إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

    أسرار الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض)




    المتشابهات
    (الجزء الرابع)


    السيد أحمد الحسن
    وصي ورسول ويماني الإمام المهدي 



    إصدارات أنصار الإمام المهدي 
    العدد (35)




    الطبعة الثانية
    1431 هـ - 2010 م



    تحقيق اللجنة العلمية
    لأنصار الإمام المهدي ( مكن الله له في الإرض )




    لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن 
    يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي :
    أنصار الإمام المهدي (ع) اتباع الإمام احمد الحسن اليماني (ع) - انصار الامام المهدي (ع)
















    قَالَ أَمِيْرُ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ  :
    ( أيُّهَا النَّاسُ ، خُذُوْهَا عَنْ خَاتَم ِالنَّبِيّينَ ، إنّهُ يَمُوْتُ مَنْ مَاتَ مِنّا وَلَيْسَ بِمَيّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بُلِيَ مِنّا وَلَيْسَ بِبَالٍ ، فَلا تَقُوْلُوْا بِمَا لا تَعْرِفُوْنَ ، فَإنَّ أَكْثَرَ الحَقِّ فِيْمَا تُنْكِرُوْنَ ، وَاعْذِرُوْا مَنْ لا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ )












    الإهـــــداء
    إلى البداية والنهاية، الألف والياء
    إلى الخاتم لما سبق إلى الفاتح لما استقبل
    إلى محمد بن عبد الله متمثلاً بهذه الأبيات:
    هـذه آمـنةُ بنتِ وهـبْ * أقبلت تحملُ لاهـوتَ الأبدْ
    فاسجدوا ذلاً له فيمن سجدْ * فله الأملاك خـرّتْ سجداً
    إذ تجلى نـوره في آدمِ
    إلى أبي الأئمة وخليل النبوة والمخصوص بالإخوة
    إلى يعسوب الدين والإيمان وكلمة الرحمن
    إلى ميزان الأعمال ومقلب الأحوال وسيف ذي الجلال وساقي السلسبيل الزلال
    إلى صالح المؤمنين ووارث علم النبيين والحاكم يوم الدين
    إلى شجرة التقوى وسامع السر والنجوى
    إلى حجة الله البالغة ونعمته السابغة ونقمته الدامغة
    إلى الصراط الواضح والنجم اللائح والإمام الناصح علي بن أبي طالب 
    إلى السر المكنون المخزون
    إلى باب التوحيد فاطمة بنت محمد
    إلى حدود الصراط المستقيم الحسن والحسين
    إلى القرآن الناطق والكتاب المبين والأئمة المرسلين المُكَذَّبين المظلومين من آل طه ويس . . .
    علي بن الحسين، ومحمد بن علي
    وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر
    وعلي بن موسى، ومحمد بن علي
    وعلي بن محمد، والحسن بن علي
    إلى بقية الله في أرضه .. أبي ونور عيني الإمام المهدي 
    روحي فداك …
    أبتاه قل على العداة معيني
    أبتاه هذا السامري وعجله عُبـِدا ومال الناس عن هارون
    أبتاه عبيدك يدّعون أنهم ورثوك ، ويدّعون انك ورثّتهم بأمر السماء ، أمر السماء والدين
    ويدّعون أنهم الولاة وخلفاؤك دوني
    أبتاه لم يبقوا من الإسلام إلا اسمه ورسم من القرآن ……
    وحتى الاسم والرسم لم يسلما فما عاد عندهم مَنْ كَسَرَ ضلع الزهراء وأسقَطَ جنينها وضَرَبَها بالسوط ابن صهاك الملعون
    ولم يعد عندهم هذا اللعين يمثل الجبت والطاغوت وأصل كل فرعون
    وعندهم حديث آبائك مشكوك وعقولهم (نكراؤهم وشيطنتهم) تمّت فمنها يؤخذ الدين
    وعندهم جدك الأكبر محمد عبثاً أوصى بالأئمة والمهديين من بعده، وعبثاً (وحاشاه) سماني باسمي في الوصية وقال أول المهديين وأول المؤمنين
    وعندهم بجدك المصطفى محمد سيد الكونين يتمثل الشيطان بالرؤيا وبالكشف اليقين
    لم تعد لمحمد والأئمة حرمة عندهم ولا القرآن ولا العلم والحكمة ولا لله سبحانه المستخار عن علمٍ مكنونٍ ومخزون
    نكسوا حتى أمسى عندهم أقوال آبائك : اسألوا الآتي عن العظائم وما بين دفتي الكتاب المبين
    ليس حجة، بل كل ما قال محمد والأئمة من آبائك وما قلت روحي فداك خفيف في ميزانهم قولكم وترجح عندهم كفة عقلهم (نكرائهم وشيطنتهم) وكفّة كل رجس عتل زنيم
    أبتاه (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) فهل سأحمل خشبتي مرة أخرى
    وأنا المعروف في السماء نجمة الصبح ودرع الأنبياء والحصن الحصين
    وأنا الأسد الذي كر مع الكرار في بدر وأحد وحنين
    وأنا حبيب الرسول وبرعمه الطبين بأمور الدين
    وأنا ص ونهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد
    وأنا الحجر والركن اليمين
    أبتاه إليك أشكو
    وإنما شكواي إلى الحق اليقين والقادر الناصر المبين
    قلَّ يا أبتاه على الحق ناصري، وعدوي الباطل لا يعدّ الناصر والمعين
    كما قل ناصر جدك أمير المؤمنين، وزرافات تنصر ابن صهاك اللعين
    وكما قل ناصر جدك الحسين وسبعون ألفاً ينصرون ابن الزناة يزيد بن ميسون
    جوّزوا الشورى وسقيفة الطغاة التي غرست قصباتها في صدر الحسين
    أبتاه أقسم عليك بنرجس العسكري ابنة الوصي شمعون
    أمك وأمي الطاهرة الزكية سيدة الحصون
    وأنت لا ترد لها يداً مدت إليك يا ابن البتول سيدة نساء العالمين
    أبتاه أغثني وفرج الكرب يا غياث المستغيثين
    أبتاه نصرك الموعود فقد طالت مع العداة سنين
    أبتاه قد مررت بكل طغاة الأرض مع نوح وإبراهيم وموسى الكليم
    وعيسى ومحمد وعلي ومع الحسين
    أبتاه لكني لم أرَ طغاة كطغاة اليوم مستكبرين مجون
    أبتاه إن تنصر فنصرك منقذي
    وإن قلت اصبر فصبر جميل والله معين

    ابنكم
    أحمد الحسن

















    تقديــم













    الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
    الحمد لله الذي خلق الخلق وأرسل لهم الرسل، وجعل العلم بكتب السماء دليلاً عليهم يعرفهم به من خلصت نيته وشحذ لمعرفة الحق همته.
    الحمد لله الذي جعل علم الكتاب مختصاً بمن أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وجعل لمن ينتحل مقامهم جهنم يصلاها ملوماً مخذولاً.
    الحمد لله الذي جعل محمداً وآل محمد لنا وسيلة لرضاه، ولم يجعل في غيرهم سبيلاً للنجاة، الحمد لله الذي جعل ولايتهم حسنة لا تضر معها سيئة، وجعل نكرانهم سيئة لا تنفع معها حسنة.
    الحمد لله الذي جعلهم ترجماناً للكتاب، وجعله من غيرهم مغلقاً بلا باب، فهم عدل القرآن وترجمانه، خلفاء الرسول وآذانه، كهف الورى شموس الدجى ليوث الوغى، من حاد عنهم خف ميزانه.
    اللهم فصلِّ عليهم كلما طلعت شمس وغربت، وكلما هبَّت ريح وسكنت، اللهم صلِّ عليهم بعدد رمال البر وقطرات المطر وعدد أوراق الشجر وما يحويه البر والبحر، اللهم صلِّ عليهم بعدد أنفاس الخلائق، من ناطق وغير ناطق، صلاة دائمة نامية زاكية يصعد أولها، ولا ينفد آخرها، وأجعلها ذخراً لنا يوم نلقاك، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتاك بولايتهم والكفر بولاية غيرهم اللهم اجعل كل صلواتك على جدهم المصطفى أولاً وعليهم ثانياً، ولا تفارق بيننا وبينهم دائماً أبداً برحمتك يا أرحم الراحمين.
    قال الله : ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ ( ).
    وقد نص الرسول محمد وآل بيته على أن متشابه القرآن لا يعلمه إلا الرسول والأئمة من ذريته ، ولا يعرف إلا عن طريقهم وبابهم .
    عن أبي جعفر : (نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله) ( ).
    وعن أبي عبد الله ، قال: (الراسخون في العلم: أمير المؤمنين  والأئمة من ولده ) ( ).
    وعن أبي جعفر في قوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ( )، قال: (هم الأئمة المعصومون ) ( ).
    والأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب، ومنها يتبين أن تفسير أو تأويل متشابه القرآن علم قد خُص به الأئمة من أوصياء الرسول إلى يوم القيامة، ولا يوجد عند غيرهم أبداً إلا أن يكون مأخوذاً عنهم .
    بل إن القرآن كله محكم عند الأئمة فلا يوجد متشابه عندهم ؛ لأن المتشابه ما تشابه على صاحبه، وأهل البيت لا يشتبه عليهم القرآن فهم ترجمانه بعد الرسول محمد .
    عن هرول بن حمزة، عن أبي عبد الله ، قال: سمعته يقول: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ( )، قال: هم الأئمة خاصة) ( ).
    وعن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر  قال: قلت له: قول الله: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أنتم هم؟ قال: (من عسى أن يكونوا غيرنا؟!) ( ).

    إذن، فالقرآن كله آيات بينات عند الأئمة لا يوجد فيه متشابه، ولذلك انحصر تفسير القرآن في الأئمة ؛ لأن غيرهم لا يعرف ما تشابه من القرآن ولا يفقه تأويله، وفاقد الشيء لا يعطيه. وقد نبه الأئمة على هذه الحقيقة مرات عديدة في رواياتهم، وحذروا عن تفسير القرآن بالرأي، ونبهوا كذلك على أن كلام الله تعالى لا يشبه كلام البشر فلا يمكن قياسه عليه، ولنطلع على بعض كلامهم في هذا الموضوع لتتضح المسألة:
    عن الصادق ، قال: (إن الله بعث محمداً، فختم به الأنبياء، فلا نبي بعده، وأنزل عليه كتاباً، فختم به الكتب، فلا كتاب بعده - إلى أن قال: فجعله النبي علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم الناس، وهم الشهداء على أهل كل زمان حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر، وطلب علومهم، وذلك أنهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام، وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا).
    ثم ذكر  كلاماً طويلاً في تقسيم القرآن إلى أقسام وفنون ووجوه، تزيد على مائة وعشرة، إلى أن قال : (وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه أفعاله أفعالهم، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى إلا نبيه وأوصياؤه ... إلى أن قال: ثم سألوه  عن تفسير المحكم من كتاب الله، فقال: أما المحكم الذي لم ينسخه شيء فقوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ ( ) الآية. وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء، ونبذوا قول رسول الله وراء ظهروهم ... الحديث) ( ).
    عن جابر بن يزيد، قال: سألت أبا جعفر  عن شيء من التفسير، فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا، فقال: (يا جابر، إن للقرآن بطناً [وللبطن بطناً] وله ظهر، وللظهر ظهر، يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، وإنّ الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متصل متصرف على وجوه) ( ).
    عن المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله  في رسالة: (فأما ما سألت عن القرآن، فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة، لأن القرآن ليس على ما ذكرت وكل ما سمعت فمعناه [على] غير ما ذهبت إليه، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حق تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، وأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول الله : [إنه] ليس شيء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله، وإنما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه، والناطقين عن أمره، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم، لا عن أنفسهم، ثم قال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. فأما عن غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً، ولا يوجد، وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر؛ لأنهم لا يجدون من يأتمرون عليه ومن يبلغونه أمر الله ونهيه، فجعل الله الولاة خواص ليقتدى بهم، فافهم ذلك إن شاء الله، وإياك وإياك وتلاوة القرآن برأيك، فان الناس غير مشتركين في علمه، كاشتراكهم فيما سواه من الأمور، ولا قادرين على تأويله، إلا من حده وبابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله، واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله) ( ).
    وقد بيّن الأئمة تكليف الأمة تجاه القرآن، وما عليهم وما لهم:
    عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر  - في حديث كلامه مع عمرو بن عبيد - قال: (وأما قوله: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ ( )، فإنما على الناس أن يقرؤوا القرآن كما انزل، فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو!) ( ).
    عن علي ، قال: (اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون - إلى أن قال: - قالوا: فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد ) ( ).
    وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال: ( من فسر القرآن برأيه، إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ خرّ أبعد من السماء) ( ).
    وعن موسى بن عقبة أن معاوية أمر الحسين  أن يصعد المنبر فيخطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ( نحن حزب الله الغالبون، وعترة نبيه الأقربون، أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله، فيه تفصيل لكل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا، فان طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ﴾ ( )، وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ... الحديث) ( ).

    وكذلك نلاحظ كيف منع الأئمة بعض الذين كانوا يفتون الناس ويفسرون القرآن برأيهم أمثال أبي حنيفة:
    عن شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله ، قال: (كنت عند أبي عبد الله  إذ دخل عليه غلام كندة فاستفتاه في مسألة فأفتاه فيها، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة فدخلت على أبي حنيفة، فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله ، فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة إني كنت العام حاجاً فأتيت أبا عبد الله  مسلماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته. فقال: وما يعلم جعفر بن محمد أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي، فقلت في نفسي: والله لأحجن ولو حبواً، قال: فكنت في طلب حجة فجاءتني حجة فحججت فأتيت أبا عبد الله  فحكيت له الكلام فضحك ثم قال: عليه لعنة الله أما في قوله: إني رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف إبراهيم وموسى، فقلت له: ومن له بمثل تلك الصحف؟
    قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه، فقال للغلام: انظر من ذا؟ فرجع الغلام، فقال: أبو حنيفة. قال: أدخله، فدخل فسلّم على أبي عبد الله ، فردّ ، ثم قال: أصلحك الله أتأذن لي في القعود فأقبل على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت إليه. ثم قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه، فجلس أبو حنيفة من غير إذنه، فلما علم أنه قد جلس التفت إليه فقال: أين أبو حنيفة ؟ فقال: هو ذا أصلحك الله، فقال: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم. قال: فبما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه. قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم، قال: يا أبا حنيفة ولقد ادعيت علماً ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا ، وما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول - ولست كما تقول - فأخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾ ( ) أين ذلك من الأرض؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله  إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون؟ قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿َمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ ( )، أين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال: أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟ قال: فسكت، ثم قال: يا أبا حنيفة إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله، ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع؟ فقال: أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي. قال: يا أبا حنيفة إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فسكت أبو حنيفة. فقال: يا أبا حنيفة أيما أرجس البول أو الجنابة؟ فقال: البول. فقال: الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول، فسكت. فقال: يا أبا حنيفة أيما أفضل الصلاة أم الصوم؟ قال الصلاة. فقال: فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ فسكت ..... الحديث) ( ).
    وعن زيد الشحام، قال: (دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر  فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة: نعم فقال له أبو جعفر : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت، وأنا أسألك .. إلى أن قال أبو جعفر : ويحك يا قتادة! إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال، فقد هلكت وأهلكت ويحك يا قتادة! إنما يعرف القرآن من خوطب به) ( ).
    عن عبد الرحمن السلمي أن علياً  مر على قاض، فقال: (أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، فقال: هلكت وأهلكت تأويل كل حرف من القرآن على وجوه) ( ).
    عن أبي الصلت الهروي، عن الرضا  - في حديث - أنه قال لابن الجهم: (اتق الله، ولا تؤوّل كتاب الله برأيك، فانّ الله يقول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾) ( ).
    ومن هذه القصص وما سبقها من روايات ينتج اليقين بألّا يمكن لأحد أن يفتي الناس أو يفسر القرآن برأيه إن لم يكن من الذين يعلمون محكم القرآن من متشابهه وناسخه من منسوخه، وإنّ هذا العلم خاص بالذرية المعصومة وهم خلفاء الرسول إلى يوم القيامة الأئمة والمهديون .
    وإنّ من حكمة اختصاص علم متشابه القرآن بالحجج المعصومين هو معرفة المعصوم والاضطرار إلى طاعته لعدم وجود باب إلى معرفة القرآن غيره، ولئّلا يدعي الإمامة كل من هب ودب؛ لأنّ من يفعل ذلك سيجد نفسه في بحار من الأمواج المتلاطمة، وسيظهر تناقضه واضطرابه في تفسير القرآن كنار على علم لمن لهم قلوب يفقهون بها.
    عن أمير المؤمنين  في احتجاجه على زنديق سأله عن آيات متشابهة من القرآن، فأجابه - إلى أن قال  -: (وقد جعل الله للعلم أهلاً وفرض على العباد طاعتهم بقوله: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾، وبقوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، وبقوله: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ( )، وبقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، وبقوله: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ ( )، والبيوت هي بيوت العلم التي استودعها الأنبياء، وأبوابها أوصياؤهم، فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي الأوصياء وعهودهم، وحدودهم وشرائعهم، وسننهم، ومعالم دينهم مردود غير مقبول، وأهله بمحل كفر وإن شملهم صفة الإيمان، ثم إن الله قسم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل، وقسماً لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام، وقسماً لا يعلمه إلا الله وملائكته والراسخون في العلم. وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل المستولين على ميراث رسول الله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمام بمن ولي أمرهم فاستكبروا عن طاعته .. الحديث) ( ).
    بل روي أن هناك تأويلاً للقرآن في كل زمان، ولا يعرف هذا التأويل إلا الإمام الحجة المنصب من الله تعالى:
    عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (إن للقرآن تأويلاً، فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجيء، فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمة عرفه إمام ذلك الزمان) ( ).
    وبهذا يتبين أن تأويل القرآن ومعرفة المحكم من المتشابه مختص بالإمام المعصوم من أوصياء الرسول محمد ، ولا يمكن أن يعرف عن غيره أبداً.
    ويتبين أيضاً من الرواية السابقـة أنّ تأويل القرآن في عصر الظهور لا يعرفه إلا الإمـام المهدي  أو من اتصل به اتصالاً مباشراً وتحمل ذلك العلم منه ، وبهذا نعرف أن الإمام المهدي  أو من اتصل به يعرف عن طريق إفحامه لجميع العلماء في معرفة علم متشابه القرآن وإحكامه، كما اثبت أجداده إمامتهم عن طريق ذلك العلم الخاص بهم .
    فعلى المتصدين والذين يدعون المرجعية مناقشة السيد أحمد الحسن في هذا العلم المقدس، فإن عجزوا عن ذلك أو لم يستجيبوا لذلك يثبت حق السيد أحمد الحسن، وإنه وصي ورسول الإمام المهدي ؛ لأن هذا العلم لا يكون إلا عند أوصياء الرسول محمد كما صرحت به الروايات المتواترة.
    والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الأئمة والمهديين.

    الشيخ ناظـم العقـيلي
    1429 هـ . ق

    سؤال/ 122: ما معنى كلام الحسين : (كم من كرب يضعف فيه الفؤاد) ( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    الحسين  في هذا الكلام الذي يناجي به الله سبحانه وتعالى، ويشكو إليه حزنه العميق -فالكرب هو: هم النفس وحزنها - يبيّن عظيم مصابه، بأن يرى بعينيه الباطل يقتل الحق، ويظهر عليه في تلك اللحظات، وتلك المصيبة التي لا يقوى فؤاد إنسان على الاستقلال بها والقيام بها، وهو يمتلئ بذلك الحزن العميق، إلا أن يسدده الله سبحانه ويقويه بحوله وقوته.
    فالحسين  كأنه يقول لله سبحانه وتعالى: إلهي لا طاقة لي على حمل هذا الكرب العظيم إلا بحولك وقوتك، فكأنّ الحسين  يقول: (لا قوة إلا بالله).

         

    سؤال/ 123: لماذا أخرج الحسين  طفله عبد الله الرضيع  إلى جيش يزيد (لعنه الله) ليطلب له الماء؟ وهل كان يعلم  أنهم سوف يقتلونه؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    الحسين  أخرج رضيعه ليطلب له الماء، وكان يعلم أنه يقتل.
    واعلم أنّ للباطل جولة وللحق دولة ( )، ولكي تتم جولة الباطل فلابد لجند الشيطان (لعنه الله) أن يخوضوا في كل هاوية مظلمة، ولابد لهم أن يستفرغوا ما في جعبتهم وهم يخوضون المعركة مع جند الله.
    واعلم أنّ مصاب الحسين  قد خفّف عنكم الكثير الكثير مما لا طاقة لكم على حمله من ظلم الظالمين، لتنالوا رضا الله سبحانه، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.
    لقد فدى الحسين  دماءكم بدمه الشريف المقدس، وفدى نساءكم وأعراضكم بخير نساء العالمين من الأولين والآخرين بعد أمها فاطمة ، وهي زينب ، وفدى أبناءكم بالرضيع.
    والإمام المهدي  وأنا العبد الفقير المسكين أكثر خلق الله رقابنا مثقلة بفضل الحسين ، ودين الحسين  قد أثقل ظهري ، ولا طاقة لي بوفائه إلا أن يوفيه الله عني.
    واعلم أنّ الإمام المهدي  عندما يقول للحسين : (لأبكينك بدل الدموع دماً) ( )، يقولها على الحقيقة لا المبالغة، وهذا لأنّ الحسين  فدى قضية الإمام المهدي  بدمه الشريف وبنفسه المقدسة، فجعل نفسه فداء لقضية الإمام المهدي ، فهو ذبيح الله، أي كما أنك عندما تبني بيتاً تفدي له كبشاً، كذلك الله سبحانه وتعالى لما بنى عرشه وسماواته وأرضه جعل فداءها الحسين .
    وقضية الإمام المهدي  هي قضية الله وخاتمة الإنذار الإلهي، وهي قضية عرش الله سبحانه وملكه وحاكميته في أرضه، قال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ ( ) أي بالحسين ، والمفدى هو الإمام المهدي ، فسلام على ذبيح السلام والحق والعدل.
    واعلم أنّ علياً الأكبر  ذبيح الإسلام، كما أنّ الحسين  ذبيح الله، والحمد لله وحده.


         
    سؤال/ 124: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾ ( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    عن أبي بصير عنه : ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾، قال: (هو السواد الذي في القمر) ( ).
    وكذلك عن أمير المؤمنين  عندما سُئل عن السواد الذي في القمر، قال : (هو قوله تعالى: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾) ( ). آية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس.
    والقمر كوكب مظلم يأخذ نوره من الشمس، والشمس نجم مضيء. وفي وجود آيتي الشمس والقمر والليل والنهار المترتب على غياب أحداهما وبزوغ الأخرى دليل واضح على التنظيم التفصيلي الدقيق ﴿وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾.
    وفي باطن الآية: فإنّ الشمس هو الحجة على الخلق، والقمر وصيه، فرسول الله هو الشمس، وعلي  هو القمر، وهكذا في كل زمان الشمس الحجة على الخلق، والقمر الوصي الذي يأخذ من الحجة على الخلق. والليل هو الظلام والظلم ودولة الظالمين، والنهار هو النور والعدل ودولة الحق ( ).
    ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْل﴾: آية الليل هو القمر، وهو الوصي والحجة على الخلق أيضاً، ومحوه أي إنّ الظلم والظلام يغطي حقه ويمنعه إياه، ولا يجري شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، ولذلك نسب هذا الأمر إليه سبحانه وتعالى، فلو شاء سبحانه أظهر آية الليل وهو القمر والوصي، كما هو الحال في زمن الإمام المهدي .
    ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾: وهي الشمس والحجة على الخلق عندما يظهر أمره على رؤوس الأشهاد، وتطأطأ له الرؤوس، وتنصاع لحقه الناس.
    ﴿لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ﴾: فضل الله سبحانه وتعالى هو الفضل الأخروي، وهو الفضل الحقيقي. فلتبتغوا فضلاً من ربكم: أي بالعمل الصالح مع الإمام الحجة  والجهاد بين يديه. ومن فضل الله العلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه ورسله وبكتبه وقصص الأمم السالفة وحساب يوم القيامة، وعلم كل شيء فصَّله الله في كتابه تفصيلاً.

         
    سؤال/ 125: لماذا قتل قابيلُ هابيلَ؟ وهل صحيح أن آدم أراد تزويج كل منهما توأم الآخر فأبى قابيل؟ فأمرهم آدم بتقريب القربان للتأكد من هذا الأمر؟!
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    في هذه المسألة لغط كثير، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى حرّم زواج المحارم في أمّ الكتاب ( )، وكل الشرائع والكتب السماوية فيها هذا التحريم، وفي شريعة آدم كذلك، فمسألة زواج ولد آدم  هي كالتالي: ولدت حواء لآدم  قابيل ثم هابيل، وتزوج قابيل امرأة خلقها الله سبحانه له وكانت طالحة، وهابيل تزوج امرأة خلقها الله له وكانت صالحة. وهاتان الزوجتان خلقهما الله كما خلق آدم وحواء من قبل، أي إن الله خلق زوجتين لقابيل وهابيل بقدرته سبحانه وتعالى.
    ثم إن الله أمر آدم أن يُعيِّن وصيه هابيل ، فلما علم قابيل اعترض على أمر التعيين، فأخبره آدم أن الأمر من الله وليس منه. وأمرهم بتقريب قربان إلى الله، فقرب هابيل كبشاً سميناً وقرب قابيل سنابل تالفة، فتُقبل قربان هابيل وأكلته النار. فتسعَّر الحقد في نفس قابيل على هابيل، ووسوس له الشيطان (لعنه الله) قتل أخيه، وطوَّعت له نفسه الأمارة بالسوء قتل أخيه ، فقتل قابيلُ هابيلَ حسداً، لأنه وصي آدم فتحقق وعد إبليس (لعنه الله) بالغواية، فأغوى قابيلَ وأصابه بدائه وهو (الأنا) والتكبر ومن لوازمها مرض الحسد .
    أما بقية الذرية، فإن زوجة هابيل كانت حاملاً فولدت ذكراً، وولد لآدم  بعد ذلك شيث ويافث، فولدت زوجة شيث ذكراً وأنثى، وولدت زوجة يافث أنثى، فتزوج ابن هابيل ابنة شيث، وتزوج ابن شيث ابنة يافث.
    والأنبياء من ذرية هؤلاء، وهذا هو فصل الخطاب، ولا يُكثِر الكلام في هذا الأمر بعد هذا البيان إلا كذاب على الله ورسوله.
         

    سؤال/ 126: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ ( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    الإنسان أوسع المخلوقات قدرة على معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى، ففطرة الإنسان هي الفطرة الأوسع والأعظم، وكما ورد في الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته) ( )، أي إن الإنسان مفطور على التحلي بأسماء الله سبحانه، حتى يصبح هو وجه الله سبحانه في خلقه ، وأسماءه الحسنى في الخلق.
    فالجدل في الآية يعني: الكلام بالحق والاحتجاج به على أهل الباطل، والإنسان هو: (علي بن أبي طالب ) ( ).
    أما الإنسان إذا انتكس فإنه يجادل بالباطل، ولكن مجادلة أهل الباطل سفيهة واهنة إذا ما عُرضِتْ على العقل السليم الذي يزن الأمور بعيداً عن الهوى والتعصب والتزمت.


    سؤال/ 127: ما معنى ما ورد في الدعاء بوصف الله سبحانه وتعالى بالجواد الواسع ( ) ؟ وهل صحيح بحسب ما يقول بعض العلماء إن الجواد الواسع هو لأن خزائنه لا تنفد وخزائن خلقه تنفد؟!
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    خزائنه سبحانه وتعالى لا تنفد، لكن من هو الأعظم والأوسع جوداً الذي عنده دينار واحد فينفقه، أم الذي عنده أموال لا تعد ولا تحصى فينفق منها، ومهما أنفق منها فهي لا تنفد؟!
    من المؤكد أن الذي عنده دينار واحد هو الأوسع جوداً؛ لأنه أنفق كل ما عنده، أما الآخر فهو ينفق من خزائن لا تنفد، فمهما أنفق فهو لا ينفق كل ما عنده، فلا يكون جواداً واسعاً، إلا إذا أعطى خزائنه التي لا تنفد، أي إنه يعطي نفسه، أي إنه يجود بنفسه، والجود بالنفس غاية الجود، وهذا يفسره حديث: (الصوم لي وأنا أُجزى به) ( )، أي إن جزاء الصوم عن الأنا -أي ترك الأنا - هو الله سبحانه، ومعنى هذا أن يكون العبد لسان الله ويد الله . . . . . ( )، أي أن يستكمل العبد درجات الإيمان العشر، فيكون منا أهل البيت ، قال تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ( )، أي إنه يكون ممن أهلـه حاضرو المسجد الحـرام، أي من أهل بيت محمـد كسلمان الفارسي  ( ).
    فالجواد الواسع هو الذي يجود بنفسه، فالله سبحانه وتعالى يجازي عباده المخلصين الذين أعرضوا عن الأنا بعد إعراضهم عن الدنيا وزخرفها، وبعد طاعتهم له سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، بأن يجعلهم مثله في أرضه ، فقولهم قوله، وفعلهم فعله ، وهذا ما ورد عنهم إن قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا ( )، وإنّ روح ولي الله تصعد إلى الله سبحانه، فيخاطبه الله سبحانه فيقول له: أنا حي لا أموت، وقد جعلتك حياً لا تموت ( ).
    قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه﴾( ). فيكون العبد ممن شاء الله أن لا يصعق ولا يموت إلا الموتة الأولى، وهي نوع ارتقاء وليست موتاً حقيقياً، إنما الموت الحقيقي هو موت الروح لا الجسد: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ ( ). هذه هي حقيقة الجواد الواسع، أسأل الله أن يجعلكم ويجعلني ممن عرفوا الجواد الواسع حقيقة لا لفظاً ومعنى.
         

    سؤال/ 128: ما معنى قول إبراهيم : ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ في قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ ( ) ؟ وهل صحيح أنّ إبراهيم  قالها لأنه كان يحمل همَّ ذريته، كما يقول بعض العلماء؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    عندما حمل إبراهيم  وهو شاب الفأس وكسَّر الأصنام، وألقاه النمرود وعلماء الضلالة في النار، كافأه الله سبحانه وتعالى بدون أن يطلب هو ، بأن جعل الأنبياء اللاحقين بعده من ذريته. ثم إن إبراهيم  استمر بدعوته الإلهية، فلما امتحنه الله سبحانه وتعالى بالكلمات ونجح إبراهيم  بالامتحان والابتلاء خاطبه تعالى فقال له: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾.
    ومرتبة الإمامة الإلهية مرتبة عالية، لم ينلها كل الأنبياء والمرسلين ، وهنا سأل إبراهيم  الله سبحانه وتعالى هذا السؤال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾، أي وهل أنّ الأنبياء الذين بشرتني بهم فيما مضى هم (أئمة) أيضاً ؟ فقال تعالى: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، أي الظالمين من الأنبياء . وظلم الأنبياء ليس كظلم غيرهم وإنما هو من نوع (حسنات الأبرار سيئات المقربين) ( )، أي إتيانهم بالعمل ليس على الوجه الأمثل بسبب التمايز بالمعرفة بينهم فكل منهم يعبده سبحانه بحسب معرفته ولذا تتفاوت عبادتهم، فتكون سجدة من محمد أفضل من عبادة الثقلين، وضربة من علي  بـ (عبادة الثقلين) ( ).
    وهذا التمايز بيِّن بينهم ، وذكره تعالى: ﴿تلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ ( ).
    فنفس العمل لو كُلف به يونس النبي  وكُلف به محمد لم يكن إتيان يونس به في نفس مستوى إتيان محمد ، فهذا التقصير من يونس  في الإتيان بالعمل نسبةً إلى ما يأتي به محمد هو ظلم من يونس ؛ لأن هذا التقصير منعه من نيل رتبة عظيمة فُطِرَ كإنسان لينالها، وبالتالي فإنّ هناك مرتبة من هذا النوع من الظلم يجب أن يتجاوزها الأنبياء والمرسلون من ذرية إبراهيم  لينالوا مرتبة الإمامة، ولهذا قال تعالى: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي لا ينال الإمامة كل الأنبياء من ذريتك يا إبراهيم، إنما ينالها الأنبياء والمرسلون من ذريتك الذين يتجاوزون هذا الظلم، فيرتقون إلى هذه المرتبة ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونََ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ( ).
    وقد أشار تعالى في القرآن لبعض الأئمة من ذرية إبراهيم :
    ومنهم: موسى ، قال تعالى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى﴾ ( )، أي خالية من الظلم، فالإنسان يأخذ ويعطي باليد، واليد البيضاء تشير إلى عدالة الإنسان التامة مع الناس ومع الله سبحانه وتعالى، فموسى  طهر نفسه من الظلم بمرتبة عالية، كما في الآية: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
    ومنهم: عيسى ، قال تعالى مخبراً عن عيسى : ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ ( )، أي إنّ عيسى  نال مرتبة الإمامة، فهو يعطي الأمان لنفسه وللناس.
    وأشار تعالى إلى من لم ينل مرتبة الإمامة منهم كيحيى ، قال تعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ ( )، أي إنه لم يصل إلى مرتبة الإمامة لكي يعطي للناس ولنفسه الأمان، وإنما هو مهَّدَ الطريق لعيسى  ووجّه الناس إليه .
    أما قول بعضهم: إن إبراهيم  كان يحمل همَّ ذريته ، فإذا كانوا يقصدون أنه  أراد لهم الإمامة فهذا لا؛ لأنّ إبراهيم  لم يكن حريصاً على دنيا ولا على آخرة، إنما كان حريصاً على رضا الله سبحانه وتعالى. ودعاء الأنبياء وإبراهيم  لذريتهم إنما هو للصالحين منهم بعد علم الأنبياء بصلاحهم، ومن قبل إبراهيم  نوح  فإنه لعن ابنه بعد أن لعنه الله سبحانه، وبعد أن علم أنه ضال عن الصراط المستقيم ومن أهل الجحيم.
    فلم يكن إبراهيم  أو الأنبياء يحملون همَّ ذريتهم لأنهم أولادهم، وإلا لكانوا بذلك على درجة كبيرة من حب الأنا والانحراف عن الصراط المستقيم، (حاشاهم من ذلك) وهم خيرة الله من خلقه، إنما كان إبراهيم والأنبياء يحملون همَّ الصالحين من ذريتهم؛ لأنهم علموا بصلاحهم، ولأنهم علموا أن هؤلاء الأبناء الصالحين سوف يخلفونهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتحمل العناء والمشقة والأذى من الناس في سبيل نشر التوحيد وكلمة الله سبحانه وتعالى في أرضه.
    فكان إبراهيم  والأنبياء يحملون همَّ الصالحين من ذريتهم؛ لأنهم أولياء الله سبحانه، لا لأنهم أولادهم. والفرق شاسع بين الأمرين، كالفرق بين حب الله سبحانه، وحب الدنيا في قلب الصالح والطالح.
         

    سؤال/ 129: قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ ( ). من هم المقربون؟ ومن هم الأولون؟ ومن هم الآخرون؟ ولماذا من الأولين ثلة ومن الآخرين قليل؟!
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    المقربون: هم سبعون ألفاً شيعة علي بن أبي طالب ، أو: الإنسان الكامل المذكور في القرآن، وهؤلاء فيهم بعض الأنبياء والمرسلين والأئمة ( )، وقليل من أمة محمد كسلمان ومالك الأشتر والثلاثمائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي  ( ).
    والأولون: هم الأمم السالفة وفيهم كثير من الأنبياء والمرسلين، وهم (124) ألف نبي، فيهم كثير من المقربين.
    والآخرون: هم أمة محمد ، وفيهم جماعة من المقربين أقل بكثير من العدد الموجود في الأمم السالفة، والذين معظمهم أنبياء ومرسلون.
    والمقربون من الأمم السالفة وهم أنبياء ومرسلون عددهم إذا قيس إلى عدد بني آدم فهم جماعة قليلة، ولذلك عبر عنهم بالثلة، فهم عشرات الآلاف نسبة إلى مليارات البشر.
    أما المقربون من أمة محمد ، فعددهم نسبة إلى هذه الثلة من الأمم السالفة قليل، فهم مئات نسبةً إلى المقربين من الأمم السالفة وهم عشرات الآلاف، ونسبةً إلى بني آدم وهم مليارات.
    وأيضاً المقربون هم شيعة رسول الله محمد ، وفي هذه الحالة يدخل فيهم قائدهم وسيدهم علي ، فيكون هو وخاصته القليل من الآخرين.

         

    سؤال/ 130: ما معنى قول أمير المؤمنين  للدنيا: (يا دنيا غرّي غيري إليَّ تعرضت أم إليَّ تشوفت هيهات هيهات قد بنتك ثلاثاً لا رجعة فيها) إرشاد القلوب ( )، هل أن أمير المؤمنين  طلق الدنيا كالطلاق العادي أي أنه تركها، ثم عاد لها، ثم تركها، وهكذا ثلاث؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    هذا المعنى الذي ذكرته يعني أنه رغب فيها بعد تركها غير صحيح، ولكنه  رفضها في الطفولة وفي الشباب وفي الكبر، قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ ( ).
    وعلي  دخل الإسلام في طفولته ولم يُعرف عنه اللعب، بل عُرف بالجد والجهاد في الدفاع عن محمد والإسلام منذ صباه. ثم إنه قضى شبابه يمسح العلق والعرق في سبيل الله، فمن معركة إلى معركة يكاد لا يداوي جراحه، ثم إنه في الكبر لم يهتم لقليل الدنيا ولا لكثيرها.
    فها هو علي  في طفولته لم يلعب ولم يلهُ، وفي شبابه لم يعرف الزينة والاهتمام بالمظهر، وفي كبر سنه لم يجمع شيئاً من تراث الدنيا، فقد بانها ثلاثاً كما قال علي . وأيضاً: بانها ثلاثاً بكل وجوده الملكي الجسماني، والملكوتي في السموات الست، والعقلي في السماء السابعة.
         

    سؤال/ 131: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾( ).

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    أي إنّ الله سبحانه وتعالى المهيمن على الأمر والموجه له كيف يشاء، فهو سبحانه وتعالى يوجه الكون الجسماني والروحاني إلى الغاية التي يشاؤها سبحانه وتعالى، وإلى الغرض الذي خلق لأجله الخلق. فمثلاً قصة نبي الله يوسف  وما جرى عليه من ابتلاء فقد أُلقي في البئر، ثم بيع ووقع في ذل العبودية، ثم اُتهم بالفاحشة وهُتكت سمعته ، ثم أُلقي في السجن وفي النهاية أصبح عزيز مصر. وكان سبباً لاستيطان بني إسرائيل في مصر، وما تبع هذا الاستيطان من بعث موسى  (قائم آل إبراهيم) في مصر ومواجهته لفرعون مصر.
    وفي كل الأحداث والابتلاءات التي حصلت ليوسف  فإن الله غالب على الأمر ومهيمن عليه ولو شاء لما حصلت، ولكنه شاء أن تحصل، ومعظمها بسبب الشيطان أو وسوسته ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل مكر الشيطان ينقلب عليه ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ ( )، ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ ( ).
    وبُدِّل سوء حال يوسف  إلى أحسن حال، فمن السجن وذل العبودية إلى الحرية والملك، فهو سبحانه مبدل السيئات بالحسنات.
    فالمسيرة العامة وإن كانت فيها مداخلات كثيرة للشيطان وجنده من الإنس والجن، ولكن الله سبحانه وتعالى يجعل نتيجتها ومحصلتها ما يريده هو سبحانه وتعالى ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ( )، ومن تيقن أن الله غالب على أمره لا يهتم لنزول البلاء، إلا أن يتوجه بالشكر لله سبحانه وتعالى.
    وإن شئت ثنَّيتُ لك بأيوب  وعظيم بلائه، فهو لم يواجه البلاء إلا بالشكر والامتنان لله سبحانه وتعالى، فكانت عاقبته خير الدنيا والآخرة: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ ( ).
    والعاقبة للمتقين، فيجب أن تكون هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ( ) شعاراً يعلقه أهل اليقين في أعناقهم.

         

    سؤال/ 132: قول سليمان : ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ ( )، فما هو طلب النبي؟ بعضهم يقول: رد الشمس، وبعضهم يقول: رد الخيل وقتلها.
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    إنما سليمان  طلب من الملائكة الموكلين بالشمس أن يردوها إلى كبد السماء بعد غيابها، بأمر من الله سبحانه وتعالى، ليصلي العصر بعد فواتها، بسبب انشغاله بإعداد الخيل للجهاد ( ).
    سؤال/ 133: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثم أنابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ ( ).
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    أي امتحنا سليمان، وهذا الامتحان في المفاضلة بين عبادتين هما الجهاد والصلاة، فقدَّم سليمان  الجهاد على الصلاة حتى فات وقتها، فتوجه إلى الملائكة فردوا الشمس بإذن الله، فصلى سليمان  صلاة العصر بعد أن فاتته وغابت الشمس؛ لأنه كان مشغولاً بالتهيئة للجهاد في سبيل الله ( ).
    ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل على سليمان  مَلَك الفرقان ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً﴾ ليعرّفه الفاضل من المفضول، والمقدم من المؤخر. وهذا المَلَك هو (كتاب كُتب فيه الحق الذي يريده الله سبحانه وتعالى). فعَلِم سليمان  بعد نزول الفرقان عليه أنه أخطأ بتقديم الجهاد على الصلاة ﴿ثم أنابَ﴾، وطلب المغفرة من الله سبحانه ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ .
    وطلب سليمان أن يكون مُلك بني إسرائيل في ذريته، وكان المُلك في بني إسرائيل بعد داود  قريناً مع النبوة، فطلب سليمان  أن يكون من يتحمل نصرة دين الله هم من ذريته ليكون له قدم في نصرة دين الله معهم، وخصوصاً مع قائم آل يعقوب وهو عيسى ، فطلب سليمان أن يكون من ذريته، وبالفعل فإن مريم أم عيسى  هي من ذرية سليمان، ومُلك عيسى  هو أعظم مُلك في بني إسرائيل، وكانوا موعودين به وينتظرونه.
    فقول سليمان: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾: أي مُلك اليهود، أي أن يكون من ذريته وخصوصاً عيسى ؛ لأن مُلك عيسى  ليس مثله مُلك في اليهود، فهو قائم آل يعقوب المنتظر. فطلب سليمان أن يكون مَلِك اليهود عيسى من ذريته، فلا ينبغي أن يكون في ذرية أحد غيره مثل عيسى  مَلِك اليهود؛ لأنه لا نظير له في بني إسرائيل.
    وربما يفهم بعض من غفل عن الحقيقة أن مُلك الله سبحانه وتعالى هو المتحقق في هذه الحياة الدنيا، وهذا باطل؛ لأن مُلك فرعون ونمرود وأمثالهم إنما هو مُلك الشيطان وحاكميته ( )، فمُلك الله يهبه الله لمن يشاء من عباده الصالحين، وليس ضرورياً أن يحكم، بل هو في الغالب على طول مسيرة هذه الإنسانية المتمردة على خالقها لم يحكم من عيَّنه الله مَلِكاً، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ ( )، مع أن معظم من آتاهم الله المُلك من آل إبراهيم لم يملكوا على هذه الأرض، بل ربما قتل بعضهم وقهر وظلم من الطغاة أشد الظلم.
    فالمُلك الذي أراده سليمان  هو مُلك يهبه الله سبحانه وتعالى له، ثم إنه يكون أعظم وأفضل مُلك يهبه الله لليهود من بني إسرائيل، وهو بهذا طلب أن يكون مَلِك اليهود المنتظر من ذريته وهو عيسى  وإن لم يحكم عيسى ولم يَملُك، ولكنه المَلِك المعيَّن من الله، وشاء الله له الرفع حتى ينـزل مع الإمام المهدي ، ويحكم ويَملُك في دولة الإمام المهدي .

         

    سؤال/ 134: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ ( ).
    هل يفهم من هذه الآية بأن الملائكة قِسم من تنـزلها يكون في الرؤيا لتبشير للمؤمنين؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    نعم هذا أكيد، فالملائكة يبشرونهم بالرؤيا الصالحة بصلاح طريقهم واستقامة وحسن عاقبتهم؛ لأنهم على ولاية الله سائرون، ولولي الله متابعون.
    وفي هذه الآية: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ( )، قال الرسول : (الرؤيا الصالحة)( ).
    في الحديث عن جابر عن أبي جعفر ، قال: قال رجل لرسول الله في قول الله عز وجل: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: (هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه) ( ).
    ولو تدبرت كلام الله قبل هذه الآية وبعدها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ( ). وفي هذه الآيات:
    إن هؤلاء الذين قال عنهم تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يرون رؤيا تبشرهم بصلاح اعتقادهم وحسن عاقبتهم وصفهم تعالى بأنهم أولياء الله المتقون في الآيات قبلها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾، أي إنّ الذين يرون المبشرات هم أولياء الله المتقون.
    إن هذه الرؤى المبشرة - بحسن عاقبتهم - التي يراها المؤمنون وصفها تعالى بأنها كلامه سبحانه وتعالى، وهي حق لا تتبدل، وهي (من الغيب) الذي يُطلع عليه الله أولياءه المتقين ﴿لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
    إن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن الذين يعادون الأنبياء لا يصدقون بكلام الله في الرؤيا، وأمر سبحانه الرسول والمؤمنين أن لا يحزنوا لتكذيب هؤلاء الرؤيا، ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؛ لأن هؤلاء لا يكذبون الرسول والمؤمنين فحسب، بل هم يكذبون الله؛ لأنهم يجحدون آياته: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ( ).
    فالرؤيا آيات الله، وكلمات الله، وهي الميزان الحق الذي يعرف به الإنسان أنه على جادة الحق، وعلى الصراط المستقيم، والذين يجحدون بالرؤيا هم أعداء الله المكذبون للأنبياء والأوصياء ، ﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
    والقانون الإلهي من الآيات المتقدمة أن أولياء الله الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا، أي إنهم لابد أن يرون أو يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم وعقيدتهم، فالذين لا يرون ولا يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم ليسوا من أولياء الله، بل ولا من الذين آمنوا، ولا من المتقين.
    والآن إذا انتقلنا إلى آية أخرى تُبيّن فائدة الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ( )، أي إنّ الصيام كُتب عليكم رجاء أن تكونوا متقين، والمتقي يعلم تقواه من الله سبحانه بالميزان الإلهي الحق وهو: (كلمات الله وآيات الله) التي يجحد بها الظالمون، وهي الرؤيا المبشرة كما عرفنا من الآيات المتقدمة.
    إذن، فالذي لا يَرى ولا يُرى له المبشرات باستقامة طريقه ليس من المتقين، بل ولا من الصائمين بحسب هذه الآية، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ( )، وهؤلاء الذين ينكرون الرؤيا أرواحهم منكرة لوجود الله، ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ .
         
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    #2
    رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

    سؤال/ 135: لماذا التمهيد للإمام المهدي  وعلامات قيامه ودولته إذا استتب له الأمر في آخر الأمر في العراق؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    لأن مركز الكون الجسماني هو ضريح علي بن أبي طالب ، وهو في العراق.

         
    سؤال/ 136: ما معنى قول أمير المؤمنين  في دعاء الصباح: (عقلي مغلوب) ( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    من جهة الأنا والظلمة، فلو لم يكن فيه هذا الحال لكان محمد ، وكان في مرتبة ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾ ( )، وهي مرتبة محمد ، فكما ذكرتُ سابقاً في سورة الفاتحة ( )، وفي المتشابهات ( ) أن محمداً فُتح له وكُشف له غطاء اللاهوت، فهو في حالة خفقٍ بين الفناء فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، وبين العودة إلى الأنا والشخصية.
    وعلي  لم يُكشف له هذا الغطاء، وقد ذكر هذا هو  عندما قال: (لو كُشف لي الغطاء لما ازددت يقيناً) ( )، أي الذي كشف لمحمد ، وإلا فهو كُشف له الغطاء دون مرتبة محمد .
         

    سؤال/ 137: ورد في تفسير سورة القدر أن فاطمة هي ليلة القدر ( )، فما معنى هذا الحديث عنهم ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    قدمتُ في سورة الفاتحة ( )، وفي المتشابهات ( ) فيما سبق أن فاطمة هي باطن باب المدينة ، وظاهر الباب هو علي ، والمدينة محمد ، في مقابل الأسماء الثلاثة: (الرحيم، الرحمن، الله)، فهم صلوات الله عليهم أركان الهدى الثلاثة وتجلي أركان الاسم الأعظم الثلاثة: الله، الرحمن، الرحيم.
    والعلم كلّه في المدينة، فإذا أُريد إنزاله فمن الباب، وفي باطن الباب أولاً، ثم من ظاهر الباب إلى الخلق ( )، وباطن الباب فاطمة صلوات الله عليها فالنـزول فيها، وهي وعاء العلم الباطن، وفيها نزل العلم وما في المدينة (رسول الله أو القرآن)، وكما بيَّنت سابقاً في المتشابهات، فراجع ( ).
    فالقرآن ينزل في ليلة القدر، والقرآن ينزل في فاطمة، وليلة القدر هي فاطمة وكما قالوا : (نحن حجج الله وفاطمة حجة الله علينا) ( )، وكما قال : (فاطمة أم أبيها) ( )، والأم وعاء، وفاطمة (أو باطن الباب) هي الوعاء الذي ينزل فيه القرآن، والقرآن محمد .
    وهذا هو المعنى الباطن الثاني لهذا الحديث، عن رسول الله عن الله في الحديث القدسي: (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) ( ).
    وفاطمة هي وعاء نزول القرآن، فهي باطن باب المدينة الذي يفاض منه على الخلق، فوجودها ضرورة وبفقدانها لا يستقيم نظام الخلق لأنها ركن من الأركان الثلاثة، فهي وعاء نزول القرآن.
         

    سؤال/ 138: ما معنى قوله تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِـدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَـامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾( ).
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    خلق الله سبحانه وتعالى محمداً ، ثم خلق منه علياً وفاطمة، نوراً ظاهره علي وباطنه فاطمة ثم خلق الخلق منهما.
         
    سؤال/ 139: ما المراد من قوله تعالى: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ ( ) ؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    الفطور هي الأبواب التي تُفتح في السماء للملائكة عند ظهور القائم ، قال تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾ ( )، ونزول ملائكة السماء لنصرة الحق، ودين الله سبحانه وتعالى. وفي نهاية سورة المُلك: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ ( )، أي في الغيبة يرتفع عنكم العِلم، فلا يبقى في حوزتكم إلا الجهل ( )، فيأتيكم داعي الحق بالعلم الإلهي. وهو الماء المعين ( ).
         
    سؤال/ 140: هل من الممكن أن أعرف ما أو من المقصود بكلب أصحاب الكهف؟ وإن كان كلباً عادياً فلماذا أُورد ذكره أكثر من مرة في هذه القصة، أحياناً بصيغة الجمع: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ ( ) فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ ( ) ؟ أرجو التوضيح.
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    كان مع أصحاب الكهف كلب اعتيادي أيضاً، ولكن الأمر المهم لم يكن هذا الكلب، بل من يُسيِّر هذا الكلب ويسيطر عليه، وهو من الجن واسمه قطمير ( )، وللجنّ هذه القدرة من العروض على الحيوان كالقط والكلب وتسييره.
    وأراد هذا الجن (قطمير) أن يلفت انتباههم من خلال هذا الكلب إلى وجوده، وقدرته على مساعدتهم بعد إيمانه بدعوتهم.
    وقطمير من الجن الذين لهم قدرة على ملء القلوب رعباً وزلزلة قلوب الشجعان، قال تعالى: ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً﴾( ). والذي كان يملأ قلب من يقترب منهم رعباً هو هذا الجن قطمير الذي كان يتولّى حراستهم، وقطمير هو أحد أنصار القائم .
         

    سؤال/ 141: ما معنى قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ ( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    هما الحمرة المشرقية، والحمرة المغربية. تشير الحمرة المشرقية إلى دم علي ، والحمرة المغربية إلى دم الحسين ، هذا في الأئمة .
    أما في المهديين فتشير الحمرة المشرقية إلى دم أحد المهديين نظير علي ، والحمرة المغربية تشير إلى دم أحد المهديين أيضاً نظير الحسين  ( ).
    فهم مشرقان ومغربان، مشرق في الأئمة ومشرق في المهديين، ومغرب في الأئمة ومغرب في المهديين.
         

    سؤال/ 142: قال تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ ( ). هل الأرض المذكورة في هذه الآية هي أرض الجنة؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    الأرض: هي هذه الأرض، والذين ورثوها هم: خلفاء الله في أرضه، وهم الأوصياء والأنبياء والمرسلون ، ومن تابعهم وارتقى معهم إلى مقاماتهم العالية في كل السماوات الستة الملكوتية والسابعة الكلية.
    والله هو مالك الأرض، ولذلك قالوا أورثنا الأرض، أي استخلفنا فيها، فجعلنا خلفاءه في أرضه.
    أما الجنة، فهي في هذه الآية يُراد بها: الجنات الملكوتية، والجنة النورية في السماء السابعة. فهم لهم مقعد صدق في كل جنة ملكوتية، وفي الجنة النورية، ولذلك قالوا: نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فالآية تذكر نعمتين هما:
    • وراثة الأرض وكونهم خلفاء الله في أرضه .
    • والنعمة الثانية : هي أن لهم مقاماً في كل الجنات يتبوؤون منها حيث يشاؤون.
    والنعمتان مترابطتان؛ لأنه لا يكون خليفة الله في أرضه حتى يتم عقله ( )، ولا يتم عقله حتى يرتقي إلى السماء السابعة الكلية (سماء العقل).
    والوراثة تكون من سابق، والجنة لا سكان سابقين غادروها ليرثها الإنسان عنهم، ولكن الأرض التي نحن عليها لها سكان سابقون سبقوا بني آدم، وكذلك كل وصي وخليفة لله في أرضه، سبقه خليفة لله في أرضه فورثها عنه.
    ويبقى أن نفهم أن التبوّء من الجنة حيث يشاؤون سابق على وراثة الأرض، كما أنه لاحق لها حيث إنهم لا يكونون خلفاء الله في أرضه ويرثون الأرض إلا إذا كانوا يتبوؤون من الجنة حيث يشاؤون، أي إنّ لهم وجوداً في كل سماء، حتى السماء السابعة الكلية (سماء العقل)، فلا يبعث نبي حتى يتم عقله، أي يكون له مقام في السماء السابعة أو الجنة النورية.
         

    سؤال/ 143: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    أي إذا فتح كتاب (الجفر الأحمر) ( )، أي فتحه الله للقائم . وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أن السماء هي سجل، حيث قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ( ).
    فإذا انشقت السماء أو فُتحت يقرأ فيها القائم  إرادة الله ومشيئته في القضاء على المنحرفين، وأحكام القيامة الصغرى التي يكون القائم  هو الحاكم فيها، قال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾ ( )، ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ ( )، فإنّ القائم لا يحتاج إلى البينة ( )، بل يحكم بما يقرأ في صفحة السماء التي انشقت، ليخرج منها حكم الله سبحانه ( ).
         

    سؤال/ 144: السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي :
    من هو اليماني ؟ وهل هناك حدود لهذه الشخصية يعرف بها صاحبها ؟ وهل هو من اليمن ؟
    وهل هو معصوم بحيث لا يدخل الناس في باطل ولا يخرجهم من حق، وكما ورد في الرواية عن الباقر : ( إن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    يجب أولاً معرفة أن مكة من تهامة، وتهامة من اليمن، فمحمد وآل محمد كلهم يمانية، فمحمد يماني ( )، وعلي  يماني والإمام المهدي  يماني، والمهديون الإثنا عشر يمانية، والمهدي الأول يماني، وهذا ما كان يعرفه العلماء العاملون الأوائل (رحمهم الله)، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ ( ).
    وقد سمّى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار كلام أهل البيت بـ (الحكمة اليمانية)( )، بل ورد هذا عن رسول الله ( )، كما وسمّى عبد المطلب  البيت الحرام بـ (الكعبة اليمانية) ( ).
    أما بالنسبة لحدود شخصية اليماني:
    فقد ورد في الرواية عن الباقر : ( وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ( ). وفيها:
    أولاً: (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار): وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجة على الناس، بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا ( )، إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين.
    ثانياً: (أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق والطريق المستقيم، أو الصراط المستقيم تعني: أن هذا الشخص لا يخطأ فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق، أي إنه معصوم منصوص العصمة، وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني.
    أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، فإنه يجعل هذا الكلام منهم بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني، وحاشاهم من ذلك.
    النتيجة مما تقدم في أولاً وثانياً:
    إن اليماني حجة من حجج الله في أرضه ومعصوم منصوص العصمة، وقد ثبت بالروايات المتواترة والنصوص القطعية الدلالة أن الحجج بعد الرسول محمد هم الأئمة الإثنا عشر وبعدهم المهديون الإثنا عشر، ولا حجة لله في الأرض معصوم غيرهم، وبهم تمام النعمة وكمال الدين وختم رسالات السماء، وقد مضى منهم أحد عشر إماماً، وبقي الإمام المهدي  والاثنا عشر مهدياً، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي  فلابد أن يكون اليماني أول المهديين؛ لأن الأحد عشر مهدياً بعده هم من ولده: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ( )، ويأتون متأخرين عن زمن ظهور الإمام المهدي ، بل هم في دولة العدل الإلهي، والثابت أن أول المهديين هو الموجود في زمن ظهور الإمام المهدي  وهو أول المؤمنين بالإمام المهدي  في بداية ظهوره وتحركه، لتهيئة القاعدة للقيام، كما ورد في وصية رسول الله . ومن هنا ينحصر شخص اليماني بالمهدي الأول من الإثني عشر مهدياً.
    والمهدي الأول بيَّنت روايات أهل البيت اسمه وصفاته ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد وكنيته عبد الله - أي إسرائيل - أي إنّ الناس يقولون عنه إسرائيلي قهراً عليهم، ورغم أنوفهم.
    وقال رسول الله : (أسمي أحمد وأنا عبد الله أسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني) ( ).
    والمهدي الأول هو أول الثلاث مائة وثلاثة عشر، وهو: (من البصرة) و (في خده الأيمن أثر) و (في رأسه حزاز) و (جسمه كجسم موسى بن عمران ) ، و (في ظهره ختم النبوة) و (فيه وصية رسول الله ) و (هو أعلم الخلق بعد الأئمة بالقرآن والتوراة والإنجيل) و (عند أول ظهوره يكون شاباً)، قال رسول الله : (… ثم ذكر شاباً، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فانه خليفة المهدي) ( ).
    عن أبي عبد الله  عن آبائه عن أمير المؤمنين  قال : (قال رسول الله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي  يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي انه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، وساق الحديث إلى أن قال: وليسلمها الحسن  إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله و أحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين ) ( ).
    وعن الصادق  أنه قال: (إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ) ( ).
    وعن الصادق  قال: (إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ) ( ).
    وفي هذه الرواية القائم هو المهدي الأول وليس الإمام المهدي ؛ لأن الإمام  بعده إثنا عشر مهدياً.
    وقال الباقر  في وصف المهدي الأول: ( … ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين المشرف الحاجبين العريض ما بين المنكبين برأسه حزاز و بوجهه أثر رحم الله موسى) ( ).
    وعن أمير المؤمنين  في خبر طويل: (… فقال : ألا وإن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال …) ( ).
    وعن الصادق  في خبر طويل سمى به أصحاب القائم : (.. ومن البصرة .. أحمد ..) ( ).
    وعن الإمام الباقر  أنه قال: (... له - أي للقائم - اسمان اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد) ( ). وأحمد هو اسم المهدي الأول ومحمد اسم الإمام المهدي  كما تبين من وصية رسول الله .
    وعن الباقر : (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: " أحمد أحمد "، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) ( )، وأحمد هو اسم المهدي الأول.
    وفي كتاب الملاحم والفتن: (قال أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني) ( ).
    وفي الملاحم والفتن للسيد بن طاووس الحسني: (فيجتمعون وينظرون لمن يبايعونه فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قال إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني) ( ).
    وروى الشيخ علي الكوراني في كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي : (ما المهدي إلا من قريش ، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن) ( )، وبما أن المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي  فلابد أن يكون مقطوع النسب؛ لأن ذرية الإمام المهدي  مجهولون، وهذه الصفات هي صفات اليماني المنصور وصفات المهدي الأول؛ لأنه شخص واحد كما تبين مما سبق.
    وإن أردتَ المزيد فأقول: إن اليماني ممهد في زمن الظهور المقدس ومن الثلاث مائة وثلاث عشر ويسلم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدس، وأول مؤمن بالإمام المهدي  في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلابد أن يكون أحدهما حجة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديين حجج الله على جميع الخلق والمهدي الأول منهم فهو حجة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد فيصبح دور اليماني ثانوياً بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح لأن اليماني هو الممهد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدس، فتحتم أن يكون المهدي الأول هو اليماني واليماني هو المهدي الأول.
    وبهذا يكون اليماني: (اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خده الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شاباً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة، ومقطوع النسب، ويلقب بالمهدي، وهو إمام مفترض الطاعة من الله، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ويدعو إلى الإمام المهدي  و … و … )، وكل ما ورد من أوصاف المهدي الأول في روايات محمد وآل محمد ، فراجع الروايات في كتاب غيبة النعماني وغيبة الطوسي وإكمال الدين والبحار ( )، وغيرها من كتب الحديث.
    ويبقى أن كل أتباع اليماني من الثلاث مائة والثلاثة عشر أصحاب الإمام  هم يمانيون؛ باعتبار انتسابهم لقائدِهم اليماني، ومنهم يماني صنعاء ويماني العراق.
    ﴿كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ * إِنَّها لإَِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ * فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً * كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الآْخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ * وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ ( ).
    ﴿والقمر﴾: الوصي. ﴿والليل﴾: دولة الظالمين. ﴿والصبح﴾: فجر الإمـام المهدي ، وبداية ظهوره بوصيه كبداية شروق الشمس، لأنه هو الشمس.
    ﴿إِنَّها لإَِحْدَى الْكُبَرِ﴾: أي القيامة الصغرى. والوقعات الإلهية الكبرى ثلاث هي: القيامة الصغرى، والرجعة، والقيامة الكبرى ( ).
    ﴿نَذِيراً لِلْبَشَرِ﴾: أي منذر، وهو الوصي والمهدي الأول (اليماني)، يرسله الإمام المهدي  بشيراً ونذيراً بين يدي عذاب شديد، ليتقدم من شاء أن يتقدم، ويتأخر من شاء أن يتأخر عن ركب الإمام المهدي  ( ).
    ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾: وهذا واضح فكل إنسان يحاسب على عمله، ﴿إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ﴾، وهؤلاء مستثنون من الحساب وهم: المقربون وهم أصحاب اليماني الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي ، يدخلون الجنة بغير حساب، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ ( )، ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾، أي لم نك من الموالين لولي الله، وخليفته ووصي الإمام المهدي  والمهدي الأول (اليماني الموعود) ( )، فاليماني (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار).
    فحسبي الله ونعم الوكيل:
    لقد ابتلي أمير المؤمنين علي  بمعاوية بن هند (لعنه الله)، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقـة والجمل ، وقد ابتليت اليوم كما ابتلي أبي علي بن أبي طالب ، ولكن بسبعين معاوية (لعنه الله)، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون.
    والله ما أبقى رسول الله ، وآبائي الأئمة شيئاً من أمري إلا بيَّنوه ، فوصفوني بدقة، وسموني، وبيَّنوا مسكني، فلم يبقَ لبس في أمري، ولا شبهة في حالي بعد هذا البيان، وأمري أبين من شمس في رابعة النهار ، وإني أول المهديين واليماني الموعود.
         
    سؤال/ 145: قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ ( ). ما المعنى المراد من هذه الآية؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    قال رجل لأبي عبد اللّه : بلغني أن العامة يقرؤون هذه الآية هكذا: (تَكلمهم) أي تجرحهم، فقال : (كلمهم الله في نار جهنم ما نزلت إلا تُكلمهم من الكلام) ( ).
    وعن الرضا  في قوله تعـالى: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾، قال : (علي )( ).
    فالدابة في هذه الآية إنسان، وتوجد روايات بيَّنت أنه علي بن أبي طالب ، وهذا في الرجعة، فعلي  هو دابة الأرض ( ) في الرجعة يكلم الناس، ويبين المؤمن من الكافر بآيات الله
    سبحانه. وقبل الرجعة قيام القائم ، وأيضاً له (دابة تكلم الناس) ( )، وتبين لهم ضعف إيمانهم بآيات الله الحقة في ملكوت السماوات، وهي الرؤيا والكشف في اليقظة، وتبين لهم أن الناس على طول مسيرة الإنسانية على هذه الأرض أكثرهم لا يوقنون بآيات الله الملكوتية ولا يؤمنون بالرؤيا، والكشف في ملكوت السماوات، لأنهم قصروا نظرهم على هذه الأرض، وعلى المادة، وهي مبلغهم من العلم لا يعدونها إلى سواها، ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ ( ).
    وفي الجانب الآخر الأنبياء والأوصياء والرسل وأصحابهم يؤمنون بآيات الله، ويؤمنون بالرؤيا والكشف في ملكوت السماوات، وإنها طريقٌ لوحي الله سبحانه وتعالى، وما كانوا أنبياء لولا إيمانهم هذا، ولذا مدحهم الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ ( ).
    وقال: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ ( ).
    وقال تعالى عن الرؤيا: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ ( ). فمدح إبراهيم ؛ لأنه صدق بالرؤيا، ومدح مريم كذلك ؛ لأنها صدقت بالرؤيا، ومدح يوسف؛ لأنه صدق بالرؤيا وأوّلها، قال تعالى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ( ).
    واليوم تجد كثيراً من الناس ينكرون حقيقة الرؤيا، وإنها وحي من الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن نفوسهم الخبيثة منكرة وغير مؤمنة بالله سبحانه وتعالى، ولكنهم لا يعلمون. فهم كافرون بالله في عالم الذر، وكافرون بالولاية الإلهية، ولم يقرّوا لولي من أولياء الله قط في قلوبهم، وإنما جعلهم الله يقرون بألسنتهم ببعض الحق ليدفع الله بهم عن أوليائه ( ).
    والرؤيا طريق يكلم الله به عباده ( ) جميعهم وأنبياءه ورسله، أولياءه وأعداءه، المؤمن والكافر. فقد أوحى الله لفرعون مصر الكافر رؤيا استفاد منها يوسف  في بناء اقتصاد الدولة: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾ ( ).
    وقد أوحي الله لمحمد رؤيا عرَّفه بها ما يحصل لأهل بيته من بعده، وتسلّط بني أمية (لعنهم الله) على أمته: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ ( ).
    وقد عرض الله سبحانه وتعالى نفسه شاهداً للكفار بنبوة محمد إن طلبوا شهادته . وكيف يشهد الله سبحانه وتعالى للكفار إلا بالرؤيا، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ ( ).
    قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾، فالقول الذي يقع هو خروج القائم  وهو القيامة الصغرى ( )، ﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ ( )، والدابة: هو المهدي الأول ( ) الذي يقوم قبل القائم  ويكلم الناس ويبكتهم، ويبيّن لهم كفرهم بآيات الله الملكوتية (الرؤيا والكشف) وركونهم إلى المادة والشهوات، وإعراضهم عن ملكوت السموات.
    قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ( ).
    ورد في الروايات عنهم : (أنه الحق) أي: قيام القائم، والآيات التي يرونها في الآفاق، وفي أنفسهم هي كما ورد عنهم ؛ في الآفاق: (الفتن والقذف من السماء) ، وفي أنفسهم: (المسخ) ( ) .
    وأيضاً الآيات في الآفاق الملكوتية أي في آفاق السماوات، وفي أنفسهم بـ (الرؤيا والكشف)، فيريهم الله آياته الملكوتية حتى يتبيّن لهم أنه الحق، أي خروج القائم، وإنّ الذي يكلمهم هو: (المهدي الأول من المهديين الإثني عشر)، وهذا الآيات هي من العلامات التي ترافق المهدي الأول، وتبيّن للناس أنه الحق من ربهم.
    فهذه الآيات في الآفاق وفي الأنفس هي نفسها التي تتكلم عنها دابة الأرض، وتبكِّت الناس؛ لأنهم لا يؤمنون بها، وهي الآيات في ملكوت السماوات، وهي الرؤيا والكشف.
    ولابد هنا أن نعرج قليلاً على الرؤيا لنعرف مدى أهميتها عند الله سبحانه وتعالى في القرآن، وعند الرسول ، وعند آل بيته .
    • ففي القرآن: الله سبحانه وتعالى يسمي الرؤيا (أحسن القصص) ( )، ويقص علينا رؤيا يوسف ( ) ويبيّن تحققها في أرض الواقع.
    ويقص علينا رؤيا السجين( ) وتحققها في أرض الواقع المعاش، ويقص رؤيا فرعون الكافر ( ) واعتماد يوسف  وهو نبي عليها وتأسيسه اقتصاد الدولة بناءً على هذه الرؤيا، ومن ثَّم تحققها في الواقع المعاش. ويقص علينا القرآن حال بلقيس ملكة سبأ، فهي تعرف أن سليمان نبي كريم بالرؤيا، فتصدق الرؤيا وتؤمن في النهاية: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ ( )، فمن أين عرفت أنه كتاب كريم إلا من الله وبالرؤيا. وهكذا كل أنبياء الله ورسله وأوليائه سبحانه وتعالى، لا تفارقهم الرؤيا، آية عظيمة من آيات الله، وطريق يكلمهم الله سبحانه به، فالرؤيا طلائع الوحي الإلهي.
    • أما الرسول: فقد اهتم بالرؤيا أشد الاهتمام، حتى إنه كان كل يوم بعد صلاة الفجر يلتفت على أصحابه فيسألهم: (هل من مبشرات، هل من رؤيا) ( ). وفي يوم لا يخبره أحد من أصحابه برؤيا فيقول لهم: آنفاً كان عندي جبرائيل يقول: كيف نأتيهم ونريهم رؤيا والتفث في أظفارهم؟!
    وقال : (من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، ولا بأحد من أوصيائي) ( ). وقال، وقال، وقال في الرؤيا، راجع (دار السلام) ( ) وهو أربع مجلدات مليئة بالروايات التي تخص الرؤيا.
    كما أقر رسول الله الرؤيا كطريق هداية وإيمان، فأقر إيمان خالد بن سعيد بن العاص الأموي لرؤيا رآها به ( )، وأقرّ رؤيا يهودي رأى نبي الله موسى  وأخبره أن الحق مع محمد ( ). وأقر رسول الله أن الرؤيا حق من الله وكلام تكلم به الرب سبحانه عند عبده( ).
    • أما أهل البيت فقد ورد عنهم: (من رآنا فقد رآنا فان الشيطان لا يتمثل بنا) ( ). وورد عنهم : إن الرؤيا في آخر الليل لا تكذب ولا تختلف ( )، وإنّ الرؤيا في آخر الزمان لا تكذب ( )، وفي آخر الزمان يبقى رأي المؤمن ورؤياه ( ).
    وأقرّ الإمام الحسين  إيمان وهب النصراني لرؤيا رآها بعيسى ، وأقر الإمام الرضا  إيمان بعض الواقفية لرؤيا رآها، فقد آتاه أبو الحسن الرضا  في الرؤيا، وقال له: والله لترجعن إلى الحق ( ).
    وإذا أردنا التفصيل فإن الأمر يطول، ولكن ماذا تفعل لمن ينكر عليك الشمس في رابعة النهار وكيف تحتج على من يقول هذا منتصف الليل عند الزوال. وما لنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
    قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾( ).
    فهذا إنكارهم للرؤيا وهي من الآيات الأنفسية، إنما لسبب أنهم في مرية من لقاء ربهم. والحمد لله وحده.
         
    سؤال/ 146: ما معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ ( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    عن بريد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر  عن قول الله عز وجل: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، فقال : (إن لهذا تأويلاً يقول ماذا أجبتم في أوصياءكم الذين خلفتموهم على أممكم، قال: فيقولون لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا) ( ).
         

    سؤال/ 147: يقول السيد كمال الحيدري: (إن عدداً من الآيات القرآنية لم تنـزل على الرسول عن طريق جبرائيل ، لعدم استطاعة جبرائيل  أن يتحمل ثقل هذه الآيات الكريمة، وقد أخذها الرسول الأعظم مباشرة من الله سبحانه وتعالى في المعراج عندما تركه جبرائيل  عند سدرة المنتهى).
    فهل هذا صحيح جزاكم الله خيراً؟ أبو مريم.
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    القرآن هو الحجاب الذي يخفق بين الله سبحانه وتعالى وبين محمد ، وفي مرتبة معرفة محمد للقرآن يكون محمد هو هذا الحجاب، فيكون هو القرآن، فيخفق بين فناء في الذات الإلهية فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، وبين عودة الأنا والإنسانية، فيكون محمد المخلوق الأول ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ ( )، وفي هذه المرتبة لا يعرف القرآن إلا محمد ، ولا يعرفه حتى أفضل الخلق من بعده، وهم علي وفاطمة والأئمة والمهديون والأنبياء والمرسلون فضلاً عن ملائكة الله المقربين، وجبرائيل  منهم.
    فجبرائيل  ليس له طاقة على معرفة أو تحصيل آيات القرآن في هذه المرتبة بل وحتى دون هذه المرتبة، حتى تصل النوبة في التنـزل والتجلي إليه وإلى ملائكة الله المقربين ، فيعلمون من القرآن ما شاء الله لهم أن يعلموا، لما أظهره وجلاّه في عوالمهم ، وهو في تلك العوالم نور كلي في السماء السابعة، ومثال تفصيلي في السماوات الستة.
    والقرآن الذي بين أيدينا هو ألفاظ تقرب ذلك النور، والمثال بالمعنى الذي تدل عليه هذه الألفاظ، والأرواح الكافرة وغير الموقنة لا تستطيع أن تنطق بحرف واحد من القرآن.
    بلى، ألسنة بعض الناس تصوت بهذه الحروف القرآنية في هذا العالم وإن كانوا كافرين في الحقيقة، ولكن أرواحهم غير قادرة على النطق به، وكذلك الجن الكافر غير قادرين حتى على التصويت بحروفه في هذا العالم؛ لأن أجسادهم لطيفة وقريبة من أرواحهم، قال تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ ( ).
    وقال تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ ( )، أي إنّ أرواحهم لا تنطق بحروفه.
    أما جبرائيل  فقادر بقدرة الله سبحانه وتعالى أن ينطق بحروف القرآن، وينقلها لمحمد في هذا العالم، أي لروح محمد المدبرة لجسد محمد في هذا العالم.
    أما حقيقة القرآن التي بيّنتها في بداية الكلام فجبرائيل  غير قادر على تحمّلها، بل إن محمداً يأخذها من الله سبحانه وتعالى.
    بقي أن تعرف أن جبرائيل  ينقل القرآن من محمد في الملأ الأعلى إلى محمد في هذا العالم، فالذي يتلقّى القرآن من الله سبحانه وتعالى هو محمد فقط، بل هو المتلقي لجميع الكتب السماوية والرسالات من الله، وجبرائيل  يأخذ عنه وينقل.
    ولتتوضح لك الصورة أكثر أضرب هذا المثال: مثل جبرائيل  كالخلية العصبية التي تنقل الإشارات النورية الكهربائية من الدماغ إلى باقي أعضاء جسم الإنسان كالأرجل، ومحمد هو جسم الإنسان. فمحمد هو الخلق، وهو الكون، وهو كل العوالم المخلوقة، فمحمد هو الألف والياء، وهو الأول والآخر، وهو الظاهر والباطن في الخلق، وتعالى الله سبحانه رب العالمين.
    أرجو أن تكون قد عرفت مما تقدم: أنّ جبرائيل  ينقل القـرآن من الله سبحانه إلى محمـد بواسطة محمد، وإن جبرائيل  لم ينقل حقيقة القرآن التامة عند محمد من الله لمحمد ، بل إن محمداً أخذها من الله سبحانه وتعالى. وأنّ جبرائيل نقل كل القرآن الموجود بين أيديكم من الله لمحمد ، ولا توجد آية في القرآن إلا وجبرائيل  ناقلها لمحمد . وفي القرآن آية دالة على أن ناقله كله هو جبرائيل ، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ ( )، ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ ، أي إنّ القرآن، والرسول الكريم هو جبرائيل .
         
    سؤال/ 148: ما هو الدليل القرآني الذي ينص على حرمة إمامة المرأة، سواء كان المصلون رجالاً، أم نساءً، أم مختلط؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    تجوز إمامة المرأة للمصلين إذا كانوا نساء فقط، أما إمامة المرأة للمصلين إذا كانوا رجالاً فلا تجوز ، وكذلك إذا كان المأمومون رجالاً ونساء، قال تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ ( )، والدرجة هي: (الإمامة العامة)، وكذلك الخاصة في الصلاة سواء كانت صلاة جمعة أو جماعة أو عيد أو آيات أو غيرها.
         
    سؤال/ 149: ما معنى الآيات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ ( ) ؟
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾( ).
    ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾؛ لعدم العمل مع ولي الله، فهؤلاء يظهرون الإيمان بولي الله ويدعون الإيمان بالولاية، ولكنهم يقصرون بالعمل بدون عذر حقيقي، إلا النفاق الذي استبطنته قلوبهم، ويقولون إنهم ﴿مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، ولكن استضعافهم غير حقيقي، وإنما جعلوا أنفسهم مستضعفين بحب الدنيا والركون إليها، وحب الحياة والخوف من الموت، فلو كان إيمانهم حقيقياً لأقدموا على العمل مع ولي الله وإن تعرضوا للمخاطر.
    ﴿أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً﴾: ولي الله هو أرض الله الواسعة ( ) وعلمه واسع. ﴿فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾: فتهاجروا إلى الله في ولي الله.
    ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ أي لا يستطيعون الاحتيال للخلاص من السجن الدنيوي، ولا يهتدون إلى طريقٍ للعمل مع ولي الله، وهؤلاء غلبتهم الظروف. فالرجل المعوق أو المرأة أو الصبي لا يستطيعون مواكبة مسيرة العمل، بسبب ظروفهم الخاصة، فهم يؤمنون بولي الله، ولكنهم يتركون العمل ونصرة ولي الله. وهؤلاء أيضاً عذرهم غير مقبول؛ لأن بإمكان كل منهم العمل بما يستطيع، أما إلقاء الحبل على الغارب فهو تقصير مع ولي الله، وبالتالي تقصير فيما أمرهم به الله.
    ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾:
    ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى …﴾: فهم مستحقون للعقاب، والعفو والمغفرة لمن لم يشرك منهم، فهم على الولاية ولكنهم لا يعملون، فالمغفرة لمن يقصر في العمل، وأما ترك الولاية لولي الله أو تولي غيره فهي شرك والشرك لا يغتفر.
    ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْـرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ ( ).
    ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: ولي الله هو سبيل الله ( )، فمن يهاجر فيه إلى الله يجد سعة وعطاءً عظيماً، ويعطيه الله كما أعطى الأنبياء والمرسلين ، كمالك الأشتر كان على بعد مئات الكيلو مترات عن علي بن أبي طالب ، ثم يجلس في الليل يبكي فيسأله أصحابه، فيقول: أبكي لأني أسمع مناجاة علي ، فقد فُتح لمالك في ملكوت السماوات كما فُتح للأنبياء والمرسلين.
    ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ﴾ بيته: جسمه، أي من يخرج من جسمه، فالموت نوعان:
    1- (نوع مذموم) وهو جعل الجسد تابوتاً للروح بإتباع الهوى وعبادة الأنا وحب الدنيا وموالاة عدو الله ومعادة ولي الله وتقمص مقامه كما يفعل العلماء غير العاملين، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (وآخر قد تسمى عالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال. ونصب للناس شركاً من حبائل غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كبير الجرائم، يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، وأعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحياء. فأين تذهبون، وأنى تؤفكون، والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة. فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش.
    أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين إنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإن أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه، وأنا هو. ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزت فيكم راية الإيمان، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام، وألبستكم العافية من عدلي، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا تتغلغل إليه الفكر (منها) حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية تمنحهم درها، وتوردهم صفوها، ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها ولا سيفها، وكذب الظان لذلك، بل هي مجة من لذيذ العيش يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة) ( ).
    2- (نوع ممدوح) وهو الارتقاء بالروح عن الجسد، قال رسول الله : (من أراد أن ينظر إلى ميت يسير على الأرض فلينظر إلى علي بن أبي طالب )، وقال : (إنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً) ( )، أي إنّ روحه معلقة بالملأ الأعلى، بل إن من يموت بهذا الموت الممدوح حيٌ وإن مات بدنه، وقد مرَّ في كلام أمير المؤمنين  قول الرسول : (أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين إنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون. فإن أكثر الحق فيما تنكرون واعذروا من لا حجة لكم عليه).
    ﴿ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ﴾: أي إنّ روحه هاجرت إلى الله وتركت جسمه، هاجرت في أرض الله الواسعة، وهاجرت في سبيل الله، أو قل هاجرت في ولي الله إلى الله.
    ﴿فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾؛ لأنه هاجر إلى الله، فأجره على من هاجر له.

         
    سؤال/ 150: قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ( ).
    فالآية الأولى تعد بمغفرة جميع الذنوب ، والثانية ببعض الذنوب ، فكيف الجمع بين الاثنين ؟
    الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
    الذنوب بينكم وبين العباد لا تغتفر، إلا بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وتحصيل براءة الذمة منهم، هذا قانون عام ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾، أي يغفر الله الذنوب التي بينكم وبينه، أما الذنوب مع العباد فلابد من تحصيل براءة الذمة، وإعادة الحقوق لأصحابها، وفي دعاء يوم الاثنين للإمام زين العابدين : (… وأسألك في مظالم عبادك عندي، فأيما عبد من عبيدك، أو أمَة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في نفسه أو في عرضه أو في ماله أو في أهله وولده، أو غيبة اغتبته بها، أو تحامل عليه بميل أو هوى، أو أنفة أو حمية أو رياء أو عصبية غائباً كان أو شاهداً، وحياً كان أو ميتاً، فقصرت يدي، وضاق وسعي عن ردها إليه، والتحلل منه. فأسألك يا من يملك الحاجات وهي مستجيبة لمشيئته، ومسرعة إلى إرادته أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترضيه عني بما شئت، وتهب لي من عندك رحمة إنه لا تنقصك المغفرة، ولا تضرك الموهبة يا أرحم الراحمين) ( ).
    أي يغفر لكم بينكم وبين العباد بالدعاء والتوسل إليه سبحانه، بأن يكون هو الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها (إذا ضاق وسعي وقصرت يدي)، وهذا هو القانون الخاص (وبه يصبح غفران الذنوب جميعاً).
    وهناك طريق لغفران الذنوب جميعاً يسير، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ( )، وعن أهل البيت هي: (في صلة الإمام) ( )، وعنهم هي: (في صلة الرحم، والرحم رحم آل محمد خاصة) ( ). فصلة الإمام يعبر عنها الله سبحانه وتعالى بأنها قرض له سبحانه وتعالى وهو الذي يسدده، وصلة الإمام تكون بصور: منها: الصلة بالمال، والصلة بالعمل معه والجهاد بين يديه باللسان والسنان لإثبات حقه .
    وأكيد أن العمل مع الإمام أفضل من إعطاء المال له؛ لأن العمل يرهق جسد الإنسان، وربما كان فيه هلاك جسده إذا جاهد بين يدي الإمام باللسان والسنان.
    فكم هي الرحمة عظيمة إذا كان الحجة بين أظهر الناس، حيث فُتح هذا الباب العظيم، وهو أن يكون الإنسان بصلة الإمام  قد أقرض الله، فيقف يوم القيامة بين يدي الله فيوفيه الله هذا القرض، وهذا العبد لو جاء بعدد رمال البر ذنوباً لغُفرت له؛ لأن له قرضاً عند الله ديان يوم الدين، وهو يعطي الكثير بالقليل، وعطاؤه بلا حساب، فيسدد الله جميع ديون هذا العبد، وذنوبه مع العباد، ويدخله الجنة بغير حساب.
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

    Comment

    • almawood24
      يماني
      • 04-01-2010
      • 2174

      #3
      رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

      سؤال/ 135: لماذا التمهيد للإمام المهدي  وعلامات قيامه ودولته إذا استتب له الأمر في آخر الأمر في العراق؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      لأن مركز الكون الجسماني هو ضريح علي بن أبي طالب ، وهو في العراق.

           
      سؤال/ 136: ما معنى قول أمير المؤمنين  في دعاء الصباح: (عقلي مغلوب) ( ) ؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      من جهة الأنا والظلمة، فلو لم يكن فيه هذا الحال لكان محمد ، وكان في مرتبة ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾ ( )، وهي مرتبة محمد ، فكما ذكرتُ سابقاً في سورة الفاتحة ( )، وفي المتشابهات ( ) أن محمداً فُتح له وكُشف له غطاء اللاهوت، فهو في حالة خفقٍ بين الفناء فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، وبين العودة إلى الأنا والشخصية.
      وعلي  لم يُكشف له هذا الغطاء، وقد ذكر هذا هو  عندما قال: (لو كُشف لي الغطاء لما ازددت يقيناً) ( )، أي الذي كشف لمحمد ، وإلا فهو كُشف له الغطاء دون مرتبة محمد .
           

      سؤال/ 137: ورد في تفسير سورة القدر أن فاطمة هي ليلة القدر ( )، فما معنى هذا الحديث عنهم ؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      قدمتُ في سورة الفاتحة ( )، وفي المتشابهات ( ) فيما سبق أن فاطمة هي باطن باب المدينة ، وظاهر الباب هو علي ، والمدينة محمد ، في مقابل الأسماء الثلاثة: (الرحيم، الرحمن، الله)، فهم صلوات الله عليهم أركان الهدى الثلاثة وتجلي أركان الاسم الأعظم الثلاثة: الله، الرحمن، الرحيم.
      والعلم كلّه في المدينة، فإذا أُريد إنزاله فمن الباب، وفي باطن الباب أولاً، ثم من ظاهر الباب إلى الخلق ( )، وباطن الباب فاطمة صلوات الله عليها فالنـزول فيها، وهي وعاء العلم الباطن، وفيها نزل العلم وما في المدينة (رسول الله أو القرآن)، وكما بيَّنت سابقاً في المتشابهات، فراجع ( ).
      فالقرآن ينزل في ليلة القدر، والقرآن ينزل في فاطمة، وليلة القدر هي فاطمة وكما قالوا : (نحن حجج الله وفاطمة حجة الله علينا) ( )، وكما قال : (فاطمة أم أبيها) ( )، والأم وعاء، وفاطمة (أو باطن الباب) هي الوعاء الذي ينزل فيه القرآن، والقرآن محمد .
      وهذا هو المعنى الباطن الثاني لهذا الحديث، عن رسول الله عن الله في الحديث القدسي: (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) ( ).
      وفاطمة هي وعاء نزول القرآن، فهي باطن باب المدينة الذي يفاض منه على الخلق، فوجودها ضرورة وبفقدانها لا يستقيم نظام الخلق لأنها ركن من الأركان الثلاثة، فهي وعاء نزول القرآن.
           

      سؤال/ 138: ما معنى قوله تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِـدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَـامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾( ).
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      خلق الله سبحانه وتعالى محمداً ، ثم خلق منه علياً وفاطمة، نوراً ظاهره علي وباطنه فاطمة ثم خلق الخلق منهما.
           
      سؤال/ 139: ما المراد من قوله تعالى: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ ( ) ؟

      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      الفطور هي الأبواب التي تُفتح في السماء للملائكة عند ظهور القائم ، قال تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾ ( )، ونزول ملائكة السماء لنصرة الحق، ودين الله سبحانه وتعالى. وفي نهاية سورة المُلك: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ ( )، أي في الغيبة يرتفع عنكم العِلم، فلا يبقى في حوزتكم إلا الجهل ( )، فيأتيكم داعي الحق بالعلم الإلهي. وهو الماء المعين ( ).
           
      سؤال/ 140: هل من الممكن أن أعرف ما أو من المقصود بكلب أصحاب الكهف؟ وإن كان كلباً عادياً فلماذا أُورد ذكره أكثر من مرة في هذه القصة، أحياناً بصيغة الجمع: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ ( ) فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ ( ) ؟ أرجو التوضيح.
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      كان مع أصحاب الكهف كلب اعتيادي أيضاً، ولكن الأمر المهم لم يكن هذا الكلب، بل من يُسيِّر هذا الكلب ويسيطر عليه، وهو من الجن واسمه قطمير ( )، وللجنّ هذه القدرة من العروض على الحيوان كالقط والكلب وتسييره.
      وأراد هذا الجن (قطمير) أن يلفت انتباههم من خلال هذا الكلب إلى وجوده، وقدرته على مساعدتهم بعد إيمانه بدعوتهم.
      وقطمير من الجن الذين لهم قدرة على ملء القلوب رعباً وزلزلة قلوب الشجعان، قال تعالى: ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً﴾( ). والذي كان يملأ قلب من يقترب منهم رعباً هو هذا الجن قطمير الذي كان يتولّى حراستهم، وقطمير هو أحد أنصار القائم .
           

      سؤال/ 141: ما معنى قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ ( ) ؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      هما الحمرة المشرقية، والحمرة المغربية. تشير الحمرة المشرقية إلى دم علي ، والحمرة المغربية إلى دم الحسين ، هذا في الأئمة .
      أما في المهديين فتشير الحمرة المشرقية إلى دم أحد المهديين نظير علي ، والحمرة المغربية تشير إلى دم أحد المهديين أيضاً نظير الحسين  ( ).
      فهم مشرقان ومغربان، مشرق في الأئمة ومشرق في المهديين، ومغرب في الأئمة ومغرب في المهديين.
           

      سؤال/ 142: قال تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ ( ). هل الأرض المذكورة في هذه الآية هي أرض الجنة؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      الأرض: هي هذه الأرض، والذين ورثوها هم: خلفاء الله في أرضه، وهم الأوصياء والأنبياء والمرسلون ، ومن تابعهم وارتقى معهم إلى مقاماتهم العالية في كل السماوات الستة الملكوتية والسابعة الكلية.
      والله هو مالك الأرض، ولذلك قالوا أورثنا الأرض، أي استخلفنا فيها، فجعلنا خلفاءه في أرضه.
      أما الجنة، فهي في هذه الآية يُراد بها: الجنات الملكوتية، والجنة النورية في السماء السابعة. فهم لهم مقعد صدق في كل جنة ملكوتية، وفي الجنة النورية، ولذلك قالوا: نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فالآية تذكر نعمتين هما:
      • وراثة الأرض وكونهم خلفاء الله في أرضه .
      • والنعمة الثانية : هي أن لهم مقاماً في كل الجنات يتبوؤون منها حيث يشاؤون.
      والنعمتان مترابطتان؛ لأنه لا يكون خليفة الله في أرضه حتى يتم عقله ( )، ولا يتم عقله حتى يرتقي إلى السماء السابعة الكلية (سماء العقل).
      والوراثة تكون من سابق، والجنة لا سكان سابقين غادروها ليرثها الإنسان عنهم، ولكن الأرض التي نحن عليها لها سكان سابقون سبقوا بني آدم، وكذلك كل وصي وخليفة لله في أرضه، سبقه خليفة لله في أرضه فورثها عنه.
      ويبقى أن نفهم أن التبوّء من الجنة حيث يشاؤون سابق على وراثة الأرض، كما أنه لاحق لها حيث إنهم لا يكونون خلفاء الله في أرضه ويرثون الأرض إلا إذا كانوا يتبوؤون من الجنة حيث يشاؤون، أي إنّ لهم وجوداً في كل سماء، حتى السماء السابعة الكلية (سماء العقل)، فلا يبعث نبي حتى يتم عقله، أي يكون له مقام في السماء السابعة أو الجنة النورية.
           

      سؤال/ 143: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾( ) ؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      أي إذا فتح كتاب (الجفر الأحمر) ( )، أي فتحه الله للقائم . وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أن السماء هي سجل، حيث قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ( ).
      فإذا انشقت السماء أو فُتحت يقرأ فيها القائم  إرادة الله ومشيئته في القضاء على المنحرفين، وأحكام القيامة الصغرى التي يكون القائم  هو الحاكم فيها، قال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾ ( )، ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ ( )، فإنّ القائم لا يحتاج إلى البينة ( )، بل يحكم بما يقرأ في صفحة السماء التي انشقت، ليخرج منها حكم الله سبحانه ( ).
           

      سؤال/ 144: السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي :
      من هو اليماني ؟ وهل هناك حدود لهذه الشخصية يعرف بها صاحبها ؟ وهل هو من اليمن ؟
      وهل هو معصوم بحيث لا يدخل الناس في باطل ولا يخرجهم من حق، وكما ورد في الرواية عن الباقر : ( إن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      يجب أولاً معرفة أن مكة من تهامة، وتهامة من اليمن، فمحمد وآل محمد كلهم يمانية، فمحمد يماني ( )، وعلي  يماني والإمام المهدي  يماني، والمهديون الإثنا عشر يمانية، والمهدي الأول يماني، وهذا ما كان يعرفه العلماء العاملون الأوائل (رحمهم الله)، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ ( ).
      وقد سمّى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار كلام أهل البيت بـ (الحكمة اليمانية)( )، بل ورد هذا عن رسول الله ( )، كما وسمّى عبد المطلب  البيت الحرام بـ (الكعبة اليمانية) ( ).
      أما بالنسبة لحدود شخصية اليماني:
      فقد ورد في الرواية عن الباقر : ( وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ( ). وفيها:
      أولاً: (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار): وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجة على الناس، بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا ( )، إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين.
      ثانياً: (أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق والطريق المستقيم، أو الصراط المستقيم تعني: أن هذا الشخص لا يخطأ فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق، أي إنه معصوم منصوص العصمة، وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني.
      أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، فإنه يجعل هذا الكلام منهم بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني، وحاشاهم من ذلك.
      النتيجة مما تقدم في أولاً وثانياً:
      إن اليماني حجة من حجج الله في أرضه ومعصوم منصوص العصمة، وقد ثبت بالروايات المتواترة والنصوص القطعية الدلالة أن الحجج بعد الرسول محمد هم الأئمة الإثنا عشر وبعدهم المهديون الإثنا عشر، ولا حجة لله في الأرض معصوم غيرهم، وبهم تمام النعمة وكمال الدين وختم رسالات السماء، وقد مضى منهم أحد عشر إماماً، وبقي الإمام المهدي  والاثنا عشر مهدياً، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي  فلابد أن يكون اليماني أول المهديين؛ لأن الأحد عشر مهدياً بعده هم من ولده: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ( )، ويأتون متأخرين عن زمن ظهور الإمام المهدي ، بل هم في دولة العدل الإلهي، والثابت أن أول المهديين هو الموجود في زمن ظهور الإمام المهدي  وهو أول المؤمنين بالإمام المهدي  في بداية ظهوره وتحركه، لتهيئة القاعدة للقيام، كما ورد في وصية رسول الله . ومن هنا ينحصر شخص اليماني بالمهدي الأول من الإثني عشر مهدياً.
      والمهدي الأول بيَّنت روايات أهل البيت اسمه وصفاته ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد وكنيته عبد الله - أي إسرائيل - أي إنّ الناس يقولون عنه إسرائيلي قهراً عليهم، ورغم أنوفهم.
      وقال رسول الله : (أسمي أحمد وأنا عبد الله أسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني) ( ).
      والمهدي الأول هو أول الثلاث مائة وثلاثة عشر، وهو: (من البصرة) و (في خده الأيمن أثر) و (في رأسه حزاز) و (جسمه كجسم موسى بن عمران ) ، و (في ظهره ختم النبوة) و (فيه وصية رسول الله ) و (هو أعلم الخلق بعد الأئمة بالقرآن والتوراة والإنجيل) و (عند أول ظهوره يكون شاباً)، قال رسول الله : (… ثم ذكر شاباً، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه فانه خليفة المهدي) ( ).
      عن أبي عبد الله  عن آبائه عن أمير المؤمنين  قال : (قال رسول الله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي  يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي انه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، وساق الحديث إلى أن قال: وليسلمها الحسن  إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله و أحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين ) ( ).
      وعن الصادق  أنه قال: (إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ) ( ).
      وعن الصادق  قال: (إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ) ( ).
      وفي هذه الرواية القائم هو المهدي الأول وليس الإمام المهدي ؛ لأن الإمام  بعده إثنا عشر مهدياً.
      وقال الباقر  في وصف المهدي الأول: ( … ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين المشرف الحاجبين العريض ما بين المنكبين برأسه حزاز و بوجهه أثر رحم الله موسى) ( ).
      وعن أمير المؤمنين  في خبر طويل: (… فقال : ألا وإن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال …) ( ).
      وعن الصادق  في خبر طويل سمى به أصحاب القائم : (.. ومن البصرة .. أحمد ..) ( ).
      وعن الإمام الباقر  أنه قال: (... له - أي للقائم - اسمان اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد) ( ). وأحمد هو اسم المهدي الأول ومحمد اسم الإمام المهدي  كما تبين من وصية رسول الله .
      وعن الباقر : (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: " أحمد أحمد "، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج) ( )، وأحمد هو اسم المهدي الأول.
      وفي كتاب الملاحم والفتن: (قال أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني) ( ).
      وفي الملاحم والفتن للسيد بن طاووس الحسني: (فيجتمعون وينظرون لمن يبايعونه فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قال إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني) ( ).
      وروى الشيخ علي الكوراني في كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي : (ما المهدي إلا من قريش ، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن) ( )، وبما أن المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي  فلابد أن يكون مقطوع النسب؛ لأن ذرية الإمام المهدي  مجهولون، وهذه الصفات هي صفات اليماني المنصور وصفات المهدي الأول؛ لأنه شخص واحد كما تبين مما سبق.
      وإن أردتَ المزيد فأقول: إن اليماني ممهد في زمن الظهور المقدس ومن الثلاث مائة وثلاث عشر ويسلم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدس، وأول مؤمن بالإمام المهدي  في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلابد أن يكون أحدهما حجة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديين حجج الله على جميع الخلق والمهدي الأول منهم فهو حجة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد فيصبح دور اليماني ثانوياً بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح لأن اليماني هو الممهد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدس، فتحتم أن يكون المهدي الأول هو اليماني واليماني هو المهدي الأول.
      وبهذا يكون اليماني: (اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خده الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شاباً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة، ومقطوع النسب، ويلقب بالمهدي، وهو إمام مفترض الطاعة من الله، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، ويدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ويدعو إلى الإمام المهدي  و … و … )، وكل ما ورد من أوصاف المهدي الأول في روايات محمد وآل محمد ، فراجع الروايات في كتاب غيبة النعماني وغيبة الطوسي وإكمال الدين والبحار ( )، وغيرها من كتب الحديث.
      ويبقى أن كل أتباع اليماني من الثلاث مائة والثلاثة عشر أصحاب الإمام  هم يمانيون؛ باعتبار انتسابهم لقائدِهم اليماني، ومنهم يماني صنعاء ويماني العراق.
      ﴿كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ * إِنَّها لإَِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ * فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً * كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الآْخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ * وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ ( ).
      ﴿والقمر﴾: الوصي. ﴿والليل﴾: دولة الظالمين. ﴿والصبح﴾: فجر الإمـام المهدي ، وبداية ظهوره بوصيه كبداية شروق الشمس، لأنه هو الشمس.
      ﴿إِنَّها لإَِحْدَى الْكُبَرِ﴾: أي القيامة الصغرى. والوقعات الإلهية الكبرى ثلاث هي: القيامة الصغرى، والرجعة، والقيامة الكبرى ( ).
      ﴿نَذِيراً لِلْبَشَرِ﴾: أي منذر، وهو الوصي والمهدي الأول (اليماني)، يرسله الإمام المهدي  بشيراً ونذيراً بين يدي عذاب شديد، ليتقدم من شاء أن يتقدم، ويتأخر من شاء أن يتأخر عن ركب الإمام المهدي  ( ).
      ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾: وهذا واضح فكل إنسان يحاسب على عمله، ﴿إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ﴾، وهؤلاء مستثنون من الحساب وهم: المقربون وهم أصحاب اليماني الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي ، يدخلون الجنة بغير حساب، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ ( )، ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾، أي لم نك من الموالين لولي الله، وخليفته ووصي الإمام المهدي  والمهدي الأول (اليماني الموعود) ( )، فاليماني (لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار).
      فحسبي الله ونعم الوكيل:
      لقد ابتلي أمير المؤمنين علي  بمعاوية بن هند (لعنه الله)، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقـة والجمل ، وقد ابتليت اليوم كما ابتلي أبي علي بن أبي طالب ، ولكن بسبعين معاوية (لعنه الله)، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون.
      والله ما أبقى رسول الله ، وآبائي الأئمة شيئاً من أمري إلا بيَّنوه ، فوصفوني بدقة، وسموني، وبيَّنوا مسكني، فلم يبقَ لبس في أمري، ولا شبهة في حالي بعد هذا البيان، وأمري أبين من شمس في رابعة النهار ، وإني أول المهديين واليماني الموعود.
           
      سؤال/ 145: قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ ( ). ما المعنى المراد من هذه الآية؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      قال رجل لأبي عبد اللّه : بلغني أن العامة يقرؤون هذه الآية هكذا: (تَكلمهم) أي تجرحهم، فقال : (كلمهم الله في نار جهنم ما نزلت إلا تُكلمهم من الكلام) ( ).
      وعن الرضا  في قوله تعـالى: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾، قال : (علي )( ).
      فالدابة في هذه الآية إنسان، وتوجد روايات بيَّنت أنه علي بن أبي طالب ، وهذا في الرجعة، فعلي  هو دابة الأرض ( ) في الرجعة يكلم الناس، ويبين المؤمن من الكافر بآيات الله
      سبحانه. وقبل الرجعة قيام القائم ، وأيضاً له (دابة تكلم الناس) ( )، وتبين لهم ضعف إيمانهم بآيات الله الحقة في ملكوت السماوات، وهي الرؤيا والكشف في اليقظة، وتبين لهم أن الناس على طول مسيرة الإنسانية على هذه الأرض أكثرهم لا يوقنون بآيات الله الملكوتية ولا يؤمنون بالرؤيا، والكشف في ملكوت السماوات، لأنهم قصروا نظرهم على هذه الأرض، وعلى المادة، وهي مبلغهم من العلم لا يعدونها إلى سواها، ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ ( ).
      وفي الجانب الآخر الأنبياء والأوصياء والرسل وأصحابهم يؤمنون بآيات الله، ويؤمنون بالرؤيا والكشف في ملكوت السماوات، وإنها طريقٌ لوحي الله سبحانه وتعالى، وما كانوا أنبياء لولا إيمانهم هذا، ولذا مدحهم الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ ( ).
      وقال: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ ( ).
      وقال تعالى عن الرؤيا: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ ( ). فمدح إبراهيم ؛ لأنه صدق بالرؤيا، ومدح مريم كذلك ؛ لأنها صدقت بالرؤيا، ومدح يوسف؛ لأنه صدق بالرؤيا وأوّلها، قال تعالى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ( ).
      واليوم تجد كثيراً من الناس ينكرون حقيقة الرؤيا، وإنها وحي من الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن نفوسهم الخبيثة منكرة وغير مؤمنة بالله سبحانه وتعالى، ولكنهم لا يعلمون. فهم كافرون بالله في عالم الذر، وكافرون بالولاية الإلهية، ولم يقرّوا لولي من أولياء الله قط في قلوبهم، وإنما جعلهم الله يقرون بألسنتهم ببعض الحق ليدفع الله بهم عن أوليائه ( ).
      والرؤيا طريق يكلم الله به عباده ( ) جميعهم وأنبياءه ورسله، أولياءه وأعداءه، المؤمن والكافر. فقد أوحى الله لفرعون مصر الكافر رؤيا استفاد منها يوسف  في بناء اقتصاد الدولة: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾ ( ).
      وقد أوحي الله لمحمد رؤيا عرَّفه بها ما يحصل لأهل بيته من بعده، وتسلّط بني أمية (لعنهم الله) على أمته: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ ( ).
      وقد عرض الله سبحانه وتعالى نفسه شاهداً للكفار بنبوة محمد إن طلبوا شهادته . وكيف يشهد الله سبحانه وتعالى للكفار إلا بالرؤيا، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ ( ).
      قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾، فالقول الذي يقع هو خروج القائم  وهو القيامة الصغرى ( )، ﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ ( )، والدابة: هو المهدي الأول ( ) الذي يقوم قبل القائم  ويكلم الناس ويبكتهم، ويبيّن لهم كفرهم بآيات الله الملكوتية (الرؤيا والكشف) وركونهم إلى المادة والشهوات، وإعراضهم عن ملكوت السموات.
      قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ( ).
      ورد في الروايات عنهم : (أنه الحق) أي: قيام القائم، والآيات التي يرونها في الآفاق، وفي أنفسهم هي كما ورد عنهم ؛ في الآفاق: (الفتن والقذف من السماء) ، وفي أنفسهم: (المسخ) ( ) .
      وأيضاً الآيات في الآفاق الملكوتية أي في آفاق السماوات، وفي أنفسهم بـ (الرؤيا والكشف)، فيريهم الله آياته الملكوتية حتى يتبيّن لهم أنه الحق، أي خروج القائم، وإنّ الذي يكلمهم هو: (المهدي الأول من المهديين الإثني عشر)، وهذا الآيات هي من العلامات التي ترافق المهدي الأول، وتبيّن للناس أنه الحق من ربهم.
      فهذه الآيات في الآفاق وفي الأنفس هي نفسها التي تتكلم عنها دابة الأرض، وتبكِّت الناس؛ لأنهم لا يؤمنون بها، وهي الآيات في ملكوت السماوات، وهي الرؤيا والكشف.
      ولابد هنا أن نعرج قليلاً على الرؤيا لنعرف مدى أهميتها عند الله سبحانه وتعالى في القرآن، وعند الرسول ، وعند آل بيته .
      • ففي القرآن: الله سبحانه وتعالى يسمي الرؤيا (أحسن القصص) ( )، ويقص علينا رؤيا يوسف ( ) ويبيّن تحققها في أرض الواقع.
      ويقص علينا رؤيا السجين( ) وتحققها في أرض الواقع المعاش، ويقص رؤيا فرعون الكافر ( ) واعتماد يوسف  وهو نبي عليها وتأسيسه اقتصاد الدولة بناءً على هذه الرؤيا، ومن ثَّم تحققها في الواقع المعاش. ويقص علينا القرآن حال بلقيس ملكة سبأ، فهي تعرف أن سليمان نبي كريم بالرؤيا، فتصدق الرؤيا وتؤمن في النهاية: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ ( )، فمن أين عرفت أنه كتاب كريم إلا من الله وبالرؤيا. وهكذا كل أنبياء الله ورسله وأوليائه سبحانه وتعالى، لا تفارقهم الرؤيا، آية عظيمة من آيات الله، وطريق يكلمهم الله سبحانه به، فالرؤيا طلائع الوحي الإلهي.
      • أما الرسول: فقد اهتم بالرؤيا أشد الاهتمام، حتى إنه كان كل يوم بعد صلاة الفجر يلتفت على أصحابه فيسألهم: (هل من مبشرات، هل من رؤيا) ( ). وفي يوم لا يخبره أحد من أصحابه برؤيا فيقول لهم: آنفاً كان عندي جبرائيل يقول: كيف نأتيهم ونريهم رؤيا والتفث في أظفارهم؟!
      وقال : (من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، ولا بأحد من أوصيائي) ( ). وقال، وقال، وقال في الرؤيا، راجع (دار السلام) ( ) وهو أربع مجلدات مليئة بالروايات التي تخص الرؤيا.
      كما أقر رسول الله الرؤيا كطريق هداية وإيمان، فأقر إيمان خالد بن سعيد بن العاص الأموي لرؤيا رآها به ( )، وأقرّ رؤيا يهودي رأى نبي الله موسى  وأخبره أن الحق مع محمد ( ). وأقر رسول الله أن الرؤيا حق من الله وكلام تكلم به الرب سبحانه عند عبده( ).
      • أما أهل البيت فقد ورد عنهم: (من رآنا فقد رآنا فان الشيطان لا يتمثل بنا) ( ). وورد عنهم : إن الرؤيا في آخر الليل لا تكذب ولا تختلف ( )، وإنّ الرؤيا في آخر الزمان لا تكذب ( )، وفي آخر الزمان يبقى رأي المؤمن ورؤياه ( ).
      وأقرّ الإمام الحسين  إيمان وهب النصراني لرؤيا رآها بعيسى ، وأقر الإمام الرضا  إيمان بعض الواقفية لرؤيا رآها، فقد آتاه أبو الحسن الرضا  في الرؤيا، وقال له: والله لترجعن إلى الحق ( ).
      وإذا أردنا التفصيل فإن الأمر يطول، ولكن ماذا تفعل لمن ينكر عليك الشمس في رابعة النهار وكيف تحتج على من يقول هذا منتصف الليل عند الزوال. وما لنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
      قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾( ).
      فهذا إنكارهم للرؤيا وهي من الآيات الأنفسية، إنما لسبب أنهم في مرية من لقاء ربهم. والحمد لله وحده.
           
      سؤال/ 146: ما معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ ( ) ؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      عن بريد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر  عن قول الله عز وجل: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، فقال : (إن لهذا تأويلاً يقول ماذا أجبتم في أوصياءكم الذين خلفتموهم على أممكم، قال: فيقولون لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا) ( ).
           

      سؤال/ 147: يقول السيد كمال الحيدري: (إن عدداً من الآيات القرآنية لم تنـزل على الرسول عن طريق جبرائيل ، لعدم استطاعة جبرائيل  أن يتحمل ثقل هذه الآيات الكريمة، وقد أخذها الرسول الأعظم مباشرة من الله سبحانه وتعالى في المعراج عندما تركه جبرائيل  عند سدرة المنتهى).
      فهل هذا صحيح جزاكم الله خيراً؟ أبو مريم.
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      القرآن هو الحجاب الذي يخفق بين الله سبحانه وتعالى وبين محمد ، وفي مرتبة معرفة محمد للقرآن يكون محمد هو هذا الحجاب، فيكون هو القرآن، فيخفق بين فناء في الذات الإلهية فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، وبين عودة الأنا والإنسانية، فيكون محمد المخلوق الأول ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ ( )، وفي هذه المرتبة لا يعرف القرآن إلا محمد ، ولا يعرفه حتى أفضل الخلق من بعده، وهم علي وفاطمة والأئمة والمهديون والأنبياء والمرسلون فضلاً عن ملائكة الله المقربين، وجبرائيل  منهم.
      فجبرائيل  ليس له طاقة على معرفة أو تحصيل آيات القرآن في هذه المرتبة بل وحتى دون هذه المرتبة، حتى تصل النوبة في التنـزل والتجلي إليه وإلى ملائكة الله المقربين ، فيعلمون من القرآن ما شاء الله لهم أن يعلموا، لما أظهره وجلاّه في عوالمهم ، وهو في تلك العوالم نور كلي في السماء السابعة، ومثال تفصيلي في السماوات الستة.
      والقرآن الذي بين أيدينا هو ألفاظ تقرب ذلك النور، والمثال بالمعنى الذي تدل عليه هذه الألفاظ، والأرواح الكافرة وغير الموقنة لا تستطيع أن تنطق بحرف واحد من القرآن.
      بلى، ألسنة بعض الناس تصوت بهذه الحروف القرآنية في هذا العالم وإن كانوا كافرين في الحقيقة، ولكن أرواحهم غير قادرة على النطق به، وكذلك الجن الكافر غير قادرين حتى على التصويت بحروفه في هذا العالم؛ لأن أجسادهم لطيفة وقريبة من أرواحهم، قال تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ ( ).
      وقال تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ ( )، أي إنّ أرواحهم لا تنطق بحروفه.
      أما جبرائيل  فقادر بقدرة الله سبحانه وتعالى أن ينطق بحروف القرآن، وينقلها لمحمد في هذا العالم، أي لروح محمد المدبرة لجسد محمد في هذا العالم.
      أما حقيقة القرآن التي بيّنتها في بداية الكلام فجبرائيل  غير قادر على تحمّلها، بل إن محمداً يأخذها من الله سبحانه وتعالى.
      بقي أن تعرف أن جبرائيل  ينقل القرآن من محمد في الملأ الأعلى إلى محمد في هذا العالم، فالذي يتلقّى القرآن من الله سبحانه وتعالى هو محمد فقط، بل هو المتلقي لجميع الكتب السماوية والرسالات من الله، وجبرائيل  يأخذ عنه وينقل.
      ولتتوضح لك الصورة أكثر أضرب هذا المثال: مثل جبرائيل  كالخلية العصبية التي تنقل الإشارات النورية الكهربائية من الدماغ إلى باقي أعضاء جسم الإنسان كالأرجل، ومحمد هو جسم الإنسان. فمحمد هو الخلق، وهو الكون، وهو كل العوالم المخلوقة، فمحمد هو الألف والياء، وهو الأول والآخر، وهو الظاهر والباطن في الخلق، وتعالى الله سبحانه رب العالمين.
      أرجو أن تكون قد عرفت مما تقدم: أنّ جبرائيل  ينقل القـرآن من الله سبحانه إلى محمـد بواسطة محمد، وإن جبرائيل  لم ينقل حقيقة القرآن التامة عند محمد من الله لمحمد ، بل إن محمداً أخذها من الله سبحانه وتعالى. وأنّ جبرائيل نقل كل القرآن الموجود بين أيديكم من الله لمحمد ، ولا توجد آية في القرآن إلا وجبرائيل  ناقلها لمحمد . وفي القرآن آية دالة على أن ناقله كله هو جبرائيل ، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ ( )، ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ ، أي إنّ القرآن، والرسول الكريم هو جبرائيل .
           
      سؤال/ 148: ما هو الدليل القرآني الذي ينص على حرمة إمامة المرأة، سواء كان المصلون رجالاً، أم نساءً، أم مختلط؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      تجوز إمامة المرأة للمصلين إذا كانوا نساء فقط، أما إمامة المرأة للمصلين إذا كانوا رجالاً فلا تجوز ، وكذلك إذا كان المأمومون رجالاً ونساء، قال تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ ( )، والدرجة هي: (الإمامة العامة)، وكذلك الخاصة في الصلاة سواء كانت صلاة جمعة أو جماعة أو عيد أو آيات أو غيرها.
           
      سؤال/ 149: ما معنى الآيات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ ( ) ؟
      الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾( ).
      ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾؛ لعدم العمل مع ولي الله، فهؤلاء يظهرون الإيمان بولي الله ويدعون الإيمان بالولاية، ولكنهم يقصرون بالعمل بدون عذر حقيقي، إلا النفاق الذي استبطنته قلوبهم، ويقولون إنهم ﴿مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، ولكن استضعافهم غير حقيقي، وإنما جعلوا أنفسهم مستضعفين بحب الدنيا والركون إليها، وحب الحياة والخوف من الموت، فلو كان إيمانهم حقيقياً لأقدموا على العمل مع ولي الله وإن تعرضوا للمخاطر.
      ﴿أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً﴾: ولي الله هو أرض الله الواسعة ( ) وعلمه واسع. ﴿فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾: فتهاجروا إلى الله في ولي الله.
      ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ أي لا يستطيعون الاحتيال للخلاص من السجن الدنيوي، ولا يهتدون إلى طريقٍ للعمل مع ولي الله، وهؤلاء غلبتهم الظروف. فالرجل المعوق أو المرأة أو الصبي لا يستطيعون مواكبة مسيرة العمل، بسبب ظروفهم الخاصة، فهم يؤمنون بولي الله، ولكنهم يتركون العمل ونصرة ولي الله. وهؤلاء أيضاً عذرهم غير مقبول؛ لأن بإمكان كل منهم العمل بما يستطيع، أما إلقاء الحبل على الغارب فهو تقصير مع ولي الله، وبالتالي تقصير فيما أمرهم به الله.
      ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾:
      ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى …﴾: فهم مستحقون للعقاب، والعفو والمغفرة لمن لم يشرك منهم، فهم على الولاية ولكنهم لا يعملون، فالمغفرة لمن يقصر في العمل، وأما ترك الولاية لولي الله أو تولي غيره فهي شرك والشرك لا يغتفر.
      ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْـرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ ( ).
      ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: ولي الله هو سبيل الله ( )، فمن يهاجر فيه إلى الله يجد سعة وعطاءً عظيماً، ويعطيه الله كما أعطى الأنبياء والمرسلين ، كمالك الأشتر كان على بعد مئات الكيلو مترات عن علي بن أبي طالب ، ثم يجلس في الليل يبكي فيسأله أصحابه، فيقول: أبكي لأني أسمع مناجاة علي ، فقد فُتح لمالك في ملكوت السماوات كما فُتح للأنبياء والمرسلين.
      ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ﴾ بيته: جسمه، أي من يخرج من جسمه، فالموت نوعان:
      1- (نوع مذموم) وهو جعل الجسد تابوتاً للروح بإتباع الهوى وعبادة الأنا وحب الدنيا وموالاة عدو الله ومعادة ولي الله وتقمص مقامه كما يفعل العلماء غير العاملين، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (وآخر قد تسمى عالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال. ونصب للناس شركاً من حبائل غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كبير الجرائم، يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، وأعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحياء. فأين تذهبون، وأنى تؤفكون، والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة. فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش.
      أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين إنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإن أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه، وأنا هو. ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزت فيكم راية الإيمان، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام، وألبستكم العافية من عدلي، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا تتغلغل إليه الفكر (منها) حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية تمنحهم درها، وتوردهم صفوها، ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها ولا سيفها، وكذب الظان لذلك، بل هي مجة من لذيذ العيش يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة) ( ).
      2- (نوع ممدوح) وهو الارتقاء بالروح عن الجسد، قال رسول الله : (من أراد أن ينظر إلى ميت يسير على الأرض فلينظر إلى علي بن أبي طالب )، وقال : (إنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً) ( )، أي إنّ روحه معلقة بالملأ الأعلى، بل إن من يموت بهذا الموت الممدوح حيٌ وإن مات بدنه، وقد مرَّ في كلام أمير المؤمنين  قول الرسول : (أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين إنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون. فإن أكثر الحق فيما تنكرون واعذروا من لا حجة لكم عليه).
      ﴿ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ﴾: أي إنّ روحه هاجرت إلى الله وتركت جسمه، هاجرت في أرض الله الواسعة، وهاجرت في سبيل الله، أو قل هاجرت في ولي الله إلى الله.
      ﴿فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾؛ لأنه هاجر إلى الله، فأجره على من هاجر له.

           
      سؤال/ 150: قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ( ).
      فالآية الأولى تعد بمغفرة جميع الذنوب ، والثانية ببعض الذنوب ، فكيف الجمع بين الاثنين ؟
      الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
      الذنوب بينكم وبين العباد لا تغتفر، إلا بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وتحصيل براءة الذمة منهم، هذا قانون عام ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾، أي يغفر الله الذنوب التي بينكم وبينه، أما الذنوب مع العباد فلابد من تحصيل براءة الذمة، وإعادة الحقوق لأصحابها، وفي دعاء يوم الاثنين للإمام زين العابدين : (… وأسألك في مظالم عبادك عندي، فأيما عبد من عبيدك، أو أمَة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في نفسه أو في عرضه أو في ماله أو في أهله وولده، أو غيبة اغتبته بها، أو تحامل عليه بميل أو هوى، أو أنفة أو حمية أو رياء أو عصبية غائباً كان أو شاهداً، وحياً كان أو ميتاً، فقصرت يدي، وضاق وسعي عن ردها إليه، والتحلل منه. فأسألك يا من يملك الحاجات وهي مستجيبة لمشيئته، ومسرعة إلى إرادته أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترضيه عني بما شئت، وتهب لي من عندك رحمة إنه لا تنقصك المغفرة، ولا تضرك الموهبة يا أرحم الراحمين) ( ).
      أي يغفر لكم بينكم وبين العباد بالدعاء والتوسل إليه سبحانه، بأن يكون هو الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها (إذا ضاق وسعي وقصرت يدي)، وهذا هو القانون الخاص (وبه يصبح غفران الذنوب جميعاً).
      وهناك طريق لغفران الذنوب جميعاً يسير، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ( )، وعن أهل البيت هي: (في صلة الإمام) ( )، وعنهم هي: (في صلة الرحم، والرحم رحم آل محمد خاصة) ( ). فصلة الإمام يعبر عنها الله سبحانه وتعالى بأنها قرض له سبحانه وتعالى وهو الذي يسدده، وصلة الإمام تكون بصور: منها: الصلة بالمال، والصلة بالعمل معه والجهاد بين يديه باللسان والسنان لإثبات حقه .
      وأكيد أن العمل مع الإمام أفضل من إعطاء المال له؛ لأن العمل يرهق جسد الإنسان، وربما كان فيه هلاك جسده إذا جاهد بين يدي الإمام باللسان والسنان.
      فكم هي الرحمة عظيمة إذا كان الحجة بين أظهر الناس، حيث فُتح هذا الباب العظيم، وهو أن يكون الإنسان بصلة الإمام  قد أقرض الله، فيقف يوم القيامة بين يدي الله فيوفيه الله هذا القرض، وهذا العبد لو جاء بعدد رمال البر ذنوباً لغُفرت له؛ لأن له قرضاً عند الله ديان يوم الدين، وهو يعطي الكثير بالقليل، وعطاؤه بلا حساب، فيسدد الله جميع ديون هذا العبد، وذنوبه مع العباد، ويدخله الجنة بغير حساب.
      من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
      ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

      Comment

      • almawood24
        يماني
        • 04-01-2010
        • 2174

        #4
        رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

           
        سؤال/ 151: قال تعالى: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾( ). وفي سورة الأعراف: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾( ).
        السؤال: هل خالف هارون  أمر موسى  حتى جعل موسى يرجع غضباناً على أخيه ويعامله بهذه القسوة؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        هارون  نبي ووصي موسى ، وكلاهما معصوم. فأما غضب موسى  فكان على قومه الذين ضلوا واتبعوا السامري، ولم يكن غاضباً على من بقي على الحق مع هارون ، أما الآية: ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ ( )، والآية: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ ( ).
        فالرأس في كلتي الآيتين يعني الأفكار، واللحية تعني الدين والتقوى. فأخذ موسى  برأس ولحية هارون يعني مناقشته، وسؤاله عن طريقته في معالجة هذه الفتنة، وأراد موسى  أن يبيّن لبني إسرائيل أن معالجة هارون  للفتنة في تلك المرحلة صحيحة؛ لأنه استخدم التقية: ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ حتى يرجع موسى ، فيكون الحل باستئصال جذور الفتنة، والقضاء على السامري إمام الضلالة.
        وطبعاً، التقية هنا ليست تراجعاً سلبياً عن المواجهة، بل تراجع ايجابي حيث قدَّر هارون أن عودة موسى  قريبة جداً، لن تجوز الأيام، كما أن مواجهة الضالين مع وجود موسى  ستكون بخسائر أقل؛ لأن كثيراً من أتباع السامري سيتركون ضلالتهم، لأنهم يعتقدون بموسى ، ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيل﴾ .
        ومع هذا البيان على رؤوس الأشهاد من موسى  عندما ناقش هارون ، فإن اليهود يتهمون إلى اليوم هارون ، بأنه سبب عبادة القوم للعجل، وفي التوراة الموجودة نصوص محرفة تشير إلى هذا المعنى الباطل ( ).
             
        سؤال/ 152: قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ ( )، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ ( )، ما الفرق بين الآيتين؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        العمى في كلتي الآيتين: عمى البصيرة، وليس عمى البصر.
        وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾، أي من كان ملتفتاً إلى هذا العالم الجسماني وغافلاً عن ملكوت الله سبحانه وتعالى، فلا يصدّق ولا يعتقد بآيات الله الملكوتية كالرؤيا والكشف، بل ولا يعمل للارتقاء بروحه في ملكوت السماوات، فمبلغه من العلم هذه الحياة الدنيا، فهو أعمى البصيرة؛ لأنه لا يرى الحق وإن كان كالشمس في رابعة النهار.
        أما قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، فهي فيمن كان قد ارتقى في ملكوت السماوات، وهو يرى ما لا يرى الناس، أي إنّ بصيرته مفتوحة، ولكن عندما بُعث ولي الله لم يؤمن به حسداً، كما هو حال (بلعم بن باعوراء)، فقد كان يرى ما تحت العرش، ولكنه لم يؤمن بموسى  حسداً له، ومال إلى الظالمين، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ ( )، والآيات التي بعد هذه الآية تبين هذا المعنى: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ ( ).

             
        سؤال/ 153: لو كان ذنب إبليس (لعنه الله) عدم السجود لآدم ، فإن الآية تشير إلى الملائكة وليس الجن، فهل نستطيع أن نقول إنها حجة له، والأمر بالسجود للملائكة، وليس الجن؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        إبليس (لعنه الله) من الجن بحسب أصله ( )، وهو من الملائكة نتيجة ارتقائه في تلك المرحلة التي أمر بها الملائكة بالسجود، فالأمر للملائكة يشمله باعتبار أنه من الملائكة في تلك المرحلة.
        فالجن خُلقوا مكلفين فإن أطاعوا الله ارتقوا إلى مرتبة الملائكة فيصبحون ملائكة، والأنس فطرتهم أعظم؛ حيث إنهم إذا أطاعوا الله سبحانه وتعالى يرتقون حتى يكون الإنسان وجه الله ويد الله ( )، كما هو حال خلفاء الله في أرضه ( )، فالإنسان إذا أطاع الله يرتقي في مرتبة أعلى من مرتبة الملائكة .
             
        سؤال/ 154: من مبدأ العدالة إذا كان أجير مذنب يُعطى أجرة على عمله ويعاقب على ذنبه، فإبليس لعنه الله عَبَدَ الله وقتاً طويلاً، وعن أمير المؤمنين في نهج البلاغة إن إبليس صلى ركعتين في ستة آلاف سنة وأذنب( )، فهل ذهبت عبادته أدراج الرياح، ولم يأخذ أي جزاء عنها؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        لقد أعطي أجره ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ( )، فهذا الإنظار له وإعطاؤه الحول والقوة كل هذه المدة الطويلة أَوَ ليس أجراً كافياً ؟! هذا إذا كان الأجير أعطى شيئاً هو له، أما إذا كان العامل يعمل بحول الله وقوته فهو ليس أجيراً، ولا يستحق بحسب العدالة أي جزاء، فهل يستحق من يعطيك مالك أجراً ؟!
             
        سؤال/ 155: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ* فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾( )؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        ﴿وَالتِّينِ﴾: فاطمة . ﴿وَالزَّيْتُونِ﴾: علي ، وهو الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار، ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ ( ).
        ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾: وادي السلام في النجف، حيث إنّ طور سيناء نقلته الملائكة إلى هذا المكان.
        ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾: رسول الله محمد .
        ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾: المخلوق الأول هو حقيقة الإنسان إذا ارتقى إلى أعلى عليين، والمخلوق الثاني هو حقيقة الإنسان إذا أزرى بنفسه إلى أسفل سافلين. والأول هو العقل أو محمد ، أما الثاني فهو الجهل أو الثاني (لعنه الله)، وكلاهما إنسان، ولذا قال تعالى: ﴿خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾، أي خلقنا الإنسان، فجعلنا أعلى مراتب الارتقاء للإنسان، وأسفل مراتب التدني أيضاً للإنسان.
        قال أبو عبد الله : (إن الله عز وجل خلق العقل، وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي. قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل، فلم يقبل، فقال له: استكبرت فلعنه) ( ).
        فالذي علَّم الملائكة المقربين هو (العقل الأول)، وهو محمد وهو إنسان ( )، والذي أردى إبليس (لعنه الله)، وأغواه أيضاً إنسان وهو الثاني (لعنه الله) أو الجهل، فهذا قول إبليس (لعنه الله): ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ( )، أي بالذي أغويتني به.
        ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾.
        بقي أن التين والزيتون في زمن الإمام المهدي  لهما مصاديق أخرى، والبلد الأمين هو الإمام المهدي ، قال تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾( ).
        وقال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ( ).
        فالزيتون، والشجرة التي تخرج من طور سيناء، والتي تنبت بالدهن، والزيتونة اللاشرقية ولا غربية، كلها تشير إلى شخص واحد هو المهدي الأول في زمن ظهور الإمام المهدي ، فهو الزيتون في السورة التي نحن بصددها، وهو الشجرة التي تخرج من طور سيناء (أي النجف)، كما روي عن أمير المؤمنين والصادق ( ).
        فقد نقلت الملائكة الطور بعد حادثة رفعه ولم يعاد إلى مكانه ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ( )، ظنوا أنه واقع بهم، فهو لم يعد إلى مكانه، ولم يقع بهم، بل نُقل.
        وغذاؤها الدهن ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ أي العلم الثقيل على الناس، ولا يحتمله الناس (سرٌّ في سرّ)، (وصعب مستصعب) كما ورد عنهم ، عن أبي عبد الله  قال: (إن أمرنا سر في سر، وسر مستسر، وسر لا يفيد إلا سر، وسر على سر، وسر مقنع بسر ) ( ).
        وقال أبو جعفر : (إن أمرنا هذا مسـتور مقنع بالميثاق، من هتكه أذله الله) ( ).
        وقال أبو عبد الله : (إن أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق، ومن هتكه أذله الله) ( ).
        وقال أبو عبد الله : (إن أمرنا هو الحق، وحق الحق. وهو الظاهر، وباطن الباطن. وهو السر، وسر السر، وسر المستسر، وسر مقنع بالسر) ( ).
        وهو الزيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء، فهو من المهديين، ويحسب من الأئمة تارة أخرى، وقد وردت روايات عنهم تعد الأئمة اثني عشر من ولد علي وفاطمة، أي إنهم عدّوا المهدي الأول من الأئمة في كلامهم ، وإليك بعض الروايات:
        قال أبو جعفر : (الاثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم محدث من رسول الله ومن ولد علي ورسول الله وعلي  هما الوالدان) ( ).
        وعن أبي جعفر  ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ( ).
        وعن أبي جعفر ، قال : (إن الله أرسل محمداً إلى الجن والإنس، وجعل من بعده اثني عشر وصياً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكل وصي جرت به سنة. والأوصياء الذين من بعد محمد على سنة أوصياء عيسى وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين  على سنة المسيح) ( ).
        وعن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر  يقول: (نحن اثنا عشر إماماً، منهم حسن وحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسين ) ( ).
        وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا) ( ).
        وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهّمون، آخرهم القائم بالحق، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) ( ).

             
        سؤال/ 156: قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ ( )، الآية تشعر بجواز الطواف، والمتعارف عن أعمال الحج أن الطواف واجب؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        المقصود بالحج هو: حج بيت الله الحقيقي، وهم محمد وآل محمد ، فمن حج بيت الله وأتم العشر، (مقامات الإيمان والحج)، وحج بيت الله، وأصبح (منا أهل البيت) فله أن يأكل من ثمار شجرة علم آل محمد . وهذا الجواز مقابل للمنع الذي منع به آدم ، ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ( )، وهي شجرة علم آل محمد ، وليست الآية بحسب ظاهرها.
        والصفا: علي ، والمروة: فاطمة ( ).
        ولا ﴿جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ﴾: أي لا جناح عليه أن يأخذ منهما، فهما باب مدينة العلم (محمد )، والأخذ منهما يكون بالأخذ من الأئمة والمهديين ، ولابد للإنسان من السعي للوصول إلى الحج الحقيقي واستكمال درجات الإيمان العشرة، وبالتالي يكون بمرتبة: (منا أهل البيت)، فيكون له أن يأخذ من ثمار الشجرة المباركة.
        أما في هذا العالم الجسماني فهذه الحالة الجسمانية وهي الذهاب إلى الكعبة وقصدها، فإنما تشير إلى الانصياع لهذا الأمر الإلهي، فهي واجبة؛ لأنها تمثل الائتمار بأمر الله.
        أما الوصول الحقيقي في العوالم العلوية فهو إن تحقق - بفضل الله وسعي الإنسان - فهو الخير كله، وإن لم يتحقق فالإنسان بفضل إجابته دعاء (أقبل) ( ) فإنه يتقلب في جنات الله سبحانه وتعالى؛ لأنه سعى، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ ( )، فالسعي واجب على الإنسان ومن بدايات السعي هو الحج في هذا العالم الجسماني.
        ويبقى أنّ الإنسان يأخذ بقدر سعيه وبفضل الله عليه، فإن وصل وحج بيت الله الحقيقي، وكان ممن أكمل مراتب الإيمان العشرة، وكان منا أهل البيت بالحقيقة، جاز له قطف ثمار الشجرة والأكل منها، كما أنّ الذي يحج الكعبة يجوز له السعي بين الصفا والمروة، بل هي واجبة باعتبار ما قلت إنها مقدمات إجابة دعاء الله سبحانه عبده بالإقبال عليه سبحانه ( ).

             
        سؤال/ 157:كيف يستزيد المعصوم من العلم كما هو وارد عنهم ؟
        وهل هو يجهل ثم يعلم؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        إذا كان المراد أنه يجهل بمعنى لا يعلم ثم يعلم فلا، وهذا خطأ، لكنه يدرك ما أودع في عقله التام بالله سبحانه وتعالى، حيث إنه  محجوب بالجسد عند نزوله إلى عالم الأجسام في هذه الدنيا للامتحان، أي كما أنه محتاج إلى الله سبحانه وتعالى ليوصل قطرة الدم التي أودعها الله في قلبه إلى أطراف جسمه، كذلك هو محتاج لله ومفتقر إلى الله سبحانه وتعالى ليوصل له العلم الذي أودعه في عقله التام إلى نفسه في هذا العالم ، أي إنه يعلم ويزداد علماً مما أودع في عقله التام ، أي وجوده في بيت الله (المقامات العشرة، عشرة الإيمان)، أي إنه يزداد علماً من علمه المكنون المخزون في قلبه أو عقله التام، (وليس العلم في السماء ولا في الأرض، ولكنه في الصدور فاستفهم الله يفهمك) ( ).
        فـ (الجامعة) و (الجفر) و (مصحف فاطمة) كلها علم وليست هي العلم، بل العلم هو ما يحدث في كل ساعة، وهو من المعصوم وإلى المعصوم ( )، ﴿… وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ( ).
             
        سؤال/ 158: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ( ) ؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        هم الأمة المحمدية الحقيقية، وهم الثلاث مائة والثلاث عشر، والوسط هو الصراط المستقيم وهو المهدي الأول؛ لأنه وسط بين الأئمة والمهديين، فالأمة الوسط هم أتباع المهدي الأول، وأنصار الإمام المهدي ، وهم أيضاً (خير أمة أخرجت للناس)، بل و (خير أئمة)؛ لأنهم قادة، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ( ).
        قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ ( )، والصلاة هي (الولاية) ( )، أي حافظوا على الولاية، والصلاة الوسطى أي الولاية بين الأئمة والمهديين، أي ولاية المهدي الأول في بداية ظهور الإمام المهدي ؛ لأن المهدي الأول من المهديين، وأيضاً يعد من الأئمة، كما في الروايات عنهم التي تعد الأئمة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام اثني عشر.
        عن أَبي جعفر ، قَال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنِّي واثْنَيْ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَأَنْتَ يَا عَلِيُّ زِرُّ الْأَرْضِ يَعْنِي أَوْتَادَهَا وَجِبَالَهَا بِنَا أَوْتَدَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَنْ تَسِيخَ بِأَهْلِهَا، فَإِذَا ذَهَبَ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِي سَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يُنْظَرُوا) ( ).
        عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ  يَقُولُ: (الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَوُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ  فَرَسُولُ اللَّهِ وَعَلِيٌّ  هُمَا الْوَالِدَانِ) ( ).
        عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيهِ أَسْمَاءُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ آخِرُهُمُ الْقَائِمُ ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ وَثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ) ( ).
        عن أمير المؤمنين : (إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني) ( ).
        وقال تعالى: ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّة﴾: أي (زيتون وسط)، وهو (المهدي الأول ) ، فهو الوسط بين الأئمة والمهديين . وهو أيضاً شجرة الزيتون التي تخرج من طور سيناء ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ ( ).
             
        سؤال/ 159: في (المتشابهات) في تفسير سورة العصر، قلت: (إن الإنسان علي بن أبي طالب ، وهو في خسر نسبةً إلى رسول الله )، ولكن كيف يستثني الذين آمنوا، وهذا يشعر أنهم أفضل من علي  بحسب ما بينت أنت ؟!
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        القرآن كلّه في الفاتحة، والفاتحة في البسملة، والبسملة في الباء والباء في النقطة ( ). أي أنّ القرآن كلما ارتقينا إلى الله سبحانه وتعالى قل تفصيله؛ لقلة الجزئيات والمتنافيات كلما ارتقت العوالم الملكوتية، حتى تصل إلى النور والكليات فيكون القرآن نوراً كلياً.
        وما بينتُه عن سورة (والعصر) هو في مرتبة عالية من القرآن، حيث لا وجود لغير محمد وعلي وفاطمة - وعلي وفاطمة عليهما السلام نور واحد - فلا وجود لغيرهم، فيكون تمام السورة في ذلك العالم هو: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ ( )، هذه هي سورة العصر في ذلك العالم العلوي، فلا وجود لبقية السورة في ذلك العالم، وهو: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ ( ) ليكون لهذا الاعتراض وجه.
        أما في هذا العالم، فالإنسان هو جنس الإنسان، أي إنّ الإنسان بسبب وجوده في العالم الجسماني في خسر وتسافل، إلا إذا آمن بولي الله في زمانه وعمل معه ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
        سؤال/ 160: ما معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ( ) ؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        الأمانة هي: الإمامة وولاية ولي الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ ( ). أي الإمامة يؤديها الإمام إلى الإمام الذي يليه ( ).
        أما الناس فأمانتهم هي ولايتهم لولي الله، فالناس يؤدون الولاية إلى ولي الله في كل زمان، فإذا رجع ولي الله إلى الله لا تنقطع الولايـة، بل على الناس أن يتولوا الولي الذي بعده، فلا تخلو أرض الله من حجة ولو خليت لساخت بأهلها ( ).
        والإنسان: جنس الإنسان، والمنافق الأول والثاني لعنهما الله، والظلوم هو: (الأول) لعنه الله، والجهول هو: (الثاني) لعنه الله حيث هو الجهل (المخلوق الثاني) الذي خلق بعد العقل ( ).
        أما السماوات والأرض والجبال: أي سكانها من الملائكة والأرواح الصالحة.
        فالأمانة هي: الولاية لله والإمامة، والولاية لولي الله إمامة أيضاً إذا كانت تامة، قال تعالى في الحديث القدسي: (من تقرب إليّ بالفرائض - أي ولاية ولي الله - أصبح عيني ويدي و...) ( )، أي كـ (ولي الله) أتم الإيمان، كسلمان منا أهل البيت؛ لأنه أتم العشر درجات (درجات الإيمان)( )، ﴿ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ ( ).
        بقي أن أمانة كل إنسان مرتبطة بصاحب الأمانة، وهو كما عبر عنه : بأنه مَلَك ابتلع كتاب العهد والميثاق ( )، وهو الحجر الأسود في الركن العراقي في الكعبة. وهو في الحقيقة إنسان، وهو المهدي الأول واليماني، وهو صاحب الأمان، ولذلك فهو الفاتح لدولة العدل الإلهي والممهد الرئيسي لها، والحاكم الأول بعد قائدها الإمام المهدي . وكل إنسان يحج بيت الله لابد له من المرور على الحجر، والركن اليماني، وبينهما باب الكعبة، أو كما سمي الملك الذي ابتلع كتاب العهد والميثاق، ولابد له أن يتعاهده ويجدد العهد مع الله من خلاله.
        قال رسول الله : (استلموا الركن، فإنه يمين الله في خلقه، يصافح بها خلقه، مصافحة العبد أو الدخيل، ويشهد لمن استلمه بالموافاة) ( )، ومراده بالركن: الحجر الأسود؛ لأنه موضوع فيه، وإنما شُبِه باليمين؛ لأنه واسطة بين الله وبين عباده في النَيل والوصول والتحبب والرضا كاليمين حين التصافح.
        وقال الصادق : (إن الله تبارك وتعالى لما أخذ مواثيق العباد أمر الحجر فالتقمها، فلذلك يقال: أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة) ( ).

        وقال : (الركن اليماني باب من أبواب الجنة، لم يغلقه الله منذ فتحه) ( ).
        وقال  : (الركن اليماني بابنا الذي يُدخل منه الجنة، وفيه نهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد) ( ).
        وعن رسول الله : (… فأقول أمتي يا رب أمتي، فيقال يا محمد أدخل أمتك من لا حساب عليهم - أي المقربين أصحاب اليماني - من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب …) ( ).
        فالحجر والركن اليماني يشيران إلى اليماني صاحب الأمانة والذي ابتلع الأمانة، وهي الميثاق الإلهي، والبيت (الكعبة) يشير إلى آل محمد ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ ( ).
             
        سؤال/ 161: قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ ( )، الآية تذم من لا يسجد عند قراءة القرآن، فهل يجب السجود مع قراءة القرآن؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        القرآن هو (الإمام الحجة على الخلق في كل زمان) ( )، وقراءته هي قراءة صفحته على الناس في هذه الحياة الدنيا، فيجب على الناس طاعته والخضوع لأمره، وهذا هو السجود الذي رفضه إبليس (لعنه الله)، ويرفضه كل مصاب بداء إبليس (لعنه الله).
        فإعراض الناس عن القرآن الناطق، وهو الإمام وحجة الله في زمانهم ، وترك طاعته هو ترك السجود ، وهو نظير ترك إبليس (لعنه الله) السجود لآدم: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾ ( ).
             
        سؤال/ 162: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ ( )، هل الإنسان مذموم في هذه الآية؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        ﴿وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾: أي بحثاً لمعرفة الحقيقة باعتبار فطرته، فهو مفطور لمعرفة كل الأسماء الإلهية، وفطرته تؤهله للمعرفة، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ( ).

             
        سؤال/ 163: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ( ) ؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        ﴿وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً﴾: أي علم وحكمة ومعرفة، فالمحراب والصلاة مورد معراج المؤمن وفيض الله عليه، والرزق الدنيوي مكانه غير المحراب المعد للصلاة، والأكل كذلك. فالإنسان لا يأكل وهو واقف يصلي في المحراب، وإن كان الرزق الدنيوي أيضاً ينـزل على مريم، ولكن المراد بالآية هو الرزق الحقيقي وهو العلم والحكمة والمعرفة، ولذلك: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ ( )، وعلل هذا الدعاء بـ ﴿إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً﴾ ( ).
        ﴿الْمَوَالِيَ﴾: أي علماء بني إسرائيل، خاف منهم على عيسى ؛ لأنه كان يعلم بأمره، فزكريا  هو الحجة على مريم ، وأراد زكريا  ذرية طيبة ترث آل يعقوب حقيقة، أي ميراث الحكمة والنبوة والنصرة لولي الله عيسى  فرزقه الله يحيى. فكفالة زكريا لمريم لشأنها، فإن الله كفّله شأنها ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾، وأهم ما في شأنها هو أنها أمٌ لعيسى ، نبي من أولي العزم مصلح للديانة الإلهية.
        كما أنّ يحيى الذي هو إجابة دعاء زكريا  كان أهم ما فيه هو إجابة دعاء زكريا، وذلك أنه أصبح الناصر لعيسى ، ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ( )، والمصدق هو يحيى ، وكلمة الله والسيد الحصور هو عيسى ، فهو سيد من أولي العزم، ومَلِك بني إسرائيل، وحصور لا يأتي النساء ولا الدنيا.
        والآن لننظر في دعاء زكريا، وهو طلب الولد: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾ ( ).
        1- ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي﴾: أي علماء بني إسرائيل خفتهم على عيسى  السيد ومَلِك بني إسرائيل، وكلمة الله. وهنا طلب زكريا  من الله، فـ (هب لي ولداً) يتم كفالتي لأمر مريم بعد موتي فقد بلغت من الكبر والعمر حتى شاب رأسي، فالمتوقع أن أكون ميتاً عند بعث عيسى .
        2- ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾: في نصرة عيسى ، فعيسى  (قائم آل يعقوب)، فنصرة يحيى  له نيابة عن زكريا ، وكفالته نيابة عن آل يعقوب الصالحين من الأنبياء والمرسلين والأولياء.
        3- ﴿واجعله رب رضياً﴾: أي راضياً بالبلاء والامتحان، وتعرضه للقتل في نصرة عيسى . فقد وجّه يحيى  تلاميذه والناس لنصرة عيسى  قبل أن يُبعث عيسى  وقُتل واستشهد في بداية بعث عيسى.
        فزكريا : ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً﴾ ( ): أي لولا فضلك لا يكون لي غلام .....، ﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾ ( ): أي فضل ربك عليك.
        ومريم ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ( ).
        ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾: أي لولا فضلك لا يكون لي ولد، ﴿… قَالَ كَذَلِكِ …﴾: أي فضل ربكِ عليكِ.
        ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ﴾ ( ): وهذا هو الفضل والرزق.
        ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ( )، فالفضل بغير حساب والحمد لله.

             

        سؤال/ 164: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ ( ) ؟
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        النجوم هم: آل محمد ( )، قال رسول الله : (إن أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء) ( ).
        أما مواقع النجوم في السماء ففيها آية من آيات الله سبحانه وتعالى، فالنجوم السبعة الدالة على نجمة الجدي في السماء يمثلون آل محمد ، فالثلاثة الأولى تمثل: (محمداً وعلياً وفاطمة )، أما الأربعة البقية فهي دالة بحسب ترتيبها ؛ الاثنان الأقرب إلى الثلاثة هما (الحسن والحسين عليهما السلام)، والاثنان الأخريان أحدهما تدل على (الأئمة الثمانية)، والأخرى تدل على الإمام المهدي ، وهما الأقرب إلى نجمة الجدي.
        وكل هذه النجوم هي دالة على الجدي في السماء. والجدي هو دليل القبلة، فبه يستدل الناس على القبلة في الليل المظلم ، والقبلة هي جهة السجود إلى الله سبحانه وتعالى، فنجمة الجدي هي الدالة على الإمام المهدي ، أي المعرِّفة به ( )، وهذا شأن النجوم في السماء.
        ونجمة الجدي هي النجمة الوحيدة الثابتة في السماء، وهي لا تتحرك؛ لأنها واقعة على محور دوران الأرض.







        قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ …﴾ ( )، أي إنّ هذا القسم قسم بنجمة الجدي، وهو المهدي الأول الدال على الإمام المهدي، والنجوم الدالة عليها هم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة والإمام المهدي  ( )، وهم النجوم الدالة على نجمة الجدي أو المهدي الأول، ذلك أنهم عرَّفُوا الناس به من خلال كلامهم والروايات التي وردت عنهم، وكذلك من خلال الرؤى التي يراها المؤمنون بهم ( )، وهم يشيرون إلى إتباع المهدي الأول؛ لأنه نجمة الجدي الدالة على القبلة، أي إنه الدليل إلى الإمام المهدي ، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ ( ).
        وفي آية أخرى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ ﴾ ( )، أي هو المهدي الأول واليماني .
        ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾: أي إنه القرآن الناطق؛ لأن أول المهديين ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾: لا يعرف شيئاً من حقيقته إلا المطهرون، وهم الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي .
        ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾: أي بهذا الحديث أنتم شاكون.
        وقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ ( ).
        ﴿وَالْفَجْرِ﴾: هو الإمام المهدي ، ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾: هم الأئمة ، عبر عنهم الليالي لأنهم عاشوا في دولة الظالمين.
        ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر﴾: الشفع علي وفاطمة عليهما السلام، والوتر هو رسول الله ، عبر عن علي وفاطمة عليهما السلام بالشفع؛ لأنهما نور واحد، وعبر عن رسول الله بالوتر؛ لأنه لا نظير له في الخلق ( ).
        ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾: أي إذا انقضت دولة الظالمين والظلم والظلام المرافق لها، كأنها ليل يمضي ويذهب عند بزوغ فجر الإمام المهدي .
        ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾: قسم هو المهدي الأول، أي هل في ذلك دلالة وبيان كافٍ في معرفة المهدي الأول.
        ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ ( )، أي إنّ (روح المهدي الأول) هي من جند الله، وكانت مع علي بن أبي طالب  عندما أنزل جند الله من الملائكة العذاب بعاد وثمود وفرعون، الذين طغوا في البلاد ( ).
        وملائكة الله وجنود الله يأتمرون بأمر المهدي الأول، كما أنه يأتمر بأمر الإمام المهدي ، حتى يصل الأمر إلى علي ، وهكذا علي  يأتمر بأمر محمد ، ومحمد بأمر الله.
        فالذي أنزل العذاب بالأمم المتمردة هو الله سبحانه وتعالى، وهو محمد ، وهو علي  وهو الإمام المهدي  …، وهو المهدي الأول …، وهم ملائكة الله الذين يأتمرون بأمر جند الله سبحانه وتعالى.
             
        سؤال/ 165: قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ ( ).
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        الدنيا والآخرة طريقان مختلفان، هذا إلى المشرق، وهذا إلى المغرب. فمن توجه إلى أحدهما جعل الأخرى في ظهره، فلا يجتمعان في عين إنسان، ولا يجتمعان في قلب إنسان. لا يجتمع حب الدنيا وحب الآخرة في قلب إنسان ( ). كيف، والله لا تساوي الدنيا عنده جناح بعوضة، ولو كانت لها قيمة عنده لما كان لكافر فيها شربة الماء ( ). كيف، والله لم ينظر إلى عالم الأجسام منذ خلقه ( ) ؟ كيف وكيف ...
        ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ ( ).
        ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾: أي الدنيا، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾: أي أعطاه الله فيها إذا أراد الله، ويعطي الله ما يريد إعطاءه لمن يريد إعطاءه، فربما يطلب الإنسان الدنيا ويخسر الآخرة، ولكنه لا يحصل على شيء من الدنيا، فيخسر الدنيا والآخرة.
        ثم تكون نتيجة طالب الدنيا في الآخرة خسارة عظيمة، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً﴾ ( ).
        ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾: إرادة الدنيا لا تحتاج إلى شيء فقط النية والإعراض عن الآخرة، أما إرادة الآخرة فتحتاج إلى الإيمان بولي الله الأعظم والحجة في كل زمان، وتحتاج إلى السعي مع ولي الله والحجة على الناس في كل زمان، وهذا السعي هو من القرض الذي قال عنه تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ ( ).
        ويقرض الله: أي يصل الإمام بصلة ( )، إما مادية في أموال، أو يسعى بجهده مع ولي الله، ويجاهد مع ولي الله بلسانه ويده، والصلة الأخيرة أفضل قطعاً من الأولى.
        وهؤلاء الذي يسعون مع ولي الله بعد الإيمان به؛ لأن الإيمان به هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى ﴿سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾، والذي يشكرهم هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم أقرضوه هو سبحانه وتعالى، فقد جعل سبحانه هذا الأمر (السعي مع الإمام) قرضاً لله وعلى الله سداده، فيكون سداد الله هو شكر هؤلاء؛ لأنهم عباد شاكرون، فقد شكروا نعمة الله عليهم بولي الله وسعوا معه إلى الله، ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ( ).
        وشكر الله لعبد هو نعمة ما بعدها نعمة؛ لأنها خاصة بآل محمد فمن شكره الله كان منهم، (سلمان منا أهل البيت) ( ). انظر ماذا قال تعالى في سورتهم وهي (هل أتى): ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ﴾ ( )، وهؤلاء الذين سعيهم مشكور في سورة (هل أتى) هم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة والمهديون ، فمن سعى سعيهم ووالاهم وجاهد معهم بماله وقلبه ولسانه ويده كان منهم، ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ ( )، أي منا أهل البيت.
             

        سؤال/ 166: قال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ ( ). ما معنى هذه الآية؟ وكيف يكون التبذير؟ وهو ربما من صغائر الذنوب بهذه الخطورة ويجعل الإنسان أخاً للشيطان مع أن كبائر الذنوب لم يعبر عنها بهكذا تعبير: ﴿كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ ؟!
        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        في الآية التي قبلها قال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾ . وذو القربى: آل محمد ( )، قال تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ ( )، وهم مساكين الله، فلا يوجد إنسان يتذلل ويتمسكن بين يدي الله مثلهم، فهم مساكين الله.
        وابن السبيل أيضاً هي في آل محمد ، فابن السبيل أي سبيل الله، أي طريق الله، فهم أي آل محمد أبناء سبيل الله، وحقهم عند كل إنسان هو كل ما يملك من مال وقوة بدنية، وكل ما وهبه الله له فهو حقهم ، أي أن يسعى معهم ، بعد إيمانه بهم، لأنه يسعى بماله وجسده و … و … وكلها حقهم الذي خوَّله الله به، وجعله أمانة عنده، ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ( )؛ لأنه لولا محمد وآل محمد لما خلق الله الخلق ، فهم الأدلاء على الله.
        ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾: أي لا تُضعْ حقهم الذي بينته فيما سبق، فتبذل جهدك وسعيك مع عدوهم، أو من يخالفهم، فتكون كمن يرمي نعمة الله في المزبلة والنجاسة، لأن أعداءهم ومخالفيهم هم المزبلة والنجاسة والبالوعة، فتكون بذلك نظير عدوهم اللعين (الشيطان) وأخاً له، بما ضيعت من حقوقهم التي خولك الله التصرف بها وتكون بذلك قد خنت الأمانة التي ائتمنك الله عليها.
        ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ ( )، هذا هو معنى الآية، أي الذين يبذرون حقوق آل محمد ( )، ومن التبذير أيضاً إعطاء أسرارهم وجواهر كلامهم لعدوهم ومخالفهم الذي لا ترجى هدايته.

             
        سؤال/ 167: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآل محمد
        سيدي اليماني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        أرجو الإجابة على أسئلتي فإني سائل، وأنتم آل محمد معدن الكرم، وإذا صدق السائل هلك المسؤول:
        قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ ( ).
        والتساؤل هنا عن الفرق بين قوله تعالى (فتحت أبوابها) عند ذكر حالة دخول الكافرين إلى جهنم في الآية (71)، وبين قوله تعالى: (وفتحت أبوابها) عند ذكر حالة دخول المتقين إلى الجنة في الآية (73)، فلِمَ ذكر حرف الواو في الثانية، ولمْ يذكره في الأولى؟

        الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
        النار عقاب، والعقاب لا تفاضل فيه، فهو امتهان، قال تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ( ). فبمجرد مجيء وحضور أهل النار المستحقين لها كعقوبة لهم على سوء أعمالهم تفتح أبوابها لهم جميعاً، فلا فضل لفوج منهم مثلاً ليسلم مفاتيح النار، وحتى لو تسلمها أحدهم فهي ليست كرامة له لأنه واردها.
        أما الجنة فهي الثواب، وفي عرصات يوم القيامة يُكافأ فوج من بني آدم - زمرة كما في السورة - بأن يسلم مفاتيح الجنة ويكون هذا الفوج (أو الزمرة) أول الداخلين إلى الجنة، وهم الذين يفتحون باب الجنة، وبهم تفتح الجنة، فيحاسب أصحاب الجنة في القيامة لبيان فضل أهل الفضل منهم. فالواو أفادت (التراخي والمهلة)، حتى يسلم هؤلاء الفوج (الزمرة) مفاتيح الجنة، وهم أصحاب القائم .
        أما أصحاب النار فلا داعٍ للتراخي والمهلة معهم، فهم يدخلون النار بغير حساب؛ لأن أسماءهم غير مكتوبة في سجل الحياة، بل هم أموات لا يكلمهم الله ولا يحاسبهم فكفى بالنار مكلم لهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ( )، وقال تعالى: ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ ( ).
        من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
        ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

        Comment

        • almawood24
          يماني
          • 04-01-2010
          • 2174

          #5
          رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

             
          سؤال/ 151: قال تعالى: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾( ). وفي سورة الأعراف: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾( ).
          السؤال: هل خالف هارون  أمر موسى  حتى جعل موسى يرجع غضباناً على أخيه ويعامله بهذه القسوة؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          هارون  نبي ووصي موسى ، وكلاهما معصوم. فأما غضب موسى  فكان على قومه الذين ضلوا واتبعوا السامري، ولم يكن غاضباً على من بقي على الحق مع هارون ، أما الآية: ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ ( )، والآية: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ ( ).
          فالرأس في كلتي الآيتين يعني الأفكار، واللحية تعني الدين والتقوى. فأخذ موسى  برأس ولحية هارون يعني مناقشته، وسؤاله عن طريقته في معالجة هذه الفتنة، وأراد موسى  أن يبيّن لبني إسرائيل أن معالجة هارون  للفتنة في تلك المرحلة صحيحة؛ لأنه استخدم التقية: ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ حتى يرجع موسى ، فيكون الحل باستئصال جذور الفتنة، والقضاء على السامري إمام الضلالة.
          وطبعاً، التقية هنا ليست تراجعاً سلبياً عن المواجهة، بل تراجع ايجابي حيث قدَّر هارون أن عودة موسى  قريبة جداً، لن تجوز الأيام، كما أن مواجهة الضالين مع وجود موسى  ستكون بخسائر أقل؛ لأن كثيراً من أتباع السامري سيتركون ضلالتهم، لأنهم يعتقدون بموسى ، ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيل﴾ .
          ومع هذا البيان على رؤوس الأشهاد من موسى  عندما ناقش هارون ، فإن اليهود يتهمون إلى اليوم هارون ، بأنه سبب عبادة القوم للعجل، وفي التوراة الموجودة نصوص محرفة تشير إلى هذا المعنى الباطل ( ).
               
          سؤال/ 152: قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ ( )، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ ( )، ما الفرق بين الآيتين؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          العمى في كلتي الآيتين: عمى البصيرة، وليس عمى البصر.
          وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾، أي من كان ملتفتاً إلى هذا العالم الجسماني وغافلاً عن ملكوت الله سبحانه وتعالى، فلا يصدّق ولا يعتقد بآيات الله الملكوتية كالرؤيا والكشف، بل ولا يعمل للارتقاء بروحه في ملكوت السماوات، فمبلغه من العلم هذه الحياة الدنيا، فهو أعمى البصيرة؛ لأنه لا يرى الحق وإن كان كالشمس في رابعة النهار.
          أما قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، فهي فيمن كان قد ارتقى في ملكوت السماوات، وهو يرى ما لا يرى الناس، أي إنّ بصيرته مفتوحة، ولكن عندما بُعث ولي الله لم يؤمن به حسداً، كما هو حال (بلعم بن باعوراء)، فقد كان يرى ما تحت العرش، ولكنه لم يؤمن بموسى  حسداً له، ومال إلى الظالمين، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ ( )، والآيات التي بعد هذه الآية تبين هذا المعنى: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ ( ).

               
          سؤال/ 153: لو كان ذنب إبليس (لعنه الله) عدم السجود لآدم ، فإن الآية تشير إلى الملائكة وليس الجن، فهل نستطيع أن نقول إنها حجة له، والأمر بالسجود للملائكة، وليس الجن؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          إبليس (لعنه الله) من الجن بحسب أصله ( )، وهو من الملائكة نتيجة ارتقائه في تلك المرحلة التي أمر بها الملائكة بالسجود، فالأمر للملائكة يشمله باعتبار أنه من الملائكة في تلك المرحلة.
          فالجن خُلقوا مكلفين فإن أطاعوا الله ارتقوا إلى مرتبة الملائكة فيصبحون ملائكة، والأنس فطرتهم أعظم؛ حيث إنهم إذا أطاعوا الله سبحانه وتعالى يرتقون حتى يكون الإنسان وجه الله ويد الله ( )، كما هو حال خلفاء الله في أرضه ( )، فالإنسان إذا أطاع الله يرتقي في مرتبة أعلى من مرتبة الملائكة .
               
          سؤال/ 154: من مبدأ العدالة إذا كان أجير مذنب يُعطى أجرة على عمله ويعاقب على ذنبه، فإبليس لعنه الله عَبَدَ الله وقتاً طويلاً، وعن أمير المؤمنين في نهج البلاغة إن إبليس صلى ركعتين في ستة آلاف سنة وأذنب( )، فهل ذهبت عبادته أدراج الرياح، ولم يأخذ أي جزاء عنها؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          لقد أعطي أجره ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ( )، فهذا الإنظار له وإعطاؤه الحول والقوة كل هذه المدة الطويلة أَوَ ليس أجراً كافياً ؟! هذا إذا كان الأجير أعطى شيئاً هو له، أما إذا كان العامل يعمل بحول الله وقوته فهو ليس أجيراً، ولا يستحق بحسب العدالة أي جزاء، فهل يستحق من يعطيك مالك أجراً ؟!
               
          سؤال/ 155: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ* فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾( )؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          ﴿وَالتِّينِ﴾: فاطمة . ﴿وَالزَّيْتُونِ﴾: علي ، وهو الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار، ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ ( ).
          ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾: وادي السلام في النجف، حيث إنّ طور سيناء نقلته الملائكة إلى هذا المكان.
          ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾: رسول الله محمد .
          ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾: المخلوق الأول هو حقيقة الإنسان إذا ارتقى إلى أعلى عليين، والمخلوق الثاني هو حقيقة الإنسان إذا أزرى بنفسه إلى أسفل سافلين. والأول هو العقل أو محمد ، أما الثاني فهو الجهل أو الثاني (لعنه الله)، وكلاهما إنسان، ولذا قال تعالى: ﴿خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾، أي خلقنا الإنسان، فجعلنا أعلى مراتب الارتقاء للإنسان، وأسفل مراتب التدني أيضاً للإنسان.
          قال أبو عبد الله : (إن الله عز وجل خلق العقل، وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي. قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل، فلم يقبل، فقال له: استكبرت فلعنه) ( ).
          فالذي علَّم الملائكة المقربين هو (العقل الأول)، وهو محمد وهو إنسان ( )، والذي أردى إبليس (لعنه الله)، وأغواه أيضاً إنسان وهو الثاني (لعنه الله) أو الجهل، فهذا قول إبليس (لعنه الله): ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ( )، أي بالذي أغويتني به.
          ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾.
          بقي أن التين والزيتون في زمن الإمام المهدي  لهما مصاديق أخرى، والبلد الأمين هو الإمام المهدي ، قال تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾( ).
          وقال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ( ).
          فالزيتون، والشجرة التي تخرج من طور سيناء، والتي تنبت بالدهن، والزيتونة اللاشرقية ولا غربية، كلها تشير إلى شخص واحد هو المهدي الأول في زمن ظهور الإمام المهدي ، فهو الزيتون في السورة التي نحن بصددها، وهو الشجرة التي تخرج من طور سيناء (أي النجف)، كما روي عن أمير المؤمنين والصادق ( ).
          فقد نقلت الملائكة الطور بعد حادثة رفعه ولم يعاد إلى مكانه ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ( )، ظنوا أنه واقع بهم، فهو لم يعد إلى مكانه، ولم يقع بهم، بل نُقل.
          وغذاؤها الدهن ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ أي العلم الثقيل على الناس، ولا يحتمله الناس (سرٌّ في سرّ)، (وصعب مستصعب) كما ورد عنهم ، عن أبي عبد الله  قال: (إن أمرنا سر في سر، وسر مستسر، وسر لا يفيد إلا سر، وسر على سر، وسر مقنع بسر ) ( ).
          وقال أبو جعفر : (إن أمرنا هذا مسـتور مقنع بالميثاق، من هتكه أذله الله) ( ).
          وقال أبو عبد الله : (إن أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق، ومن هتكه أذله الله) ( ).
          وقال أبو عبد الله : (إن أمرنا هو الحق، وحق الحق. وهو الظاهر، وباطن الباطن. وهو السر، وسر السر، وسر المستسر، وسر مقنع بالسر) ( ).
          وهو الزيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء، فهو من المهديين، ويحسب من الأئمة تارة أخرى، وقد وردت روايات عنهم تعد الأئمة اثني عشر من ولد علي وفاطمة، أي إنهم عدّوا المهدي الأول من الأئمة في كلامهم ، وإليك بعض الروايات:
          قال أبو جعفر : (الاثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم محدث من رسول الله ومن ولد علي ورسول الله وعلي  هما الوالدان) ( ).
          وعن أبي جعفر  ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ( ).
          وعن أبي جعفر ، قال : (إن الله أرسل محمداً إلى الجن والإنس، وجعل من بعده اثني عشر وصياً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكل وصي جرت به سنة. والأوصياء الذين من بعد محمد على سنة أوصياء عيسى وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين  على سنة المسيح) ( ).
          وعن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر  يقول: (نحن اثنا عشر إماماً، منهم حسن وحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسين ) ( ).
          وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا) ( ).
          وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهّمون، آخرهم القائم بالحق، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) ( ).

               
          سؤال/ 156: قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ ( )، الآية تشعر بجواز الطواف، والمتعارف عن أعمال الحج أن الطواف واجب؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          المقصود بالحج هو: حج بيت الله الحقيقي، وهم محمد وآل محمد ، فمن حج بيت الله وأتم العشر، (مقامات الإيمان والحج)، وحج بيت الله، وأصبح (منا أهل البيت) فله أن يأكل من ثمار شجرة علم آل محمد . وهذا الجواز مقابل للمنع الذي منع به آدم ، ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ( )، وهي شجرة علم آل محمد ، وليست الآية بحسب ظاهرها.
          والصفا: علي ، والمروة: فاطمة ( ).
          ولا ﴿جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ﴾: أي لا جناح عليه أن يأخذ منهما، فهما باب مدينة العلم (محمد )، والأخذ منهما يكون بالأخذ من الأئمة والمهديين ، ولابد للإنسان من السعي للوصول إلى الحج الحقيقي واستكمال درجات الإيمان العشرة، وبالتالي يكون بمرتبة: (منا أهل البيت)، فيكون له أن يأخذ من ثمار الشجرة المباركة.
          أما في هذا العالم الجسماني فهذه الحالة الجسمانية وهي الذهاب إلى الكعبة وقصدها، فإنما تشير إلى الانصياع لهذا الأمر الإلهي، فهي واجبة؛ لأنها تمثل الائتمار بأمر الله.
          أما الوصول الحقيقي في العوالم العلوية فهو إن تحقق - بفضل الله وسعي الإنسان - فهو الخير كله، وإن لم يتحقق فالإنسان بفضل إجابته دعاء (أقبل) ( ) فإنه يتقلب في جنات الله سبحانه وتعالى؛ لأنه سعى، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ ( )، فالسعي واجب على الإنسان ومن بدايات السعي هو الحج في هذا العالم الجسماني.
          ويبقى أنّ الإنسان يأخذ بقدر سعيه وبفضل الله عليه، فإن وصل وحج بيت الله الحقيقي، وكان ممن أكمل مراتب الإيمان العشرة، وكان منا أهل البيت بالحقيقة، جاز له قطف ثمار الشجرة والأكل منها، كما أنّ الذي يحج الكعبة يجوز له السعي بين الصفا والمروة، بل هي واجبة باعتبار ما قلت إنها مقدمات إجابة دعاء الله سبحانه عبده بالإقبال عليه سبحانه ( ).

               
          سؤال/ 157:كيف يستزيد المعصوم من العلم كما هو وارد عنهم ؟
          وهل هو يجهل ثم يعلم؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          إذا كان المراد أنه يجهل بمعنى لا يعلم ثم يعلم فلا، وهذا خطأ، لكنه يدرك ما أودع في عقله التام بالله سبحانه وتعالى، حيث إنه  محجوب بالجسد عند نزوله إلى عالم الأجسام في هذه الدنيا للامتحان، أي كما أنه محتاج إلى الله سبحانه وتعالى ليوصل قطرة الدم التي أودعها الله في قلبه إلى أطراف جسمه، كذلك هو محتاج لله ومفتقر إلى الله سبحانه وتعالى ليوصل له العلم الذي أودعه في عقله التام إلى نفسه في هذا العالم ، أي إنه يعلم ويزداد علماً مما أودع في عقله التام ، أي وجوده في بيت الله (المقامات العشرة، عشرة الإيمان)، أي إنه يزداد علماً من علمه المكنون المخزون في قلبه أو عقله التام، (وليس العلم في السماء ولا في الأرض، ولكنه في الصدور فاستفهم الله يفهمك) ( ).
          فـ (الجامعة) و (الجفر) و (مصحف فاطمة) كلها علم وليست هي العلم، بل العلم هو ما يحدث في كل ساعة، وهو من المعصوم وإلى المعصوم ( )، ﴿… وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ( ).
               
          سؤال/ 158: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ( ) ؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          هم الأمة المحمدية الحقيقية، وهم الثلاث مائة والثلاث عشر، والوسط هو الصراط المستقيم وهو المهدي الأول؛ لأنه وسط بين الأئمة والمهديين، فالأمة الوسط هم أتباع المهدي الأول، وأنصار الإمام المهدي ، وهم أيضاً (خير أمة أخرجت للناس)، بل و (خير أئمة)؛ لأنهم قادة، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ( ).
          قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ ( )، والصلاة هي (الولاية) ( )، أي حافظوا على الولاية، والصلاة الوسطى أي الولاية بين الأئمة والمهديين، أي ولاية المهدي الأول في بداية ظهور الإمام المهدي ؛ لأن المهدي الأول من المهديين، وأيضاً يعد من الأئمة، كما في الروايات عنهم التي تعد الأئمة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام اثني عشر.
          عن أَبي جعفر ، قَال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنِّي واثْنَيْ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَأَنْتَ يَا عَلِيُّ زِرُّ الْأَرْضِ يَعْنِي أَوْتَادَهَا وَجِبَالَهَا بِنَا أَوْتَدَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَنْ تَسِيخَ بِأَهْلِهَا، فَإِذَا ذَهَبَ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِي سَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يُنْظَرُوا) ( ).
          عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ  يَقُولُ: (الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَوُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ  فَرَسُولُ اللَّهِ وَعَلِيٌّ  هُمَا الْوَالِدَانِ) ( ).
          عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيهِ أَسْمَاءُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ آخِرُهُمُ الْقَائِمُ ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ وَثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ) ( ).
          عن أمير المؤمنين : (إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني) ( ).
          وقال تعالى: ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّة﴾: أي (زيتون وسط)، وهو (المهدي الأول ) ، فهو الوسط بين الأئمة والمهديين . وهو أيضاً شجرة الزيتون التي تخرج من طور سيناء ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ ( ).
               
          سؤال/ 159: في (المتشابهات) في تفسير سورة العصر، قلت: (إن الإنسان علي بن أبي طالب ، وهو في خسر نسبةً إلى رسول الله )، ولكن كيف يستثني الذين آمنوا، وهذا يشعر أنهم أفضل من علي  بحسب ما بينت أنت ؟!
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          القرآن كلّه في الفاتحة، والفاتحة في البسملة، والبسملة في الباء والباء في النقطة ( ). أي أنّ القرآن كلما ارتقينا إلى الله سبحانه وتعالى قل تفصيله؛ لقلة الجزئيات والمتنافيات كلما ارتقت العوالم الملكوتية، حتى تصل إلى النور والكليات فيكون القرآن نوراً كلياً.
          وما بينتُه عن سورة (والعصر) هو في مرتبة عالية من القرآن، حيث لا وجود لغير محمد وعلي وفاطمة - وعلي وفاطمة عليهما السلام نور واحد - فلا وجود لغيرهم، فيكون تمام السورة في ذلك العالم هو: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ ( )، هذه هي سورة العصر في ذلك العالم العلوي، فلا وجود لبقية السورة في ذلك العالم، وهو: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ ( ) ليكون لهذا الاعتراض وجه.
          أما في هذا العالم، فالإنسان هو جنس الإنسان، أي إنّ الإنسان بسبب وجوده في العالم الجسماني في خسر وتسافل، إلا إذا آمن بولي الله في زمانه وعمل معه ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
          سؤال/ 160: ما معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ( ) ؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          الأمانة هي: الإمامة وولاية ولي الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ ( ). أي الإمامة يؤديها الإمام إلى الإمام الذي يليه ( ).
          أما الناس فأمانتهم هي ولايتهم لولي الله، فالناس يؤدون الولاية إلى ولي الله في كل زمان، فإذا رجع ولي الله إلى الله لا تنقطع الولايـة، بل على الناس أن يتولوا الولي الذي بعده، فلا تخلو أرض الله من حجة ولو خليت لساخت بأهلها ( ).
          والإنسان: جنس الإنسان، والمنافق الأول والثاني لعنهما الله، والظلوم هو: (الأول) لعنه الله، والجهول هو: (الثاني) لعنه الله حيث هو الجهل (المخلوق الثاني) الذي خلق بعد العقل ( ).
          أما السماوات والأرض والجبال: أي سكانها من الملائكة والأرواح الصالحة.
          فالأمانة هي: الولاية لله والإمامة، والولاية لولي الله إمامة أيضاً إذا كانت تامة، قال تعالى في الحديث القدسي: (من تقرب إليّ بالفرائض - أي ولاية ولي الله - أصبح عيني ويدي و...) ( )، أي كـ (ولي الله) أتم الإيمان، كسلمان منا أهل البيت؛ لأنه أتم العشر درجات (درجات الإيمان)( )، ﴿ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ ( ).
          بقي أن أمانة كل إنسان مرتبطة بصاحب الأمانة، وهو كما عبر عنه : بأنه مَلَك ابتلع كتاب العهد والميثاق ( )، وهو الحجر الأسود في الركن العراقي في الكعبة. وهو في الحقيقة إنسان، وهو المهدي الأول واليماني، وهو صاحب الأمان، ولذلك فهو الفاتح لدولة العدل الإلهي والممهد الرئيسي لها، والحاكم الأول بعد قائدها الإمام المهدي . وكل إنسان يحج بيت الله لابد له من المرور على الحجر، والركن اليماني، وبينهما باب الكعبة، أو كما سمي الملك الذي ابتلع كتاب العهد والميثاق، ولابد له أن يتعاهده ويجدد العهد مع الله من خلاله.
          قال رسول الله : (استلموا الركن، فإنه يمين الله في خلقه، يصافح بها خلقه، مصافحة العبد أو الدخيل، ويشهد لمن استلمه بالموافاة) ( )، ومراده بالركن: الحجر الأسود؛ لأنه موضوع فيه، وإنما شُبِه باليمين؛ لأنه واسطة بين الله وبين عباده في النَيل والوصول والتحبب والرضا كاليمين حين التصافح.
          وقال الصادق : (إن الله تبارك وتعالى لما أخذ مواثيق العباد أمر الحجر فالتقمها، فلذلك يقال: أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة) ( ).

          وقال : (الركن اليماني باب من أبواب الجنة، لم يغلقه الله منذ فتحه) ( ).
          وقال  : (الركن اليماني بابنا الذي يُدخل منه الجنة، وفيه نهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد) ( ).
          وعن رسول الله : (… فأقول أمتي يا رب أمتي، فيقال يا محمد أدخل أمتك من لا حساب عليهم - أي المقربين أصحاب اليماني - من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب …) ( ).
          فالحجر والركن اليماني يشيران إلى اليماني صاحب الأمانة والذي ابتلع الأمانة، وهي الميثاق الإلهي، والبيت (الكعبة) يشير إلى آل محمد ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ ( ).
               
          سؤال/ 161: قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ ( )، الآية تذم من لا يسجد عند قراءة القرآن، فهل يجب السجود مع قراءة القرآن؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          القرآن هو (الإمام الحجة على الخلق في كل زمان) ( )، وقراءته هي قراءة صفحته على الناس في هذه الحياة الدنيا، فيجب على الناس طاعته والخضوع لأمره، وهذا هو السجود الذي رفضه إبليس (لعنه الله)، ويرفضه كل مصاب بداء إبليس (لعنه الله).
          فإعراض الناس عن القرآن الناطق، وهو الإمام وحجة الله في زمانهم ، وترك طاعته هو ترك السجود ، وهو نظير ترك إبليس (لعنه الله) السجود لآدم: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾ ( ).
               
          سؤال/ 162: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ ( )، هل الإنسان مذموم في هذه الآية؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          ﴿وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾: أي بحثاً لمعرفة الحقيقة باعتبار فطرته، فهو مفطور لمعرفة كل الأسماء الإلهية، وفطرته تؤهله للمعرفة، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ( ).

               
          سؤال/ 163: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ( ) ؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          ﴿وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً﴾: أي علم وحكمة ومعرفة، فالمحراب والصلاة مورد معراج المؤمن وفيض الله عليه، والرزق الدنيوي مكانه غير المحراب المعد للصلاة، والأكل كذلك. فالإنسان لا يأكل وهو واقف يصلي في المحراب، وإن كان الرزق الدنيوي أيضاً ينـزل على مريم، ولكن المراد بالآية هو الرزق الحقيقي وهو العلم والحكمة والمعرفة، ولذلك: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ ( )، وعلل هذا الدعاء بـ ﴿إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً﴾ ( ).
          ﴿الْمَوَالِيَ﴾: أي علماء بني إسرائيل، خاف منهم على عيسى ؛ لأنه كان يعلم بأمره، فزكريا  هو الحجة على مريم ، وأراد زكريا  ذرية طيبة ترث آل يعقوب حقيقة، أي ميراث الحكمة والنبوة والنصرة لولي الله عيسى  فرزقه الله يحيى. فكفالة زكريا لمريم لشأنها، فإن الله كفّله شأنها ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾، وأهم ما في شأنها هو أنها أمٌ لعيسى ، نبي من أولي العزم مصلح للديانة الإلهية.
          كما أنّ يحيى الذي هو إجابة دعاء زكريا  كان أهم ما فيه هو إجابة دعاء زكريا، وذلك أنه أصبح الناصر لعيسى ، ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ( )، والمصدق هو يحيى ، وكلمة الله والسيد الحصور هو عيسى ، فهو سيد من أولي العزم، ومَلِك بني إسرائيل، وحصور لا يأتي النساء ولا الدنيا.
          والآن لننظر في دعاء زكريا، وهو طلب الولد: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾ ( ).
          1- ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي﴾: أي علماء بني إسرائيل خفتهم على عيسى  السيد ومَلِك بني إسرائيل، وكلمة الله. وهنا طلب زكريا  من الله، فـ (هب لي ولداً) يتم كفالتي لأمر مريم بعد موتي فقد بلغت من الكبر والعمر حتى شاب رأسي، فالمتوقع أن أكون ميتاً عند بعث عيسى .
          2- ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾: في نصرة عيسى ، فعيسى  (قائم آل يعقوب)، فنصرة يحيى  له نيابة عن زكريا ، وكفالته نيابة عن آل يعقوب الصالحين من الأنبياء والمرسلين والأولياء.
          3- ﴿واجعله رب رضياً﴾: أي راضياً بالبلاء والامتحان، وتعرضه للقتل في نصرة عيسى . فقد وجّه يحيى  تلاميذه والناس لنصرة عيسى  قبل أن يُبعث عيسى  وقُتل واستشهد في بداية بعث عيسى.
          فزكريا : ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً﴾ ( ): أي لولا فضلك لا يكون لي غلام .....، ﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾ ( ): أي فضل ربك عليك.
          ومريم ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ( ).
          ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾: أي لولا فضلك لا يكون لي ولد، ﴿… قَالَ كَذَلِكِ …﴾: أي فضل ربكِ عليكِ.
          ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ﴾ ( ): وهذا هو الفضل والرزق.
          ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ( )، فالفضل بغير حساب والحمد لله.

               

          سؤال/ 164: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ ( ) ؟
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          النجوم هم: آل محمد ( )، قال رسول الله : (إن أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء) ( ).
          أما مواقع النجوم في السماء ففيها آية من آيات الله سبحانه وتعالى، فالنجوم السبعة الدالة على نجمة الجدي في السماء يمثلون آل محمد ، فالثلاثة الأولى تمثل: (محمداً وعلياً وفاطمة )، أما الأربعة البقية فهي دالة بحسب ترتيبها ؛ الاثنان الأقرب إلى الثلاثة هما (الحسن والحسين عليهما السلام)، والاثنان الأخريان أحدهما تدل على (الأئمة الثمانية)، والأخرى تدل على الإمام المهدي ، وهما الأقرب إلى نجمة الجدي.
          وكل هذه النجوم هي دالة على الجدي في السماء. والجدي هو دليل القبلة، فبه يستدل الناس على القبلة في الليل المظلم ، والقبلة هي جهة السجود إلى الله سبحانه وتعالى، فنجمة الجدي هي الدالة على الإمام المهدي ، أي المعرِّفة به ( )، وهذا شأن النجوم في السماء.
          ونجمة الجدي هي النجمة الوحيدة الثابتة في السماء، وهي لا تتحرك؛ لأنها واقعة على محور دوران الأرض.







          قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ …﴾ ( )، أي إنّ هذا القسم قسم بنجمة الجدي، وهو المهدي الأول الدال على الإمام المهدي، والنجوم الدالة عليها هم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة والإمام المهدي  ( )، وهم النجوم الدالة على نجمة الجدي أو المهدي الأول، ذلك أنهم عرَّفُوا الناس به من خلال كلامهم والروايات التي وردت عنهم، وكذلك من خلال الرؤى التي يراها المؤمنون بهم ( )، وهم يشيرون إلى إتباع المهدي الأول؛ لأنه نجمة الجدي الدالة على القبلة، أي إنه الدليل إلى الإمام المهدي ، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ ( ).
          وفي آية أخرى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ ﴾ ( )، أي هو المهدي الأول واليماني .
          ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾: أي إنه القرآن الناطق؛ لأن أول المهديين ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾: لا يعرف شيئاً من حقيقته إلا المطهرون، وهم الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي .
          ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾: أي بهذا الحديث أنتم شاكون.
          وقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ ( ).
          ﴿وَالْفَجْرِ﴾: هو الإمام المهدي ، ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾: هم الأئمة ، عبر عنهم الليالي لأنهم عاشوا في دولة الظالمين.
          ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر﴾: الشفع علي وفاطمة عليهما السلام، والوتر هو رسول الله ، عبر عن علي وفاطمة عليهما السلام بالشفع؛ لأنهما نور واحد، وعبر عن رسول الله بالوتر؛ لأنه لا نظير له في الخلق ( ).
          ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾: أي إذا انقضت دولة الظالمين والظلم والظلام المرافق لها، كأنها ليل يمضي ويذهب عند بزوغ فجر الإمام المهدي .
          ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾: قسم هو المهدي الأول، أي هل في ذلك دلالة وبيان كافٍ في معرفة المهدي الأول.
          ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ ( )، أي إنّ (روح المهدي الأول) هي من جند الله، وكانت مع علي بن أبي طالب  عندما أنزل جند الله من الملائكة العذاب بعاد وثمود وفرعون، الذين طغوا في البلاد ( ).
          وملائكة الله وجنود الله يأتمرون بأمر المهدي الأول، كما أنه يأتمر بأمر الإمام المهدي ، حتى يصل الأمر إلى علي ، وهكذا علي  يأتمر بأمر محمد ، ومحمد بأمر الله.
          فالذي أنزل العذاب بالأمم المتمردة هو الله سبحانه وتعالى، وهو محمد ، وهو علي  وهو الإمام المهدي  …، وهو المهدي الأول …، وهم ملائكة الله الذين يأتمرون بأمر جند الله سبحانه وتعالى.
               
          سؤال/ 165: قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ ( ).
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          الدنيا والآخرة طريقان مختلفان، هذا إلى المشرق، وهذا إلى المغرب. فمن توجه إلى أحدهما جعل الأخرى في ظهره، فلا يجتمعان في عين إنسان، ولا يجتمعان في قلب إنسان. لا يجتمع حب الدنيا وحب الآخرة في قلب إنسان ( ). كيف، والله لا تساوي الدنيا عنده جناح بعوضة، ولو كانت لها قيمة عنده لما كان لكافر فيها شربة الماء ( ). كيف، والله لم ينظر إلى عالم الأجسام منذ خلقه ( ) ؟ كيف وكيف ...
          ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ ( ).
          ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾: أي الدنيا، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾: أي أعطاه الله فيها إذا أراد الله، ويعطي الله ما يريد إعطاءه لمن يريد إعطاءه، فربما يطلب الإنسان الدنيا ويخسر الآخرة، ولكنه لا يحصل على شيء من الدنيا، فيخسر الدنيا والآخرة.
          ثم تكون نتيجة طالب الدنيا في الآخرة خسارة عظيمة، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً﴾ ( ).
          ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾: إرادة الدنيا لا تحتاج إلى شيء فقط النية والإعراض عن الآخرة، أما إرادة الآخرة فتحتاج إلى الإيمان بولي الله الأعظم والحجة في كل زمان، وتحتاج إلى السعي مع ولي الله والحجة على الناس في كل زمان، وهذا السعي هو من القرض الذي قال عنه تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ ( ).
          ويقرض الله: أي يصل الإمام بصلة ( )، إما مادية في أموال، أو يسعى بجهده مع ولي الله، ويجاهد مع ولي الله بلسانه ويده، والصلة الأخيرة أفضل قطعاً من الأولى.
          وهؤلاء الذي يسعون مع ولي الله بعد الإيمان به؛ لأن الإيمان به هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى ﴿سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾، والذي يشكرهم هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم أقرضوه هو سبحانه وتعالى، فقد جعل سبحانه هذا الأمر (السعي مع الإمام) قرضاً لله وعلى الله سداده، فيكون سداد الله هو شكر هؤلاء؛ لأنهم عباد شاكرون، فقد شكروا نعمة الله عليهم بولي الله وسعوا معه إلى الله، ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ( ).
          وشكر الله لعبد هو نعمة ما بعدها نعمة؛ لأنها خاصة بآل محمد فمن شكره الله كان منهم، (سلمان منا أهل البيت) ( ). انظر ماذا قال تعالى في سورتهم وهي (هل أتى): ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ﴾ ( )، وهؤلاء الذين سعيهم مشكور في سورة (هل أتى) هم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة والمهديون ، فمن سعى سعيهم ووالاهم وجاهد معهم بماله وقلبه ولسانه ويده كان منهم، ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ ( )، أي منا أهل البيت.
               

          سؤال/ 166: قال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ ( ). ما معنى هذه الآية؟ وكيف يكون التبذير؟ وهو ربما من صغائر الذنوب بهذه الخطورة ويجعل الإنسان أخاً للشيطان مع أن كبائر الذنوب لم يعبر عنها بهكذا تعبير: ﴿كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ ؟!
          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          في الآية التي قبلها قال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾ . وذو القربى: آل محمد ( )، قال تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ ( )، وهم مساكين الله، فلا يوجد إنسان يتذلل ويتمسكن بين يدي الله مثلهم، فهم مساكين الله.
          وابن السبيل أيضاً هي في آل محمد ، فابن السبيل أي سبيل الله، أي طريق الله، فهم أي آل محمد أبناء سبيل الله، وحقهم عند كل إنسان هو كل ما يملك من مال وقوة بدنية، وكل ما وهبه الله له فهو حقهم ، أي أن يسعى معهم ، بعد إيمانه بهم، لأنه يسعى بماله وجسده و … و … وكلها حقهم الذي خوَّله الله به، وجعله أمانة عنده، ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ( )؛ لأنه لولا محمد وآل محمد لما خلق الله الخلق ، فهم الأدلاء على الله.
          ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾: أي لا تُضعْ حقهم الذي بينته فيما سبق، فتبذل جهدك وسعيك مع عدوهم، أو من يخالفهم، فتكون كمن يرمي نعمة الله في المزبلة والنجاسة، لأن أعداءهم ومخالفيهم هم المزبلة والنجاسة والبالوعة، فتكون بذلك نظير عدوهم اللعين (الشيطان) وأخاً له، بما ضيعت من حقوقهم التي خولك الله التصرف بها وتكون بذلك قد خنت الأمانة التي ائتمنك الله عليها.
          ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ ( )، هذا هو معنى الآية، أي الذين يبذرون حقوق آل محمد ( )، ومن التبذير أيضاً إعطاء أسرارهم وجواهر كلامهم لعدوهم ومخالفهم الذي لا ترجى هدايته.

               
          سؤال/ 167: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآل محمد
          سيدي اليماني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
          أرجو الإجابة على أسئلتي فإني سائل، وأنتم آل محمد معدن الكرم، وإذا صدق السائل هلك المسؤول:
          قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ ( ).
          والتساؤل هنا عن الفرق بين قوله تعالى (فتحت أبوابها) عند ذكر حالة دخول الكافرين إلى جهنم في الآية (71)، وبين قوله تعالى: (وفتحت أبوابها) عند ذكر حالة دخول المتقين إلى الجنة في الآية (73)، فلِمَ ذكر حرف الواو في الثانية، ولمْ يذكره في الأولى؟

          الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
          النار عقاب، والعقاب لا تفاضل فيه، فهو امتهان، قال تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ( ). فبمجرد مجيء وحضور أهل النار المستحقين لها كعقوبة لهم على سوء أعمالهم تفتح أبوابها لهم جميعاً، فلا فضل لفوج منهم مثلاً ليسلم مفاتيح النار، وحتى لو تسلمها أحدهم فهي ليست كرامة له لأنه واردها.
          أما الجنة فهي الثواب، وفي عرصات يوم القيامة يُكافأ فوج من بني آدم - زمرة كما في السورة - بأن يسلم مفاتيح الجنة ويكون هذا الفوج (أو الزمرة) أول الداخلين إلى الجنة، وهم الذين يفتحون باب الجنة، وبهم تفتح الجنة، فيحاسب أصحاب الجنة في القيامة لبيان فضل أهل الفضل منهم. فالواو أفادت (التراخي والمهلة)، حتى يسلم هؤلاء الفوج (الزمرة) مفاتيح الجنة، وهم أصحاب القائم .
          أما أصحاب النار فلا داعٍ للتراخي والمهلة معهم، فهم يدخلون النار بغير حساب؛ لأن أسماءهم غير مكتوبة في سجل الحياة، بل هم أموات لا يكلمهم الله ولا يحاسبهم فكفى بالنار مكلم لهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ( )، وقال تعالى: ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ ( ).
          من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
          ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

          Comment

          • almawood24
            يماني
            • 04-01-2010
            • 2174

            #6
            رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

            سؤال/ 168: مولانا المفدى السيد أحمد الحسن (حفظه الله):
            أنا أحد الأنصار وقد سألني أحد المسلمين عن معنى الآية: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾( )، فلو كانت النصارى والمسيح يعبدون عيسى بن مريم ، فهل يعني أن عيسى  يدخل في جهنم هو وأمه العذراء (سلام الله عليهما)، أم هناك تفسير آخر ؟!

            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ ( ).
            إن حقيقة عبودية هؤلاء هي أنهم يعبدون الأنا والأهواء النفسية، فمعنى الآية: إنهم وأهواءهم حطب جهنم، فقد سَعَّر الأنا والهوى جهنم في داخلهم، فكان حطبها، وسيُسعِّرون هم جهنم ويكونون حطبها. كما أنه على طول المسيرة الإنسانية يحارب الدين بالدين، أي يحارب العلماء غير العاملين وأتباعهم ومقلدوهم - أي الذين يعبدونهم - الأنبياء والأوصياء ومن يؤمن بهم ، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ( )، أي اتبعوا علماءهم وحاربوا الأنبياء والأوصياء ، فأمسى هؤلاء الأتباع يعبدون علماءهم غير العاملين من دون الله.
            ورد عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  في قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، فَقَالَ: (أَمَا واللَّهِ مَا دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ ولَوْ دَعَوْهُمْ مَا أَجَابُوهُمْ ولَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاماً وحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلالاً فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) ( ).

                 
            سؤال/ 169: ما هي الظلمات الثلاث في قوله تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ ( ).
            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            هي: ظلمة الذر، وظلمة الدنيا، وظلمة الرجعة، وهي عوالم قوس النـزول.
            وعوالم قوس الصعود هي الأنوار الثلاثة وهي: قبل الفناء، والفناء، والعودة بعد الفناء. وهي مراتب محمد الثلاثة قبل فتح الحجاب، وبعد فتح الحجاب، وبعد عودة الحجاب. فهو يخفق بين الفناء في الذات الإلهية فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، وبين عودته إلى الأنا والشخصية.
            وهذه المراتب الستة في قوس الصعود والنزول تمثل كل الوجود، وتجلي النور في الظلمة وظهور الموجودات بالنور في الظلمات، وهي واو النزول. و واو الصعود تشير إلى الستة أيام والست مراتب.
            ( ) واو النـزول.
            ( و ) واو الصعود.
            والدائرة في رأس الواو تدل على الحيرة في قوس الصعود وهي الحيرة في النور؛ لعدم إدراك ومعرفة النور التام الذي لا ظلمة فيه، وهو الله سبحانه وتعالى معرفة تامة وكاملة، فتكون مراتب قوس الصعود هي: قبل الفتح، وبعد الفتح والفناء، والثالثة هي العودة إلى الأنا والشخصية بعد الفناء.
            أما الحيرة في الظلمة لأنها في أدنى مراتبها لا تُدرك ولا يُحصَّل منها شيء، بل هي ظلمة وعدم ليس لها حظ من الوجود إلا قابليتها للوجود، وهذه هي حقيقة المادة ظلمة وعدم لا يُحصَّل منها شيء، ولا يُعرف منها شيء ، لولا تجلي الصورة الملكوتية فيها وإظهارها لها.
            فتكون مراتب قوس النزول هي: عالم الذر، ثم النزول إلى ظلمة المادة، ثم الصعود في قيامة القائم حتى الوصول إلى الرجعة، وهي المرتبة الثالثة، وهذه هي صورة قوس النـزول والصعود:









            وباجتماعهما وتداخلهما يتحصَّل كل الوجود من بدايته إلى نهايته، وهو محمد .





                 

            سؤال/ 170: ما معنى هذه الفقرة من دعاء الافتتاح الذي ورد عن الإمام المهدي : (أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً) ( ) ؟
            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            أي: أن يُفتح له الفتح المبين فتنتهي الأنا، فلا يبقى إلا الله الواحد القهار.
            فبالنسبة لرسول الله محمد قد أتضح فَتحُهُ، أما بالنسبة لأمير المؤمنين  ففتحه بفتح الحجاب مع رسول الله محمد في الآنِ الذي يفتح فيه لرسول الله ، فيكون كذلك أمير المؤمنين علي  أيضاً في آنٍ لا يبقى إلا الله الواحد القهار، ولا يبقى علي ، ويعود في آنٍ آخر إلى الأنا والشخصية.
            ولكن الفرق أنّ الذي فُتح لأمير المؤمنين  هما حجابان ، والحجاب الأول منهما فتح لرسول الله بالحقيقة، والثاني لعلي ، وهكذا إلى الإمام المهدي . وفي نهاية الغيبة الصغرى فتح له فلم يعد خائفاً، ولم يعد له شرك بمعنى وجود الأنا؛ لحصول الفتح له .
            أما في زمن الظهور فالذي يحتاج له الفتح هو المهدي الأول، وهو الخائف المبدل من بعد خوفه أمناً ، والمطلوب له أن: (يعبدك لا يشرك بك شيئاً)، أي أن ترفع عن صفحة وجوده الأنا في آنات أي أن يفتح له.
            وروح القدس الأعظم كان مع رسول الله ، فلما فتح له انتقل من الرسول إلى أمير المؤمنين ؛ لأن رسول الله استغنى بالتسديد الآتي من الفتح عن تسديد روح القدس الأعظم.
            وهكذا الإمام المهدي  يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنه فتح له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأول، فكما يصدق أنفسنا وأنفسكم على رسول الله وعلي ، كذلك يصدق هنا على الإمام المهدي  والمهدي الأول ، من جهة الرداء الذي لبسه رسول الله وأمير المؤمنين وهو روح القدس الأعظم. وإلا فلا تساوٍ بينهما إلا من هذه الجهة، فرسول الله أفضل من علي .
            وكذلك الإمام المهدي  أفضل من المهدي الأول، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم الذي تردى به المهدي الأول؛ لأنه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح . بينما الإمام المهدي  حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنه في آنات لا يبقى إلا الله الواحد القهار.
            أما المهدي الأول فلم يحصل له الفتح، لهذا يسدد بروح القدس الأعظم، ويُدعى له بـ (أن يعبدك لا يشرك بك شيئاً)، أي حتى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها فلا يرى ولا يعرف إلا الله، فالعبادة هي المعرفة.
            يعبدك: أي يعرفك، ولا يشرك بك: لا يعرف غيرك حتى نفسه، أي يحصل له الفتح المبين.
            وأيضاً أصحاب القائم غير المهدي الأول يسددون بروح القدس، ولكن روح قدس دون روح القدس الأعظم، وكلٌ بحسبه. فلذلك فهم يُعصمون: (عهدك في كفك) ( )، (ويضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم) ( ).

                 

            سؤال/ 171: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ( ).
            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            أي إنّ الحمد الحقيقي لله سبحانه وتعالى، وهو الثناء عليه بشكل أكمل وأتم بحسب المعرفة بمرتبة عالية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ( )، أي يعرفون، وهذه المعرفة العالية والتي تمثل الغرض من الخلق تتحقق في الأولى وهي السماء الأولى (سماء الرجعة)، وقبلها هي (سماء الذر)، وبدايتها أي (بداية الأولى) في ظهور الإمام المهدي ، حيث تبدأ مرحلة الأولى ومقدمات تمهيد لعالم الرجعة.
            ﴿وله الحكم﴾: أي الحاكمية لله بحكم الإمام المهدي ، والمهديين ثم الرجعة، والحكم للأنبياء والمرسلين والأئمة والأوصياء.
            ﴿وإليه ترجعون﴾: إلى الله سبحانه وتعالى في الرجعة، أي ليجازي الصالحين بصلاحهم، والظالمين بظلمهم في الرجعة (من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً) ( ) كما ورد عنهم ، فيكال لكل ظالم كيله، ويكال لكل صالح كيله، فينتقم الله للأنبياء والمرسلين والأئمة من الظالمين الذين محضوا الكفر محضاً.
            ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ( )، ولنذيقنهم من العذاب الأدنى (في الرجعة). أما الآخرة فالحمد فيها أكمل وأتم وأعظم؛ لأنها كشف تام للحقائق وكل بحسبه، ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ ( ).
            ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ( )، أي رفع (الأنا) من الصدور، وكلٌ بحسبه يغترف من رحمة الله بحسب وعائه، ويكال له بمكياله الذي صنعه بأعماله الصالحة.

                 
            سؤال/ 172: ما معنى (ن) في ﴿نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ ( )، وما معنى الـ (ب) في ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ( ) ؟
            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            لكل حرف شكل ومعنى، وشكل النون والباء هو (وعاء)، والنون وعاء ينزل فيه الفيض؛ لأنّ النقطة فوقه، والباء وعاء يفيض منه النور؛ لأنّ النقطة تحته، والباء ونقطتها علي ، والنون ونقطتها محمد ( ).
            أما المعنى: فالنون نور الله، فالنور نازل فيها، وهي تحتويه. أما الباء فهي بهاء الله ( )، أي النور يشع منها، فالنور يفيض من الله إلى محمد، ومن محمد إلى علي، ومن علي إلى الناس ( ).




                 

            سؤال/ 173: لماذا عادى محمد وعلي  عمر وليس إبليس (لعنهما الله) كبقية الأنبياء والمرسلين ؟

            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            لأن إبليس (لعنه الله) كان يصعد إلى السماء في يوم للشكوى، وطرح أمره واحتياجه على (الله في الخلق) وهو محمد ، وعلي  بابه، الله الرحمن الرحيم في الخلق.
            فلما نزل محمد وعلي  إلى الأرض (باب الله)، مُنع إبليس من السماء؛ لأن محمداً وعلياً نزلا إلى الأرض وجعل على السماء حرس شديد، ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً﴾ ( )، ( ) فإبليس (لعنة الله) لا يواجه محمداً وعلياً عليهما السلام ولذا واجههما معلم إبليس الذي أغواه، ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ( )، أي بالذي أغواني وهو الثاني (لعنه الله).
            وإبليس لما رأى عمرو بن حريث وما فعله مع الضب ( ) مَدَحَ علياً ، فإبليس (لعنه الله) لم يواجه محمداً وعلياً ، بل الذي واجههم معلمه وهو (الجهل والظلمة)؛ لأن محمداً هو (العقل الأول) والثاني (عمر) هو (الجهل).
            قال أبو عبد الله : (إن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً، فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فلم يقبل، فقال له: استكبرت، فلعنه) ( ).

                 
            سؤال/ 174: كيف تفسر بطريقة علمية مكوث النبي يونس  في بطن الحوت مع فقدان الغذاء والهواء والشمس؟ وكيف كانت عبادته؟ وما هو التسبيح الذي بفضله خرج من بطن الحوت؟
            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ ( ).
            وقال تعالى: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ ( ).
            إن يونس  مات في بطن الحوت، وروحه نظرت الى ظلمات جهنم، ونظر إلى طبقاتها السفلية.
            والشجر: الدين.
            فبعد أن بلع الحوت يونس  قبضت روحه، ونُزل بها إلى جهنم ليراها، حتى رأى جهنم وظلماتها ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾، ورأى قارون (لعنه الله) وحادَثَهُ، وهذه جهنم التي رآها هي جهنم النامية بإعمال الظالمين حتى يكتمل سعيرها، وتأجج نارها بأعمال الظالمين، كما أن الجنة نامية تكتمل بأعمال الصالحين من الأنبياء والأوصياء والمرسلين والصالحين.
            فجهنم النامية بأعمال بني آدم الظالمين قال عنها تعالى: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ ( )، أي وصلت إلى قمة تسعّرها، وتمام تسعّرها في يوم القيامة بأعمال الظالمين.
            وقال تعالى: ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ ( )، أي وصلت إلى تمام كمالها بأعمال بني آدم الصالحين، وهذا المعنى ورد عن رسول الله ، فمن قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر غرست له شجرة في الجنة، قالوا: إذاً يكثر غرسنا يا رسول الله، قال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها ( ).
            فالناس هم من يبني الجنة وجهنم ولكلٌ أهلها. وهذه جهنم هي الحوت الحقيقي الذي ابتلع يونس ، والسجن الذي سجن فيه ، والقبر الذي اُرتهن به وسار به، ولذا قال تعالى هذين القولين، والظاهر - لمن يجهل الحقيقة - أنهما متناقضان، وهما:
            ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾.
            ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾.
            فالمؤكد أنّ الله سبحانه وتعالى لابد أن يقضي أمراً واحداً كعقوبة توعدها لنبي الله يونس ، فأما النبذ في العراء وهو مذموم، وأما أن يلبث في بطنه إلى يوم يبعثون، وإلا لكان هناك تناقض في القرآن؛ لأنه سبحانه وتعالى حكيم وتصدر منه الحكمة التامة، وهي واحدة لا تتعدد. وإن شاء بعضهم التأويل يميناً أو شمالاً بدون علم من آل محمد فهذا أمر يخصه، ولكني أُبيِّن الحقيقة وهي أن يُنبَذ جسده بالعراء ، وروحه تلبث في طبقات جهنم إلى يوم يبعثون، وكما بيَّنتُ هذه (هي جهنم النامية لا التامة) التي تسير الدنيا نحوها سيراً حثيثاً ، كسيرها نحو الجنة، ومن هنا يتبين أن لا تناقض بين الآيات.
            ثم إن اللبث في بطن الحوت إلى يوم القيامة الكبرى - أي مقدماتها وهو الهلاك الملكوتي لأهل الأرض - كجسد مادي خارج عن العادة، فلا يكون إلا بالمعجزة؛ لأنه يتطلب بقاء جسد يونـس  تاماً في بطن الحوت، وبقاء جسد الحوت تاماً أيضاً حياً أو ميتاً، ولا معنى لهذه المعجزة؛ لعدم ترتب فائدة عليها، والله حكيم ولا عبثية أو لعب في أفعاله سبحانه وتعالى عما يشركون، فما بالك إذا عرفت أنه قال: ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، والبعث بعد مقدمات القيامة الكبرى، أي بعد فناء كل الموجودات على هذه الأرض، وبعد أن تبدل هذه الأرض بأخرى.
            فيتحصل أن بقاء يونس في بطن الحوت كجسد مادي إلى يوم يبعثون أمر غير صحيح؛ لأن قبله كما قلتُ فناء وتبدّل الأرض، ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ ( )، ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ ( ).
            ويبقى أن تقول أو تتأول: كيف يهدد أو يتوعد الله سبحانه يونس ، وهو نبي؟
            والحقيقة أنه لم يتوعده أو يهدده، بل ربّاه وأنعم عليه لما أراه جهنم ومصيره  إذا خالف الله سبحانه وتعالى وأعرض عن الرسالة، ولم يتحمل ولاية علي بن أبي طالب  ( )، فيونس كآدم  ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ ( )، وبهذا التأديب عرف يونس  وازداد علماً ومعرفة بحق علي  ومقامه ، باعتباره قائد جند الله فاستغاث بالله وتوسل إلى الله بحق علي ، فأذن الله لعلي  أن ينجيه من غم جهنم وهمها، فكان موته كأنه رؤيا رآها، ثم ألقي بالعراء كما نُزع عن آدم  لباس التقوى، فبدا ليونس  سوءته ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ عارياً من لباس التقوى، فسبح الله واستغفر واعترف بحق علي  ومقامه الذي لم يتحمله.
            ولا تستغرب من عدم تحمّل يونس ، فلعلك أنت أيضاً لا تتحمل مقام أمير المؤمنـين علي  لو حدثتك به، فالمطلوب من نبي الله يونس  الاعتراف بأمر عظيم ( )، (لا يتحمله إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان) ( ).
            ثم كان هذا الاعتراف من يونس  بالحق والاستغفار والتسبيح سبباً لعودة لباس التقوى وهو الخضار والدين، ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾، تنبت عليه كأنها قطعة منه، وهي لباس التقوى الملازم للمتقين. كما أن آدم  سُترت عورته بورق الجنة، وهو أيضاً الخضار والدين ولباس التقوى ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ ( ).
            ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾: وسقم يونس  كان بسبب نزع لباس التقوى عنه بعد أن أعرض وأَبِقَ، والآبق هو العبد الذي تمرد أو هرب من سيده.
            شجرة اليقطين من أشجار الجنة، أي أشجار الدين والتقوى.
            وبقي أن تعرف: إن يونس  مات وهو طفل صغير، وأحياه نبي الله إيليا (إلياس) بإذن الله سبحانه وتعالى، وقد تمدد نبي الله إيليا عليه وهو طفل ميت، حتى انتقلت حرارة جسم نبي الله إيليا  إلى جسم نبي الله يونس  وهو طفل صغير ميت، وتوسل إلى الله سبحانه، فأحياه الله سبحانه وتعالى ( ).
            وفي هذه الحادثة (آية للمتوسمين) لِمَا حدث بعد ذلك ليونس ، فقد مات في بطن الحوت وأحياه علي  (إيليا) بعد أن سرت حرارة علم علي  إليه، وعرف حق علي . وفي العراء وهو سقيم نبتت عليه شجرة اليقطين، وهي إيليا وعلي، والدين والجنة ولباس التقوى.
            أما إذا سألت عن ما يدل على موت يونس في بطن الحوت، فهو قوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، أي إنه ميت، فالذي يلبث إلى يوم يبعثون يلبث ميتاً كما تبين مما سبق.
            وأيضاً قول الإمام علي  عندما سأله بعض اليهود عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه، فقال : (يا يهودي أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه، فدخل في بحر القلزم، ثم خرج إلى بحر مصر، ثم دخل إلى بحر طبرستان، ثم خرج في دجلة الغوراء.
            قال: ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون، وكان قارون هلك في أيام موسى  ووكل الله به ملكاً يدخل في الأرض كل يوم قامة رجل، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره، فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به: أنظرني فإني أسمع كلام آدمي، فأوحى الله إلى الملك الموكل به أنظره، فأنظره، ثم قال قارون: من أنت؟ قال يونس: أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى، قال: فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ قال: هيهات هلك، قال : فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال: هلك، قال: فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟ قال: هيهات ما بقي من آل عمران أحد، فقال قارون: وا أسفاه على آل عمران، فشكر الله له ذلك ، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا فرفع عنه، فلما رأى يونس ذلك نادى في الظلمات: " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "، فاستجاب الله له وأمر الحوت فلفظه) ( ).
            وعن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال: (خرج يونس  مغاضباً من قومه لما رأى من معاصيهم حتى ركب مع قوم في سفينة في اليم، فعرض لهم حوت ليغرقهم، فساهموا ثلاث مرات، فقال يونس: إياي أراد فاقذفوني، ولما أخذت السمكة يونس أوحى الله تعالى جل وعلا إليها أني لم أجعله لك رزقاً فلا تكسر له عظماً، ولا تأكل له لحماً.
            قال: فطافت به البحار، فنادى في الظلمات: " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
            وقال: لما صارت السمكة في البحر الذي فيه قارون سمع قارون صوتاً لم يسمعه، فقال للملك الموكل به: ما هذا الصوت؟ قال: هو يونس النبي  في بطن الحوت، قال: فتأذن لي أن أكلمه ؟ قال: نعم، قال: يا يونس ما فعل هارون؟ قال: مات، فبكى قارون، قال: ما فعل موسى؟ قال: مات، فبكى قارون، فأوحى الله تعالى جلت عظمته إلى الملك الموكل به: أن خفف العذاب على قارون لرقته على قرابته) ( ).
            فقد نزل يونس  إلى قارون وحادثه، وقارون ميت معذب.
            وأيضاً قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ( )، وهي ظلمات جهنم النامية بأعمال الظالمين.
            وقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ ( )، أي اعتبرها سبحانه وتعالى حالة إرسال جديدة؛ وذلك لأنه بعث بعد موته، فكانت حالة إرسال جديدة، وإلا فلو لم يكن ميتاً لكانت عودة من غيبته وإكمال رسالته.
            ويونس  بقي ثمانية وعشرين يوماً في بطن الحوت، عن علي بن أبي طالب : ﴿... وأما ثمانية وعشرون فمكث يونس في بطن الحوت ...﴾ ( ).
            وفي سورة القلم: ﴿نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ ( )، والمجنون هو من حجب عقله وخفي وضاع، فكلمة (جُنَّ) معناها: الخفاء والستر، وهنا تعني: ما أنت بنعمة ربك بخفي أو ضائع، بل أنت بَيِّن معروف كالشمس.
            وفي الآية: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. وذا النون: أي صاحب النون، والنون في مرتبةٍ: (محمد)، وفي مرتبةٍ: (علي)، كما بينته في المتشابهات، فراجع ( ).
            وهنا في هذه الآية هو علي  وعبر عن يونس بأنه ذا النون أو صاحب علي ؛ لأن أصل قضية يونس  هو عدم تحمله لمقام علي  ومكانته (التي لا يتحملها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان) ( )، والإيمان هنا هو الإمام  أي : مؤمن امتحن الله قلبه للإمام ، ويونس  نبي مرسل، فلم يتحملها في البداية، ولكنه تحملها بعد ما حصل له ما حصل من تربية الله، وتعليمه له سبحانه وتعالى.
            فالذي ابتلعه في هذا العالم الجسماني حوت (أو نون بحري)، وهو أكبر الدواب على هذه الأرض، والذي ابتلعه في عالم الأرواح هو (نون العلم)، أو علي بن أبي طالب ، فعرفـه واعترف بمقامه وهو نعمة الله ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾، ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ ( ).
            والحوت البحري الذي ابتلع يونس  هو نوع من الحيتان يتغذى على الرخويات الموجودة في أعماق المحيطات، حيث لا يوجد أي نوع من الحيتان غير هذا النوع من الحيتان يصل إلى هذه الأعماق المظلمة، بل لحد الآن لم يصل الإنسان إلى هذه الأعماق، وعلماء الأحياء يتعرفون على رخويات الأعماق من خلال هذا الحوت، وهنا يتميز هذا الحوت انه ينـزل إلى الأعماق المظلمة الحالكة الظلمة ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾، وأيضاً غذاؤه الرخويات، فجهازه الهضمي يلطف بالجسم الصلب كـ (جسم الإنسان)، فلا يتهشم جسم يونس  بسبب ابتلاعه من الحوت.


                 
            سؤال/ 175: قال تعالى: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ( )، لماذا مدة خلق الأرض وأرزاقها أربعة أيام، بينما خلق السماوات في يومين مع أنّ السماوات أعظم؟

            الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
            قال تعالى: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
            خَلق الأرض في يوم، وخَلَق أرزاقها في يوم، فالأرض بما فيها من جمادات في يوم، وما على الأرض من أحياء (نباتات وحيوانات) في يوم.
            وقال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾.
            ﴿جَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾: وهي الجبال، وهي من ضمن اليوم الأول في العالم الجسماني، أي إنها (الجبال)، تجلت فيها (في الأرض)، من فوقها ( أي من السماء)، وإلا فإن الظاهر على سطح الأرض، أي فوقها من الجبال أقل بكثير من الغائر في باطن الأرض، فأكثر من ثلثي الجبل غائر في باطن الأرض، ولذا عبر عنها (رواسي)، أي هي سبب إرساء الأرض، فكأنها أوتاد للأرض تثبتها ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾ ( )، أي تثبت سطح الأرض وتمنعه عن الحركة مع حركة باطن الأرض المستمرة، قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ ( )، أي هي متحركة ولكنها مع حركة الأرض فتمنع سطح الأرض عن الاختلال والانفصال عن باطن الأرض، فتكون حركة الأرض متزنة.
            ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾: وهو الماء، البركة النازلة من السماء، وهي من ضمن اليوم الأول في العالم الجسماني، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾ ( ).
            ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾: في العالم الجسماني يومان فقط: يوم الأرض والماء، ويوم الأحياء (النبات والحيوان).
            وقوله تعالى: ﴿أربعة أيام﴾؛ لأن الرواسي وهي في العالم الجسماني، إنما هي ظهور للسماء الكلية، وهي رواسي الكون.
            وقوله تعالى: ﴿من فوقها﴾ أي إنّ السماء تجلت فيها.
            ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾: والبركة في العالم الجسماني هي: الماء، وإنما هو ظهور لبركة السماوات الستة، والبركة هي العلم في السماء.
            فهذان الأمران: ﴿وجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا﴾ و ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ إنما هما يومان للسماء السابعة الكلية، والسماوات الستة المثالية.
            ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ( ).
            ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾: وهي السماء السابعة الكلية، والسماوات الست المثالية دونها، والسماء الجسمانية (الأرض بمعناها الأوسع، حيث تشمل الشموس والكواكب).
            خلق السابعة في يوم، والملكوت في يوم، وسماء الأجسام في يوم، وأوحى في كل سماء أمرها في يوم.
            في يوم أوحى أمر السماء السابعة، وفي يوم أوحى أمر السماوات الملكوتية، وفي يوم أوحى أمر الملك.
            أي إنها (السماوات والأرضين) تمت في يومين: يوم للخلق، ويوم للأمر.
            ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾: وهذا تابع إلى يوم الأرض الأول؛ لأن السماء الدنيا تنقسم إلى سمائين هما: (السماء الأولى المثالية) و (السماء الدنيا الجسمانية)، فهما سماء واحدة من جهة؛ لارتباط السماء الأولى بالعالم الجسماني، ارتباط تدبير مباشر. وسماءان؛ لأن الأولى: ملكوت الأجسام، فكلاهما يعبر عنه بالسماء الدنيا؛ لأن السماء الأولى ملكوت الأجسام، وهما مشتبكان تماماً.
            فالأنفس في السماء الأولى، وهي تدبر الأجسام في السماء الدنيا، فهل ترى انفصالاً بين نفس الإنسان وجسمه! وفي نفس الوقت أقول: ألا ترى الاختلاف بين نفس الإنسان وجسمه!
            ومما تقدم تعلم أن الأيام ستة، وهي:
            السماء السابعة خلقت في يوم، وقوتها (أمرها) في يوم.
            والسماوات الستة خلقت في يوم، وقوتها (أمرها) في يوم.
            والأرض (ومعها العالم الجسماني) في يوم، وقوتها في يوم.
            أو خُلق النور وأمره في يومين، وخُلق المثال (الملكوت) وأمره في يومين، وخلق الملك (الأجسام) وأرزاقها في يومين، ولابد من أن تترتب من العالي إلى السافل؛ لأن الملكوت تجلٍّ وظهور للنور وهكذا …
            ويجب ملاحظة أنّ السماء الأولى هي نهاية السماء الدنيا، أي إنّ السماء الدنيا تبدأ في هذا العالم الجسماني، وتنتهي في أول العالم الملكوتي الروحاني، أي إنّ نهايتها حلقة وصل، ونهايتها أو حلقة الوصل هي السماء الأولى، في الزيارة الجامعة: (… وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى …) ( ).
            وفي القرآن: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ ( ).
            وفي الأولى عالما: الذر والرجعة، وفيها الأنفس، فالله سبحانه وتعالى لم ينظر إلى عالم الأجسام منذ أن خلقه كما قال رسول الله ( )، إنما محط الاهتمام يبدأ من نهاية عالم الأجسام، وهي نهاية السماء الدنيا، وهذه النهاية هي السماء الأولى.
            وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ ( ). السبع طرائق هي: (السماوات السبع) من السماء الأولى إلى السماء السابعة، وليست السماء الدنيا الجسمانية منها؛ لأنها ليست فوقنا بل نحن فيها، فهي محيطة بنا وهي (تحتنا وفوقنا وعن كل جهات الأرض)، ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ ( )، وسيتبين لك فيما يأتي لِمَ أوردتُ هذه الآية في هذا الموضع.
            وهذا يعني أن السماوات إذا عُدَّتْ بهذا التفصيل تكون ثمانياً، وليست سبعاً، وإنما لم تُعد الدنيا الجسمانية؛ لأنها جزء من السماء الدنيا بما فيها من سماء أولى وسماء جسمانية، فإذا ذكرت الأولى أو الدنيا فهي من ضمنها؛ لأنها جزء منها أو تابعة لها.
            والسماء الجسمانية مرة تُعد هي (الأرض)، ومرة تُعد هي (السماء الدنيا)؛ لأنها الجانب المرئي منها. وفي السماء الجسمانية الأرض بل كل الأرضين السبع، وفي السابعة (جهنم)، كما أن الجنة في السماء الثانية، أما في الأولى فتوجد (الجنة الأرضية) وهي جنة آدم؛ لأن الأولى كما بينتُ إنما هي جزء من السماء الدنيا، وهي ملكوتها.
            عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن ميسر، قال: سألت أبا عبد الله  عن جنة آدم ، فقال: (جنة من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً) ( ).
            ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾: والمصابيح هم الأنبياء والمرسلون والأوصياء يحفظون الذين يتبعونهم من وسوسة الشياطين بالتعاليم والأخلاق الإلهية التي يُعلِّمونها الناس. وظهورهم في السماء الجسمانية بالكواكب والشموس المضيئة، فما أكثر الظلام في السماء، وما أقل النجوم نسبة إلى الجزء المظلم، كما أن في الأرض ما أقل الأنبياء، وما أكثر من خالفهم وحاربهم وتخلف عنهم ولم ينصرهم. فقليل دائماً هم الأنبياء والأوصياء وأنصارهم، كـ (قلة النجوم في السماء الجسمانية).
            وفي نهاية حركة الفَلك الأعظم (أقصد قوس النـزول)، وبداية صعوده إلى جهة الآخرة، سيبدأ هذا العالم الجسماني بالتحول إلى جحيم ويستعر، فالذين اختاروا زخرف الأرض عقوبتهم إعادتهم إلى ما اختاروه، وعصوا الله من أجله، أو قل إبقاؤهم فيه؛ لأنه سيكون جهنم المستعرة بإعمالهم وأفعالهم وظلمهم.
            والآن تبين لك مناسبة الآية السابقة: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾.
            وعند بداية صعود (قوس النزول) يبدأ (عالم الرجعة)، وهو عالم آخر وامتحان آخر لمن محض الإيمان ولمن محض الكفر، وعالم الرجعة يبدأ مع نهاية ملك المهدي الثاني عشر ، وهو القائم الذي يخرج عليه الحسين  ( ).
            أما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾، والتي يظن من يقرؤها أن (ثم) تدل على البَعدية: أي ثم بعد أن خلق الأرض وقدر فيها أقواتها … استوى إلى السماء …
            وهي في الحقيقة لا تدل على ذلك، بل معنى (ثم) هنا هو (التوبيخ) بالعطف على مجمل الكلام، وليس على خلق الأرض بالخصوص، أي إنّ العطف على معنى التوبيخ في الآيات المتقدمة، ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ …﴾، فمعناها هنا: (ثم أليس هو الذي استوى إلى السماء … فكيف تكفرون به).
            ولاحظ أن في هذه الآية الأخيرة ذكر السماء والأرض، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾، فإذا كانت الأرض خلقت قبل ذلك، فما معنى أن يخلقها مرة أخرى ﴿ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾؟! بل المراد هنا توضيح الصورة بشكل آخر ومن جهة أخرى، حيث في الآيات السابقة ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ …﴾، تفصيل وذكر للنعم التي أسبغها سبحانه وتعالى، وفي هذه الآيات ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ …﴾ بيان لكيفية الخلق أي بيان لهذه الآية: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
            وهذه المراحل، أي خلق السماء السابعة، ثم السماوات الست، ثم عالم الأجسام، لابد أن يترتب بهذا التسلسل؛ لأنها تعتمد على بعضها، فلا يمكن خلق الست قبل السابعة، لأنها (أي السماوات الست) إنما خلقت من السابعة، ولا يمكن خلق الأجسام دون خلق السماوات الست؛ لأنها خلقت من السماوات الست، بل من الأولى بالخصوص المشتبكة معها (أي مع الأجسام ) ، والأولى هي عالم الذر وهي عالم الرجعة، فمنها دخلنا إلى عالم الأجسام بعد خلقنا في الذر، وسنخرج من عالم الأجسام إليها في عالم الرجعة، وهذا هو قوس النـزول، له ثلاثة أركان، كما أن لقوس الصعود ثلاثة أركان، وبذلك تكون ستة، هي: (درع داود)، ودرع الأنبياء ودرع الأوصياء.
            أما الأيام الستة للخلق: فهي ليست أياماً بمعنى مدة زمنية، بل هي مراحل، أي في ست مراحل، وهي ضرورية ولابد منها، فلابد في المرحلة الأولى من خلق النور وأمره، ثم الملكوت وأمره، ثم الأجسام وأقواتها؛ لاعتماد كل مرحلة على المرحلة التي سبقتها. فهذه المراحل الستة حتمية، أي لابد من اليوم الأول (المرحلة الأولى) أن تُخلق السماء السابعة، وفي اليوم الثاني (المرحلة الثانية) يـُخلق أمرها؛ لأن أمرها منها خُلق، فلابد أن يتأخر عنها مرحلة ، ثم يُخلق منها ومن أمرها المثال (الملكوت) السماوات الست إلى الأولى (وهي نهاية السماء الدنيا)، ثم يخلق في الملكوت أمره؛ لأنه منه خلق ، ففي اليوم الثالث الملكوت، وفي الرابع أمره لاعتماد الملكوت على خلق السابعة (اليوم الأول) وأمرها (اليوم الثاني)، فيتحتم خلق الملكوت في المرحلة الثالثة ، ثم أمره في الرابعة؛ لاعتماده عليه ولأنه خلق منه.
            وهكذا اليوم الخامس والسادس، أي خلق عالم الأجسام أو الكون الجسماني، أو الأرض (بمعناها الأوسع) حيث تشمل الأرض التي نحن عليها وكل الكواكب والشموس، ثم يخلق فيه قوته؛ لأنه منه خلق. فالنبات من الأرض خلق وعليها ينبت، والحيوان من الأرض خلق وعليها يعيش ويقتات.
            وهذه الستة أيام أو الست مراحل حتمية ويحتاجها الخلق بترتيبها، فالداني يحتاج العالي ويفتقر إليه، فالأجسام (الملك) أو عالم الشهادة يفتقر إلى الملكوت، والملكوت يحتاج ويفتقر إلى النور (السابعة الكلية)، أي بعبارة أخرى : إنها جميعاً خلقت في يومين، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾.
            لأن خلق السماء السابعة وأمرها في يومين، والبقية منها، بل هي تجليها وظهورها، وما يُقضى في السابعة يحصل في الملكوت، وما يحصل في الملكوت يحصل في الملك، والرؤيا التي تراها وتحصل في الأجسام ما هي إلا أمر حصل في الملكوت، وبعد ذلك حصل في هذا العالم الجسماني.
            من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
            ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

            Comment

            • almawood24
              يماني
              • 04-01-2010
              • 2174

              #7
              رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

              سؤال/ 168: مولانا المفدى السيد أحمد الحسن (حفظه الله):
              أنا أحد الأنصار وقد سألني أحد المسلمين عن معنى الآية: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾( )، فلو كانت النصارى والمسيح يعبدون عيسى بن مريم ، فهل يعني أن عيسى  يدخل في جهنم هو وأمه العذراء (سلام الله عليهما)، أم هناك تفسير آخر ؟!

              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ ( ).
              إن حقيقة عبودية هؤلاء هي أنهم يعبدون الأنا والأهواء النفسية، فمعنى الآية: إنهم وأهواءهم حطب جهنم، فقد سَعَّر الأنا والهوى جهنم في داخلهم، فكان حطبها، وسيُسعِّرون هم جهنم ويكونون حطبها. كما أنه على طول المسيرة الإنسانية يحارب الدين بالدين، أي يحارب العلماء غير العاملين وأتباعهم ومقلدوهم - أي الذين يعبدونهم - الأنبياء والأوصياء ومن يؤمن بهم ، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ( )، أي اتبعوا علماءهم وحاربوا الأنبياء والأوصياء ، فأمسى هؤلاء الأتباع يعبدون علماءهم غير العاملين من دون الله.
              ورد عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  في قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، فَقَالَ: (أَمَا واللَّهِ مَا دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ ولَوْ دَعَوْهُمْ مَا أَجَابُوهُمْ ولَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاماً وحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلالاً فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) ( ).

                   
              سؤال/ 169: ما هي الظلمات الثلاث في قوله تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ ( ).
              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              هي: ظلمة الذر، وظلمة الدنيا، وظلمة الرجعة، وهي عوالم قوس النـزول.
              وعوالم قوس الصعود هي الأنوار الثلاثة وهي: قبل الفناء، والفناء، والعودة بعد الفناء. وهي مراتب محمد الثلاثة قبل فتح الحجاب، وبعد فتح الحجاب، وبعد عودة الحجاب. فهو يخفق بين الفناء في الذات الإلهية فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، وبين عودته إلى الأنا والشخصية.
              وهذه المراتب الستة في قوس الصعود والنزول تمثل كل الوجود، وتجلي النور في الظلمة وظهور الموجودات بالنور في الظلمات، وهي واو النزول. و واو الصعود تشير إلى الستة أيام والست مراتب.
              ( ) واو النـزول.
              ( و ) واو الصعود.
              والدائرة في رأس الواو تدل على الحيرة في قوس الصعود وهي الحيرة في النور؛ لعدم إدراك ومعرفة النور التام الذي لا ظلمة فيه، وهو الله سبحانه وتعالى معرفة تامة وكاملة، فتكون مراتب قوس الصعود هي: قبل الفتح، وبعد الفتح والفناء، والثالثة هي العودة إلى الأنا والشخصية بعد الفناء.
              أما الحيرة في الظلمة لأنها في أدنى مراتبها لا تُدرك ولا يُحصَّل منها شيء، بل هي ظلمة وعدم ليس لها حظ من الوجود إلا قابليتها للوجود، وهذه هي حقيقة المادة ظلمة وعدم لا يُحصَّل منها شيء، ولا يُعرف منها شيء ، لولا تجلي الصورة الملكوتية فيها وإظهارها لها.
              فتكون مراتب قوس النزول هي: عالم الذر، ثم النزول إلى ظلمة المادة، ثم الصعود في قيامة القائم حتى الوصول إلى الرجعة، وهي المرتبة الثالثة، وهذه هي صورة قوس النـزول والصعود:









              وباجتماعهما وتداخلهما يتحصَّل كل الوجود من بدايته إلى نهايته، وهو محمد .





                   

              سؤال/ 170: ما معنى هذه الفقرة من دعاء الافتتاح الذي ورد عن الإمام المهدي : (أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً) ( ) ؟
              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              أي: أن يُفتح له الفتح المبين فتنتهي الأنا، فلا يبقى إلا الله الواحد القهار.
              فبالنسبة لرسول الله محمد قد أتضح فَتحُهُ، أما بالنسبة لأمير المؤمنين  ففتحه بفتح الحجاب مع رسول الله محمد في الآنِ الذي يفتح فيه لرسول الله ، فيكون كذلك أمير المؤمنين علي  أيضاً في آنٍ لا يبقى إلا الله الواحد القهار، ولا يبقى علي ، ويعود في آنٍ آخر إلى الأنا والشخصية.
              ولكن الفرق أنّ الذي فُتح لأمير المؤمنين  هما حجابان ، والحجاب الأول منهما فتح لرسول الله بالحقيقة، والثاني لعلي ، وهكذا إلى الإمام المهدي . وفي نهاية الغيبة الصغرى فتح له فلم يعد خائفاً، ولم يعد له شرك بمعنى وجود الأنا؛ لحصول الفتح له .
              أما في زمن الظهور فالذي يحتاج له الفتح هو المهدي الأول، وهو الخائف المبدل من بعد خوفه أمناً ، والمطلوب له أن: (يعبدك لا يشرك بك شيئاً)، أي أن ترفع عن صفحة وجوده الأنا في آنات أي أن يفتح له.
              وروح القدس الأعظم كان مع رسول الله ، فلما فتح له انتقل من الرسول إلى أمير المؤمنين ؛ لأن رسول الله استغنى بالتسديد الآتي من الفتح عن تسديد روح القدس الأعظم.
              وهكذا الإمام المهدي  يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنه فتح له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأول، فكما يصدق أنفسنا وأنفسكم على رسول الله وعلي ، كذلك يصدق هنا على الإمام المهدي  والمهدي الأول ، من جهة الرداء الذي لبسه رسول الله وأمير المؤمنين وهو روح القدس الأعظم. وإلا فلا تساوٍ بينهما إلا من هذه الجهة، فرسول الله أفضل من علي .
              وكذلك الإمام المهدي  أفضل من المهدي الأول، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم الذي تردى به المهدي الأول؛ لأنه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح . بينما الإمام المهدي  حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنه في آنات لا يبقى إلا الله الواحد القهار.
              أما المهدي الأول فلم يحصل له الفتح، لهذا يسدد بروح القدس الأعظم، ويُدعى له بـ (أن يعبدك لا يشرك بك شيئاً)، أي حتى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها فلا يرى ولا يعرف إلا الله، فالعبادة هي المعرفة.
              يعبدك: أي يعرفك، ولا يشرك بك: لا يعرف غيرك حتى نفسه، أي يحصل له الفتح المبين.
              وأيضاً أصحاب القائم غير المهدي الأول يسددون بروح القدس، ولكن روح قدس دون روح القدس الأعظم، وكلٌ بحسبه. فلذلك فهم يُعصمون: (عهدك في كفك) ( )، (ويضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم) ( ).

                   

              سؤال/ 171: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ( ).
              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              أي إنّ الحمد الحقيقي لله سبحانه وتعالى، وهو الثناء عليه بشكل أكمل وأتم بحسب المعرفة بمرتبة عالية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ( )، أي يعرفون، وهذه المعرفة العالية والتي تمثل الغرض من الخلق تتحقق في الأولى وهي السماء الأولى (سماء الرجعة)، وقبلها هي (سماء الذر)، وبدايتها أي (بداية الأولى) في ظهور الإمام المهدي ، حيث تبدأ مرحلة الأولى ومقدمات تمهيد لعالم الرجعة.
              ﴿وله الحكم﴾: أي الحاكمية لله بحكم الإمام المهدي ، والمهديين ثم الرجعة، والحكم للأنبياء والمرسلين والأئمة والأوصياء.
              ﴿وإليه ترجعون﴾: إلى الله سبحانه وتعالى في الرجعة، أي ليجازي الصالحين بصلاحهم، والظالمين بظلمهم في الرجعة (من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً) ( ) كما ورد عنهم ، فيكال لكل ظالم كيله، ويكال لكل صالح كيله، فينتقم الله للأنبياء والمرسلين والأئمة من الظالمين الذين محضوا الكفر محضاً.
              ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ( )، ولنذيقنهم من العذاب الأدنى (في الرجعة). أما الآخرة فالحمد فيها أكمل وأتم وأعظم؛ لأنها كشف تام للحقائق وكل بحسبه، ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ ( ).
              ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ( )، أي رفع (الأنا) من الصدور، وكلٌ بحسبه يغترف من رحمة الله بحسب وعائه، ويكال له بمكياله الذي صنعه بأعماله الصالحة.

                   
              سؤال/ 172: ما معنى (ن) في ﴿نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ ( )، وما معنى الـ (ب) في ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ( ) ؟
              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              لكل حرف شكل ومعنى، وشكل النون والباء هو (وعاء)، والنون وعاء ينزل فيه الفيض؛ لأنّ النقطة فوقه، والباء وعاء يفيض منه النور؛ لأنّ النقطة تحته، والباء ونقطتها علي ، والنون ونقطتها محمد ( ).
              أما المعنى: فالنون نور الله، فالنور نازل فيها، وهي تحتويه. أما الباء فهي بهاء الله ( )، أي النور يشع منها، فالنور يفيض من الله إلى محمد، ومن محمد إلى علي، ومن علي إلى الناس ( ).




                   

              سؤال/ 173: لماذا عادى محمد وعلي  عمر وليس إبليس (لعنهما الله) كبقية الأنبياء والمرسلين ؟

              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              لأن إبليس (لعنه الله) كان يصعد إلى السماء في يوم للشكوى، وطرح أمره واحتياجه على (الله في الخلق) وهو محمد ، وعلي  بابه، الله الرحمن الرحيم في الخلق.
              فلما نزل محمد وعلي  إلى الأرض (باب الله)، مُنع إبليس من السماء؛ لأن محمداً وعلياً نزلا إلى الأرض وجعل على السماء حرس شديد، ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً﴾ ( )، ( ) فإبليس (لعنة الله) لا يواجه محمداً وعلياً عليهما السلام ولذا واجههما معلم إبليس الذي أغواه، ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ( )، أي بالذي أغواني وهو الثاني (لعنه الله).
              وإبليس لما رأى عمرو بن حريث وما فعله مع الضب ( ) مَدَحَ علياً ، فإبليس (لعنه الله) لم يواجه محمداً وعلياً ، بل الذي واجههم معلمه وهو (الجهل والظلمة)؛ لأن محمداً هو (العقل الأول) والثاني (عمر) هو (الجهل).
              قال أبو عبد الله : (إن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً، فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فلم يقبل، فقال له: استكبرت، فلعنه) ( ).

                   
              سؤال/ 174: كيف تفسر بطريقة علمية مكوث النبي يونس  في بطن الحوت مع فقدان الغذاء والهواء والشمس؟ وكيف كانت عبادته؟ وما هو التسبيح الذي بفضله خرج من بطن الحوت؟
              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ ( ).
              وقال تعالى: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ ( ).
              إن يونس  مات في بطن الحوت، وروحه نظرت الى ظلمات جهنم، ونظر إلى طبقاتها السفلية.
              والشجر: الدين.
              فبعد أن بلع الحوت يونس  قبضت روحه، ونُزل بها إلى جهنم ليراها، حتى رأى جهنم وظلماتها ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾، ورأى قارون (لعنه الله) وحادَثَهُ، وهذه جهنم التي رآها هي جهنم النامية بإعمال الظالمين حتى يكتمل سعيرها، وتأجج نارها بأعمال الظالمين، كما أن الجنة نامية تكتمل بأعمال الصالحين من الأنبياء والأوصياء والمرسلين والصالحين.
              فجهنم النامية بأعمال بني آدم الظالمين قال عنها تعالى: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ ( )، أي وصلت إلى قمة تسعّرها، وتمام تسعّرها في يوم القيامة بأعمال الظالمين.
              وقال تعالى: ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ ( )، أي وصلت إلى تمام كمالها بأعمال بني آدم الصالحين، وهذا المعنى ورد عن رسول الله ، فمن قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر غرست له شجرة في الجنة، قالوا: إذاً يكثر غرسنا يا رسول الله، قال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها ( ).
              فالناس هم من يبني الجنة وجهنم ولكلٌ أهلها. وهذه جهنم هي الحوت الحقيقي الذي ابتلع يونس ، والسجن الذي سجن فيه ، والقبر الذي اُرتهن به وسار به، ولذا قال تعالى هذين القولين، والظاهر - لمن يجهل الحقيقة - أنهما متناقضان، وهما:
              ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾.
              ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾.
              فالمؤكد أنّ الله سبحانه وتعالى لابد أن يقضي أمراً واحداً كعقوبة توعدها لنبي الله يونس ، فأما النبذ في العراء وهو مذموم، وأما أن يلبث في بطنه إلى يوم يبعثون، وإلا لكان هناك تناقض في القرآن؛ لأنه سبحانه وتعالى حكيم وتصدر منه الحكمة التامة، وهي واحدة لا تتعدد. وإن شاء بعضهم التأويل يميناً أو شمالاً بدون علم من آل محمد فهذا أمر يخصه، ولكني أُبيِّن الحقيقة وهي أن يُنبَذ جسده بالعراء ، وروحه تلبث في طبقات جهنم إلى يوم يبعثون، وكما بيَّنتُ هذه (هي جهنم النامية لا التامة) التي تسير الدنيا نحوها سيراً حثيثاً ، كسيرها نحو الجنة، ومن هنا يتبين أن لا تناقض بين الآيات.
              ثم إن اللبث في بطن الحوت إلى يوم القيامة الكبرى - أي مقدماتها وهو الهلاك الملكوتي لأهل الأرض - كجسد مادي خارج عن العادة، فلا يكون إلا بالمعجزة؛ لأنه يتطلب بقاء جسد يونـس  تاماً في بطن الحوت، وبقاء جسد الحوت تاماً أيضاً حياً أو ميتاً، ولا معنى لهذه المعجزة؛ لعدم ترتب فائدة عليها، والله حكيم ولا عبثية أو لعب في أفعاله سبحانه وتعالى عما يشركون، فما بالك إذا عرفت أنه قال: ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، والبعث بعد مقدمات القيامة الكبرى، أي بعد فناء كل الموجودات على هذه الأرض، وبعد أن تبدل هذه الأرض بأخرى.
              فيتحصل أن بقاء يونس في بطن الحوت كجسد مادي إلى يوم يبعثون أمر غير صحيح؛ لأن قبله كما قلتُ فناء وتبدّل الأرض، ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ ( )، ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ ( ).
              ويبقى أن تقول أو تتأول: كيف يهدد أو يتوعد الله سبحانه يونس ، وهو نبي؟
              والحقيقة أنه لم يتوعده أو يهدده، بل ربّاه وأنعم عليه لما أراه جهنم ومصيره  إذا خالف الله سبحانه وتعالى وأعرض عن الرسالة، ولم يتحمل ولاية علي بن أبي طالب  ( )، فيونس كآدم  ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ ( )، وبهذا التأديب عرف يونس  وازداد علماً ومعرفة بحق علي  ومقامه ، باعتباره قائد جند الله فاستغاث بالله وتوسل إلى الله بحق علي ، فأذن الله لعلي  أن ينجيه من غم جهنم وهمها، فكان موته كأنه رؤيا رآها، ثم ألقي بالعراء كما نُزع عن آدم  لباس التقوى، فبدا ليونس  سوءته ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ عارياً من لباس التقوى، فسبح الله واستغفر واعترف بحق علي  ومقامه الذي لم يتحمله.
              ولا تستغرب من عدم تحمّل يونس ، فلعلك أنت أيضاً لا تتحمل مقام أمير المؤمنـين علي  لو حدثتك به، فالمطلوب من نبي الله يونس  الاعتراف بأمر عظيم ( )، (لا يتحمله إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان) ( ).
              ثم كان هذا الاعتراف من يونس  بالحق والاستغفار والتسبيح سبباً لعودة لباس التقوى وهو الخضار والدين، ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾، تنبت عليه كأنها قطعة منه، وهي لباس التقوى الملازم للمتقين. كما أن آدم  سُترت عورته بورق الجنة، وهو أيضاً الخضار والدين ولباس التقوى ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ ( ).
              ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾: وسقم يونس  كان بسبب نزع لباس التقوى عنه بعد أن أعرض وأَبِقَ، والآبق هو العبد الذي تمرد أو هرب من سيده.
              شجرة اليقطين من أشجار الجنة، أي أشجار الدين والتقوى.
              وبقي أن تعرف: إن يونس  مات وهو طفل صغير، وأحياه نبي الله إيليا (إلياس) بإذن الله سبحانه وتعالى، وقد تمدد نبي الله إيليا عليه وهو طفل ميت، حتى انتقلت حرارة جسم نبي الله إيليا  إلى جسم نبي الله يونس  وهو طفل صغير ميت، وتوسل إلى الله سبحانه، فأحياه الله سبحانه وتعالى ( ).
              وفي هذه الحادثة (آية للمتوسمين) لِمَا حدث بعد ذلك ليونس ، فقد مات في بطن الحوت وأحياه علي  (إيليا) بعد أن سرت حرارة علم علي  إليه، وعرف حق علي . وفي العراء وهو سقيم نبتت عليه شجرة اليقطين، وهي إيليا وعلي، والدين والجنة ولباس التقوى.
              أما إذا سألت عن ما يدل على موت يونس في بطن الحوت، فهو قوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، أي إنه ميت، فالذي يلبث إلى يوم يبعثون يلبث ميتاً كما تبين مما سبق.
              وأيضاً قول الإمام علي  عندما سأله بعض اليهود عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه، فقال : (يا يهودي أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه، فدخل في بحر القلزم، ثم خرج إلى بحر مصر، ثم دخل إلى بحر طبرستان، ثم خرج في دجلة الغوراء.
              قال: ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون، وكان قارون هلك في أيام موسى  ووكل الله به ملكاً يدخل في الأرض كل يوم قامة رجل، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره، فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به: أنظرني فإني أسمع كلام آدمي، فأوحى الله إلى الملك الموكل به أنظره، فأنظره، ثم قال قارون: من أنت؟ قال يونس: أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى، قال: فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ قال: هيهات هلك، قال : فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال: هلك، قال: فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟ قال: هيهات ما بقي من آل عمران أحد، فقال قارون: وا أسفاه على آل عمران، فشكر الله له ذلك ، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا فرفع عنه، فلما رأى يونس ذلك نادى في الظلمات: " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "، فاستجاب الله له وأمر الحوت فلفظه) ( ).
              وعن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال: (خرج يونس  مغاضباً من قومه لما رأى من معاصيهم حتى ركب مع قوم في سفينة في اليم، فعرض لهم حوت ليغرقهم، فساهموا ثلاث مرات، فقال يونس: إياي أراد فاقذفوني، ولما أخذت السمكة يونس أوحى الله تعالى جل وعلا إليها أني لم أجعله لك رزقاً فلا تكسر له عظماً، ولا تأكل له لحماً.
              قال: فطافت به البحار، فنادى في الظلمات: " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
              وقال: لما صارت السمكة في البحر الذي فيه قارون سمع قارون صوتاً لم يسمعه، فقال للملك الموكل به: ما هذا الصوت؟ قال: هو يونس النبي  في بطن الحوت، قال: فتأذن لي أن أكلمه ؟ قال: نعم، قال: يا يونس ما فعل هارون؟ قال: مات، فبكى قارون، قال: ما فعل موسى؟ قال: مات، فبكى قارون، فأوحى الله تعالى جلت عظمته إلى الملك الموكل به: أن خفف العذاب على قارون لرقته على قرابته) ( ).
              فقد نزل يونس  إلى قارون وحادثه، وقارون ميت معذب.
              وأيضاً قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ( )، وهي ظلمات جهنم النامية بأعمال الظالمين.
              وقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ ( )، أي اعتبرها سبحانه وتعالى حالة إرسال جديدة؛ وذلك لأنه بعث بعد موته، فكانت حالة إرسال جديدة، وإلا فلو لم يكن ميتاً لكانت عودة من غيبته وإكمال رسالته.
              ويونس  بقي ثمانية وعشرين يوماً في بطن الحوت، عن علي بن أبي طالب : ﴿... وأما ثمانية وعشرون فمكث يونس في بطن الحوت ...﴾ ( ).
              وفي سورة القلم: ﴿نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ ( )، والمجنون هو من حجب عقله وخفي وضاع، فكلمة (جُنَّ) معناها: الخفاء والستر، وهنا تعني: ما أنت بنعمة ربك بخفي أو ضائع، بل أنت بَيِّن معروف كالشمس.
              وفي الآية: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. وذا النون: أي صاحب النون، والنون في مرتبةٍ: (محمد)، وفي مرتبةٍ: (علي)، كما بينته في المتشابهات، فراجع ( ).
              وهنا في هذه الآية هو علي  وعبر عن يونس بأنه ذا النون أو صاحب علي ؛ لأن أصل قضية يونس  هو عدم تحمله لمقام علي  ومكانته (التي لا يتحملها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان) ( )، والإيمان هنا هو الإمام  أي : مؤمن امتحن الله قلبه للإمام ، ويونس  نبي مرسل، فلم يتحملها في البداية، ولكنه تحملها بعد ما حصل له ما حصل من تربية الله، وتعليمه له سبحانه وتعالى.
              فالذي ابتلعه في هذا العالم الجسماني حوت (أو نون بحري)، وهو أكبر الدواب على هذه الأرض، والذي ابتلعه في عالم الأرواح هو (نون العلم)، أو علي بن أبي طالب ، فعرفـه واعترف بمقامه وهو نعمة الله ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾، ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ ( ).
              والحوت البحري الذي ابتلع يونس  هو نوع من الحيتان يتغذى على الرخويات الموجودة في أعماق المحيطات، حيث لا يوجد أي نوع من الحيتان غير هذا النوع من الحيتان يصل إلى هذه الأعماق المظلمة، بل لحد الآن لم يصل الإنسان إلى هذه الأعماق، وعلماء الأحياء يتعرفون على رخويات الأعماق من خلال هذا الحوت، وهنا يتميز هذا الحوت انه ينـزل إلى الأعماق المظلمة الحالكة الظلمة ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾، وأيضاً غذاؤه الرخويات، فجهازه الهضمي يلطف بالجسم الصلب كـ (جسم الإنسان)، فلا يتهشم جسم يونس  بسبب ابتلاعه من الحوت.


                   
              سؤال/ 175: قال تعالى: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ( )، لماذا مدة خلق الأرض وأرزاقها أربعة أيام، بينما خلق السماوات في يومين مع أنّ السماوات أعظم؟

              الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
              قال تعالى: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
              خَلق الأرض في يوم، وخَلَق أرزاقها في يوم، فالأرض بما فيها من جمادات في يوم، وما على الأرض من أحياء (نباتات وحيوانات) في يوم.
              وقال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾.
              ﴿جَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾: وهي الجبال، وهي من ضمن اليوم الأول في العالم الجسماني، أي إنها (الجبال)، تجلت فيها (في الأرض)، من فوقها ( أي من السماء)، وإلا فإن الظاهر على سطح الأرض، أي فوقها من الجبال أقل بكثير من الغائر في باطن الأرض، فأكثر من ثلثي الجبل غائر في باطن الأرض، ولذا عبر عنها (رواسي)، أي هي سبب إرساء الأرض، فكأنها أوتاد للأرض تثبتها ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾ ( )، أي تثبت سطح الأرض وتمنعه عن الحركة مع حركة باطن الأرض المستمرة، قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ ( )، أي هي متحركة ولكنها مع حركة الأرض فتمنع سطح الأرض عن الاختلال والانفصال عن باطن الأرض، فتكون حركة الأرض متزنة.
              ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾: وهو الماء، البركة النازلة من السماء، وهي من ضمن اليوم الأول في العالم الجسماني، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾ ( ).
              ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾: في العالم الجسماني يومان فقط: يوم الأرض والماء، ويوم الأحياء (النبات والحيوان).
              وقوله تعالى: ﴿أربعة أيام﴾؛ لأن الرواسي وهي في العالم الجسماني، إنما هي ظهور للسماء الكلية، وهي رواسي الكون.
              وقوله تعالى: ﴿من فوقها﴾ أي إنّ السماء تجلت فيها.
              ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾: والبركة في العالم الجسماني هي: الماء، وإنما هو ظهور لبركة السماوات الستة، والبركة هي العلم في السماء.
              فهذان الأمران: ﴿وجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا﴾ و ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ إنما هما يومان للسماء السابعة الكلية، والسماوات الستة المثالية.
              ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ( ).
              ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾: وهي السماء السابعة الكلية، والسماوات الست المثالية دونها، والسماء الجسمانية (الأرض بمعناها الأوسع، حيث تشمل الشموس والكواكب).
              خلق السابعة في يوم، والملكوت في يوم، وسماء الأجسام في يوم، وأوحى في كل سماء أمرها في يوم.
              في يوم أوحى أمر السماء السابعة، وفي يوم أوحى أمر السماوات الملكوتية، وفي يوم أوحى أمر الملك.
              أي إنها (السماوات والأرضين) تمت في يومين: يوم للخلق، ويوم للأمر.
              ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾: وهذا تابع إلى يوم الأرض الأول؛ لأن السماء الدنيا تنقسم إلى سمائين هما: (السماء الأولى المثالية) و (السماء الدنيا الجسمانية)، فهما سماء واحدة من جهة؛ لارتباط السماء الأولى بالعالم الجسماني، ارتباط تدبير مباشر. وسماءان؛ لأن الأولى: ملكوت الأجسام، فكلاهما يعبر عنه بالسماء الدنيا؛ لأن السماء الأولى ملكوت الأجسام، وهما مشتبكان تماماً.
              فالأنفس في السماء الأولى، وهي تدبر الأجسام في السماء الدنيا، فهل ترى انفصالاً بين نفس الإنسان وجسمه! وفي نفس الوقت أقول: ألا ترى الاختلاف بين نفس الإنسان وجسمه!
              ومما تقدم تعلم أن الأيام ستة، وهي:
              السماء السابعة خلقت في يوم، وقوتها (أمرها) في يوم.
              والسماوات الستة خلقت في يوم، وقوتها (أمرها) في يوم.
              والأرض (ومعها العالم الجسماني) في يوم، وقوتها في يوم.
              أو خُلق النور وأمره في يومين، وخُلق المثال (الملكوت) وأمره في يومين، وخلق الملك (الأجسام) وأرزاقها في يومين، ولابد من أن تترتب من العالي إلى السافل؛ لأن الملكوت تجلٍّ وظهور للنور وهكذا …
              ويجب ملاحظة أنّ السماء الأولى هي نهاية السماء الدنيا، أي إنّ السماء الدنيا تبدأ في هذا العالم الجسماني، وتنتهي في أول العالم الملكوتي الروحاني، أي إنّ نهايتها حلقة وصل، ونهايتها أو حلقة الوصل هي السماء الأولى، في الزيارة الجامعة: (… وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى …) ( ).
              وفي القرآن: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ( ). وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ ( ).
              وفي الأولى عالما: الذر والرجعة، وفيها الأنفس، فالله سبحانه وتعالى لم ينظر إلى عالم الأجسام منذ أن خلقه كما قال رسول الله ( )، إنما محط الاهتمام يبدأ من نهاية عالم الأجسام، وهي نهاية السماء الدنيا، وهذه النهاية هي السماء الأولى.
              وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ ( ). السبع طرائق هي: (السماوات السبع) من السماء الأولى إلى السماء السابعة، وليست السماء الدنيا الجسمانية منها؛ لأنها ليست فوقنا بل نحن فيها، فهي محيطة بنا وهي (تحتنا وفوقنا وعن كل جهات الأرض)، ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ ( )، وسيتبين لك فيما يأتي لِمَ أوردتُ هذه الآية في هذا الموضع.
              وهذا يعني أن السماوات إذا عُدَّتْ بهذا التفصيل تكون ثمانياً، وليست سبعاً، وإنما لم تُعد الدنيا الجسمانية؛ لأنها جزء من السماء الدنيا بما فيها من سماء أولى وسماء جسمانية، فإذا ذكرت الأولى أو الدنيا فهي من ضمنها؛ لأنها جزء منها أو تابعة لها.
              والسماء الجسمانية مرة تُعد هي (الأرض)، ومرة تُعد هي (السماء الدنيا)؛ لأنها الجانب المرئي منها. وفي السماء الجسمانية الأرض بل كل الأرضين السبع، وفي السابعة (جهنم)، كما أن الجنة في السماء الثانية، أما في الأولى فتوجد (الجنة الأرضية) وهي جنة آدم؛ لأن الأولى كما بينتُ إنما هي جزء من السماء الدنيا، وهي ملكوتها.
              عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن ميسر، قال: سألت أبا عبد الله  عن جنة آدم ، فقال: (جنة من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً) ( ).
              ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾: والمصابيح هم الأنبياء والمرسلون والأوصياء يحفظون الذين يتبعونهم من وسوسة الشياطين بالتعاليم والأخلاق الإلهية التي يُعلِّمونها الناس. وظهورهم في السماء الجسمانية بالكواكب والشموس المضيئة، فما أكثر الظلام في السماء، وما أقل النجوم نسبة إلى الجزء المظلم، كما أن في الأرض ما أقل الأنبياء، وما أكثر من خالفهم وحاربهم وتخلف عنهم ولم ينصرهم. فقليل دائماً هم الأنبياء والأوصياء وأنصارهم، كـ (قلة النجوم في السماء الجسمانية).
              وفي نهاية حركة الفَلك الأعظم (أقصد قوس النـزول)، وبداية صعوده إلى جهة الآخرة، سيبدأ هذا العالم الجسماني بالتحول إلى جحيم ويستعر، فالذين اختاروا زخرف الأرض عقوبتهم إعادتهم إلى ما اختاروه، وعصوا الله من أجله، أو قل إبقاؤهم فيه؛ لأنه سيكون جهنم المستعرة بإعمالهم وأفعالهم وظلمهم.
              والآن تبين لك مناسبة الآية السابقة: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾.
              وعند بداية صعود (قوس النزول) يبدأ (عالم الرجعة)، وهو عالم آخر وامتحان آخر لمن محض الإيمان ولمن محض الكفر، وعالم الرجعة يبدأ مع نهاية ملك المهدي الثاني عشر ، وهو القائم الذي يخرج عليه الحسين  ( ).
              أما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾، والتي يظن من يقرؤها أن (ثم) تدل على البَعدية: أي ثم بعد أن خلق الأرض وقدر فيها أقواتها … استوى إلى السماء …
              وهي في الحقيقة لا تدل على ذلك، بل معنى (ثم) هنا هو (التوبيخ) بالعطف على مجمل الكلام، وليس على خلق الأرض بالخصوص، أي إنّ العطف على معنى التوبيخ في الآيات المتقدمة، ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ …﴾، فمعناها هنا: (ثم أليس هو الذي استوى إلى السماء … فكيف تكفرون به).
              ولاحظ أن في هذه الآية الأخيرة ذكر السماء والأرض، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾، فإذا كانت الأرض خلقت قبل ذلك، فما معنى أن يخلقها مرة أخرى ﴿ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾؟! بل المراد هنا توضيح الصورة بشكل آخر ومن جهة أخرى، حيث في الآيات السابقة ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ …﴾، تفصيل وذكر للنعم التي أسبغها سبحانه وتعالى، وفي هذه الآيات ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ …﴾ بيان لكيفية الخلق أي بيان لهذه الآية: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
              وهذه المراحل، أي خلق السماء السابعة، ثم السماوات الست، ثم عالم الأجسام، لابد أن يترتب بهذا التسلسل؛ لأنها تعتمد على بعضها، فلا يمكن خلق الست قبل السابعة، لأنها (أي السماوات الست) إنما خلقت من السابعة، ولا يمكن خلق الأجسام دون خلق السماوات الست؛ لأنها خلقت من السماوات الست، بل من الأولى بالخصوص المشتبكة معها (أي مع الأجسام ) ، والأولى هي عالم الذر وهي عالم الرجعة، فمنها دخلنا إلى عالم الأجسام بعد خلقنا في الذر، وسنخرج من عالم الأجسام إليها في عالم الرجعة، وهذا هو قوس النـزول، له ثلاثة أركان، كما أن لقوس الصعود ثلاثة أركان، وبذلك تكون ستة، هي: (درع داود)، ودرع الأنبياء ودرع الأوصياء.
              أما الأيام الستة للخلق: فهي ليست أياماً بمعنى مدة زمنية، بل هي مراحل، أي في ست مراحل، وهي ضرورية ولابد منها، فلابد في المرحلة الأولى من خلق النور وأمره، ثم الملكوت وأمره، ثم الأجسام وأقواتها؛ لاعتماد كل مرحلة على المرحلة التي سبقتها. فهذه المراحل الستة حتمية، أي لابد من اليوم الأول (المرحلة الأولى) أن تُخلق السماء السابعة، وفي اليوم الثاني (المرحلة الثانية) يـُخلق أمرها؛ لأن أمرها منها خُلق، فلابد أن يتأخر عنها مرحلة ، ثم يُخلق منها ومن أمرها المثال (الملكوت) السماوات الست إلى الأولى (وهي نهاية السماء الدنيا)، ثم يخلق في الملكوت أمره؛ لأنه منه خلق ، ففي اليوم الثالث الملكوت، وفي الرابع أمره لاعتماد الملكوت على خلق السابعة (اليوم الأول) وأمرها (اليوم الثاني)، فيتحتم خلق الملكوت في المرحلة الثالثة ، ثم أمره في الرابعة؛ لاعتماده عليه ولأنه خلق منه.
              وهكذا اليوم الخامس والسادس، أي خلق عالم الأجسام أو الكون الجسماني، أو الأرض (بمعناها الأوسع) حيث تشمل الأرض التي نحن عليها وكل الكواكب والشموس، ثم يخلق فيه قوته؛ لأنه منه خلق. فالنبات من الأرض خلق وعليها ينبت، والحيوان من الأرض خلق وعليها يعيش ويقتات.
              وهذه الستة أيام أو الست مراحل حتمية ويحتاجها الخلق بترتيبها، فالداني يحتاج العالي ويفتقر إليه، فالأجسام (الملك) أو عالم الشهادة يفتقر إلى الملكوت، والملكوت يحتاج ويفتقر إلى النور (السابعة الكلية)، أي بعبارة أخرى : إنها جميعاً خلقت في يومين، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾.
              لأن خلق السماء السابعة وأمرها في يومين، والبقية منها، بل هي تجليها وظهورها، وما يُقضى في السابعة يحصل في الملكوت، وما يحصل في الملكوت يحصل في الملك، والرؤيا التي تراها وتحصل في الأجسام ما هي إلا أمر حصل في الملكوت، وبعد ذلك حصل في هذا العالم الجسماني.
              من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
              ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

              Comment

              • almawood24
                يماني
                • 04-01-2010
                • 2174

                #8
                رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

                   
                سؤال/ 176: قال تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ ( ). ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ( ).
                هل يوجد فرق بين دفع الله في الآية الأولى، ودفع الله في الآية الثانية؟

                الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                الدفع الأول هو: دفع بالمؤمنين عن المؤمنين، أي قيام بعض المؤمنين بالواجب أدى إلى رفع العقوبة عن المجتمع الإيماني، وبالتالي دفعت العقوبة عن المتقاعسين بالعاملين، كما هو حال دفع الله سبحانه بالثلاث مئة وثلاثة عشر من أصحاب طالوت عن بقية جيشه: ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ فكان سبب النصر هؤلاء المؤمنين ( ).
                أما الدفع الثاني: فهو دفع الكافرين بالمؤمنين بالجهاد والقتال في سبيل الله.
                وعلى الأول (الدفع الأول) وباعتبار أنه كرم إلهي، تصلح الأرض؛ لأنه نصر المؤمنين مع عدم استحقاقهم كمجتمع، إنما المستحق هم (القلة)، فبهم دُفع عن الفاشلين والمتقاعسين، ولولا هذا الدفع لهُزم المؤمنون؛ لأن المجتمع يستحق الهزيمة، وهذه الهزيمة تسبب فساد الأرض وتسلط المفسدين، وأذى المجتمع الإيماني.
                وعلى الثاني (الدفع الثاني) فإنه لولا هذا الدفع لانهار المجتمع الإيماني، والدين الإلهي، ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِـعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ
                كَثِيراً﴾، وبالنتيجة لولا الجهاد لانتهى الدين الإلهي على هذه الأرض.

                     

                سؤال/ 177: في رواية أن القائم يقتل إبليس (لعنه الله)، وفي رواية أن رسول الله يقتل إبليس (لعنه الله) فما هو الصحيح؟
                فعن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله  عن قول إبليس: ﴿رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾، قال له وهب: جعلت فداك أي يوم هو؟ قال: (يا وهب أتحسب أنه يوم يبعث الله فيه الناس؟ إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة، وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول: يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم) ( ).
                وعن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (إن إبليس قال: أنظرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه فقال إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم فإذا كان يوم الوقت المعلوم، ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين  فقلت: وإنها لكرات؟ قال: نعم، إنها لكرات وكرات ما من إمام في قرن إلا ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن من الكافر. فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين  في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال له: الروحا قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالا لم يقتتل مثله منذ خلق الله عز وجل العالمين فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين  قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مئة قدم وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات. فعند ذلك يهبط الجبار عز وجل في ظلل من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر رسول الله أمامه بيده حربة من نور فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصا على عقبيه فيقولون له أصحابه: أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله رب العالمين، فيلحقه النبي فيطعنه طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله عز وجل ولا يشرك به شيئا ويملك أمير المؤمنين  أربعا وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي  ألف ولد من صلبه ذكرا وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله له بما شاء الله) ( ).

                الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                القتلة الأولى: في ظهور القائم ، والقيامة الصغرى في هذه الدنيا، حيث يقتله القائم في مسجد الكوفة عند ظهور الحق، ويلقيه في هاوية الجحيم.
                والقتلة الثانية: في الرجعة (في الأولى) التي تبدأ بعد انقضاء ملك المهدي الثاني عشر حيث يرجع عليه الحسين بن علي ، ويرجع علي بن أبي طالب  وكل من محض الإيمان محضاً وكل من محض الكفر محضاً ويرجع إبليس (لعنه الله) أيضاً لأنه ممن محض الكفر محضاً ويقتله رسول الله كما في الرواية الثانية.
                     

                سؤال/ 178: ما الهدف من خلق الإنسان؟

                الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                خلق الله سبحانه وتعالى آدم  خليفة في أرضه، هذا أمر أقرته جميع الأديان الإلهية، كما أنه سبحانه وتعالى أسجد جميع ملائكته لآدم ، والسجود علامة الخضوع والتذلل والانصياع للأمر الصادر من المسجود له، ولم يكن الأمر فقط طاعة لأمر الله سبحانه وتعالى، وإلا لكانت الخصوصيات عبثية وحاشا الله سبحانه وتعالى من العبث، فكون المسجود له آدم خصوصية يجب أن تلحظ بدقة، كما أن أفضلية آدم  على الملائكة وجهة أفضليته  أيضاً مسألة يجب أن تلحظ لمعرفة الهدف من خلق الإنسان.
                المسألة الأولى: مسألة خلافة الله في أرضه، وهنا مسألة يجب أن نعرفها وننطلق منها، هي أن المستخلف يجب أن يكون مؤهلاً لأداء الغرض الذي استخلف لأجله، فالسؤال هو: ما هو الغرض من هذه الخلافة ؟
                والجواب: إن الغرض هو القيام بمقام الله سبحانه وتعالى في إدارة الأرض بما فيها من عباد الله سبحانه وتعالى من إنس وملائكة وجن، وما فيها من جسمانية وملكوت علوي وسفلي. فإذا كان هذا هو الغرض فما هي المؤهلات؟
                ولمعرفة هذه المؤهلات أضرب هذا المثال، فأنت إذا كان لديك مصنع تجيد إدارته من كل حيثية وجهة، فهو يحتاج إلى معرفة كيفية الإدارة والأعطال وإصلاحها، ويحتاج إلى شخصية قادرة على التعامل مع العمال في المصنع، والآن إذا أردت أن تضع في مكانك شخصاً يخلفك في المصنع، فأنت تختار صاحب الكفاءة والشخصية المؤهلة للتعامل مع العمال في المصنع، وإذا كنت صاحب شخصية مثالية فإنك ستختار شخصاً ذا شخصية مثالية أيضاً، أو يقرب من ذلك لكي تكون حالة المصنع في حال إدارتك له وفي حال إدارة خليفتك واحدة.
                ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى عندما يستخلف خليفة عنه في أرضه فإنه يجعل خليفته يتصف بصفاته سبحانه وتعالى، لأنه القادر على كل شيء، فيكون خليفته صورة له ووجهه في خلقه، وأسماءه الحسنى، قال رسول الله : (إن الله خلق آدم على صورته) ( ).
                وليكون الخليفة كذلك يجب أن يكون فانياً في أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته، فيكون أمره أمر الله، وفعله فعل الله، وإرادته إرادة الله سبحانه وتعالى، كما في الحديث القدسي: (لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالفرائض - أي بالولاية لي - حتى يكون يدي وعيني وسمعي) ( ) أي حتى يكون أنا في الخلق.
                وكما في الحديث: (إن روح المقرب تصعد إلى الله فيخاطبه الله سبحانه وتعالى فيقول: أنا حي لا أموت وقد جعلتك حياً لا تموت، أنا أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون) ( ).
                والآن، نعود إلى الغرض من الخلافة فأقول: إذا كان الخليفة صورة لمن استخلفه، وقائماً بمقامه في أرضه، وإذا كان صاحب الأرض غائباً، أي غائب عن الإدراك والتحصيل وإلا فهو الشاهد الغائب، وإذا كان خليفته هو صورة له، فتكون معرفة الخليفة هي معرفة من استخلفه الممكنة، لأنه صورة له، وهذا هو الغرض الحقيقي من الخلافة، المستبطن للغرض الأول وهو قيام الخليفة بمقام المستخلف، وهو المعرفة والعلم الحقيقي، فبالأنبياء والرسل عُرف الله، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ( )، أي ليعرفون.
                وقال تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم﴾ ( )، فعلََّمَ آدم خليفة الله الملائكة وعرَّفهم بالأسماء الإلهية، فالملائكة خُلِقوا من أسماء الله سبحانه، وفي الزيارة الجامعة: (السلام على محال معرفة الله) ( ).
                     

                سؤال/ 179: ما هي قصة عيسى ؟ وكيف شبه لهم بقوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾ ( ) ؟

                الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                عيسى  في الليلة التي رفع فيها واعد حوارييه، فحضروا عنده إلا يهوذا الذي دل علماء اليهود على عيسى ، فقد ذهب إلى المرجع الأعلى لليهود، وقايضه على تسليم عيسى  لهم.
                وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى ، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صلب وقتل)، فكان درعاً له وفداءً، وهذا الشبيه هو من الأوصياء من آل محمد ، صُلب وقُتل وتَحمل العذاب لأجل قضية الإمام المهدي .
                وعيسى  لم يصلب ولم يقتل، بل رُفع فنجاه الله من أيدي اليهود وعلمائهم الضالين المضلين (لعنهم الله)، قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾.
                وفي الرواية في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر ، قال: (إن عيسى  وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا عند المساء، وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتاً ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال إن الله رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقي عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي قال شاب منهم أنا يا روح الله قال فأنت هُوَ ذا ...
                ثم قال : إن اليهود جاءت في طلب عيسى  من ليلتهم … وأخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى  فقتل و صلب) ( ).
                فالإمام الباقر  يقول: (اجتمع اثنا عشر)، بينما الذين جاؤوا من الحواريين هم (أحد عشر)، فيهوذا لم يأتِ، بل ذهب إلى علماء اليهود ليُسلِّم عيسى ، وهذا من المتواترات التي لا تنكر، فالثاني عشر الذي جاء أو قل الذي نزل من السماء، هو الوصي من آل محمد ، الذي صُلِبَ وقُتِلَ، بعد أن شُبِهَ بصورة عيسى .
                وكانت آخر كلمات هذا الوصي عند صلبه هي: (إيليا، إيليا لما شبقتني)، وفي إنجيل متى: (… صرخ يسوع بصوت عظيم إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي، إلهي لماذا تركتني. فقوم من الواقفين هناك لمّا سمعوا، قالوا: إنه ينادي إيليا … وأما الباقون فقالوا أترك لنرى هل يأتي إيليا يخلصه. فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح.
                وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت …) ( ) انتهى.
                والحقيقة أن ترجمة الكلمات التي قالها هكذا: (يا علي يا علي لماذا أنزلتني)، والنصارى يترجمونها هكذا (إلهي، إلهي لماذا تركتني) كما تبين لك من النص السابق من الإنجيل.
                والإنزال أو الإلقاء في الأرض من السماء قريب من الترك.
                ولم يقل هذا الوصي هذه الكلمات جهلاً منه بسبب الإنزال، أو اعتراضاً على أمر الله سبحانه وتعالى، بل هي سؤال يستبطن جوابه، وجهه إلى الناس: أي افهموا واعرفوا لماذا نزلتُ ولماذا صلبتُ، ولماذا قُتلتُ، لكي لا تفشلوا في الامتحان مرة أخرى، إذا أُعيد نفس السؤال، فإذا رأيتم الرومان (أو أشباههم) يحتلون الأرض، وعلماء اليهود (أو أشباههم) يداهنونهم، فسأكون في تلك الأرض فهذه سنة الله التي تتكرر، فخذوا عبرتكم وانصروني إذا جئت ولا تشاركوا مرة أخرى في صلبي وقتلي.
                كان يريد أن يقول في جواب السؤال البيَّن لكل عاقل نقي الفطرة: صُلبتُ وتحملتُ العذاب وإهانات علماء اليهود، وقُتلتُ لأجل القيامة الصغرى، قيامة الإمام المهدي ، ودولة الحق والعدل الإلهي على هذه الأرض.
                وهذا الوصي عندما سأله علماء اليهود والحاكم الروماني: هل أنت مَلِك اليهود؟ كان يجيب أنت قلت، أو هم يقولون، أو أنتم تقولون، ولم يقل نعم، جواب غريب على من يجهل الحقيقة، ولكنه الآن توضح.
                فلم يقل: نعم، لأنه ليس هو مَلِك اليهود، بل عيسى  الذي رفعه الله، وهو الشبيه الذي نزل ليُصلب ويُقتل بدلاً عن عيسى .
                وهذا نص جوابه - بعد أن الُقِيَ عليه القبض - من الإنجيل:
                (فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح، قال له يسوع: أنت قلت …) ( )، (… فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت مَلِك اليهود فقال له يسوع: أنت تقول …) ( )، (… فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود فأجاب وقال له أنت تقول …) ( )، (… فقال الجميع أفأنت المسيح فقال لهم انتم تقولون إني أنا هو …) ( )، (…33 ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع، وقال له أنت ملك اليهود. 34 أجابه يسوع أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. 35 أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي. أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلي. ماذا فعلت. 36 أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسَلَّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. 37 فقال له بيلاطس أفأنت إذا مَلِك. أجاب يسوع أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق …) ( ).
                وفي هذا النص الأخير بيَّنَ الوصي أنه ليس من أهل الأرض في ذلك الزمان، بل نزل إليها لإنجاز مهمة وهي فداء عيسى ، حيث ترى أن هذا الوصي يقول: (مملكتي ليست من هذا العالم)، (ولكن الآن ليست مملكتي من هنا)، (ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق).
                عن رسول الله : (قال ينـزل عيسى ابن مريم  عند انفجار الصبح مابين مهرودين وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهناً، بيده حربة، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويهلك الدجال ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن ) ( ).
                وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (… ويعود دار الملك إلى الزوراء وتصير الأمور شورى من غلب على شيء فعله، فعند ذلك خروج السفياني فيركب في الأرض تسعة أشهر يسومهم سوء العذاب فويل لمصر وويل للزوراء وويل للكوفة والويل لواسط كأني انظر إلى واسط وما فيها مخبر يخبر وعند ذلك خروج السفياني ويقل الطعام ويقحط الناس ويقل المطر فلا أرض تنبت ولا سماء تنـزل، ثم يخرج المهدي الهادي المهتدي الذي يأخذ الراية من يد عيسى بن مريم …) ( ).
                وتوجد أحاديث كثيرة تدل على أن عيسى  لم يصلب ولم يقتل، بل الذي صلب وقتل هو شبيه عيسى .
                عن أبي عبد الله ، قال: (رفع عيسى ابن مـريم  بمدرعة من صوف من غزل مريم ومن خياطة مريم، فلما انتهى إلى السماء نودي يا عيسى بن مريم ألق عنك زينة الدنيا)( ).
                وعن الرضا ، قال: (ما شُبِهَ أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلا أمر عيسى بن مريم  وحده، لأنه رفع من الأرض حياً وقُبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء وردّ إليه روحه وذلك قوله عز وجل: ﴿إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ( )) ( ).
                وعن النبي ، قال: (عيسى  لم يمت وإنه راجعٌ إليكم قبل يوم القيامة) ( ).
                والتَفِتْ إلى أن عيسى نبي مرسل وقد طلب من الله سبحانه وتعالى أن يُعفى ويُصرف عنه الصلب والعذاب والقتل، والله سبحانه وتعالى لا يرد دعاء نبي مرسل، فالله استجاب له ورفعه وأُنزل الوصي الذي صُلب وقُتل بدلاً عنه، وفي الإنجيل عدة نصوص فيها دعاء عيسى  بأن يُصرف عنه الصلب والقتل.
                وهي: (… ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس …) ( ).
                (…ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن * وقال يا أبا الآب كل شئ مستطاع لك فاجز عني هذه الكأس …) ( ).
                (… وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى * قائلاً يا أبتاه إن شئت أن تُجز عني هذه الكأس …) ( ).
                وفي التوراة / سفر إشعيا ، وفي الإنجيل أعمال الرسل / الإصحاح الثامن هذا النص: (… مثل شاة سيق إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه …).
                وكل الأنبياء والأوصياء المرسلين تكلموا، لم يذهب أحد منهم صامتاً إلى الذبح، بل هم أُرسلوا ليتكلموا ويُبكتوا ويعظوا الناس، وعيسى  بالخصوص كم بَكَّتَ العلماء والناس، وكم وعظهم فلا يَصدِقُ عليه أنه ذهب إلى الذبح صامتاً.
                بل هذا الذي ذهب إلى الذبح صامتاً هو الوصي: (شبيه عيسى) الذي صُلب وقُتل دون أن يتكلم، أو يطلب من الله أن يُصرف عنه العذاب والصلب والقتل، ودون أن يتكلم مع الناس. بل إذا ألحّوا عليه وسألوه بإلحاح من أنت، هل أنت المسيح، لم يكن يجيبهم إلا بكلمة، أنت قلت.
                وهكذا ذهب إلى العذاب والصلب والقتل صامتاً راضياً بأمر الله، منفذاً لما أُنزل له، وهو أن يُصلب ويُقتل بدلاً من عيسى .
                ولأنه أصلاً لم يكن وقته قد حان ليُرسل ويُبلغ الناس ويتكلم معهم، ذهب هكذا مثل شاة سيق إلى الذبح، مثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه.
                أرجو أن يستفيد كل مؤمن يريد معرفة الحقيقة من هذا الموقف، فهذا الإنسان نزل إلى الأرض، وصُلب وقُتل ولا أحد يعرف، لم يطلب أن يُذكر أو أن يُعرف، نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا.

                     

                سؤال/ 180: السلام على من آمن واهتدى
                بسم الله الرحمن الرحيم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                أما بعد .. فقد بلغني انك تدعي الرؤية والمشاهدة والسفارة لـ (بقية الله) في الأرض، واني أعرض لك أمر فإن أجبت فقد أصبت، وإن لم توفق في الجواب، فاعلم أنّ الله مطلع عليك، وأنك طلبت أمراً عظيماً، وكلّفت نفسك أمراً عظيماً.
                اعلم أنه بلغنا عن محمد بن الحسن الصفار عن الصادق : (إن أمرنا الحق وحق الحق، وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن، وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر)، وعنه: (أمرنا سر مستسر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر)، فما معنى الحديثين؟ وما تأويلهما؟ وأين موضوعهما في كتاب الله؟
                أوضح حجتك وأثبت صدق دعواك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                حقيقة هذين الحديثين عظيمة، ولا يحتملها إلا أهلها: (وهم آل محمد) ، ولكني أبيّن لك شيئاً منها، لعل الله يكتب لك الهداية ومعرفة الحق وأهله من هذا البيان.
                عن أبي عبد الله  قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس و ضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً) ( ).
                الحقيقة أن العلم الممكن للإنسان معرفته هو (ثمانية وعشرون حرفاً) يُنشر منها (سبعة وعشرون) كما في الرواية، أما الباقي فهو ما اختص به آل محمد ، وهو سرهم المستسر المقنع بالسر، أي بالسبعة والعشرين، وهي العلم الذي لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
                أما الحرف الباقي من (الثمانية والعشرين)، فلا يتحمله نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله : (يا أبا محمد إن عندنا والله سراً من سر الله، وعلماً من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، والله ما كلف الله ذلك أحداً غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا وإن عندنا سراً من سر الله وعلماً من علم الله، أمرنا الله بتبليغه، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته وصنعهم بفضل رحمته التي صنع منها محمداً وذريته، فبلغنا عن الله ما امرنا بتبليغه، فقبلوه واحتملوا ذلك [فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه] وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك، لا والله ما احتملوه.
                ثم قال: إن الله خلق أقواماً لجهنم والنار، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ولولا ذلك ما عُبِد الله في أرضه، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله بالستر والكتمان عنه.
                قال: ثم رفع يده وبكى وقال : (اللهم إن هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم، فانك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً) ( ).
                وهذه الثمانية والعشرون حرفاً هي على عدد منازل القمر، أربعة عشر قمراً (هم محمد وآل محمد) في أول هذه الأمة: (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد )، وأربعة عشر هلالاً هم آل محمد في آخر هذه الأمة (وهم المهديون الاثنا عشر من ولد الإمام المهدي ) ولأولهم: (مقاما: الرسالة والولاية)، أي منزلين من منازل القمر (الأهلة) فيكون من الأقمار ومن الأهلة، ولهذا عُدَّ في بعض الروايات من الأئمة.
                قال أبو جعفر : (الاثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم مُحَدث من رسول الله ومن ولد علي، ورسول الله وعلي عليهما السلام هما الوالدان) ( ).
                وعن أبي جعفر  عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر أخرهم القائم  ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ( ).
                وعن أبي جعفر ، قال: (إن الله أرسل محمداً إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصياً، منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصي جرت به سنة، والأوصياء الذين من بعد محمد على سنة أوصياء عيسى، وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين  على سنة المسيح) ( ).
                عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر  يقول: (نحن اثنا عشر إماماً منهم حسن وحسين ثم الأئمة من ولد الحسين ) ( ).
                وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا) ( ).
                وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهمون، أخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) ( ).
                ويبقى منزل ستجد تفصيله في تفسير سورة التوحيد عندما يحين وقتها، وتنشر إن شاء الله. فهذه ثمانية وعشرون منـزلاً على عدد حروف العلم، وعلى عدد محمد وآل محمد .
                أما ما تبقى من الشهر فهو يوم أو يوم وبعض يوم، يغيب فيه القمر (فالشهر تسعة وعشرون أو ثلاثون)، ويوم أو يوم وبعض يوم أي حرف أو حرف وبعض الحرف بحسب مقام الولي، فهو لمحمد يوم فقط ولعلي وفاطمة عليهما السلام يوم وبعض يوم وللحسن والحسين يزداد بعض اليوم وهكذا للائمة والمهديين .
                وهذا اليوم يوم الغيبة هو الاسم المكنون المخزون، الذي لم يخرج منه سبحانه إلى خلقه، وهو سره سبحانه وتعالى. لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى.
                أما بعض اليوم فهو: (الحجاب الذي يخفق)، وفتح لمحمد فلم يعد له إلا يوم (حرف) الغيبة، أو حرف من الاسم الأعظم، وهو المكنون المخزون عنده سبحانه وتعالى، أو الاسم الأعظم الأعظم الأعظم.
                وفي الحديث عن الصادق : (فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له مكانك يا محمد - أي هذا هو مقامك، فجبرائيل لا يستطيع الوصول إلى مقام النبي فأشار له بالعروج إلى مقامه - فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إن ربك يصلي. فقال: يا جبرائيل وكيف يصلي. قال: يقول سبوح قدوس أنا رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي. فقال: اللهم عفوك عفوك، قال  وكان كما قال الله قاب قوسين أو أدنى قيل: وما قاب قوسين أو أدنى؟ قال : ما بين أسّتها إلى رأسها. قال : وكان بينهما حجاب يتلألأ ويخفق، ولا أعلمه إلا وقد قال : زبرجد فنظر في مثل سم الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة، فقال الله تبارك وتعالى …) ( ).
                وهذا هو الفتح المبين لمحمد قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ ( )، فالحجاب يخفق وفي آنٍ لا يبقى إلا الله الواحد القهار، وهذا هو غفران الذنب الباقي مع بقاء محمد لأنه الأنا والشخصية (اقرأ تفسير الفاتحة والمتشابهات لتتوضح لك مسألة الفتح المبين).
                إذن، عند الفتح لا يبقى إلا الله، لا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه؛ لأن الظلمة هي الذنب المغفور لمحمد ، أي المرفوع عن صفحة وجوده ، وبهذا لا يبقى لمحمد ، إلا الكنه والحقيقة أو (الاسم الأعظم الأعظم الأعظم) أو الاسم المكنون المخزون عنده سبحانه أو يوم الغيبة أو الحرف. ويبقى لآل محمد يوم وبعض يوم؛ لأن هذا الحجاب لم يكشف لهم، قال أمير المؤمنين : (لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقيناً ) ( ). وبالنسبة لآل محمد بعض اليوم يزداد ويقل بحسب المقام والمرتبة.
                واعلم أن غيبة الإمام المهدي  تكون بحسب مقامه، أي يوم وبعض يوم، أي ألف سنة وبعض الألف سنة: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ ( ).
                واعلم أيضاً أن المهديين هم علامات الساعة وميقاتها، فبآخرهم يختم هذا العالم الجسماني، ويبدأ عالم الرجعة ثم القيامة: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ( ).
                وحديث السر من (جوامع الكلم)، فهو كلمات يسيرة اُريدَ بها معانٍ كثيرة، والسر هم آل محمد ؛ لأنهم محجوبون عن الخلق فلا يعرفهم تمام المعرفة إلا الله سبحانه وتعالى، فهم أول سر حقيقي في مراتب الصعود، وهم السر في الخلق.
                أما سر السر فهو الذات الإلهية أو الله أو الأسماء الحسنى. أما سر سر السر - وهو لم يذكر في الحديث؛ لأنه محجوب عنهم ، وليس أمرهم - فهو الاسم الأعظم الأعظم الأعظم: (هو) أو الكنه والحقيقة.
                فهم السر، وأمرهم (علمهم ومعرفتهم) متعلق بسر السر (الله)، وهم أيضاً سر مقنع بالسر، وهذا القناع أو السر الأخير ليس سراً حقيقياً في الخلق، بل هو سر نسبة لسائر الخلق، أما بالنسبة لمحمد وآل محمد وهم من الخلق فهو ليس بسر، بل هو قناعهم، والحجاب بينهم وبين الخلق، وهذا السر هو: الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والمؤمنون الممتحنون، فقد تبين أنهم سر في سر وسر مستسر، وسر لا يفيده إلا سر: (أي لا يعرفه إلا سر، وهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والمؤمنون الممتحنون).
                وسر مقنع بسر، (أي سر محتجب بسر، وهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والمؤمنون الممتحنون).
                أما موضعهما في كتاب الله، فقد قال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾( ). والحمد لله وحده.
                     
                سؤال/ 181: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾( )، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ( ) ؟

                الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                الشجرة هي: (الشجرة المباركة في القرآن)، وهي شجرة آل محمد ، وفروعها الأئمة والمهديون: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ ( ).
                والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو: اليماني (المهدي الأول من المهديين)، والبقعة المباركة هو: الحسين ، فالكلام من الطور الوادي الأيمن، أي اليماني (المهدي الأول)، والوادي الأيمن الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأول (اليماني) من ولد الحسين؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي ، والبقعة المباركة من الشجرة (أي محمد وعلي عليهما السلام)، فالحسين من محمد وعلي عليهما السلام.
                عن الصادق : (﴿شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ الذي ذكره الله تعالى فِي كتابه هو الفرات ﴿والْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ هي كربلاء، والشجرة هي محمد) ( ).
                والفرات نهر من الجنة، واليماني أيضاً نهر من الجنة، تلقى فيه أعمال العباد كما ورد عن الصادق : (الركن اليماني بابنا الذي يُدخل منه الجنة، وفيه نهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد) ( ).
                وكربلاء هي الحسين ، والشجرة هي محمد وعلي عليهما السلام؛ لأنهما أبوا العترة. فالمُكلم المباشر هو المهدي الأول (اليماني): ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾.
                وقائد المكلم هو علي بن أبي طالب  ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾؛ لأن الشجرة كلها علي بن أبي طالب ، فهو أبو العترة، أما أصل الشجرة فهو محمد .
                فمكلم موسى هو الله، ومكلم موسى هو محمد ، وهو علي ، ومكلم موسى هو المهدي الأول (اليماني).
                وقد سماه أمير المؤمنين  مكلم موسى، وبيَّن علامات ظهوره: (إذا صاح الناقوس، وكبس الكابوس، وتكلم الجاموس (الجاموس هو الجامد، والمراد هنا: الصامت الساكت ( )) فعند ذلك عجائب وأي عجائب إذا أنارت النار ببصرى، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا، وصبا كل قوم إلى قوم، وتحركت عساكر خراسان، ونبع شعيب بن صالح التميمي من بطن الطالقان، وبويع لسعيد السوسي بخوزستان، وعقدت الراية لعماليق كردان، وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب، وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سينان، فتوقعوا ظهور مُكلِم موسى من الشجرة على الطور (وعلى الطور أي في النجف؛ لأن الطور نقل إلى وادي السلام كما روي عنهم )، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف . . . ثم بكى صلوات الله عليه وقال: واها للأمم … ) ( ).
                وهذا موجود في القرآن، فالله يتوفى الأنفس، وأيضاً عزرائيل، وأيضاً جند عزرائيل.
                ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ ( ).
                ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ ( ).
                ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ ( ).
                ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ ( ).
                وفي كل الأحوال إذا توفى الأنفس الملائكة، أو ملك الموت، فالمتوفي الحقيقي هو الله، وكذلك الحال هنا فإذا كان مكلم موسى هو علي ، أو المهدي الأول، فالمكلم الحقيقي لموسى هو الله سبحانه.
                     
                سؤال/ 182: لماذا الكلب أنجس وأوفى حيوان في نفس الوقت بينما النجاسة لا تلائم الوفاء؟
                الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                لما خلق الله آدم  وضعه في باب الجـنة أربعين سنة تطأه الملائكـة قبل أن ينفخ فيه الروح ( )، ليكون ذليلاً في نفسه، فلما مرَّ عليه إبليس (لعنه الله) وكان مع الملائكة بصق عليه، فوقع بصاق إبليس (لعنه الله) على بطن آدم ، فأمر الله الملائكة برفع الطينة التي وقعت عليها بصقة إبليس (لعنه الله) فأصبح موضعها شبيه بالحفرة وهو السرة، والموجودة الآن في بطن الإنسان. وخلق الله من تلك الطينة ( ) التي عليها بصاق إبليس (لعنه الله) الكلب.
                فالكلب مخلوق من طينة نبي وهو آدم ، ومن بصاق إبليس (لعنه الله)، ولذا فهو أنجس حيوان ؛ لأنه خلق من بصاق إبليس (لعنه الله)، وأوفى حيوان؛ لأنه خلق من طينة نبي. فاجتمع في الكلب وفاء الأنبياء، ونجاسة الشيطان إبليس (لعنه الله)، فسبحان المؤلف بين النور والديجور، هذا بالنسبة لنفس الكلب. أما جسده الجسماني فقد خلق أيضاً من بزاق إبليس (لعنه الله)، ومن الطين بعد نزول آدم إلى هذه الأرض ( ).


                أحمد الحسن
                وصي ورسول الإمام المهدي 
                13 رجب 1426 هـ. ق
                من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
                ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

                Comment

                • almawood24
                  يماني
                  • 04-01-2010
                  • 2174

                  #9
                  رد: المتشابهات ج4 للأمام احمد ع

                     
                  سؤال/ 176: قال تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ ( ). ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ( ).
                  هل يوجد فرق بين دفع الله في الآية الأولى، ودفع الله في الآية الثانية؟

                  الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                  والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                  الدفع الأول هو: دفع بالمؤمنين عن المؤمنين، أي قيام بعض المؤمنين بالواجب أدى إلى رفع العقوبة عن المجتمع الإيماني، وبالتالي دفعت العقوبة عن المتقاعسين بالعاملين، كما هو حال دفع الله سبحانه بالثلاث مئة وثلاثة عشر من أصحاب طالوت عن بقية جيشه: ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ فكان سبب النصر هؤلاء المؤمنين ( ).
                  أما الدفع الثاني: فهو دفع الكافرين بالمؤمنين بالجهاد والقتال في سبيل الله.
                  وعلى الأول (الدفع الأول) وباعتبار أنه كرم إلهي، تصلح الأرض؛ لأنه نصر المؤمنين مع عدم استحقاقهم كمجتمع، إنما المستحق هم (القلة)، فبهم دُفع عن الفاشلين والمتقاعسين، ولولا هذا الدفع لهُزم المؤمنون؛ لأن المجتمع يستحق الهزيمة، وهذه الهزيمة تسبب فساد الأرض وتسلط المفسدين، وأذى المجتمع الإيماني.
                  وعلى الثاني (الدفع الثاني) فإنه لولا هذا الدفع لانهار المجتمع الإيماني، والدين الإلهي، ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِـعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ
                  كَثِيراً﴾، وبالنتيجة لولا الجهاد لانتهى الدين الإلهي على هذه الأرض.

                       

                  سؤال/ 177: في رواية أن القائم يقتل إبليس (لعنه الله)، وفي رواية أن رسول الله يقتل إبليس (لعنه الله) فما هو الصحيح؟
                  فعن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله  عن قول إبليس: ﴿رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾، قال له وهب: جعلت فداك أي يوم هو؟ قال: (يا وهب أتحسب أنه يوم يبعث الله فيه الناس؟ إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة، وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول: يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم) ( ).
                  وعن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله  يقول: (إن إبليس قال: أنظرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه فقال إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم فإذا كان يوم الوقت المعلوم، ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين  فقلت: وإنها لكرات؟ قال: نعم، إنها لكرات وكرات ما من إمام في قرن إلا ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن من الكافر. فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين  في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال له: الروحا قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالا لم يقتتل مثله منذ خلق الله عز وجل العالمين فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين  قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مئة قدم وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات. فعند ذلك يهبط الجبار عز وجل في ظلل من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر رسول الله أمامه بيده حربة من نور فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصا على عقبيه فيقولون له أصحابه: أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله رب العالمين، فيلحقه النبي فيطعنه طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله عز وجل ولا يشرك به شيئا ويملك أمير المؤمنين  أربعا وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي  ألف ولد من صلبه ذكرا وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله له بما شاء الله) ( ).

                  الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم
                  والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                  القتلة الأولى: في ظهور القائم ، والقيامة الصغرى في هذه الدنيا، حيث يقتله القائم في مسجد الكوفة عند ظهور الحق، ويلقيه في هاوية الجحيم.
                  والقتلة الثانية: في الرجعة (في الأولى) التي تبدأ بعد انقضاء ملك المهدي الثاني عشر حيث يرجع عليه الحسين بن علي ، ويرجع علي بن أبي طالب  وكل من محض الإيمان محضاً وكل من محض الكفر محضاً ويرجع إبليس (لعنه الله) أيضاً لأنه ممن محض الكفر محضاً ويقتله رسول الله كما في الرواية الثانية.
                       

                  سؤال/ 178: ما الهدف من خلق الإنسان؟

                  الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                  والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                  خلق الله سبحانه وتعالى آدم  خليفة في أرضه، هذا أمر أقرته جميع الأديان الإلهية، كما أنه سبحانه وتعالى أسجد جميع ملائكته لآدم ، والسجود علامة الخضوع والتذلل والانصياع للأمر الصادر من المسجود له، ولم يكن الأمر فقط طاعة لأمر الله سبحانه وتعالى، وإلا لكانت الخصوصيات عبثية وحاشا الله سبحانه وتعالى من العبث، فكون المسجود له آدم خصوصية يجب أن تلحظ بدقة، كما أن أفضلية آدم  على الملائكة وجهة أفضليته  أيضاً مسألة يجب أن تلحظ لمعرفة الهدف من خلق الإنسان.
                  المسألة الأولى: مسألة خلافة الله في أرضه، وهنا مسألة يجب أن نعرفها وننطلق منها، هي أن المستخلف يجب أن يكون مؤهلاً لأداء الغرض الذي استخلف لأجله، فالسؤال هو: ما هو الغرض من هذه الخلافة ؟
                  والجواب: إن الغرض هو القيام بمقام الله سبحانه وتعالى في إدارة الأرض بما فيها من عباد الله سبحانه وتعالى من إنس وملائكة وجن، وما فيها من جسمانية وملكوت علوي وسفلي. فإذا كان هذا هو الغرض فما هي المؤهلات؟
                  ولمعرفة هذه المؤهلات أضرب هذا المثال، فأنت إذا كان لديك مصنع تجيد إدارته من كل حيثية وجهة، فهو يحتاج إلى معرفة كيفية الإدارة والأعطال وإصلاحها، ويحتاج إلى شخصية قادرة على التعامل مع العمال في المصنع، والآن إذا أردت أن تضع في مكانك شخصاً يخلفك في المصنع، فأنت تختار صاحب الكفاءة والشخصية المؤهلة للتعامل مع العمال في المصنع، وإذا كنت صاحب شخصية مثالية فإنك ستختار شخصاً ذا شخصية مثالية أيضاً، أو يقرب من ذلك لكي تكون حالة المصنع في حال إدارتك له وفي حال إدارة خليفتك واحدة.
                  ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى عندما يستخلف خليفة عنه في أرضه فإنه يجعل خليفته يتصف بصفاته سبحانه وتعالى، لأنه القادر على كل شيء، فيكون خليفته صورة له ووجهه في خلقه، وأسماءه الحسنى، قال رسول الله : (إن الله خلق آدم على صورته) ( ).
                  وليكون الخليفة كذلك يجب أن يكون فانياً في أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته، فيكون أمره أمر الله، وفعله فعل الله، وإرادته إرادة الله سبحانه وتعالى، كما في الحديث القدسي: (لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالفرائض - أي بالولاية لي - حتى يكون يدي وعيني وسمعي) ( ) أي حتى يكون أنا في الخلق.
                  وكما في الحديث: (إن روح المقرب تصعد إلى الله فيخاطبه الله سبحانه وتعالى فيقول: أنا حي لا أموت وقد جعلتك حياً لا تموت، أنا أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون) ( ).
                  والآن، نعود إلى الغرض من الخلافة فأقول: إذا كان الخليفة صورة لمن استخلفه، وقائماً بمقامه في أرضه، وإذا كان صاحب الأرض غائباً، أي غائب عن الإدراك والتحصيل وإلا فهو الشاهد الغائب، وإذا كان خليفته هو صورة له، فتكون معرفة الخليفة هي معرفة من استخلفه الممكنة، لأنه صورة له، وهذا هو الغرض الحقيقي من الخلافة، المستبطن للغرض الأول وهو قيام الخليفة بمقام المستخلف، وهو المعرفة والعلم الحقيقي، فبالأنبياء والرسل عُرف الله، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ( )، أي ليعرفون.
                  وقال تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم﴾ ( )، فعلََّمَ آدم خليفة الله الملائكة وعرَّفهم بالأسماء الإلهية، فالملائكة خُلِقوا من أسماء الله سبحانه، وفي الزيارة الجامعة: (السلام على محال معرفة الله) ( ).
                       

                  سؤال/ 179: ما هي قصة عيسى ؟ وكيف شبه لهم بقوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾ ( ) ؟

                  الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                  والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                  عيسى  في الليلة التي رفع فيها واعد حوارييه، فحضروا عنده إلا يهوذا الذي دل علماء اليهود على عيسى ، فقد ذهب إلى المرجع الأعلى لليهود، وقايضه على تسليم عيسى  لهم.
                  وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى ، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صلب وقتل)، فكان درعاً له وفداءً، وهذا الشبيه هو من الأوصياء من آل محمد ، صُلب وقُتل وتَحمل العذاب لأجل قضية الإمام المهدي .
                  وعيسى  لم يصلب ولم يقتل، بل رُفع فنجاه الله من أيدي اليهود وعلمائهم الضالين المضلين (لعنهم الله)، قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾.
                  وفي الرواية في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر ، قال: (إن عيسى  وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا عند المساء، وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتاً ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال إن الله رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقي عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي قال شاب منهم أنا يا روح الله قال فأنت هُوَ ذا ...
                  ثم قال : إن اليهود جاءت في طلب عيسى  من ليلتهم … وأخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى  فقتل و صلب) ( ).
                  فالإمام الباقر  يقول: (اجتمع اثنا عشر)، بينما الذين جاؤوا من الحواريين هم (أحد عشر)، فيهوذا لم يأتِ، بل ذهب إلى علماء اليهود ليُسلِّم عيسى ، وهذا من المتواترات التي لا تنكر، فالثاني عشر الذي جاء أو قل الذي نزل من السماء، هو الوصي من آل محمد ، الذي صُلِبَ وقُتِلَ، بعد أن شُبِهَ بصورة عيسى .
                  وكانت آخر كلمات هذا الوصي عند صلبه هي: (إيليا، إيليا لما شبقتني)، وفي إنجيل متى: (… صرخ يسوع بصوت عظيم إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي، إلهي لماذا تركتني. فقوم من الواقفين هناك لمّا سمعوا، قالوا: إنه ينادي إيليا … وأما الباقون فقالوا أترك لنرى هل يأتي إيليا يخلصه. فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح.
                  وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت …) ( ) انتهى.
                  والحقيقة أن ترجمة الكلمات التي قالها هكذا: (يا علي يا علي لماذا أنزلتني)، والنصارى يترجمونها هكذا (إلهي، إلهي لماذا تركتني) كما تبين لك من النص السابق من الإنجيل.
                  والإنزال أو الإلقاء في الأرض من السماء قريب من الترك.
                  ولم يقل هذا الوصي هذه الكلمات جهلاً منه بسبب الإنزال، أو اعتراضاً على أمر الله سبحانه وتعالى، بل هي سؤال يستبطن جوابه، وجهه إلى الناس: أي افهموا واعرفوا لماذا نزلتُ ولماذا صلبتُ، ولماذا قُتلتُ، لكي لا تفشلوا في الامتحان مرة أخرى، إذا أُعيد نفس السؤال، فإذا رأيتم الرومان (أو أشباههم) يحتلون الأرض، وعلماء اليهود (أو أشباههم) يداهنونهم، فسأكون في تلك الأرض فهذه سنة الله التي تتكرر، فخذوا عبرتكم وانصروني إذا جئت ولا تشاركوا مرة أخرى في صلبي وقتلي.
                  كان يريد أن يقول في جواب السؤال البيَّن لكل عاقل نقي الفطرة: صُلبتُ وتحملتُ العذاب وإهانات علماء اليهود، وقُتلتُ لأجل القيامة الصغرى، قيامة الإمام المهدي ، ودولة الحق والعدل الإلهي على هذه الأرض.
                  وهذا الوصي عندما سأله علماء اليهود والحاكم الروماني: هل أنت مَلِك اليهود؟ كان يجيب أنت قلت، أو هم يقولون، أو أنتم تقولون، ولم يقل نعم، جواب غريب على من يجهل الحقيقة، ولكنه الآن توضح.
                  فلم يقل: نعم، لأنه ليس هو مَلِك اليهود، بل عيسى  الذي رفعه الله، وهو الشبيه الذي نزل ليُصلب ويُقتل بدلاً عن عيسى .
                  وهذا نص جوابه - بعد أن الُقِيَ عليه القبض - من الإنجيل:
                  (فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح، قال له يسوع: أنت قلت …) ( )، (… فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت مَلِك اليهود فقال له يسوع: أنت تقول …) ( )، (… فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود فأجاب وقال له أنت تقول …) ( )، (… فقال الجميع أفأنت المسيح فقال لهم انتم تقولون إني أنا هو …) ( )، (…33 ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع، وقال له أنت ملك اليهود. 34 أجابه يسوع أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. 35 أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي. أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلي. ماذا فعلت. 36 أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسَلَّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. 37 فقال له بيلاطس أفأنت إذا مَلِك. أجاب يسوع أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق …) ( ).
                  وفي هذا النص الأخير بيَّنَ الوصي أنه ليس من أهل الأرض في ذلك الزمان، بل نزل إليها لإنجاز مهمة وهي فداء عيسى ، حيث ترى أن هذا الوصي يقول: (مملكتي ليست من هذا العالم)، (ولكن الآن ليست مملكتي من هنا)، (ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق).
                  عن رسول الله : (قال ينـزل عيسى ابن مريم  عند انفجار الصبح مابين مهرودين وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهناً، بيده حربة، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويهلك الدجال ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن ) ( ).
                  وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (… ويعود دار الملك إلى الزوراء وتصير الأمور شورى من غلب على شيء فعله، فعند ذلك خروج السفياني فيركب في الأرض تسعة أشهر يسومهم سوء العذاب فويل لمصر وويل للزوراء وويل للكوفة والويل لواسط كأني انظر إلى واسط وما فيها مخبر يخبر وعند ذلك خروج السفياني ويقل الطعام ويقحط الناس ويقل المطر فلا أرض تنبت ولا سماء تنـزل، ثم يخرج المهدي الهادي المهتدي الذي يأخذ الراية من يد عيسى بن مريم …) ( ).
                  وتوجد أحاديث كثيرة تدل على أن عيسى  لم يصلب ولم يقتل، بل الذي صلب وقتل هو شبيه عيسى .
                  عن أبي عبد الله ، قال: (رفع عيسى ابن مـريم  بمدرعة من صوف من غزل مريم ومن خياطة مريم، فلما انتهى إلى السماء نودي يا عيسى بن مريم ألق عنك زينة الدنيا)( ).
                  وعن الرضا ، قال: (ما شُبِهَ أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلا أمر عيسى بن مريم  وحده، لأنه رفع من الأرض حياً وقُبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء وردّ إليه روحه وذلك قوله عز وجل: ﴿إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ( )) ( ).
                  وعن النبي ، قال: (عيسى  لم يمت وإنه راجعٌ إليكم قبل يوم القيامة) ( ).
                  والتَفِتْ إلى أن عيسى نبي مرسل وقد طلب من الله سبحانه وتعالى أن يُعفى ويُصرف عنه الصلب والعذاب والقتل، والله سبحانه وتعالى لا يرد دعاء نبي مرسل، فالله استجاب له ورفعه وأُنزل الوصي الذي صُلب وقُتل بدلاً عنه، وفي الإنجيل عدة نصوص فيها دعاء عيسى  بأن يُصرف عنه الصلب والقتل.
                  وهي: (… ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس …) ( ).
                  (…ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن * وقال يا أبا الآب كل شئ مستطاع لك فاجز عني هذه الكأس …) ( ).
                  (… وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى * قائلاً يا أبتاه إن شئت أن تُجز عني هذه الكأس …) ( ).
                  وفي التوراة / سفر إشعيا ، وفي الإنجيل أعمال الرسل / الإصحاح الثامن هذا النص: (… مثل شاة سيق إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه …).
                  وكل الأنبياء والأوصياء المرسلين تكلموا، لم يذهب أحد منهم صامتاً إلى الذبح، بل هم أُرسلوا ليتكلموا ويُبكتوا ويعظوا الناس، وعيسى  بالخصوص كم بَكَّتَ العلماء والناس، وكم وعظهم فلا يَصدِقُ عليه أنه ذهب إلى الذبح صامتاً.
                  بل هذا الذي ذهب إلى الذبح صامتاً هو الوصي: (شبيه عيسى) الذي صُلب وقُتل دون أن يتكلم، أو يطلب من الله أن يُصرف عنه العذاب والصلب والقتل، ودون أن يتكلم مع الناس. بل إذا ألحّوا عليه وسألوه بإلحاح من أنت، هل أنت المسيح، لم يكن يجيبهم إلا بكلمة، أنت قلت.
                  وهكذا ذهب إلى العذاب والصلب والقتل صامتاً راضياً بأمر الله، منفذاً لما أُنزل له، وهو أن يُصلب ويُقتل بدلاً من عيسى .
                  ولأنه أصلاً لم يكن وقته قد حان ليُرسل ويُبلغ الناس ويتكلم معهم، ذهب هكذا مثل شاة سيق إلى الذبح، مثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه.
                  أرجو أن يستفيد كل مؤمن يريد معرفة الحقيقة من هذا الموقف، فهذا الإنسان نزل إلى الأرض، وصُلب وقُتل ولا أحد يعرف، لم يطلب أن يُذكر أو أن يُعرف، نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا.

                       

                  سؤال/ 180: السلام على من آمن واهتدى
                  بسم الله الرحمن الرحيم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  أما بعد .. فقد بلغني انك تدعي الرؤية والمشاهدة والسفارة لـ (بقية الله) في الأرض، واني أعرض لك أمر فإن أجبت فقد أصبت، وإن لم توفق في الجواب، فاعلم أنّ الله مطلع عليك، وأنك طلبت أمراً عظيماً، وكلّفت نفسك أمراً عظيماً.
                  اعلم أنه بلغنا عن محمد بن الحسن الصفار عن الصادق : (إن أمرنا الحق وحق الحق، وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن، وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر)، وعنه: (أمرنا سر مستسر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر)، فما معنى الحديثين؟ وما تأويلهما؟ وأين موضوعهما في كتاب الله؟
                  أوضح حجتك وأثبت صدق دعواك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                  الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                  والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                  حقيقة هذين الحديثين عظيمة، ولا يحتملها إلا أهلها: (وهم آل محمد) ، ولكني أبيّن لك شيئاً منها، لعل الله يكتب لك الهداية ومعرفة الحق وأهله من هذا البيان.
                  عن أبي عبد الله  قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس و ضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً) ( ).
                  الحقيقة أن العلم الممكن للإنسان معرفته هو (ثمانية وعشرون حرفاً) يُنشر منها (سبعة وعشرون) كما في الرواية، أما الباقي فهو ما اختص به آل محمد ، وهو سرهم المستسر المقنع بالسر، أي بالسبعة والعشرين، وهي العلم الذي لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
                  أما الحرف الباقي من (الثمانية والعشرين)، فلا يتحمله نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله : (يا أبا محمد إن عندنا والله سراً من سر الله، وعلماً من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، والله ما كلف الله ذلك أحداً غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا وإن عندنا سراً من سر الله وعلماً من علم الله، أمرنا الله بتبليغه، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته وصنعهم بفضل رحمته التي صنع منها محمداً وذريته، فبلغنا عن الله ما امرنا بتبليغه، فقبلوه واحتملوا ذلك [فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه] وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك، لا والله ما احتملوه.
                  ثم قال: إن الله خلق أقواماً لجهنم والنار، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ولولا ذلك ما عُبِد الله في أرضه، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله بالستر والكتمان عنه.
                  قال: ثم رفع يده وبكى وقال : (اللهم إن هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم، فانك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً) ( ).
                  وهذه الثمانية والعشرون حرفاً هي على عدد منازل القمر، أربعة عشر قمراً (هم محمد وآل محمد) في أول هذه الأمة: (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد )، وأربعة عشر هلالاً هم آل محمد في آخر هذه الأمة (وهم المهديون الاثنا عشر من ولد الإمام المهدي ) ولأولهم: (مقاما: الرسالة والولاية)، أي منزلين من منازل القمر (الأهلة) فيكون من الأقمار ومن الأهلة، ولهذا عُدَّ في بعض الروايات من الأئمة.
                  قال أبو جعفر : (الاثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم مُحَدث من رسول الله ومن ولد علي، ورسول الله وعلي عليهما السلام هما الوالدان) ( ).
                  وعن أبي جعفر  عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر أخرهم القائم  ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) ( ).
                  وعن أبي جعفر ، قال: (إن الله أرسل محمداً إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصياً، منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصي جرت به سنة، والأوصياء الذين من بعد محمد على سنة أوصياء عيسى، وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين  على سنة المسيح) ( ).
                  عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر  يقول: (نحن اثنا عشر إماماً منهم حسن وحسين ثم الأئمة من ولد الحسين ) ( ).
                  وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا) ( ).
                  وعن أبي جعفر ، قال: (قال رسول الله : من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهمون، أخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) ( ).
                  ويبقى منزل ستجد تفصيله في تفسير سورة التوحيد عندما يحين وقتها، وتنشر إن شاء الله. فهذه ثمانية وعشرون منـزلاً على عدد حروف العلم، وعلى عدد محمد وآل محمد .
                  أما ما تبقى من الشهر فهو يوم أو يوم وبعض يوم، يغيب فيه القمر (فالشهر تسعة وعشرون أو ثلاثون)، ويوم أو يوم وبعض يوم أي حرف أو حرف وبعض الحرف بحسب مقام الولي، فهو لمحمد يوم فقط ولعلي وفاطمة عليهما السلام يوم وبعض يوم وللحسن والحسين يزداد بعض اليوم وهكذا للائمة والمهديين .
                  وهذا اليوم يوم الغيبة هو الاسم المكنون المخزون، الذي لم يخرج منه سبحانه إلى خلقه، وهو سره سبحانه وتعالى. لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى.
                  أما بعض اليوم فهو: (الحجاب الذي يخفق)، وفتح لمحمد فلم يعد له إلا يوم (حرف) الغيبة، أو حرف من الاسم الأعظم، وهو المكنون المخزون عنده سبحانه وتعالى، أو الاسم الأعظم الأعظم الأعظم.
                  وفي الحديث عن الصادق : (فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له مكانك يا محمد - أي هذا هو مقامك، فجبرائيل لا يستطيع الوصول إلى مقام النبي فأشار له بالعروج إلى مقامه - فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إن ربك يصلي. فقال: يا جبرائيل وكيف يصلي. قال: يقول سبوح قدوس أنا رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي. فقال: اللهم عفوك عفوك، قال  وكان كما قال الله قاب قوسين أو أدنى قيل: وما قاب قوسين أو أدنى؟ قال : ما بين أسّتها إلى رأسها. قال : وكان بينهما حجاب يتلألأ ويخفق، ولا أعلمه إلا وقد قال : زبرجد فنظر في مثل سم الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة، فقال الله تبارك وتعالى …) ( ).
                  وهذا هو الفتح المبين لمحمد قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ ( )، فالحجاب يخفق وفي آنٍ لا يبقى إلا الله الواحد القهار، وهذا هو غفران الذنب الباقي مع بقاء محمد لأنه الأنا والشخصية (اقرأ تفسير الفاتحة والمتشابهات لتتوضح لك مسألة الفتح المبين).
                  إذن، عند الفتح لا يبقى إلا الله، لا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه؛ لأن الظلمة هي الذنب المغفور لمحمد ، أي المرفوع عن صفحة وجوده ، وبهذا لا يبقى لمحمد ، إلا الكنه والحقيقة أو (الاسم الأعظم الأعظم الأعظم) أو الاسم المكنون المخزون عنده سبحانه أو يوم الغيبة أو الحرف. ويبقى لآل محمد يوم وبعض يوم؛ لأن هذا الحجاب لم يكشف لهم، قال أمير المؤمنين : (لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقيناً ) ( ). وبالنسبة لآل محمد بعض اليوم يزداد ويقل بحسب المقام والمرتبة.
                  واعلم أن غيبة الإمام المهدي  تكون بحسب مقامه، أي يوم وبعض يوم، أي ألف سنة وبعض الألف سنة: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ ( ).
                  واعلم أيضاً أن المهديين هم علامات الساعة وميقاتها، فبآخرهم يختم هذا العالم الجسماني، ويبدأ عالم الرجعة ثم القيامة: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ( ).
                  وحديث السر من (جوامع الكلم)، فهو كلمات يسيرة اُريدَ بها معانٍ كثيرة، والسر هم آل محمد ؛ لأنهم محجوبون عن الخلق فلا يعرفهم تمام المعرفة إلا الله سبحانه وتعالى، فهم أول سر حقيقي في مراتب الصعود، وهم السر في الخلق.
                  أما سر السر فهو الذات الإلهية أو الله أو الأسماء الحسنى. أما سر سر السر - وهو لم يذكر في الحديث؛ لأنه محجوب عنهم ، وليس أمرهم - فهو الاسم الأعظم الأعظم الأعظم: (هو) أو الكنه والحقيقة.
                  فهم السر، وأمرهم (علمهم ومعرفتهم) متعلق بسر السر (الله)، وهم أيضاً سر مقنع بالسر، وهذا القناع أو السر الأخير ليس سراً حقيقياً في الخلق، بل هو سر نسبة لسائر الخلق، أما بالنسبة لمحمد وآل محمد وهم من الخلق فهو ليس بسر، بل هو قناعهم، والحجاب بينهم وبين الخلق، وهذا السر هو: الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والمؤمنون الممتحنون، فقد تبين أنهم سر في سر وسر مستسر، وسر لا يفيده إلا سر: (أي لا يعرفه إلا سر، وهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والمؤمنون الممتحنون).
                  وسر مقنع بسر، (أي سر محتجب بسر، وهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والمؤمنون الممتحنون).
                  أما موضعهما في كتاب الله، فقد قال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾( ). والحمد لله وحده.
                       
                  سؤال/ 181: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾( )، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ( ) ؟

                  الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                  والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                  الشجرة هي: (الشجرة المباركة في القرآن)، وهي شجرة آل محمد ، وفروعها الأئمة والمهديون: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ ( ).
                  والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو: اليماني (المهدي الأول من المهديين)، والبقعة المباركة هو: الحسين ، فالكلام من الطور الوادي الأيمن، أي اليماني (المهدي الأول)، والوادي الأيمن الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأول (اليماني) من ولد الحسين؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي ، والبقعة المباركة من الشجرة (أي محمد وعلي عليهما السلام)، فالحسين من محمد وعلي عليهما السلام.
                  عن الصادق : (﴿شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ الذي ذكره الله تعالى فِي كتابه هو الفرات ﴿والْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ هي كربلاء، والشجرة هي محمد) ( ).
                  والفرات نهر من الجنة، واليماني أيضاً نهر من الجنة، تلقى فيه أعمال العباد كما ورد عن الصادق : (الركن اليماني بابنا الذي يُدخل منه الجنة، وفيه نهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد) ( ).
                  وكربلاء هي الحسين ، والشجرة هي محمد وعلي عليهما السلام؛ لأنهما أبوا العترة. فالمُكلم المباشر هو المهدي الأول (اليماني): ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾.
                  وقائد المكلم هو علي بن أبي طالب  ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾؛ لأن الشجرة كلها علي بن أبي طالب ، فهو أبو العترة، أما أصل الشجرة فهو محمد .
                  فمكلم موسى هو الله، ومكلم موسى هو محمد ، وهو علي ، ومكلم موسى هو المهدي الأول (اليماني).
                  وقد سماه أمير المؤمنين  مكلم موسى، وبيَّن علامات ظهوره: (إذا صاح الناقوس، وكبس الكابوس، وتكلم الجاموس (الجاموس هو الجامد، والمراد هنا: الصامت الساكت ( )) فعند ذلك عجائب وأي عجائب إذا أنارت النار ببصرى، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا، وصبا كل قوم إلى قوم، وتحركت عساكر خراسان، ونبع شعيب بن صالح التميمي من بطن الطالقان، وبويع لسعيد السوسي بخوزستان، وعقدت الراية لعماليق كردان، وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب، وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سينان، فتوقعوا ظهور مُكلِم موسى من الشجرة على الطور (وعلى الطور أي في النجف؛ لأن الطور نقل إلى وادي السلام كما روي عنهم )، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف . . . ثم بكى صلوات الله عليه وقال: واها للأمم … ) ( ).
                  وهذا موجود في القرآن، فالله يتوفى الأنفس، وأيضاً عزرائيل، وأيضاً جند عزرائيل.
                  ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ ( ).
                  ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ ( ).
                  ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ ( ).
                  ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ ( ).
                  وفي كل الأحوال إذا توفى الأنفس الملائكة، أو ملك الموت، فالمتوفي الحقيقي هو الله، وكذلك الحال هنا فإذا كان مكلم موسى هو علي ، أو المهدي الأول، فالمكلم الحقيقي لموسى هو الله سبحانه.
                       
                  سؤال/ 182: لماذا الكلب أنجس وأوفى حيوان في نفس الوقت بينما النجاسة لا تلائم الوفاء؟
                  الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
                  والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
                  لما خلق الله آدم  وضعه في باب الجـنة أربعين سنة تطأه الملائكـة قبل أن ينفخ فيه الروح ( )، ليكون ذليلاً في نفسه، فلما مرَّ عليه إبليس (لعنه الله) وكان مع الملائكة بصق عليه، فوقع بصاق إبليس (لعنه الله) على بطن آدم ، فأمر الله الملائكة برفع الطينة التي وقعت عليها بصقة إبليس (لعنه الله) فأصبح موضعها شبيه بالحفرة وهو السرة، والموجودة الآن في بطن الإنسان. وخلق الله من تلك الطينة ( ) التي عليها بصاق إبليس (لعنه الله) الكلب.
                  فالكلب مخلوق من طينة نبي وهو آدم ، ومن بصاق إبليس (لعنه الله)، ولذا فهو أنجس حيوان ؛ لأنه خلق من بصاق إبليس (لعنه الله)، وأوفى حيوان؛ لأنه خلق من طينة نبي. فاجتمع في الكلب وفاء الأنبياء، ونجاسة الشيطان إبليس (لعنه الله)، فسبحان المؤلف بين النور والديجور، هذا بالنسبة لنفس الكلب. أما جسده الجسماني فقد خلق أيضاً من بزاق إبليس (لعنه الله)، ومن الطين بعد نزول آدم إلى هذه الأرض ( ).


                  أحمد الحسن
                  وصي ورسول الإمام المهدي 
                  13 رجب 1426 هـ. ق
                  من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
                  ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

                  Comment

                  Working...
                  X
                  😀
                  🥰
                  🤢
                  😎
                  😡
                  👍
                  👎