورة: (اللهم كن لوليك القائم بأمرك محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ومؤيداً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طولاً وعرضاً وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين) ([8]).

      وجاء في الدعاء عن الإمام المهدي (ع) في كيفية الصلاة على محمد وآل محمد إلى أن يصل إلى نفسه فيقول (ع): (... اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه ... إلى قوله (ع): وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده، ومدّ في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وآخرة ..) ([9]).

      وجاء في دعاء الإمام الرضا (ع) للإمام المهدي في عصر الغيبة: (اللهم أعطه في نفسه وأهله وَوَلـَدِه وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها... إلى أن يقول: اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وأعز نصرهم ...) ([10]).

      وأمّا ما دل على وجود ابنٍ للإمام المهدي (ع):

      فتوجد روايات في ذلك، منها الرواية الأخيرة المتقدمة التي أفردت إبناً للمهدي (ع)، وخصته بالدعاء، مضافاً إلى ما يلي:

      عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: أحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات ويقول بعضهم: قتل ويقول بعضهم: ذهب حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلّع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلاّ المولى الذي يلي أمره) ([11]).

      ورواه النعماني في الغيبة بهذا المتن: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلاّ المولى الذي يلي أمره)، وعلّق عليه النعماني بقوله: ولو لم يكن يروى في الغيبة إلاّ هذا الحديث لكان فيه كفاية لمن تأمله ([12]).

      عن الباقر (ع) أنه قال في حديث طويل: (... ثم قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ماخلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع، فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (ص) أم بماذا ؟! فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك. فيقول القائم: أسكت يا فلان أي والله إنّ معي عهد من رسول الله (ص) هات لي العيبة، فيأتيه فيقرأ العهد من رسول الله (ص) فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك اقبله، فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا البيعة فيجدد لهم البيعة ...) ([13]).

      عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) أنه قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى- حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم ولو رأيتم صاحبكم. فيقولون: والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه ثم يأتيهم من القابلة ويقول: أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة فيشيرون إليهم فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها...) ([14]).

      وروى الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد عن الرضا (ع): قال: (كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ([15]).

      فمن هو صاحب الوصيات، ومن هو ابنه غير أحمد المذكور في وصية رسول الله (ص).

      النقطة الثالثة: أنّ بعض الروايات صرّحت بالأسماء الثلاثة التي ذكرت في الوصية
      كما في رواية حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله (ص) يقول - وذكر المهدي-: (إنّه يبايع بين الركن والمقام اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماءه ثلاثتها) ([16]).

      النقطة الرابعة: ما جاء في ذكر الاسم الأول المذكور في الوصية.

      الرواية الأولى: وقال رسول الله (ص)، في حديث طويل ... إلى أن قال (ص): (الحقوا به بمكة فإنه المهدي وأسمه أحمد) ([17]).

      الرواية الثانية: فعن الإمام الباقر (ع) ، قال: (إنّ لله كنوزاً بالطالقان، ليس بذهب ولا فضة، إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: أحمد .. أحمد، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) ([18]).

      النقطة الخامسة: ما دل على أنّ المهدي اسمه اسم رسول الله (ص)، واسم أبيه أسم أبي رسول الله (ص).

      الرواية الأولى: عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (ص): (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً) ([19]).

      الرواية الثانية: عن أبي الطفيل، إنّ رسول الله (ص) قال: (المهدي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) ([20]).

      ومن المعروف أنّ النبي (ص)كان يقول: أنا أبن الذبيحين، قال (ص) لعلي بن أبي طالب (ع): (يا علي، أنا ابن الذبيحين) ([21]).

      والمقصود بالذبيحين هما: عبد الله، وهو الأب المباشر للنبي (ص)، والثاني: هو إسماعيل بن نبي الله إبراهيم (عليهما السلام)، كما بين ذلك الإمام الرضا (ع).

      عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن علي ابن موسى الرضا (عليهما السلام) عن معنى قول النبي (ص): أنا ابن الذبيحين قال: (يعني إسماعيل ابن إبراهيم الخليل (عليهما السلام) وعبد الله بن عبد المطلب) ([22]).

      وروي عن موسى بن جعفر (ع) في جوابه لمن أراد أن يستهزء به أنه قال: (... يا هذا، إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله، ابن إسماعيل ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله...)([23]).

      فالمهدي الذي يكون اسمه اسم رسول الله (ص) واسم أبيه اسم أبي رسول الله (ص)، ليس هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع)، إذ أنّ اسم أبيه هو الحسن العسكري(ع) ، بل المقصود بالمهدي الذي يكون اسمه اسم رسول الله واسم أبيه اسم أبي رسول الله (ص) هو المهدي الأول الذي ذكره رسول الله في وصيته في ليلة وفاته، وذكر له أسماء ثلاثة: (أحمد، عبد الله، المهدي)، فهو أحمد الحسن (ع) الذي احتج بوصية رسول الله (ص)؛ لأنّ اسمه أحمد، واسم أبيه إسماعيل، فأصبح اسمه كإسم رسول الله (ص) الذي ذكره القرآن وهو: (أحمد) الذي بشر به عيسى (ع)، ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾([24]).

      كما ويكون اسم أبيه اسم أب رسول الله (ص) إسماعيل الذي هو أب رسول الله (ص).

      وهذا المعنى يؤكد الحقيقة التي تقدمت، وهي أنّ لفظ المهدي لا يمكن أن يكون المقصود به الإمام المهدي (ع) في بعض الروايات، بل المقصود به المهدي الأول أحمد وصي ورسول الإمام المهدي (ع).

      ومن خلال ما تقدّم يرتفع توهم التعارض بين الروايات التي تقول بأنّ المهدي (ع) أبوه الحسن العسكري (ع)، وبين الروايات التي تقول اسم أبيه اسم أبي رسول الله (ص)، كما ويرتفع ما قاله بعضهم بأنّ أسم أبي المهدي هو عبد الله، استناداً للروايات المتقدمة المنقولة عن النبي (ص) القائلة بأنّ اسم أبيه أسم أبي، فليس المراد باسم أبي في قول رسول الله (ص) عبد الله، بل المقصود إسماعيل (ع).

      ومن هنا ندخل في بيان الرد على الإشكال الثاني الذي أورده صاحب كتاب الصراط المستقيم، ويتلخص فيما يلي: أنّ رواية الوصية وروايات المهديين (ع) مخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة، بأنّه ليس بعد القائم دولة، وأنّه لم يمض من الدنيا إلاّ أربعين يوماً فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة. هذه خلاصة الإشكال الثاني.
      وذكره صاحب الصراط المستقيم في موضع آخر وأضاف إليها رواية عن النبي (ص)، فقال: (ليس بعد المهدي (ع) دولة واردة إلاّ في رواية شاذة من قيام أولاده من بعده، وهي ما روي عن ابن عباس من قول النبي (ص): (لن تهلك أمة أنا أولها، وعيسى بن مريم آخرها، والمهدي في وسطها). ومثله روي عن أنس، وهاتان تدلان على دولة بعد دولته، وأكثر الروايات أنه لا يمضي إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً، وهو زمان الهرج، وعلامة خروج الأموات للحساب) ([25]).

      ولأنّ هذه الروايات تدل على خلو الأرض من الحجة لفترة أربعين يوماً، علّق عليها الشيخ الحر العاملي، بعد أن أورد الكلام المتقدّم، وأجاب عنها بأجوبة متعددة لا يسعنا ذكرها الآن، ويمكنكم مراجعتها في كتابه الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة (ص365).

      لكن الذي يهمنا الوقوف على نقطتين:

      الأولى: دعوى مخالفة رواية الوصية وروايات المهديين (ع) للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة، بأنّه ليس بعد القائم دولة.
      الثانية: وصفه لرواية الوصية بأنها شاذّة، وقد تقدّمت الإجابة عن هذا التوهم في الليلة الماضية، وتقدم أنها ليست بشاذّة.

      فمن هنا ينحصر كلامنا في النقطة الأولى، وهي تنحل إلى فرعين:

      الأول: دعوى مخالفة رواية الوصية وروايات المهديين (ع) للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة.
      الثاني: دعوى ليس بعد القائم (ع) دولة.


      أمّا ما يتعلق في الفرع الأول، فروايات المهديين لا تخالف الروايات الصحيحة؛ لأنّ الروايات على خمسة أقسام بلحاظ دلالتها على عدد المعصومين (ص):

      القسم الأول: الروايات التي بينت أنّ الأئمة (ع) اثنا عشر.
      القسم الثاني: الروايات التي دلت على أنّ الأئمة ثلاثة عشر.
      القسم الثالث: الروايات التي دلت على أنّ المهديين (ع) إثني عشر.
      القسم الرابع: الروايات التي دلت على أنّ المهديين (ع) أحد عشر. وهي رواية واحدة.
      القسم الخامس: الروايات التي دلت على أنّ الأئمة (ع) إثني عشر، والمهديين (ع) إثني عشر. وهي رواية الوصية التي ينقلها الشيخ الطوسي.


      فالمخالفة المزعومة يمكن تصويرها بين:

      أولاً: بين القسم الأول الذي يدل على أنّ عدد الأئمة اثني عشر، وبين القسم الثاني الذي يدل على أنّ عدد الأئمة ثلاثة عشر.

      ويمكن الإجابة عن ذلك بنفي المخالفة والتعارض بين القسمين، ببيان أنّ روايات القسم الأول ليس فيها دلالة على الحصر بالاثني عشر، وهذا ما سنتعرّف عليه في دراستنا لروايات القسم الثاني كما سيأتي. فلا يكون بين القسمين مخالفة وتعارض، إذ التعارض إنما يتصور بين النفي والإثبات، وكلا القسمين مثبتين، فلا يوجد بينهما تعارض.

      ثانياً: بين القسم الثالث والرابع، ويأتي فيه نفس الكلام المتقدم في القسم الأول والثاني.

      ثالثاً: أمّا بين القسم الثاني والثالث، فتوجد بينهما مقابلة لا تعارض، والسر في هذه المقابلة هو: أنّ المهدي الأول (ع) من المهديين الاثني عشر، تارة يعد مع الأئمة (ع) فيكون عدد الأئمة ثلاثة عشر، وبالمقابل يكون عدد المهديين أحد عشر، وتارة أُخرى يعد مع المهديين (ع) فيكون عدد المهديين (ع) اثني عشر، كما ويكون عدد الأئمة (ع) اثني عشر.

      والسر في عدّ المهدي الأول (ع) مع الأئمة (ع) هو علو مقامه ومنزلته وأفضليته على جميع المهديين الذين يأتون من بعده، كما ثبت ذلك فيما تقدّم.

      فلم يبقَ إلاّ القسم الخامس وهو الدال على أنّ الأئمة اثني عشر، والمهديين كذلك، وهذا جامع لكل الروايات، فلا تعارض بين هذا القسم والأقسام الأربعة المتقدمة بعد معرفة ما تقدم.

      فأين المخالفة التي ادعاها المستشكل ؟!


      وأمّا ما يتعلق بالفرع الثاني، وهو دعوى ليس بعد القائم (ع) دولة.

      ففي الحقيقة ليس هذا إلاّ توهم محض، إذ أنّ دولة المهديين (ع) هي امتداد لدولة الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، وليس هي دولة أُخرى، وهذا ما ذكره الشيخ الحر العاملي، حيث قال: (أن يكون المراد ليس بعد دولة المهدي (ع) دولة مبتدأة فلا ينافي الرجعة؛ لأنها دولة ثانية، والأربعون يوما يحتمل كونها فاصلة بين الدولتين) ([26]).

      وهذا القول - أعني قوله: أن يكون المراد ليس بعد دولة المهدي (ع) دولة مبتدأة فلا ينافي الرجعة؛ لأنها دولة ثانية - تدل عليه هذه الرواية:

      عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله (ص): (ألا أبشركم - أيها الناس - بالمهدي ؟ قالوا: بلى. قال: فاعلموا أن الله تعالى يبعث في أمتي سلطاناً عادلاً وإماماً قاسطاً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. وهو التاسع من ولد ولدي الحسين، اسمه اسمي وكنيته كنيتي. ألا ولا خير في الحياة بعده، ولا يكون انتهاء دولته إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً) ([27]).

      ومن المعلوم أنّ دولتهم (ص) هي آخر الدول، فلا بد أن يكون لها امتداد طويل، والقول بانّ القيامة تقوم على شخص الإمام المهدي (ع) بعد شهادته بأربعين يوماً قول خالٍ عن الدليل، بل الدليل قائم على خلافه، حيث إنّ روايات المهديين تبطل ذلك. كما أنه لا يساعده الاعتبار، إذ كيف ينتظر الإسلام والمسلمون دهراً طويلاً ليخرج الإمام المهدي (ع)، و يظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ثم يتوفى (ع) بعد سبع سنين كما جاء في بعض الروايات، وتكون بعده الرجعة ؟!

      لكن الحر العاملي توهم أيضاً بالتنافي بين أخبار المهديين وبين أخبار الرجعة، ولكنه في الحقيقة لا تنافي بينهما.

      وسبب توهم التنافي هو اعتقاده بأنّ الروايات التي دلت على أنّ الأئمة اثنا عشر ظاهرة في الحصر كما صرّح بذلك، فقال: (وأحاديث حصر الأئمة (ع) في الاثني عشر أيضا كثيرة جداً)([28]). وتقدم عدم وجود الحصر بالاثني عشر، كما سيأتينا أيضاً عند دراستنا للروايات الدالة على كونهم ثلاثة عشر.

      ويحتمل أنّ سبب التوهم هو ما رواه الشيخ النعماني في كتاب الغيبة: محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز، قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (ع) فقال له: أنت إمام ؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الإمام إلاّ وله عقب. فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت ؟ ليس هكذا قال جعفر (ع)، إنما قال جعفر (ع): لا يكون الإمام إلاّ وله عقب إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول) ([29]).

      وبما أنّ الحر العاملي مرتكز في ذهنه أنّ بعد الإمام المهدي (ع) تكون الرجعة، فحمل لفظ الإمام الوارد في الرواية: (لا يكون الإمام إلاّ وله عقب إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له)، على الإمام المهدي (ع)، والحال أنّ الروايات التي تثبت الذرية للإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) كثيرة جداً، ولا تصلح هذه الرواية لمعارضتها بناء على الفهم المعروف عندهم، وهو أنّ الرجعة تكون بعد الإمام المهدي (ع) حيث إنّ روايات المهديين (ع) تثبت لهم الإمامة بعد أبيهم (ع)، وكونهم ولاة عهد أبيهم (ع).

      ثم إنّ مقتضى الجمع بين الروايات التي تقول بحكم المهديين (ع) وهذه الرواية التي رواها الشيخ النعماني أن تحمل على المهدي الثاني عشر، وهو المقصود بلفظ الإمام بقوله (ع): (إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له).

      وبالتالي يتضح عدم وجود تعارض بين أخبار الرجعة وأخبار المهديين، كما أنّه لا تعارض بين روايات الأئمة الاثني عشر وروايات المهديين (ع).

      كما وأجاب عن ذلك السيد محمد صادق الصدر عن هذا الإشكال، قال (رحمه الله): وأمّا ما ذكر من أنّه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد، فهو أمر صحيح؛ لأنه إن أُريد بدولة القائم نظام حكمه فهو نظام مستمر إلى نهاية البشرية تقريباً أو تحقيقاً على ما سنسمع، وليس وراءه حكم آخر.

      وإن أُريد به حكمه ما دام في الحياة، بحيث تنتهي البشرية بعده مباشرة، فهو أمر غير محتمل، لأنه أمر تدل كثير من الروايات على نفيه كروايات الرجعة، وروايات الأولياء، وروايات إنّ الساعة لا تقوم إلاّ على شرار الخلق وغير ذلك، بل تدل على ذلك بعض آيات القرآن كآية دابة الأرض بعد العلم بعدم خروجها في زمن المهدي نفسه (ع).

      إذن فالبشرية ستبقى بعد المهدي (ع) والنظام سوف يستمر، وإنما يراد من ذلك القول: إنهّ ليس بعد دولة القائم دولة لأحد من المنحرفين والكافرين على الشكل الذي قبل ظهوره.

      وقال: (وأمّا قوله: وأكثر الروايات أنّه لن يمضي من الدنيا إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً... فهذه الروايات سنسمعها، ومؤداها أن الحجّة سيرفع - أي يموت - قبل القيامة بأربعين يوماً. وسنرى أنه ليس المراد بالحجة شخص الإمام المهدي بل شخص آخر، قد يوجد بعد زمن المهدي (ع) بدهر طويل)
      ([30]).

      أقول: يشير السيد الصدر إلى مضمون ما جاء في هذه الرواية: عن أبي عبد الله (ع) قال: ([31]).

      ما زالت الأرض إلاّ ولله تعالى فيها حجة يعرف الحلال من الحرام، ويدعو إلى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلاّ أربعين يوماً قبل القيامة، وإذا رفعت الحجة، أغلق باب التوبة فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل .. الآية. أولئك شرار خلق الله وهم الذين يقوم عليهم القيامة
      فالموجود فيها انقطاع الحجة ولم يرد فيها أسم الإمام المهدي (ع)، والمهديون حجج أيضاً.

      قال العلامة المجلسي: (وإن كان أوصياء الأنبياء وأوصياء الأئمة حججاً أيضاً) ([32]).

      فالمهديون هم أوصياء الإمام المهدي (ع)، كما ثبت في الروايات المتقدمة، فهم حجج أيضاً، ولأجل ورود لفظ الحجة في الروايات فسّر الحر العاملي في كتابه الإيقاظ من الهجعة، الحجة بالعقل في ثاني وجه من وجوه الجمع التي ذكرها بين عدم خلو الأرض من الحجة وبين الروايات التي تقول بخلوها أربعين يوماً ومن بعدها تقوم القيامة، فقال: أو يحمل الحجة فيها على ما هو أعم من الإمام والعقل، لما رواه الكليني وغيره عنهم (ص): (إنّ لله على الناس حجتين: ظاهرة وباطنة، والظاهرة: الأنبياء والأئمة (ع)، والباطنة: العقل) ([33]).


      الهوامش

      [1]- شرح الأخبار: ج3 ص400.
      [2]- مختصر بصائر الدرجات: ص49.
      [3]- كمال الدين: ص358، مختصر بصائر الدرجات: ص211، بحار الأنوار: ج53 ص115.
      [4]- فقه الرضا: ص403 .
      [5]- التهذيب: ج3 ص253، جامع أحاديث الشيعة: ج4 ص540، معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج3 ص112.
      [6]- التهذيب: ج6 ص31، كامل الزيارات: ج76، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج5 ص255.
      [7]- المصباح للكفعمي: ص543، مصباح المتهجد: ص826 .
      [8]- إقبال الأعمال: ج1 ص191، بحار الأنوار: ج49 ص349 .
      [9]- غيبة الطوسي: ص186، جمال الأسبوع: ص301.
      [10]- جمال الأسبوع : ص309، مصباح المتهجد: ص409، مفاتيح الجنان: ص61.
      [11]- غيبة الطوسي: ص162.
      [12]- غيبة النعماني: ص176.
      [13]- بشارة الإسلام: ص227 .
      [14]- غيبة النعماني: ص187 .
      [15]- الإرشاد: ص250.
      [16]- غيبة الطوسي: ص305.
      [17]- الملاحم والفتن: ص68.
      -[18] منتخب الأنوار المضيئة: ص343.
      -[19] الغيبة للطوسي: ص180.
      [20]- الملاحم والفتن: ص157.
      -[21]من لا يحضره الفقيه: ج4 ص 368.
      -[22]الخصال: ص55.
      [23]- إعلام الورى بأعلام الهدى: ج2 ص28.
      [24]- الصف: 6.
      [25]- كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص478، الإرشاد: ج2 ص387، تاج المواليد: ص77، الصراط المستقيم: ج2 ص254، روضة الواعظين: ص266. وقد ذكر هذا الإشكال عديد من العلماء، منهم الشيخ المفيد والشيخ الطبرسي، وأنقل لكم ما قاله الطبرسي، قال: وجاءت الرواية الصحيحة: بأنه ليس بعد دولة القائم (ع) دولة لأحد، إلاّ ما روي من قيام ولده إن شاء الله تعالى ذلك، ولم ترد به الرواية على القطع والثبات، وأكثر الروايات أنّه لن يمضى (ع) من الدنيا إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، والله أعلم. إعلام الورى: ج2 ص295.
      [26]- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ص367.
      [27]- كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري : ص478.
      [28]- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ص365.
      [29]- غيبة الشيخ الطوسي: ص224، دلائل الإمامة: ص435.
      [30]- تاريخ ما بعد الظهور: ص415.
      [31]- كمال الدين: ص339.
      [32]- بحار الأنوار: ج53 ص149.
      [33]- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ص367.

      السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

      Comment

      • اختياره هو
        مشرف
        • 23-06-2009
        • 5310

        #4
        رد: دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

        خلاصة الإشكال الثالث هو: (إنّ البعدية في قوله: (من بعدهم) ([1]) لا تقتضي البعدية الزمانية، بل تكون من قبيل قوله تعالى: ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾، وعليه فيجوز كون هؤلاء زمان الإمام المهدي (ع)، وهم نوابه (ع).

        ثم بعد ذلك يشكل ويجيب، قال: إن قلت: قال في الرواية: (
        فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل. قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده، يجوز أن يكون لوظيفة الوصية لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه).


        ولنا على كلامه عدّة نقاط:

        النقطة الأولى: إنّ البعدية على قسمين:

        الأول: البعدية الزمانية: وهي التي يكون التأخر فيها بلحاظ الزمن، كما لو قلت: جاء علي بعد محمد، فإنّ المفهوم عرفاً من هذا التعبير البعدية الزمانية، أي: إنّ زمن مجيء علي تحقق بعد زمن مجيء محمد.

        الثاني: البعدية الرتبية: وهي التي يكون التأخر فيها بلحاظ الرتبة، كما في قوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾، أي: أنّ مرتبة الإرث متأخرة عن الوصية والدين. فيقدم الدين وما أوصى به الميت ثم تأتي رتبة الإرث.

        لذا قال السيد الخوئي في بحث إخراج الخمس بعد المؤنة: (ولكن الظاهر أنّ المراد بالبعدية ليست هي البعدية الزمانية لتدل على أن حدوث الخمس متأخر عن إخراج المؤنة، بل المراد البعدية الرتبية نظير قوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ يعني إنّ مرتبة الخمس متأخرة عن المؤنة، كما أنّ مرتبة الإرث متأخرة عن الوصية والدين، ...) ([2]).

        وبعد أن عرفنا المراد من البعديتين، أقول:

        أولاً: إنّ البعدية في الآية الشريفة التي ذكرها في الإشكال وهي قوله تعالى: ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾ لا يراد منها الزمانية؛ لأنّ الله جل ثناؤه خارج عن الزمن والزمانيات، بل عن كل ما هو من صفات المخلوق، فهو الذي أيّن الأين وهو الأول والآخر.

        لكن قياس قوله (ص): (من بعده اثنا عشر مهدياً) قياس مع الفارق، ففي الآية يجب تأويل البعدية؛ لأنّ الله تعالى منزّه عن الزمن والزمانيات، لكن ما الموجب لتأويل قوله: (من بعده اثنا عشر مهدياً) ؟

        ثانياً: إنّ الدليل قائم على خلاف هذا التأويل، و نفس صاحب الإشكال اعترف بوجود قرينة من نفس رواية الوصية تبطل هذا التأويل إلاّ أنه أيضاً أولها بتأويل آخر لا دليل عليه أيضاً، وليس هو إلاّ صرف احتمال، والدين ليس مجموعة احتمالات يعتقدها شخص ولا يعتقدها آخر، فقال: (إن قلت: قال في الرواية: (فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل، الخ ...).

        ثالثاً: إنّ النبي (ص) قال: (فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً).

        حيث جاء بحرف (ثم)، وهو حرف عطف يدل في لغة العرب على التشريك في الحكم والترتيب. قال الجوهري: ثم حرف عطف يدل على الترتيب والتراخي ([3])، وهذا يدل على أمرين:

        الأول: الترتب بين الأئمة (ع) وبين المهديين (ع)، بمعنى أنّ الأئمة (ع) لهم المرتبة الأولى، ومن بعدهم تأتي رتبة المهديين (ع).
        الثاني: تشريك المهديين في كونهم حججاً كما كان الأئمة (ع) كذلك.

        وهذا المعنى جاء في روايات أُخرى لا يمكن حملها على البعدية الرتبية.

        فعن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل أنه قال: (يا أبا حمزة، إنّ منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين(ع)) ([4]).

        وعنه (ع): (إنّ منا بعد القائم (ع) اثني عشر مهدياً من ولد الحسين (ع)) ([5]).

        وعن أبي بصير، قال: (قلت للصادق جعفر بن محمد صلوات الله عليه: يا بن رسول الله، سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم اثني عشر إماماً، فقال: إنما قال: اثني عشر مهدياً ولم يقل إثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([6]).

        فهل يصح القول بالبعدية الرتبية في كل هذه الروايات ؟! وقياسها على قوله تعالى: ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾؟ وهل يفهم الإنسان العربي من هذه الروايات بأنّ المراد منها البعدية الرتبية لا الزمانية ؟

        رابعاً: إنّ النبي (ص) أمر علياً (ع) أن يسلمها للحسن (ع)، والحسن للحسين (ع)، وهكذا كل إمام يسلمها لآخر بعده، فإن كانت البعدية في الإمام الآخر زمانية كذلك تكون في المهديين، وإن كانت رتبية فكذلك، لوحدة السياق.

        خامساً: إنّ البعدية سواء كانت زمانية أم رتبية يثبت المطلوب، كما في قول النبي (ص): (من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي) ([7]).

        قال العلامة الأميني: فإنّ هذه التعابير تعطينا خبراً بأنّ الولاية الثابتة لأمير المؤمنين (ع) مرتبة تساوق ما ثبت لصاحب الرسالة، مع حفظ التفاوت بين المرتبتين بالأولية والأولوية، سواء أريد من لفظ (بعدي) البعدية الزمانية، أو البعدية في الرتبة) ([8]).

        وقال السيد علي الميلاني: (لوجود كلمة (بعدي) في ألفاظ الحديث كلها أو أكثرها، فكلمة (بعدي) صريحة في هذا المعنى؛ لأنّ البعدية هذه، إمّا بعدية زمانية أو بعدية رتبية: ربما يستظهر بالدرجة الأولى أن تكون البعدية رتبية، (علي وليكم بعدي) أي غيري، أي ما عداي في الرتبة علي وليكم. أما إذا كانت كلمة (بعدي) بمعنى الزمان والظرف، علي وليكم من بعدي، يدل وجود هذه الكلمة على أنّ أمير المؤمنين ولي المؤمنين بعد رسول الله بلا فصل، وإلاّ لما أسقط بعضهم كلمة (بعدي) في الحديث، لمّا حرفوا هذا الحديث بإسقاط كلمة (بعدي) ([9]).

        فكذلك قوله (ص): (يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً).

        فسواء كانت البعدية زمانية أم رتبية يثبت إنّ المهديين (ع) حجج بعد الأئمة بلحاظ الزمن وبلحاظ الرتبة أيضاً.

        فعلي بن أبي طالب (ع) بعد النبي (ص)، سواء فسرنا البعدية زمانية أم رتبية، نفس هذا المعنى يجري في أحمد الحسن وصي الإمام المهدي (ع). وبما أنّ علي بن أبي طالب (ع) بعد الرسول بلحاظ الزمن والرتبة، فكذلك المهدي الأول أحمد الحسن (ع)، ومن هنا يتضح بطلان قوله: (إن قلت: قال في الرواية: (فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل. قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده، ...).

        والغريب في المقام ما قاله الشيخ الحر العاملي: (أن قوله: (من بعد) لابد فيه من تقدير مضاف، فيمكن أن يقدر من بعد ولادته، أو من بعد غيبته، ويكون إشارة إلى السفراء والوكلاء على الإنس والجن، أو إلى أعيان علماء شيعته في مدّة غيبته، ويمكن أن يقدر من بعد خروجه، فيكونون نواباً له ...) ([10]).

        فلا موجب للابدية تقدير مضاف فيكون، إمّا من بعد ولادته، فيكون إشارة إلى السفراء والوكلاء، وإمّا تقدير من بعد غيبته، فيكون إشارة إلى السفراء إلى أعيان علماء شيعته في مدّة غيبته، وإمّا تقدير من بعد خروجه، فيكونون نواباً له.

        وكأنّه جعل الرواية التي تقول أنّ المهديين قوم من شيعتنا شاهداً على الاحتمال الثالث، حيث أوردها بعد قوله المتقدّم.

        والحاصل: أنّ الحر العاملي توهم أنّ أخبار المهديين تنفي الرجعة من جهة، ومن ثانية توهم أنّ الإمام المهدي (ع) لا عقب له، كما تقدم وستأتي الإشارة لذلك أيضاً.

        سادساً: قوله: (... يجوز أن يكون لوظيفة الوصية لئلا يكون ميتة جاهلية، ...).

        في الحقيقة لم أفهم لهذه العبارة وجهاً علمياً، إذ ما فائدة الوصية التي يوصيها الإمام المهدي(ع) إلى شخص ليس حجة خصوصاً وهم يقولون أنّ بعد المهدي يكون هرج ومرج أربعين يوماً ثم تقوم القيامة ؟

        وكما هو معلوم أنّ الوصي يوصي للوصي من بعده، فلابد من القول أنّ الذي يوصي له المهدي (ع) وصياً، وهذه سنّة الأوصياء المعلومة عند الجميع، فلماذا المهدي(ع) ينفرد عن هذه السنّة ؟ وما الدليل على انفراده بكونه يوصي إلى شخص غير وصي له ؟

        ثم إني لأعجب من تبرير ما تقدم بقوله: (لئلا يكون ميتة جاهلية)، أي: لكي لا يكون الإمام المهدي (ع) قد مات بلا وصية عند وفاته فتكون ميتته ميتة جاهلية، فيقول بكون الشخص الذي يوصي له المهدي (ع) ليس وصياً له، بل لدفع محذور الميتة الجاهلية، وفي الوقت نفسه يقولون بأنّ النبي (ص) لم يوص عند وفاته ؟! فمن الأولى أن لا يموت ميتة جاهلية، فهل أصبح الإمام المهدي (ع) أفضل من جدّه محمد (ص)، أم كان محمد غافلاً عن كون الموت بلا وصية يكون ميتة جاهلية، أم هناك دليل خاص استثنى محمداً (ص) عن الوصية ؟

        سابعاً: قال: (ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته، ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه).

        أقول: يتصور الذي يبقى بعد الإمام المهدي (ع) ويكون داعياً لإمامته على نحوين:

        الأول: أن يكون إنساناً عادياً كالنواب الأربعة الذين كانوا في الغيبة الصغرى.

        وهذا ما احتمله الشيخ الحر العاملي، فقال: (فيجوز كون المذكورين في زمن المهدي (ع)، ويكونوا نواباً له، كل واحد نائب في جهة، أو في مدّة) ([11]).

        وهذا الكلام لا يمكن قبوله، إذ الروايات تقول بعد وفاة الإمام المهدي (ع)، فأي معنى للنيابة بعد وفاته؟ فالنيابة في الحياة لا بعد الوفاة.

        الثاني: أن يكون الذي يبقى بعده وصياً له، وإذا كان كذلك لابد أن يكون معصوماً.

        أمّا النحو الأول: فلم يرد فيه دليل.

        وأمّا النحو الثاني: فالدليل قائم عليه، إذ رواية الوصية وروايات المهديين (ع) تدل على أنهم أوصياء المهدي (ع) وولاة عهده وهم الأئمة من بعده كما تقدم.

        فكيف يقدم الاحتمال الخالي من الدليل، بل مع ورود الدليل على خلافه ؟

        وأمّا قوله: (ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه)، فهذا لا خلاف فيه، فهو - أي الإمام المهدي (ع) - خاتم الأئمة، والقول بوجود المهديين (ع) لا ينفي ذلك، وهذا ما نقله صاحب الإشكال عن السيد المرتضى بقوله: (قال المرتضى: لا يقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم) ([12]).

        * * *

        [1]- يقصد قوله (ص): ثم يكون من بعدهم اثنا عشر مهدياً.
        [2]- كتاب الخمس: الأول، شرح: ص270.
        [3]- تاج العروس: ج16 ص89.
        [4]- غيبة الشيخ الطوسي: ص478، مختصر بصائر الدرجات: ص38، و: ص158، بحار الأنوار: ج53 ص145، معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج4 ص77، الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ص362.
        [5]- مختصر بصائر الدرجات: ص49، و: ص182، بحار الأنوار: ج53 ص 148.
        [6]- كمال الدين: ص385، مختصر بصائر الدرجات: ص212، مستدرك سفينة البحار: ج10 ص516.
        [7]- مناقب ابن شهر آشوب: ج3 ص5.
        [8]- الغدير: ج1 ص377.
        [9]- محاضرات في الاعتقادات: ج1 ص165.
        [10]- الأيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : ص369.
        [11]- الأيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ص369.
        [12]- الصراط المستقيم: ج2 ص152، الإيقاظ من الهجعة: ص368.


        السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

        Comment

        • اختياره هو
          مشرف
          • 23-06-2009
          • 5310

          #5
          رد: دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

          خلاصة الإشكال الذي وصلنا له هو: إنّ الرواية التي بينت وصية رسول الله (ص) آحادية توجب ظناً، ومسألة الإمامة علمية، فلا تثبت إلاّ بالقطع واليقين.
          إنّه أدعى أنّ وصية رسول الله (ص) من أخبار الآحاد، وأخبار الآحاد توجب الظن، ومسألة الإمامة لابد أن تثبت بطريق علمي يقيني قطعي غير ظني، فرواية الوصية لا يمكن أن تثبت الإمامة لمن يأتون بعد الإمام المهدي (ع)، لأنّها لا تفيد القطع واليقين، بل تفيد الظن.


          ويرد على هذا الكلام عدّة نقاط:

          النقطة الأولى: إنّ الشيخ الطوسي بعد أن ذكر رواية الوصية ومجموعة من الروايات، قال: فإن قيل: دلوا أولاً على صحة هذه الأخبار، فإنها [أخبار] آحاد لا يعول عليها فيما طريقه العلم، وهذه مسألة علمية، ثم دلوا على أنّ المعني بها من تذهبون إلى إمامته، فإنّ الأخبار التي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر ما رويتموها من جهة الخاصة إذا سلمت فليس فيها صحة ما تذهبون إليه، لأنها تتضمن (العدد فحسب، ولا تتضمن) غير ذلك، فمن أين لكم أن أئمتكم هم المرادون بها دون غيرهم.
          قلنا: أمّا الذي يدل على صحتها فإنّ الشيعة الإمامية يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين (ع)، والطريقة واحدة
          ([1]).

          النقطة الثانية: أنّ رواية الوصية رواها الشيخ الطوسي، وهو أشهر من أن يُعرّف، فلا يمكن أن ينقل رواية غير معتمد عليها، لأنّه من الأمور المعيبة فلا يمكن أن ينسب ذلك لشيخ الطائفة، قال الشيخ الحر: بل المعلوم من حال أرباب السير والتواريخ: أنهم لا ينقلون من كتاب غير معتمد مع تمكنهم من النقل من كتاب معتمد فما الظن برئيس المحدثين، وثقة الإسلام ورئيس الطائفة المحقة ؟ ([2]).

          النقطة الثالثة: من المعروف أنّ أخبار الآحاد إذا كانت محفوفة بقرائن تكون خارجة عن التقسيم الرباعي الذي قسموا الحديث طبقاً لها، وهذا المعنى ذكره الشيخ الحر العاملي، فقال: (أنهم اتفقوا على أن مورد التقسيم - أي تقسيم الخبر إلى ضعيف وصحيح وموثق وحسن - هو خبر الواحد الخالي عن القرينة. وقد عرفت: أن أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن، وقد اعترف بذلك أصحاب الاصطلاح الجديد في عدة مواضع قد نقلنا بعضها. فظهر ضعف التقسيم المذكور وعدم وجود موضوعه في الكتب المعتمدة. وقد ذكر صاحب (المنتقى) أن: أكثر أنواع الحديث المذكورة في دراية الحديث بين المتأخرين من مستخرجات العامة، بعد وقوع معانيها في أحاديثهم، وأنه لا وجود لأكثرها في أحاديثنا. وإذا تأملت وجدت التقسيم المذكور من هذا القبيل) ([3]).

          وقد تقدم أنّ رواية الوصية محفوفة بقرائن كثيرة تدل على صحتها، فلا داعٍ للإعادة هنا.

          النقطة الرابعة: قوله: (ومسألة الإمامة علمية، فلا تثبت إلاّ بالقطع واليقين).

          أقول: يرد عليه:

          أولاً: إن كانت مسألة الإمامة مسألة علمية، لا تثبت إلاّ بالقطع واليقين، فلماذا ذهبوا إلى القول بعدم إمكان المشاهدة لصاحب العصر والزمان (ع)، بسبب توقيع السمري، وهو من أخبار الآحاد عندهم، بل مخدوش في سنده، إمّا بالإرسال، وإمّا بمجهولية الراوي، ولا يفيد القطع واليقين طبقاً للموازين المتبعة عندهم ؟! ومسألة المشاهدة للإمام وادعاء السفارة عنه أيضاً مسألة علمية.

          ثانياً:
          إنّ القطع واليقين حاصلان، لكون رواية الوصية محفوفة بالقرائن التي توجب ذلك، وقد تقدمت. وعليه فيمكن الاستدلال بها على الإمامة.

          وخلاصة الإشكال الخامس هو: إنّ النبي (ص) لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم، فيلزم تأخير البيان عن الحاجة.


          ويمكن مناقشة هذا التوهم بعدّة نقاط:

          النقطة الأولى: لا يلزم على الرسول (ص) والأئمة (ع) بيان كل شيء، بل لكل شيء وقته وأهله، وهم أعلم بالوقت منّا، بل وهناك أسرار كثيرة متعلقة بالإمام المهدي أخفاها أهل البيت (ع) وأشاروا إلى أمهات المسائل التي تعرّف الأمة بإمامها، وهذا ما يظهر من كثير من الروايات، وإليكم يا أبنائي بعضاً من تلك الروايات:

          روى الشيخ الصدوق: (... وهكذا يكون سبيل القائم (ع) له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ...) ([4]).

          وهذا هو مقتضى الحكمة؛ لأنّ لكل وقت وزمان علم خاص يبث في زمان دون آخر، وهذا ما تشهد له روايات كثيرة ، والتي منها هذه الرواية.

          وعن أبي عبد الله (ع)، قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس و ضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً) ([5]).

          فهي تدل بصراحة على أنّ هناك علماً مذخوراً يأتي به القائم (ع)، ولذا قال السيد الخوئي (رحمه الله): (ومن هنا قد ورد في بعض الروايات إنّ أحكاماً بقيت عند صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو (ع) بعد ظهوره يبين تلك الأحكام للناس) ([6]).

          وكذلك نجد بعض الروايات تبيّن أنّ عدم تسمية المهدي (ع) مما عهد به رسول الله لعلي بن أبي طالب (ع).

          فعن أبا جعفر(ع): (سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (ع) فقال: أخبرني عن المهدي ما أسمه ؟ فقال (ع): أمّا اسمه فإن حبيبي عهد إليّ أن لا أحدث به حتى يبعثه الله) ([7]).

          وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (وأشهد على رجل من ولد الحسين لا يسمى ولا يكنى حتى يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً ...) ([8]).

          كما وتوجد روايات تبين أنّ أهل البيت (ع) متحفظين على شخصية صاحب الأمر (ع)؛ لأنها من الأسرار.

          عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن مسألة فأبى وأمسك، ثم قال: (لو أعطيناكم كلما تريدون كان شراً لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر، ...) ([9]).

          كل هذه الروايات وغيرها تؤكد أنّ آل محمد (ع) أخفوا هذه الشخصية لأهميتها، وأبهموا كثيراً من الأمور المتعلقة بها، في الوقت نفسه نجدهم بينوها بياناً شافياً واضحاً كالشمس في رابعة النهار، وهنا تتجلى حكمة آل محمد (ع)، بحيث أحكوا الأمر ومنعوا المدعين منه، في الوقت نفسه بينوه ببيان شافٍ ووافٍ.

          قال الشيخ المفيد: (إنّ أقوال الأئمة (ع) كانت تخرج على ظاهر يوافق باطنه الأمن من العواقب في ذلك. ويخرج منها ما ظاهره خلاف باطنه للتقية والاضطرار. ومنها ما ظاهره الإيجاب والإلزام، وهو في نفسه ندب ونفل واستحباب. ومنها ما ظاهره نفل وندب، وهو على الوجوب. ومنها عام يراد به الخصوص، وخاص يراد به العموم، وظاهر مستعار في غير ما وضع له حقيقة الكلام، وتعريض في القول للاستصلاح والمداراة وحقن الدماء. وليس ذلك بعجيب منهم ولا ببدع، والقرآن الذي هو كلام الله (عز وجل) وفيه الشفاء والبيان قد اختلفت ظواهره، وتباين الناس في اعتقاد معانيه ...) ([10]).

          فبعد جهلنا بحقيقة مقاصد أئمة الدين كما ذكر الشيخ المفيد من جهة، ومعرفتنا أنّ أهل البيت تقصدوا في إخفاء الأمور المتعلقة بعصر الظهور من جهة ثانية، لا يصح القول: بأنّ النبي (ص) لماذا لم يسمِ المتأخرين بأسمائهم وصفاتهم، فالأمر قد بينته الروايات بأنه سر آل محمد (ع)، ولا يريدون إطلاع الناس عليه، لأسباب كثيرة:

          منها: ما تقدم من أنّ لكل علم أهل ووقت، وهم (ص) أعلم بالوقت ؟
          ومنها: خشية إذاعة سرّهم.

          ولهذا نجد أهل البيت (ع) أكدوا على مسألة كتمان سرّهم.

          عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (ع)، قال: (وددت والله أني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي: النـزق وقلة الكتمان) ([11]).

          وعن أبي جعفر (ع): (ولاية الله أسرها إلى جبرئيل (ع)، وأسرها جبرئيل إلى محمد (ص)، وأسرها محمد إلى علي، وأسرها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك، من الذي أمسك حرفاً سمعه ؟ قال أبو جعفر (ع): في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكاً لنفسه، مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتقوا الله ولا تذيعوا حديثنا) ([12]).

          وعن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله (ع) قال: (إنّ أمرنا مستور مقنع بالميثاق، فمن هتك علينا أذله الله) ([13]).

          وعن عيسى بن أبي منصور، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح وهمه لأمرنا عبادة وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل الله) ([14]).

          النقطة الثانية: إنّ قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة مختلف فيه، فيكون الإشكال مبنائياً، فمنهم من قال بها ومنهم من رفضها، وعليه فلا يرد الإشكال المتقدّم على من لم يؤمن بها فيكون النقاش مبنائياً.

          فمن القائلين بالقبح العلامة الحلي وصاحب المعالم، حيث قال الأول: (... لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإلاّ لزم تكليف ما لا يطاق ...) ([15]).

          وقال الثاني: (فاعلم: أنه لا خلاف بين أهل العدل في عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وأمّا تأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فأجازه قوم مطلقاً، ومنعه آخرون مطلقاً، ....) ([16]).

          ومن الذين قالوا بعدم صحة هذه القاعدة المحقق النائيني، قال: (لكن التحقيق أن يقال إنّ العقلاء حين كونهم في مقام البيان وإن كان بنائهم على بيان تمام ماله دخل في ما يتعلق بأحكامهم وعدم تأخيره عن مقام التخاطب فضلاً عن مقام الحاجة، إلاّ أنّ ذلك إنما هو في ما لم تجر عادة المتكلم على إظهار تمام مراده بقرائن منفصلة لأجل مصلحة تقتضي ذلك، ضرورة أنّه مع وجود المصلحة المقتضية التأخير لا قبح في تأخير البيان عن وقت الحاجة فضلاً عن وقت الخطاب، فإذا فرض كون المتكلم حكيماً وأنّه يراعي الحكمة والمصلحة في بيان مراده في كل وقت بخصوصه لم يكن تأخير بعض مراداته عن وقت الحاجة قبيحاً) ([17]).

          وقال تلميذه السيد الخوئي: (فالتحقيق في المقام أن يقال: إنّ قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة إنما هو لأحد أمرين لا ثالث لهما.

          الأول: أنّه يوجب وقوع المكلف في الكلفة والمشقة من دون مقتض لها في الواقع كما إذا افترضنا ان العام مشتمل على حكم إلزامي في الظاهر ولكن كان بعض أفراده في الواقع مشتملاً على حكم ترخيصي، فإنه لا محالة يوجب إلزام المكلف ووقوعه بالإضافة إلى تلك الأفراد المباحة في المشقة والمكلفة من دون موجب ومقتض لها، وهذا من الحكيم قبيح.

          الثاني: أنّه يوجب إلقاء المكلف في المفسدة أو يوجب تفويت المصلحة عنه كما إذا افترضنا ان العلم مشتمل على حكم ترخيصي في الظاهر، ولكن كان بعض أفراده في الواقع واجباً أو محرماً، فإنه على الأول يوجب تفويت المصلحة الملزمة عن المكلف، وعلى الثاني يوجب إلقائه في المفسدة، وكلاهما قبيح من المولى الحكيم.

          ولكن من المعلوم إنّ هذا القبيح قابل للرفع، ضرورة أنّ المصلحة الأقوى إذا اقتضت إلقاء المكلف في المفسدة أو تفويت المصلحة عنه أو إلقائه في الكلفة والمشقة فلا قبح فيه أصلاً. فإذا لا يكون قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة كقبح الظلم ليستحيل انفكاكه عنه، بل هو كقبح الكذب يعني أنه في نفسه قبيح مع قطع النظر عن طرو أي عنوان حسن عليه.

          فإذا افترضنا أنّ المصلحة تقتضي تأخير البيان عن وقت الحاجة وكانت أقوى من مفسدة تأخيره أو كان في تقديم البيان مفسدة أقوى منها فبطبيعة الحال لا يكون تأخيره عندئذ قبيحاً، بل هو حسن ولازم .....، فالنتيجة إنّ قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة بما أنه ذاتي بمعنى الاقتضاء دون العلة التامة فلا مانع من تأخيره عن وقت الحاجة إذا اقتضته المصلحة الملزمة التي تكون أقوى من مفسدة التأخير، أو كان في تقديم البيان مفسدة أقوى من مفسدة تأخيره ولا يكون عندئذٍ قبيحاً.

          وبكلمة أخرى إنّ حال تأخير البيان عن وقت الحاجة في محل الكلام كحال تأخيره في أصل الشريعة المقدسة حيث إن بيان الأحكام فيها كان على نحو التدريج واحداً بعد واحد لمصلحة التسهيل على الناس، نظراً إلى أن بيانها دفعة واحدة عرفية يوجب المشقة عليهم وهي طبعاً توجب النفرة والإعراض عن الدين وعدم الرغبة إليه. ومن الطبيعي إنّ هذا مفسدة تقتضي أن يكون بيانها على نحو التدريج ليرغب الناس إليه رغم أنّ متعلقاتها مشتملة على المصالح والمفاسد من الأول فتأخير البيان وتدريجيته إنما هو لمصلحة تستدعي ذلك - وهي التسهيل على الناس ورغبتهم إلى الدين - ومن الواضح إن هذه المصلحة أقوى من مصلحة الواقع التي تفوت عن المكلف.

          ومن هنا قد ورد في بعض الروايات إنّ أحكاماً بقيت عند صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو (ع) بعد ظهوره يبيّن تلك الأحكام للناس، ومن المعلوم إنّ هذا التأخير إنما هو لمصلحة فيه أو لمفسدة في البيان ........، وعليه فلا إشكال في تخصيص عمومات الكتاب والسنة الواردة في عصر النبي الأكرم (ص) بالمخصصات الواردة في عصر الأئمة الأطهار (ص) حيث إنّ المصلحة تقتضي تأخيرها عن وقت الحاجة والعمل أو كانت في تقديمها مفسدة ملزمة تمنع عنه
          ) ([18]).

          وطبقاً للكلام الذي ذكراه النائيني والخوئي، حتى لو كان عدم ذكر أسماء المهديين (ع) من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يكون قبيحاً، إذ أنّ النبي (ص) أخفى أسماءهم لمصلحة أقوى من بيانها.

          النقطة الثالثة: إنّ عدم ذكر أسماء المهديين (ع) ليس من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة، بل من قبيل تأخير البيان عن وقت الخطاب وهو جائز بالإجماع:

          أمّا جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، فقد صرح غير واحد من العلماء بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، قال الشيخ الطوسي: (فعندنا إنّ تأخير البيان يجوز عن وقت الخطاب، وإنما لا يجوز عن وقت الحاجة) ([19]).

          وأمّا كون ما نحن فيه من قبيل تأخير البيان عن وقت الخطاب، فهو ما تقدم في النقطة الأولى. مضافاً إلى هذه الرواية التي رواه الشيخ النعماني في غيبته:

          عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) أنّه قال: (الوصية نزلت من السماء على رسول الله (ص) كتاباً مختوماً، ولم ينزل على رسول الله (ص) كتاب مختوم إلاّ الوصية، فقال جبرئيل (ع): يا محمد، هذه وصيتك في أمتك إلى أهل بيتك. فقال رسول الله (ص): أي أهل بيتي، يا جبرئيل ؟ فقال: نجيب الله منهم وذريته ليورثك في علم النبوة قبل إبراهيم، وكان عليها خواتيم، ففتح علي (ع) الخاتم الأول ومضى لما أمر فيه، ثم فتح الحسن (ع) الخاتم الثاني ومضى لما أمر به، ثم فتح الحسين (ع) الخاتم الثالث فوجد فيه: أن قاتل واقتل وتقتل واخرج بقوم للشهادة، لا شهادة لهم إلا معك، ففعل، ثم دفعها إلى علي بن الحسين (ع) ومضى، ففتح علي بن الحسين الخاتم الرابع فوجد فيه: أن أطرق واصمت لما حجب العلم، ثم دفعها إلى محمد بن علي (ع) ففتح الخاتم الخامس فوجد فيه: أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك العلم واصطنع الأمة، وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلاّ الله، ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه، فقال معاذ بن كثير: فقلت له: وأنت هو ؟ فقال: ما بك في هذا إلا أن تذهب - يا معاذ - فترويه عني، نعم، أنا هو، حتى عدد عليّ اثنا عشر اسماً، ثم سكت، فقلت: ثم من ؟ فقال: حسبك) ([20]).

          فنلاحظ في هذه الرواية لكل إمام خاتم يعمل بما فيه، لأنهم (ص) مكلفون من الله تعالى بالعمل بهذا الخاتم، كل حسب زمانه ووقته، وهذا لا يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة، بل هذا مقتضى التدرج في التبليغ وقيادة الأمة، ثم إنّ قوله (ع): حسبك، يشعر بأنّ بعده كلام إلاّ أنه لم يحن وقته في زمن سؤال السائل.

          ـــ ثم إننا غير مكلفين بمعرفة المهديين (ع) إلاّ في وقت ظهور أولهم (ع)، فكيف يكون تأخير البيان في عدم ذكر اسماهم من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة ؟ وإلاّ للزم تأخير ذكر أسماء الأئمة المعصومين في الشرائع السابقة من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهذا لا يمكن أن يقول به أحد.

          قال السيد المرتضى: (لا يقطع بزوال التكليف عند موت المهدي (ع)، بل يجوز أن يبقى بعده أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا ذلك عن التسمية بالاثني عشرية؛ لأنّا كلفنا أن نعلم إمامتهم، وقد بينا ذلك بيانا شافيا، فانفردنا بذلك عن غيرنا) ([21]).

          والملفت أنّ صاحب الإشكال قد أجاب عنه في مكان آخر من نفس الكتاب، حيث قال: إن قيل: إنّ الإمامة إن كانت ركناً في الدين، فقد أخل الله ورسوله بها قبل يوم الغدير، إذ فيه أنزل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ ولزم أن من مات قبل ذلك، لم يكن مؤمناً لفوات ركن من إيمانه، وفيه تأخير البيان عن [وقت] الحاجة، وإن لم تكن ركناً لم يضر تركها. قلنا: هي ركن من بعد موت النبي (ص) لقيامه مقامه، فلا تأخير عن الحاجة ولا شك أن دين النبي (ص) إنما تكمل تدريجاً بحسب الحوادث، أو أنه كمل قبل فرض التكليف، والميتون قبل الغدير كمل الدين لهم بالنبي (ص)، والخطاب للحاضرين، وليس فيه تكميل الدين لغيرهم. على أنّ النبي (ص) نص على علي في مواضع شتى في مبدأ الأمر ... ([22]).

          أقول: هذا الكلام الذي ذكره يجري بعينه في المهديين (ع) أيضاً.

          النقطة الرابعة: إنّ النبي (ص) وآله الطاهرين (ص) بينوا للأمة المهديين (ع) وكونهم بعد الإمام المهدي (ع) لكنهم لم يذكروا أسماء المهديين الذين يأتون بعد المهدي الأول (ع)، ولنسمي هذا بياناً إجمالياً، كما في كثير من الأمور التي بينها الشرع بياناً إجمالياً، كعالم البرزخ والجنة والنار، إلاّ أنّ ذلك لا يبرر إنكار تلك العوالم، إذ ليس الملاك في عدم الإنكار هو العلم التفصيلي، وإلاّ لزم إنكار كثير من الحقائق التي اخبر بها الله تعالى وأنبياؤه وأوصياؤه (ص)، فالرجعة نحن مؤمنون بها لقيام الدليل عليها لا لأنها قد بُينت لنا بياناً تفصيلياً.

          ففي ما نحن فيه يأتي نفس الكلام، فالمهديون (ع) بينهم أهل البيت (ع)، بأنهم أوصياء الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، والقوّام من بعده، وقد بينت دورهم الروايات بياناً تفصيلياً غاية ما في الأمر أنّ أسماءهم لم تبين - وإن كنت أعتقد أنهم (ع) بينوهم في الروايات لكنا نجهل ذلك - لكن هذا لا يسوغ رد كل الأحاديث التي جاءت فيهم (ص)، وقد تقدم ذكرها فيما مضى.


          الهوامش
          [1]- الغيبة للشيخ الطوسي: ص156.
          [2]- وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج30 ص253.
          [3]- وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج30 ص262.
          [4]- كمال الدين وتمام النعمة: ص155، بحار الأنوار: ج36 ص208.
          [5]- مختصر بصائر الدرجات: ص117.
          [6]- محاضرات في أصول الفقه: ج5 ص320.
          [7]- الإمامة وتبصرة: ص117، كمال الدين: ص638، بحار الأنوار: ج51 ص36.
          [8]- غيبة النعماني: ص68، ورواه في الوسائل عن أبي جعفر الباقر (ع): وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج16 ص238.
          [9]- الكافي: ج2 ص224، بحار الأنوار: ج72 ص77.
          [10]- المسائل السروية: ص76.
          [11]- الكافي: ج2 ص221.
          [12]- الكافي: ج2 ص224.
          [13]- الكافي:ج2 ص226.
          [14]- الكافي:ج2 ص226.
          [15]- مبادئ الوصول: ص161.
          [16]- معالم الدين وملاذ المجتهدين: ص157.
          [17]- تقرير بحث النائيني للسيد الخوئي: ج1 ص508.
          [18]- محاضرات في أصول الفقه: ج5 ص320.
          [19]- عدة الأصول (ط . ق): ج3 ص11.
          [20]- غيبة النعماني: ص60، بحار الأنوار: ج36 ص210.
          [21]- الصراط المستقيم: ج2 ص152.
          [22]- الصراط المستقيم: ج1 ص314.
          السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

          Comment

          • اختياره هو
            مشرف
            • 23-06-2009
            • 5310

            #6
            رد: دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته


            خلاصة الإشكال السادس هو: إنّ رواية الوصية فيها زيادة، وهذه الزيادة شاذة لا تعارض الشائعة الذائعة. وهذه الزيادة هي ذكر النبي (ص) للمهديين (ص)، وهذا يتعارض مع ما هو شائع بين المصنفين من أنّه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد، بل بعد شهادة الإمام المهدي (ع) تكون الرجعة. ولا ترتفع المعارضة إلاّ برد هذه الرواية.


            هذا هو الإشكال السادس، وسأبينه في نقاط:

            النقطة الأولى: دعوى أنّ رواية الوصية فيها زيادة شاذة، وهذه الشاذة لا تعارض الشائعة الذائعة.

            أقول: إنّه يقصد بالزيادة التي جاءت في الوصية، هي قوله (ص): (فإذا حضرته - أي محمد بن الحسن العسكري (ع) - الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي، وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين).

            وقد تقدّم أنّ الزيادة التي ذكرها لم تتفرّد بها الوصية، بل جاءت في روايات كثيرة أشرنا إليها فيما سبق،

            منها: رواية حذيفة ابن اليمان التي ذكر فيها نفس الأسماء الثلاثة الموجودة في رواية الوصية.
            ومنها: الرواية التي تبين أنّ للإمام المهدي (ع) ابناً يطلّع عليه في زمن غيبته الكبرى.
            ومنها: الرواية التي دلت على أنّ الرايات تُهدى لابن صاحب الوصيات، وصاحب الوصيات هو الإمام المهدي (ع)، والرايات تُهدى إلى ابنه وهو المذكور في الوصية.
            ومنها: الروايات التي دلت على وجود مهديين اثني عشر يأتون بعد الإمام المهدي (ع).
            ومنها: الروايات التي دلت على وجود شاب يخرج في المشرق وهو من أهل بيت الإمام المهدي (ع).
            ومنها: الروايات التي تثبت وجود الذرية للإمام المهدي (ع)، وليس هذه الذرية إلاّ المهديين الاثني عشر (ص).
            ومنها: الروايات التي دلت على وجود قوّام بعد الإمام المهدي (ع)، وقد تقدّمت كل هذه الروايات.

            فبعد كل هذه الروايات التي تؤكد ما سمّاها بالزيادة، إمّا بالنص عليها كرواية حذيفة ابن اليمان المتقدمة، أو بالإشارة كباقي الروايات الأخرى، فكيف يمكن أن توصف تلك الزيادة بالشذوذ ؟

            وأمّا بالنسبة لمعارضة الزيادة - كما يقول - للروايات الشائعة، فهو مجرد وهم خالٍ عن الدليل، إذ أثبتنا فيما تقدّم أنّ روايات المهديين لا تعارض روايات الأئمة الاثني عشر، كما أنها لا تعارض روايات الرجعة، وكذا لا تعارض الروايات القائلة برفع الحجة من الأرض أربعين يوماً، كما تقدم وسيأتي أيضاً.

            والقول بالمعارضة توهم محض، و ضرب من ضروب الاجتهاد الظني العاري عن الدليل .

            النقطة الثانية: إنّ هذه الزيادة الشاذة تعارض ما هو شائع بين المصنفين الذين قالوا: ليس بعد دولة القائم (ع) دولة لأحد.

            فيرد عليه أولاً: إنّ الكثير من العلماء تعرضوا لروايات المهديين ولم يقطعوا بنفيها، كما أنهم لم ينفوا التكليف بعد الإمام المهدي (ع)، فلماذا لم يفهموا منها التعارض:

            قال السيد المرتضى (رحمه الله): (لا يقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية؛ لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم) ([1]).

            وقال الشيخ الطبرسي (رحمه الله): (وجاءت الرواية الصحيحة: بأنه ليس بعد دولة القائم (ع) دولة لأحد، إلاّ ما روي من قيام ولده إن شاء الله تعالى ذلك، ولم ترد به الرواية على القطع والثبات، وأكثر الروايات أنه لن يمضى (ع) من الدنيا إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، والله أعلم) ([2]).

            فكلام السيد المرتضى واضح في أنّه بصدد المحاججة مع الخصم، لأجل الحفاظ على اسم الفرقة الإثني عشرية، لذا فهو يقول نحن لا نقطع بارتفاع التكليف بعد شهادة الإمام المهدي (ع)، بل يجوز أن يبقى بعد شهادته (ع) من يقوم بعده بحفظ الدين ومصالح أهله، إلاّ إنّ ذلك لا يخرجنا عن كوننا اثني عشرية، ويعلل ذلك بأننا مكلفين أن نعلم إمامة الأئمة الإثني عشر، وهو الذي حصل فيه الخلاف بيننا وبين غيرنا، فغيرنا لا يعتقد بإمامتهم ونحن نعتقد بها، فانفردنا نحن بهذه التسمية.

            وكلامه صريح في:

            أولاً: عدم القطع بارتفاع التكليف بعد شهادة الإمام المهدي (ع).
            ثانياً: جواز أن يبقى بعد شهادة الإمام المهدي (ع) من يقوم بعده بحفظ الدين ومصالح أهله.

            لكن يقول السيد المرتضى إنّ الالتزام بهذين الأمرين لا يخرجنا عن كوننا اثني عشرية، (لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم).

            فكلام السيد المرتضى (رحمه الله) في صدد بيان انفراد الشيعة بإسم الاثني عشرية، وهدفه الدفاع والحفاظ على التسمية بالإثني عشرية فقط.

            بل حتى صاحب الإشكال يظهر منه ذلك، حيث ذكر عبارة السيد المرتضى تأييداً لكلامه، قال: إن قلت: قال في الرواية: (فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل، قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده يجوز أن يكون لوظيفة الوصية، لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه.

            قال المرتضى: لا يقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم.

            وكذلك كلام الطبرسي، فأنّه لم ينفِ وجود المهديين الذين هم أولاد الإمام المهدي (ع)، وإنما لم يثبت عنده ذلك بدرجة القطع، ولعل السبب هو توهم المعارضة بين الروايات القائلة بمضي الحجة قبل أربعين يوم من قيام القيامة وبين روايات المهديين (ع)، ويؤيد هذا انه بعد أنّ ذكر عدم القطع والثبات من الروايات التي دلت على قيام ولد الإمام (ع) من بعده، قال: (وأكثر الروايات أنّه لن يمضي (ع) من الدنيا إلاّ قبل القيامة بأربعين يوماً..) ([3]).

            ثانياً: قد تقدم في الحلقات السابقة عدم وجود التعارض، بين القول بدولة المهديين وبين القول بالرجعة، فلا داعي للإعادة.

            النقطة الثالثة: إنّ بعد شهادة الإمام المهدي (ع) تكون الرجعة.

            والجواب عن هذه النقطة اتضح مما تقدم في الحلقات السابقة، فإنّ الرجعة لا تكون بعد الإمام محمد بن الحسن المهدي (ع)، بل بعد المهدي الثاني عشر (ع)، فهو المهدي الذي يخرج عليه الحسين (ع)، وهو المقصود بالمهدي الذي ليس له عقب في الروايات.

            النقطة الرابعة: لا ترتفع المعارضة إلاّ برد رواية الوصية.

            والجواب عن هذه النقطة واضح بعد أن اتضح لكم عدم وجود معارضة بين روايات المهديين وبين روايات الرجعة. وافتراض المعارضة توهم صِرْفٌ خالٍ عن الحجة بل الحجة على خلافه كما تقدم.

            ثم إني لا ينقضي عجبي من قوله: ( إلاّ برد رواية الوصية )، والحال أنّ روايات أهل البيت استفاضت في النص على عدم جواز الرد لرواياتهم، وإليكم بعضاً من هذه الروايات:

            عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (ع)، قال: سمعته يقول: (أما والله إنّ أحب أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالاً وامقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه، اشمأز منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، و إلينا أسند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا) ([4]).

            قال النبي (ص): (من رد حديثاً بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة، فإذا بلغكم عني حديث لم تعرفوا فقولوا: الله أعلم) ([5]).

            عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (لا تكذبوا بحديث آتاكم مرجئي ولا قدري ولا خارجي نسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شيء من الحق فتكذبوا الله (عز وجل) فوق عرشه) ([6]).

            وإلى هنا ننتهي من مناقشتنا للإشكال السادس.

            أمّا الإشكال السابع فخلاصته: إنّ أكثر الروايات عبّرت: وتسعة من ولد الحسين. ويجب حصر المبتدأ في الخبر.


            ويرد عليه:

            أولاً: إنّ تلك الروايات ناظرة إلى الأئمة (ع)، ولا تنافيها الروايات التي تذكر المهديين (ع).

            ثانياً: إنّ البعض ينكر اطراد هذه القاعدة، فليس دائماً يجب حصر المبتدأ في الخبر، فقد قال المحدث البحراني في الحدائق، في بحث الصيغة التي يقع فيها الطلاق: (ولا يرد على هذا حصر المبتدأ في خبره؛ لأنّ ذلك غير مطرد كما حقق في محله) ([7]).

            ومن هنا جاء في حاشية الدسوقي: (واعلم أن المبتدأ إذا كان معرفاً بأل الجنسية وكان خبره ظرفاً أو جاراً ومجروراً أفاد الحصر أي حصر المبتدأ في الخبر كالكرم في العرب، والأئمة من قريش أي لا كرم إلاّ في العرب ولا أئمة إلاّ من قريش) ([8]).

            والمبتدأ هنا (تسعة)، وهو غير محلى بأل الدال على الجنس.

            ثالثاً: لو سلمنا جدلاً بهذه القاعدة، فهي أجنبية ولا ربط لها فيما نحن فيه، إذ هي تصح مع عدم وجود النص، فيستظهر الوجوب المزعوم - أعني وجوب حصر المبتدأ بالخبر -، بينما النصوص دلت على وجود مهديين من ولد الحسين (ع)، فهذه الروايات تلغي استظهار الحصر المزعوم.

            رابعاً: ورد عن أهل البيت (ع) أنهم أمروا شيعتهم بالأخذ بقولهم الأخير، فعن أبي عبد الله (ع) قال: (أرأيتك لو حدثتك بحديث - العام - ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه، بإيهما كنت تأخذ ؟ قال: قلت: كنت آخذ بالأخير. فقال لي: رحمك الله) ([9]).

            وعن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (ع)، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): (إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بايهما نأخذ ؟ قال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله. قال: ثم قال أبو عبد الله (ع): إنّا والله لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم).

            قال في الكافي بعد نقل هذا الخبر: وفي حديث آخر: (خذوا بالأحدث) ([10]).

            ومن الواضح أنّ رواية الوصية تبيّن آخر وأحدث كلمات النبي التي نطق بها في ساعة وفاته، فالمتعين هو العمل بها طبقاً للروايات المتقدمة.

            ثم إنّ المعروف في فقه الحوزة العلمية حالياً، في حالة تغيّر فتوى المجتهد يقولون بوجوب العمل بالفتوى المتأخرة، فلو اعتبروا أنّ الرسول مفتياً - كما يعتبرونه وآله عليهم السلام أناساً عرفيين ويحملون كلماتهم على المتفاهم عليه عرفاً، والحال إنّ الكثير من كلماتهم لم تأتِ على ما يفهمه العرف - لا رسولاً من عند الله تعالى، فيجب عليهم معاملته معاملة الفقيه الذي تغير رأيه في مسألة ما، فيجب عليهم العمل بالفتوى المتأخرة، وهذه الوصية هي آخر ما نطق به محمد (ص) في ليلة وفاته، فلماذا هذا الإصرار على ردّها.

            مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الأئمة الذين أتوا بعد رسول الله (ص) أكدوا مضامين الوصية بأكثر من رواية كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك.

            أفهل يصح بعد كل هذا بمقتضى موازين القرآن والسنة أن ترد هذه الوصية وترفض ؟!

            إلاّ اللهم أن يقولوا بوجود ثالث للثقلين لم يذكره رسول الله (ص)، وهو من المعايير والموازين التي توزن بها الروايات، وبهذا يخالفون قول النبي الذي يحصر الهداية بالقرآن والعترة، ويكونون في الحقيقة كمن قال: (حسبنا كتاب الله).

            غاية ما في الأمر أنّ ذلك القائل (حسبنا كتاب الله) اكتفى بواحد من الثقلين وهو القرآن، بينما هم زادوا ثالثاً وهو رأي الفقهاء فأصبحوا يتعبدون بقول الفقهاء في كل شيء حتى في العقائد والضروريات التي لا تقليد فيها عند نفس الفقهاء.

            والنتيجة لا الذي اكتفى بالقرآن كان مصيباً، ولا الذي زاد شيئاً ثالثاً ولم يكتفِ بالثقلين مصيباً.

            ومن هنا إن دققتم النظر تجدون الذي اكتفى بكتاب الله رد الوصية، واتهم الرسول (ص) بالهجر - وحاشا المصطفى من ذلك -، وكذلك تجد من زاد على الثقلين ثالثاً انتهى إلى نفس النتيجة، فرد الوصية المقدسة لرسول الله محمد (ص) ورفضها.

            وأمّا الإشكال الثامن الذي خلاصته: إنّ هؤلاء المهديين لم يذكروا في التوراة ولا في غيرها، ولا أخبر النبي (ص) برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه. وبما أنّه لم يذكروا لا في التوراة ولا في غيرها، ولا أخبر النبي (ص) بهم عند ما اسري به فلا يمكن الأخذ برواية الوصية والروايات التي ذكرت المهديين.


            فيرد على هذا التوهم:

            أولاً: إنّ القول بعدم ذكر المهديين في الكتب السابقة إنما يدل على جهل قائله، إذ أنّ النصوص التي في الكتب السابقة أشارت إلى الأئمة والمهديين (ع)، وإليكم نصاً من الكتب السابقة:

            جاء في الإصحاح الرابع: ((1) بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً: اصعد إلى هنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا. (2) وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس. (3) وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. (4) وحول العرش أربعة وعشرون عرشا. ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. (5) ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات…) ([11]).

            وهؤلاء الأربعة والعشرون هم الأئمة والمهديون، كما بيّن ذلك السيد أحمد الحسن اليماني (ع) في رسالة الهداية.

            فتلاحظون أنّ هذا النص يتوافق مع الوصية تماماً.

            ثانياً: أمّا قوله: (ولا أخبر النبي (ص) برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه).

            فأقول: يرد عليه:

            1- قد تقدّم سابقاً إنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لمصلحة أهم لا قبح فيه، فضلاً عن تأخيره عن وقت الخطاب فهذا لم يقل بقبحه أحدٌ على الإطلاق، وموردنا من هذا القبيل، كما نص المرتضى والطبرسي على ذلك، حيث صرحوا بأننا مكلفون بمعرفة الأئمة الاثني عشر، ولا يمنع أن يأتي بعد الإمام المهدي (ع) من يستخلفه في الأرض، وقد تقدّم عليكم قولهما يا أبنائي، فالرسول (ص) لم يخبر بهم، إمّا لأنّ مصلحة الكتمان أهم، أو لعدم الحاجة إلى الإخبار بهم في ذلك الوقت، كما عهد منه التدرّج في تبليغ الأحكام وكشف الحقائق لأهلها الذين يتحملونها؛ لأنّ أمرهم صعب مستصعب، كما يقول أمير المؤمنين (ع): (إنّ أمرنا صعب مستصعب، لا يحمله إلاّ عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، ولا يعي حديثنا إلاّ صدور أمينة وأحلام رزينة) ([12]).

            2- إنّ الرسول محمد (ص) حكيم، ويعرف مقتضى التدرّج في بيان الحقائق؛ لأنّهم أمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم كما يقول النبي (ص): (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) ([13]).

            كما أنّهم أعلم بالوقت كما يقول إمامنا الصادق (ع) ([14])، لا أننا نحاكم رسول الله (ص)، لأنه لم يذكر المهديين إلاّ في ليلة وفاته، وما داموا هم كذلك فلا يسألوا عمّا يفعلوا، بل أمرنا الله بالتعبد بما يأتينا من النبي (ص)، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾([15])، وبما يأتينا من عترته (ص).

            3- عدم إخباره برؤية المهديين (ع) في الإسراء والمعراج لا يعني عدم جواز الإخبار بهم عند وفاته، فهل لأحد ولاية على رسول الله (ص) لكي يقوّم أفعاله، أم أنّه (ص) هو الأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو بطبيعة الحال يراعي مصلحة الإسلام، ومن هنا نستكشف أنّ عدم إخباره بهم في ذلك الوقت كان لهدف أهم ومصلحة عليا عائدة للإسلام.

            قال تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾([16]).

            وقال أمير المؤمنين (ع): (كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم) ([17]).



            * * *
            الهوامش

            [1]- الصراط المستقيم: ج2 ص152، الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ص368.
            [2]- إعلام الورى بأعلام الهدى: ج2 ص295.
            [3]- قال ذلك أيضاً الشيخ المفيد في الإرشاد: ج2 ص386، وكذلك ابن أبي الفتح الإربلي في كشف الغمة: ج3 ص266.
            وقال الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة ص77: (... إنّ عدد الأئمة (ع)اثنا عشر والثاني عشر هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ثم يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلاّ بالإقرار باثني عشر إماماً اعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر (ع) بعده ...).
            ومن الذين نص على المهديين بعد الإمام المهدي (ع) الشيخ علي النمازي الشاهرودي وقال: (لا إشكال في ذلك وهو منصوص عليه في الروايات،..) راجع مستدرك سفينة البحار: ج10 ص516.
            [4]- بصائر الدرجات: ص557.
            [5]- ميزان الحكمة: ج1 ص549.
            [6]- ميزان الحكمة: ج1 ص549.
            [7]- الحدائق الناضرة: ج25 ص203.
            [8]- حاشية الدسوقي: ج4 ص415.
            [9]- الكافي: ج1 ص67.
            [10]- الكافي: ج1 ص67.
            [11]- الانجيل، الاصحاح الرابع: ص399.
            [12]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج2 ص129.
            [13]- الكافي: ج1 ص23. رواه بهذا السند: جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي ابن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (ع).
            [14]- روى ابن شهر آشوب في المناقب: حدث إبراهيم عن أبي حمزة عن مأمون الرقي، قال: (كنت عند سيدي الصادق (ع) إذ دخل سهل بن حسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال له، يا ابن رسول الله، لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة ما الذي يمنعك أن يكون لك حق تقعد عنه وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف ؟ فقال له (ع): اجلس يا خراساني رعى الله حقك، ثم قال: يا حنفية، اسجري التنور، فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوه، ثم قال: يا خراساني، قم فاجلس في التنور، فقال الخراساني: يا سيدي يا ابن رسول الله لا تعذبني بالنار أقلني أقالك الله، قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي ونعله في سبابته فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق: الق النعل من يدك واجلس في التنور. قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهد لها ثم قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنور. قال: فقمت إليه فرأيته متربعاً فخرج إلينا وسلم علينا، فقال له الإمام: كم تجد بخراسان مثل هذا ؟ فقلت: والله ولا واحداً، فقال (ع): لا والله ولا واحداً أما أنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا نحن أعلم بالوقت) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص362.
            [15]- الحشر: 7.
            [16]- المدثر: 52.
            [17]- نهج البلاغة: ج2 ص31.
            السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

            Comment

            • اختياره هو
              مشرف
              • 23-06-2009
              • 5310

              #7
              رد: دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

              خلاصة الإشكال التاسع هو: إنّ النبي (ص) لمّا عدد الأئمة الاثني عشر، قال للحسن: لا تخلوا الأرض منهم، ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلو على أن المقصود به أولادهم، لأنّه من المجاز، ولا ضرورة تحوج إليه.
              ويرد عليه:

              إنّ الروايات التي نصّت على عدم خلو الأرض منهم (ص)، جاءت بألفاظ ثلاثة:

              الأول: لفظ الحجّة، كما قال أمير المؤمنين (ع)، قال: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة. إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله و بيناته) ([1]).
              وعن أبي عبد الله (ع)، قال: (لو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجة على صاحبه) ([2]).
              وعنه (ع)، قال: (لن تخلو الأرض من حجة عالم يحيى فيها ما يميتون من الحق، ثم تلا هذه الآية: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾) ([3]).
              وعنه (ع)، قال: (ما زالت الأرض إلاّ ولله تعالى فيها حجة يعرف الحلال من الحرام، ويدعو إلى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلاّ أربعين يوماً قبل القيامة، وإذا رفعت الحجة، أغلق باب التوبة فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية. أولئك شرار خلق الله وهم الذين يقوم عليهم القيامة) ([4]).

              الثاني: الإمام، فعن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): تبقى الأرض بغير إمام ؟ قال: (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت) ([5]).

              الثالث: إثنا عشر، عن أبي جعفر الباقر، عن أبيه، عن جدّه، قال: (قال رسول الله (ص): أني واثنا عشر من أهل بيتي أولهم علي ابن أبي طالب أوتاد الأرض التي امسكها الله بها أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهبت الإثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم تنظروا) ([6]).

              ولهذا نشاهد في الرواية التي استشكل بها صاحب الإشكال، ذكرت العترة الهادية، وهم آل محمد (ع) أولاً، ومن ثم عطفت لفظ الحجّة على الإمام تارة، وأخرى عطفت لفظ الإمام على الحجّة، (قلت: يا رسول الله، فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجة ؟ قال: نعم، علي هو الإمام والحجة بعدي، وأنت الحجة والإمام بعده)، مما يدل على أنّهم أخذوا كحجج (ص) في الأرض، كما صرّح الرسول (ص) في نفس الرواية: (وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور).

              وإليكم نص الرواية: عن الحسن بن علي (ع) قال: (خطبنا رسول الله (ص) يوماً، فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه: معاشر الناس، كأني ادعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم، و لو خلت إذاً لساخت بأهلها، ثم قال: اللهم إني أعلم أن العلم لا يبيد ولا ينقطع، وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور، لكيلا يبطل حجتك، ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلون عدداً الأعظمون قدراً عند الله. فلما نزل عن منبره قلت: يا رسول الله، أمّا أنت الحجة على الخلق كلهم ؟ قال: يا حسن، إنّ الله يقول: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾([7])، فأنا المنذر وعلي الهادي، قلت: يا رسول الله، فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجة ؟ قال: نعم، علي هو الإمام والحجة بعدي، وأنت الحجة والإمام بعده، والحسين هو الإمام والحجة بعدك، ولقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين ولد يقال: له علي سمي جدّه علي، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده علي ابنه، وهو الحجة والإمام، ويخرج الله من صلب علي ولداً سميي وأشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، وهو الإمام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله من صلبه مولوداً يقال له جعفر أصدق الناس قولاً وفعلاً، وهو الإمام والحجة بعد أبيه.
              ويخرج الله تعالى من صلب جعفر مولوداً سمي موسى بن عمران، أشد الناس تعبداً، فهو الإمام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب موسى ولداً يقال له: علي، معدن علم الله وموضع حكمه، فهو الإمام والحجة بعد أبيه.
              ويخرج الله تعالى من صلب علي مولوداً يقال له: محمد، فهو الإمام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب محمد مولوداً يقال له علي، فهو الإمام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب علي مولوداً يقال له: الحسن، فهو الإمام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب الحسن الحجة القائم إمام زمانه ومنقذ أوليائه، يغيب حتى لا يرى يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾([8])، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله (عز وجل) ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا فيملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا يخلو الأرض منكم، أعطاكم الله علمي وفهمي، ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ومن زرعي وزرع زرعي)
              ([9]).

              وكما أنّ الأئمة حجج فالمهديون كذلك، وكما أنّ الأئمة قوّام، كما ذكرت الرواية المتقدمة: (فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده علي ابنه، وهو الحجة والإمام)، فكذلك المهديون (ع)، وكما أنّ المهديين أئمة أيضاً كما ثبت فيما سبق، غاية ما في الأمر أنّ المهديين (ع) بحسب المقام أقل مقاماً من الأئمة كما تقدم ذلك.

              وأمّا قوله: (ويبعد حمل الخلو على أنّ المقصود به أولادهم، لأنّه من المجاز، ولا ضرورة تحوج إليه).

              فهو واضح البطلان بعد أن عرفنا أنّ المراد بالاثني عشر الأئمة كمثال للحجج الذي لا تخلوا منهم هذه الأرض لا في الماضي ولا في الآتي.

              فأسماء الأئمة المذكورين (ص) إنّما ذكرهم النبي (ص)؛ لأنّهم عترة النبي (ص) الهادية وهم حجج وأئمة على الخلق، لا لأجل شيء آخر حتى يقال حمله على أولادهم يكون مجازاً.

              ثم مضافاً إلى ذلك أنّ أهل البيت (ع) بينوا في رواياتهم بأنّ الإمامة ستكون في أعقاب الأعقاب.

              عن حماد بن عيسى عند عبد الأعلى بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (إنّ الله (عز وجل) خص علياً بوصية رسول الله (ص)، وما يصيبه له فأقر الحسن والحسين (عليهما السلام) له بذلك، ثم وصية للحسن وتسليم الحسين للحسن ذلك حتى أفضي الأمر إلى الحسين لا ينازعه فيه أحد من السابقة مثل ماله واستحقها علي بن الحسين لقول الله (عز وجل): ﴿وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ﴾([10])، فلا تكون بعد علي بن الحسين إلاّ في الأعقاب، وفي أعقاب الأعقاب) ([11]).

              فقوله (ع): (في الأعقاب) تشير إلى الأئمة (ع)، وقوله: (أعقاب الأعقاب)، يشير إلى المهديين الإثني عشر؛ لأنّهم ليس العقب المباشر للأئمة، بل أعقاب أعقابهم، ومن هنا قلت لكمن المهدي الأول هو من ذرية الإمام المهدي (ع)، أي من أعقاب الأعقاب.

              وهؤلاء المهديون من العترة الهادية، لهذا جاء في الروايات لفظ (منّا)، أي من أهل البيت (ص)

              عن الإمام الصادق (ع): (إنّ منا بعد القائم (ع) اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين (ع))([12]).

              ومن هنا تفهمون الرواية التي رواها الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: (أتيت أمير المؤمنين (ع) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها ؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين! فقلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات) ([13]).

              وجاءت هذه الرواية بلفظ آخر:

              الأول: من ظهر. وجاء هذا اللفظ في الكافي، و دلائل الإمامة، والاختصاص للمفيد، وغيبة الطوسي، والهداية الكبرى للخصيبي، ومعجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ونهج السعادة للمحمودي، ومكيال المكارم ([14]).

              الثاني: من ظهري. وأيضاً وردت في بعض نسخ الكافي، ولذا نجد أنّ المحقق وضع الياء بين معقوفتين، كما هو المعروف في التحقيق.

              ولكي يتضح لكم الأمر أقول:

              أولاً: إنّ من المعلوم في الكتب القديمة وطريقة تحقيقها قد يشتبه المحقق في كثير من الأمور بسبب طبيعة كتابة النسخ القديمة، فقد يتوهم المحقق بوجود حرف الياء، لكنه في الحقيقة ليس كذلك بل قد يكون فارزة أو نقطة، أو حرف آخر مشابه للحرف الذي يريده المؤلف، بسبب طبيعة كتابة القدماء والآلة التي يكتبوا بها والحبر وغيرها من الأمور.

              وممّا يؤيد ذلك أمور:

              الأول: اختلاف النسخ ووقوع التصحيف فيها، وهذا أمر معروف لمن عنده أدنى اطلاع بسيط في طبيعة الكتب وتحقيقها.

              الثاني: نقل العلماء للفظ الأول ولم ينقلوا اللفظ الثاني، فمن خلال ذلك يقطع الإنسان بعدم وجود الياء التي أضافها المحقق لنسخة الكافي للرواية، وما موجود في بعض النسخ فهو من خطأ النسّاخ، فالمفيد والطوسي أعرف بطبيعة الكتابة والخط الذي اعتاد عليه القدماء، وهم لم ينقلوا هذه الزيادة، أعني زيادة الياء، فيكون (من ظهري الحادي عشر).

              وعليه فيكون اللفظ الصحيح هو (من ظهر الحادي عشر)، لا (من ظهري الحادي عشر).

              الثالث: إنّ الرواية جاءت في الكافي وفي دلائل الإمامة بسند واحد ([15])، ورواه المفيد في الاختصاص ([16]).وقد ذكر الطوسي أنّ الرواية نقلت بسندين ([17]).

              وعلى الرغم من ذلك لم يذكر الكليني ولا الطبري ولا الطوسي تلك الزيادة، أعني (الياء) (من ظهري الحادي عشر من ولدي).

              ثانياً: إنّ مفاد الرواية يدل على كون الأئمة ثلاثة عشر، فلذا حاولوا تأويلها، فلذا علّق البعض على الرواية التي جاء فيها لفظ (الحادي عشر من ولدي) فقال: (قوله: (من ولدي)، ليس بياناً للحادي عشر، فإنّ المهدي (ع) هو ابن التاسع من ولده (ع) بل (من) تبعيضية، أي: أنّ الإمام الحادي عشر هو من ولدي) ([18]).

              وجاء هذا التعليق بسبب غياب فكرة المهدي الأول (ع)، فلذا يحاولون تأويل الروايات بما ينسجم مع اعتقادهم النافي لوجود المهديين (ع) بعد الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، كما أولوا الروايات التي تدل على أنّ الأئمة ثلاثة عشر، وسيأتينا الكلام حول تلك الروايات.

              علماً أنّ القول بأنّ (من) تدل على التبعيض فيما نحن فيه بعيد جدّاً، كما أنّ إضافة الياء يوجب ركاكة التعبير، وهذا غير خفي على أهل العلم.

              وعليه فالصحيح هو اللفظ الأول، أي: من ظهر الحادي عشر.

              ثالثاً: توجد قرينة في الرواية تجعلها غير ناظرة للإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، وهذه القرينة هي قوله (ع): (تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين)، ومن الواضح أنّ غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) لم تكن ستة أيام ولا ستة أشهر ولا ستة سنين، وعليه فيتعين كون المقصود بها شخص آخر، وهذا هو الحق، والشخص الآخر هو المهدي الأول الذي يكون من ظهر الإمام الثاني عشر، أو الحادي عشر من ولد علي (ع).

              وهو أحمد الذي ذكره رسول الله في وصيته ليلة وفاته.

              الهوامش


              [1]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص37.
              [2]- بحار الأنوار: ج32 ص52.
              [3]- التوبة: 32. بصائر الدرجات : ص507.
              [4]- كمال الدين: ص339.
              [5]- بصائر الدرجات: ص508.
              [6]- الكافي: ج1 ص534.
              [7]- الرعد: 7.
              [8]- يونس: 48.
              [9]- كفاية الأثر: ص165، بحار الأنوار: ج36 ص338.
              [10]- الأنفال: 75.
              [11]- الإمامة والتبصرة: ص48، بحار الأنوار: ج25 ص257. وقد ذكر الكليني في الكافي باباً بعنوان : باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم، راجع: ج1 ص285.
              [12]- بحار الأنوار: ج53 ص148.
              -[13]الكافي: ج1/ص 379.
              [14]- دلائل الإمامة: ص530، الاختصاص: ص209، غيبة الطوسي: ص165، وفي: ص339 أيضاً، الهداية الكبرى: ص362، معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج3 ص62، نهج السعادة: ج7 ص464، مكيال المكارم: ج1 ص113.
              [15]- وهو: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن علي الزبيري، عن عبد الله بن محمد بن خالد الكوفي، عن منذر بن محمد بن قابوس، عن نصر بن السندي، عن أبي داود، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة.
              [16]- بهذا السند: حدثنا محمد بن قولويه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن المنذر بن محمد، عن النصر بن السندي، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال سعد بن عبد الله: وحدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي، قال: حدثنا الحسن ابن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة.
              [17]- فقال: وروى عبد الله بن محمد بن خالد الكوفي، عن منذر بن محمد بن قابوس، عن نصر بن السندي، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة. ورواه سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الأصبغ بن نباتة . غيبة الشيخ الطوسي: ص164.
              [18]- جاء هذا التعليق في هامش كتاب الاختصاص: ص209، وقال بعد نقله العبارة المتقدمة: (كذا في هامش كتاب الغيبة للطوسي رحمه الله) وفي بعض نسخ الحديث (يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي). وجاء في هامش غيبة الطوسي: ص336 : قوله: (من ولدي) صفة لمولود لا أنه متعلق بالحادي عشر أي مولود من ولدي من ظهر الحادي عشر من الأئمة (ع).
              السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

              Comment

              • اختياره هو
                مشرف
                • 23-06-2009
                • 5310

                #8
                رد: دفع ما قيل من شبهات في متن وصية الرسول (ص) ليلة وفاته

                كلام الشيخ الحر العاملي (رحمه الله)، حول الوصية، حيث قال بأنّ رواية الوصية هي من طرق العامة وليست من طرق الشيعة، وكأنّه يريد بذلك تضعيف سندها.

                قال: (وروى الشيخ في كتاب الغيبة - في جملة الأحاديث التي رواها من طرق العامة، في النص على الأئمة (ع) - قال: أخبرنا جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع)، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول الله (ص) أنه قال - في الليلة التي كان فيها وفاته-: يا أبا الحسن أحضر دواة وصحيفة - فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال -: يا أبا الحسن .... الخ) ([3]).

                وقد صرّح الشيخ الحر العاملي بنفي الحجية عن رواية الوصية في موضع آخر، وادعى أنها من طرق العامة.

                قال: (ولا يخفى أن الحديث المنقول أولاً من كتاب الغيبة من طرق العامة، فلا حجة فيه في هذا المعنى، وإنما هو حجة في النص على الاثني عشر، لموافقته لروايات الخاصة، وقد ذكر الشيخ بعده وبعد عدّة أحاديث أنه من روايات العامة، والباقي ليس بصريح) ([4]).

                ويقصد بالحديث المنقول أولاً هو رواية الوصية، ونفى حجيته في إثبات المهديين (ع)، وأثبت حجيته في النص على الأئمة الإثني عشر (ص)، وعلل ذلك، بموافقته لروايات الخاصة التي تثبت كون الأئمة (ع) إثني عشر.

                كما ويقصد بالروايات التي نقلها الشيخ بعد الوصية هي روايات المهديين (ع)، وروايات ذرية الإمام المهدي (ع).


                ومن هنا نريد الوقوف عند كلام الشيخ الحر العاملي لنرى هل يمكن أن يثبت أمام النقد العلمي أم لا ؟

                وسيكون بحثنا في نقاط:

                النقطة الأولى: إنّ مسألة التوثيق والتضعيف وكون الراوي شيعياً أم سنياً مسألة اجتهادية تختلف من عالم لآخر، فقد مال السيد الخوئي في ترجمة علي بن سنان الموصلي العدل إلى كونه من العامة.

                قال: علي بن سنان الموصلي العدل: روى عن أحمد بن محمد الخليل، وروى عنه الحسين بن علي، ذكره الشيخ في كتاب الغيبة، في الكلام على الواقفة. أقول: الحسين بن علي، هو البزوفري، كما صرح به في ص96. ثم إن كلمة العدل على ما يظهر من ذكرها في مشايخ الصدوق (قدس سره) كان يوصف بها بعض علماء العامة، فلا يبعد أن يكون الرجل من العامة([5]).

                وقال محمد الجواهري في كتابه المفيد من معجم رجال الحديث: علي بن سنان الموصلي العدل، روى عن أحمد بن محمد الخليل، وروى عنه الحسين بن علي، ذكره الشيخ في كتاب الغيبة في الكلام على الواقفة. أقول: كلمة العدل كان يوصف بها بعض علماء العامة، فلا يبعد ان يكون المعنون في المقام منهم، مجهول ([6]).

                بينما مدحه في مستدركات علم رجال الحديث وقال: بحسنه وكماله ([7]).

                إذن فبما أنّ مسألة كون الراوي عامياً أم شيعاً مختلف فيها، فكيف يمكن البناء على رد رواية الوصية طبقاً لميزان مختلف فيه بحسب الآراء ؟!

                النقطة الثانية: إنّ الكتب الرجالية التي تتعرّض لقدح الرواة ومدحهم وتوثيقهم وتضعيفهم جاء فيها التناقض الكثير مما يجعل الإنسان لا يستطيع الاعتماد عليها، بل قد نجد التناقض في رأي عالم واحد، كما نجد ذلك عند الشيخ الطوسي وغيره، فالشيخ الطوسي يوثق في كتاب الرجال سهل بن زياد، فيقول: (سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا سعيد، ثقة، رازي)([8]). بينما نجده في كتابه الثاني وهو الفهرست يضعفه، يقول: (سهل بن زياد الآدمي الرازي يكنى أبا سعيد ضعيف...) ([9]).

                وعليه فلا يمكن لنا الوثوق بكلام اجتهادي متناقض ومختلف بحسب الاجتهادات الظنية والقرائن الاحتمالية، ونسقط تراث أهل البيت (ع) تبعاً لأراء الرجال.

                النقطة الثالثة: إنّ التوثيقات والتضعيفات التي ذكرها علماء الرجال متعارضة في بعض الأحيان، فلذا نجدهم اختلفوا في كثير من الموارد، فقد اختلفوا في داود بن كثير الرقي: فقد وثقه الشيخ الطوسي فقال عنه: (مولى بني أسد، ثقة) ([10]). بينما نجد الشيخ النجاشي ضعّفه في رجاله لترجمته لداود بن كثير الرقي: (داود بن كثير الرقي ... ضعيف جداً والغلاة تروي عنه. قال أحمد بن عبد الواحد: ما رأيت له حديثاً سديداً ...)([11]). كما نجد الحر العاملي وثق محمد بن سنان في حين اضطربت الأقوال فيه من متوقف إلى مضعّف، بينما الشيخ الحر العاملي، قال: (قال إنّ التضعيف جاء اعتمادا على رأي ابن عقدة الزيدي الجارودي) ([12]).

                فإنّ قيل: إنّ مسألة التوثيق والتضعيف مسألة اجتهادية فلذا تتعدّد فيها الأقوال كسائر المسائل الاجتهادية.

                أقول: ما هو الدليل الشرعي الذي يبيح أصل الاجتهاد بشكل عام، ثم ما هو الدليل الذي يبيح الاجتهاد في المسائل الرجالية المتقدمة ؟!

                وبطبيعة الحال لا يوجد دليل على ذلك!!

                النقطة الرابعة: بغض النظر عما تقدّم في النقاط الثلاثة المتقدمة، إنّ الشيخ الحر العاملي ادعى كون الوصية من طرق العامة، فهل حقاً أنّها من طرق العامة أم أنّ الشيخ اشتبه في ذلك ؟

                في الحقيقة أنّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) قد صرّح بأنّ الوصية من طرق الخاصة، أي الشيعة قبل أن يذكر رواية الوصية بأحد عشر رواية، وقال قبل أن ينقل الروايات المتقدمة: (فأمّا ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى ....) ([13]).

                ثم نقل رواية الوصية المباركة، وبعدها نقل خمس روايات، ثم قال: (فهذا طرف من الأخبار قد أوردناها، ولو شرعنا في إيراد (ما) من جهة الخاصة في هذا المعنى لطال به الكتاب، وإنما أوردنا ما أوردنا منها ليصح ما قلناه من نقل الطائفتين المختلفتين، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالكتب المصنفة في ذلك فإنه يجد من ذلك شيئاً كثيراً) ([14]).

                فالشيخ الطوسي يصرّح بأنّ رواية الوصية من طرق الخاصة، بينما الحر العاملي يدّعي أنّ الشيخ الطوسي رواها من طرق العامة، ولو رجعنا إلى نسخ كتاب الغيبة لوجدنا أنّ الشيخ الطوسي يرويها عن طرق الخاصة لا العامة، فقول الحر العاملي بكون الشيخ الطوسي يرويها من طرق العامة اشتباه من الشيخ الحر، ويُعرف ذلك بالرجوع لنسخ الغيبة كما قدمت.

                وعليه فلا تكون الرواية من طرق العامة.

                النقطة الخامسة: لو تنزلنا - جدلاً - وقلنا بأنّ الرواية عامية، فلا يكون هذا خدشاً فيها، لعدم وجود دواعي الكذب، إذ ما الداعي الذي يجعل العامي يروي خبراً مخالفاً لاعتقاده ؟

                بل ذهب البعض إلى أنّ العامّي إذا روى رواية توافق مذهب الشيعة يعتبر ذلك قرينة على صدقها، لما ذكرنا من عدم وجود دواعي الكذب عند الراوي، كما قاله الحر العاملي حيث قال: (كون الراوي غير متهم في تلك الرواية، لعدم موافقتها للأعتقاد أو غير ذلك ومن هذا الباب رواية العامة للنصوص على الأئمة ومعجزاتهم وفضائلهم فإنهم بالنسبة إلى تلك الروايات ثقات وبالنسبة إلى غيرها ضعفاء) ([15]).

                وهذا المعنى جعله السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) من الخصائص النسبية التي تؤثر في حساب الاحتمالات الذي يستفاد منه التواتر، فقال: (...، والمراد بالخصائص النسبية كل خصوصية في المعنى تشكل بحساب الاحتمال عاملاً مساعداً على صدق الخبر أو كذبه فيما إذا لوحظ نوعية الشخص الذي جاء بالخبر، ومثال ذلك: غير الشيعي إذا نقل ما يدل على إمامة أهل البيت (ع)، فإنّ مفاد الخبر نفسه يعتبر بلحاظ خصوصية المخبر عاملاً مساعداً لإثبات صدقه بحساب الاحتمال، لأنّ افتراض مصلحة خاصة تدعوه إلى الافتراء بعيد. وقد تجتمع خصوصية عامة وخصوصية نسبية معاً لصالح صدق الخبر كما في المثال المذكور، إذا فرضنا صدور الخبر في ظل حكم بني أمية، وأمثالهم ممن كانوا يحاولون المنع من أمثال هذه الأخبار، ترهيباً وترغيباً. فإنّ خصوصية المضمون بقطع النظر عن مذهب المخبر شاهد قوي على الصدق وخصوصية المضمون مع أخذ مذهب المخبر بعين الاعتبار أقوى شهادة على ذلك) ([16]).

                وعليه فلو سلمنا مع الحر العاملي بأنّ الرواية عامية، إلاّ أنّها نفس كونها عامية يعد شاهداً قوياً لصدقها.

                كما أنّ الميرزا النوري في النقطة السابعة من مقدمة التحقيق، جعل المتن من الدلالات على كون الراوي شيعياً فقال: (إثبات الوثاقة من السند، والتشيع من المتن، كأن يكون الراوي عنه من الأجلاء كما تقدم في الامارات المتقدمة، وأن يكون المروي فيه فضيلة أو منزلة تثقل روايتها على صدور مبغضي الآل (ص) كما في (2025) وكثير غيره) ([17]).

                كما جعل الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم رجال الحديث المتن دالاً على حسن عقيدة الراوي، وهذا ما نجده في ذكره لعدّة من الرجال ([18]).

                هذا مضافاً إلى ما صرّح به الشيخ الطوسي من جواز العمل بأخبار العامة إن لم يكن لها معارض من طرق الخاصة، قال: (أمّا إذا كان مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمة (ع) نظر فيما يرويه، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه، وجب إطراح خبره. وإن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به، وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه، ولا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضاً العمل به) ([19]).

                بل نُقل عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) عمل الطائفة بالمراسيل إذا لم يعارضها المسانيد، قال محيي الدين الغريفي: (ادعى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بالمراسيل إذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة، كعملها بالمسانيد. ومقتضاها حجية المرسل مطلقاً بشرط عدم معارضة المسند الصحيح) ([20]).

                كما نقل الشهيد الثاني جواز العمل حتى بالخبر الضعيف إذا اشتهر مضمونه، قال: (إنّ جماعة كثير أجازوا العمل بالخبر الضعيف إذا إعتضد بشهرة الفتوى بمضمونه في كتب الفقه، بتعليل إن ذلك يوجب قوة الظن بصدق الرواية وان ضعف الطريق، فإن الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه) ([21]).

                فبأي ميزان يُكال تكون الوصية صحيحة.

                النقطة السادسة:
                إنّ الحر العاملي في نصه الثاني أخذ بما دل على أنّ الأئمة اثني عشر، وترك الفقرة الأخيرة من الرواية، وهي: (ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين) ([22]).

                وعلل سبب ذلك بأنّه أخذ ما يتوافق مع روايات الشيعة، دون تلك الإضافة التي زعم أنّها لا تتوافق مع رواياتهم.

                والحال إنّ هذا محض ادعاء، بل الدليل قائم على خلافه حيث إنّ الروايات التي تثبت الذرية، وروايات المهديين (ع)، والروايات التي تذكر المهدي الأول (ع)، وغيرها أغلبها من روايات الشيعة، فكيف يزعم أنّ لا شاهد على الزيادة التي جاءت في الوصية من روايات الشيعة ؟

                وقد تقدّم ما يؤكد ذلك فلا نعيد.

                النقطة السابعة: لقد ذكر الحر العاملي (رحمه الله) وغيره مجموعة من القرائن التي تدل على صحة الخبر، وعدّ منها ما يلي:

                أولاً: الموافقة لكتاب الله سبحانه: ولا يخفى موافقة الرواية لكتاب الله الآمر بوجوب الوصية عند الموت بقوله سبحانه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([23]).

                ثانياً: عدم وجود المعارض، وقد تقدم أنّ رواية الوصية ولا يوجد لها معارض، بل هي الشاهد الوحيد على الجمع بين الروايات الدالة على كون الأئمة اثنا عشر وبين ما دل على الثلاثة عشر، وبين روايات المهديين الدالة على كون المهديين اثني عشر وما دل على الأحد عشر.

                وما توهم من المعارضة بين روايات المهديين وبين روايات الرجعة فتكون الوصية معارضة لروايات الرجعة، لأنها دالة على المهديين ليس إلاّ توهم محض وارتكاز خاطئ، هذا مضافاً إلى ما قاله السيد محمد صادق الصدر رحمه الله من تقديم روايات المهديين على روايات الرجعة بناء على حتى مع وجود المعارضة بينهما.

                ثالثاً: عدم احتمال الخبر للتقية، ورواية الوصية لا يمكن أن يحتمل فيها التقية أبداً، إذ أي تقية في رواية تهدم أسس الدولتين الأموية والعباسية، كما تهدم الأسس التي بنيت عليها المذاهب المناوئة لمذهب أهل البيت (ع)، فدواعي التقية توجب كتمان الوصية لا نقلها والكشف عنها.

                النقطة الثامنة:
                إنّ حجية الخبر لا تنحصر بصحة السند فقط، بل يمكن استفادة الصحة من المتن أيضاً، وهذا ما عليه المتأخرين من علماء الرجال.

                قال الشيخ السبحاني في كتابه كليات في علم الرجال: (وهناك وجه ثالث في توثيقات المتأخرين، وهو أن الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم (ع) لا خصوص خبر الثقة، وبينهما فرق واضح، إذ لو قلنا بأن الحجة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل وإن لم يكن نفس الخبر موثوقاً بالصدور.

                ولا ملازمة بين وثاقة الراوي وكون الخبر موثوقاً بالصدور، بل ربما يكون الراوي ثقة، ولكن القرائن والأمارات تشهد على عدم صدور الخبر من الإمام (ع) وأن الثقة قد التبس عليه الأمر، وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن المناط هو كون الخبر موثوق الصدور، إذ عندئذٍ تكون وثاقة الراوي من إحدى الإمارات على كون الخبر موثوق الصدور، ولا تنحصر الحجية بخبر الثقة، بل لو لم يحرز وثاقه الراوي ودلت القرائن على صدق الخبر وصحته يجوز الأخذ به.

                وهذا القول غير بعيد بالنظر إلى سيرة العقلاء، فقد جرت سيرتهم على الأخذ بالخبر الموثوق الصدور، إن لم تحرز وثاقة المخبر، لأن وثاقة المخبر طريق إلى إحراز صدق الخبر، وعلى ذلك فيجوز الأخذ بمطلق الموثوق بصدوره إذا شهدت القرائن عليه...
                ) ([24]).

                فلو سلمنا - جدلاً - أنّ رواة الوصية ضعاف، لكن لا يعني ذلك سقوطها، بل يمكن استفادة الصحة من متنها، بل مدح صاحب مستدركات معجم رجال الحديث رواة الوصية بسبب روايتهم لها ([25]).

                فليس وثاقة رجال الخبر - على القول باعتبارها- إلاّ قرينة من القرائن التي تكشف لنا عن صحة الحديث وليس هي تمام الملاك في القبول والرد، ومن هنا عملوا بالخبر الضعيف السند مع اشتهار العمل به، لذا قال المحقق الحلي (رحمه الله): (والتوسط أصوب. فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به. وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب اطراحه ...)، وقال تعليقاً على أحد الأخبار المرسلة: (وهذا وإن كان مرسلاً إلاّ إنّ فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه)([26]).

                * * *

                [1]- كمال الدين: ص268.
                [2]- غيبة النعماني: ص337.
                [3]- الإيقاظ من الهجعة: ص362.
                [4]- الإيقاظ من الهجعة: ص368.
                [5]- معجم رجال الحديث: ج13 ص49.
                [6]- المفيد من معجم رجال الحديث: ص398.
                [7]- مستدركات علم رجال الحديث: ج5 ص383، وراجع كتاب انتصاراً للوصية للشيخ ناظم العقيلي حفظه الله.
                [8]- ص381، رقم5699.
                [9]- ص140، رقم339.
                [10]- ص329، رقم5003.
                [11]- ص156، رقم410.
                [12]- وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج30 ص473 (الخاتمة).
                [13]- غيبة الشيخ الطوسي: ص137.
                [14]- غيبة الشيخ الطوسي: ص156.
                [15]- خاتمة الوسائل: ص95.
                [16]- دروس في علم الأصول: ج1 ص243.
                [17]- خاتمة المستدرك للميرزا النوري: ج1 ص72، مقدمة التحقيق.
                [18]- أيوب بن عبد الرحمن: لم يذكروه. وقع في طريق كامل الزيارات ص69 عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن زكريا المؤمن، عنه وزيد بن الحسن وعباد، عن سعد الإسكاف، رواية شريفة تفيد حسن عقيدته.
                تغلب والد أبان: لم يذكروه. يروى عنه ابنه أبان رواية شريفة تفيد حسنه وكماله فراجع كمبا: ج10 /159 ، وجد: ج44 /257.
                خالد بن مختار: لم يذكروه. وقع في طريق الشيخ في أماليه: ج2 /237 عن حسن بن حسين العرني، عنه، عن الحارث بن حصيرة حديث الفضائل كمبا: ج9 /266، و جد: ج38 /30. وروى المفيد في أماليه ص36 عن إسحاق بن يزيد، عنه، عن الأعمش رواية شريفة تفيد حسنه وكماله. مستدركات علم رجال الحديث: ج1 ص712 – 715.
                علي بن سنان الموصلي أبو الحسن المعدل: يروي عن أبيه كما روى الصدوق في الإكمال: ج2 /152 عن أحمد بن الحسين بن عبد الله، عن الحسين بن زيد بن عبد الله البغدادي، عنه، عن أبيه قال: لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن العسكري (ع)- الخ . ونقله في البحار عنه، عن زيد بن عبد الله البغدادي، عنه، عن أبيه - الخ . كمبا: ج13 /116، وجد: ج52 /47. مقتضب الأثر لأحمد بن محمد بن عياش: ص10 عنه، عن أحمد بن محمد الخليلي رواية شريفة تفيد حسنه وكماله، وكمبا: ج9 /125. وروايته الأخرى المهمة في ذلك: ص135، وجد: ج36 /216 و 260. مستدركات علم رجال الحديث: ج5 ص 383.
                [19]- عدّة الإصول (ط.ق): ج1 ص379.
                [20]- قواعد الحديث: ص73.
                [21]- الدراية: ص27.
                [22]- غيبة الطوسي: ص149.
                [23]- البقرة: 180.
                [24]- كليات في عالم الرجال: ص155.
                [25]- راجع الهامش رقم (214) المتقدم.
                [26]- قواعد الدراية: ص110.
                السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                Comment

                Working...
                X
                😀
                🥰
                🤢
                😎
                😡
                👍
                👎