إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

    إصدارات أنصار الإمام المهدي  / العدد (1- ب)








    العِجْــل

    (الجزء الثاني)




    المذنب المقصر
    أحمد الحسن




    طبعة محققة




    الطبعة الثالثة
    1431هـ - 2010 م






    لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن 
    يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي :
    أنصار الإمام المهدي (ع) اتباع الإمام احمد الحسن اليماني (ع) - انصار الامام المهدي (ع)








































    تقديم
    أنصار الإمام المهدي 
    صوت مدوٍ وصرخة لابد أن تمر بها الدعوة الإلهية، صوت هدم وبناء، بيان وعمل، لابد أن يقوم داعية الله بها، يقوم بالهدم والتحرّك ضد قوى الضلالة، لابد من نسف العجل؛ ولذا كانت الدعوة السرية لحركة أنصار الإمام المهدي  - أعني حركة ناصر آل محمد ويمانيهم السيد أحمد الحسن  - تتطلب منه العمل على تحطيم العجل؛ ليتسنى للمجتمع بعدها العودة إلى جادة الحق.
    قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾ ( ).
    ولذا بادر  إلى كتابة كتاب العِجل، ومن ثم كان أول إصدارات أنصار الإمام المهدي، وهو دعوة موجهة إلى هذا المجتمع المُعرِض كل الإعراض عن محمد وآل محمد ، فما زال الرجل يدعوهم ليلاً ونهاراً، جهراً وإسراراً، حتى أعذر فيهم.
    هذا وقد نشره السيد  مخطوطاً في فترة الدعوة السرية بين طلبة النجف الأشرف؛ إذ رفض أصحاب المطابع طباعته؛ لما امتاز به من تحطيم العِجل كيفما كان، وأينما حل، سواء في هذا الحكام الفراعنة الفجرة أو فقهاء الدين الخونة.
    ويستطيع القارئ أن يلتمس الأمر العظيم في الكتاب - أي إنّ السيد مرسل من الإمام المهدي - من خلال الآية التي ساقها السيد في ختام المقدّمة، حيث أورد التحصين ثم الآية القرآنية الكريمة، فقال:
    (تحصنت بذي الملك والملكوت، واعتصمت بذي القدرة والجبروت، واستعنت بذي العزة واللاهوت، من كل ما أخاف وأحذر، وبمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي و محمد و علي والحسن ومحمد ، والحمد لله وحده).

    بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ ( ).
    فيا من تدعون الولاية لعلي بن أبي طالب وأبنائه ، بم عرفتم حق علي بن أبي طالب؟!
    أرجعوا لأنفسكم وانظروا في الأدلة التي تحتجون بها على غيركم من أبناء العامة؟! أليست هي بعينها التي رفعها السيد أحمد الحسن .
    إنّ للرجل حقاً عظيماً، انظروا الأحاديث التي تكلمت عنه، ومنها حديث الأصبغ بن نباته في حديثه مع أمير المؤمنين ، فعلي وهو علي شغلته هذه الشخصية حتى أخذت لبه، وأجال فيها ذهنه، أنصت للحديث وتدبره جيداً فإنّك مسؤول عنه يوم القيامة.
    قال الأصبغ بن نباته: أتيت أمير المؤمنين علياً  ذات يوم فوجدته مفكراً ينكت في الأرض، فقلت: (يا أمير المؤمنين تنكت في الأرض أرغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا ساعة قط، ولكن فكري في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين فكم تكون تلك الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: إنّ هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق، قلت: أدرك ذلك الزمان؟ فقال: أنى لك يا أصبغ بهذا الأمر، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة، فقلت: ثم ماذا يكون بعد ذلك؟ قال: يفعل الله ما يشاء، فإنّ له إرادات وغايات ونهايات) ( ).
    فعاودوا رشدكم وتفكّروا فإنّ تفكر ساعة خير من عبادة ألف عام.
    فأين يراد بكم، بل أين تذهبون، كيف بكم غداً في ساحة العرض على الإمام المهدي  في القيامة الصغرى، وما الجواب الذي تجيبونه به؟ كيف بكم عند الحسيب الرقيب يوم القيامة الكبرى، وما الحجة لديكم؟! أتقولون لم يصلكم حديث أهل البيت فيه! أم تقولون إنهم لم يصفوه أو يسموه! أم إنّه لم يدع إلى كتاب الله وسنة الأطهار من آل بيته ! أم تقولون أنّه لم يبلغ البلاغ التام ولم يخبر عن نفسه!
    بم تعتذرون حينما يعيد عليكم ما قاله اليوم: (ووالله لولا أنّ الله كتب على المؤمنين إنكار المنكر، ولولا أني اطلعت على كثير من الحقائق التي ملأت كبدي قيحاً، سواء من الحكام المفسدين أم من علماء السوء الفاسدين - ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً﴾ ( ) - لألقيت حبلها على غاربها، ولما اخترت هذه المواجهة الدامية، مع ألوف مؤلفة مسلحة، بكل أنواع الأسلحة المادية والعسكرية والإعلامية).
    نعم فإنّ رسول الله بلغ بأوصيائه إلى قيام الساعة، ولكن لابد من التمحيص. وكما قال سيدي ومولاي في هذا الكتاب: (هذا والنبي لم يترك المسلمين في حياته دون أن يوجههم إلى القيادة من بعده، وإلى الأوصياء من ولده حيث أمره الله سبحانه بذلك. ولكن لابد من الفتنه للتمحيص، ولابد من السامري، ولابد من العجل).
    وفي الختام أقول: إنّ هذا الكتاب صرخة بوجه الأمة أن عودي لرشدك وانتبهي لأمرك، وارجعي لكتاب الله وسنة نبيه لتحظي بعيشة السعداء وميتة الشهداء كما ضمن الرسول لنا ذلك، ودعي فراعنة الزمان من حكام خونة وفقهاء فسقة فـ مع الأسف كثيرون يعدون أنفسهم علماء مع أنّهم لا يحسنون تفسير سورتين من القرآن الكريم، على ما ورد عن آل محمد . ولم يقرؤوا إلاّ اليسير من روايات المعصومين مقتصرين على بعض الروايات الفقهية في الغالب. فبماذا يعدون أنفسهم علماء، أبالمنطق الذي وضعه أرسطو قبل آلاف السنين، وربما يوجد من الملاحدة من هو أعلم به منّا، أم بالمجادلات والإشكالات المنطقية وغيرها الخالية من ثمرة علمية أو عملية، ولا تعدوا كونها ترفاً علمياً وضياعاً للوقت؟!! ألسنا نروي عن رسول الله ما معناه: (إنّ المرء يحاسب عن عمره فيما أفناه) ( ).

    والحمد لله أولاً وأخراً، وظاهراً وباطناً
    خادم الأنصار الأحقر
    ضياء الزيدي



























    هذه الطبعة
    بلطف الله وعنايته تفضل علي سيدي ومولاي السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي  متكرماً عليّ بان أقوم بمهمة تصليح كتاب العجل؛ وذلك لاحتواء طبعته الأولى على أخطاء مطبعية كثيرة جداً، وهذه الأخطاء غيرت المعاني كثيراً، بل إنّ هناك مواضع حذفت فيه آيات قرآنية، أو روايات، وقد يصل النقص في الطباعة إلى سطر أو عدة أسطر مقارنة بالنسخة الخطية.
    والحمد لله تم تصليح ما أمكن تصليحه، سائلاً الله أن تكون هذه الطبعة قليلة الأخطاء. وتم تغير الكتاب شكلاً، فبدلاً من أن يكون كتاباً واحداً يحتوي على جزئيين كما هو الحال في الطبعة الأولى، أصبح كتابين كل جزء كتاب منفصل، وأسال الله العلي القدير أن يتقبل منا هذا العمل القليل، وأساله سبحانه وتعالى أن يثبتنا مع رسول الإمام المهدي ووصيه وخليفته وولده حتى نتمكن من الثبات بين يدي الإمام .
    (اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ظللت عن ديني).
    ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ آل عمران: 53.

    السيد صالح الموسوي

























    الإهــداء

    إلى حملة كلمة لا إله إلا الله ...
    إلى من حملوا أكفانهم وساروا إلى الله ...
    إلى الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام ...
    أيها السادة الكرام
    هذا المسكين يهديكم السلام ويهديكم هذه البضاعة المزجاة
    ويقول وقلبه مفعم بتوحيد الله والتسليم لكم
    لقد مسنا وأهلنا الضر فتصدقوا علينا أن الله يجزي المتصدقين

    أحمد الحسن
    27 شوال 1421 هـ . ق












    المقدمة

    والحمد لله رب العالمين، الذي قال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ ( ).
    وصلى الله على الأنبياء والمرسلين وعلى خاتمهم المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الغر الميامين، وعلى خاتمهم الذي سيبعث نقمة على الكافرين.
    قدّمت في الجزء الأول إنّ هذا البحث هو: نظرة من خلال قصص الأنبياء والمرسلين والأمم الغابرة إلى حال المسلمين في الحاضر وفي المستقبل المرتقب فيه ظهور الإمام المهدي . كما أنّه دعوة للإصلاح ولمراجعة المسيرة، وخصوصاً لمن يدّعون تمثيل الإمام المهدي . وهو دعوة للاستعداد لنصرة الإمام المهدي  وتجنب الوقوف ضدّه، سواء مع الطواغيت كالسفياني، أو مع علماء السوء السامريين. وقد توخيت فيها أن ألزم جانب اللين والرحمة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ( ).
    فالواقع الإسلامي اليوم مخزٍ، والحال مرير، ولابدّ من الإصلاح، ولابدّ أن يتصدّى مؤمنون لهذا الإصلاح. ومن الطبيعي أن تكون هناك تضحيات في صفوف السائرين على هذا النهج الشريف، الذي هو كالسير على الجمر.
    فعن الإمام الباقر ، قال: (قال رسول الله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين. فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنّكم أصحابي، وأخواني قوم في آخر الزمان، آمنوا ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد - أي الشوك - في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا ( )، أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة) ( ).
    فمن الصعب أن تقف بوجه الطواغيت و علماء السوء السامريين تقارعهم وتقاتلهم ويدك خالية حتى من حجر تدافع به عن نفسك، ولا ناصر ولا معين. وفي أيديهم أسلحة ودبابات وصواريخ وآلة إعلامية ضخمة، وأسماء رنّانة صرفت أموال طائلة لإحاطتها بهالة من القدسية الزائفة، وأموال طائلة تغدق على من يعبدهم من دون الله ويطبل ويزمر لهم ويسميهم زعماء وعلماء.
    ولكن لي ولإخواني المؤمنين بموسى وهارون أسوة، عندما قارعا فرعون وهامان وقارون والسامري وبلعم بن باعورا (لعنه الله) الظاهر بلباس العالم العابد الناسك.
    ولنا بعيسى  عندما قارع قيصر وبيلاطس وجيوش الرومان وعلماء بني إسرائيل الضالين أسوة. ولنا بمحمد عندما قارع الطواغيت وعلماء السوء أسوة. ولنا بآل محمد عندما قارعوا طواغيت بني أمية وبني العباس وعلماء السوء السامريين في هذه الأمة أسوة.
    ووالله لولا أنّ الله كتب على المؤمنين إنكار المنكر، ولولا أني اطلعت على كثير من الحقائق التي ملأت كبدي قيحاً، سواء من الحكام المفسدين أم من علماء السوء الفاسدين - ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ﴾ ( )- لألقيت حبلها على غاربها، ولما اخترت هذه المواجهة الدامية مع ألوف مؤلفة مسلحة بكل أنواع الأسلحة المادية والعسكرية والإعلامية. وليس بين يدي إلاّ أن أقول: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ ( ).
    أيّها الأحبة إني لماّ تدبرت طويلاً وصية أمير المؤمنين  وجدته يقول: (والله ما فاجئني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلاّ كقارب ورد ( )، وطالب وجد، وما عند الله خير للإبرار) ( ).
    ووجدت أنّ العاقل اللبيب المطيع لله الموتُ أحب إليه من الحياة. وما عند الله خير للإبرار. جعلني الله أنا الحقير المسكين ممن يتمرّغون في تراب وطئوه، وممن يسلك الصراط المستقيم الذي سلكوه. وإنّي لما تدبرت طويلاً حال الأنبياء والأوصياء وعباد الله المخلصين في القرآن وفي سيرتهم، وجدتهم أصحاب غيرة وأنوف حمية، تأبى اختيار طاعة الطاغوت والخضوع له، بل وجدتهم يقتلون ويقطّعون ويصلبون بعز وكرامة دونما لحظة خضوع أو مداهنة أو ركون لظالم.
    وجدت إبراهيم  يحمل فأساً ويكسر الأصنام، ولا يبالي بما سيفعله به الطواغيت وعلماء السوء، حتى يلقى في النار.
    ووجدت يحيى  يصرخ بوجه هيرودس: إنّك فاجر، حتى يقطع رأسه.
    ووجدت الحسين  يهتف بوجه يزيد (لعنه الله) إنّك كافر، حتى قتل صحبه وبنو عمه وإخوته وبنوه، فما خضع وما ركن للظالم حتى قتل، ورُفع رأسه على رمح، وسبيت نساؤه. فنصره الله لما نصر دين الله في أرضه.
    ووجدت موسى بن جعفر  يهتف بوجه طواغيت بني العباس المهدي والهادي والرشيد الضالين: إنّكم كفرة، حتى نقلوه من سجن إلى سجن، ومن طامورة إلى طامورة، فما خضع وما استسلم حتى قتله الرشيد (لعنه الله) في السجن بالسم.
    ووجدت موسى بن عمران  يقارع فرعون (لعنه الله) وقواته المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة في حينها، وليس معه إلاّ عصا شاء الله أن يجعلها آية من آياته.
    ووجدت أمير المؤمنين  تثخنه الجراح في أُحُد، فلا يزداد إلاّ يقيناً وقوة في دين الله، تزيده قوّة في بدنه، يجندل بها صناديد قريش.
    ووجدت حبيب الله محمداً بعد أن تثخنه الجراح، وتكسر رباعيته في وقعة أُحُد، يعود ويكر على المشركين بجمع من أصحابه، معظمهم جرحى يتكئون على قوائم سيوفهم ورماحهم، فيرحم الله سبحانه حالهم ويلقي الرعب في صفوف المشركين فيولون مدبرين بعد أن قرّروا استئصال النبي وأصحابه، فنصره الله دونما قتال.
    ثم نظرت إلى حالنا اليوم فوجدت الطواغيت المتسلطين على هذه الأمة، لم يبقوا من الدين إلاّ اسمه، ومن القران إلاّ رسمه، ويا ليتهم تركوه على حاله، بل عمدوا إليه وأهانوه ونجسوه تقرّباً للشيطان الرجيم، وامتثالاً لأوامر السحرة والكهان (لعنهم الله وأخزاهم)، والمسلمون وعلماؤهم صامتون، كأنّ على رؤوسهم الطير، وكأنّ القرآن لا يعنيهم بشيء ( ).
    الويل لكم أيّها الصامتون، هذا هو الكتاب الذي لا يمسّه إلاّ المطهرون، هذا هو أحد الثقلين، فكيف خلفتم رسول الله فيه، كيف تسكتون على من ينجسه بدمه الخبيث، أخوفاً من الموت أو القتل؟! أذن لا تمتعون إلاّ قليلاً.
    أم تقولون تقية، ويحيى بن زكريا  قُتل وقطع رأسه من أجل أمر أقل من هذا بكثير، من أجل زنا بمحرم ( ).
    أنتم يا علماء الإسلام، يا من تدعون تمثيل الأنبياء، ماذا بقي بعد الاستخفاف بكتاب الله وتنجيسه؟! ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ ( ).
    قال عيسى : (إنكم علماء السوء الأجر تأخذون والعمل تضيعون. يوشك رب العمل أن يطلب عمله، وتوشكون أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه) ( ).
    لقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته، فكفروا به فسوف يعلمون. لقد شُغلوا بدراسة المنطق والنحو وتدريسها عن دراسة كتاب الله وتدريسه، وشُغلوا بتقديس المنطق عن كتاب الله وتقديسه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ ( ).
    بماذا ستعتذرون أمام الله عن خذلانكم لكتاب الله بالتقية؟! إذاً لو كنتم في كربلاء لوقفتم مع جيش عمر بن سعد (لعنه الله) وقتلتم الحسين  واعتذرتم بالتقية، أو على الأقل لوقفتم جانباً واعتزلتم القتال، واعتذرتم بهذا العذر القبيح، نعم فقتلة الحسين كانوا يدَّعون أنهم شيعة وراسلوا الحسين  وادعوا أنهم سينصرونه، فلما وجدوا أنّ نصرته ستفقدهم حياتهم المادية قتلوه ونصروا أولاد البغايا! وخذلوا ابن فاطمة  من خستهم والخبث والجبن الذي انطوت عليه نفوسهم. وهكذا أنتم لو خذلتم كتاب الله اليوم، فحتماً ستخذلون غداً ابن الحسين  الإمام المهدي.
    بسم الله الرحمن الرحيم ﴿المر * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ( ). لا يؤمنون بالحق؛ لأنّه مر. ولا يسلكون طريق الحق؛ لأنّهم يستوحشون من السير فيه لقلة سالكيه، ويعجبهم الخبيث لكثرته، كأنهم لم يسمعوا قوله تعالى: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ ( ).
    بلى سمعوها ووعوها، ولكنهم كما قال أمير المؤمنين : (حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها) ( ). واجتمعوا على جيفة أُفتضحوا بأكلها، ومن حلي في عينه شيء أعشى بصره وأعماه( ).
    قال تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ ( ).
    بلى مثلهم كالمنافقين في صدر الإسلام، أوقدوا شعلة الإسلام مع الرسول فلما أسلم الناس نافقوا هم وطلبوا الدنيا، فذهب الله بقشورهم الدينية التي غلفوا بها بواطنهم السوداء.

    * * *



























    الانحراف
    في الأمة الإسلامية عن الصراط المستقيم
    قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ ( ).
    الانحراف عن الصراط المستقيم وقع حتماً في الأمة الإسلامية، سواء في العقائد أو الأحكام الشرعية: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ ( )، ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ ( ).
    وقال رسول الله : (والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، حتى لا تخطئون طريقهم ولا يخطئكم سنة بني إسرائيل) ( ).
    والمستفاد من الروايات أنّ أول ما سيقوم به المهدي  عند ظهوره وقيامه هو تعديل هذا الانحراف، وإعادة الأمة إلى جادة الصراط المستقيم، وإعادة الإسلام غضّاً طريّاً كما كان في عهد رسول الله ، بعد أن حرّفه أئمة الضلال السامريون.
    عن أبي بصير، قال: قال الإمام الصادق : (الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء. فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله. فقال : يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله ) ( ).
    وعن الصادق ، قال: (يصنع - أي القائم - ما صنع رسول الله ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية، يستأنف الإسلام جديداً) ( ).
    وعن ابن عطاء، قال: (سألت أبا جعفر الباقر  فقلت: إذا قام القائم  بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله ، يستأنف الإسلام جديداً) ( ).
    عن الباقر ، قال: (إذا قام قائمنا دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا رسول الله ، وإنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) ( ).
    وربما يُظن إنّ الانحراف طال السُـنَّة فقط، باعتبارهم تركوا التمسك بآل النبي الأئمة الاثني عشر ، مما أدّى بهم في النتيجة إلى الانحراف سواء في العقائد أو الأحكام، ولكن الحقيقة إنّ الأحاديث الواردة عن أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم دالة على أنّ الانحراف يطال الجميع قبل قيام الإمام المهدي ، كما أنّ الخلافات في العقائد وفي الأحكام الشرعية وفي طرق استنباط الأحكام الشرعية بين علماء المسلمين سواء بين السنة والشيعة، أو بين علماء كل فرقة أنفسهم دالة على ذلك.
    ولهذا فمن الضروري أن نعرف الأمور التي وقع فيها خلاف بين علماء المسلمين ولو بشكل موجز، لكي لا نقع غداً عند ظهور الإمام المهدي  فريسة سهلة لأحد أئمة الضلال السامريين، فيصيرنا - بسب جهلنا للحقائق - أعداءً للإمام المهدي  ونحن نظن أننا على الصراط المستقيم وأننا نحسن صنعاً، ولهذا فسأحاول عرض بعض هذه الأمور وبشكل موجز، وربما مجمل في بعض الأحيان ومن الله التوفيق.

    * * *







    أولاً: التحريف في القران الكريم
    وردت روايات كثيرة عن أهل بيت النبي دالة على التحريف، كما وردت روايات عن صحابة النبي عن طريق السنة في كتبهم دالة على وقوع التحريف ( ).
    والمقصود بالتحريف: أنّ القرآن الذي بين أيدينا غير كامل، وإنّ بعض كلماته تبدلت أو بُدلت بقصد. ورجح بعض علماء المسلمين وقوع التحريف كما رجح بعضهم عدم وقوع التحريف.
    ويَستدل القائلون بعدم التحريف بعدّة أمور هي:
    1- آية الحفظ: ﴿إِنا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ( ).
    وهذه الآية يمكن أن تفسّر بحفظ القرآن من التحريف، وبقائه عند الأمّة سالماً من الزيادة والنقص والتغيير، ومن أن تمتد يد أهل الباطل وأئمة الضلال إليه.
    2- قال تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ ( ).
    وهذه الآية يمكن أن تفسّر بأنّ القرآن محفوظ من ولوج الباطل بين طياته، سواء أكان هذا الباطل بتبدّل بعض الكلمات أو بزيادة أو نقص بعض السور والآيات.
    3- الروايات الدالة على التحريف يمكن حمل بعضها على أنّها دالة على التحريف المعنوي، أي التحريف في التأويل لا التنـزيل، وهذا أمر واقع يقرّه جميع المسلمين.
    4- إنّ بعض الروايات الدالة على التحريف ضعيفة السند.
    5- الروايات التي لا تقبل التأويل والدالة على التحريف اللفظي أو النقص يضرب بها عرض الجدار؛ وذلك لأنّها مخالفة للقرآن، وقد ورد عن المعصومين ما معناه: ما جاءكم عنا مخالف لكتاب الله فدعوه ( ).
    6- القرآن المجموع في زمن النبي هو الذي بين أيدينا؛ لأنّ من غير المعقول أنّ رسول الله لم يهتم بكتابة وجمع القرآن في حياته.
    ثم جاء بعده أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت ليجمعوه، وجاء بعدهم عثمان ليجمع الناس على مصحف واحد ويحرق أو يتلف البقية التي تختلف عنه بشكل أو بآخر، فيكون الذي بين أيدينا هو المصحف العثماني كما يروي العامة والخاصة.
    7- القول بتحريف القرآن يلزم هدم إثبات نبوة محمد اليوم؛ لأنّ القرآن هو المعجز الذي جاء به النبي .
    8- مع القول بالتحريف لا يبقى للقرآن الذي بين أيدينا فائدة، ولا يمكن التعويل عليه في العقائد، فضلاً عن الأحكام الشرعية وغيرها.
    أمّا أدلة القائلين بالتحريف فهي:
    1- الروايات الدالة على التحريف، وهي كثيرة جداً عن طريق الشيعة والسنة، وكمثال على ما روي عن طرق السنة، إنّ رسول الله قال: (من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) ( ).
    وعلى هذا يكون ابن مسعود من خير الصحابة الذين حفظوا القرآن.
    ثم إنّهم يروون عن ابن مالك، قال: (أمر بالمصاحف أن تغير، قال: قال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله، فإنّ من غل شيئاً جاء به يوم القيامة، قال: ثم قال - أي ابن مسعـود -: قرأت من فم رسـول الله سبعين سـورة، أفأترك ما أخذت من في رسـول الله ؟) ( ). وعندهم السند صحيح كما قال أحمد محمد شارح مسند أحمد.
    ورواه أبو داود، وابن كثير في التفسير، وروى معناه ابن سعد في الطبقات ( ).
    ومعنى الحديث واضح: إنّ ابن مسعود يرى أنّ القرآن الذي كتبه عثمان ناقص، أو حدث فيه بعض التغير على الأقل، فقوله: (أفأترك ما أخذت من في رسول الله )، دال على أنّ ما أخذه يختلف بشكل أو بآخر عمّا كتبه عثمان. وابن مسعود (رحمه الله) ظل مصراً على رأيه ورفضه لما كتبه عثمان حتى قتله عثمان عندما أحرق المصاحف وأحرق مصحفه، وجلده حتى مات بعدها.
    والروايات التي وردت في كتب السنة الدالة على نقص القرآن كثيرة، وقد اختاروا اسم نسخ التلاوة للسور والآيات التي وردت عندهم بالروايات، ولم تكتب بالمصحف الموجود اليوم ( ).
    أمّا الروايات الواردة عن أهل البيت فهي كثيرة، ولكنّهم أمرونا أن نقرأ كما يقرأ الناس، حتى يقوم القائم منهم صلوات الله عليه وعليهم ( ).
    وسئل الشيخ المفيد (رحمه الله) في المسائل السرورية: ما قوله أدام الله تعالى حراسته في القرآن؟ أهو ما بين الدفتين الذي في أيدي الناس، أم هل ضاع مما أنزل الله تعالى على نبيه منه شيء أم لا؟ وهل هو ما جمعه أمير المؤمنين ، أم ما جمعه عثمان على ما يذكره المخالفون؟
    فأجاب: (لا شك إنّ الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنـزيله، وليس فيه شيء من كلام البشر، وهو جمهور المنـزّل، والباقي مما أنزله الله تعالى (قرآناً) ( ) عند المستحفظ للشريعة، المستودع للأحكام - أي المهدي  -، لم يضْيع منه شيء، وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع، لأسباب دعته إلى ذلك، منها: قصوره عن معرفة بعضه. ومنها ما شك فيه. ومنها ما عمد بنفسه. ومنها ما تعمد إخراجه منه.
    وقد جمع أمير المؤمنين  القرآن المنـزل من أوله إلى أخره وألّفه بحسب ما وجب تأليفه، فقدم المكي على المدني، والمنسوخ على الناسخ، ووضع كل شيء منه في حقّه.
    فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق : (أما والله لو قرئ القرآن كما أُنزل ألفيتمونا فيه مسمين، كما سمي من كان قبلنا) ( ).
    وقال : (نزل القرآن أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع قصص وأمثال، وربع قضايا وأحكام، ولنا أهل البيت فضائل القرآن) ( ).
    وقال المجلسي(رحمه الله): (غير أنّ الخبر قد صح عن أئمتنا أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين، وأن لا نتعدّاها بلا زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم  فيقرئ الناس القرآن على ما أنزله الله تعالى، وجمعه أمير المؤمنين ) ( ).
    2- قيام عثمان بإحراق المصاحف بعد أن اختار أحدها، مع وجود اختلاف بينها، بل وأحرق مصحف عبد الله بن مسعود وأنكر علية قراءته، وضربه حتى مات، مع أنّ رسول الله قال - على ما روي عنه -: (من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد) ( ).
    3- اقتفاء سنن الماضين، فاليهود حرفوا التوراة، والمسيح حرفوا الإنجيل، قال تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾( ).
    وقد ورد حديث اقتفاء سنن الماضين عن النبي وأهل بيته المعصومين ، والحديث صحيح مستفيض الرواية ( ).
    ومعنى اقتفاء سنن الماضين موجود في أرض الواقع، وشيء حاصل بيّن لكل من تصفح التاريخ ولو إجمالاً ( ).
    4- آية الحفظ متشابهة، تحتمل وجوه كثيرة من التفسير والتأويل، ومنها: إنّ القرآن محفوظ عند المعصوم .
    وهذا الوجه في التفسير تدل عليه الروايات عنهم ( ).
    وكذلك الآية الأخرى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾( )، متشابهة تحتمل وجوه.
    والعجيب أن يُرجع بعضهم روايات صحيحة السند محكمة الدلالة وردت عن أهل بيت العصمة إلى آيات متشابهة، وهم يدعون فقه القرآن والسنة. فليت شعري المحكم يرجع إلى المتشابه أم المتشابه إلى المحكم؟!
    5- لا سبيل لردّ الروايات الصحيحة؛ لأنّ بعضها محكمة في دلالتها على التحريف والنقص، والآيات السابقة متشابهة والمتشابه يرجع إلى المحكم ليفهم معناه لا العكس، كما أنّ تغيير حرف أو كلمة في آية لا يعد، وما في القراءات السبعة من الاختلاف.
    ومن هنا فإنّ قبول قراءة المعصوم أولى من قبول قراءة غيره، وعلى أقل تقدير فلتقبل قراءته كقراءة غيره، فلا وجه لحصر القراءات بسبعة مع أنّه توجد قراءات مروية غيرها.
    6- القرآن الذي بين أيدينا جمع في زمن أبي بكر وعمر، والدال عليه الروايات عن طريق السنة والشيعة، بل إنّ هذه الحادثة متواترة في التاريخ وكانت هناك عدة مصاحف أحرقها عثمان وجمع الناس على مصحف واحد ( ).
    أمّا القرآن الذي جمعه النبي فهو عند علي ، وقد عرضه على القوم ولم يقبلوه وهو عند الإمام الثاني عشر  اليوم، والدال عليه روايات كثيرة وردت عن أهل البيت .
    عن سالم بن سلمة، قال: قرأ رجل على أبي عبد الله  وأنا استمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله : (كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم  قرأ كتاب الله  على حدّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي ). وقال: (أخرجه علي  إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، وقال لهم: هذا كتاب الله  كما أنزله الله على محمد وقد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القران لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان عليَ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه) ( ). وفي رواية أخرى عن النبي قبل وفاته أعطى القراطيس التي كتب فيها القرآن لعلي ، وأمر بجمعه وحفظه.
    أمّا الإدعاء بأنّ القرآن الذي بين أيدينا جمع في زمن النبي فهي دعوى جزافية لا دليل عليها، بل مردودة بما قدمت.
    7- إنّ إثبات النبوة لمحمد بأخلاقه وأمانته وصدقه وسيرته قبل بعثته ومعجزات كثيرة القرآن أحدها. وقد نقل الكثير منها بشكل متواتر من جيل إلى جيل، وفي كتب التاريخ.
    ومنها ما كان في ليلة ميلاده كانشقاق إيوان كسرى، وهدم أربعة عشر شرفة من شرفاته، وخمود نيران فـارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغور بحيرة ساوة، وفيض وادي السمـاوة،
    وتهافت النجوم على الشياطين بالرجوم، ومنعها من السمع ( ).
    ومنها: المقرونة بدعوى النبوة والتحدّي، كانشقاق القمر، وانشقاق الشجر، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى بيده، ونبع الماء من أنامله، ونطق الجمادات والحيوانات لأجله، وتسليم الغزال عليه، ونطق اللحم المسموم بين يديه، وكلام ذئب الفلاة لأجله، ودر شاة أم مُعبد، وبرق الصخرة يوم الخندق، وأكل الخلق الكثير من الطعام القليل ( ).
    كما أنّ القرآن الذي بين أيدينا عند القائلين بالتحريف هو قرآن من عند الله ولكنّه ليس جميعه، وبهذا يبقى على إعجازه، ويعتمد عليه في العقائد والأحكام وغيرها، مع أنّ إعجاز القرآن مختلف فيه أصلاً كونه البلاغة أو الأسلوب أم الحكم والمواعظ أو الأخبار بالمغيبات أو سلامته من التناقض أو التشريع العادل؟
    وربما يقال: جميع هذه الأمور هي إعجاز القرآن. وربما قيل: إنّ إعجازه نفسي باطني.
    ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً﴾ ( )، ويؤيده طمأنينة نفس المؤمن عند قراءته، ويؤيده أنّه شفاء للصدور، ويؤيده إنّ بعض آياته إذا قرأت لها تأثير على الموجودات الملكوتية واللطيفة كالجن، بل المادية كجسم الإنسان.
    ورد عن المعصومين ما معناه: (إنّ الفاتحة إذا قرأت سبعين مرّة على ميت فلا تتعجبوا إذا قام حياً) ( )، ﴿أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾.
    وربما لن يظهر هذا الإعجاز بشكل واضح للجميع إلاّ في زمن ظهور القائم ؛ حيث ورد أنّ أصحابه يسيرون على الماء ( )، بل لو تدبّرنا التحدّي في القرآن لوجدناه شاملاً للجميع لأهل العربية وغيرهم، وللإنس والجن: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ ( ). فلو كان الإعجاز في تركيب الألفاظ أي بالبلاغة أو الأسلوب أو غيرها، لكان التحدّي لغير أهل العربية لا معنى له مع أنّ الآية تشملهم، فإذا كان الأمر كذلك أي إن إعجاز القران باطني نفسي كان بقاء آية واحدة من القرآن كافياً لبقاء إعجازه، بل جزء من آية كافٍ، مثل: ﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ ( )، أو ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، بل الباء في البسملة كافية لإثبات إعجازه.
    روي أنّ أمير المؤمنين  تكلم في أسرار الباء في البسملة ليلة كاملة ( ).
    وقال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ

    مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ ( ).
    فلا تتوهم أنّ سبب إيمان هؤلاء العلماء الربانيين القسيسين والرهبان هو: البلاغة أو الأسلوب، بل الحقائق التي وراء تلك الألفاظ، والتي جعلت أعينهم تفيض من الدمع. وهؤلاء وأمثالهم هم الحجة في كشف إعجاز القرآن لبني آدم، لا من أقتصر علمه على القشور والألفاظ فقط.
    قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ ( ).
    فمن كشف معجزة موسى  لبني آدم؟! إنّهم السحرة عندما عرفوا أنها ليست بوهم، بل حقيقة من رب العالمين فلم يستكبروا وخروا ساجدين.
    والخلاصة: إنّ القول بالتحريف لا يعدو القول بالنقصان أو بتغيير بعض الكلمات اعتماداً على الروايات التي وردت عن المعصومين وعن بعض الصحابة. وكلاهما - أي النقصان وتغير بعض الكلمات - لا يقدح بكون الذي بين أيدينا قرآناً، حيث إنّ القول بالنقصان يعني أن الذي بين أيدينا بعض القرآن، فلا إشكال في أنّه من الله سبحانه.
    أمّا القول بتغير بعض الكلمات مثل : (أمة بـ أئمة)، و (اجعلنا بـ اجعل لنا)، و (طلح بـ طلع)، فهو شبيه بالقول بالقراءات السبعة أو العشر التي لاقت القبول من جميع المسلمين اليوم، وهم لا يخطّئون من يقرأ بأي منها مع اختلاف بعض الكلمات من قراءة إلى أخرى، سواء باللفظ أو بالمعنى.
    هذا والحمد لله الذي رزقنا ذكره ومنّ علينا بكتابه الكريم وقرآنه العظيم، والحمد لله وحده.

    * * *

    ثانياً: التشريع بدليل العقل
    بعد وفاة النبي كان على المسلمين الرجوع إلى أوصيائه ؛ لمعرفة الأحكام الشرعية المشتبهة عليهم أو التي تستجد مع مرور الزمن، ولكن بما أنّ جماعة من المسلمين انحرفوا عن الأوصياء ، وتركوا الأخذ عنهم - وهم أهل السنة - فقد أدّى مرور الزمن بهم إلى تأليف قواعد عقلية مستندة إلى القواعد المنطقية، اعتمدوا عليها في إصدار بعض الأحكام الشرعية، وسمّوها بـ (أصول الفقه)، وأعرض بعض علمائهم عنها والتزم بالقرآن وما صح عندهم أنّه صدر عن النبي .
    أمّا الشيعة فكانوا دائماً يرجعون إلى الإمام المعصوم  بعد النبي ، ولما وقعت الغيبة الصغرى كانوا يرجعون إلى سفير الإمام ، فلمّا وقعت الغيبة التامة كانوا يرجعون إلى الفقهاء الذين كانوا يروون عن المعصومين ، ومع مرور الزمن رجع بعض علماء الشيعة إلى القواعد العقلية التي بدأ بكتابتها علماء السنة. وقيل: إنّ أول من كتب في القواعد العقلية من الشيعة هو العلامة الحلي (رحمه الله)، حيث قام باختصار أحد كتب السنة في أصول الفقه.
    وقع بعد ذلك خلاف كبير بين علماء الشيعة حول التوقف عند محكمات القرآن والروايات الواردة عن المعصومين في تحصيل الحكم الشرعي أو تجاوز الأمر إلى دليل العقل، وزاد آخرون الإجماع. وكل استدل على صحة طريقه بأدلة هي:

    1- الأدلة على أنّ دليل العقل من أدلة التشريع:
    وإنّه لا يجب التوقف عند محكمات الكتاب والروايات، ومنها:
    أ- إنّ المشرّع سبحانه من جملة العقلاء - حسب ما قاله بعض الأصوليين - فما اتفق عليه العقلاء أقرّه المشرّع سبحانه ( ).
    ب- إنّ الشريعة موافقة للعقل، فكل ما حسّنه العقل حثت عليه الشريعة، وكل ما قبّحه العقل نهت عنه الشريعة ( ).
    ج- إنّ التوقف عن الفتوى عند الشبهات يلزم العسر؛ لأنّ العمل بالاحتياط قد يكون فيه عسر على المكلفين، كصلاة القصر والتمام أو صيام اليوم وقضاءه.
    د- إنّ التوقف عن الفتوى عند عدم وجود رواية أو آية محكمة، يلزم جمود الشريعة وعدم مواكبتها للتطور. والمستحدثات أصبحت كثيرة خصوصاً في المعاملات، كأطفال الأنابيب والتلقيح الصناعي، والمعاملات المصرفية والمالية المتنوعة وتقنية الاستنساخ البشري والحيواني وغيرها.

    2- الأدلة على وجوب التوقف عند الروايات والآيات المحكمة:
    والتوقف عن الفتوى عند الشبهات والمستحدثات التي لا يوجد دليل نقلي عليها والعمل فيها بالاحتياط، ومنها:
    أ- إنّ العقل حجة باطنة، وهذا ورد في الروايات عنهم ( )، فبالعقل يستدل على وجود الخالق، ثم بالعقل تعارض الروايات وتُعرف دلالة كل منها، وبالعقل تُفهم الآيات ويُعرف المتشابه والمحكم. وهذا لا اعتراض عليه، إنّما الاعتراض على وضع قاعدة عقلية غير مروية يستـنبط بواسطتها حكم شرعي ( ).
    فهذه هي عبادة العباد للعباد ( )، وهكذا نعود إلى الحام والبحيرة والسائبة ( )، وعدنا إلى تحريم علماء اليهود بأهوائهم وتخرّصاتهم العقلية وتحليلهم المحرّمات، وهكذا نقرّ للطواغيت تشريعاتهم الوضعية الباطلة.
    ب- اتفاق العقلاء المدّعى غير موجود ( )، ثم إنّ بعض القواعد العقلية لم يتحرّر النـزاع فيها في الأصول بين الأصوليين أنفسهم، فكيف يعتمد عليها في استنباط الأحكام الشرعية ( ). هذا فضلاً عن إنّ اعتبار المشرّع سبحانه من جملة العقلاء غير صحيح ( ).
    ج- إنّ بعض الأشياء التي نهى عنها الشارع قبحها بيّن، فالعقل يحكم بقبحها، ولكن هناك كثير من الأشياء غير بيّنة القُبح والحُسن في الظاهر، فلابدّ من الاطلاع على حقائق الأشياء لمعرفة الحَسِن من القبيح. ولا يعرف حقائق الأشياء إلاّ خالقها أو من شاء الله اطلاعه عليها، ثم لعل بعض الأشياء نعتقد نحن بقبحها لعدم اطلاعنا على حقائقها وبواطنها، واكتفائنا بمنافاة ظاهرها لطباعنا وأحوالنا وتقاليدنا الاجتماعية التي عادة يعتبرها الناس نواميس إلهية يحرُم خرقها. قال تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ ( )، وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ( ).
    وبعض الأشياء فيها حسن وقبح وملائمة ومنافاة ولكن أحدهما أرجح من الآخر، قال تعالى:
    ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾( )، فنحن وإن قلنا بأنّ الحسن والقبح مفهومان عقليان، ولكن تطبيق هذين المفهومين على الموجودات في الخارج - أي المصاديق - أمرٌ متعسّر؛ لأنّ بعض الموجودات متشابهة.
    د- إنّ في الشبهات حكمة إلهية، فالذي نزّل القرآن قادر على أن يجعل جميع آياته محكمة - أي بينة المعنى -، ولكنه سبحانه جعل فيه آيات متشابهات - أي مشتبهة على جاهلها وتحتمل أكثر من وجه في التفسير والتأويل – لحكمة، ولعلها- والله العالم - بيان الحاجة إلى المعصوم  الذي يعلم تفسير وتأويل المتشابه.
    فعن رسول الله ما معناه: (أمر بيّن رشده فيتبع، وأمر بيّن غيه فيجتنب، ومتشابهات بين ذلك يرد حكمها إلى الله وإلى الراسخين في العلم العالمين بتأويله) ( ).
    إذن، ففي الشبهات إشارة إلى حاجة الأمة إلى الراسخين في العلم وهم الأئمة بعد النبي ، وفي زماننا صاحب الأمر ، ولعل الذي يفتي في الشبهات يلغي هذه الإشارة، بل لعله يشير إلى الاستغناء عن المعصوم عندما يفتي فلا حاجة لنا بك، فقد أصبحنا بفضل القواعد العقلية نفتي في كل مسألة وما عدنا نتوقف وما عاد لدينا شبهات، ومع أننا فقدناك فإننا اليوم لا نواجه عسراً في تحصيل الحكم الشرعي!!
    هـ- ربما يكون الفساد الذي يحصل من فتوى غير صحيحة مستندة إلى دليل العقل أكبر بكثير مما نعتقده جمود في الشريعة عند الاحتياط والتوقف عن الفتوى. ثم إنّ الدين لله فمتى أصبح هناك عسر في الدين والشريعة، فإنّه سبحانه سيفرج هذا العسر حتماً وفق حكمته وعلمه بما يصلح البلاد والعباد. ثم إنّه سبحانه وتعالى لم يكلفنا أمر التشريع، فما الذي يدفعنا للتصدّي لهذا الأمر الخطير المحصور به سبحانه؟ ولم يتصدَ له الأنبياء والمرسلون والأئمة مع تمام عقولهم، وانكشاف كثير من الحقائق لهم.
    بل لعله عندما يفتي في أي مسألة وإن لم يكن عليها دليل نقلي يقول بلسان الحال للإمام المهدي : ارجع يا ابن فاطمة فلا حاجة لنا بك!!
    و- الروايات الدالة على وجوب التوقّف عند الأدلة النقلية:
    ومنها : قال أمير المؤمنين : (واعلموا عباد الله إنّ المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أوّل، ويحرّم العام ما حرّم عاماً أوّل، وإنّ ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئاً مما حرّم عليكم، ولكن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرّم الله. فقد جربتم الأمور وضرستموها ووعظتم بمن كان قبلكم، وضربت الأمثال لكم ودعيتم إلى الأمر الواضح، فلا يصم عن ذلك إلاّ أصم ولا يعمى عن ذلك إلاّ أعمى. ومن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب لم ينتفع بشيء من العظة وأتاه التقصير من أمامه حتى يعرف ما أنكر وينكر ما عرف. وإنما الناس رجلان: متبع شرعة ومبتدع بدعة، ليس معه من الله سبحانه برهان سنة، ولا ضياء حجة، وإنّ الله سبحانه لم يعظ أحد بمثل هذا القرآن، فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين وفيه ربيع القلب وينابيع العلم. وما للقلب جلاء غيره، مع أنّه قد ذهب المتذكّرون، وبقي الناسون والمتناسون، فإذا رأيتم خيراً فأعينوا عليه، وإذا رأيتم شرّاً فاذهبوا عنه، فإنّ رسول الله كان يقول: يا بن آدم اعمل الخير ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد) ( ).
    وعن النبي : (إنّ المؤمن أخذ دينه عن الله، وإن المنافق نصب رأياً واتخذ دينه منه).
    وعن أمير المؤمنين  أنّه قال: (إنّ من أبغض الخلق إلى الله عزّ وجل لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته. ورجل قمش جهلاً في جهّال الناس، عان بأغباش الفتنة، قد سمّاه أشباه الناس عالماً ولم يغن فيه يوماً سالماً، بكر فاستكثر، ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره وإن خالف قاضياً سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده، كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشواً من رأيه ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شيء مما أنكر، ولا يرى أنّ وراء ما بلغ فيه مذهباً، إن قاس شيئاً بشيء لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به، لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له: لا يعلم. ثم جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات، ركاب شبهات، خبّاط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم، تبكي منه المواريث، وتصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرّم بقضائه الفرج الحلال، لا ملئ بإصدار ما عليه ورد، ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق) ( ).
    وروي أنّه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته، فقال قوم: لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر، وما تصنع الكعبة بالحلي؟ فهمّ عمر بذلك وسأل أمير المؤمنين، فقال : (إنّ القرآن أنزل على النبي والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفيء فقسمه على مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها، وكان حلي الكعبة فيها يومئذٍ فتركه الله على حاله. ولم يتركه نسياناً، ولم يخف عليه مكاناً فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله)، فقال عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحلي بحاله ( ).
    وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة فننظر فيها، قال: (لا، أما إنّك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عزّ وجل)( ). عن الصادق، عن أبيه، عن علي قال: (من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس) ( ).
    قال: وقال أبو جعفر : (من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم) ( ).
    وعن أبي عبد الله  في محاججته لأبي حنيفة في حديث طويل، قال: (يا أبا حنيفة، تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم. قال: يا أبا حنيفة، لقد ادعيت علماً!! ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلاّ عند الخاص من ذرية نبينا ، ما ورثك الله من كتابه حرفاً فإن كنت كما نقـول ولست كما تقول …… ) ( ).
    وعن عبد الله بن شبرمة، قال: ما ذكرت حديثاً سمعته من جعفر بن محمد  إلاّ كاد أن يتصدع له قلبي، سمعته يقول: (حدثني أبي، عن جدي، عن رسول الله ، قال ابن شبرمة: - وأقسم بالله ما كذب أبوه على جدّه ولا جدّه على رسول الله - قال: رسول الله : (من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك) ( ).
    وعن الصادق : (إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك، إيّاك أن تفتي الناس برأيك، وأن تدين بما لا تعلم) ( ).

    وعن الباقر : (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه) ( ).
    وعن النبي : (من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) ( ).
    وعن الصادق : (العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً)( ).
    وعن الصادق : (إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس، فلم يزدهم المقاييس عن الحق إلاّ بعداً، وأنّ دين الله لا يصاب بالمقاييس) ( ).
    وعن الكاظم  : (من نظر برأيه هلك، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر) ( ).
    وعن أمير المؤمنين : (يا معشر شيعتنا والمنتحلين ولايتنا إياكم وأصحاب الرأي فأنهم أعداء السنن، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها، وأعيتهم السنة أن يعوها، فاتخذوا عباد الله خولاً، وماله دولاً، فذّلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق وأهله فتمثلوا بالأئمة المعصومين الصادقين، وهم من الجهّال الملاعين، فسألوا عن ما لا يعلمون، فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون، فعارضوا الدين بآرائهم، وضلوا فاضلوا، أما لو كان الدين بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهما) ( ).
    وقال الصادق : (أيتها العصابة المرحومة المفلحة، إن الله أتم لكم ما أتاكم من الخير، واعلموا أنّه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، قد أنزل الله القرآن، وجعل فيه تبيان كل شيء، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً، لا يسع أهل علم القرآن - أي آل محمد - الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس. أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصّهم به، ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها، وهم أهل الذكر) ( )، ( ).

    * * *


    ثالثاً: الـعقـائــد
    والخلاف فيها كبير بين علماء الإسلام السنّة والشيعة وغيرهم. كما أنّ السنة افترقوا فيها إلى معتزلة وأشاعرة ( )، واختلف علماء كل فرقة فيما بينهم، ولعل الخلاف الرئيسي بين فرق المسلمين يدور حول الإمامة والقيادة الدينية والدنيوية بعد النبي لهذه الأمّة.
    ثم جرّ هذا الخلاف خلافات عقائدية أخرى كان سببها أنّ الشيعة يرجعون في عقائدهم إلى أوصياء النبي المعصومين ، والسنة يرجعون إلى استدلالات عقلية كما يدّعون والتي تعارضها عقول قوم آخرين .
    كما حصل في مسألة الجبر والتفويض، التي وقع الخلاف فيها بين الأشاعرة والمعتزلة فجاء جواب آل النبي بأنّه: (لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين) ( ).
    أو كقضية خلق القرآن، التي استغلها كفار بني العباس للخوض في دماء المسلمين وأعانهم على ذلك بعض أئمة الضلال السامريين ( ).
    فجاء ردّ أهل القرآن آل النبي المصطفى بأنّ القران كلام الله لا غير ( )، ليدع الناس السفسطة والجدل الشيطاني الذي لا طائل وراءه إلاّ حب الظهور والعلو على الناس بلقب العالم.
    كما وقع خلاف واسع في توحيد الخالق سبحانه وصفاته، أو ما سمّي بـ (علم الكلام).
    والحقيقة إنّ علم الكلام ما هو إلاّ شكل آخر من الفلسفة اليونانية المشائية أو الاستدلالية، فمن تتبع الفلسفة اليونانية القديمة يعلم أن فيها طريقين رئيسيين، وإنّ كليهما يبحث في الوجود:
    الأول: الاستدلالي. أو ما يسمى بـ (المشائي)، ويعتمد على الأدلة العقلية.
    والثاني: الإشراقي. ويعتمد على تصفية النفس من رذائل الأخلاق، وبالتالي يكون الإنسان أهلا لإشراق الحقائق في نفسه.
    وقد تأثر علماء المسلمين بالفلسفة اليونانية المشائية بعد ترجمتها، وأعادوا كتابتها كل بحسب ما يعتقد. وبدأ يظهر ما يسمى بـ (الفلسفة الإسلامية المشائية) أو(الاستدلالية) التي اشتق منها علم الكلام، الذي يبحث في وجود الخالق وتوحيده وصفاته. وربما يلحق به مباحث العدل والمعاد والنبوة والإمامة وغيرها.
    وإنّ ما سمي بـ (علم الكلام) كونه يبحث حول أشرف موجود سبحانه، فالألف واللام لاستغراق الصفات، فلعلهم أرادوا القول إنّ هذا العلم فيه أشرف كلام، والله اعلم.
    وكان لعلم الكلام أو لخوض علماء المسلمين في الفلسفة اليونانية دور كبير في تناحر فرق المسلمين، حتى وصل الأمر إلى تكفير بعضهم بعضاً، وأصبح علماء كل فرقة يتأولون آيات القرآن وفق أهوائهم لتوافق القواعد الفلسفية أو العقلية التي يعتقدونها. فجعلوا أنفسهم أئمة الكتاب لا أنّ الكتاب إمامهم، وتقدّموا الكتاب بعد أن تقدموا العترة ( )، فضلوا .
    وأي ضلال بعد أن أعرضوا عن وصية رسول الله في حديث الثقلين المشهور بأن لا ئيتقدّموهما ( ).
    لقد ضيع المسلمون الحق المبين واتبعوا من لم يزده علمه إلاّ خساراً بعدم رجوعهم إلى آل النبي واعتمادهم على الأدلة العقلية والفلسفية اليونانية، أو علم الكلام المستند إليها والمشتق منها، مع أنّ في الفلسفة كثيراً من السفسطة والمغالطات والمجادلات، وقالوا وقلنا التي لا تنتهي، والتي لا يعدو كثير منها اللغو، وليس وراءه طائل ولا ثمرة علمية أو عملية.
    والحق أنه ليس لنا - ونحن المغروسين في المادة، وليس لكثير منا حظ من العقل إلاّ ظلة - أن نتكلم عن الحي القيوم جل شأنه، إلاّ بحدود ما ورد في القرآن وحديث النبي وآله الأطهار ، وهو عن الله سبحانه وتعالى وما هو إلاّ وحي يوحى، وقد صرح بهذا المعنى الملا صدرا (رحمه الله) في الشواهد الربوبية.
    وليعلم أولئك الذين يدعون الحجج العقلية وهم مختلفون، أنهم لو كانوا عقلاء بالمعنى الحقيقي
    لما اختلفوا؛ لأنّ العقل واحد، وهو الحق المطلوب من ابن آدم الوصول إليه، ليعقل نفسه ويعرف ربه، وهو عالم كلي لا تنافي فيه. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ( ).
    أمّا الذي يشترك فيه جميع بني آدم فهو ظل لذلك العقل، أو النفس الإنسانية لا العقل الحقيقي. وهذه النفس موجودة في عالم الملكوت وهو عالم متـنافيات تماماً كعالم الشهادة، إلاّ أنه مجرّد من المادة.
    قال المصطفى ما معناه: (لولا إنّ الشياطين يحومون حول قلب ابن آدم لنظر إلى ملكوت السماوات) ( )، أي إنّ ابن آدم لو أخلص لله لنظر إلى ملكوت السماوات.
    وبما أنّ اللّب الذي بين جنبينا هو ظل للعقل، فيكون الإنسان قادراً على إدراك كثير من قوانين عالم المادة، وربما شيئاً من عالم الملكوت ولكنه غير قادر على معرفة عالم العقل؛ لأنّه فوقه إلاّ بالوصول إليه. ولا يصل إلاّ العبد المخلص لله المجيب لدعاء (أقبِل) بعد أن أدبر وغرس في عالم المادة ( )، فإذا عرفنا هذا عرفنا خطأ من ادعى العقل ابتداءً لكل بني آدم، ثم جعل المشرّع سبحانه من جملة العقلاء جل شأنه خالقنا وخالق عالم العقل الذي لا يصله إلاّ المقرّبون، ﴿كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ ( )، مع أنّ ما ادعاه عقلاً ما هو إلاّ ظل له وصورة له تختلف باختلاف المرآة التي انعكست عليها والنفس التي انطبعت فيها، ففي النفوس المنكوسة تنطبع الصورة معكوسة، قال أمير المؤمنين علي : (وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج الدرة من بين حب الحصيد) ( ).
    ومن هنا فإن اتفق عشرة على أمرٍ معين خالفهم عشرة آخرون، ولو رجعوا إلى كنـز التوحيد محمد وعلي وآلهما وتدبروا كلامهم لأراحوا واستراحوا، فالصواب أن يكون علم الكلام في الإسلام مستنداً إلى القرآن والسنّة الصحيحة عن النبي وآله الأطهار . ولا بأس بالاستدلالات العقلية كسند ثانوي للعقائد الإسلامية المستقاة من القرآن والسنّة الصحيحة.
    روي أنّ الإمام الصادق  قال ليونس بن يعقوب: (وددت أنك يا يونس تحسن الكلام. فقال له يونس: جعلت فداك، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأهل الكلام، يقول هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله. فقال أبو عبد الله : إنما قلت ويل لهم إذا تركوا قولي وصاروا إلى خلافه … ) ( ).
    وقال الإمام الصادق : (حاجوا الناس بكلامي، فإن حجوكم فأنا المحجوج) ( ).
    وقال الصادق : (من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنّة زالت الجبال ولم يزل) ( ).
    وقال : (إياكم والتقليد، فإنّه من قلّد في دينه هلك، إنّ الله تعالى يقول: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ( )، فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكنهم أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً، وقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم لا يشعرون) ( ).
    وقال : (من أجاب ناطقاً فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان) ( ).
    أمّا العرفان في الإسلام، فقد أرجعه بعضهم إلى الفلسفة اليونانية الإشراقية، والعرفان عند الشيعة إلى السنة.
    وقالوا: إنّ أول من بحث في العرفان هو (ابن عربي) أو غيره من علماء السنة.
    والحقيقة إنّ هذا خطأ ومغالطة، لا تنطلي على من تفحّص الأديان الإلهية والشرائع السماوية، حيث إنّ السلوك العرفاني أو العمل لمعرفة الله هو الذي جاء به الأنبياء، بل هو الفطرة التي فطر عليها الإنسان، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾( ). وقال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾( ).
    فالآيات في الأنفس لمن زكّاها، وفي الآفاق لمن أراد الاستدلال بالعقل ولمن زكّى نفسه. كما أنّ النبي والأوصياء نبهوا المؤمنين في أحاديث كثيرة إلى هذا الطريق وضرورة سلوكه وعدم التواني في تطبيق الشريعة، واجبها و مستحبها و محرّمها و مكروهها. والتي هي وهي فقط الطريق الموصل إلى الله لا الألفاظ ولا المصطلحات و تخرّصات بعض الذين كتبوا في العرفان وما يسمونه بمجاهدات ما أنزل الله بها من سلطان.
    فمعرفة الله إنما تتم بتزكية النفس، وتزكية النفس لا تتم إلاّ بتطبيق الشريعة والزهد في الدنيا، والإنفاق في سبيل الله، والتحلّي بمكارم الأخلاق، والحب في الله والبغض في الله، والشدّة في ذات الله والغلظة مع الكافرين والمنافقين، والرحمة مع المؤمنين. قال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ ( ).
    والحمد لله وحده، ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ ( ).
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    #2
    رد: كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

    رابعاً: الإعراض عن أوصياء النبي
    وهذا بيّن، فقد أعرض السنّة عن الأئمة ، وتركوا الأخذ منهم والرجوع إليهم في المتشابهات.
    أمّا بالنسبة للإمام المهدي  فالأعراض عنه حاصل سواء في زمن الغيبة الصغرى أم في زمن الغيبة الكبرى، ويكاد الشيعة فضلاً عن غيرهم لا يذكرونه.
    وسيأتي البحث في إعراض الأمة عن قائدها خاتم أوصياء النبي المهدي  .

    * * *
    خامساً: الإعراض عن القرآن والسنة
    والإعراض، إمّا بقلة دراسة القرآن وتفسيره وتدبّر معانيه والبحث في القرآن وسنة النبي وآله المعصومين .
    وأمّا بتفسير القرآن بعيداً عن روايات المعصومين واعتماد القواعد النحوية والفلسفية في التفسير، والتي معظمها استقرائية وخلافية لم يتحرّر النزاع فيها، ولن يتحرّر.
    وأمّا بتفسير القرآن وفق الأهواء الشخصية، فكل يحاول أن يحمل القرآن على هواه، فلأنّ نفسه انطوت على جبن وخضوع للطاغوت لا يجد في القرآن دعوة لجهاد الطواغيت المتسلطين على هذه الأمة، بل يجد أنّ طاعتهم واجبة وإنّ التقية بلا حدود. فالمهم أن يبقى هو حيّاً، وإن لم يبقَ من الإسلام إلاّ اسمه!! ولأنّه عبد لشهوته لا يجد في القرآن دعوة للزهد في هذه الدنيا، بل يجد فيه دعوة لإشباع شهواته من أموال المسلمين التي ائتمنوه عليها، ويقول من حرّم زينة الله ولا يقول إنّ كثيراً من الأحبار والرهبان أو العلماء غير العاملين وأعوانهم ليأكلون أموال الناس بالباطل.
    ولأنّه تابع لإبليس إمام المتكبّرين لا يجد في القرآن دعوة للتواضع، بل يجد فيه دعوة للتكبر على ضعفاء المؤمنين، واحتقارهم والاستخفاف بهم.
    وهكذا فهم يحملون القرآن على أهوائهم، والهدى على الهوى، والقرآن على الرأي: (كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) ( ) كما روي عنهم .
    قال أمير المؤمنين  في وصف حال القائم مع هذه الأمة وعلمائها عند ظهوره: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القران إذا عطفوا القرآن على الرأي) ( ).
    وقال الصادق : (ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن) ( ).
    وقال : (من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر) ( ).
    وقال : (ما من رجل ضرب القرآن بعضه ببعض إلاّ وكفر) ( ).
    وقال : (المتشابه ما اشتبه على جاهله) ( ).
    وقال أبو جعفر : (نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله) ( ).
    وقال أبو عبد الله : (من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، فإن أخطأ كان إثمه عليه)( ).
    وقال أبو جعفر الباقر  في حديث مع قتادة، وقد أخطأ قتادة في تفسير آية فقال : (ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به) ( ).
    وقال أمير المؤمنين : (إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء - أي الأئمة - فإنّه رب تنزيل يشبّه بكلام البشر وهو كلام الله وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيئاً من خلقه يشبهه كذلك، لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئاً من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه لكلام البشر، وكلام الله تبارك وتعالى صفته، وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبّه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل) ( ).
    وعن الإمام الحسين  في كتابه لأهل البصرة، قال: (بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ( ).
    والمقصود بالعلم من الله كما هو للمعصومين أو ما أخذ منهم .
    وعن الإمام الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين ، قال: (قال رسول الله : قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني) ( ).
    وقال رسول الله : (إنما أتخوف على أمتي بعدي ثلاث خصال؛ أن يتأول القرآن على غير تأويله، أو يتبعوا زلّة العالم، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا وبطروا، وسأنبئكم المخرج من ذلك، أمّا القرآن فأعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وأمّا العالم فانظروا فيه ولا تتبعوا زلته، وأمّا المال فإنّ المخرج شكر النعمة وأداء حقه) ( ).
    وتأويل القرآن أو تفسيره لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم، وهم محمد وآل محمد . وقد صرّح القرآن بذلك، فالآيات المتشابهة تحكم بحديثهم ويعرف المراد بها منهم، وقد ورد عنهم تفسير للقرآن الكريم فيجب الرجوع إلى حديثهم. وقد رسموا جادة وصراطاً مستقيماً لمن تدبر آيات الكتاب الكريم. فعلى المفسّر أو المتدبر أن لا يتجاوز هذا الصراط فتزل قدمه ويهوي في الجحيم، بل عليه أن لا يتعرّض للتفسير ما لم يطهر نفسه. قال تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ ( ).
    أمّا زلّة العالم؛ فلأنه إذا ضل يضل أمة تتبعه كما أضل السامري بني إسرائيل.
    وأمّا المال؛ فلأن الإنسان الغني مادياً عادة يقل توجهه إلى الله لطلب الحوائج، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ ( ). فالفقر والبلاء عادة داعي إلى التوجّه إلى الله والرجوع إليه.
    أمّا العلاج المصفّى الذي أرشد إليه المصطفى ، فهو بالنسبة لمتشابه القرآن الإيمان به، وإنه نزل من الله ويجب الرجوع في تأويله إلى آل محمد . فمتشابه الكتاب من أعظم الأدلة الدالة على إمامتهم وحاجة الأمة إليهم، ولعل اشتباه كثير من الأحكام اليوم وعدم معرفة الحلال من الحرام؛ لبيان الحاجة إلى خاتم الأوصياء المهدي .
    وبالنسبة إلى العلماء، فالنظر فيهم وفي أحوالهم فهم غير معصومين، وربما كان فيهم سامريون وأئمة ضلال. وإياك أن تكون مقلداً أعمى فتتبع من يحل لك الحرام ويحرّم عليك الحلال، فتكون عابداً له لا لله.
    وقد حذّروا من علماء غير عاملين يحطمون رواياتهم ويذرونها ذرو الريح للهشيم( ).
    وبالنسبة للمال فبشكر النعمة، وأداء حقه، أي: بالتوجه إلى الله بالعبادة والطاعة، وباستعمال هذا المال لنصرة الدين، وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله، ومواساة الفقراء.
    هذه هي أهم الانحرافات في الأمة الإسلامية وبشكل مجمل. ومن الطبيعي أن يكون بعضها بل ربما جميعها بفعل فاعل قاصد أن يضل الناس. ومن الطبيعي أن يكون من شياطين الأنس وعبد من عبيد إبليس، وربما كان بعض هؤلاء الأئمة الذين يدعون إلى النار يظن أنّه يحسن صنعاً.

    * * *



    المحرّفــون
    وهم الحكام والمتظاهرون بالإسلام، وعلماء السوء غير العاملين.
    أمّا الحكام، فداعيهم إلى تحريف الشريعة هـو الملك لا غير. فكل معتقد أو حكم شرعي يتعارض وبقاءهم على كرسي الحكم يجب أن يحرّف بحسب نظرهم الفاسد، بأيّ صورة كانت سواء بوضع أحاديث وإلصاقها بالرسول ، أم بحذف آيات أو سور من القرآن لو أمكن، أو بمنع رواية الأحاديث الصحيحة عن الرسول ، أو بمنع قراءة القرآن كما أُنزل وتأويله كما يريد الله، أو بشراء مرتزقة يسمونهم علماء يحرّفون القرآن ويؤولونه ويفسّرونه على هوى الحكّام الظلمة.
    وطبعاً لو أمكنهم وضع تشريعات وقوانين مخالفة لشريعة الله، ولكنها تساعد على بقائهم في السلطة مدّة أطول لسارعوا إلى وضعها، خصوصاً إذا أعانتهم ظروف الجهل الديني في المجتمع الإسلامي ووجود علماء سوء غير عاملين، كما هو حال البلاد الإسلامية اليوم.
    وأمّا علماء السوء، فهم أخطر من الحكّام الظلمة؛ لأنّ الحاكم الجائر يدلك كثير من تصرفاته وأعماله العلنية في محاربة أولياء الله على خروجه عن الشريعة ومحاربتها، أمّا العالم غير العامل فربما يتسربل بلباس العابد الناسك، فتجده مثلاً متماوتاً في مشيته، خاضعاً في كلمته، ولعله يظهر التذلل والخضوع ليصطاد الأتباع. ولكنّك إذا سبرت غوره وجدّته فاسداً متكبّراً، يتصنّع الصلاح والتواضع، بل إنّ ظاهره يدلك على باطنه، فتصدر منه كثير من الفلتات التي تفضح باطنه الأسود، فـ (الإناء ينضح بالذي فيه).
    وخطر علماء السوء يمتد حتى بعد موتهم، فتبقى مذاهبهم ومعتقداتهم الفاسدة وفتواهم غير الصحيحة، ويبقى لهم أتباع كما أنهم يمتازون بالنفاق وإخفاء بواطنهم الفاسدة، ودواعي هؤلاء للتحريف كثيرة، منها: طلب القيادة الدينية، وإرضاء الأهواء النفسية.
    ومنها: إنهم يأنفون من قول (لا أعلم)، ولهذا يدّعون معرفة كتاب الله والعلم بالتنزيل والتأويل والمحكم والمتشابه، وإنّ لديهم فتوى لكل مسألة شرعية، وحل لكل معضلة عقائدية. وربما يأخذ التكبر منهم كل مأخذ، فيرون أنفسهم علماء وسواهم جهلاء. وإنهم خير من الجميع وأعلم من الجميع.
    وربما كان من دواعيهم إلى التحريف الخوف من الطاغوت الحاكم، فيفتون إرضاء له وتجنباً للاصطدام معه مثلاً بجواز الانخراط في صفوف قواته المسلحة، التي مهمتها الأساسية هي ضرب الشعوب الإسلامية، وإضعاف دين الله في أرضه والقضاء عليه إذا أمكن.
    وربما كان بعضهم أخس من ذلك، فيكون داعيهم للتحريف إضافة إلى الجبن الدنيا والمال، فيداهنون الطاغوت، ويضلون المسلمين ويحرّفون الشريعة.
    قال الإمام الصادق : (إذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتهموه على دينكم، فإنّ كل محب يحوط ما أحب) ( ).
    وقال : (أوحى الله تعالى إلى داود ، لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيضلك عن طريق محبتي، فإنّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم إن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم) ( ).
    ومن كلام عيسى : (إنّكم علماء السوء، الأجر تأخذون والعمل تضيعون، يوشك رب العمل إن يطلب عمله، وتوشكون إن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه) ( ).
    وكلاهما - أي علماء السوء غير العاملين، والحكّام الطواغيت الذين يحكمون البلاد الإسلامية اليوم - أخطر من الكافر الحربي كالصهاينة على الإسلام؛ وذلك لأنّ بقاء علماء السوء يعني بقاء الحكّام الظلمة متسلطين على المسلمين، وبقاء الحكّام الظلمة يعني بقاء الصهاينة يحتلون أرض المسلمين، وبقاء الأمريكان متسلطين على المسلمين يجرعونهم الويل والثبور؛ لأنّ هؤلاء الحكّام هم خدم للطاغوت الأمريكي سواء بعلمهم أم برعونتهم وتخبطهم الأهوج، كما أنّ الصهاينة وطيلة أشهر من الانتفاضة المباركة في أرض فلسطين لا يقتلون إلاّ مائة شخص أو أكثر بقليل. أمّا هؤلاء الحكّام الطواغيت فهم يقتلون في يوم واحد المئات، بل وآلاف المسلمين. كما أنّ الصهاينة يقتلون المسلمين ليحتفظوا بالأرض التي اغتصبوها، أمّا هؤلاء الحكّام الظلمة وأعوانهم فيقتلون المؤمنين؛ لأنهم يتلذذون بسفك الدماء. فهؤلاء الطواغيت وأعوانهم مسوخ شيطانية منكوسون لا يعرفون شيئاً من الخير، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ ( ).
    ومعركة الإصلاح يجب إن تبدأ مع علماء السوء غير العاملين، ثم تنتقل إلى الطواغيت المتسلطين على البلاد الإسلامية، ثم من يليهم من الطواغيت المتسلطين على العالم، بل وقبل كل ذلك يجب أن نبدأ مع أنفسنا ونطهّرها من جنود الشيطان. فرسول الله بدأ حركته الإصلاحية في أم القرى في مكة، المدينة التي تمثل المرجعية الدينية للأحناف والمدينة التي يحج إليها الأحناف، ثم انتقل إلى ما حولها من القرى في الجزيرة العربية، ثم انتقل إلى الإمبراطوريات المحيطة به صلوات الله عليه وعلى آله.
    ومن الطبيعي أنّ مواجهة التيارات الجاهلية جميعها ومواجهة قادتها صعبة تحتاج إلى شدّة في ذات الله، وعزم وصبر على الملمات.
    وربما لن يقوى على القيام بها إلاّ معصوم مؤيد من الله سبحانه وتعالى وهو المهدي ، فواجبنا اليوم هو التهيئة لدولته ، إصلاح الانحرافات الموجودة ما أمكن أو على الأقل تعريفها للناس، لا أن نقف مكتوفي الأيدي ونقول لا حول ولا وقوّة إلاّ بالله.
    نعم، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وإنّا لله وإنا إليه راجعون، ولكن الله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً. وأسألوا الله إن يعجل فرج مولانا المهدي  ويمن علينا بفضله وعطائه الابتداء وجوده وكرمه بظهوره و قيامه، ليأخذ بأيدينا إلى الصراط المستقيم، ويخرجنا من الظلمات إلى النور، ويرينا مناسكنا والأحكام الشرعية الصحيحة.

    * * *









    المصلح المنتظر 
    قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ ( ).
    الإمام المهدي  الوصي الثاني عشر من أوصياء النبي الخاتم ، الإمام خامل الذكر لسنين طويلة حتى بين شيعته الذين يقولون بإمامته وخلافته لله في أرضه. هو المصلح الذي تنتظره البشرية جمعاء، المسلمون وغيرهم، شيعته وأعداؤه. أناس ينتظرون ظهوره لنصرته، وآخرون يتربّصون به الدوائر للقضاء عليه حال ظهوره وقيامه، ويظنون أنهم قادرون على تغيير سنة الله.
    مؤمنون يهيئون لظهوره وآخرون يتهيئون لظهوره، وبعض المسلمين غافلين لا يكادون يعرفون عنه شيئاً، وبعض شيعته أو من يسميهم الناس بشيعته لا يعرفونه إلاّ كرمز، يئسوا من ظهوره وقيامه وهذا اليأس ظاهر من أعمالهم، وإن لم يصرحوا به بأقوالهم.
    وفي هذه اللحظات الحاسمة التي نقترب فيها من ساعة الصفر، نلاحظ أناساً بعيدين عن الحق بدؤوا يقتربون منه شيئاً فشيئاً حتى كأنهم دخلوا فيه، وآخرون في قلب دائرة الحق بدؤوا يبتعدون عنه شيئاً فشيئاً حتى كأنهم خرجوا منه. وهكذا أناساً في هوة الوادي بدؤوا يرتقون الجبل شيئاً فشيئاً، وآخرون وجدوا أنفسهم في القمّة بدؤوا ينحدرون عنها حتى كأنهم قد سقطوا في الهاوية.
    وبعبارة أخرى: دنيا وآخرة، ولكل أبناؤها، فمن أختار الحق احتضن الموت وسار إلى الآخرة، فلا يبالي سواء وقع على الموت أو وقع الموت عليه. ومن اختار الباطل حرص على الحياة وعبد الدنيا. وبين الفريقين قوم يترنحون كالسكارى، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهم يعرفون الحق ولا ينصرونه، ويكرهون الباطل ولا يعادونه. خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ ( ).

    * * *

    المهدي  في الأديان الإلهية
    الإمام المهدي  كمصلح منتظر، وكمنقذ لشريعة الله في أرضه موجود تقريباً في جميع الأديان الإلهية السابقة للإسلام، كاليهودية والنصرانية.
    ففي التوراة، مرّة تجده في (سفر دانيال في رؤيا بختنصر)، التي يُعبرها دانيال  بعد أن يراها. ومرّة تجده في (رؤيا دانيال للممالك والإمبراطوريات الكبرى) التي تقوم على الأرض من بعده، وتجده كذلك في غير هذا السفر من التوراة المتداولة اليوم.
    أمّا في الإنجيل، فهو (قديم الأيام) المصلح المنتظر الذي ينزل معه عيسى  من السماء، فتجده في الإنجيل وفي (رؤيا يوحنا اللاهوتي). كما أنّك تجد عيسى  يذكر في الإنجيل علامات لعودته إلى الأرض، هي بعينها العلامات التي ذكرها النبي والأئمة الأطهار لظهور المهدي  وقيامه، كخسوف القمر وكسوف الشمس، والحروب وأخبار الحروب. وذلك؛ لأنّ عيسى  ينزل من السماء في زمن ظهور المهدي ، وزيراً له ومؤيداً لحقّه.
    أمّا عند المسلمين، فالمهدي  من ضروريات الدين ومنكره منكر لنبوة محمد ، فقد جاء ذكره متواتراً عن النبي ، سواء عن طريق السنة أو الشيعة. ولكن السنة لما أعرضوا عن أوصياء النبي وتركوا حديثهم وقعوا في شبهة، أنّه سيولد في آخر الزمان، وإن اعترفوا أنّه من ولد علي وفاطمة .
    ثم جاء من علماء السنة في الغيبة الكبرى من اعترف بأنّ الإمام المهدي  هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، وإنّه حي وغائب عن الأبصار كالخضر .
    ومن هؤلاء، الشافعي في كتابه (مطالب السؤول)، حيث عقد فصلاً في نهاية كتابه المشار إليه للدفاع عن اعتقاده، إنّ الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري .
    أمّا الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، فقد كانوا يرجعون إلى أوصياء النبي من بعده وتابعوهم إمام تلو إمام، حتى وصلت الإمامة وخلافة النبي وخلافة الله في أرضه إلى خاتم الأوصياء الإمام محمد بن الحسن المهدي ، ومع أنّه كان غائباً عن أنظار العامة ويتصل مع شيعته عن طريق أحد خلّص المؤمنين، إلاّ إنّ الشيعة تقبلوا هذا الوضع؛ لأنّ النبي والأئمة من بعده مهدوا لغيبته  وذكروها في أحاديثهم.
    وحياة الإمام المهدي  قبل الغيبة تقريباً بخمس سنوات قضاها مع والده الإمام الحسن العسكري ، فهو  ولد يوم 15 شعبان سنة 255 هـ . ق على بعض الروايات، وبدأت غيبته مع أول يوم من إمامته، وهو يوم تسعة ربيع الأول 260 هـ . ق.
    وفي هذه السنوات الخمس لم يعرف ولادته ولم يره إلاّ الخلّص من الشيعة. ربما أربعون أو أقل أو أكثر، فهو  محجوب عن الناس منذ ولادته للحفاظ على حياته، وهذا لأنّ أئمة الجور والضلال من العباسيين (لعنهم الله) كانوا يترقبون ولادته للقضاء عليه وقتله، كما كان فرعون (لعنه الله) يترقب ولادة موسى  لقتله، وكما أراد الحاكم الروماني قتل عيسى  عندما علم بولادته، وكانوا يريدون إن يطفئوا نور الله بأفواههم العفنة، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الأمويون والعباسيون وأئمة الضلال والطواغيت الذين يحكمون الأمة الإسلامية.
    ومن عظيم شأن هذا الإمام  أنّه قد جاء في أحاديث كثيرة عن النبي في كتب السنة والشيعة، إنّ عيسى  يصلي خلفه ويكون وزيراً له. ثم إنّ هذا العبد الصالح مدّخر لإقامة القسط والعدل في الأرض وحمل كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله إلى أهل الأرض جميعهم. وقد اصطفاه الله سبحانه من جميع بني آدم لهذا الأمر، كما روي إنّ أوّل من يبايعه على هذا الأمر عند قيامه جبرائيل ، وإنّه عند قيامه يحفّه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله.
    عن سالم الأشل، قال: سمعت أبا جعفر يقول: (نظر موسى بن عمران في السفر الأول بما يعطى قائم آل محمد من التمكين والفضل، فقال موسى: ربي اجعلني قائم آل محمد، فقيل له: إنّّ ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثله، فقيل له مثل ذلك. ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله، فقيل له مثله) ( ).
    وعن محمد بن علي ، قال: (كان عصا موسى  لآدم ، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران، وإنها لعندنا، وإنّ عهدي بها آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها، وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدّت لقائمنا، يصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون، وتصنع كما تؤمر، وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون، لها شفتان ( )، أحداهما في الأرض والأخرى في السقف، وبينهما أربعين ذراعاً، وتلقف ما يأفكون بلسانها) ( ).
    وعن جابر الأنصاري، قال: سمعت رسول الله يقول: (إنّ ذي القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجة على عباده، فدعا قومه إلى الله عزّ وجل وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه، فغاب عنهم زماناً حتى قيل مات أو هلك بأي وادٍ سلك؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه، ألا وفيكم من هو على سنته، وإنّ الله عزّ وجل مكن له في الأرض وآتاه من كل شيء سبباً، وبلغ المشرق والمغرب، وإنّ الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ويبلغه شرق الأرض وغربها، حتى لا يبقى سهل ولا موضع من سهل ولا جبل وطئه ذي القرنين إلاّ وطئه، ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنه، و ينصره بالرعب، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) ( ).
    وسئل أبو عبد الله : هل ولد القائم؟ فقال: (لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي) ( ).
    فصلوات الله على من يقول فيه إمام معصوم: لو أدركته لخدمته أيام حياتي.

    * * *







    الغيبة
    عن أبي عبد الله : قال رسول الله : (لابد للغلام من غيبة. فقيل: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل) ( ).
    وقال أبو جعفر : (إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم) ( ).
    وقال أبو عبد الله : (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه) ( ).
    الإمام المهدي ليس بدعاً من الرسل والأنبياء الذين سبقوه، فقد غاب موسى  عن قومه عشر سنين قضاها في مدين يرعى الأغنام لنبي الله شعيب ، وغاب يوسف  وغيرهم من الأنبياء. فغيبة الإمام  عن أبصار الناس والطواغيت أمر طبيعي حصل للأنبياء السابقين .
    أمّا حول عمره الشريف ، فهو ليس بأطول من عمر الخضر .
    وفي بداية غيبة الإمام  كان له نواب أو سفراء أو أبواب سمّهم ما شئت، المهم أنهم جماعة من خلّص المؤمنين، كانت مهمتهم إيصال كتب المؤمنين ومسائلهم الشرعية للإمام ، وإيصال أجوبة الإمام  عليها، وإيصال توجيهاته إلى المؤمنين. وسفراؤه هم:
    - عثمان بن سعيد ( ).
    - ومحمد بن عثمان ( ).
    - والحسين بن روح ( ).
    - وعلي بن محمد ( ).
    وانقطعت السفارة واتصال المؤمنين بالإمام  بموت علي بن محمد السمري(رحمه الله)، ووقعت الغيبة التامة.
    * * *
    أسباب الغيبة
    الإمام  لطف إلهي بالمؤمنين، ووجوده ظاهراً بينهم فيه حثّ كبير لهم على الالتزام الديني، فإذا امتنع ظهوره لخوف القتل مثلاً، فإنّ وجود سفير له  أفضل بكثير من غيبته التامة؛ لأنّ السفير هو القائد البديل للإمام  الذي ينقل أوامره ، فوجوده - أي السفير - كذلك لطف إلهي؛ لأنّ وجوده شبه وجود المعصوم، حيث بوجود السفير يمكن الاتصال بالإمام ومعرفة الأحكام الشرعية الصحيحة، وخصوصاً ما يستجد منها مع مرور الزمن، وإذا كان الأمر كذلك فما هو سبب الغيبة التامة؟!
    وللإجابة هناك عدّة فروض منها:

    1- الخوف من اغتياله من قبل الطواغيت:
    وهذا يمكن أن يكون صحيحاً إذا كان الإمام ظاهراً للجميع، أمّا إذا كان غائباً غيبة غير تامة، أي بوجود سفير فيكون الإمام  بعيد عن أعين الطواغيت ومكرهم السيئ، خصوصاً أنّه  مؤيد من الله. وفي نفس الوقت يتصل بالمؤمنين ويوصل إليهم الأحكام الشرعية والتوجيهات التي يحتاجونها، إذن للتخلّص من خطر الطواغيت يكفي الغيبة غير التامة مع السفارة، فلا داعي للغيبة التامة، والله أعلم.

    2- عدم وجود شخص مؤهل للسفارة والنيابة الخاصة عن الإمام :
    حيث إنّ السفير عند الإمام يجب أن يتمتع بكثير من صفات الإمام ، فلا أقل من درجة عالية من الزهد والتقوى والورع ومخافة الله والمقدرة على إدارة شؤون الأمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن يكون فقيهاً، أي: إنّه على دراية بحديث المعصومين ، لا أن يكون فقيهاً بالمعنى المتعارف اليوم.
    فالسفير لا يقوم باستنباط الأحكام الشرعية، بل هو مؤمن مخلص يقوم بنقل الأحكام الشرعية من الإمام  إلى الأمة، كما أنّه مع وجود سفير للإمام  لا يجوز لأحد استنباط حكم فقهي برأيه، وإن كان فقيهاً جامعاً للشرائط المتعارفة اليوم.
    وهذا يمكن أن يكون سبباً للغيبة التامة، ولكن عدم وجود شخص واحد مؤهل للسفارة أمر بعيد، هذا وقد ورد في حديثهم ما معناه: إنّ الإمام لا يستوحش من وحدته  في زمن الغيبة مع وجود ثلاثين مؤمن من الصالحين ( ).

    3- إعراض الأمة عن الإمام :
    وعدم الاستفادة منه استفادة حقيقية، وعدم التفاعل معه كقائد للأمة، فتكون الغيبة التامة عقوبة للأمة، وربما يكون من أهدافها إصلاح الأمة بعد تعرضها لنكبات ومآسي بسبب غياب القائد المعصوم. فتكون الغيبة الكبرى شبيهة بتيه بني إسرائيل في صحراء سيناء، أي: إنها عقوبة إصلاحية، الهدف منها خروج جيل من هذه الأمة مؤهل لحمل الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض، جيل لا يرضى إلاّ بالمعصوم قائداً، ولا يرضى إلاّ بالقرآن دستوراً وشعاراً ومنهاجاً للحياة.
    قال أمير المؤمنين  في وصف إعراض هذه الأمة عن الإمام والقرآن: (وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله!! وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرّف عن مواضعه، ولا في البلاد شيءٌ أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب حُملته، وتناساه حفظته، فالكتاب يومئذٍ وأهله منفيان طريدان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو!! فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم؛ لأنّ الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا، فاجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم! فلم يبق عندهم منه إلاّ اسمه، ولا يعرفون إلاّ خطه وزبره!! ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثله، وسمّوا صدقهم على الله فرية، وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة) ( ).
    والدال على أنّ سبب الغيبة التامة هو إعراض الأمة عدّة أمور، منها:
    أ- التوقيعات الصادرة عنه  عن طريق سفرائه قليلة جدّاً، مما يدل على أنّ الأسئلة الموجهة إليه قليلة أيضاً.
    ولعل قائل يقول: إنّ التوقيعات كثيرة، ولكن لم يصل لنا منها إلاّ هذا العدد الضئيل.
    والحق: إنّ هذا الاعتراض لا ينطلي على من تدبر قليلاً، فلو كانت التوقيعات كثيرة لوصل لنا منها الكثير وإن ضاع منها شيء، فحتماً أنّ أحاديث الرسول والإمام الصادق والإمام الرضا (عليهما السلام) لم تصل لنا جميعها، ولكن وصل لنا منها الكثير، وأحاديث الإمام  ليست ببدع من أحاديث الأئمة ، والظروف التي أحاطت بها ليست بأعظم من الظروف التي أحاطت بخطب الإمام أمير المؤمنين  حتى وصل لنا منها كتاب نهج البلاغة.
    كما أنّ علماء الشيعة في زمن الغيبة الصغرى كانوا يهتمون في كتابة أحاديث الأئمة ، وعرض كتبهم على الإمام  عن طريق السفراء، ومن هذه الكتب الكافي للكليني (رحمه الله)، فلماذا لم يهتم أحد منهم بكتابة التوقيعات الصادرة منه  ؟!
    والحقيقة أنهم اهتموا بكتابتها، ولكنها قليلة.
    ويدل على إعراض الناس عن العلم والإمام ما قدّم الكليني في كتابه الكافي. هذا والكليني عاش
    في زمن الغيبة الصغرى، ومات في نهاية أيامها على الأصح، فقد مات في شعبان سنة 329 هـ ق، أي في نفس الشهر والسنة التي مات بها علي بن محمد السمري، آخر السفراء الأربعة.
    قال الكليني(رحمه الله): (أمّا بعد، فقد فهمت ما شكوت اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة، وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها، ومباينتهم العلم وأصوله، حتى كاد العلم معهم إن يأزر كلّه، وينقطع مواده، لِما قد رضوا إن يستندوا إلى الجهل، ويضيعوا العلم وأهله) ( ).
    وقال: (فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتاً مستقراً سبّب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه بعلم يقين وبصيرة، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معاراً مستودعاً - نعوذ بالله منه - سبّب له الأسباب للاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة، فذاك في مشيئة الله إن شاء الله تبارك وتعالى أتم إيمانه وإن شاء سلبه إياه، ولا يؤمن عليه إن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً؛ لأنّه كلما رأى كبيراً من الكبراء مال معه، وكلما رأى شيئاً استحسن ظاهره قبله. وقد قال العالم  ( ): (إنّ الله عزّ وجل خلق النبيين على النبوة فلا يكونون إلاّ أنبياء، وخلق الأوصياء على الوصية فلا يكونون إلاّ أوصياء، وأعار قوماً الإيمان فإن شاء أتمه لهم، وإن شاء سلبهم إياه، قال: وفيهم جرى قوله: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾) ( ).
    فاعلم يا أخي أرشدك الله أنّه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء برأيه، إلاّ على ما أطلقه العالم بقوله: (اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عزّ وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه)، وقوله : (دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم)، وقوله : (خذوا بالمجمع عليه فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه). ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ قلة، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم  ( )، وقبول ما أوسع من الأمر فيه بقوله: (بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم) ( ).
    ب- ورد عنهم إنه مظلوم، وإنه أخملهم ذكراً:
    قال الباقر : (الأمر في أصغرنا سناً، وأخملنا ذكراً) ( ).
    فخمول ذكره بين الشيعة دال على أعراضهم عنه .
    ج - خرج منه  توقيع إلى سفيره العمري، جاء فيه: ( … وأمّا علة ما وقع من الغيبة، فإنّ الله عزّ وجل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ ( )) ( ).
    وربما يفهم من هذا الحديث أنكم سبب من أسباب الغيبة، والحر تكفيه الإشارة.
    وبعد جوابه على مسائل الحميري التي سألها، قال : (بسم الله الرحمن الرحيم، لا لأمره تعقلون ولا من أوليائه تقبلون، ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ ( )، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ( ).
    ولا يخفى ما في كلامه  من ألم سببه إعراض هذه الأمة عن الحق وعنه ، ونحن أيّها الأحبة لو كنا موقنين أنّه حجة الله علينا لعملنا ليلاً ونهاراً لتعجيل فرجه، ولقدّمناه على النفس والمال والولد.
    د- ركون الأمة للطاغوت وإعانته بأي شكل كان ولو بالأعمال المدنية التي يعتقد الناس إباحتها، وهذا بيّنٌ لمن تصفّّح التاريخ وخصوصاً في زمن الغيبة الكبرى. فقد أعان الطاغوت كثير من العلماء والجهلاء على السواء، مع أنّ الإمام الكاظم  اعترض على صفوان (رضي الله عنه)؛ لأنّه أَجّر جماله للطاغوت العباسي هارون ليذهب بها إلى الحج.
    قال تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ ( ).
    قال الشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله): (هذا هو أدب القرآن الكريم وهو أدب آل البيت ، وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين الاتصال بهم ومشاركتهم في أي عمل كان ومعاونتهم ولو بشق تمرة، ولا شك أن أعظم ما مني به الإسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور والتغاضي عن مساوئهم والتعامل معهم، فضلاً عن ممالئتهم ومناصرتهم وإعانتهم على ظلمهم، وما جر الويلات على الجامعة الإسلامية إلا ذلك الانحراف عن جدد الصواب والحق، حتى ضعف الدين بمرور الأيام فتلاشت قوته ووصل إلى ما عليه اليوم فعاد غريباً وأصبح المسلمون أو ما يسمون أنفسهم بالمسلمين وما لهم من دون الله أولياء، ثم لا ينصرون حتى على أضعف أعدائهم وأرذل المجترئين عليهم كاليهود الأذلاء فضلاً عن الصليبيين الأقوياء.
    لقد جاهد الأئمة في إبعاد من يتصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشددوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالئتهم، ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب ومن ذلك ما كتبه الإمام زين العابدين إلى محمد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم: (أو ليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيهم سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دونما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما اخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر إليها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول) ( ).
    وقال: (وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمال مع الإمام موسى الكاظم ، وقد كان من شيعته ورواة حديثه الموثوقين، قال - حسب رواية الكشي في رجاله - بترجمة صفوان، دخلت عليه فقال لي: (يا صفوان كل شيء منك حسن جميل خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال : إكراك جمالك من هذا الرجل –يعني هارون –قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق – يعني مكة – ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، قال: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك. قال : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قلت: نعم، قال : فمن أحب بقائهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو كان ورد النار، قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن أخرها) ( ).
    فإذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنـزلة! فكيف حال من يدخل في زمرتهم أو يعمل بأعمالهم أو يواكب قافلتهم أو يأتمر بأمرهم. إذا كان معاونة الظالمين لو بشق تمرة بل حب بقائهم من أشد ما حذر عنه الأئمة ، فما حال الاشتراك معهم في الحكم والدخول في وظائفهم وولايتهم، بل ما حال من يكون من جملة المؤسسين لدولتهم، أو من كان من أركان سلطانهم والمنغمسين في تشييد حكمهم (وذلك إن ولاية الجائر دروس الحق كله وإحياء الباطل كله وإظهار الظلم والجور والفساد كما جاء في حديث تحف العقول) ( ).
    إنّ العمل في الدوائر المدنية فضلاً عن الحربية في دولة الطاغوت إعانة للطاغوت على البقاء في الحكم، وبالتالي فهي إعانة لأعداء الإمام المهدي ، ولا تستهينوا بهذا الأمر ففي الدول التي تتمتع شعوبها بشيء من الحرية إذا أراد جماعة معينة الضغط على حكومة ذلك البلد لتحقيق مطالب معينة أعلنوا إضراباً عن العمل.
    فالحكومات الطاغوتية متقومة بكم أيها العمّال والمهندسون والموظفون، أنتم العمود الرئيسي الذي يرتكز عليه الطاغوت.
    ولعل بعضكم يقول: ماذا نفعل؟ والحال اليوم أنهم متسلطون على رقابنا.
    أقول: إنهم متسلطون على رقابنا منذ وفاة رسول الله لا لعيب في الأوصياء – الإمام علي وولده - ، ولكن العيب فينا نحن إننا دائماً متخاذلون عن نصرة الحق، وربما عند ظهور الإمام المهدي  سيقول كثيرون هذا ليس المهدي ؛ ليعطوا أنفسهم عذراً لتركهم نصرة الإمام المهدي  كما فعل أهل مكة واليهود مع رسول الله ، مع أنّهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم في خلقه العظيم وأمانته وصدقه وتنـزهه عن الكذب في أمور الدنيا، فكيف يكذب على الله سبحانه؟! كما أنّهم عرفوه بالآيات والمعجزات التي أيده الله بها، ولكنهم وجدوه يمثل جبهة الحق التي تصطدم بمصالحهم، ووجدوه يدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله مما يعرض حياتهم للخطر، فخذلوه ونصره الله سبحانه. وسيخذل كثيرون الإمام المهدي  وسينصره الله سبحانه.
    فعن الإمام الصادق : (لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان) ( ).
    وعبادة الأوثان، أي طاعة الطواغيت ومسايرتهم، بل واتباع الهوى.
    وعن الإمام الصادق : (إذا خرج القائم، خرج من هذا الأمر من كان يُرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر) ( )، أي: يخرج من نصرة الإمام  بعض الذين يدّعون التشيع ويرون أنهم من أنصار الإمام المهدي ، ويدخل في صفوف أنصاره قوم من غير الشيعة، بل لعلهم من غير المسلمين بعد أن يعرفوا الحق ويشايعوا آل محمد . قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ( ).
    وفي واقعة كربلاء وقف عمر بن سعد (لعنه الله) بين يدي الإمام الحسين  يعتذر عن بقائه مع الطاغوت، بأنّه يخاف القتل ويخاف أن تهدم داره ويخاف أن تسبى نساؤه ويخاف … ويخاف … ويخاف.
    فلنحذر جميعاً أن نكون اليوم وغداً كعمر بن سعد (لعنه الله)، نخذل الحق ونعتذر بأعذار قبيحة وحجج واهية.
    وأكتفي بهذا القدر، على أن سبب الغيبة هو: تقصير الأمة، وإلاّ فالأدلة أكثر مما ذكرت. فإذا عرفنا أنّ أهم أسباب الغيبة التامة هو إعراض الأمة عن الإمام  أصبح واجبنا جميعاً العمل لظهوره ورفع أسباب غيبته التامة، بإعلاء ذكره وإظهار حقّه وتهيئة الأمة للاستعداد لنصرته عند ظهوره وقيامه، ونشر الدين وطمس معالم الضلال والشرك، والقضاء على الطواغيت وأعوانهم، الذين يمثلون أهم أعداء الأمام المهدي  ( ).

    * * *






    العمل لتعجيل فرج الإمام المهدي 
    قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ( ).
    عن الفضل بن قرّة، عن أبي عبد الله ، قال: (أوحى الله إلى إبراهيم  أنّه سيولد لكَ، فقال لسارة، فقالت: ألد وأنا عجوز؟ فأوحى الله إليه أنها ستلد ويعذب أولادها أربعمائة سنة بردها الكلام عليّ. قال: فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة. قال: فقال أبو عبد الله : هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا، فأمّا إذ لم تكونوا فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه) ( ).
    وهذا العمل مسؤولية الجميع، علماء الدين والشعوب الإسلامية المستضعفة، فعلماء الدين قدّموا أنفسهم في موضع قيادة الأمة سواء صرّحوا بذلك أم لا؛ لأنّهم تصدّوا أمام الله سبحانه وتعالى ووقفوا في باب ملكوته متمثلين بالأنبياء والمرسلين. فعليهم إن يسيروا بسيرتهم ويعملوا، فمن لم يكن منهم أهلاً لذلك كان عليه إن لا يضع نفسه في هذا الموضع الخطير فيكون من قطَّاع طريق الله سبحانه وتعالى، فيؤول به الأمر إلى خسران الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، إذن فعالم الدين قائد للأمة ومصلح الأمة ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ ( )، وهو سائر في طريق الله سبحانه وداع ٍ إلى الله بأذنه فلا يطلب الدعة والراحة في هذا الطريق، وإذا وجدها في يوم من الأيام قبل دولة الحق فليتهم نفسه وليراجع مسيرته.
    قال الإمام علي : (لو أحبني جبل لتهافت) ( )، فعالم الدين يجب إن يفكر ويعمل ليلاً ونهاراً للتهيئة لإقامة دولة الحق، وللنصح لقائد هذه الدولة الوصي الخاتم .
    أمّا الشعوب الإسلامية المستضعفة فعليها العودة إلى الإسلام والقرآن بعد أن انسلخت منه ولم يبقَ فيها من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه. فهي مكلفة بعملية التهيئة لدولة الحق أفراداً وجماعات وخصوصاً النخبة المؤمنة المثقفة فيها، حيث يقع على عاتقهم جزء كبير من عملية إصلاح الأمة وتهيئتها لنصرة الحق وأهله، ومقارعة الباطل ورموزه الشيطانية من الأنس والجن.
    والحمد لله الذي منَّ علينا بمحمد وآل محمد قادة نقتفي أثرهم. فهم نصروا الحق وقارعوا الباطل، وكانوا يعملون ليلاً ونهاراً لنشر كلمة لا إله إلاّ الله، مرّة بالإعلام وبسيوف من الكلام كان لها أثرها الواضح في القضاء على دولتي بني أمية وبني العباس، ولا تزال إلى اليوم تأخذ أثرها في النفوس كسلاح قوي لهدم دولة الطاغوت والقضاء عليه، كما فعل الإمام الحسن .
    ومرّة أخرى عندما تتوفر الظروف الملائمة يجاهد آل محمد بالثورة المسلحة، وبالسيف وإراقة الدماء في سبيل الدين، كما فعل الإمام الحسين . وهكذا كانوا أعلاماً للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتدي بهم الثائرون، فلم يهنوا ولم ينكلوا في مقارعة الطواغيت حتى قضوا بين مسموم ومقطّع بالسيوف، فعلينا جميعا اليوم أن نقتفي أثرهم في نشر الدين ومقارعة الظالمين والقضاء عليهم والتهيئة لدولة الحق، وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله في الأرض، ونشر عبادة العباد لخالقهم، والقضاء على عبادة العباد للعباد وما يرافقها من الفساد.
    كما يجب فضح أئمة الفساد الذين يسمون أنفسهم علماء، الذين يحاولون فصل الحسن عن الحسين (عليهما السلام)، ويقولون إنّ الإمام الحسن  صامت ويدّعون أنهم يتابعون سيرته، فتعساً لهم. ولو كان آل محمد صامتين لما قطعت السموم أحشاءهم!! إنّ آل محمد قوم القتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة، وما منهم إلاّ مقتول كما ورد عنهم ( )، فلا ألفين خسيساً يحمل جبنه عليهم ليعتذر عن خذلانه للحق، و والله إني لأستعظم تقريع الجبناء.

    * * *







    أهم الأعمال لتعجيل فرج الإمام 
    أمّا أهم الأعمال لتعجيل فرج الإمام فهي:
    1- التفقه في الدين:
    ويشمل:
    أ- قراءة القرآن وتفسيره:
    قال رسول الله : (أيها الناس إنكم في زمان هدنة، وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع، فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدّوا الجهاز لبعد المفاز. فقام المقداد، فقال: يا رسول الله ما دار الهدنة؟ قال: دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفع وماحل ( ) مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، له ظهر وبطن ، فظاهره حكمة، وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم وعلى تخومه تخوم ( )، لا تحصى عجائبه، ولا يبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرفه) ( ).
    وعن أمير المؤمنين ، قال: (سمعت رسول الله يقول: أتاني جبرائيل فقال: يا محمد سيكون في أمتك فتنة. فقلت: فما المخرج منها؟ فقال: كتاب الله، فيه بيان ما قبلكم من خبر وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله، ومن التمس الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، لا تزيغه ( ) الأهوية، ولا تلبسه الألسنة، ولا يخلق على الرد ( )، ولا ينقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء، وهو الذي لم تكنه ( ) الجن إذ سمعه إذ قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ( ).
    وورد في الحديث أنّ ثلاثة يشتكون إلى الله يوم القيام للحساب، فعن النبي قال: (يجيء يوم القيامة ثلاثة يشتكون: المصحف والمسجد والعترة. يقول المصحف: يا رب حرّفوني ومزقوني. ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني. وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا. فأجثوا للركبتين في الخصومة، فيقول الله  لي: أنا أولى بذل) ( ).
    القرآن والعترة والمسجد. فهل أنتم أيها الأخوة مستعدون لمواجهة هؤلاء الخصوم الثلاثة بين يدي الله ؟.
    والأول: هو كتاب الله الماحل المصدَّق. والثاني: هو خليفة الله في أرضه. والثالث: هو بيت الله.
    والحق أنّ أهل الأرض جميعاً لا يقوون على هذه المواجهة، فإذا كان الأمر كذلك فلنعمل جميعاً للنصح لهؤلاء الثلاثة، لنلتقي بهم يوم القيامة وهم راضون عنّا، فلنعيد للمسجد مكانته الحقيقية ونبث فيه ومنه علوم القرآن وحديث أهل البيت ، ولنتذكر الإمام صاحب الزمان  في كل الأحوال، وهو الذي يمثل العترة اليوم، ولنقدّم قضيته على جميع القضايا، ولنقرأ القرآن ولا أعني الألفاظ فحسب، بل تدّبر معانيها واستقراء مداليلها والعمل بها، والتخلق بأخلاق القرآن، ونشرها في المجتمع بعد العمل بها، فالذي يأمر الناس بمكارم الأخلاق ولا يطبقها لا يكون له أي تأثير فيهم، بل ربما تكون النتيجة عكسية. وقد ورد عنهم ما معناه: (كونوا لنا دعاة صامتين) ( )، أي: بالعلم والعمل والسيرة الحسنة بين الناس لا بالقول فقط الذي هو أداة التعبير والدعوة الأساسية، وجاء في الكتاب الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ ( ).
    وأخلاق القرآن تؤخذ من القرآن ومن أهل القرآن محمد وآل محمد . والحمد لله ورد عنهم في الحديث والدعاء والتفسير كثير جدّاً، وهو ثروة أخلاقية لا تنضب، ومع الأسف القرآن اليوم مهجور وميت في الحوزة العلمية في النجف الأشرف فضلاً عن غيرها، فالبحث يدور في المساجد التي أنشأها القرآن حول الكتب المنطقية والفلسفية والكلامية والنحوية، التي يدّعون دراستها وتدريسها لفهم القرآن والسنة، في حين أنّك لا تجد من يهتم بدراسة كتاب الله والبحث في تفسيره، وإذا وجد مثل هذا الاهتمام من قبل بعض المؤمنين فهو قليل يكاد لا يذكر!
    قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ ( ). وقال رسول الله في وصف حالنا اليوم: (مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى) ( )، أي عامرة بالناس ولكنهم ليسوا على الطريق الذي رسمه القرآن ومحمد وآل محمد .
    وقال أمير المؤمنين  في وصف معظم أهل العلم في زماننا هذا: (نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته) ( )، أي المفروض أنّهم حملته وحفظته، وهم طلبة العلوم الدينية والعلماء.
    هذا، وإن وُجِدَ بحث في الكتاب الكريم فهو يدور حول آراء المفسرين التي لا يعدو كثير منها محاولات لصب آيات القرآن ضمن مجال القواعد النحوية والفلسفية وغيرها، مع أنّ كثيراً منها استقرائية تحتمل الخطأ وكثيراً منها خلافية لم يتحرّر النزاع فيها. ولو أنّهم فسّروا الكتاب على ما ورد في روايات أهل بيت العصمة ولم يتعدّوا الصراط المستقيم الذي رسمه أهل البيت لتدبر القرآن وتفسير آياته لكان خيراً لهم وأقرب للتقوى. ولكن أنّى لهم ذلك.
    قال أمير المؤمنين  في وصف حال أهل هذا الزمان مع القرآن: (وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه) ( ).
    ويجب الالتفات إلى أنّ معرفة تفسير كتاب الله غير مقتصرة على طلبة الحوزة العلمية فقط، بل على كل مسلم معرفة تفسير كتاب الله ما أمكن. ومهمة طلبة الحوزة هي تعلم التفسير الصحيح وتعليمه للناس في المساجد وفي غيرها، ويجب أن تفتح دورات لتعليم تفسير كتاب الله في كل مكان.
    فالعقائد الإسلامية الصحيحة كلّها في كتاب الله وبمعرفة تفسيره وتأويله الصحيح وبمباحثة كتاب الله باستمرار، وإدراك معانيه ومفرداته ينكشف للمجتمع الإسلامي كله مغالطات أئمة الضلال، أمثال ابن تيميه، وابن عبد الوهاب، واتهاماتهم الباطلة للمسلمين بالشرك،كما وينكشف الطواغيت وأعوانهم وخططهم الشيطانية التي يهدفون من ورائها تضليل المجتمع الإسلامي.

    ب - العقائد الإسلامية الصحيحة تعلمها وتعليمها:
    وهي العقائد المستقاة من الآيات القرآنية المحكمة والسنّة. أمّا الآيات القرآنية المتشابهة فيجب إحكامها ومعرفة تفسيرها وتأويلها من الروايات التي وردت عن النبي وآله الأطهار ، لا أن يؤولها كل بهواه ويعتقد ما يشاء.
    ونصيحتي لإخواني المؤمنين:
    تحصيل العقائد من القرآن المفسّر بروايات أهل البيت وبثها في المجتمع الإسلامي؛ ليكون مجتمعاً دينياً عقائدياً تزول الجبال ولا يزول عن عقائده القرآنية الصحيحة؛ ليكون بذلك المجتمع الإسلامي مستعداً لاستقبال ونصرة الإمام المهدي .

    ج- الأحكام الشرعية:
    وتعلّمها واجب على كل مسلم؛ لأنّه مبتلى بها في حياته كمعاملات ومكلّف بأدائها كعبادات، بل إنّ واجب كل مسلم بعد أن يتعلّمها أو يتعلّم بعضها أن يعلم إخوانه المسلمين.
    والحقيقة أنّ الموجود في معظم كتب الفقه اليوم هو فتاوى وأحكام شرعية كلية تنطبق على مصاديق كثيرة في الخارج، أي: في مجتمعنا الإسلامي وتطبيقها على مصاديقها ليس بأقل أهمية منها، بل دون تطبيقها على مصاديقها لا تكون لها أي فائدة عملية، فواجب طلبة الحوزة العلمية العاملين حفظهم الله من كل سوء هو تطبيق هذه الأحكام الكلية على مصاديقها في مجتمعهم الإسلامي، وتنبيه الناس إلى المحرّمات الكثيرة التي استهانوا بها، بل على بعض طلبة الحوزة العاملين أن يتصدّوا لكتابة تطبيق الأحكام الشرعية على مصاديقها في المجتمع الإسلامي، وهذا واجب كفائي ربما يأثم بتركه الجميع.





    2- العمل بالشريعة الإسلامية المقدسة:
    وطبعاً المهم من الشريعة هو العمل بها، حيث بدونه تكون معطّلة. والعمل مرّة يختص بالفرد، ومرّة يختص بعلاقته بالمجتمع. فعلى كل مسلم بعد أن يعرف ما له وما عليه بالشريعة المقدّسة أن يؤدي ما عليه ويطالب بما له دون زيادة. وله أن يعف ويتسامح مع الناس في حقوقه، طلباً لرضا الله سبحانه.
    والعاقل لا يضيّع حظّه من هذه الدنيا وفرصته فيها من السير إلى الله، ولا أعني فقط بأداء الواجبات، بل المستحبات وأهمّها الدعاء وصلاة الليل، بل النوافل اليومية جميعها، والصيام وزيارة الأنبياء والأئمة والصالحين والشهداء والاعتبار بأعمالهم واقتفاء آثارهم، وقضاء حوائج المؤمنين والنصح لهم وإرشادهم والرحمة والرأفة بهم، وبغض الطواغيت وأعوانهم ومزايلتهم، فهم ينصبون العداء لآل محمد وخصوصاً لخاتمهم المهدي . وأفعال هؤلاء الطواغيت وأعوانهم دالة على أنّهم نواصب فيجب إجراء أحكام النواصب عليهم، فليس العمل بالشريعة هو العبادة فقط، بل المعاملة الحسنة مع الناس وليست المعاملة الحسنة باللين والرحمة فقط، بل وبالشدّة والغلظة أحياناً ولكل أهل، فمع المؤمنين يتعامل المؤمن بالرحمة واللين، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ( ). ومع الطواغيت وأعوانهم يتعامل بالشدّة والغلظة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَأغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ( ).
    وفي الكافي عن أبي عبد الله ، قال: (قال رسول الله لأصحابه: أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله : لكل ما قلتم فضل، ولكن ليس به. ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وتولي أولياء الله، والتبري من أعداء الله) ( ).
    وعن علي بن الحسين قال: (إذا جمع الله  الأولين والآخرين قام مناد فنادي ليسمع الناس، فيقول: أين المتحابّون في الله، يقوم عنق من الناس. فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، فيقول الملائكة: فأي ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله.
    قال: فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله ونبغض في الله. فيقولون: نِعم أجر العاملين) ( ).
    وعن أبى جعفر، قال: (قال رسول الله : ودُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله، فهو من أصفياء الله)( ).
    وليست الشريعة الإلهية داعية للتميّع أو دافعة للتخنّث. فباسم الدين تجد من يتماوت في مشيته ويخفض صوته حتى لا يكاد يُسمع. وباسم العرفان والأخلاق تجد من يسمي نفسه عالماً أو يسميه الجهَّال عالماً وهو تارك لأهم واجب في الإسلام الذي به تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعجيب أمر هؤلاء!! والأعجب أمر من يحترم هذه النماذج السلبية ويقدّسها!! والحال إنّ رسول الله كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين شديداً مع الكافرين، حتى ورد عن أمير المؤمنين  ما معناه أنهم يحتمون به في المعارك ( ).
    ثم إنّ أمير المؤمنين  كان يصفه بأنّه كالطبيب الدوار بأدويته ( )، أي: إنّه شديد الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبتبليغ الناس. فأي عرفان هذا، وأي أخلاق هذه التي تأمر صاحبها أن يسير عكس مسيرة رسول الله ؟
    أيّها المؤمنون والمؤمنات: إنّ إبراهيم  حمل فأساً وكسّر الأصنام فتابعوا هذه المسيرة المشرفة، مسيرة الأنبياء والمرسلين التي تقرؤونها في القرآن. وإياكم ومسيرة أمثال السامري وبلعم بن باعوراء.
    احملوا الفؤوس وحطّموا الأصنام والعجول ( )، وليبدأ كلٌ منّا بنفسه، وبالناس المحيطين به. ولا تخافوا فأنتم الأعلون أن كنتم مؤمنين: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ * قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ ( ).
    وعلى طلبة الحوزة أن يعوا أنّ تكليف العالِم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص وأكبر من غيره؛ لأسباب كثيرة، منها: إنّه وضع نفسه في مكان الأنبياء والمرسلين، ووقف في باب الملكوت، وادعى أنّه من إدلاء الطريق إلى الله بلسان الحال، وإن لم يصرّح بالمقال.
    فالعالم يجب أن ينهى عن المنكر الذي يحاول الطواغيت وأتباعهم نشره في المجتمع الإسلامي، وبكل الوسائل المتاحة له. ويجب عليه مراقبة المجتمع الإسلامي وتقويم الانحرافات فيه، وإلاّ فهو يصبح قاطعاً لطريق الله سبحانه وتعالى وجندياً من جنود إبليس. فالطواغيت ينشرون المنكر بأيديهم وألسنتهم، والأئمة والعلماء غير العاملين ينشرون المنكر بترك النهي عنه بإهمالهم توجيه المجتمع الإسلامي وإصلاحه. فمثلهم كمثل الذي تصدّى لعمل معين ولم يؤدّه فلا هو قائم به ولم يترك غيره يقوم به.
    كما يجب الالتفات إلى أنّ هناك تقصيراً كبيراً في المجتمعات الإسلامية، وخصوصاً النخبة المؤمنة المثقفة فيها. فهؤلاء يجب أن يتصدّوا للنهي عن المنكر كل حسب علمه وتكليفه، كما يجب الالتفاف حول العلماء العاملين المخلصين لله الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر والمجاهدين في سبيل الله والدفاع عنهم. فليس من المعقول أن ينهض هؤلاء العلماء العاملون بعبء المسؤولية، والمجتمعات الإسلامية لاهية في متابعة الطواغيت وعلماء السوء غير العاملين.
    وليحذر أفراد المجتمع الإسلامي، فإنّهم يوم القيامة مسؤولون عن العالم العامل ومدى تجاوبهم معه، فعن أبي عبد الله ، قال: (ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجل، مسجد خراب لا يصلّى فيه، وعالم بين جهّال، ومصحف معّلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه) ( ).
    نعم أيها الأحبة، أيّها المؤمنون والمؤمنات إنّ واجبكم نصرة العالم العامل المخلص لله المجاهد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلاّ الله، لا الابتعاد عنه وخذلانه وتركه في النهاية يذهب إلى ربّه مقهوراً
    مظلوماً متشحطاً بدمه يشكو إلى الله خذلان الناصر بعد أن كان دليلاً إلى صراط الله المستقيم.
    قال أمير المؤمنين : (إنّ الله سبحانه وتعالى جعل الذكر جلاءً للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزّت آلاؤه في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم وكلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأبصار والأسماع والأفئدة، يذكّرون بأيام الله ويُخوفون مقامه، بمنزلة الأدلة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه الطريق وبشّروه بالنجاة، ومن أخذ يميناً وشمالاً ذمّوا إليه الطريق وحذّروه من الهلكة، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات، وأدلّة تلك الشبهات، وإنّ للذكر لأهلاً أخذوه من الدنيا بدلاً، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط و يأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، وحققت القيامة عليهم عِداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا، حتى إنهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون … ) ( ).
    ومع الأسف هناك من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا الواجب العظيم بحجة التقية، فلم أجد بدّاً من توضيحها قليلاً.

    التـقية:
    التقية هي: تجنب الضرر المادي. والحيوانات تتجنب الضرر عادةً فضلاً عن الإنسان، وعادةً معظم بني آدم يميلون عن الحق إلى الباطل إذا كانت متابعة الحق تسبب لهم ضرراً اقتصادياً أو بدنياً ولو كان يسيراً، وهذه مسيرة الإنسانية بين يديك في كتب التاريخ تصفّحها ستجد أنّ قلّة هم الذين تحملوا تلف أموالهم وأنفسهم في سبيل إعلاء كلمة الحق.
    إذاً فمعظم الناس يمارسون التقية، بل وبإفراط وبشكل دائم، فإذا انتقلنا إلى المسلمين وجدناهم فرقتين، فرقة صامتة وموافقة أو مداهنة للطواغيت الذين يحكمون البلاد الإسلامية، مع أنّهم يحكمون بالقوّة الغاشمة ويستخفون بالشريعة والقرآن وجميع النواميس الإلهية ويحكمون بغير ما أنزل الله ويستحلون دماء المؤمنين، فضلاً عن اغتصابهم قيادة الأمة من المعصومين .
    وهذه الفرقة هي معظم أهل السنّة، إذاً فهؤلاء يمارسون التقية وبشكل مفرط، إلا أن يقولوا إنّ مذاهبهم توجّب طاعة الحاكم الجائر وإن عطّل الشريعة وسفك الدم الحرام، وقام بحركة إعلامية عظيمة لطمس الإسلام، ونشر الخمور والفجور والملاهي والأغاني وما يعرضه تلفزيون الدول الإسلامية من فساد وإفساد للمجتمع ( ).
    ولا أظن أنّ من علماء السنة اليوم من يقول هذا، وإلاّ لكان بهذا القول محارباً لمحمد وشريعته وناصراً لكفار قريش وأشياعهم اليوم.
    إذن، فبما أنهم لا يقولون بوجوب طاعة الحاكم الجائر، بل ما أظنه أنّ كل مسلم يحرّم طاعة الحاكم الجائر؛ لأنّه محارب لله ولرسوله، وبما أنّهم لا يثورون على الحكّام الظلمة، بل ويداهنونهم في الغالب، فبماذا نصف حالهم هذا غير أنّهم يمارسون التقية وبشكل مفرط وليسمونها ما يشاؤون، فالمهم المعنى لا اللفظ.
    وطبعاً هناك قلّة من علماء السنّة لا يمارسون التقية بشكل مفرط، بل وقفوا يقارعون الطواغيت والحكّام الظلمة، ومن هؤلاء سيد قطب. ولا بأس أن نستعرض بعض كلامه في قصة أصحاب الأخدود، يقول: (إنّها قصة فئة آمنت بربها واستعلنت حقيقة إيمانها، ثم تعرّضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين مستهترين لحق الإنسان في حرية الاعتقاد بالحق والإيمان بالله العزيز الحميد، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلّى الطغاة بآلام تعذيبها ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق! وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة ولم تفتن عن دينها وهي تحرق بالنار حتى الموت … ثم يقول: إنّ الناس جميعاً يموتون وتختلف الأسباب ولكن الناس جميعاً لا ينتصرون هذا الانتصار ولا يرتفعون هذا الارتفاع ولا يتحرّرون هذا التحرّر ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق، إنّما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده؛ لتشارك الناس في الموت، وتنّفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى وفي دنيا الناس أيضاً. إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال، لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجو بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم، وكم كانت البشرية كلها تخسر، كم كانوا يخسرون وهم يقتلون؟ هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد، إنّه معنى كريم جدّاً ومعنى كبير جدّاً، هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار فتحترق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار!) ( ).
    ويقول : (وتتبدّل الأحوال، ويقف المسلم موقف المغلوب المجرّد من القوة المادية، فلا يفارقه شعوره بأنّه الأعلى، وينظر إلى غالبه من علٍ مادام مؤمناً، ويستيقن أنها فترة وتمضي، وإنّ للإيمان كرّة لا مفر منها، وهبها كانت القاضية فإنّه لا يحني له رأساً. إنّ الناس كلهم يموتون، أمّا هو فيستشهد وهو يغادر هذه الأرض إلى الجنة وغالبه يغادرها إلى النار، وشتان شتان، وهو يسمع نداء ربّه الكريم: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ ( ).
    ثم يقول: وقديماً قص علينا القرآن الكريم قول الكافرين للمؤمنين: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ ( ). أي الفريقين؟ الكبراء الذي لا يؤمنون بمحمد، أم الفقراء الذين يلتفون حوله؟ أي الفريقين، النظر بن الحارث وعمرو بن هشام والوليد ابن المغيرة وأبو سفيان بن حر، أم بلال وعمار وصهيب وخباب؟ أ فلو كان ما يدعو إليه محمد خيراً أفكان أتباعه يكونون هم هؤلاء النفر الذين لا سلطان لهم في قريش ولا خطر؟ وهم يجتمعون في بيت متواضع كدار الأرقم، ويكون معارضوه هم أولئك أصحاب الندوة الفخمة الضخمة و المجد والجاه والسلطان؟!
    إنّه منطق الأرض، منطق المحجوبين عن الآفاق العليا في كل زمان ومكان، وإنّها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجرّدة من الزينة والطلاء، عاطلة من عوامل الإغراء، لا قربى من حاكم ولا اعتزاز بسلطان، ولا هتاف بلذّة، ولا دغدغة لغريزة، إنّما هو الجهد والمشقة والجهاد والاستشهاد … ليقبل عليها من يقبل وهو على يقين من نفسه إنّه يريدها لذاتها خالصة لله من دون الناس، ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات، ولينصرف عنها من يبتغي المطامع والمنافع، ومن يشتهي الزينة والأُبّهة، ومن يطلب المال والمتاع، ومن يقيم لاعتبارات الناس وزناً حين تخف في ميزان الله.
    إنّ المؤمن لا يستمد قيمه وتصوراته وموازينه من الناس حتى يأسى على تقدير الناس. إنّما يستمدّها من ربّ الناس وهو حسبه وكافيه. إنّه لا يستمدّها من شهوات الخلق حتى لا يتأرجح مع شهوات الخلق، إنّه يستمدّها من ميزان الحق الثابت الذي لا يتأرجح ولا يميل. إنّه لا يتلقاها من هذا العالم الفاني المحدود، إنّما تنبثق في ضميره من ينابيع الوجود. فأنّى يجد في نفسه وهناً أو يجد في قلبه حزناً، وهو موصول بربّ الناس وميزان الحق وينابيع الوجود؟
    إنّه على الحق، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال. وليكن للضلال سلطانه، وليكن له هيله وهيلمانه، ولتكن معه جموعه وجماهيره، إنّ هذا لا يغيّر من الحق شيئاً، إنّه على الحق وليس بعد الحق إلاّ الضلال، ولن يختار مؤمن الضلال على الحق - وهو مؤمن -، ولن يعدل بالحق الضلال كائنة ما كانت الملابسات والأحوال … ) ( ).
    أمّا الفرقة الأخرى من المسلمين، فمنهم الذين رفضوا حكم الطواغيت ولم يقبلوا تسلطهم على الحكم واستيلائهم على دفّة القيادة، ورفضوا حكمهم بغير ما أنزل الله وإفسادهم في الأرض، حتى سمّاهم الناس رافضة وهذا الاسم فخر لهم ووسام شرف يميّزهم، وهم معظم الشيعة.
    ومن الطبيعي أنّ هؤلاء وهم الثلّة المؤمنة التي تمثّل دين الله في أرضه، إذا لم يضع لهم أئمتهم قوانين تضمن بقاءهم وبقاء مذهبهم الحق فإنهم سيُستأصلون ويُستأصل دين الله في أرضه، ويكون مصيرهم كمصير أصحاب الأخدود وهو مصير مشرِّف. ولكن المسألة إنّ هذه الأمة أراد الله بقاءها حتى آخر الزمان؛ لتحمل كلمة التوحيد لأهل الأرض جميعاً، ولهذا أكد أهل البيت على ممارسة التقية وتجنب الضرر لكن ليس بشكل سلبي وترك العمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل العمل وتجنب الضرر معاً، كمن يحترق بيته فهو لا يتركه يحترق و لا يلقي نفسه في النار، ولكن يطفئ النار ويتجنّب ضررها ما أمكن، هذه هي التقية التي أرادها أهل البيت وتدل عليه سيرتهم وحديثهم وتوجيههم لأصحابهم، وهذه هي التقية في القرآن في سورة غافر، رجل مؤمن من آل فرعون يكتم أيمانه عن فرعون تقية، وفي نفس الوقت يدعو إلى دين الله والإيمان بموسى والكفر بفرعون وحزبه الشيطاني.
    أمّا خضوع بعض العلماء غير العاملين ومن يتبعهم للطاغوت وصمتهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو تصرّف شخصي وليس من التقية في شيء. وإنّما هو جبن انطوت عليه نفوسهم، وحب للحياة والدنيا اكتظّت به صدورهم، حتى أصبحوا يسيرون في طريق معاكس لطريق الأنبياء والأوصياء ، ومخالف للصراط المستقيم الذي يرسمه القرآن، وأمسوا أئمة ضلال يعلمون الناس الخضوع والمداهنة والركون للطاغوت حتى ظهرت غلبة الجهّال ودول الضلال، ولولا رحمة الله ووجود بعض العلماء العاملين لما أبقى الطاغوت من الدين اسماً ولا رسماً.

    * * *
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

    Comment

    • almawood24
      يماني
      • 04-01-2010
      • 2174

      #3
      رد: كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

      رابعاً: الإعراض عن أوصياء النبي
      وهذا بيّن، فقد أعرض السنّة عن الأئمة ، وتركوا الأخذ منهم والرجوع إليهم في المتشابهات.
      أمّا بالنسبة للإمام المهدي  فالأعراض عنه حاصل سواء في زمن الغيبة الصغرى أم في زمن الغيبة الكبرى، ويكاد الشيعة فضلاً عن غيرهم لا يذكرونه.
      وسيأتي البحث في إعراض الأمة عن قائدها خاتم أوصياء النبي المهدي  .

      * * *
      خامساً: الإعراض عن القرآن والسنة
      والإعراض، إمّا بقلة دراسة القرآن وتفسيره وتدبّر معانيه والبحث في القرآن وسنة النبي وآله المعصومين .
      وأمّا بتفسير القرآن بعيداً عن روايات المعصومين واعتماد القواعد النحوية والفلسفية في التفسير، والتي معظمها استقرائية وخلافية لم يتحرّر النزاع فيها، ولن يتحرّر.
      وأمّا بتفسير القرآن وفق الأهواء الشخصية، فكل يحاول أن يحمل القرآن على هواه، فلأنّ نفسه انطوت على جبن وخضوع للطاغوت لا يجد في القرآن دعوة لجهاد الطواغيت المتسلطين على هذه الأمة، بل يجد أنّ طاعتهم واجبة وإنّ التقية بلا حدود. فالمهم أن يبقى هو حيّاً، وإن لم يبقَ من الإسلام إلاّ اسمه!! ولأنّه عبد لشهوته لا يجد في القرآن دعوة للزهد في هذه الدنيا، بل يجد فيه دعوة لإشباع شهواته من أموال المسلمين التي ائتمنوه عليها، ويقول من حرّم زينة الله ولا يقول إنّ كثيراً من الأحبار والرهبان أو العلماء غير العاملين وأعوانهم ليأكلون أموال الناس بالباطل.
      ولأنّه تابع لإبليس إمام المتكبّرين لا يجد في القرآن دعوة للتواضع، بل يجد فيه دعوة للتكبر على ضعفاء المؤمنين، واحتقارهم والاستخفاف بهم.
      وهكذا فهم يحملون القرآن على أهوائهم، والهدى على الهوى، والقرآن على الرأي: (كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) ( ) كما روي عنهم .
      قال أمير المؤمنين  في وصف حال القائم مع هذه الأمة وعلمائها عند ظهوره: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القران إذا عطفوا القرآن على الرأي) ( ).
      وقال الصادق : (ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن) ( ).
      وقال : (من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر) ( ).
      وقال : (ما من رجل ضرب القرآن بعضه ببعض إلاّ وكفر) ( ).
      وقال : (المتشابه ما اشتبه على جاهله) ( ).
      وقال أبو جعفر : (نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله) ( ).
      وقال أبو عبد الله : (من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، فإن أخطأ كان إثمه عليه)( ).
      وقال أبو جعفر الباقر  في حديث مع قتادة، وقد أخطأ قتادة في تفسير آية فقال : (ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به) ( ).
      وقال أمير المؤمنين : (إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء - أي الأئمة - فإنّه رب تنزيل يشبّه بكلام البشر وهو كلام الله وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيئاً من خلقه يشبهه كذلك، لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئاً من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه لكلام البشر، وكلام الله تبارك وتعالى صفته، وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبّه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل) ( ).
      وعن الإمام الحسين  في كتابه لأهل البصرة، قال: (بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ( ).
      والمقصود بالعلم من الله كما هو للمعصومين أو ما أخذ منهم .
      وعن الإمام الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين ، قال: (قال رسول الله : قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني) ( ).
      وقال رسول الله : (إنما أتخوف على أمتي بعدي ثلاث خصال؛ أن يتأول القرآن على غير تأويله، أو يتبعوا زلّة العالم، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا وبطروا، وسأنبئكم المخرج من ذلك، أمّا القرآن فأعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وأمّا العالم فانظروا فيه ولا تتبعوا زلته، وأمّا المال فإنّ المخرج شكر النعمة وأداء حقه) ( ).
      وتأويل القرآن أو تفسيره لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم، وهم محمد وآل محمد . وقد صرّح القرآن بذلك، فالآيات المتشابهة تحكم بحديثهم ويعرف المراد بها منهم، وقد ورد عنهم تفسير للقرآن الكريم فيجب الرجوع إلى حديثهم. وقد رسموا جادة وصراطاً مستقيماً لمن تدبر آيات الكتاب الكريم. فعلى المفسّر أو المتدبر أن لا يتجاوز هذا الصراط فتزل قدمه ويهوي في الجحيم، بل عليه أن لا يتعرّض للتفسير ما لم يطهر نفسه. قال تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ ( ).
      أمّا زلّة العالم؛ فلأنه إذا ضل يضل أمة تتبعه كما أضل السامري بني إسرائيل.
      وأمّا المال؛ فلأن الإنسان الغني مادياً عادة يقل توجهه إلى الله لطلب الحوائج، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ ( ). فالفقر والبلاء عادة داعي إلى التوجّه إلى الله والرجوع إليه.
      أمّا العلاج المصفّى الذي أرشد إليه المصطفى ، فهو بالنسبة لمتشابه القرآن الإيمان به، وإنه نزل من الله ويجب الرجوع في تأويله إلى آل محمد . فمتشابه الكتاب من أعظم الأدلة الدالة على إمامتهم وحاجة الأمة إليهم، ولعل اشتباه كثير من الأحكام اليوم وعدم معرفة الحلال من الحرام؛ لبيان الحاجة إلى خاتم الأوصياء المهدي .
      وبالنسبة إلى العلماء، فالنظر فيهم وفي أحوالهم فهم غير معصومين، وربما كان فيهم سامريون وأئمة ضلال. وإياك أن تكون مقلداً أعمى فتتبع من يحل لك الحرام ويحرّم عليك الحلال، فتكون عابداً له لا لله.
      وقد حذّروا من علماء غير عاملين يحطمون رواياتهم ويذرونها ذرو الريح للهشيم( ).
      وبالنسبة للمال فبشكر النعمة، وأداء حقه، أي: بالتوجه إلى الله بالعبادة والطاعة، وباستعمال هذا المال لنصرة الدين، وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله، ومواساة الفقراء.
      هذه هي أهم الانحرافات في الأمة الإسلامية وبشكل مجمل. ومن الطبيعي أن يكون بعضها بل ربما جميعها بفعل فاعل قاصد أن يضل الناس. ومن الطبيعي أن يكون من شياطين الأنس وعبد من عبيد إبليس، وربما كان بعض هؤلاء الأئمة الذين يدعون إلى النار يظن أنّه يحسن صنعاً.

      * * *



      المحرّفــون
      وهم الحكام والمتظاهرون بالإسلام، وعلماء السوء غير العاملين.
      أمّا الحكام، فداعيهم إلى تحريف الشريعة هـو الملك لا غير. فكل معتقد أو حكم شرعي يتعارض وبقاءهم على كرسي الحكم يجب أن يحرّف بحسب نظرهم الفاسد، بأيّ صورة كانت سواء بوضع أحاديث وإلصاقها بالرسول ، أم بحذف آيات أو سور من القرآن لو أمكن، أو بمنع رواية الأحاديث الصحيحة عن الرسول ، أو بمنع قراءة القرآن كما أُنزل وتأويله كما يريد الله، أو بشراء مرتزقة يسمونهم علماء يحرّفون القرآن ويؤولونه ويفسّرونه على هوى الحكّام الظلمة.
      وطبعاً لو أمكنهم وضع تشريعات وقوانين مخالفة لشريعة الله، ولكنها تساعد على بقائهم في السلطة مدّة أطول لسارعوا إلى وضعها، خصوصاً إذا أعانتهم ظروف الجهل الديني في المجتمع الإسلامي ووجود علماء سوء غير عاملين، كما هو حال البلاد الإسلامية اليوم.
      وأمّا علماء السوء، فهم أخطر من الحكّام الظلمة؛ لأنّ الحاكم الجائر يدلك كثير من تصرفاته وأعماله العلنية في محاربة أولياء الله على خروجه عن الشريعة ومحاربتها، أمّا العالم غير العامل فربما يتسربل بلباس العابد الناسك، فتجده مثلاً متماوتاً في مشيته، خاضعاً في كلمته، ولعله يظهر التذلل والخضوع ليصطاد الأتباع. ولكنّك إذا سبرت غوره وجدّته فاسداً متكبّراً، يتصنّع الصلاح والتواضع، بل إنّ ظاهره يدلك على باطنه، فتصدر منه كثير من الفلتات التي تفضح باطنه الأسود، فـ (الإناء ينضح بالذي فيه).
      وخطر علماء السوء يمتد حتى بعد موتهم، فتبقى مذاهبهم ومعتقداتهم الفاسدة وفتواهم غير الصحيحة، ويبقى لهم أتباع كما أنهم يمتازون بالنفاق وإخفاء بواطنهم الفاسدة، ودواعي هؤلاء للتحريف كثيرة، منها: طلب القيادة الدينية، وإرضاء الأهواء النفسية.
      ومنها: إنهم يأنفون من قول (لا أعلم)، ولهذا يدّعون معرفة كتاب الله والعلم بالتنزيل والتأويل والمحكم والمتشابه، وإنّ لديهم فتوى لكل مسألة شرعية، وحل لكل معضلة عقائدية. وربما يأخذ التكبر منهم كل مأخذ، فيرون أنفسهم علماء وسواهم جهلاء. وإنهم خير من الجميع وأعلم من الجميع.
      وربما كان من دواعيهم إلى التحريف الخوف من الطاغوت الحاكم، فيفتون إرضاء له وتجنباً للاصطدام معه مثلاً بجواز الانخراط في صفوف قواته المسلحة، التي مهمتها الأساسية هي ضرب الشعوب الإسلامية، وإضعاف دين الله في أرضه والقضاء عليه إذا أمكن.
      وربما كان بعضهم أخس من ذلك، فيكون داعيهم للتحريف إضافة إلى الجبن الدنيا والمال، فيداهنون الطاغوت، ويضلون المسلمين ويحرّفون الشريعة.
      قال الإمام الصادق : (إذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتهموه على دينكم، فإنّ كل محب يحوط ما أحب) ( ).
      وقال : (أوحى الله تعالى إلى داود ، لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيضلك عن طريق محبتي، فإنّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم إن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم) ( ).
      ومن كلام عيسى : (إنّكم علماء السوء، الأجر تأخذون والعمل تضيعون، يوشك رب العمل إن يطلب عمله، وتوشكون إن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه) ( ).
      وكلاهما - أي علماء السوء غير العاملين، والحكّام الطواغيت الذين يحكمون البلاد الإسلامية اليوم - أخطر من الكافر الحربي كالصهاينة على الإسلام؛ وذلك لأنّ بقاء علماء السوء يعني بقاء الحكّام الظلمة متسلطين على المسلمين، وبقاء الحكّام الظلمة يعني بقاء الصهاينة يحتلون أرض المسلمين، وبقاء الأمريكان متسلطين على المسلمين يجرعونهم الويل والثبور؛ لأنّ هؤلاء الحكّام هم خدم للطاغوت الأمريكي سواء بعلمهم أم برعونتهم وتخبطهم الأهوج، كما أنّ الصهاينة وطيلة أشهر من الانتفاضة المباركة في أرض فلسطين لا يقتلون إلاّ مائة شخص أو أكثر بقليل. أمّا هؤلاء الحكّام الطواغيت فهم يقتلون في يوم واحد المئات، بل وآلاف المسلمين. كما أنّ الصهاينة يقتلون المسلمين ليحتفظوا بالأرض التي اغتصبوها، أمّا هؤلاء الحكّام الظلمة وأعوانهم فيقتلون المؤمنين؛ لأنهم يتلذذون بسفك الدماء. فهؤلاء الطواغيت وأعوانهم مسوخ شيطانية منكوسون لا يعرفون شيئاً من الخير، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ ( ).
      ومعركة الإصلاح يجب إن تبدأ مع علماء السوء غير العاملين، ثم تنتقل إلى الطواغيت المتسلطين على البلاد الإسلامية، ثم من يليهم من الطواغيت المتسلطين على العالم، بل وقبل كل ذلك يجب أن نبدأ مع أنفسنا ونطهّرها من جنود الشيطان. فرسول الله بدأ حركته الإصلاحية في أم القرى في مكة، المدينة التي تمثل المرجعية الدينية للأحناف والمدينة التي يحج إليها الأحناف، ثم انتقل إلى ما حولها من القرى في الجزيرة العربية، ثم انتقل إلى الإمبراطوريات المحيطة به صلوات الله عليه وعلى آله.
      ومن الطبيعي أنّ مواجهة التيارات الجاهلية جميعها ومواجهة قادتها صعبة تحتاج إلى شدّة في ذات الله، وعزم وصبر على الملمات.
      وربما لن يقوى على القيام بها إلاّ معصوم مؤيد من الله سبحانه وتعالى وهو المهدي ، فواجبنا اليوم هو التهيئة لدولته ، إصلاح الانحرافات الموجودة ما أمكن أو على الأقل تعريفها للناس، لا أن نقف مكتوفي الأيدي ونقول لا حول ولا وقوّة إلاّ بالله.
      نعم، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وإنّا لله وإنا إليه راجعون، ولكن الله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً. وأسألوا الله إن يعجل فرج مولانا المهدي  ويمن علينا بفضله وعطائه الابتداء وجوده وكرمه بظهوره و قيامه، ليأخذ بأيدينا إلى الصراط المستقيم، ويخرجنا من الظلمات إلى النور، ويرينا مناسكنا والأحكام الشرعية الصحيحة.

      * * *









      المصلح المنتظر 
      قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ ( ).
      الإمام المهدي  الوصي الثاني عشر من أوصياء النبي الخاتم ، الإمام خامل الذكر لسنين طويلة حتى بين شيعته الذين يقولون بإمامته وخلافته لله في أرضه. هو المصلح الذي تنتظره البشرية جمعاء، المسلمون وغيرهم، شيعته وأعداؤه. أناس ينتظرون ظهوره لنصرته، وآخرون يتربّصون به الدوائر للقضاء عليه حال ظهوره وقيامه، ويظنون أنهم قادرون على تغيير سنة الله.
      مؤمنون يهيئون لظهوره وآخرون يتهيئون لظهوره، وبعض المسلمين غافلين لا يكادون يعرفون عنه شيئاً، وبعض شيعته أو من يسميهم الناس بشيعته لا يعرفونه إلاّ كرمز، يئسوا من ظهوره وقيامه وهذا اليأس ظاهر من أعمالهم، وإن لم يصرحوا به بأقوالهم.
      وفي هذه اللحظات الحاسمة التي نقترب فيها من ساعة الصفر، نلاحظ أناساً بعيدين عن الحق بدؤوا يقتربون منه شيئاً فشيئاً حتى كأنهم دخلوا فيه، وآخرون في قلب دائرة الحق بدؤوا يبتعدون عنه شيئاً فشيئاً حتى كأنهم خرجوا منه. وهكذا أناساً في هوة الوادي بدؤوا يرتقون الجبل شيئاً فشيئاً، وآخرون وجدوا أنفسهم في القمّة بدؤوا ينحدرون عنها حتى كأنهم قد سقطوا في الهاوية.
      وبعبارة أخرى: دنيا وآخرة، ولكل أبناؤها، فمن أختار الحق احتضن الموت وسار إلى الآخرة، فلا يبالي سواء وقع على الموت أو وقع الموت عليه. ومن اختار الباطل حرص على الحياة وعبد الدنيا. وبين الفريقين قوم يترنحون كالسكارى، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهم يعرفون الحق ولا ينصرونه، ويكرهون الباطل ولا يعادونه. خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ ( ).

      * * *

      المهدي  في الأديان الإلهية
      الإمام المهدي  كمصلح منتظر، وكمنقذ لشريعة الله في أرضه موجود تقريباً في جميع الأديان الإلهية السابقة للإسلام، كاليهودية والنصرانية.
      ففي التوراة، مرّة تجده في (سفر دانيال في رؤيا بختنصر)، التي يُعبرها دانيال  بعد أن يراها. ومرّة تجده في (رؤيا دانيال للممالك والإمبراطوريات الكبرى) التي تقوم على الأرض من بعده، وتجده كذلك في غير هذا السفر من التوراة المتداولة اليوم.
      أمّا في الإنجيل، فهو (قديم الأيام) المصلح المنتظر الذي ينزل معه عيسى  من السماء، فتجده في الإنجيل وفي (رؤيا يوحنا اللاهوتي). كما أنّك تجد عيسى  يذكر في الإنجيل علامات لعودته إلى الأرض، هي بعينها العلامات التي ذكرها النبي والأئمة الأطهار لظهور المهدي  وقيامه، كخسوف القمر وكسوف الشمس، والحروب وأخبار الحروب. وذلك؛ لأنّ عيسى  ينزل من السماء في زمن ظهور المهدي ، وزيراً له ومؤيداً لحقّه.
      أمّا عند المسلمين، فالمهدي  من ضروريات الدين ومنكره منكر لنبوة محمد ، فقد جاء ذكره متواتراً عن النبي ، سواء عن طريق السنة أو الشيعة. ولكن السنة لما أعرضوا عن أوصياء النبي وتركوا حديثهم وقعوا في شبهة، أنّه سيولد في آخر الزمان، وإن اعترفوا أنّه من ولد علي وفاطمة .
      ثم جاء من علماء السنة في الغيبة الكبرى من اعترف بأنّ الإمام المهدي  هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، وإنّه حي وغائب عن الأبصار كالخضر .
      ومن هؤلاء، الشافعي في كتابه (مطالب السؤول)، حيث عقد فصلاً في نهاية كتابه المشار إليه للدفاع عن اعتقاده، إنّ الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري .
      أمّا الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، فقد كانوا يرجعون إلى أوصياء النبي من بعده وتابعوهم إمام تلو إمام، حتى وصلت الإمامة وخلافة النبي وخلافة الله في أرضه إلى خاتم الأوصياء الإمام محمد بن الحسن المهدي ، ومع أنّه كان غائباً عن أنظار العامة ويتصل مع شيعته عن طريق أحد خلّص المؤمنين، إلاّ إنّ الشيعة تقبلوا هذا الوضع؛ لأنّ النبي والأئمة من بعده مهدوا لغيبته  وذكروها في أحاديثهم.
      وحياة الإمام المهدي  قبل الغيبة تقريباً بخمس سنوات قضاها مع والده الإمام الحسن العسكري ، فهو  ولد يوم 15 شعبان سنة 255 هـ . ق على بعض الروايات، وبدأت غيبته مع أول يوم من إمامته، وهو يوم تسعة ربيع الأول 260 هـ . ق.
      وفي هذه السنوات الخمس لم يعرف ولادته ولم يره إلاّ الخلّص من الشيعة. ربما أربعون أو أقل أو أكثر، فهو  محجوب عن الناس منذ ولادته للحفاظ على حياته، وهذا لأنّ أئمة الجور والضلال من العباسيين (لعنهم الله) كانوا يترقبون ولادته للقضاء عليه وقتله، كما كان فرعون (لعنه الله) يترقب ولادة موسى  لقتله، وكما أراد الحاكم الروماني قتل عيسى  عندما علم بولادته، وكانوا يريدون إن يطفئوا نور الله بأفواههم العفنة، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الأمويون والعباسيون وأئمة الضلال والطواغيت الذين يحكمون الأمة الإسلامية.
      ومن عظيم شأن هذا الإمام  أنّه قد جاء في أحاديث كثيرة عن النبي في كتب السنة والشيعة، إنّ عيسى  يصلي خلفه ويكون وزيراً له. ثم إنّ هذا العبد الصالح مدّخر لإقامة القسط والعدل في الأرض وحمل كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله إلى أهل الأرض جميعهم. وقد اصطفاه الله سبحانه من جميع بني آدم لهذا الأمر، كما روي إنّ أوّل من يبايعه على هذا الأمر عند قيامه جبرائيل ، وإنّه عند قيامه يحفّه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله.
      عن سالم الأشل، قال: سمعت أبا جعفر يقول: (نظر موسى بن عمران في السفر الأول بما يعطى قائم آل محمد من التمكين والفضل، فقال موسى: ربي اجعلني قائم آل محمد، فقيل له: إنّّ ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثله، فقيل له مثل ذلك. ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله، فقيل له مثله) ( ).
      وعن محمد بن علي ، قال: (كان عصا موسى  لآدم ، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران، وإنها لعندنا، وإنّ عهدي بها آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها، وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدّت لقائمنا، يصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون، وتصنع كما تؤمر، وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون، لها شفتان ( )، أحداهما في الأرض والأخرى في السقف، وبينهما أربعين ذراعاً، وتلقف ما يأفكون بلسانها) ( ).
      وعن جابر الأنصاري، قال: سمعت رسول الله يقول: (إنّ ذي القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجة على عباده، فدعا قومه إلى الله عزّ وجل وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه، فغاب عنهم زماناً حتى قيل مات أو هلك بأي وادٍ سلك؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه، ألا وفيكم من هو على سنته، وإنّ الله عزّ وجل مكن له في الأرض وآتاه من كل شيء سبباً، وبلغ المشرق والمغرب، وإنّ الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ويبلغه شرق الأرض وغربها، حتى لا يبقى سهل ولا موضع من سهل ولا جبل وطئه ذي القرنين إلاّ وطئه، ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنه، و ينصره بالرعب، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) ( ).
      وسئل أبو عبد الله : هل ولد القائم؟ فقال: (لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي) ( ).
      فصلوات الله على من يقول فيه إمام معصوم: لو أدركته لخدمته أيام حياتي.

      * * *







      الغيبة
      عن أبي عبد الله : قال رسول الله : (لابد للغلام من غيبة. فقيل: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل) ( ).
      وقال أبو جعفر : (إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم) ( ).
      وقال أبو عبد الله : (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه) ( ).
      الإمام المهدي ليس بدعاً من الرسل والأنبياء الذين سبقوه، فقد غاب موسى  عن قومه عشر سنين قضاها في مدين يرعى الأغنام لنبي الله شعيب ، وغاب يوسف  وغيرهم من الأنبياء. فغيبة الإمام  عن أبصار الناس والطواغيت أمر طبيعي حصل للأنبياء السابقين .
      أمّا حول عمره الشريف ، فهو ليس بأطول من عمر الخضر .
      وفي بداية غيبة الإمام  كان له نواب أو سفراء أو أبواب سمّهم ما شئت، المهم أنهم جماعة من خلّص المؤمنين، كانت مهمتهم إيصال كتب المؤمنين ومسائلهم الشرعية للإمام ، وإيصال أجوبة الإمام  عليها، وإيصال توجيهاته إلى المؤمنين. وسفراؤه هم:
      - عثمان بن سعيد ( ).
      - ومحمد بن عثمان ( ).
      - والحسين بن روح ( ).
      - وعلي بن محمد ( ).
      وانقطعت السفارة واتصال المؤمنين بالإمام  بموت علي بن محمد السمري(رحمه الله)، ووقعت الغيبة التامة.
      * * *
      أسباب الغيبة
      الإمام  لطف إلهي بالمؤمنين، ووجوده ظاهراً بينهم فيه حثّ كبير لهم على الالتزام الديني، فإذا امتنع ظهوره لخوف القتل مثلاً، فإنّ وجود سفير له  أفضل بكثير من غيبته التامة؛ لأنّ السفير هو القائد البديل للإمام  الذي ينقل أوامره ، فوجوده - أي السفير - كذلك لطف إلهي؛ لأنّ وجوده شبه وجود المعصوم، حيث بوجود السفير يمكن الاتصال بالإمام ومعرفة الأحكام الشرعية الصحيحة، وخصوصاً ما يستجد منها مع مرور الزمن، وإذا كان الأمر كذلك فما هو سبب الغيبة التامة؟!
      وللإجابة هناك عدّة فروض منها:

      1- الخوف من اغتياله من قبل الطواغيت:
      وهذا يمكن أن يكون صحيحاً إذا كان الإمام ظاهراً للجميع، أمّا إذا كان غائباً غيبة غير تامة، أي بوجود سفير فيكون الإمام  بعيد عن أعين الطواغيت ومكرهم السيئ، خصوصاً أنّه  مؤيد من الله. وفي نفس الوقت يتصل بالمؤمنين ويوصل إليهم الأحكام الشرعية والتوجيهات التي يحتاجونها، إذن للتخلّص من خطر الطواغيت يكفي الغيبة غير التامة مع السفارة، فلا داعي للغيبة التامة، والله أعلم.

      2- عدم وجود شخص مؤهل للسفارة والنيابة الخاصة عن الإمام :
      حيث إنّ السفير عند الإمام يجب أن يتمتع بكثير من صفات الإمام ، فلا أقل من درجة عالية من الزهد والتقوى والورع ومخافة الله والمقدرة على إدارة شؤون الأمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن يكون فقيهاً، أي: إنّه على دراية بحديث المعصومين ، لا أن يكون فقيهاً بالمعنى المتعارف اليوم.
      فالسفير لا يقوم باستنباط الأحكام الشرعية، بل هو مؤمن مخلص يقوم بنقل الأحكام الشرعية من الإمام  إلى الأمة، كما أنّه مع وجود سفير للإمام  لا يجوز لأحد استنباط حكم فقهي برأيه، وإن كان فقيهاً جامعاً للشرائط المتعارفة اليوم.
      وهذا يمكن أن يكون سبباً للغيبة التامة، ولكن عدم وجود شخص واحد مؤهل للسفارة أمر بعيد، هذا وقد ورد في حديثهم ما معناه: إنّ الإمام لا يستوحش من وحدته  في زمن الغيبة مع وجود ثلاثين مؤمن من الصالحين ( ).

      3- إعراض الأمة عن الإمام :
      وعدم الاستفادة منه استفادة حقيقية، وعدم التفاعل معه كقائد للأمة، فتكون الغيبة التامة عقوبة للأمة، وربما يكون من أهدافها إصلاح الأمة بعد تعرضها لنكبات ومآسي بسبب غياب القائد المعصوم. فتكون الغيبة الكبرى شبيهة بتيه بني إسرائيل في صحراء سيناء، أي: إنها عقوبة إصلاحية، الهدف منها خروج جيل من هذه الأمة مؤهل لحمل الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض، جيل لا يرضى إلاّ بالمعصوم قائداً، ولا يرضى إلاّ بالقرآن دستوراً وشعاراً ومنهاجاً للحياة.
      قال أمير المؤمنين  في وصف إعراض هذه الأمة عن الإمام والقرآن: (وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله!! وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرّف عن مواضعه، ولا في البلاد شيءٌ أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب حُملته، وتناساه حفظته، فالكتاب يومئذٍ وأهله منفيان طريدان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو!! فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم؛ لأنّ الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا، فاجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم! فلم يبق عندهم منه إلاّ اسمه، ولا يعرفون إلاّ خطه وزبره!! ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثله، وسمّوا صدقهم على الله فرية، وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة) ( ).
      والدال على أنّ سبب الغيبة التامة هو إعراض الأمة عدّة أمور، منها:
      أ- التوقيعات الصادرة عنه  عن طريق سفرائه قليلة جدّاً، مما يدل على أنّ الأسئلة الموجهة إليه قليلة أيضاً.
      ولعل قائل يقول: إنّ التوقيعات كثيرة، ولكن لم يصل لنا منها إلاّ هذا العدد الضئيل.
      والحق: إنّ هذا الاعتراض لا ينطلي على من تدبر قليلاً، فلو كانت التوقيعات كثيرة لوصل لنا منها الكثير وإن ضاع منها شيء، فحتماً أنّ أحاديث الرسول والإمام الصادق والإمام الرضا (عليهما السلام) لم تصل لنا جميعها، ولكن وصل لنا منها الكثير، وأحاديث الإمام  ليست ببدع من أحاديث الأئمة ، والظروف التي أحاطت بها ليست بأعظم من الظروف التي أحاطت بخطب الإمام أمير المؤمنين  حتى وصل لنا منها كتاب نهج البلاغة.
      كما أنّ علماء الشيعة في زمن الغيبة الصغرى كانوا يهتمون في كتابة أحاديث الأئمة ، وعرض كتبهم على الإمام  عن طريق السفراء، ومن هذه الكتب الكافي للكليني (رحمه الله)، فلماذا لم يهتم أحد منهم بكتابة التوقيعات الصادرة منه  ؟!
      والحقيقة أنهم اهتموا بكتابتها، ولكنها قليلة.
      ويدل على إعراض الناس عن العلم والإمام ما قدّم الكليني في كتابه الكافي. هذا والكليني عاش
      في زمن الغيبة الصغرى، ومات في نهاية أيامها على الأصح، فقد مات في شعبان سنة 329 هـ ق، أي في نفس الشهر والسنة التي مات بها علي بن محمد السمري، آخر السفراء الأربعة.
      قال الكليني(رحمه الله): (أمّا بعد، فقد فهمت ما شكوت اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة، وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها، ومباينتهم العلم وأصوله، حتى كاد العلم معهم إن يأزر كلّه، وينقطع مواده، لِما قد رضوا إن يستندوا إلى الجهل، ويضيعوا العلم وأهله) ( ).
      وقال: (فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتاً مستقراً سبّب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه بعلم يقين وبصيرة، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معاراً مستودعاً - نعوذ بالله منه - سبّب له الأسباب للاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة، فذاك في مشيئة الله إن شاء الله تبارك وتعالى أتم إيمانه وإن شاء سلبه إياه، ولا يؤمن عليه إن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً؛ لأنّه كلما رأى كبيراً من الكبراء مال معه، وكلما رأى شيئاً استحسن ظاهره قبله. وقد قال العالم  ( ): (إنّ الله عزّ وجل خلق النبيين على النبوة فلا يكونون إلاّ أنبياء، وخلق الأوصياء على الوصية فلا يكونون إلاّ أوصياء، وأعار قوماً الإيمان فإن شاء أتمه لهم، وإن شاء سلبهم إياه، قال: وفيهم جرى قوله: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾) ( ).
      فاعلم يا أخي أرشدك الله أنّه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء برأيه، إلاّ على ما أطلقه العالم بقوله: (اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عزّ وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه)، وقوله : (دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم)، وقوله : (خذوا بالمجمع عليه فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه). ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ قلة، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم  ( )، وقبول ما أوسع من الأمر فيه بقوله: (بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم) ( ).
      ب- ورد عنهم إنه مظلوم، وإنه أخملهم ذكراً:
      قال الباقر : (الأمر في أصغرنا سناً، وأخملنا ذكراً) ( ).
      فخمول ذكره بين الشيعة دال على أعراضهم عنه .
      ج - خرج منه  توقيع إلى سفيره العمري، جاء فيه: ( … وأمّا علة ما وقع من الغيبة، فإنّ الله عزّ وجل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ ( )) ( ).
      وربما يفهم من هذا الحديث أنكم سبب من أسباب الغيبة، والحر تكفيه الإشارة.
      وبعد جوابه على مسائل الحميري التي سألها، قال : (بسم الله الرحمن الرحيم، لا لأمره تعقلون ولا من أوليائه تقبلون، ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ ( )، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ( ).
      ولا يخفى ما في كلامه  من ألم سببه إعراض هذه الأمة عن الحق وعنه ، ونحن أيّها الأحبة لو كنا موقنين أنّه حجة الله علينا لعملنا ليلاً ونهاراً لتعجيل فرجه، ولقدّمناه على النفس والمال والولد.
      د- ركون الأمة للطاغوت وإعانته بأي شكل كان ولو بالأعمال المدنية التي يعتقد الناس إباحتها، وهذا بيّنٌ لمن تصفّّح التاريخ وخصوصاً في زمن الغيبة الكبرى. فقد أعان الطاغوت كثير من العلماء والجهلاء على السواء، مع أنّ الإمام الكاظم  اعترض على صفوان (رضي الله عنه)؛ لأنّه أَجّر جماله للطاغوت العباسي هارون ليذهب بها إلى الحج.
      قال تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ ( ).
      قال الشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله): (هذا هو أدب القرآن الكريم وهو أدب آل البيت ، وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين الاتصال بهم ومشاركتهم في أي عمل كان ومعاونتهم ولو بشق تمرة، ولا شك أن أعظم ما مني به الإسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور والتغاضي عن مساوئهم والتعامل معهم، فضلاً عن ممالئتهم ومناصرتهم وإعانتهم على ظلمهم، وما جر الويلات على الجامعة الإسلامية إلا ذلك الانحراف عن جدد الصواب والحق، حتى ضعف الدين بمرور الأيام فتلاشت قوته ووصل إلى ما عليه اليوم فعاد غريباً وأصبح المسلمون أو ما يسمون أنفسهم بالمسلمين وما لهم من دون الله أولياء، ثم لا ينصرون حتى على أضعف أعدائهم وأرذل المجترئين عليهم كاليهود الأذلاء فضلاً عن الصليبيين الأقوياء.
      لقد جاهد الأئمة في إبعاد من يتصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشددوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالئتهم، ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب ومن ذلك ما كتبه الإمام زين العابدين إلى محمد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم: (أو ليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيهم سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دونما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما اخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر إليها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول) ( ).
      وقال: (وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمال مع الإمام موسى الكاظم ، وقد كان من شيعته ورواة حديثه الموثوقين، قال - حسب رواية الكشي في رجاله - بترجمة صفوان، دخلت عليه فقال لي: (يا صفوان كل شيء منك حسن جميل خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال : إكراك جمالك من هذا الرجل –يعني هارون –قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق – يعني مكة – ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، قال: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك. قال : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قلت: نعم، قال : فمن أحب بقائهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو كان ورد النار، قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن أخرها) ( ).
      فإذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنـزلة! فكيف حال من يدخل في زمرتهم أو يعمل بأعمالهم أو يواكب قافلتهم أو يأتمر بأمرهم. إذا كان معاونة الظالمين لو بشق تمرة بل حب بقائهم من أشد ما حذر عنه الأئمة ، فما حال الاشتراك معهم في الحكم والدخول في وظائفهم وولايتهم، بل ما حال من يكون من جملة المؤسسين لدولتهم، أو من كان من أركان سلطانهم والمنغمسين في تشييد حكمهم (وذلك إن ولاية الجائر دروس الحق كله وإحياء الباطل كله وإظهار الظلم والجور والفساد كما جاء في حديث تحف العقول) ( ).
      إنّ العمل في الدوائر المدنية فضلاً عن الحربية في دولة الطاغوت إعانة للطاغوت على البقاء في الحكم، وبالتالي فهي إعانة لأعداء الإمام المهدي ، ولا تستهينوا بهذا الأمر ففي الدول التي تتمتع شعوبها بشيء من الحرية إذا أراد جماعة معينة الضغط على حكومة ذلك البلد لتحقيق مطالب معينة أعلنوا إضراباً عن العمل.
      فالحكومات الطاغوتية متقومة بكم أيها العمّال والمهندسون والموظفون، أنتم العمود الرئيسي الذي يرتكز عليه الطاغوت.
      ولعل بعضكم يقول: ماذا نفعل؟ والحال اليوم أنهم متسلطون على رقابنا.
      أقول: إنهم متسلطون على رقابنا منذ وفاة رسول الله لا لعيب في الأوصياء – الإمام علي وولده - ، ولكن العيب فينا نحن إننا دائماً متخاذلون عن نصرة الحق، وربما عند ظهور الإمام المهدي  سيقول كثيرون هذا ليس المهدي ؛ ليعطوا أنفسهم عذراً لتركهم نصرة الإمام المهدي  كما فعل أهل مكة واليهود مع رسول الله ، مع أنّهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم في خلقه العظيم وأمانته وصدقه وتنـزهه عن الكذب في أمور الدنيا، فكيف يكذب على الله سبحانه؟! كما أنّهم عرفوه بالآيات والمعجزات التي أيده الله بها، ولكنهم وجدوه يمثل جبهة الحق التي تصطدم بمصالحهم، ووجدوه يدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله مما يعرض حياتهم للخطر، فخذلوه ونصره الله سبحانه. وسيخذل كثيرون الإمام المهدي  وسينصره الله سبحانه.
      فعن الإمام الصادق : (لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان) ( ).
      وعبادة الأوثان، أي طاعة الطواغيت ومسايرتهم، بل واتباع الهوى.
      وعن الإمام الصادق : (إذا خرج القائم، خرج من هذا الأمر من كان يُرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر) ( )، أي: يخرج من نصرة الإمام  بعض الذين يدّعون التشيع ويرون أنهم من أنصار الإمام المهدي ، ويدخل في صفوف أنصاره قوم من غير الشيعة، بل لعلهم من غير المسلمين بعد أن يعرفوا الحق ويشايعوا آل محمد . قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ( ).
      وفي واقعة كربلاء وقف عمر بن سعد (لعنه الله) بين يدي الإمام الحسين  يعتذر عن بقائه مع الطاغوت، بأنّه يخاف القتل ويخاف أن تهدم داره ويخاف أن تسبى نساؤه ويخاف … ويخاف … ويخاف.
      فلنحذر جميعاً أن نكون اليوم وغداً كعمر بن سعد (لعنه الله)، نخذل الحق ونعتذر بأعذار قبيحة وحجج واهية.
      وأكتفي بهذا القدر، على أن سبب الغيبة هو: تقصير الأمة، وإلاّ فالأدلة أكثر مما ذكرت. فإذا عرفنا أنّ أهم أسباب الغيبة التامة هو إعراض الأمة عن الإمام  أصبح واجبنا جميعاً العمل لظهوره ورفع أسباب غيبته التامة، بإعلاء ذكره وإظهار حقّه وتهيئة الأمة للاستعداد لنصرته عند ظهوره وقيامه، ونشر الدين وطمس معالم الضلال والشرك، والقضاء على الطواغيت وأعوانهم، الذين يمثلون أهم أعداء الأمام المهدي  ( ).

      * * *






      العمل لتعجيل فرج الإمام المهدي 
      قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ( ).
      عن الفضل بن قرّة، عن أبي عبد الله ، قال: (أوحى الله إلى إبراهيم  أنّه سيولد لكَ، فقال لسارة، فقالت: ألد وأنا عجوز؟ فأوحى الله إليه أنها ستلد ويعذب أولادها أربعمائة سنة بردها الكلام عليّ. قال: فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة. قال: فقال أبو عبد الله : هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا، فأمّا إذ لم تكونوا فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه) ( ).
      وهذا العمل مسؤولية الجميع، علماء الدين والشعوب الإسلامية المستضعفة، فعلماء الدين قدّموا أنفسهم في موضع قيادة الأمة سواء صرّحوا بذلك أم لا؛ لأنّهم تصدّوا أمام الله سبحانه وتعالى ووقفوا في باب ملكوته متمثلين بالأنبياء والمرسلين. فعليهم إن يسيروا بسيرتهم ويعملوا، فمن لم يكن منهم أهلاً لذلك كان عليه إن لا يضع نفسه في هذا الموضع الخطير فيكون من قطَّاع طريق الله سبحانه وتعالى، فيؤول به الأمر إلى خسران الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، إذن فعالم الدين قائد للأمة ومصلح الأمة ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ ( )، وهو سائر في طريق الله سبحانه وداع ٍ إلى الله بأذنه فلا يطلب الدعة والراحة في هذا الطريق، وإذا وجدها في يوم من الأيام قبل دولة الحق فليتهم نفسه وليراجع مسيرته.
      قال الإمام علي : (لو أحبني جبل لتهافت) ( )، فعالم الدين يجب إن يفكر ويعمل ليلاً ونهاراً للتهيئة لإقامة دولة الحق، وللنصح لقائد هذه الدولة الوصي الخاتم .
      أمّا الشعوب الإسلامية المستضعفة فعليها العودة إلى الإسلام والقرآن بعد أن انسلخت منه ولم يبقَ فيها من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه. فهي مكلفة بعملية التهيئة لدولة الحق أفراداً وجماعات وخصوصاً النخبة المؤمنة المثقفة فيها، حيث يقع على عاتقهم جزء كبير من عملية إصلاح الأمة وتهيئتها لنصرة الحق وأهله، ومقارعة الباطل ورموزه الشيطانية من الأنس والجن.
      والحمد لله الذي منَّ علينا بمحمد وآل محمد قادة نقتفي أثرهم. فهم نصروا الحق وقارعوا الباطل، وكانوا يعملون ليلاً ونهاراً لنشر كلمة لا إله إلاّ الله، مرّة بالإعلام وبسيوف من الكلام كان لها أثرها الواضح في القضاء على دولتي بني أمية وبني العباس، ولا تزال إلى اليوم تأخذ أثرها في النفوس كسلاح قوي لهدم دولة الطاغوت والقضاء عليه، كما فعل الإمام الحسن .
      ومرّة أخرى عندما تتوفر الظروف الملائمة يجاهد آل محمد بالثورة المسلحة، وبالسيف وإراقة الدماء في سبيل الدين، كما فعل الإمام الحسين . وهكذا كانوا أعلاماً للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتدي بهم الثائرون، فلم يهنوا ولم ينكلوا في مقارعة الطواغيت حتى قضوا بين مسموم ومقطّع بالسيوف، فعلينا جميعا اليوم أن نقتفي أثرهم في نشر الدين ومقارعة الظالمين والقضاء عليهم والتهيئة لدولة الحق، وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله في الأرض، ونشر عبادة العباد لخالقهم، والقضاء على عبادة العباد للعباد وما يرافقها من الفساد.
      كما يجب فضح أئمة الفساد الذين يسمون أنفسهم علماء، الذين يحاولون فصل الحسن عن الحسين (عليهما السلام)، ويقولون إنّ الإمام الحسن  صامت ويدّعون أنهم يتابعون سيرته، فتعساً لهم. ولو كان آل محمد صامتين لما قطعت السموم أحشاءهم!! إنّ آل محمد قوم القتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة، وما منهم إلاّ مقتول كما ورد عنهم ( )، فلا ألفين خسيساً يحمل جبنه عليهم ليعتذر عن خذلانه للحق، و والله إني لأستعظم تقريع الجبناء.

      * * *







      أهم الأعمال لتعجيل فرج الإمام 
      أمّا أهم الأعمال لتعجيل فرج الإمام فهي:
      1- التفقه في الدين:
      ويشمل:
      أ- قراءة القرآن وتفسيره:
      قال رسول الله : (أيها الناس إنكم في زمان هدنة، وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع، فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدّوا الجهاز لبعد المفاز. فقام المقداد، فقال: يا رسول الله ما دار الهدنة؟ قال: دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفع وماحل ( ) مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، له ظهر وبطن ، فظاهره حكمة، وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم وعلى تخومه تخوم ( )، لا تحصى عجائبه، ولا يبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرفه) ( ).
      وعن أمير المؤمنين ، قال: (سمعت رسول الله يقول: أتاني جبرائيل فقال: يا محمد سيكون في أمتك فتنة. فقلت: فما المخرج منها؟ فقال: كتاب الله، فيه بيان ما قبلكم من خبر وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله، ومن التمس الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، لا تزيغه ( ) الأهوية، ولا تلبسه الألسنة، ولا يخلق على الرد ( )، ولا ينقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء، وهو الذي لم تكنه ( ) الجن إذ سمعه إذ قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ( ).
      وورد في الحديث أنّ ثلاثة يشتكون إلى الله يوم القيام للحساب، فعن النبي قال: (يجيء يوم القيامة ثلاثة يشتكون: المصحف والمسجد والعترة. يقول المصحف: يا رب حرّفوني ومزقوني. ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني. وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا. فأجثوا للركبتين في الخصومة، فيقول الله  لي: أنا أولى بذل) ( ).
      القرآن والعترة والمسجد. فهل أنتم أيها الأخوة مستعدون لمواجهة هؤلاء الخصوم الثلاثة بين يدي الله ؟.
      والأول: هو كتاب الله الماحل المصدَّق. والثاني: هو خليفة الله في أرضه. والثالث: هو بيت الله.
      والحق أنّ أهل الأرض جميعاً لا يقوون على هذه المواجهة، فإذا كان الأمر كذلك فلنعمل جميعاً للنصح لهؤلاء الثلاثة، لنلتقي بهم يوم القيامة وهم راضون عنّا، فلنعيد للمسجد مكانته الحقيقية ونبث فيه ومنه علوم القرآن وحديث أهل البيت ، ولنتذكر الإمام صاحب الزمان  في كل الأحوال، وهو الذي يمثل العترة اليوم، ولنقدّم قضيته على جميع القضايا، ولنقرأ القرآن ولا أعني الألفاظ فحسب، بل تدّبر معانيها واستقراء مداليلها والعمل بها، والتخلق بأخلاق القرآن، ونشرها في المجتمع بعد العمل بها، فالذي يأمر الناس بمكارم الأخلاق ولا يطبقها لا يكون له أي تأثير فيهم، بل ربما تكون النتيجة عكسية. وقد ورد عنهم ما معناه: (كونوا لنا دعاة صامتين) ( )، أي: بالعلم والعمل والسيرة الحسنة بين الناس لا بالقول فقط الذي هو أداة التعبير والدعوة الأساسية، وجاء في الكتاب الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ ( ).
      وأخلاق القرآن تؤخذ من القرآن ومن أهل القرآن محمد وآل محمد . والحمد لله ورد عنهم في الحديث والدعاء والتفسير كثير جدّاً، وهو ثروة أخلاقية لا تنضب، ومع الأسف القرآن اليوم مهجور وميت في الحوزة العلمية في النجف الأشرف فضلاً عن غيرها، فالبحث يدور في المساجد التي أنشأها القرآن حول الكتب المنطقية والفلسفية والكلامية والنحوية، التي يدّعون دراستها وتدريسها لفهم القرآن والسنة، في حين أنّك لا تجد من يهتم بدراسة كتاب الله والبحث في تفسيره، وإذا وجد مثل هذا الاهتمام من قبل بعض المؤمنين فهو قليل يكاد لا يذكر!
      قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ ( ). وقال رسول الله في وصف حالنا اليوم: (مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى) ( )، أي عامرة بالناس ولكنهم ليسوا على الطريق الذي رسمه القرآن ومحمد وآل محمد .
      وقال أمير المؤمنين  في وصف معظم أهل العلم في زماننا هذا: (نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته) ( )، أي المفروض أنّهم حملته وحفظته، وهم طلبة العلوم الدينية والعلماء.
      هذا، وإن وُجِدَ بحث في الكتاب الكريم فهو يدور حول آراء المفسرين التي لا يعدو كثير منها محاولات لصب آيات القرآن ضمن مجال القواعد النحوية والفلسفية وغيرها، مع أنّ كثيراً منها استقرائية تحتمل الخطأ وكثيراً منها خلافية لم يتحرّر النزاع فيها. ولو أنّهم فسّروا الكتاب على ما ورد في روايات أهل بيت العصمة ولم يتعدّوا الصراط المستقيم الذي رسمه أهل البيت لتدبر القرآن وتفسير آياته لكان خيراً لهم وأقرب للتقوى. ولكن أنّى لهم ذلك.
      قال أمير المؤمنين  في وصف حال أهل هذا الزمان مع القرآن: (وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه) ( ).
      ويجب الالتفات إلى أنّ معرفة تفسير كتاب الله غير مقتصرة على طلبة الحوزة العلمية فقط، بل على كل مسلم معرفة تفسير كتاب الله ما أمكن. ومهمة طلبة الحوزة هي تعلم التفسير الصحيح وتعليمه للناس في المساجد وفي غيرها، ويجب أن تفتح دورات لتعليم تفسير كتاب الله في كل مكان.
      فالعقائد الإسلامية الصحيحة كلّها في كتاب الله وبمعرفة تفسيره وتأويله الصحيح وبمباحثة كتاب الله باستمرار، وإدراك معانيه ومفرداته ينكشف للمجتمع الإسلامي كله مغالطات أئمة الضلال، أمثال ابن تيميه، وابن عبد الوهاب، واتهاماتهم الباطلة للمسلمين بالشرك،كما وينكشف الطواغيت وأعوانهم وخططهم الشيطانية التي يهدفون من ورائها تضليل المجتمع الإسلامي.

      ب - العقائد الإسلامية الصحيحة تعلمها وتعليمها:
      وهي العقائد المستقاة من الآيات القرآنية المحكمة والسنّة. أمّا الآيات القرآنية المتشابهة فيجب إحكامها ومعرفة تفسيرها وتأويلها من الروايات التي وردت عن النبي وآله الأطهار ، لا أن يؤولها كل بهواه ويعتقد ما يشاء.
      ونصيحتي لإخواني المؤمنين:
      تحصيل العقائد من القرآن المفسّر بروايات أهل البيت وبثها في المجتمع الإسلامي؛ ليكون مجتمعاً دينياً عقائدياً تزول الجبال ولا يزول عن عقائده القرآنية الصحيحة؛ ليكون بذلك المجتمع الإسلامي مستعداً لاستقبال ونصرة الإمام المهدي .

      ج- الأحكام الشرعية:
      وتعلّمها واجب على كل مسلم؛ لأنّه مبتلى بها في حياته كمعاملات ومكلّف بأدائها كعبادات، بل إنّ واجب كل مسلم بعد أن يتعلّمها أو يتعلّم بعضها أن يعلم إخوانه المسلمين.
      والحقيقة أنّ الموجود في معظم كتب الفقه اليوم هو فتاوى وأحكام شرعية كلية تنطبق على مصاديق كثيرة في الخارج، أي: في مجتمعنا الإسلامي وتطبيقها على مصاديقها ليس بأقل أهمية منها، بل دون تطبيقها على مصاديقها لا تكون لها أي فائدة عملية، فواجب طلبة الحوزة العلمية العاملين حفظهم الله من كل سوء هو تطبيق هذه الأحكام الكلية على مصاديقها في مجتمعهم الإسلامي، وتنبيه الناس إلى المحرّمات الكثيرة التي استهانوا بها، بل على بعض طلبة الحوزة العاملين أن يتصدّوا لكتابة تطبيق الأحكام الشرعية على مصاديقها في المجتمع الإسلامي، وهذا واجب كفائي ربما يأثم بتركه الجميع.





      2- العمل بالشريعة الإسلامية المقدسة:
      وطبعاً المهم من الشريعة هو العمل بها، حيث بدونه تكون معطّلة. والعمل مرّة يختص بالفرد، ومرّة يختص بعلاقته بالمجتمع. فعلى كل مسلم بعد أن يعرف ما له وما عليه بالشريعة المقدّسة أن يؤدي ما عليه ويطالب بما له دون زيادة. وله أن يعف ويتسامح مع الناس في حقوقه، طلباً لرضا الله سبحانه.
      والعاقل لا يضيّع حظّه من هذه الدنيا وفرصته فيها من السير إلى الله، ولا أعني فقط بأداء الواجبات، بل المستحبات وأهمّها الدعاء وصلاة الليل، بل النوافل اليومية جميعها، والصيام وزيارة الأنبياء والأئمة والصالحين والشهداء والاعتبار بأعمالهم واقتفاء آثارهم، وقضاء حوائج المؤمنين والنصح لهم وإرشادهم والرحمة والرأفة بهم، وبغض الطواغيت وأعوانهم ومزايلتهم، فهم ينصبون العداء لآل محمد وخصوصاً لخاتمهم المهدي . وأفعال هؤلاء الطواغيت وأعوانهم دالة على أنّهم نواصب فيجب إجراء أحكام النواصب عليهم، فليس العمل بالشريعة هو العبادة فقط، بل المعاملة الحسنة مع الناس وليست المعاملة الحسنة باللين والرحمة فقط، بل وبالشدّة والغلظة أحياناً ولكل أهل، فمع المؤمنين يتعامل المؤمن بالرحمة واللين، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ( ). ومع الطواغيت وأعوانهم يتعامل بالشدّة والغلظة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَأغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ( ).
      وفي الكافي عن أبي عبد الله ، قال: (قال رسول الله لأصحابه: أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله : لكل ما قلتم فضل، ولكن ليس به. ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وتولي أولياء الله، والتبري من أعداء الله) ( ).
      وعن علي بن الحسين قال: (إذا جمع الله  الأولين والآخرين قام مناد فنادي ليسمع الناس، فيقول: أين المتحابّون في الله، يقوم عنق من الناس. فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، فيقول الملائكة: فأي ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله.
      قال: فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله ونبغض في الله. فيقولون: نِعم أجر العاملين) ( ).
      وعن أبى جعفر، قال: (قال رسول الله : ودُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله، فهو من أصفياء الله)( ).
      وليست الشريعة الإلهية داعية للتميّع أو دافعة للتخنّث. فباسم الدين تجد من يتماوت في مشيته ويخفض صوته حتى لا يكاد يُسمع. وباسم العرفان والأخلاق تجد من يسمي نفسه عالماً أو يسميه الجهَّال عالماً وهو تارك لأهم واجب في الإسلام الذي به تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعجيب أمر هؤلاء!! والأعجب أمر من يحترم هذه النماذج السلبية ويقدّسها!! والحال إنّ رسول الله كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين شديداً مع الكافرين، حتى ورد عن أمير المؤمنين  ما معناه أنهم يحتمون به في المعارك ( ).
      ثم إنّ أمير المؤمنين  كان يصفه بأنّه كالطبيب الدوار بأدويته ( )، أي: إنّه شديد الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبتبليغ الناس. فأي عرفان هذا، وأي أخلاق هذه التي تأمر صاحبها أن يسير عكس مسيرة رسول الله ؟
      أيّها المؤمنون والمؤمنات: إنّ إبراهيم  حمل فأساً وكسّر الأصنام فتابعوا هذه المسيرة المشرفة، مسيرة الأنبياء والمرسلين التي تقرؤونها في القرآن. وإياكم ومسيرة أمثال السامري وبلعم بن باعوراء.
      احملوا الفؤوس وحطّموا الأصنام والعجول ( )، وليبدأ كلٌ منّا بنفسه، وبالناس المحيطين به. ولا تخافوا فأنتم الأعلون أن كنتم مؤمنين: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ * قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ ( ).
      وعلى طلبة الحوزة أن يعوا أنّ تكليف العالِم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص وأكبر من غيره؛ لأسباب كثيرة، منها: إنّه وضع نفسه في مكان الأنبياء والمرسلين، ووقف في باب الملكوت، وادعى أنّه من إدلاء الطريق إلى الله بلسان الحال، وإن لم يصرّح بالمقال.
      فالعالم يجب أن ينهى عن المنكر الذي يحاول الطواغيت وأتباعهم نشره في المجتمع الإسلامي، وبكل الوسائل المتاحة له. ويجب عليه مراقبة المجتمع الإسلامي وتقويم الانحرافات فيه، وإلاّ فهو يصبح قاطعاً لطريق الله سبحانه وتعالى وجندياً من جنود إبليس. فالطواغيت ينشرون المنكر بأيديهم وألسنتهم، والأئمة والعلماء غير العاملين ينشرون المنكر بترك النهي عنه بإهمالهم توجيه المجتمع الإسلامي وإصلاحه. فمثلهم كمثل الذي تصدّى لعمل معين ولم يؤدّه فلا هو قائم به ولم يترك غيره يقوم به.
      كما يجب الالتفات إلى أنّ هناك تقصيراً كبيراً في المجتمعات الإسلامية، وخصوصاً النخبة المؤمنة المثقفة فيها. فهؤلاء يجب أن يتصدّوا للنهي عن المنكر كل حسب علمه وتكليفه، كما يجب الالتفاف حول العلماء العاملين المخلصين لله الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر والمجاهدين في سبيل الله والدفاع عنهم. فليس من المعقول أن ينهض هؤلاء العلماء العاملون بعبء المسؤولية، والمجتمعات الإسلامية لاهية في متابعة الطواغيت وعلماء السوء غير العاملين.
      وليحذر أفراد المجتمع الإسلامي، فإنّهم يوم القيامة مسؤولون عن العالم العامل ومدى تجاوبهم معه، فعن أبي عبد الله ، قال: (ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجل، مسجد خراب لا يصلّى فيه، وعالم بين جهّال، ومصحف معّلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه) ( ).
      نعم أيها الأحبة، أيّها المؤمنون والمؤمنات إنّ واجبكم نصرة العالم العامل المخلص لله المجاهد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلاّ الله، لا الابتعاد عنه وخذلانه وتركه في النهاية يذهب إلى ربّه مقهوراً
      مظلوماً متشحطاً بدمه يشكو إلى الله خذلان الناصر بعد أن كان دليلاً إلى صراط الله المستقيم.
      قال أمير المؤمنين : (إنّ الله سبحانه وتعالى جعل الذكر جلاءً للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزّت آلاؤه في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم وكلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأبصار والأسماع والأفئدة، يذكّرون بأيام الله ويُخوفون مقامه، بمنزلة الأدلة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه الطريق وبشّروه بالنجاة، ومن أخذ يميناً وشمالاً ذمّوا إليه الطريق وحذّروه من الهلكة، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات، وأدلّة تلك الشبهات، وإنّ للذكر لأهلاً أخذوه من الدنيا بدلاً، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط و يأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، وحققت القيامة عليهم عِداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا، حتى إنهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون … ) ( ).
      ومع الأسف هناك من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا الواجب العظيم بحجة التقية، فلم أجد بدّاً من توضيحها قليلاً.

      التـقية:
      التقية هي: تجنب الضرر المادي. والحيوانات تتجنب الضرر عادةً فضلاً عن الإنسان، وعادةً معظم بني آدم يميلون عن الحق إلى الباطل إذا كانت متابعة الحق تسبب لهم ضرراً اقتصادياً أو بدنياً ولو كان يسيراً، وهذه مسيرة الإنسانية بين يديك في كتب التاريخ تصفّحها ستجد أنّ قلّة هم الذين تحملوا تلف أموالهم وأنفسهم في سبيل إعلاء كلمة الحق.
      إذاً فمعظم الناس يمارسون التقية، بل وبإفراط وبشكل دائم، فإذا انتقلنا إلى المسلمين وجدناهم فرقتين، فرقة صامتة وموافقة أو مداهنة للطواغيت الذين يحكمون البلاد الإسلامية، مع أنّهم يحكمون بالقوّة الغاشمة ويستخفون بالشريعة والقرآن وجميع النواميس الإلهية ويحكمون بغير ما أنزل الله ويستحلون دماء المؤمنين، فضلاً عن اغتصابهم قيادة الأمة من المعصومين .
      وهذه الفرقة هي معظم أهل السنّة، إذاً فهؤلاء يمارسون التقية وبشكل مفرط، إلا أن يقولوا إنّ مذاهبهم توجّب طاعة الحاكم الجائر وإن عطّل الشريعة وسفك الدم الحرام، وقام بحركة إعلامية عظيمة لطمس الإسلام، ونشر الخمور والفجور والملاهي والأغاني وما يعرضه تلفزيون الدول الإسلامية من فساد وإفساد للمجتمع ( ).
      ولا أظن أنّ من علماء السنة اليوم من يقول هذا، وإلاّ لكان بهذا القول محارباً لمحمد وشريعته وناصراً لكفار قريش وأشياعهم اليوم.
      إذن، فبما أنهم لا يقولون بوجوب طاعة الحاكم الجائر، بل ما أظنه أنّ كل مسلم يحرّم طاعة الحاكم الجائر؛ لأنّه محارب لله ولرسوله، وبما أنّهم لا يثورون على الحكّام الظلمة، بل ويداهنونهم في الغالب، فبماذا نصف حالهم هذا غير أنّهم يمارسون التقية وبشكل مفرط وليسمونها ما يشاؤون، فالمهم المعنى لا اللفظ.
      وطبعاً هناك قلّة من علماء السنّة لا يمارسون التقية بشكل مفرط، بل وقفوا يقارعون الطواغيت والحكّام الظلمة، ومن هؤلاء سيد قطب. ولا بأس أن نستعرض بعض كلامه في قصة أصحاب الأخدود، يقول: (إنّها قصة فئة آمنت بربها واستعلنت حقيقة إيمانها، ثم تعرّضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين مستهترين لحق الإنسان في حرية الاعتقاد بالحق والإيمان بالله العزيز الحميد، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلّى الطغاة بآلام تعذيبها ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق! وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة ولم تفتن عن دينها وهي تحرق بالنار حتى الموت … ثم يقول: إنّ الناس جميعاً يموتون وتختلف الأسباب ولكن الناس جميعاً لا ينتصرون هذا الانتصار ولا يرتفعون هذا الارتفاع ولا يتحرّرون هذا التحرّر ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق، إنّما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده؛ لتشارك الناس في الموت، وتنّفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى وفي دنيا الناس أيضاً. إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال، لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجو بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم، وكم كانت البشرية كلها تخسر، كم كانوا يخسرون وهم يقتلون؟ هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد، إنّه معنى كريم جدّاً ومعنى كبير جدّاً، هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار فتحترق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار!) ( ).
      ويقول : (وتتبدّل الأحوال، ويقف المسلم موقف المغلوب المجرّد من القوة المادية، فلا يفارقه شعوره بأنّه الأعلى، وينظر إلى غالبه من علٍ مادام مؤمناً، ويستيقن أنها فترة وتمضي، وإنّ للإيمان كرّة لا مفر منها، وهبها كانت القاضية فإنّه لا يحني له رأساً. إنّ الناس كلهم يموتون، أمّا هو فيستشهد وهو يغادر هذه الأرض إلى الجنة وغالبه يغادرها إلى النار، وشتان شتان، وهو يسمع نداء ربّه الكريم: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ ( ).
      ثم يقول: وقديماً قص علينا القرآن الكريم قول الكافرين للمؤمنين: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ ( ). أي الفريقين؟ الكبراء الذي لا يؤمنون بمحمد، أم الفقراء الذين يلتفون حوله؟ أي الفريقين، النظر بن الحارث وعمرو بن هشام والوليد ابن المغيرة وأبو سفيان بن حر، أم بلال وعمار وصهيب وخباب؟ أ فلو كان ما يدعو إليه محمد خيراً أفكان أتباعه يكونون هم هؤلاء النفر الذين لا سلطان لهم في قريش ولا خطر؟ وهم يجتمعون في بيت متواضع كدار الأرقم، ويكون معارضوه هم أولئك أصحاب الندوة الفخمة الضخمة و المجد والجاه والسلطان؟!
      إنّه منطق الأرض، منطق المحجوبين عن الآفاق العليا في كل زمان ومكان، وإنّها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجرّدة من الزينة والطلاء، عاطلة من عوامل الإغراء، لا قربى من حاكم ولا اعتزاز بسلطان، ولا هتاف بلذّة، ولا دغدغة لغريزة، إنّما هو الجهد والمشقة والجهاد والاستشهاد … ليقبل عليها من يقبل وهو على يقين من نفسه إنّه يريدها لذاتها خالصة لله من دون الناس، ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات، ولينصرف عنها من يبتغي المطامع والمنافع، ومن يشتهي الزينة والأُبّهة، ومن يطلب المال والمتاع، ومن يقيم لاعتبارات الناس وزناً حين تخف في ميزان الله.
      إنّ المؤمن لا يستمد قيمه وتصوراته وموازينه من الناس حتى يأسى على تقدير الناس. إنّما يستمدّها من ربّ الناس وهو حسبه وكافيه. إنّه لا يستمدّها من شهوات الخلق حتى لا يتأرجح مع شهوات الخلق، إنّه يستمدّها من ميزان الحق الثابت الذي لا يتأرجح ولا يميل. إنّه لا يتلقاها من هذا العالم الفاني المحدود، إنّما تنبثق في ضميره من ينابيع الوجود. فأنّى يجد في نفسه وهناً أو يجد في قلبه حزناً، وهو موصول بربّ الناس وميزان الحق وينابيع الوجود؟
      إنّه على الحق، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال. وليكن للضلال سلطانه، وليكن له هيله وهيلمانه، ولتكن معه جموعه وجماهيره، إنّ هذا لا يغيّر من الحق شيئاً، إنّه على الحق وليس بعد الحق إلاّ الضلال، ولن يختار مؤمن الضلال على الحق - وهو مؤمن -، ولن يعدل بالحق الضلال كائنة ما كانت الملابسات والأحوال … ) ( ).
      أمّا الفرقة الأخرى من المسلمين، فمنهم الذين رفضوا حكم الطواغيت ولم يقبلوا تسلطهم على الحكم واستيلائهم على دفّة القيادة، ورفضوا حكمهم بغير ما أنزل الله وإفسادهم في الأرض، حتى سمّاهم الناس رافضة وهذا الاسم فخر لهم ووسام شرف يميّزهم، وهم معظم الشيعة.
      ومن الطبيعي أنّ هؤلاء وهم الثلّة المؤمنة التي تمثّل دين الله في أرضه، إذا لم يضع لهم أئمتهم قوانين تضمن بقاءهم وبقاء مذهبهم الحق فإنهم سيُستأصلون ويُستأصل دين الله في أرضه، ويكون مصيرهم كمصير أصحاب الأخدود وهو مصير مشرِّف. ولكن المسألة إنّ هذه الأمة أراد الله بقاءها حتى آخر الزمان؛ لتحمل كلمة التوحيد لأهل الأرض جميعاً، ولهذا أكد أهل البيت على ممارسة التقية وتجنب الضرر لكن ليس بشكل سلبي وترك العمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل العمل وتجنب الضرر معاً، كمن يحترق بيته فهو لا يتركه يحترق و لا يلقي نفسه في النار، ولكن يطفئ النار ويتجنّب ضررها ما أمكن، هذه هي التقية التي أرادها أهل البيت وتدل عليه سيرتهم وحديثهم وتوجيههم لأصحابهم، وهذه هي التقية في القرآن في سورة غافر، رجل مؤمن من آل فرعون يكتم أيمانه عن فرعون تقية، وفي نفس الوقت يدعو إلى دين الله والإيمان بموسى والكفر بفرعون وحزبه الشيطاني.
      أمّا خضوع بعض العلماء غير العاملين ومن يتبعهم للطاغوت وصمتهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو تصرّف شخصي وليس من التقية في شيء. وإنّما هو جبن انطوت عليه نفوسهم، وحب للحياة والدنيا اكتظّت به صدورهم، حتى أصبحوا يسيرون في طريق معاكس لطريق الأنبياء والأوصياء ، ومخالف للصراط المستقيم الذي يرسمه القرآن، وأمسوا أئمة ضلال يعلمون الناس الخضوع والمداهنة والركون للطاغوت حتى ظهرت غلبة الجهّال ودول الضلال، ولولا رحمة الله ووجود بعض العلماء العاملين لما أبقى الطاغوت من الدين اسماً ولا رسماً.

      * * *
      من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
      ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

      Comment

      • almawood24
        يماني
        • 04-01-2010
        • 2174

        #4
        رد: كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

        3- معرفة الإمام المهدي :
        وهي إضافة إلى معرفة اسمه وولادته وغيبته الصغرى وسفرائه فيها وغيبته الكبرى إلى يومنا هذا، أو أحاديثه وأحاديث آبائه التي وردت فيه وفي غيبته وظهوره وقيامه، تشمل معرفة علامات ظهوره وسيرته بعد ظهوره. فبمعرفة علامات ظهوره نعرف قرب زمان ظهوره فنستعد لنصرته.
        وبمعرفة سيرته بعد ظهوره  نستعد لتقبلها، فلا نكون - والعياذ بالله - ممن يلتوون عليه ويعترضون على سياسته وقراراته، وقد روي عن الإمام الصادق ، أنّه قال: (إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله) ( ).
        فعلى المؤمنين الالتفاف حول العلماء العاملين السائرين على نهج الأنبياء والمرسلين والأئمة . والحذر من متابعة علماء السوء غير العاملين، الذين لا يغضبون لغضب الله عندما يهان كتابه القرآن الكريم ( )، والذين سيقف كثير منهم ضد الإمام المهدي ، وربما سيقاتلونه.
        • روي عن رسول الله ، قال: (سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه، ولا من الإسلام إلاّ اسمه، يسمّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة واليهم تعود) ( ).
        • وعن رسول الله في المعراج، قال: (… قلت إلهي فمتى يكون ذلك ؟ فأوحى إلّي : يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل، وكثر القرّاء وقل العمل وكثر الفتك، وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة الخونة وكثر الشعراء، واتخذ أمتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور …) ( ) .
        • وعن الباقر : (إذا قام القائم  سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة ألف نفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة!! فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم
        قصورها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عزّ وعلا) ( ).
        • وعن الباقر : (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتى يأتي المنبر ويخطب …) ( ).
        • وعن أمير المؤمنين : (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا؟ وشبك أصابعه وادخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال : الخير كله عند ذلك، يقوم قائمنا فيقدم عليه سبعون، فيقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، فيجمع الله الناس على أمر واحد) ( ).
        ويقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله، أي: علماء غير عاملين. وربما يفتون الناس بغير ما أنزل الله على رسوله وفق تخرّصاتهم العقلية وأهوائهم الشخصية.
        • وعن أبي جعفر ، أنّه قال: (لتمخضن يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد كمخيض الكحل في العين؛ لأنّ صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين ولا يعلم متى يذهب، فيصبح أحدكم وهو يرى أنّه على شريعة من أمرنا فيمسي وقد خرج منها، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا فيصبح وقد خرج منها) ( ).
        • وعن أبي عبد الله : (كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى، يبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السنين ( )، وأمارة من أول النهار وقتل وقطع في آخر النهار) ( ).
        • وعن البيزنطي، قال: سألت الرضا  عن مسألة الرؤيا، فأمسك ثم قال : (إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شرّاً لكم، وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر. وقال: وأنتم في العراق تروون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أمهل لهم بتقوى الله، ولا تغرّنكم الدنيا ولا تغتروا بمن أمهل له، فكأن الأمر قد وصل إليكم) ( ).

        أ-علامات ظهوره وقيامه :
        نظراً لتحقق معظم العلامات التي ذكرها النبي والأئمة ، ولم يبقَ منها إلاّ العلامات القريبة جدّاً من سنة ظهوره وقيامه أو العلامات الدالة عليه بعد ظهوره .
        ومراعاة للاختصار؛ ولأنّه لا توجد فائدة كبيرة من ذكر العلامات التي تحققت، فسأقتصر على العلامات القريبة من ظهوره المبارك  :
        ومنها: أن تمنع السماء قطرها، وحرّ شديد، واختلاف الشيعة، فعن الإمام الحسن بن علي: (لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، و يتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قلت: ما في ذلك خير، قال: الخير كله في ذلك، يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه) ( ).
        ومنها: موت كثير من الفقهاء، وانتشار الفساد بشكل علني والتجاهر بالمعاصي، كالزنا وشرب الخمور وسماع الأغاني، وغلبت وسائل الفساد كالتلفزيون في الوقت الحاضر. والاستخفاف بالمساجد وبحرمتها، فبدل أن تبقى وسيلة للانقطاع إلى الله ببساطتها وخلوها من المظاهر الدنيوية يحوّلها الناس إلى قاعات مليئة بالزخرفة والألوان والمظاهر التي تشد الداخل فيها إلى الدنيا، وهكذا تعطّل، ويجعلونها مكان للأكل في بعض المناسبات كالمحرّم ورمضان.
        ومنها: انتشار وسائل التجميل كالملابس الجميلة المظهر، ولكنها تغلف أناساً قلوبهم قلوب الشياطين.
        ومنها: الاستخفاف بحرمة العلماء العاملين المجاهدين، وربما الاستهزاء بهم واتهامهم باتهامات باطلة. ويكثر سفك دمائهم؛ وذلك لأنّهم يتبعون سيرة أئمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيلاقون من الطواغيت المتسلطين على الأمة اليوم ما لاقاه الأئمة من طواغيت بني أمية وبني العباس لعنهم الله.
        عن أمير المؤمنين ، فقال : (إذا وقع الموت في الفقهاء، وضيعت أمة محمد المصطفى الصلاة واتبعت الشهوات، وقلت الأمانات، وكثرت الخيانات، وشربوا القهوات ( )، وأشعروا شتم الآباء والأمهات، ورفعوا الصلاة من المساجد بالخصومات وجعلوها مجالس للطعامات، وأكثروا من السيئات وقللوا من الحسنات، وعوصرت السماوات ( )، فحين إذن تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة. ويكون المطر قيظاً، والولد غيضاً. ويكون أهل ذلك الزمان لهم وجوه جميلة، وضمائر ردية. من رآهم أعجبوه، ومن عاملهم ظلموه. وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين … ويعار على العلماء ويكثر ما بينهم سفك الدماء … وتحج الناس ثلاث وجوه: الأغنياء للنزهة، والأوساط للتجارة، والفقراء للمسألة) ( ).
        ومنها: منع أهل العراق من الحج، فلا يذهب منهم إلى الحج إلاّ عدد قليل ، وحالهم ما تقدّم في الحديث، فعن الإمام الصادق  - وعنده جماعة من أهل الكوفة فأقبل عليهم وقال لهم - : (حجوا قبل أن لا تحجوا، قبل أن تمنع البرجانية (الرومية) - أي أمريكا والغرب اليوم - حجوا قبل هدم مسجد بالعراق بين نخل وأنهار، حجوا قبل أن تقطع سدرة بالزوراء على عروق النخلة التي اجتثت ( ) منها مريم رطباً جنياً، فعند ذلك تمنعون الحج وينقص الثمار ويجد البلاء ( ) وتبتلون بغلاء الأسعار وجور السلطان، ويظهر فيكم الظلم والعدوان مع البلاء والوباء والجوع، وتظلكم الفتن من جميع الآفاق) ( ).
        وعن أمير المؤمنين ، قال - وأشار إلى أصحاب المهدي  بقوله -: (ألا بابي وأمي هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة، ألا فتوقعوا من إدبار أموركم وانقطاع وصلكم (انقطاع الحج) ( )، واستعمال صغاركم، ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من درهم من حله، ذلك حيث يكون المعطى أعظم من المعطي، حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج، ذاك أذا عضكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير، ما أطول هذا العناء وأبعد هذا الرجاء) ( ).
        ومنها: ابتلاء أهل العراق بجور السلطان وغلاء الأسعار، فعن محمد بن مسلم عن الصادق، قال: (إنّه قدّام القائم  بلوى من الله، قلت: وما هو جعلت فداك؟ فقرأ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ ( )، ثم قال : الخوف من ملوك بني فلان( )، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات، وقلة الفضل فيها ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، ثم قال : ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم ) ( ).
        ومنها: إنّ حاكم العراق معروف بأنّه يمارس الكهانة، أي: تحضير الجن والسحر الأسود، وإنّه ابن بغي، أي: زانية. قال أمير المؤمنين : (وأمير الناس( ) جبار عنيد، يقال له الكاهن الساحر) ( ). وقال الصادق : (أمّا إنّ إمارتكم يومئذٍ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا ( )) ( ).
        ومنها: اختلاف حكّام العراق فيما بينهم، وهلاكهم على يد جيوش السفياني التي تأتي من بلاد الشام والتي تدخل العراق للقضاء على حاكم العراق. والسفياني مجنّد من الغرب أو أمريكا حسب ما ورد في الروايات.
        وفي التوراة سفر دانيال: السفياني عميل للمملكة الحديدية أو أمريكا، للقضاء على ثلاثة عملاء سابقين لأمريكا في المنطقة أحدهم حاكم العراق. ثم إنّ ما يبقى من أعوان ومرتزقة حاكم العراق تقضي عليه قوّات الخراساني بقيادة شعيب بن صالح، والتي تدخل العراق لطرد قوّات السفياني، وتطهير العراق من الأراذل والمسوخ الشيطانية.
        فعن الباقر : (... ثم قال: إذا اختلف بنو فلان ( ) فيما بينهم فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلاّ باختلاف بني فلان … حتى يخرج عليهم الخرساني والسفياني، هذا من المشرق وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ... آما إنّهم لا يبقون منهم أحداً) ( ).
        ومنها: خسوف القمر وكسوف الشمس في رمضان، وصيحة جبرائيل في أول النهار.
        ومنها: ظهور كوكب مذنب في السماء يضيء كما يضيء القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه.
        ومنها: السفياني، وهو أهم الفتن قبل قيام القائم ، وخروجه حتمي في بلاد الشام. والأرجح في الأردن في الوادي اليابس، ثم يحتل سوريا وجزء من فلسطين، ثم يدخل إلى العراق، ويظهر في بداية ظهوره العدل حتى يتوهم الناس أنّه عادل، ويكذّب الجهّال آل محمد .
        • عن أبي حمزة الثمالي، عن الباقر ، قلت: (خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد محتوم. قلت: وكيف يكون النداء؟ قال: ينادي من السماء أول النهار ألا إنّ الحق مع علي وشيعته، ثم ينادي إبليس آخر النهار من الأرض ألا إنّ الحق مع عثمان وشيعته، وعند ذلك يرتاب المبطلون) ( ).
        • عن الباقر : (آيتان تكونان قبل القائم، كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره) ( ).
        وعلى الشيعة عند ظهور السفياني الذهاب إلى مكة، لنصرة الإمام المهدي ؛ لأنّ ظهوره وقيامه في مكة بعد هذه العلامة أكيد وقريب جدّاً، بل يكاد يتداخل معها، وقد أمرهم أئمتهم بذلك.
        • عن الصادق : (… لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إليناً. يقولها ثلاثاً، وهو من المحتوم) ( ).
        • وعن الصادق : (يا سدير، ألزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه، وأسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغ أن السفياني قد خرج فادخل إلينا ولو على رجلك. قلت: جعلت فداك هل قبل ذلك شيء ؟ قال: نعم، وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام، وقال: ثلاث رايات، راية حسنية، وراية أموية، وراية قيسية. فبينما هم إذ خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع ما رأيت مثله قط) ( ).
        • وعن الباقر  : (… مع أنّ الفاسق ( ) لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراَ دونكم، قال بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجل منكم عنه فأن حنقه وشرّهه فإنما هي على شيعتنا، وأمّا النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى، قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه، من أراد منهم أن يخرج إلى المدينة أم إلى مكة أو إلى بعض البلدان؟ قال: ما تصنعون بالمدينة، وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فأنها مجمعكم، فإنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر لا يجوزها إن شاء الله)( ).
        ولكن للأسف لن ينفر إلى مكة لنصرة المهدي  إلاّ عشرة آلاف كما ورد في الروايات، وهم أول أنصاره مع أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر ( ).
        هذه هي بعض علامات ظهوره وقيامه القريبة.
        وربما كانت له  فترة ظهور تسبق قيامه في مكة، ربما عن طريق سفراء كما في الغيبة الصغرى. وهذا الاحتمال تقويه بعض الروايات عنهم ( )، وربما كانت بداية بعثه وظهوره في أم القرى في هذا الزمان وهي النجف الأشرف اقتفاء بسيرة جدّه المصطفى الذي بعث في أم القرى في زمانه، وهي مكة، والله أعلم وأحكم وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً.

        ب -أعماله بعد ظهوره وقيامه :
        قبل أن نتعّرض لإعماله بعد ظهوره ، لابد لنا من الاطلاع على بعض الأحاديث التي تكشف واقعاً مريراً نلمسه نحن اليوم، سواء في بعض العلماء غير العاملين أم من بعض من يسمّون أنفسهم شيعة لأهل البيت ، أو موالين لهم . وهم في نفس الوقت لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ويداهنون الطواغيت ويخضعون لهم ويتحاكمون عندهم، بل ومع الأسف الشديد يساعدونهم في كثير من الأحيان خوفاً أو طمعاً، دون أن يلتفتوا إلى حرمة هذا العمل وبشاعته، بل أصبحوا يرونه مباحاً بعد أن نكسوا ومسخوا وأمسوا يرون المقاييس مقلوبة والمنكر معروفاً، واعتادوا عبادة العجول والأصنام والأوثان ضلالة وخوفاً وطمعاً.
        ولم أجد كلاماً أصف به حال الإمام المهدي  مع هؤلاء أفضل من القرآن الكريم وحديث المعصومين :
        قال تعالى: ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي* قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ ( ).
        وأرجع وأعيد حديثين مرّا في البحث للتذكير والتأكيد.
        • قال الإمام الصادق : (لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان) ( ).
        أي: إنّ الله ينصر القائم بقوم من غير الشيعة، بل لعلهم من غير المسلمين بعد أن يؤمنوا بحركته الإسلامية الإصلاحية المحمدية الأصيلة ويشايعوه، في حين أنّ قوماً من الشيعة لا ينصرونه !!
        ويؤيد هذا المعنى ما روي عن الصادق  أنّه قال: (إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر) ( ).
        أيّها الأخوة: إذا كنّا شيعة فعلينا أن نتمسك بسيرتهم وحديثهم ونهجهم ، لا أن نحمل أوزاراً من زينة القوم ونصنع منها عجلاً ونعبده، ونقول نحن شيعة.
        • فعن الباقر : (… انظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فأن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا. وإذا كنتم كما أوصيناكملم تعدوا إلى غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدواً لنا كان له أجر عشرين شهيداً) ( ).
        • وقال أمير المؤمنين  في خطبة على منبر الكوفة يصف الإمام المهدي  وقلّة ممن يتمسّكون بالحق قبل قيامه : (اللهم وإني لأعلم أنّ العلم لا يأزر كلّه، ولا ينقطع موارده، وأنّك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ظاهر ليس بمطاع أو خائفاً مغمور، كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم وكم ؟ أولئك الأقلون عدداً والأعظمون عند الله جل ذكره قدراً) ( ).
        • وعن أبي عبد الله  قال: (قال رسول الله : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه، يتولى وليه ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفاقي وذوو ودي ومودتي وأكرم أمتي عليّ. قال رفاعة: وأكرم خلق الله عليّ ) ( ).
        • وعن الصادق  قال: (قال رسول الله لأصحابه: سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم . قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن!! فقال : إنّكم لو تحملوا لما حملوا لم تصبروا صبرهم) ( ).
        وعلينا أن لا نميل مع كل ناعق، بل نعرف صاحب هذا الأمر بما وصفه أهل بيت النبوة .
        • عن الحارث بن المغيرة النصري، قلت لأبي عبد الله : (بأيّ شيء يعرف الإمام القائم، قال : بالسكينة والوقار. قلت: وبأي شيء؟ قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله . قلت: أيكون وصياً ابن وصي؟ قال: لا يكون إلاّ وصياً وابن وصي) ( ).
        • وعن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (لصاحب هذا الأمر غيبتان أحدهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال هلك في أي واد سلك. قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدّع ٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله) ( ).

        * * *

        أعمال القائم  بعد قيامه
        أمّا بعض أعماله بعد ظهوره وقيامه  فهي:
        • عن أبي عبد الله : (ما تستعجلون بخروج القائم، فو الله ما لباسه إلاّ الغليظ، ولا طعامه إلاّ الجشب، وما هو إلاّ السيف والموت تحت ظل السيف) ( ) .
        • وقال أبو جعفر : (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد. ليس شأنه إلاّ السيف، لا يستتيب أحداً ولا يأخذه في الله لَوْمة لائم) ( ).
        والسيف إشارة إلى السلاح الموجود في زمانه .
        • روي عن الصادق  قال: (كأني أنظر إلى القائم على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق) ( ).
        والأبلق: المبقع. الشمراخ: العمود الطويل. فيكون معنى الحديث: أنّه يركب دبابة، والله أعلم.
        وكيف كان فإنّ الأحاديث تشير إلى أنّه يخوض حروباً طاحنة مع أعداء الدين وأعدائه ، يستشهد فيها كثير من أنصاره ( )، بل ربما يستفاد من بعض الروايات أنّ الإمام  يتعرّض للإصابة والجرح في هذه الحروب ( )، والله أعلم.
        • عن الباقر ، قال: (إّن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا رسول الله ، وإنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) ( ).
        • وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال: (الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله. فقال : يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله )( ).
        • عن أبي عبد الله ، قال: (يصنع ما صنع رسول الله ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً)( ).
        • وعن ابن عطا، قال: سألت أبا جعفر الباقر ، فقلت: (إذا قام القائم  بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله ، ويستأنف الإسلام جديداً)( ).
        وقد مرّ الحديث عن رسول الله إنّ في آخر الزمان لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه، والمساجد عامرة بالناس ولكنها خالية من الهدى - أي هدى آل محمد -، وهذا هو حالنا اليوم فالمساجد مزخرفة والمصاحف محلاّة وملونة، والمسلمون أبعد ما يكونوا عن الإسلام.
        • عن أبي عبد الله ، قال: (أما إنّ قائمنا لو قد قام لقد أخذ بني شيبه وقطع أيديهم، وطاف بهم وقال هؤلاء سرّاق الله) ( ).
        • وعن أبي عبد الله ، قال: ( .. وقطع أيدي بني شيبة السرّاق وعلقها على الكعبة) ( ).
        • وعنه : (… وقطع أيدي بني شيبة وعلقها على الكعبة وكتب عليها هؤلاء سرّاق الكعبة) ( ).
        وبنو شيبة هم خدم الكعبة في زمن الإمام الباقر ، فالحديث يشير إلى خدم العتبات المقدّسة جميعها اليوم، وإنّ الإمام يقطع أيديهم ويشهّر بهم؛ لأنهم يقومون بسرقة العتبات المقدّسة، فهم في الغالب عبيد للطاغوت ولكن ليس جميعهم، فمنهم من يرجى إصلاحه ولعل منهم بعض الأفراد المؤمنين.
        • عن الصادق ، قال: (دمّان في الإسلام حلال من الله لا يقضي فيهما أحد بحكم الله  حتى يبعث الله القائم من أهل البيت، فيحكم فيهما بحكم الله  ، لا يريد فيه بينة، الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب رقبته) ( ).
        • عن الصادق ، قال: (لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منّا أهل البيت، يحكم بحكم داود وآل داود، لا يسأل الناس بينة) ( ).
        وهذا يعني أنّ الله سبحانه يُطلع الإمام المهدي  على بواطن الأمور، ويأذن له أن يحكم على الباطن، كما فعل الخضر عندما خرق السفينة وقتل الغلام، وكما روى عن داود  أبو حمزة الثمالي، عن أبي جعفر ، قال: (إنّ داود  سأل ربّه أن يريه قضية من قضايا الآخرة، فأتاه جبريل  فقال: لقد سألت ربّك شيئاً ما سأله غيرك نبي من أنبيائه (صلوات الله عليهم)، يا داود إنّ الذي سألت لم يُطلع الله عليه أحداً من خلقه ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيره، فقد أجاب الله دعوتك وأعطاك ما سألت، إنّ أول خصمين يردان عليك غداً القضية فيهما من قضايا الآخرة.
        فلما أصبح داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ متعلّق بشاب ومع الشاب عنقود من عنب. فقال الشيخ: إنّ هذا الشاب دخل بستاني، وخرب كرمي وأكل منه بغير أذني. قال: فقال داود للشاب: ما تقول؟ قال: فأقر الشاب أنّه قد فعل ذلك، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم يحتملها قلبك، ولا يرضى بها قومك يا داود. إنّ هذا الشيخ أقتحم على والد هذا الشاب في بستانه فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم فدفنها في جانب بستانه، فادفع إلى الشاب سيفاً ومره أن يضرب عنق الشيخ، وأدفع إليه البستان ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان فيأخذ ماله. قال: ففزع داود  من ذلك، وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر، وأمضى القضية على ما أوحى الله إليه) ( ).
        • عن الإمام الصادق ، قال: (أوّل ما يظهر القائم من العدل، أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر والطواف) ( ).
        وهذا يعني إنّ الذي يحج الحج الواجب في زمن الإمام يمنع من الحج المستحب، حتى يحج المسلمون الذين لم يحجوا الحج الواجب، وظاهرة الحج المستحب اليوم منتشرة بين الأغنياء في حين أنّ الفقراء يكاد ييأسون من الوصول إلى بيت الله الحرام ليحجوا حجة واجبة.
        فهؤلاء الأغنياء لو كانوا يريدون وجه الله سبحانه لأنفقوا هذه الأموال على الفقراء الذين يتضورون جوعاً ويموت كثير منهم؛ لأنّهم لا يجدون الدواء. ولو كانوا يريدون وجه الله لأرسلوا فقيراً يحج بيت الله بهذه الأموال.
        والحقيقة التي يحاولون تدليسها إنّهم يذهبون للنزهة، كما قال أمير المؤمنين  ( )، والطامّة الكبرى أنّ بعضهم يدّعون أنّهم علماء! ولو كانوا كذلك لكانوا أسوة لمتأسي.
        فعن أبي عبد الله ، قال: (سيد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشيء إلاّ رضيت لهم مثله، ومواساتك الأخ في المال، وذكر الله على كل حال) ( ).
        • عن الصادق ، عن آبائه، عن النبي ، قال: (لما أسري بي أوحى ألي ربي جل جلاله … إلى أن قال: فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة بن الحسن (القائم) في وسطهم كأنه كوكب درّي. قلت: يا ربِ من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم يحلل حلالي ويحرم حرامي، وبه انتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزّى طريين فيحرقهما. فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشدّ من فتنة العجل و السامري) ( ).
        • عن بشر النبّال، عن الإمام الصادق ، قال: (هل تدري أوّل ما يبدأ به القائم  ؟ قلت: لا. قال: يخرج هذين رطبين غضين فيحرقهما ويذرّهما في الريح، ويكسر المسجد. ثم قال: إنّ رسول الله قال: عريش كعريش موسى ، وذكر إنّ مقدّم مسجد رسول الله كان طيناّ، وجانبه جريد النخل) ( ).
        وعن أبي عبد الله  قال: (إذا قدم القائم  وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر فيبعث الله ريحاً شديدة وصواعق ورعوداً، حتى يقول الناس إنما ذا لذا. فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول، ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضرب بالمعول بيده، فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه. فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين رطبين، فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما، ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذرهما في الريح) ( ).
        • قال رجل عن دور العباسين: أراناها الله خراباً أو خربها بأيدينا، فقال أبو عبد الله : (لا تقل هكذا، بل يكون مساكن القائم وأصحابه، آما سمعت الله يقول: ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ ( ).
        • عن ابن بكير، قال: سألت أبا الحسن  عن قوله: (﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ( )، قال : أنزلت في القائم  إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم، ويجب لله عليه. ومن لم يسلم ضرب عنقه، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحد الله. قلت له: جعلت فداك إنّ الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: إنّ الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل) ( ).
        • عن الصادق ، قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين. فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً، فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبع وعشرين حرفاً) ( ).
        أي إنّ الإمام المهدي  يبث علوماً إلهيةً جديدة بين الناس، ولعل منها أسرار القرآن التي لا نكاد نعرف منها شيئاً. قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً﴾ ( ).
        • وروي أنّ أصحاب الإمام  يمشون على الماء ( )، وإنّ أحدهم لو قاتل الجبال بإيمانه لهدّها.
        • وروي أنّه  يرقى في أسباب السماوات ( )، والله أعلم.
        وربما يرافق هذا التقدّم في العلوم الإلهية والروحية تقدّم في العلوم المادية، بل ما أظنه إنّ التقدّم المادي يرافق التوجه والتقدم الروحي حتماً، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾ ( ).
        وروي أنّ العالم الفيزياوي اينشتاين اليهودي الديانة استقى نظريته النسبية، والعلاقة بين الطاقة والمادة، وتحول كل منهما إلى الأخرى من نظرية وحدة الوجود الدينية الفلسفية.
        • قال أمير المؤمنين : (كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل، أما أن قائمنا إذا قام كسره وسوّى قبلته) ( ).
        • وعن الصادق ، قال: (كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون الناس المستأنف) ( ).
        • عن الأصبغ بن نباته: سمعت علياً  يقول: (كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة، يعلمون الناس القرآن كما أنزل. قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون، من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلاّ إزراء على رسـول الله ؛لأنّه عمه) ( ).
        • وعن الصادق ، قال: (كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان، ثم يخرجوا إليهم المثال المستأنف أمر جديد على العرب شديد) ( ).
        • وعن أبي جعفر، قال: (إذا قام قائم آل محمد  ضرب فساطيط لمن يعلم القرآن على ما أنزل الله جل جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنّه يخالف فيه التأليف) ( ).
        • وعن الصادق : (كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدّة أهل بدر وهم أصحاب الألوية، وهم حكّام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله ، فيجفلون عنة إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلاّ الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى بن عمران، فيجولون في الأرض فلا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه. وإني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به) ( ).
        • وعن بن أبي يعفور، قال: (دخلت على أبي عبد الله  وعند نفر من أصحابه، فقال لي: يابن أبي يعفور هل قرأت القرآن؟ قال: قلت: نعم هذه القراءة. قال : عنها سألتك ليس عن غيرها. قال: فقلت: نعم، جعلت فداك، ولم؟ قال : لأنّ موسى  حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم، ولأنّ عيسى  حدث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت فقاتلوه فقاتلهم وقتلهم، وهو قول الله : ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ ( ). وإن أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة، فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم. وهي آخر خارجه تكون … الخبر) ( ).
        بيان من المجلسي(رحمه الله): (قوله - ولم - أي ولِمَ لمْ تسألني غير تلك القراءة، وهي المنزلة التي ينبغي أن يعلم، فأجاب : بأنّ القوم لا يحتملون تغير القرآن ولا يقبلونه، وأستشهد بما ذكر) ( ).
        • وعن أمير المؤمنين ، قال: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى. ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي) ( ).
        • وعن الصادق : (إنّ أصحاب موسى ابتلوا بنهر، وهو قول الله : ﴿إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ﴾ وإنّ أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك) ( ).
        • عن الصادق  قال: (القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه، وأقامه إلى أساسه وقطع أيدي بني شيبة السرّاق وعلقها على الكعبة) ( ).
        • وعن أبي بصير في حديث اختصره الشيخ الطوسي، قال: (إذا قام القائم  دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة، حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريش كعريش موسى ، وتكون المساجد كلها جماء لا شرف لها كما كانت على عهد رسول الله … ) ( ).
        • وعن أبي محمد العسكري ، قال: (إذا قام القائم أمر بهدم المنار والمقاصير( ) التي في المساجد. فقلت في نفسي: لأي معنى هذا ؟ فاقبل عليّ فقال : معنى هذا أنها محدثة مبتدعة،
        لم يبنها نبي ولا حجة) ( ).
        • وعن الصادق : (إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبه وعلقها على الكعبة وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة) ( ).
        • عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين  في حديث له حتى انتهى إلى مسجد الكوفة وكان مبنياً بخزف ودنان وطين، فقال: (ويل لمن هدمك، وويل لمن سهل هدمك، وويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة نوح. طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي، أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة) ( ).
        • وسئل أبو عبد الله  عن المساجد المظللة: أيكره الصلاة فيها ؟ فقال: (نعم، ولكن لا يضركم اليوم، ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك) ( ).
        • وعن عمرو بن جميع، قال: سألت أبا جعفر  عن الصلاة في المساجد المصورة. فقال: (أكره ذلك، ولكن لا يضركم اليوم، ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك) ( ).
        والأحاديث تشير إلى أنّ الإمام المهدي  يعيد المساجد إلى بساطتها في عهد رسول الله ، لتشد الناس إلى الانقطاع إلى الله. فيرفع الزخرفة والصور منها، وربما يفتح سقوفها إلى السماء. فالذي يهم أهل الدنيا الزخرفة والزينة والراحة والتبريد والتدفئة والترف، والذي يهم الأنبياء والأوصياء التوجه إلى الله والانقطاع إلى الله لا إلى الدنيا وزخرفها مع اهتمام الأنبياء والأوصياء بإعمار الأرض وترفيه الناس اقتصادياً.
        عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبل رسول الله من جهّال الجاهلية. فقلت: وكيف ذلك؟ قال: إنّ رسول الله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله ويحتج عليه به. ثم قال : أما والله ليدخلن عليهم عدله، أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر) ( ).
        الذين يتأولون علية القرآن ليس عامّة الناس قطعاً ولكن هؤلاء علماء غير عاملين يظنون أنّهم بتحصيلهم للقواعد الاستقرائية والعقلية قد أحاطوا بالعلم كلّه، فهم لا يرون شيئاً من العلم عند من سواهم. وهذا التكبّر يمنعهم من الانقياد للإمام المعصوم  وقبول علومه الإلهية، فيردون عليه ويتأولون القرآن عليه، ويتهمونه بالجهل وربما بالسحر والجنون. التهمتان اللتان لا تكادان تفارقان نبياً من الأنبياء .
        ومن هنا فإنّ علم الإمام  وحده لا يعالج فتنة هؤلاء العلماء غير العاملين؛ لأنّهم لا يسلّمون له ولا يقبلون علومه، كما هو واضح في الرواية. فيكون العلاج هو فضح هؤلاء العلماء غير العاملين على رؤوس الأشهاد وبين عامّة الناس كما فعل رسول الله وعيسى  مع علماء اليهود. وعندما يرى الناس عدالة الإمام  سواء في الأمور المالية كقسمة أموال الصدقات بين الفقراء بالسوية وزهده  في ملبسه ومأكله ومشربه، أم باهتمامه بأحوال المجتمع الإسلامي وإخلاصه في العمل لله سبحانه، ثم يقارن الناس سيرة هذا الإمام العادل المهدي  بسيرة أولئك العلماء غير العاملين، فهم على سبيل المثال يأتيهم مسكين أطفاله جياع ثيابهم مقطعة يطلب منهم دراهم ليسد رمقه فيقولون له: ائتنا بمعرِّف لكي نعطيك! بربكم هل سمعتم أو قرأتم أنّ محمداً أو علياً  أو أحد الأئمة قال لفقير ائتني بمعرف لكي أعطيك ؟!
        ثم أين هم هؤلاء المعرّفون ؟ وكم هم ؟ ومن أين لهذا المسكين بأحدهم ؟! والحال أنّ طلبة الحوزة العلمية يحتاجون إلى سلسلة معرفين، بل إنّ المتقي من طلبة الحوزة لا يهتدي إلى سبيل ليعرف نفسه عنده؛ لأنّ معظم المعرفين متكبرون وفسقة ومستأثرون، ومن اتصل بهم بأموال الصدقات. والضلالة لا تجتمع مع الهدى، فلا يهتدي في الغالب إلى هؤلاء المعرفين إلاّ متملق أو خسيس طالب دنيا، والطيور على أشكالها تقع. فبربكم كيف أمسى الخسيس الوضيع يعرف التقي الشريف؟ وكيف أمسى الذئب راعياً للغنم؟ وكيف أمسى ابن آوى المؤتمن؟ وكيف أمسى الجاهل السفيه يعرف العالم الفقيه ؟! أ الله أذن لكم بهذا أم على الله تفترون ؟!
        بربكم هذه هي سيرة السجاد ، الذي كان يحمل الطعام في ظلام الليل ويدسه تحت رأس المؤالف والمخالف، أم هي سيرة محمد والأئمة الذين كانوا يعطون حتى المؤلفة قلوبهم وكانوا يرحمون الفقراء واليتامى، وربما سقطت الدمعة من عيني علي  قبل أن تسقط من عين أرملة أو يتيم، وربما خرجت الزفرة والحسرة من صدر محمد قبل صدر الفقير.كان محمد وعلي  والأئمة يجوعون ليشبع الفقراء، ويعطون البعيد قبل القريب.
        لقد انتشر الإسلام بأخلاق هؤلاء القادة العظام لا بالمصطلحات الفلسفية. عندما جاءت الخلافة للإمام علي  أول ما قام به هو التسوية في العطاء، وإلقاء دواوين التمييز التي أجراها من كان قبله، ولهذا ثارت ثائرة القوم عليه وانتفض طلحة والزبير وأشباههما.
        أمّا أنتم اليوم فقد أعدتم دواوين التمييز، وأعدتموها عثمانية تغدقون على من يعبدكم من دون الله، وآثرتم هذا بزعمكم لعلمه وفضلتم فلان بادعائكم لفضله، وهذا وفلان لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر. ومن جهة أخرى تمنعون الأرملة؛ لأنها مجهولة الحال، واليتيم لأنّه بلا معرّف وتقتّرون على معظم طلبة الحوزة، بل وتمنعون من لا يواكب مسيرتكم المخزية سواء العلمية أم العملية التي من أجلى مظاهر انحرافها هو الابتعاد عن كتاب الله ودراسته ومدارسته. وإهمالكم إرشاد الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستسلامكم للدعة والراحة حتى أمسيتم قوماً مترفين لا تتحملون حرارة الشمس فضلاً عن شظف العيش، وأذى الطواغيت في سبيل إعلاء كلمة لا اله إلاّ الله.
        ورد في بعض الروايات التي تصف معركة يخوضها المهدي  لفتح مدينة النجف وتطهيرها من المنافقين الذين سيقفون ضده ويقاتلونه، أنّ أصحاب الإمام المهدي  يحوطون به وثيابهم ممزقة ! نعم ممزقة؛ لأنّهم لا يشترون ثياباً بأموال الأرملة واليتيم والمريض.
        • عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال في قول الله : ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾ ( ). قال : (هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره) ( ).
        • وعن خيثمة، قال: قال لي أبو جعفر : (أبلغ شيعتنا أن لن ينال ما عند الله إلاّ بعمل، وأبلغ شيعتنا إنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم يخالفه إلى غيره) ( ).
        • وعن أبي عبد الله ، قال: (أتقو الله واعدلوا فأنكم تعيبون على قوم لا يعدلون) ( ).
        • وعن أمير المؤمنين ، قال: (ألا إنّه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلاّ عزّاً)( ).
        بربكم بقي شيء نميزكم به عن الطواغيت المتسلطين على الأمة الإسلامية؟ أنتم وهم تغدقون على من يعبدكم من دون الله ويبيع آخرته بدنياكم وتتركون الفقراء والمساكين يتضورون جوعاً، والمرضى يعانون الآلام حتى الموت. أنتم وهم تأمرون بالمنكر فهم المطرقة وأنتم السندان، هم يهينون كتاب الله وأنتم تستقبلون فعلتهم الشنيعة بصمت وهدوء خبيث ( ).
        فالويل لكم، تدّعون أنكم شيعة علي  وتخالفونه، كلا ثم كلا. أنتم شيعة عثمان؛ لأنكم توافقونه، وعلي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين، ويكفيكم هذا التفاوت، وكل أناء بالذي فيه ينضح.
        أنتم قادة عميان، أجل أنتم قادة عميان، وأعمى منكم من يسير خلفكم، وحسبنا الله ونعم الوكيل وإلى الله المشتكى. فليس كلما يعرف يقال، وليس كل ما يقال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله.
        قال أبي الحسن الثالث : (إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم) ( ).
        فالفرج قريب إنّ شاء الله، والحمد لله الذي يؤمن الخائفين، وينجي الصالحين، ويرفع المستضعفين، ويضع المستكبرين، ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين.
        والحمد لله قاصم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستصرخين، موضع حاجات الطالبين، معتمد المؤمنين.
        الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها، وترجف الأرض وعمارها، وتموج الجبال ومن يسبح في غمراتها.


        بسم الله الرحمن الرحيم
        ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ ( ).

        * * *


        الفهرس
        تقديم أنصار الإمام المهدي ...................................................................... .............. 5
        هذه الطبعة ...................................................................... ................................. 9
        الإهداء ...................................................................... ................................... 11
        المقدمة ...................................................................... ................................... 13
        الانحراف في الأمة الإسلامية عن الطريق المستقيم ................................................................... 19
        أولاً: التحريف في القران الكريم ...................................................................... ............ 21
        ثانياً: التشريع بالدليل العقلي ...................................................................... ............... 31
        ثالثاً: العقائد ...................................................................... .............................. 40
        رابعاً: الإعراض عن أوصياء النبي ...................................................................... ...... 46
        خامساً: الإعراض عن القرآن والسنة ...................................................................... ........ 46
        المحرفون ...................................................................... .................................. 50
        المصلح المنتظر  ...................................................................... ....................... 53
        المهدي  في الاديان الاهية ...................................................................... ............. 54
        الغيبة ...................................................................... .................................... 57
        أسباب الغيبة ...................................................................... ............................. 58
        العمل لتعجيل فرج الإمام المهدي  ...................................................................... ..... 66
        أهم الأعمال لتعجيل فرج الإمام  ...................................................................... ...... 68
        1- التفقه في الدين ...................................................................... ....................... 68
        2- العمل بالشريعة الإسلامية المقدسة ...................................................................... .... 72
        التقية ...................................................................... .................................... 75
        3- معرفة الإمام المهدي  ...................................................................... ............. 80
        علامات ظهوره وقيامه  ...................................................................... ............... 82
        أعماله بعد ظهوره وقيامه  ...................................................................... ............ 87
        أعمال القائم  بعد قيامه ...................................................................... ............... 90
        الفهرس ...................................................................... ................................ 103

        والحمد لله رب العالمين
        من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
        ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

        Comment

        • almawood24
          يماني
          • 04-01-2010
          • 2174

          #5
          رد: كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

          3- معرفة الإمام المهدي :
          وهي إضافة إلى معرفة اسمه وولادته وغيبته الصغرى وسفرائه فيها وغيبته الكبرى إلى يومنا هذا، أو أحاديثه وأحاديث آبائه التي وردت فيه وفي غيبته وظهوره وقيامه، تشمل معرفة علامات ظهوره وسيرته بعد ظهوره. فبمعرفة علامات ظهوره نعرف قرب زمان ظهوره فنستعد لنصرته.
          وبمعرفة سيرته بعد ظهوره  نستعد لتقبلها، فلا نكون - والعياذ بالله - ممن يلتوون عليه ويعترضون على سياسته وقراراته، وقد روي عن الإمام الصادق ، أنّه قال: (إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله) ( ).
          فعلى المؤمنين الالتفاف حول العلماء العاملين السائرين على نهج الأنبياء والمرسلين والأئمة . والحذر من متابعة علماء السوء غير العاملين، الذين لا يغضبون لغضب الله عندما يهان كتابه القرآن الكريم ( )، والذين سيقف كثير منهم ضد الإمام المهدي ، وربما سيقاتلونه.
          • روي عن رسول الله ، قال: (سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه، ولا من الإسلام إلاّ اسمه، يسمّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة واليهم تعود) ( ).
          • وعن رسول الله في المعراج، قال: (… قلت إلهي فمتى يكون ذلك ؟ فأوحى إلّي : يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل، وكثر القرّاء وقل العمل وكثر الفتك، وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة الخونة وكثر الشعراء، واتخذ أمتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور …) ( ) .
          • وعن الباقر : (إذا قام القائم  سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة ألف نفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة!! فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم
          قصورها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عزّ وعلا) ( ).
          • وعن الباقر : (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتى يأتي المنبر ويخطب …) ( ).
          • وعن أمير المؤمنين : (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا؟ وشبك أصابعه وادخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال : الخير كله عند ذلك، يقوم قائمنا فيقدم عليه سبعون، فيقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، فيجمع الله الناس على أمر واحد) ( ).
          ويقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله، أي: علماء غير عاملين. وربما يفتون الناس بغير ما أنزل الله على رسوله وفق تخرّصاتهم العقلية وأهوائهم الشخصية.
          • وعن أبي جعفر ، أنّه قال: (لتمخضن يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد كمخيض الكحل في العين؛ لأنّ صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين ولا يعلم متى يذهب، فيصبح أحدكم وهو يرى أنّه على شريعة من أمرنا فيمسي وقد خرج منها، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا فيصبح وقد خرج منها) ( ).
          • وعن أبي عبد الله : (كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى، يبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السنين ( )، وأمارة من أول النهار وقتل وقطع في آخر النهار) ( ).
          • وعن البيزنطي، قال: سألت الرضا  عن مسألة الرؤيا، فأمسك ثم قال : (إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شرّاً لكم، وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر. وقال: وأنتم في العراق تروون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أمهل لهم بتقوى الله، ولا تغرّنكم الدنيا ولا تغتروا بمن أمهل له، فكأن الأمر قد وصل إليكم) ( ).

          أ-علامات ظهوره وقيامه :
          نظراً لتحقق معظم العلامات التي ذكرها النبي والأئمة ، ولم يبقَ منها إلاّ العلامات القريبة جدّاً من سنة ظهوره وقيامه أو العلامات الدالة عليه بعد ظهوره .
          ومراعاة للاختصار؛ ولأنّه لا توجد فائدة كبيرة من ذكر العلامات التي تحققت، فسأقتصر على العلامات القريبة من ظهوره المبارك  :
          ومنها: أن تمنع السماء قطرها، وحرّ شديد، واختلاف الشيعة، فعن الإمام الحسن بن علي: (لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، و يتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قلت: ما في ذلك خير، قال: الخير كله في ذلك، يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه) ( ).
          ومنها: موت كثير من الفقهاء، وانتشار الفساد بشكل علني والتجاهر بالمعاصي، كالزنا وشرب الخمور وسماع الأغاني، وغلبت وسائل الفساد كالتلفزيون في الوقت الحاضر. والاستخفاف بالمساجد وبحرمتها، فبدل أن تبقى وسيلة للانقطاع إلى الله ببساطتها وخلوها من المظاهر الدنيوية يحوّلها الناس إلى قاعات مليئة بالزخرفة والألوان والمظاهر التي تشد الداخل فيها إلى الدنيا، وهكذا تعطّل، ويجعلونها مكان للأكل في بعض المناسبات كالمحرّم ورمضان.
          ومنها: انتشار وسائل التجميل كالملابس الجميلة المظهر، ولكنها تغلف أناساً قلوبهم قلوب الشياطين.
          ومنها: الاستخفاف بحرمة العلماء العاملين المجاهدين، وربما الاستهزاء بهم واتهامهم باتهامات باطلة. ويكثر سفك دمائهم؛ وذلك لأنّهم يتبعون سيرة أئمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيلاقون من الطواغيت المتسلطين على الأمة اليوم ما لاقاه الأئمة من طواغيت بني أمية وبني العباس لعنهم الله.
          عن أمير المؤمنين ، فقال : (إذا وقع الموت في الفقهاء، وضيعت أمة محمد المصطفى الصلاة واتبعت الشهوات، وقلت الأمانات، وكثرت الخيانات، وشربوا القهوات ( )، وأشعروا شتم الآباء والأمهات، ورفعوا الصلاة من المساجد بالخصومات وجعلوها مجالس للطعامات، وأكثروا من السيئات وقللوا من الحسنات، وعوصرت السماوات ( )، فحين إذن تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة. ويكون المطر قيظاً، والولد غيضاً. ويكون أهل ذلك الزمان لهم وجوه جميلة، وضمائر ردية. من رآهم أعجبوه، ومن عاملهم ظلموه. وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين … ويعار على العلماء ويكثر ما بينهم سفك الدماء … وتحج الناس ثلاث وجوه: الأغنياء للنزهة، والأوساط للتجارة، والفقراء للمسألة) ( ).
          ومنها: منع أهل العراق من الحج، فلا يذهب منهم إلى الحج إلاّ عدد قليل ، وحالهم ما تقدّم في الحديث، فعن الإمام الصادق  - وعنده جماعة من أهل الكوفة فأقبل عليهم وقال لهم - : (حجوا قبل أن لا تحجوا، قبل أن تمنع البرجانية (الرومية) - أي أمريكا والغرب اليوم - حجوا قبل هدم مسجد بالعراق بين نخل وأنهار، حجوا قبل أن تقطع سدرة بالزوراء على عروق النخلة التي اجتثت ( ) منها مريم رطباً جنياً، فعند ذلك تمنعون الحج وينقص الثمار ويجد البلاء ( ) وتبتلون بغلاء الأسعار وجور السلطان، ويظهر فيكم الظلم والعدوان مع البلاء والوباء والجوع، وتظلكم الفتن من جميع الآفاق) ( ).
          وعن أمير المؤمنين ، قال - وأشار إلى أصحاب المهدي  بقوله -: (ألا بابي وأمي هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة، ألا فتوقعوا من إدبار أموركم وانقطاع وصلكم (انقطاع الحج) ( )، واستعمال صغاركم، ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من درهم من حله، ذلك حيث يكون المعطى أعظم من المعطي، حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج، ذاك أذا عضكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير، ما أطول هذا العناء وأبعد هذا الرجاء) ( ).
          ومنها: ابتلاء أهل العراق بجور السلطان وغلاء الأسعار، فعن محمد بن مسلم عن الصادق، قال: (إنّه قدّام القائم  بلوى من الله، قلت: وما هو جعلت فداك؟ فقرأ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ ( )، ثم قال : الخوف من ملوك بني فلان( )، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات، وقلة الفضل فيها ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، ثم قال : ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم ) ( ).
          ومنها: إنّ حاكم العراق معروف بأنّه يمارس الكهانة، أي: تحضير الجن والسحر الأسود، وإنّه ابن بغي، أي: زانية. قال أمير المؤمنين : (وأمير الناس( ) جبار عنيد، يقال له الكاهن الساحر) ( ). وقال الصادق : (أمّا إنّ إمارتكم يومئذٍ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا ( )) ( ).
          ومنها: اختلاف حكّام العراق فيما بينهم، وهلاكهم على يد جيوش السفياني التي تأتي من بلاد الشام والتي تدخل العراق للقضاء على حاكم العراق. والسفياني مجنّد من الغرب أو أمريكا حسب ما ورد في الروايات.
          وفي التوراة سفر دانيال: السفياني عميل للمملكة الحديدية أو أمريكا، للقضاء على ثلاثة عملاء سابقين لأمريكا في المنطقة أحدهم حاكم العراق. ثم إنّ ما يبقى من أعوان ومرتزقة حاكم العراق تقضي عليه قوّات الخراساني بقيادة شعيب بن صالح، والتي تدخل العراق لطرد قوّات السفياني، وتطهير العراق من الأراذل والمسوخ الشيطانية.
          فعن الباقر : (... ثم قال: إذا اختلف بنو فلان ( ) فيما بينهم فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلاّ باختلاف بني فلان … حتى يخرج عليهم الخرساني والسفياني، هذا من المشرق وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ... آما إنّهم لا يبقون منهم أحداً) ( ).
          ومنها: خسوف القمر وكسوف الشمس في رمضان، وصيحة جبرائيل في أول النهار.
          ومنها: ظهور كوكب مذنب في السماء يضيء كما يضيء القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه.
          ومنها: السفياني، وهو أهم الفتن قبل قيام القائم ، وخروجه حتمي في بلاد الشام. والأرجح في الأردن في الوادي اليابس، ثم يحتل سوريا وجزء من فلسطين، ثم يدخل إلى العراق، ويظهر في بداية ظهوره العدل حتى يتوهم الناس أنّه عادل، ويكذّب الجهّال آل محمد .
          • عن أبي حمزة الثمالي، عن الباقر ، قلت: (خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد محتوم. قلت: وكيف يكون النداء؟ قال: ينادي من السماء أول النهار ألا إنّ الحق مع علي وشيعته، ثم ينادي إبليس آخر النهار من الأرض ألا إنّ الحق مع عثمان وشيعته، وعند ذلك يرتاب المبطلون) ( ).
          • عن الباقر : (آيتان تكونان قبل القائم، كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره) ( ).
          وعلى الشيعة عند ظهور السفياني الذهاب إلى مكة، لنصرة الإمام المهدي ؛ لأنّ ظهوره وقيامه في مكة بعد هذه العلامة أكيد وقريب جدّاً، بل يكاد يتداخل معها، وقد أمرهم أئمتهم بذلك.
          • عن الصادق : (… لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إليناً. يقولها ثلاثاً، وهو من المحتوم) ( ).
          • وعن الصادق : (يا سدير، ألزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه، وأسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغ أن السفياني قد خرج فادخل إلينا ولو على رجلك. قلت: جعلت فداك هل قبل ذلك شيء ؟ قال: نعم، وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام، وقال: ثلاث رايات، راية حسنية، وراية أموية، وراية قيسية. فبينما هم إذ خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع ما رأيت مثله قط) ( ).
          • وعن الباقر  : (… مع أنّ الفاسق ( ) لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراَ دونكم، قال بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجل منكم عنه فأن حنقه وشرّهه فإنما هي على شيعتنا، وأمّا النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى، قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه، من أراد منهم أن يخرج إلى المدينة أم إلى مكة أو إلى بعض البلدان؟ قال: ما تصنعون بالمدينة، وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فأنها مجمعكم، فإنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر لا يجوزها إن شاء الله)( ).
          ولكن للأسف لن ينفر إلى مكة لنصرة المهدي  إلاّ عشرة آلاف كما ورد في الروايات، وهم أول أنصاره مع أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر ( ).
          هذه هي بعض علامات ظهوره وقيامه القريبة.
          وربما كانت له  فترة ظهور تسبق قيامه في مكة، ربما عن طريق سفراء كما في الغيبة الصغرى. وهذا الاحتمال تقويه بعض الروايات عنهم ( )، وربما كانت بداية بعثه وظهوره في أم القرى في هذا الزمان وهي النجف الأشرف اقتفاء بسيرة جدّه المصطفى الذي بعث في أم القرى في زمانه، وهي مكة، والله أعلم وأحكم وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً.

          ب -أعماله بعد ظهوره وقيامه :
          قبل أن نتعّرض لإعماله بعد ظهوره ، لابد لنا من الاطلاع على بعض الأحاديث التي تكشف واقعاً مريراً نلمسه نحن اليوم، سواء في بعض العلماء غير العاملين أم من بعض من يسمّون أنفسهم شيعة لأهل البيت ، أو موالين لهم . وهم في نفس الوقت لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ويداهنون الطواغيت ويخضعون لهم ويتحاكمون عندهم، بل ومع الأسف الشديد يساعدونهم في كثير من الأحيان خوفاً أو طمعاً، دون أن يلتفتوا إلى حرمة هذا العمل وبشاعته، بل أصبحوا يرونه مباحاً بعد أن نكسوا ومسخوا وأمسوا يرون المقاييس مقلوبة والمنكر معروفاً، واعتادوا عبادة العجول والأصنام والأوثان ضلالة وخوفاً وطمعاً.
          ولم أجد كلاماً أصف به حال الإمام المهدي  مع هؤلاء أفضل من القرآن الكريم وحديث المعصومين :
          قال تعالى: ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي* قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ ( ).
          وأرجع وأعيد حديثين مرّا في البحث للتذكير والتأكيد.
          • قال الإمام الصادق : (لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان) ( ).
          أي: إنّ الله ينصر القائم بقوم من غير الشيعة، بل لعلهم من غير المسلمين بعد أن يؤمنوا بحركته الإسلامية الإصلاحية المحمدية الأصيلة ويشايعوه، في حين أنّ قوماً من الشيعة لا ينصرونه !!
          ويؤيد هذا المعنى ما روي عن الصادق  أنّه قال: (إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر) ( ).
          أيّها الأخوة: إذا كنّا شيعة فعلينا أن نتمسك بسيرتهم وحديثهم ونهجهم ، لا أن نحمل أوزاراً من زينة القوم ونصنع منها عجلاً ونعبده، ونقول نحن شيعة.
          • فعن الباقر : (… انظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فأن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا. وإذا كنتم كما أوصيناكملم تعدوا إلى غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدواً لنا كان له أجر عشرين شهيداً) ( ).
          • وقال أمير المؤمنين  في خطبة على منبر الكوفة يصف الإمام المهدي  وقلّة ممن يتمسّكون بالحق قبل قيامه : (اللهم وإني لأعلم أنّ العلم لا يأزر كلّه، ولا ينقطع موارده، وأنّك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ظاهر ليس بمطاع أو خائفاً مغمور، كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم وكم ؟ أولئك الأقلون عدداً والأعظمون عند الله جل ذكره قدراً) ( ).
          • وعن أبي عبد الله  قال: (قال رسول الله : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه، يتولى وليه ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفاقي وذوو ودي ومودتي وأكرم أمتي عليّ. قال رفاعة: وأكرم خلق الله عليّ ) ( ).
          • وعن الصادق  قال: (قال رسول الله لأصحابه: سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم . قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن!! فقال : إنّكم لو تحملوا لما حملوا لم تصبروا صبرهم) ( ).
          وعلينا أن لا نميل مع كل ناعق، بل نعرف صاحب هذا الأمر بما وصفه أهل بيت النبوة .
          • عن الحارث بن المغيرة النصري، قلت لأبي عبد الله : (بأيّ شيء يعرف الإمام القائم، قال : بالسكينة والوقار. قلت: وبأي شيء؟ قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله . قلت: أيكون وصياً ابن وصي؟ قال: لا يكون إلاّ وصياً وابن وصي) ( ).
          • وعن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (لصاحب هذا الأمر غيبتان أحدهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال هلك في أي واد سلك. قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدّع ٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله) ( ).

          * * *

          أعمال القائم  بعد قيامه
          أمّا بعض أعماله بعد ظهوره وقيامه  فهي:
          • عن أبي عبد الله : (ما تستعجلون بخروج القائم، فو الله ما لباسه إلاّ الغليظ، ولا طعامه إلاّ الجشب، وما هو إلاّ السيف والموت تحت ظل السيف) ( ) .
          • وقال أبو جعفر : (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد. ليس شأنه إلاّ السيف، لا يستتيب أحداً ولا يأخذه في الله لَوْمة لائم) ( ).
          والسيف إشارة إلى السلاح الموجود في زمانه .
          • روي عن الصادق  قال: (كأني أنظر إلى القائم على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق) ( ).
          والأبلق: المبقع. الشمراخ: العمود الطويل. فيكون معنى الحديث: أنّه يركب دبابة، والله أعلم.
          وكيف كان فإنّ الأحاديث تشير إلى أنّه يخوض حروباً طاحنة مع أعداء الدين وأعدائه ، يستشهد فيها كثير من أنصاره ( )، بل ربما يستفاد من بعض الروايات أنّ الإمام  يتعرّض للإصابة والجرح في هذه الحروب ( )، والله أعلم.
          • عن الباقر ، قال: (إّن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا رسول الله ، وإنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) ( ).
          • وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال: (الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله. فقال : يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله )( ).
          • عن أبي عبد الله ، قال: (يصنع ما صنع رسول الله ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً)( ).
          • وعن ابن عطا، قال: سألت أبا جعفر الباقر ، فقلت: (إذا قام القائم  بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله ، ويستأنف الإسلام جديداً)( ).
          وقد مرّ الحديث عن رسول الله إنّ في آخر الزمان لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه، والمساجد عامرة بالناس ولكنها خالية من الهدى - أي هدى آل محمد -، وهذا هو حالنا اليوم فالمساجد مزخرفة والمصاحف محلاّة وملونة، والمسلمون أبعد ما يكونوا عن الإسلام.
          • عن أبي عبد الله ، قال: (أما إنّ قائمنا لو قد قام لقد أخذ بني شيبه وقطع أيديهم، وطاف بهم وقال هؤلاء سرّاق الله) ( ).
          • وعن أبي عبد الله ، قال: ( .. وقطع أيدي بني شيبة السرّاق وعلقها على الكعبة) ( ).
          • وعنه : (… وقطع أيدي بني شيبة وعلقها على الكعبة وكتب عليها هؤلاء سرّاق الكعبة) ( ).
          وبنو شيبة هم خدم الكعبة في زمن الإمام الباقر ، فالحديث يشير إلى خدم العتبات المقدّسة جميعها اليوم، وإنّ الإمام يقطع أيديهم ويشهّر بهم؛ لأنهم يقومون بسرقة العتبات المقدّسة، فهم في الغالب عبيد للطاغوت ولكن ليس جميعهم، فمنهم من يرجى إصلاحه ولعل منهم بعض الأفراد المؤمنين.
          • عن الصادق ، قال: (دمّان في الإسلام حلال من الله لا يقضي فيهما أحد بحكم الله  حتى يبعث الله القائم من أهل البيت، فيحكم فيهما بحكم الله  ، لا يريد فيه بينة، الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب رقبته) ( ).
          • عن الصادق ، قال: (لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منّا أهل البيت، يحكم بحكم داود وآل داود، لا يسأل الناس بينة) ( ).
          وهذا يعني أنّ الله سبحانه يُطلع الإمام المهدي  على بواطن الأمور، ويأذن له أن يحكم على الباطن، كما فعل الخضر عندما خرق السفينة وقتل الغلام، وكما روى عن داود  أبو حمزة الثمالي، عن أبي جعفر ، قال: (إنّ داود  سأل ربّه أن يريه قضية من قضايا الآخرة، فأتاه جبريل  فقال: لقد سألت ربّك شيئاً ما سأله غيرك نبي من أنبيائه (صلوات الله عليهم)، يا داود إنّ الذي سألت لم يُطلع الله عليه أحداً من خلقه ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيره، فقد أجاب الله دعوتك وأعطاك ما سألت، إنّ أول خصمين يردان عليك غداً القضية فيهما من قضايا الآخرة.
          فلما أصبح داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ متعلّق بشاب ومع الشاب عنقود من عنب. فقال الشيخ: إنّ هذا الشاب دخل بستاني، وخرب كرمي وأكل منه بغير أذني. قال: فقال داود للشاب: ما تقول؟ قال: فأقر الشاب أنّه قد فعل ذلك، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم يحتملها قلبك، ولا يرضى بها قومك يا داود. إنّ هذا الشيخ أقتحم على والد هذا الشاب في بستانه فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم فدفنها في جانب بستانه، فادفع إلى الشاب سيفاً ومره أن يضرب عنق الشيخ، وأدفع إليه البستان ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان فيأخذ ماله. قال: ففزع داود  من ذلك، وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر، وأمضى القضية على ما أوحى الله إليه) ( ).
          • عن الإمام الصادق ، قال: (أوّل ما يظهر القائم من العدل، أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر والطواف) ( ).
          وهذا يعني إنّ الذي يحج الحج الواجب في زمن الإمام يمنع من الحج المستحب، حتى يحج المسلمون الذين لم يحجوا الحج الواجب، وظاهرة الحج المستحب اليوم منتشرة بين الأغنياء في حين أنّ الفقراء يكاد ييأسون من الوصول إلى بيت الله الحرام ليحجوا حجة واجبة.
          فهؤلاء الأغنياء لو كانوا يريدون وجه الله سبحانه لأنفقوا هذه الأموال على الفقراء الذين يتضورون جوعاً ويموت كثير منهم؛ لأنّهم لا يجدون الدواء. ولو كانوا يريدون وجه الله لأرسلوا فقيراً يحج بيت الله بهذه الأموال.
          والحقيقة التي يحاولون تدليسها إنّهم يذهبون للنزهة، كما قال أمير المؤمنين  ( )، والطامّة الكبرى أنّ بعضهم يدّعون أنّهم علماء! ولو كانوا كذلك لكانوا أسوة لمتأسي.
          فعن أبي عبد الله ، قال: (سيد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشيء إلاّ رضيت لهم مثله، ومواساتك الأخ في المال، وذكر الله على كل حال) ( ).
          • عن الصادق ، عن آبائه، عن النبي ، قال: (لما أسري بي أوحى ألي ربي جل جلاله … إلى أن قال: فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة بن الحسن (القائم) في وسطهم كأنه كوكب درّي. قلت: يا ربِ من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم يحلل حلالي ويحرم حرامي، وبه انتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزّى طريين فيحرقهما. فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشدّ من فتنة العجل و السامري) ( ).
          • عن بشر النبّال، عن الإمام الصادق ، قال: (هل تدري أوّل ما يبدأ به القائم  ؟ قلت: لا. قال: يخرج هذين رطبين غضين فيحرقهما ويذرّهما في الريح، ويكسر المسجد. ثم قال: إنّ رسول الله قال: عريش كعريش موسى ، وذكر إنّ مقدّم مسجد رسول الله كان طيناّ، وجانبه جريد النخل) ( ).
          وعن أبي عبد الله  قال: (إذا قدم القائم  وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر فيبعث الله ريحاً شديدة وصواعق ورعوداً، حتى يقول الناس إنما ذا لذا. فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول، ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضرب بالمعول بيده، فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه. فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين رطبين، فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما، ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذرهما في الريح) ( ).
          • قال رجل عن دور العباسين: أراناها الله خراباً أو خربها بأيدينا، فقال أبو عبد الله : (لا تقل هكذا، بل يكون مساكن القائم وأصحابه، آما سمعت الله يقول: ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ ( ).
          • عن ابن بكير، قال: سألت أبا الحسن  عن قوله: (﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ( )، قال : أنزلت في القائم  إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم، ويجب لله عليه. ومن لم يسلم ضرب عنقه، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحد الله. قلت له: جعلت فداك إنّ الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: إنّ الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل) ( ).
          • عن الصادق ، قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين. فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً، فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبع وعشرين حرفاً) ( ).
          أي إنّ الإمام المهدي  يبث علوماً إلهيةً جديدة بين الناس، ولعل منها أسرار القرآن التي لا نكاد نعرف منها شيئاً. قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً﴾ ( ).
          • وروي أنّ أصحاب الإمام  يمشون على الماء ( )، وإنّ أحدهم لو قاتل الجبال بإيمانه لهدّها
          من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
          ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

          Comment

          • almawood24
            يماني
            • 04-01-2010
            • 2174

            #6
            رد: كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

            3- معرفة الإمام المهدي :
            وهي إضافة إلى معرفة اسمه وولادته وغيبته الصغرى وسفرائه فيها وغيبته الكبرى إلى يومنا هذا، أو أحاديثه وأحاديث آبائه التي وردت فيه وفي غيبته وظهوره وقيامه، تشمل معرفة علامات ظهوره وسيرته بعد ظهوره. فبمعرفة علامات ظهوره نعرف قرب زمان ظهوره فنستعد لنصرته.
            وبمعرفة سيرته بعد ظهوره  نستعد لتقبلها، فلا نكون - والعياذ بالله - ممن يلتوون عليه ويعترضون على سياسته وقراراته، وقد روي عن الإمام الصادق ، أنّه قال: (إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله) ( ).
            فعلى المؤمنين الالتفاف حول العلماء العاملين السائرين على نهج الأنبياء والمرسلين والأئمة . والحذر من متابعة علماء السوء غير العاملين، الذين لا يغضبون لغضب الله عندما يهان كتابه القرآن الكريم ( )، والذين سيقف كثير منهم ضد الإمام المهدي ، وربما سيقاتلونه.
            • روي عن رسول الله ، قال: (سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه، ولا من الإسلام إلاّ اسمه، يسمّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة واليهم تعود) ( ).
            • وعن رسول الله في المعراج، قال: (… قلت إلهي فمتى يكون ذلك ؟ فأوحى إلّي : يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل، وكثر القرّاء وقل العمل وكثر الفتك، وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة الخونة وكثر الشعراء، واتخذ أمتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور …) ( ) .
            • وعن الباقر : (إذا قام القائم  سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة ألف نفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة!! فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم
            قصورها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عزّ وعلا) ( ).
            • وعن الباقر : (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتى يأتي المنبر ويخطب …) ( ).
            • وعن أمير المؤمنين : (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا؟ وشبك أصابعه وادخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال : الخير كله عند ذلك، يقوم قائمنا فيقدم عليه سبعون، فيقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، فيجمع الله الناس على أمر واحد) ( ).
            ويقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله، أي: علماء غير عاملين. وربما يفتون الناس بغير ما أنزل الله على رسوله وفق تخرّصاتهم العقلية وأهوائهم الشخصية.
            • وعن أبي جعفر ، أنّه قال: (لتمخضن يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد كمخيض الكحل في العين؛ لأنّ صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين ولا يعلم متى يذهب، فيصبح أحدكم وهو يرى أنّه على شريعة من أمرنا فيمسي وقد خرج منها، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا فيصبح وقد خرج منها) ( ).
            • وعن أبي عبد الله : (كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى، يبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السنين ( )، وأمارة من أول النهار وقتل وقطع في آخر النهار) ( ).
            • وعن البيزنطي، قال: سألت الرضا  عن مسألة الرؤيا، فأمسك ثم قال : (إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شرّاً لكم، وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر. وقال: وأنتم في العراق تروون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أمهل لهم بتقوى الله، ولا تغرّنكم الدنيا ولا تغتروا بمن أمهل له، فكأن الأمر قد وصل إليكم) ( ).

            أ-علامات ظهوره وقيامه :
            نظراً لتحقق معظم العلامات التي ذكرها النبي والأئمة ، ولم يبقَ منها إلاّ العلامات القريبة جدّاً من سنة ظهوره وقيامه أو العلامات الدالة عليه بعد ظهوره .
            ومراعاة للاختصار؛ ولأنّه لا توجد فائدة كبيرة من ذكر العلامات التي تحققت، فسأقتصر على العلامات القريبة من ظهوره المبارك  :
            ومنها: أن تمنع السماء قطرها، وحرّ شديد، واختلاف الشيعة، فعن الإمام الحسن بن علي: (لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، و يتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قلت: ما في ذلك خير، قال: الخير كله في ذلك، يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه) ( ).
            ومنها: موت كثير من الفقهاء، وانتشار الفساد بشكل علني والتجاهر بالمعاصي، كالزنا وشرب الخمور وسماع الأغاني، وغلبت وسائل الفساد كالتلفزيون في الوقت الحاضر. والاستخفاف بالمساجد وبحرمتها، فبدل أن تبقى وسيلة للانقطاع إلى الله ببساطتها وخلوها من المظاهر الدنيوية يحوّلها الناس إلى قاعات مليئة بالزخرفة والألوان والمظاهر التي تشد الداخل فيها إلى الدنيا، وهكذا تعطّل، ويجعلونها مكان للأكل في بعض المناسبات كالمحرّم ورمضان.
            ومنها: انتشار وسائل التجميل كالملابس الجميلة المظهر، ولكنها تغلف أناساً قلوبهم قلوب الشياطين.
            ومنها: الاستخفاف بحرمة العلماء العاملين المجاهدين، وربما الاستهزاء بهم واتهامهم باتهامات باطلة. ويكثر سفك دمائهم؛ وذلك لأنّهم يتبعون سيرة أئمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيلاقون من الطواغيت المتسلطين على الأمة اليوم ما لاقاه الأئمة من طواغيت بني أمية وبني العباس لعنهم الله.
            عن أمير المؤمنين ، فقال : (إذا وقع الموت في الفقهاء، وضيعت أمة محمد المصطفى الصلاة واتبعت الشهوات، وقلت الأمانات، وكثرت الخيانات، وشربوا القهوات ( )، وأشعروا شتم الآباء والأمهات، ورفعوا الصلاة من المساجد بالخصومات وجعلوها مجالس للطعامات، وأكثروا من السيئات وقللوا من الحسنات، وعوصرت السماوات ( )، فحين إذن تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة. ويكون المطر قيظاً، والولد غيضاً. ويكون أهل ذلك الزمان لهم وجوه جميلة، وضمائر ردية. من رآهم أعجبوه، ومن عاملهم ظلموه. وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين … ويعار على العلماء ويكثر ما بينهم سفك الدماء … وتحج الناس ثلاث وجوه: الأغنياء للنزهة، والأوساط للتجارة، والفقراء للمسألة) ( ).
            ومنها: منع أهل العراق من الحج، فلا يذهب منهم إلى الحج إلاّ عدد قليل ، وحالهم ما تقدّم في الحديث، فعن الإمام الصادق  - وعنده جماعة من أهل الكوفة فأقبل عليهم وقال لهم - : (حجوا قبل أن لا تحجوا، قبل أن تمنع البرجانية (الرومية) - أي أمريكا والغرب اليوم - حجوا قبل هدم مسجد بالعراق بين نخل وأنهار، حجوا قبل أن تقطع سدرة بالزوراء على عروق النخلة التي اجتثت ( ) منها مريم رطباً جنياً، فعند ذلك تمنعون الحج وينقص الثمار ويجد البلاء ( ) وتبتلون بغلاء الأسعار وجور السلطان، ويظهر فيكم الظلم والعدوان مع البلاء والوباء والجوع، وتظلكم الفتن من جميع الآفاق) ( ).
            وعن أمير المؤمنين ، قال - وأشار إلى أصحاب المهدي  بقوله -: (ألا بابي وأمي هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة، ألا فتوقعوا من إدبار أموركم وانقطاع وصلكم (انقطاع الحج) ( )، واستعمال صغاركم، ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من درهم من حله، ذلك حيث يكون المعطى أعظم من المعطي، حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج، ذاك أذا عضكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير، ما أطول هذا العناء وأبعد هذا الرجاء) ( ).
            ومنها: ابتلاء أهل العراق بجور السلطان وغلاء الأسعار، فعن محمد بن مسلم عن الصادق، قال: (إنّه قدّام القائم  بلوى من الله، قلت: وما هو جعلت فداك؟ فقرأ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ ( )، ثم قال : الخوف من ملوك بني فلان( )، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات، وقلة الفضل فيها ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، ثم قال : ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم ) ( ).
            ومنها: إنّ حاكم العراق معروف بأنّه يمارس الكهانة، أي: تحضير الجن والسحر الأسود، وإنّه ابن بغي، أي: زانية. قال أمير المؤمنين : (وأمير الناس( ) جبار عنيد، يقال له الكاهن الساحر) ( ). وقال الصادق : (أمّا إنّ إمارتكم يومئذٍ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا ( )) ( ).
            ومنها: اختلاف حكّام العراق فيما بينهم، وهلاكهم على يد جيوش السفياني التي تأتي من بلاد الشام والتي تدخل العراق للقضاء على حاكم العراق. والسفياني مجنّد من الغرب أو أمريكا حسب ما ورد في الروايات.
            وفي التوراة سفر دانيال: السفياني عميل للمملكة الحديدية أو أمريكا، للقضاء على ثلاثة عملاء سابقين لأمريكا في المنطقة أحدهم حاكم العراق. ثم إنّ ما يبقى من أعوان ومرتزقة حاكم العراق تقضي عليه قوّات الخراساني بقيادة شعيب بن صالح، والتي تدخل العراق لطرد قوّات السفياني، وتطهير العراق من الأراذل والمسوخ الشيطانية.
            فعن الباقر : (... ثم قال: إذا اختلف بنو فلان ( ) فيما بينهم فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلاّ باختلاف بني فلان … حتى يخرج عليهم الخرساني والسفياني، هذا من المشرق وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ... آما إنّهم لا يبقون منهم أحداً) ( ).
            ومنها: خسوف القمر وكسوف الشمس في رمضان، وصيحة جبرائيل في أول النهار.
            ومنها: ظهور كوكب مذنب في السماء يضيء كما يضيء القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه.
            ومنها: السفياني، وهو أهم الفتن قبل قيام القائم ، وخروجه حتمي في بلاد الشام. والأرجح في الأردن في الوادي اليابس، ثم يحتل سوريا وجزء من فلسطين، ثم يدخل إلى العراق، ويظهر في بداية ظهوره العدل حتى يتوهم الناس أنّه عادل، ويكذّب الجهّال آل محمد .
            • عن أبي حمزة الثمالي، عن الباقر ، قلت: (خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد محتوم. قلت: وكيف يكون النداء؟ قال: ينادي من السماء أول النهار ألا إنّ الحق مع علي وشيعته، ثم ينادي إبليس آخر النهار من الأرض ألا إنّ الحق مع عثمان وشيعته، وعند ذلك يرتاب المبطلون) ( ).
            • عن الباقر : (آيتان تكونان قبل القائم، كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره) ( ).
            وعلى الشيعة عند ظهور السفياني الذهاب إلى مكة، لنصرة الإمام المهدي ؛ لأنّ ظهوره وقيامه في مكة بعد هذه العلامة أكيد وقريب جدّاً، بل يكاد يتداخل معها، وقد أمرهم أئمتهم بذلك.
            • عن الصادق : (… لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إليناً. يقولها ثلاثاً، وهو من المحتوم) ( ).
            • وعن الصادق : (يا سدير، ألزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه، وأسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغ أن السفياني قد خرج فادخل إلينا ولو على رجلك. قلت: جعلت فداك هل قبل ذلك شيء ؟ قال: نعم، وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام، وقال: ثلاث رايات، راية حسنية، وراية أموية، وراية قيسية. فبينما هم إذ خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع ما رأيت مثله قط) ( ).
            • وعن الباقر  : (… مع أنّ الفاسق ( ) لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراَ دونكم، قال بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجل منكم عنه فأن حنقه وشرّهه فإنما هي على شيعتنا، وأمّا النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى، قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه، من أراد منهم أن يخرج إلى المدينة أم إلى مكة أو إلى بعض البلدان؟ قال: ما تصنعون بالمدينة، وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فأنها مجمعكم، فإنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر لا يجوزها إن شاء الله)( ).
            ولكن للأسف لن ينفر إلى مكة لنصرة المهدي  إلاّ عشرة آلاف كما ورد في الروايات، وهم أول أنصاره مع أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر ( ).
            هذه هي بعض علامات ظهوره وقيامه القريبة.
            وربما كانت له  فترة ظهور تسبق قيامه في مكة، ربما عن طريق سفراء كما في الغيبة الصغرى. وهذا الاحتمال تقويه بعض الروايات عنهم ( )، وربما كانت بداية بعثه وظهوره في أم القرى في هذا الزمان وهي النجف الأشرف اقتفاء بسيرة جدّه المصطفى الذي بعث في أم القرى في زمانه، وهي مكة، والله أعلم وأحكم وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً.

            ب -أعماله بعد ظهوره وقيامه :
            قبل أن نتعّرض لإعماله بعد ظهوره ، لابد لنا من الاطلاع على بعض الأحاديث التي تكشف واقعاً مريراً نلمسه نحن اليوم، سواء في بعض العلماء غير العاملين أم من بعض من يسمّون أنفسهم شيعة لأهل البيت ، أو موالين لهم . وهم في نفس الوقت لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ويداهنون الطواغيت ويخضعون لهم ويتحاكمون عندهم، بل ومع الأسف الشديد يساعدونهم في كثير من الأحيان خوفاً أو طمعاً، دون أن يلتفتوا إلى حرمة هذا العمل وبشاعته، بل أصبحوا يرونه مباحاً بعد أن نكسوا ومسخوا وأمسوا يرون المقاييس مقلوبة والمنكر معروفاً، واعتادوا عبادة العجول والأصنام والأوثان ضلالة وخوفاً وطمعاً.
            ولم أجد كلاماً أصف به حال الإمام المهدي  مع هؤلاء أفضل من القرآن الكريم وحديث المعصومين :
            قال تعالى: ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي* قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ ( ).
            وأرجع وأعيد حديثين مرّا في البحث للتذكير والتأكيد.
            • قال الإمام الصادق : (لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان) ( ).
            أي: إنّ الله ينصر القائم بقوم من غير الشيعة، بل لعلهم من غير المسلمين بعد أن يؤمنوا بحركته الإسلامية الإصلاحية المحمدية الأصيلة ويشايعوه، في حين أنّ قوماً من الشيعة لا ينصرونه !!
            ويؤيد هذا المعنى ما روي عن الصادق  أنّه قال: (إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر) ( ).
            أيّها الأخوة: إذا كنّا شيعة فعلينا أن نتمسك بسيرتهم وحديثهم ونهجهم ، لا أن نحمل أوزاراً من زينة القوم ونصنع منها عجلاً ونعبده، ونقول نحن شيعة.
            • فعن الباقر : (… انظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فأن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا. وإذا كنتم كما أوصيناكملم تعدوا إلى غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدواً لنا كان له أجر عشرين شهيداً) ( ).
            • وقال أمير المؤمنين  في خطبة على منبر الكوفة يصف الإمام المهدي  وقلّة ممن يتمسّكون بالحق قبل قيامه : (اللهم وإني لأعلم أنّ العلم لا يأزر كلّه، ولا ينقطع موارده، وأنّك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ظاهر ليس بمطاع أو خائفاً مغمور، كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم وكم ؟ أولئك الأقلون عدداً والأعظمون عند الله جل ذكره قدراً) ( ).
            • وعن أبي عبد الله  قال: (قال رسول الله : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه، يتولى وليه ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفاقي وذوو ودي ومودتي وأكرم أمتي عليّ. قال رفاعة: وأكرم خلق الله عليّ ) ( ).
            • وعن الصادق  قال: (قال رسول الله لأصحابه: سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم . قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن!! فقال : إنّكم لو تحملوا لما حملوا لم تصبروا صبرهم) ( ).
            وعلينا أن لا نميل مع كل ناعق، بل نعرف صاحب هذا الأمر بما وصفه أهل بيت النبوة .
            • عن الحارث بن المغيرة النصري، قلت لأبي عبد الله : (بأيّ شيء يعرف الإمام القائم، قال : بالسكينة والوقار. قلت: وبأي شيء؟ قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله . قلت: أيكون وصياً ابن وصي؟ قال: لا يكون إلاّ وصياً وابن وصي) ( ).
            • وعن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (لصاحب هذا الأمر غيبتان أحدهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال هلك في أي واد سلك. قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدّع ٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله) ( ).

            * * *

            أعمال القائم  بعد قيامه
            أمّا بعض أعماله بعد ظهوره وقيامه  فهي:
            • عن أبي عبد الله : (ما تستعجلون بخروج القائم، فو الله ما لباسه إلاّ الغليظ، ولا طعامه إلاّ الجشب، وما هو إلاّ السيف والموت تحت ظل السيف) ( ) .
            • وقال أبو جعفر : (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد. ليس شأنه إلاّ السيف، لا يستتيب أحداً ولا يأخذه في الله لَوْمة لائم) ( ).
            والسيف إشارة إلى السلاح الموجود في زمانه .
            • روي عن الصادق  قال: (كأني أنظر إلى القائم على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق) ( ).
            والأبلق: المبقع. الشمراخ: العمود الطويل. فيكون معنى الحديث: أنّه يركب دبابة، والله أعلم.
            وكيف كان فإنّ الأحاديث تشير إلى أنّه يخوض حروباً طاحنة مع أعداء الدين وأعدائه ، يستشهد فيها كثير من أنصاره ( )، بل ربما يستفاد من بعض الروايات أنّ الإمام  يتعرّض للإصابة والجرح في هذه الحروب ( )، والله أعلم.
            • عن الباقر ، قال: (إّن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا رسول الله ، وإنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) ( ).
            • وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال: (الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله. فقال : يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله )( ).
            • عن أبي عبد الله ، قال: (يصنع ما صنع رسول الله ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً)( ).
            • وعن ابن عطا، قال: سألت أبا جعفر الباقر ، فقلت: (إذا قام القائم  بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله ، ويستأنف الإسلام جديداً)( ).
            وقد مرّ الحديث عن رسول الله إنّ في آخر الزمان لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه، والمساجد عامرة بالناس ولكنها خالية من الهدى - أي هدى آل محمد -، وهذا هو حالنا اليوم فالمساجد مزخرفة والمصاحف محلاّة وملونة، والمسلمون أبعد ما يكونوا عن الإسلام.
            • عن أبي عبد الله ، قال: (أما إنّ قائمنا لو قد قام لقد أخذ بني شيبه وقطع أيديهم، وطاف بهم وقال هؤلاء سرّاق الله) ( ).
            • وعن أبي عبد الله ، قال: ( .. وقطع أيدي بني شيبة السرّاق وعلقها على الكعبة) ( ).
            • وعنه : (… وقطع أيدي بني شيبة وعلقها على الكعبة وكتب عليها هؤلاء سرّاق الكعبة) ( ).
            وبنو شيبة هم خدم الكعبة في زمن الإمام الباقر ، فالحديث يشير إلى خدم العتبات المقدّسة جميعها اليوم، وإنّ الإمام يقطع أيديهم ويشهّر بهم؛ لأنهم يقومون بسرقة العتبات المقدّسة، فهم في الغالب عبيد للطاغوت ولكن ليس جميعهم، فمنهم من يرجى إصلاحه ولعل منهم بعض الأفراد المؤمنين.
            • عن الصادق ، قال: (دمّان في الإسلام حلال من الله لا يقضي فيهما أحد بحكم الله  حتى يبعث الله القائم من أهل البيت، فيحكم فيهما بحكم الله  ، لا يريد فيه بينة، الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب رقبته) ( ).
            • عن الصادق ، قال: (لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منّا أهل البيت، يحكم بحكم داود وآل داود، لا يسأل الناس بينة) ( ).
            وهذا يعني أنّ الله سبحانه يُطلع الإمام المهدي  على بواطن الأمور، ويأذن له أن يحكم على الباطن، كما فعل الخضر عندما خرق السفينة وقتل الغلام، وكما روى عن داود  أبو حمزة الثمالي، عن أبي جعفر ، قال: (إنّ داود  سأل ربّه أن يريه قضية من قضايا الآخرة، فأتاه جبريل  فقال: لقد سألت ربّك شيئاً ما سأله غيرك نبي من أنبيائه (صلوات الله عليهم)، يا داود إنّ الذي سألت لم يُطلع الله عليه أحداً من خلقه ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيره، فقد أجاب الله دعوتك وأعطاك ما سألت، إنّ أول خصمين يردان عليك غداً القضية فيهما من قضايا الآخرة.
            فلما أصبح داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ متعلّق بشاب ومع الشاب عنقود من عنب. فقال الشيخ: إنّ هذا الشاب دخل بستاني، وخرب كرمي وأكل منه بغير أذني. قال: فقال داود للشاب: ما تقول؟ قال: فأقر الشاب أنّه قد فعل ذلك، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم يحتملها قلبك، ولا يرضى بها قومك يا داود. إنّ هذا الشيخ أقتحم على والد هذا الشاب في بستانه فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم فدفنها في جانب بستانه، فادفع إلى الشاب سيفاً ومره أن يضرب عنق الشيخ، وأدفع إليه البستان ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان فيأخذ ماله. قال: ففزع داود  من ذلك، وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر، وأمضى القضية على ما أوحى الله إليه) ( ).
            • عن الإمام الصادق ، قال: (أوّل ما يظهر القائم من العدل، أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر والطواف) ( ).
            وهذا يعني إنّ الذي يحج الحج الواجب في زمن الإمام يمنع من الحج المستحب، حتى يحج المسلمون الذين لم يحجوا الحج الواجب، وظاهرة الحج المستحب اليوم منتشرة بين الأغنياء في حين أنّ الفقراء يكاد ييأسون من الوصول إلى بيت الله الحرام ليحجوا حجة واجبة.
            فهؤلاء الأغنياء لو كانوا يريدون وجه الله سبحانه لأنفقوا هذه الأموال على الفقراء الذين يتضورون جوعاً ويموت كثير منهم؛ لأنّهم لا يجدون الدواء. ولو كانوا يريدون وجه الله لأرسلوا فقيراً يحج بيت الله بهذه الأموال.
            والحقيقة التي يحاولون تدليسها إنّهم يذهبون للنزهة، كما قال أمير المؤمنين  ( )، والطامّة الكبرى أنّ بعضهم يدّعون أنّهم علماء! ولو كانوا كذلك لكانوا أسوة لمتأسي.
            فعن أبي عبد الله ، قال: (سيد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشيء إلاّ رضيت لهم مثله، ومواساتك الأخ في المال، وذكر الله على كل حال) ( ).
            • عن الصادق ، عن آبائه، عن النبي ، قال: (لما أسري بي أوحى ألي ربي جل جلاله … إلى أن قال: فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة بن الحسن (القائم) في وسطهم كأنه كوكب درّي. قلت: يا ربِ من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم يحلل حلالي ويحرم حرامي، وبه انتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزّى طريين فيحرقهما. فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشدّ من فتنة العجل و السامري) ( ).
            • عن بشر النبّال، عن الإمام الصادق ، قال: (هل تدري أوّل ما يبدأ به القائم  ؟ قلت: لا. قال: يخرج هذين رطبين غضين فيحرقهما ويذرّهما في الريح، ويكسر المسجد. ثم قال: إنّ رسول الله قال: عريش كعريش موسى ، وذكر إنّ مقدّم مسجد رسول الله كان طيناّ، وجانبه جريد النخل) ( ).
            وعن أبي عبد الله  قال: (إذا قدم القائم  وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر فيبعث الله ريحاً شديدة وصواعق ورعوداً، حتى يقول الناس إنما ذا لذا. فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول، ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضرب بالمعول بيده، فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه. فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين رطبين، فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما، ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذرهما في الريح) ( ).
            • قال رجل عن دور العباسين: أراناها الله خراباً أو خربها بأيدينا، فقال أبو عبد الله : (لا تقل هكذا، بل يكون مساكن القائم وأصحابه، آما سمعت الله يقول: ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ ( ).
            • عن ابن بكير، قال: سألت أبا الحسن  عن قوله: (﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ( )، قال : أنزلت في القائم  إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم، ويجب لله عليه. ومن لم يسلم ضرب عنقه، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحد الله. قلت له: جعلت فداك إنّ الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: إنّ الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل) ( ).
            • عن الصادق ، قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين. فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً، فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبع وعشرين حرفاً) ( ).
            أي إنّ الإمام المهدي  يبث علوماً إلهيةً جديدة بين الناس، ولعل منها أسرار القرآن التي لا نكاد نعرف منها شيئاً. قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً﴾ ( ).
            • وروي أنّ أصحاب الإمام  يمشون على الماء ( )، وإنّ أحدهم لو قاتل الجبال بإيمانه لهدّها
            من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
            ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

            Comment

            • almawood24
              يماني
              • 04-01-2010
              • 2174

              #7
              رد: كتاب العجل للأمام احمد الحسن ع ج2

              .
              • وروي أنّه  يرقى في أسباب السماوات ( )، والله أعلم.
              وربما يرافق هذا التقدّم في العلوم الإلهية والروحية تقدّم في العلوم المادية، بل ما أظنه إنّ التقدّم المادي يرافق التوجه والتقدم الروحي حتماً، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾ ( ).
              وروي أنّ العالم الفيزياوي اينشتاين اليهودي الديانة استقى نظريته النسبية، والعلاقة بين الطاقة والمادة، وتحول كل منهما إلى الأخرى من نظرية وحدة الوجود الدينية الفلسفية.
              • قال أمير المؤمنين : (كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل، أما أن قائمنا إذا قام كسره وسوّى قبلته) ( ).
              • وعن الصادق ، قال: (كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون الناس المستأنف) ( ).
              • عن الأصبغ بن نباته: سمعت علياً  يقول: (كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة، يعلمون الناس القرآن كما أنزل. قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون، من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلاّ إزراء على رسـول الله ؛لأنّه عمه) ( ).
              • وعن الصادق ، قال: (كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان، ثم يخرجوا إليهم المثال المستأنف أمر جديد على العرب شديد) ( ).
              • وعن أبي جعفر، قال: (إذا قام قائم آل محمد  ضرب فساطيط لمن يعلم القرآن على ما أنزل الله جل جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنّه يخالف فيه التأليف) ( ).
              • وعن الصادق : (كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدّة أهل بدر وهم أصحاب الألوية، وهم حكّام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله ، فيجفلون عنة إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلاّ الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى بن عمران، فيجولون في الأرض فلا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه. وإني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به) ( ).
              • وعن بن أبي يعفور، قال: (دخلت على أبي عبد الله  وعند نفر من أصحابه، فقال لي: يابن أبي يعفور هل قرأت القرآن؟ قال: قلت: نعم هذه القراءة. قال : عنها سألتك ليس عن غيرها. قال: فقلت: نعم، جعلت فداك، ولم؟ قال : لأنّ موسى  حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم، ولأنّ عيسى  حدث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت فقاتلوه فقاتلهم وقتلهم، وهو قول الله : ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ ( ). وإن أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة، فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم. وهي آخر خارجه تكون … الخبر) ( ).
              بيان من المجلسي(رحمه الله): (قوله - ولم - أي ولِمَ لمْ تسألني غير تلك القراءة، وهي المنزلة التي ينبغي أن يعلم، فأجاب : بأنّ القوم لا يحتملون تغير القرآن ولا يقبلونه، وأستشهد بما ذكر) ( ).
              • وعن أمير المؤمنين ، قال: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى. ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي) ( ).
              • وعن الصادق : (إنّ أصحاب موسى ابتلوا بنهر، وهو قول الله : ﴿إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ﴾ وإنّ أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك) ( ).
              • عن الصادق  قال: (القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه، وأقامه إلى أساسه وقطع أيدي بني شيبة السرّاق وعلقها على الكعبة) ( ).
              • وعن أبي بصير في حديث اختصره الشيخ الطوسي، قال: (إذا قام القائم  دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة، حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريش كعريش موسى ، وتكون المساجد كلها جماء لا شرف لها كما كانت على عهد رسول الله … ) ( ).
              • وعن أبي محمد العسكري ، قال: (إذا قام القائم أمر بهدم المنار والمقاصير( ) التي في المساجد. فقلت في نفسي: لأي معنى هذا ؟ فاقبل عليّ فقال : معنى هذا أنها محدثة مبتدعة،
              لم يبنها نبي ولا حجة) ( ).
              • وعن الصادق : (إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبه وعلقها على الكعبة وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة) ( ).
              • عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين  في حديث له حتى انتهى إلى مسجد الكوفة وكان مبنياً بخزف ودنان وطين، فقال: (ويل لمن هدمك، وويل لمن سهل هدمك، وويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة نوح. طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي، أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة) ( ).
              • وسئل أبو عبد الله  عن المساجد المظللة: أيكره الصلاة فيها ؟ فقال: (نعم، ولكن لا يضركم اليوم، ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك) ( ).
              • وعن عمرو بن جميع، قال: سألت أبا جعفر  عن الصلاة في المساجد المصورة. فقال: (أكره ذلك، ولكن لا يضركم اليوم، ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك) ( ).
              والأحاديث تشير إلى أنّ الإمام المهدي  يعيد المساجد إلى بساطتها في عهد رسول الله ، لتشد الناس إلى الانقطاع إلى الله. فيرفع الزخرفة والصور منها، وربما يفتح سقوفها إلى السماء. فالذي يهم أهل الدنيا الزخرفة والزينة والراحة والتبريد والتدفئة والترف، والذي يهم الأنبياء والأوصياء التوجه إلى الله والانقطاع إلى الله لا إلى الدنيا وزخرفها مع اهتمام الأنبياء والأوصياء بإعمار الأرض وترفيه الناس اقتصادياً.
              عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبل رسول الله من جهّال الجاهلية. فقلت: وكيف ذلك؟ قال: إنّ رسول الله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله ويحتج عليه به. ثم قال : أما والله ليدخلن عليهم عدله، أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر) ( ).
              الذين يتأولون علية القرآن ليس عامّة الناس قطعاً ولكن هؤلاء علماء غير عاملين يظنون أنّهم بتحصيلهم للقواعد الاستقرائية والعقلية قد أحاطوا بالعلم كلّه، فهم لا يرون شيئاً من العلم عند من سواهم. وهذا التكبّر يمنعهم من الانقياد للإمام المعصوم  وقبول علومه الإلهية، فيردون عليه ويتأولون القرآن عليه، ويتهمونه بالجهل وربما بالسحر والجنون. التهمتان اللتان لا تكادان تفارقان نبياً من الأنبياء .
              ومن هنا فإنّ علم الإمام  وحده لا يعالج فتنة هؤلاء العلماء غير العاملين؛ لأنّهم لا يسلّمون له ولا يقبلون علومه، كما هو واضح في الرواية. فيكون العلاج هو فضح هؤلاء العلماء غير العاملين على رؤوس الأشهاد وبين عامّة الناس كما فعل رسول الله وعيسى  مع علماء اليهود. وعندما يرى الناس عدالة الإمام  سواء في الأمور المالية كقسمة أموال الصدقات بين الفقراء بالسوية وزهده  في ملبسه ومأكله ومشربه، أم باهتمامه بأحوال المجتمع الإسلامي وإخلاصه في العمل لله سبحانه، ثم يقارن الناس سيرة هذا الإمام العادل المهدي  بسيرة أولئك العلماء غير العاملين، فهم على سبيل المثال يأتيهم مسكين أطفاله جياع ثيابهم مقطعة يطلب منهم دراهم ليسد رمقه فيقولون له: ائتنا بمعرِّف لكي نعطيك! بربكم هل سمعتم أو قرأتم أنّ محمداً أو علياً  أو أحد الأئمة قال لفقير ائتني بمعرف لكي أعطيك ؟!
              ثم أين هم هؤلاء المعرّفون ؟ وكم هم ؟ ومن أين لهذا المسكين بأحدهم ؟! والحال أنّ طلبة الحوزة العلمية يحتاجون إلى سلسلة معرفين، بل إنّ المتقي من طلبة الحوزة لا يهتدي إلى سبيل ليعرف نفسه عنده؛ لأنّ معظم المعرفين متكبرون وفسقة ومستأثرون، ومن اتصل بهم بأموال الصدقات. والضلالة لا تجتمع مع الهدى، فلا يهتدي في الغالب إلى هؤلاء المعرفين إلاّ متملق أو خسيس طالب دنيا، والطيور على أشكالها تقع. فبربكم كيف أمسى الخسيس الوضيع يعرف التقي الشريف؟ وكيف أمسى الذئب راعياً للغنم؟ وكيف أمسى ابن آوى المؤتمن؟ وكيف أمسى الجاهل السفيه يعرف العالم الفقيه ؟! أ الله أذن لكم بهذا أم على الله تفترون ؟!
              بربكم هذه هي سيرة السجاد ، الذي كان يحمل الطعام في ظلام الليل ويدسه تحت رأس المؤالف والمخالف، أم هي سيرة محمد والأئمة الذين كانوا يعطون حتى المؤلفة قلوبهم وكانوا يرحمون الفقراء واليتامى، وربما سقطت الدمعة من عيني علي  قبل أن تسقط من عين أرملة أو يتيم، وربما خرجت الزفرة والحسرة من صدر محمد قبل صدر الفقير.كان محمد وعلي  والأئمة يجوعون ليشبع الفقراء، ويعطون البعيد قبل القريب.
              لقد انتشر الإسلام بأخلاق هؤلاء القادة العظام لا بالمصطلحات الفلسفية. عندما جاءت الخلافة للإمام علي  أول ما قام به هو التسوية في العطاء، وإلقاء دواوين التمييز التي أجراها من كان قبله، ولهذا ثارت ثائرة القوم عليه وانتفض طلحة والزبير وأشباههما.
              أمّا أنتم اليوم فقد أعدتم دواوين التمييز، وأعدتموها عثمانية تغدقون على من يعبدكم من دون الله، وآثرتم هذا بزعمكم لعلمه وفضلتم فلان بادعائكم لفضله، وهذا وفلان لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر. ومن جهة أخرى تمنعون الأرملة؛ لأنها مجهولة الحال، واليتيم لأنّه بلا معرّف وتقتّرون على معظم طلبة الحوزة، بل وتمنعون من لا يواكب مسيرتكم المخزية سواء العلمية أم العملية التي من أجلى مظاهر انحرافها هو الابتعاد عن كتاب الله ودراسته ومدارسته. وإهمالكم إرشاد الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستسلامكم للدعة والراحة حتى أمسيتم قوماً مترفين لا تتحملون حرارة الشمس فضلاً عن شظف العيش، وأذى الطواغيت في سبيل إعلاء كلمة لا اله إلاّ الله.
              ورد في بعض الروايات التي تصف معركة يخوضها المهدي  لفتح مدينة النجف وتطهيرها من المنافقين الذين سيقفون ضده ويقاتلونه، أنّ أصحاب الإمام المهدي  يحوطون به وثيابهم ممزقة ! نعم ممزقة؛ لأنّهم لا يشترون ثياباً بأموال الأرملة واليتيم والمريض.
              • عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال في قول الله : ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾ ( ). قال : (هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره) ( ).
              • وعن خيثمة، قال: قال لي أبو جعفر : (أبلغ شيعتنا أن لن ينال ما عند الله إلاّ بعمل، وأبلغ شيعتنا إنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم يخالفه إلى غيره) ( ).
              • وعن أبي عبد الله ، قال: (أتقو الله واعدلوا فأنكم تعيبون على قوم لا يعدلون) ( ).
              • وعن أمير المؤمنين ، قال: (ألا إنّه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلاّ عزّاً)( ).
              بربكم بقي شيء نميزكم به عن الطواغيت المتسلطين على الأمة الإسلامية؟ أنتم وهم تغدقون على من يعبدكم من دون الله ويبيع آخرته بدنياكم وتتركون الفقراء والمساكين يتضورون جوعاً، والمرضى يعانون الآلام حتى الموت. أنتم وهم تأمرون بالمنكر فهم المطرقة وأنتم السندان، هم يهينون كتاب الله وأنتم تستقبلون فعلتهم الشنيعة بصمت وهدوء خبيث ( ).
              فالويل لكم، تدّعون أنكم شيعة علي  وتخالفونه، كلا ثم كلا. أنتم شيعة عثمان؛ لأنكم توافقونه، وعلي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين، ويكفيكم هذا التفاوت، وكل أناء بالذي فيه ينضح.
              أنتم قادة عميان، أجل أنتم قادة عميان، وأعمى منكم من يسير خلفكم، وحسبنا الله ونعم الوكيل وإلى الله المشتكى. فليس كلما يعرف يقال، وليس كل ما يقال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله.
              قال أبي الحسن الثالث : (إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم) ( ).
              فالفرج قريب إنّ شاء الله، والحمد لله الذي يؤمن الخائفين، وينجي الصالحين، ويرفع المستضعفين، ويضع المستكبرين، ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين.
              والحمد لله قاصم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستصرخين، موضع حاجات الطالبين، معتمد المؤمنين.
              الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها، وترجف الأرض وعمارها، وتموج الجبال ومن يسبح في غمراتها.


              بسم الله الرحمن الرحيم
              ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ ( ).

              * * *


              الفهرس
              تقديم أنصار الإمام المهدي ...................................................................... .............. 5
              هذه الطبعة ...................................................................... ................................. 9
              الإهداء ...................................................................... ................................... 11
              المقدمة ...................................................................... ................................... 13
              الانحراف في الأمة الإسلامية عن الطريق المستقيم ................................................................... 19
              أولاً: التحريف في القران الكريم ...................................................................... ............ 21
              ثانياً: التشريع بالدليل العقلي ...................................................................... ............... 31
              ثالثاً: العقائد ...................................................................... .............................. 40
              رابعاً: الإعراض عن أوصياء النبي ...................................................................... ...... 46
              خامساً: الإعراض عن القرآن والسنة ...................................................................... ........ 46
              المحرفون ...................................................................... .................................. 50
              المصلح المنتظر  ...................................................................... ....................... 53
              المهدي  في الاديان الاهية ...................................................................... ............. 54
              الغيبة ...................................................................... .................................... 57
              أسباب الغيبة ...................................................................... ............................. 58
              العمل لتعجيل فرج الإمام المهدي  ...................................................................... ..... 66
              أهم الأعمال لتعجيل فرج الإمام  ...................................................................... ...... 68
              1- التفقه في الدين ...................................................................... ....................... 68
              2- العمل بالشريعة الإسلامية المقدسة ...................................................................... .... 72
              التقية ...................................................................... .................................... 75
              3- معرفة الإمام المهدي  ...................................................................... ............. 80
              علامات ظهوره وقيامه  ...................................................................... ............... 82
              أعماله بعد ظهوره وقيامه  ...................................................................... ............ 87
              أعمال القائم  بعد قيامه ...................................................................... ............... 90
              الفهرس ...................................................................... ................................ 103

              والحمد لله رب العالمين
              من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
              ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

              Comment

              Working...
              X
              😀
              🥰
              🤢
              😎
              😡
              👍
              👎