إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • السلماني الذري
    عضو نشيط
    • 23-09-2008
    • 402

    #16
    رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

    الهجرة إلى الله



    وعندما ألح أهل مكة وقريش بالأذى على رسول (ص) ، أضطر إلى الهجرة ، وهاجر أولاً إلى الطائف ، إلى ثقيف الذين كان يأمل منهم الإيمان به ونصرته ، ولكنهم خذلوه ولم يقبلوا دعوته ، بل وآذوه فجلس يتحسر على قومه الذين يدعوهم إلى ما يحييهم ، وهم يريدون هلاكه والقضاء عليه . ورفع رأسه إلى السماء وتفوه بتلك الكلمات المملوءة بالألم: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلاّ بك) ([1]) .

    وشاء الله بعد هذه المدة أن يقيّض لرسول الله (ص) جماعة من الأوس والخزرج ، ليحملوه إلى يثرب ، المدينة التي أسست لانتظاره ، مدينة اليهود الذين يترقبون ظهوره وقيامه .

    فهذه المدينة أسسها اليهود لينتظروا النبي الخاتم (ص) الذي بشّر به أنبياءهم ، ولينصروه حسب زعمهم ، فهاجروا من بلاد الشام إلى الجزيرة العربية بحثاً عن المكان الموعود الموصوف لهم بين جبلي أحد وعِير ، وأخيراً وجدوه واستقروا فيه وأسسوا مدينة يثرب ، ولما جاءهم الملك اليمني تبع بجيشه سألهم عن سبب هجرتهم ، فأخبروه أنهم ينتظرون نبي يبعث ويستقر في هذا المكان ، فأبقى من ذريته في يثرب لينصروا النبي (ص) عند بعثه ، وهؤلاء هم الأوس والخزرج ، فكان اليهود كل ما وقع خلاف بينهم وبين الأوس والخزرج هددوهم بالنبي الأمي (ص) الذي سيبعث ، وحسب زعمهم إنهم ينتظرونه وسيكونون أتباعه وأنصاره وحواريه .

    قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ ([2]) .
    وهاجر المسلمون إلى المدينة بعد مرحلة عناء طويلة قضوها في مكة ، وتبعهم النبي (ص) وهو يحمل صورة مؤلمة ومزرية لأهل مكة ، قومه الذين كذبوه وآذوه ومن آمن معه وأخيراً أخرجوه خائفاً يترقب وتوجه تلقاء المدينة ، وكان المفروض أن يكون اليهود أول المستقبلين له والمرحبين بقدومه المبارك إلى مدينتهم التي أسسوها لاستقباله ، وأن يكونوا أول من يؤمن به وينصره ، ولكنهم خذلوه وكذّبه علماؤهم وحاولوا استخفاف الناس وحملهم على الكفر به وبنبوته ، فلم ينتفعوا بالعلم الذي كان عندهم ، بل جعلوه سبباً لتكبرهم وتعاليهم على النبي (ص) ، وضرب الله لهم بلعم بن باعورا مثلاً في القرآن ([3]) ؛ ليرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربهم ، ولكنهم ازدادوا عناداً وتكبراً كالجيفة عندما ينـزل عليها المطر الطاهر تزداد نتـناً وعفونة .
    ولو أمعنا النظر في حال اليهود لوجدناهم قد فوجئوا بأمور:

    الأول: إنّ النبي (ص) ليس إسرائيلياً ، فإذا كانوا قد اعترضوا على طالوت (ع) لعدم كونه من ذرية يوسف بيت الملك ولا من ذرية لآوى بيت النبوة ([4]) ، مع أنّ طالوت من ذرية بنيامين شقيق يوسف ، أي: إنّه إسرائيلي ، فإنّ اعتراضهم على النبي (ص) أمر متوقع ، قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ ([5]) .

    أمّا الأمر الثاني: فهو أنّ بعض العقائد والأحكام الشرعية التي أتى بها رسول الله (ص) تختلف عن عقائدهم وأحكامهم الشرعية المحرّفة التي كانوا يدعون إنها شريعة موسى (ع) ، مع أنّ علماءهم قد حرّفوا الكثير منها حتى قبل بعث عيسى (ع) .

    والثالث: إنّ رسول الله (ص) سيسلب من علماء بني إسرائيل مكانتهم ورئاستهم الدينية الباطلة ، كما أنّ عدالته في توزيع الأموال ستسلبهم الخصوصية التي كانوا يتمتعون بها ، فإن اتبعوه لن يتمكنوا من الاستئثار بأموال الصدقات . ورد في تفسير: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ([6]) .

    عن الإمام العسكري (ع): (وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلمائهم احتجبوا أموال الصدقات والمبرّات ، فأكلوها واقتطعوها ثم حضروا رسول الله (ص) وقد حشروا عليه عوامهم ، يقولون: أنّ محمد تعدّى طوره وادعى ما ليس له …) .
    ثم قال الأمام العسكري (ع): (قال رسول الله (ص) مخاطباً اليهود وعلماءهم: يا معاشر اليهود هؤلاء رؤساؤكم كافرون ولأموالكم محتجبون ولحقوقكم باخسون ولكم في قسمة ما اقتطعوه ظالمون يخفضون ويرفعون ، فقالت رؤساء اليهود: حدثّ عن موضع الحجة بنبوتك ووصاية أخيك هذا ، ودع دعواك الأباطيل وإغرائك قومنا بنا ، فقال رسول الله (ص): لا ، ولكن الله عزّ وجل قد آذن لنبيه أن يدع بالأموال التي خنتموها لهؤلاء الضعفاء ومن يليهم) ([7]) .
    وكانت النتيجة أن أخذ حب الأنا واتباع الهوى من علماء بني إسرائيل كل مأخذ ، ومنعهم التكبر من اتباع النبي الأمي (ص) ، ولم يؤمن بالنبي منهم إلاّ قليل . وهكذا فشل المنتظرون مرّة أخرى في الانتظار ،كما فشلوا في انتظار عيسى وموسى (عليهما السلام) من قبله .

    والحقيقة التي يجب أن يلتفت إليها هي: أنّ هؤلاء اليهود الذين فشلوا في انتظار النبي محمد (ص) هم ذراري أولئك الذين هاجروا في سبيل الله وأسسوا مدينة يثرب لانتظار النبي الخاتم (ص) ، قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ ([8]) .

    أمّا النصارى ، فقد كان لغلوهم بعيسى (ع) ولتحريفهم لسيرته وتعاليمه ، أو ما يسمى بـ (الإنجيل أو العهد الجديد) ، كما كان لفهمهم الخاطئ في بعض الأحيان لكلامه (ع) ، والأنبياء (ع) يتكلمون أحياناً بالرموز والأمثال والحكم ليقربوا بعض الحقائق للناس .

    أقول: إنّ مجموع هذه الأمور تضافرت ليجد القوم في طياتها السبل للخروج عن جادة الصراط المستقيم ، وتأليه عيسى (ع) ، ثم عدم الإيمان بنبوة محمد (ص) ووصاية علي (ع) مع أن بعضهم آمنوا بالنبي (ص) كما مرّ أنّ أول وفد آمن بالنبي (ص) هو وفد من نصارى الحبشة ، وفي التوراة والأناجيل الأربعة الموجودة اليوم والمقبولة لدى النصارى توجد بعض الإشارات إلى النبي محمد (ص) وعلي (ع) ، وكثير من الإشارات إلى المهدي (ع) من ولده .

    أمّا في إنجيل برنابا فهناك تصريح من عيسى (ع) أنّه جاء ليبشر بمحمد (ص) ورجل آخر رمز له بالمختار ، أو واحد من المختارين والذي سيظهر دين محمد (ص) ، كما قال(ع) أنّه جاء ليمهد الطريق لمحمد (ص) ، ولشريعته التي ستكون في زمن نزول عيسى (ع) شريعة أهل الأرض جميعاً .

    قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ ([9]) ، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾ ([10]) ، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ ([11]) .
    وما بقاء عيسى (ع) إلى اليوم إلاّ لنصرة دين الله عندما ينزل في زمن ظهور الإمام المهدي (ع) ويصلي خلفه ، وتعد شريعته الإسلامية الحنيفية السمحاء ، كما روى الفريقان عن صاحب الشريعة (ص) .

    ________________________________________

    [1]- مناقب ابن شهر آشوب: ج1 ص61 ، وعنه : بحار الانوار: ج19 ص22 ، مجمع الزوائد للهيثمي: ج6 ص35.
    [2] - البقرة: 89 .
    [3] - يشير (ع) إلى قول الله تبارك وتعالى في عالم بني إسرائيل بلعم ابن باعورا الذي جاء ذكره في سورة الأعراف: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الأعراف: 175 ـ 176.
    [4] - روى الشيخ الكليني: عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ قال : (لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة ،...) الكافي:ج8 ص316.
    [5] - آل عمران : 19.
    -[6] البقرة: 44.
    [7]- تفسير الإمام العسكري: ص235 ، بحار الأنوار: ج9 ص309.
    [8] - مريم: 59.
    [9] - التوبة: 33.
    [10] - الفتح: 28.
    [11] - الصف: 8 - 9.
    اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
    يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

    Comment

    • السلماني الذري
      عضو نشيط
      • 23-09-2008
      • 402

      #17
      رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

      الاستبدال


      كَذَّبَ رسولَ الله (ص) قومُهُ وعشيرتُهُ وأهلُ مدينته وعلماءُ اليهود والنصارى ، ولم يؤمن به الشيوخ ورؤساء القوم ، ولكن آمن به وقبله الغرباء أهل المدينة الطيبة المباركة يثرب ، وآمن به الفقراء والمستضعفون والشباب ، وهكذا استبدل الله علماء الدين ورؤساء القوم وبعض من كان يدعي أنّه ينتظر بعث محمد (ص) بآخرين هم أصحاب محمد (ص) المنتجبون الذين قدمهم أمامه إلى الجنة ، وقُتل معظمهم في حياته شهداء محتسبين ، قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ ([1]) .

      قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ ([2]) .

      هؤلاء ثلة غيروا وجه التاريخ وبيضوا وجه الإنسانية ، جعفر بن أبي طالب ، وأبودجانة الأنصاري ، وحنظلة غسيل الملائكة ، وزيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة ، والمقداد ، وعمار ، وجندب بن جنادة ، وسلمان المحمدي الفارسي الأصل وكثيرون غيرهم ، ربما لم يذكر التاريخ لبعضهم اسماً ولا رسماً ممن حاربوا الفساد والمفسدين ، ولم يطلبوا علواً في الأرض ، معروفون في السماء مجهولون في الأرض ، فطوبى لهم وحسن مآب وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء لنصرهم دين الله في أرضه ، ونصرتهم لسيد الأنبياء وسيد الأوصياء محمد وعلي عليهما وعلى آلهما صلوات ربي وسلامة .

      وقريب من هذا ما حدث مع من سبق محمد (ص) من الأنبياء كما مرّ علينا أنّ علماء اليهود لن يؤمنوا بعيسى (ع) ، ولم يؤمن بعيسى أهل مدينته الناصرة التي تربى فيها ، جاء في الإنجيل: (وخرج من هناك وجاء إلى بلدة يتبعه تلاميذه ، وفي السبت أخذ يعلم في المجمع فتعجب أكثر الناس حين سمعوه وقالوا من أين له هذا ؟ وما هذه الحكمة المعطاة له وهذه المعجزات التي تجري على يديه ؟ أما هو النجار بن مريم ، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان ؟ أمّا أخواته عندنا هنا ورفضوه . فقال لهم يسوع: لا نبي بلا كرامة إلاّ في وطنه ، وبين أقربائه وأهل بيته . وتعذر على يسوع أن يصنع أي معجزة هناك ، سوى أنّه وضع يديه على بعض المرضى فشفاهم ، وكان يتعجب من قلة إيمانهم ، ثم سار في القرى المجاورة يعلم)([3]) .

      كما ورد في بعض الروايات أنّ بعض الشيعة لن يؤمنوا بالمهدي (ع) ، كما لم يؤمن السنة بآبائه (ع) ، (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً) .

      بل إنّ بعض العلماء غير العاملين الذين يعتقد الجاهل أنّهم قريبون منه لن يؤمنوا به ، قال الإمام الصادق (ع): (… وكذلك القائم فإنّه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة ، الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين ولهم الأمر المنتشر في عهد القائم … وقال (ع): كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله لعدوه إبليس ، إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ويحق القول على الكافرين ويقرب الوعد الذي بينه الله في كتابه بقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ ([4]) ، وذلك إذ لم يبقَ من الإسلام إلا اسمه ومن القران إلا رسمه ، وغاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك لاشتمال الفتنه على القلوب ، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له ، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ، ويظهر دين نبيه على يديه ، ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون)([5]) .


      ________________________________________

      [1] - الأحزاب: 23.
      [2] - الفتح: 29.
      [3] - إنجيل مرقس: إصحاح 6.
      [4] - النور: 55.
      [5]- كمال الدين: ص356 ، غيبة الطوسي: ص172 ، بحار الأنوار: ج51 ص222.
      اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
      يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

      Comment

      • السلماني الذري
        عضو نشيط
        • 23-09-2008
        • 402

        #18
        رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

        ماذا بعد الهجرة ؟
        في المدينة بدأ النبي (ص) ببناء مجتمع إسلامي يتعامل وفق تعاليم شريعة الله المقدسة ، بدأ النبي (ص) في المدينة بكلمة لا إله إلاّ الله لينتهي إلى تدبير شؤون المجتمع وسياسة الناس لما فيه صلاحهم وكمالهم . وكان لخلقه العظيم وللمعجزات التي تظهر على يديه الكريمتين أثر كبير في الناس ، وازدياد عدد المسلمين وتوجههم إلى كمالاتهم المعنوية والعزوف عن زخرف الدنيا ، وهكذا بدأت تلك الصحراء المقفرة تخضر ، ولو ترك محمد (ص) يدعو الناس إلى الله سبحانه الرحمن الرحيم ولكن هيهات لو ترك القطا لنام .

        ومن قبل ما ترك نمرود إبراهيم (ع) ، ولا فرعون موسى (ع) ، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ ([1]) .

        أنظر إلى منطق هذا الكافر المتكبر فهو ينشر الصلاح بخموره وفجوره ، وموسى يفسد في الأرض بنشر كلمة لا إله إلا الله ، وإقامة الحكم الإلهي في الأرض ، وهذا هو منطق الفراعنة الذين تسلطوا على المسلمين اليوم .

        فإذا عرفنا هذا عرفنا أنّ الصدام المسلح أمر حتمي الوقوع ، كما أنّ الجهاد لنشر كلمة لا إله إلاّ الله ضروري ، ليكون الدين خالصاً لله وتكون كلمة الله هي العليا ، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ ([2]) .

        وبدأ المسلمون يدافعون عن كيانهم الإسلامي الذي بدأ صغيراً في المدينة ثم اتسع بفضل الله ، وبعد أن استقرت الأمور هاجموا الحكومات الطاغوتية المتسلطة على رقاب الناس ليخلوا بعد ذلك الناس تحت ظل الدولة الإسلامية ، دولة لا إله إلاّ الله يختارون الدخول في الإسلام أو البقاء على إحدى الديانات الإلهية السابقة مع دفع الجزية التي هي نظير الزكاة التي يدفعها المسلمون ، هذا هو قانون الإسلام العادل في القرآن ، ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ ([3]) .

        أمّا الذين لا يدينون للخالق جلّ وعلا ، وليس لهم دين سماوي فهؤلاء يُقاتلون حتى يقولوا: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله .

        وهكذا انتشر الإسلام بفضل الله وبجهاد النبي والوصي والمؤمنين ، كان النبي (ص) كالطبيب الدوار بأدويته كما وصفه أمير المؤمنين(ع) ([4]) ، كان يسير بين الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويعمل ليلاً ونهاراً لنشر كلمة لا إله إلاّ الله ، وهذه هي السيرة التي عمل بها الأئمة (ع) بعده كما أنّها كانت سيرة الأنبياء والمرسلين قبله ، فعيسى (ع)كان سائحاً في الأرض يدعو الناس إلى الله ، وهكذا بقية الأنبياء إبراهيم وموسى وغيرهم (ع) .

        فهذه قصصهم في القرآن تهتف بالعمل الجاد المتواصل لنشر كلمة لا إله إلاّ الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

        ________________________________________

        [1] - غافر: 26 ـ 27.
        [2] - النساء: 76.
        [3] - البقرة: 256 .
        [4] - قال أمير المؤمنين (ع) في وصف الرسول (ص) : (طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه ، وأحمى مواسمه . يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي ، وآذان صم ، وألسنة بكم . متبع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص207.
        اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
        يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

        Comment

        • السلماني الذري
          عضو نشيط
          • 23-09-2008
          • 402

          #19
          رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

          بعد وفاة النبي (ص)


          قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ ([1]) .

          خير من يصف ما حدث بعد وفاة النبي (ص) هي الزهراء (ع) ، أقرب الخلق إلى رسول الله (ص) ، حيث قالت في خطبتها في مسجد النبي (ص) بعد وفاته: (… فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ومأوى اصفيائه ، ظهر فيكم حسكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الاقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحشمكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) ([2]) .

          ولما جاءت نساء المهاجرين والأنصار لعيادتها ، قلن لها: كيف أصبحت عن علتك ؟ فقالت: (أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم ، لفظتهم قبل أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحاً لفلول الحد ، وخور القناة ، وخطل الرأي ، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم ، أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون لا جرم لقد قلدتهم ربقتها ، وشننت عليهم عارها فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين ، ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين . وما نقموا من أبي الحسن ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله عز وجل .

          والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله (ص) إليه لاعتلقه ، ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يكلم خشاشه ، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه . ولأصدرهم بطاناً قد تحير بهم الري غير متحل منه بطائل ، إلا بغمر الماء وردعة شررة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون .

          ألا هلم فاسمع ، وما عشت أراك الدهر العجب ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث . إلى أي سناد استندوا وبأي عروة تمسكوا ، استبدلوا الذنابي والله بالقوادم ، والعجز بالكاهل . فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ .

          أما لعمر الهك لقد لقحت ، فنظره ريثما تنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً ، وذعافاً ممقراً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما سن الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً ، وطامنوا للفتنة جأشاً ، وأبشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً ، وزرعكم حصيداً . فيا حسرتي لكم ، وأنى بكم وقد عميت قلوبكم عليكم ، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) ([3]) .
          وهكذا قُدم المؤخر ، وأُخر المقدّم بعد وفاة النبي (ص) ، واستولى أبوبكر وعمر وأشياعهم على السلطة ، ونُحي وصي رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع) ، وأوذي هو والزهراء (عليهما السلام) ، وماتت (ع) أثر اقتحام عمر وجماعة من المنافقين دارها لإجبار الإمام علي (ع) على مبايعة أبي بكر ، وضربها بالسوط وضغطها بين الحائط والباب حتى كسر ضلعها ونبت المسمار في صدرها وأسقط جنينها . ووردت على أبيها مظلومة ، مقهورة من قوم كانوا يسمعون النبي (ص) يقول ما معناه: (إنّ الله يغضب لغضب فاطمة) ([4]) .

          فتعساً للقوم لما انتهكوا من حرم الله ، واستخفوا بخيرة خلقه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ ([5]) .

          هذا والنبي (ص) لم يترك المسلمين في حياته دون أن يوجههم إلى القيادة من بعده ، وإلى الأوصياء من ولده (ع) ، حيث أمره الله سبحانه بذلك . ولكن لابد من الفتـنة للتمحيص ، ولابد من السامري ، ولابد من العجل ، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ ([6]) .

          وإنّي لما أردت أن أختار بعض الروايات عن النبي (ص) الدالة على أنه أرشد المسلمين إلى الصراط المستقيم ، وإلى الأوصياء من بعده وخلفاء الله في أرضه ، احترت أيّها أختار لكثرتها سواء في كتب الشيعة أو السنة .
          وإنّي وإن اقتصرت على القليل منها ، ولكني أسأل الله أن يجعل فيها نصراً للدين ، ونفعاً للمسلمين وتأييداً للمؤمنين:
          روى الحافظ محب الدين أحمد الطبري ، وهو من علماء السنة ومحدثيهم في كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: عن أنس قال: (كان عند النبي (ص) طير فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي هذا الطير ، فجاء علي بن أبي طالب فأكل معه) ([7]) .

          وعن معاذة الغفارية قالت: دخلت على النبي (ص) في بيت عائشة وعلي خارج من عنده فسمعته يقول: (يا عائشة ، إنّ هذا أحب الرجال إليَّ وأكرمهم عليّ ، فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه) ([8]) .
          وعن البراء بن عازب قال: قال النبي (ص): (علي مني بمنزلة رأسي من جسدي) ([9]) .

          وعن المطلب بن عبدالله ابن حنطب قال: قال رسول الله (ص) لوفد ثقيف حين جاءوا: (لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلاً مني - أو قال مثل نفسي - ليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم ، وليأخذن أموالكم . قال عمر: فوالله ما تمنيت الأمارة إلاّ يومئذٍ ، إذ فجعلت انصب صدري رجاء أن يقول هو هذا . قال: فالتفتَ إلى علي فاخذَ بيدهِ ، وقال: هو هذا ، هو هذا) ([10]) .
          وعن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله (ص): (ما من نبي إلاّ وله نظير في أمته وعلي نظيري) ([11]) .

          وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله (ص): (لقد صلت الملائكة عليَّ وعلى علي ؛ لأنّا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا) ([12]) .

          وعن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): (لما اسري بي مررت بملك جالس على سرير من نور ، وإحدى رجليه في المشرق والأخرى في المغرب ، وبين يديه لوح ينظر فيه والدنيا كلها بين عينيه والخلق بين ركبتيه ويده تبلغ المشرق والمغرب ، فقلت: يا جبريل من هذا ؟ فقال: هذا عزرائيل تقدم فسلم عليه ، فتقدمت فسلمت عليه، فقال: وعليك السلام يا أحمد ما فعل ابن عمك علي . فقلت: هل تعرف ابن عمي علياً ؟ قال: وكيف لا أعرفه ، وقد وكلني الله بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح ابن عمك علي بن أبي طالب فإنّ الله يتوفاكما بمشيئته)([13]) .

          وعن أم سلمه ، عن رسول الله (ص) قال: (من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل) ([14]) .

          وعن ابن عباس ، قال: (كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله (ص) إذ دخل علي بن أبي طالب (ع) فسلم ، رد عليه رسول الله (ص) السلام وقام إليه وعانقه وقبله بين عينيه وأجلسه عن يمينه . قال العباس: يا رسول الله أتحب هذا ؟ فقال رسول الله: يا عم والله ، الله أشدّ حباً له مني ، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا) ([15]) .

          وعن عمران ابن حصين عن النبي (ص) ، قال: (إنّ علياً مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي) ([16]) .

          وعن أبي رافع قال: لما قتل علي أصحاب الألوية يوم أحد ، قال جبريل (ع): (يا رسول الله إنّ هذه لهي المواساة ، فقال النبي (ص): إنّه مني وأنا منه ، فقال جبريل: وأنا منكما يا رسول الله)([17]) .
          وعن أبي الخميس ، قال: قال رسول الله (ص): (أُسري بي إلى السماء فنظرت إلى ساقي العرش الأيمن ، فرأيت كتاباً فهمته محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به) ([18]) .
          وعن بريده ، عنه (ص): (لكل نبي وصي ووارث وإنّ علياً وصيي ووارثي) ([19]) .

          وعلق عليه الطبري واستدل بروايات أنّ المقصود بالوصاية هي أنّ النبي أوصى أن يلي غسله علي (ع) ([20]) .
          وإن تعجب فمن هؤلاء القوم ، يروون كل هذه الروايات ثم يميلون يميناً وشمالاً !!

          وروي عن أنس ، قال: كنت عند النبي (ص) فرأى علياً مقبلاً ، فقال: (يا أنس ، قلت: لبيك ، قال: هذا المقبل حجتي على أمتي يوم القيامة) ([21]) .

          وعن البراء ابن عازب ، قال: كنّا عند النبي (ص) في سفر فنزلنا في غدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله (ص) تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي ، وقال: (ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى ، فأخذ بيد علي وقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعادي من عاداه) ، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنه ([22]) .

          وفي المناقب زاد عليه: (وانصر من نصره وأحب من أحبه) ([23]) .

          وهذا هو حديث الغدير أشهر من نار على علم ، ومتواتر عن الفريقين ، ولكن القوم يؤولون الولاية مع أنّ رسول الله (ص) قرن ولاية علي(ع) بولايته <ص> ، وولايته (ص) بولاية الله سبحانه .
          وروى الطبري عن عمر أنّه قال لرجل: (ويحك ما تدري من هذا ، هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن) ([24]) .

          وليت شعري إذا كنت تعترف أنّه سيدك ومولاك فلماذا غصبتم حقه أنت وصاحبك وأردت إحراق داره ، بل تآمرتم على قتله ، أحسداً كحسد السامري لهارون (ع) ، وتكبراً كتكبر إبليس على آدم (ع) ؟! وليت شعري من علّم إبليس التكبر ، ومن أغواه ؟!

          وروى الطبري عن سعد بن أبي وقاص ، أن النبي (ص) قال لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي) ([25]) . وهذا الحديث أشهر من نار على علم .

          أقول: إذا كنتم ترون أنّه كهارون من موسى فهل عميت عليكم مكانة هارون من موسى ؟! أليس القرآن يهتف بكم أن هارون خليفة موسى ، ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ([26]) .

          فوالله إنّ وصايته ووصاية ولده من بعده وخلافتهم لرسول الله (ص) أبين من الشمس في ما يروي السنة عن رسول الله (ص) فضلاً عما يروي الشيعة ، وما يصرح به القرآن في آيات كثيرة ، بل إنّ ذكرهم موجود حتى في التوراة والإنجيل الموجودة حالياً ، وإن حاول اليهود والنصارى طمس ذكرهم في ما مضى ، كما حاول ويحاول اليوم بعض المسلمين مع الأسف الشديد مع أنّ القرآن أوصى بهم ورسول الله (ص) أوصى بهم . ولكن يا قومي أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ، فانتظروا إنّا منتظرون .

          ومن أراد المزيد في كتب السنة فعليه مراجعة ذخائر العقبى للطبري ، وينابيع المودة ، وفرائد السمطين ، وسنن الترمذي ، ومسند أحمد ، والمناقب ، ومطالب السؤول للشافعي ، ومسند البخاري ، ومسند مسلم أو ما يسمونهما بالصحيحين ، وسنن أبي داوود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم النيسابوري ، وكفاية الطالب ، وغيرها .

          وروى العلامة الفقيه محمد بن علي بن عثمان الكراجكي (رحمه الله) وهو من صدور علماء الشيعة الإمامية ومن معاصري الشيخ المحقق الطوسي (رحمه الله) ، وهو عند علماء الشيعة في الطبقة العليا من الاعتبار ، واختياراته من الطراز الأول كما قيل عنه وفي كتابه الاستنصار ، قال: أخبرني الشيخ المفيد وذكر السند إلى أبي جعفر الثاني (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين ، قال: قال رسول الله (ص): (آمنوا بليلة القدر ، فإنه ينزل فيها أمر السنة ، وإن لذلك الأمر ولاة من بعدي علي ابن أبي طالب وأحد عشر من ولده (ع)) ([27]) .

          وبإسناد عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(ع) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال رسول الله (ص): (تمسكوا بليلة القدر ، فإنها تكون بعدي لعلي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده بعده (ع)) ([28]) .

          وعن أبي جعفر الأول - أي الباقر (ع) - عن أبيه عن جده ، قال: قال رسول الله (ص): (إني واثنا عشر من أهل بيتي ، أولهم علي بن أبي طالب أوتاد الأرض التي أمسكها الله بها أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهبت الاثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم تنظروا) ([29]) .

          وعن أبي جعفر (ع) ، قال: قال رسول الله (ص): (من أهل بيتي أثنا عشر نقيباً محدَّثون مفهّمون ، منهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) ([30]) .
          وعن أبي عبد الله (ع) ، عن آبائه ، قال: قال رسول الله (ص): (إنّ الله اختار من الأيام يوم الجمعة ، ومن الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر . واختار من الناس الأنبياء ، واختار من الأنبياء الرسل ، واختارني من الرسل ، واختار مني علياً ، واختار من علي الحسن والحسين (عليهما السلام) ، واختار من الحسين الأوصياء ، وهم تسعه من ولد الحسين ينفون من هذا الدين تحريف الغالّيين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، تاسعهم ظاهرهم ناطقهم قائمهم ، وهو أفضلهم) ([31]) .

          وما رواه الصادق (ع) عن آبائه ، عن رسول الله (ص) ، قال: (ابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا - ثلاث مرّات - إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره ، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوجاً ما لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وأطولها فرعاً وأحسنها جنى ، وكيف تهلك أمه أنا فيها أولها ، وإثنا عشر من ولدي من السعداء أولي الألباب ، والمسيح ابن مريم آخرها ، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج ليس مني ولست منه) ([32]) .

          وروى العلامة ابن عياش (رحمه الله) في كتابه مقتضب الأثر بإسناده إلى سلمان الفارسي ، قال: كنا مع رسول الله (ص) والحسين بن علي (ع) على فخذه ، إذ تفرس في وجهه ، وقال له: (يا أبا عبد الله أنت سيد من السادة ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعه ، تاسعهم قائمهم إمامهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم) ([33]) .

          والأدلة على إمامة علي وولده الأحد عشر (ع) وخلافتهم لرسول الله (ص) كثيرة جداً ، ولعل أعظمها هو سورة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ .

          فهذه السورة دالة على أنّ الملائكة والروح تتـنزل بالأمر بعد النبي (ص) على خلفائه المعصومين ، وإلاّ لقيل بمضيها مع النبي (ص) ، مع أنّ المسلمين مجمعون على بقائها ، وهاهم يطلبونها في العشر الأواخر من شهر رمضان كل عام ، ومن أبى إلاّ العناد فليقل: عنـزه ولو طارت !!

          قال الإمام الباقر (ع): (يا معشر الشيعة خاصموا بسورة ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ تفلحوا ، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (ص) ، وإنها لسيدة دينكم ، وإنها لغاية علمنا يا معشر الشيعة . يا معشر الشيعة خاصموا بـ ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ فإنّها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (ص) … ) ([34]) .

          وعن الصادق (ع) ، عن آبائه ، عن النبي (ص) ، قال: (لما اسري بي أوحى إلي ربي جل جلاله ..... وساق الحديث إلى أن قال: فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة ابن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب درّي ، قلت: يا رب من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الأئمة ، وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللات والعزى - أي الأول والثاني - طريّين فيحرقهما ، فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشد من فتنة العجل والسامري)([35]) .

          وروى الصدوق في إكمال الدين وعيون أخبار الرضا (ع) معاً ، قال: عن أبي وابن الوليد معاً ، وأسند الحديث إلى الأمام الصادق ، عن الإمام الباقر (ع) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه رأى في يد فاطمة (ع) لوحاً أهداه الله عز وجل إلى الرسول (ص) ، وأعطاه الرسول (ص) لفاطمة(ع) ، مكتوب فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ووليه ، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين .

          عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ، ولا تجحد آلائي . إني أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبارين ، ومبير الظالمين ، ومذل الظالمين وديان يوم الدين ([36]) ، إني أنا الله لا إله إلاّ أنا فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه ([37]) أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد وعلي فتوكل ، إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلاّ جعلت له وصياً ، وإني فضلتك على الأنبياء ، وفضلت وصيك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك ([38]) بعده وسبطيك الحسن والحسين ([39]) ، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي ، وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، والحجة البالغة عنده ([40]) ، بعترته أثيب وأعاقب . أولهم علي سيد العابدين ، وزين أوليائي الماضين ([41]) ، وابنه سمي جدّه ([42]) المحمود محمد الباقر لعلمي ، والمعدن لحكمي . سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد علي ، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ، ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه . انتجبت بعده موسى ، وانتجبت ([43]) بعده فتنة عمياء حندس ؛ لأنّ خيط فرضي لا ينقطع ([44]) ، وحجتي لا تخفى ، وإنّ أوليائي لا يشقون ، ألا ومن جحد واحد منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ، وويل للمفترين الجاحدين . عند انقضاء مدة عبدي موسى ، وحبيبي وخيرتي ، (ألا) ([45]) إن المكذّب بالثامن مكذّب بكل أوليائي ، وعلي وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه ([46]) بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ، إلى جنب شر خلقي . حق القول مني لأقرّن عينه بمحمد إبنه ([47]) ، وخليفته من بعده ، فهو وارث علمي ، ومعدن حكمي ، وموضع سرّي ، وحجتي على خلقي (لا يؤمن عبد به إلاّ) ([48]) جعلت الجنة مثواه ، وشفعته في سبعين (ألفاً) ([49]) من أهل بيته ، كلهم قد استوجبوا النار ، وأختم بالسعادة لإبنه علي ولييّ وناصري ، والشاهد في خلقي ، وأميني على وحيي ، أخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي الحسن ، ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ([50]) .

          سيذلّ أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنين ([51]) في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل ، وأرفع الآصار([52])والأغلال﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ ([53])) ([54]) .
          قال عبدالرحمن ابن سالم ، قال أبو بصير: (لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك فَصنهُ إلاّ عن أهله) ([55]) .

          وروي مثله عن رسول الله (ص) بخط أمير المؤمنين في البحار ([56]) .

          ومع كل ما سمع الصحابة ، وما رووا عن النبي (ص) ومواقفه مع علي (ع) وتأكيده (ص) على اتباعه ، واتباع ولده الأحد عشر الأوصياء من بعده ، فإنّ معظم المسلمين اختاروا اتباع أئمة الضلال ، ووقعوا في فتنة العجل واتبعوا السامري !! وفعلوا مع علي (ع) عند وفاة النبي (ص) كما فعل بنو إسرائيل مع هارون (ع) عند غيبة موسى (ع) ، وهكذا حدثت الردّة التي حذرهم الله من الوقوع فيها ، قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ ([57]) ، وانقلب القوم على أعقابهم إلاّ نفراً قليلاً من أصحاب النبي هم عمار وأبو ذر والمقداد وسلمان . ثم أخذ كثير من الصحابة بالرجوع إلى الحق وإلى موالاة علي (ع) بعد أن خذلوه ولم ينصروا حقه في البداية ، وبعد أنّ رأوا الظلم الذي أخذ يتزايد يوماً بعد يوم نتيجة لتسلط الجبت والطاغوت على دفة القيادة وخلافة النبي (ص) ، وبدأت دواوين التميز في العطاء من بيت المال حتى وصل الأمر إلى أن يعطي عثمان خمس أرمينيا لمروان ابن الحكم ([58]) ، ومعاوية الطليق عدو الإسلام يصبح والي بلاد الشام في عهد عمر ، ويتحكم بأبي ذر (رحمه الله) ويهينه ويؤذيه ويطرده من بلاد الشام ، بعد أن فضح أبو ذر ترف معاوية واستيلاءه على أموال المسلمين ، وأخيراً يجهز عثمان على أبي ذر (رحمه الله) بنفيه إلى الربذة ، وتركه يموت فيها وحيداً مقهوراً يعاني الفقر والجوع ، في حين أن تركة عبدالرحمن بن عوف من الذهب تكسر بالفؤوس ، وطلحة وعثمان وسعد وغيرهم يملكون الكثير الكثير ، وإن لم أقل جميعه فمعظمه من بيت مال المسلمين .

          ومن أراد المزيد فليراجع تاريخ القوم في كتب التاريخ ([59]) .
          ولو سألنا أبا ذر (رحمه الله) لماذا كل هذه الآلام والمصائب في حياتك يا أبا ذر ؟
          لقال ما معناه: قال لي حبيبي رسول الله (ص) : قل الحق يا أبا ذر ، وقد قلت الحق وما أبقى لي الحق من خليل ([60]) .

          طوبى لك يا أبا ذر فقد ذل سجّانك ، وما قتلوك ولكن قتلتهم ، وهم ماتوا في حياتهم وأنت إلى اليوم حي في قلوب المؤمنين ، بل أنت معنا ومثل أعلى في قلب كل إنسان حر شريف يطالب بحقوق الفقراء والمساكين والمستضعفين أينما كان .

          ويكفيك قول سيد الموحدين بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع): (يا أبا ذر ، أنك غضبت لله فارج من غضبت له . إنّ القوم خافوك على دنياهم ، وخفتهم على دينك فاترك في أيديهم ما خافوك عليه ، واهرب بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عما منعوك ، وستعلم من الرابح غداً ، والأكثر حسداً . ولو إنّ السماوات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثم أتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً ، لا يؤنسنك إلاّ الحق ولا يوحشنك إلاّ الباطل ، فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك) ([61]) .

          وقبل هذه الحادثة حوادث ومصائب نالت من الإسلام والمسلمين ، فأبوبكر يرسل خالد ابن العتل الزنيم ليقتل مالك بن نويرة (رضي الله عنه) ويعتدي على زوجته في نفس الليلة التي قتله فيها ، لماذا ؟ لأنّ مالكاً رفض أن يدفع زكاة أموال بني تميم البطاح لأبي بكر ؛ لأنّه مغتصب لخلافة رسول الله من صاحبها الذي يعرفه المسلمون ، ورأوا وسمعوا رسول الله (ص) نصبه خليفة له في غدير خم وفي غيره من المناسبات ، وهو علي بن أبي طالب . والعجيب أنّ عباس محمود العقاد يمر على قول مالك بن نويرة:

          فقلت خذوا أموالكم غير ناظر ولا خائف فيما يجيء من الغد
          فان قام بالأمر المخوف قائـم منعنا وقلنا الدين دين محمد ([62]) .

          فيقول: (أغلب الظن أنّه بدد ما جمع من الصدقات في حياته وملاهيه ، ثم ليم في ذلك ؟ فأجاب لائميه بهذه الأبيات) !!

          وليت شعري كيف قرأت هذه الأبيات ، وفهمت هذا المعنى ؟‍‍! والحال أنّ الرجل يقول خذوا أموالكم ، أي: إنّه أعادها لهم . ثم بعد ذلك يحاول العقاد أن يجعل جريمة قتل مالك بن نويرة ، والاعتداء على زوجته غامضة لا يتضح فيها جرم أبي بكر وخالد ابن العتل الزنيم ، ليجعل بعد ذلك خالد بن الوليد عبقرياً فذّاً ، شغله الجهاد عن حفظ سورة واحدة من القرآن يقرأها في صلاته عندما يؤم المسلمين ، ما هكذا الأنصاف يا عقاد ، (وما هكذا يا سعد تورد الإبل) .

          فحسبنا الله ونعم الوكيل ، وسيعلم الذين يحملون الناس على أكتاف آل محمد أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة للمتقين .

          وعلى كل حال فالخطب جليل بعد وفاة النبي (ص) والممارسات غير المشروعة والظالمة كثيرة جداً ، ويكفي حادثة مالك بن نويرة لمن ألقى السمع وهو شهيد ، وقد انتهكت فيها دماء وأموال وأعراض المسلمين فهل بقي شيء ؟!

          ولسائل أن يسأل: لماذا لم يرفع علي بن أبي طالب (ع) سيفه ؟ ولماذا طلب منه رسول الله (ص) أن يصبر على الظلم من بعده ؟!

          ومع أنّ الإجابة فيما قدمت من البحث وفي قول أمير المؤمنين (ع): (فإن أقل يقولوا حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت ، هيهات بعد اللتيا والتي ، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، بل أندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة) ([63]) .

          ولكن لا بأس من التوضيح قليلاً ، وأذكر هنا سببين:

          الأول: إنّ الإسلام لم يترسخ في نفوس الناس ، فإسلامهم ظاهري وليس إيماناً حقيقياً راسخاً لا يخشى على أهله من الارتداد ، فحالهم كحال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، إلاّ القليل منهم ، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ ([64]) .

          وقال تعالى: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً﴾ ([65]) .

          وفي القرآن آيات كثيرة دالة على أنّ حال كثير من المسلمين متزلزل ومع وجود المنافقين ، لك أن تعرف النتيجة ، وعلى هذا فعلى الوصي أن يرضى بالظاهر ، ويصبر كما رضي رسول الله (ص) بالظاهر وصبر على المنافقين ، ومن يستمع لكلامهم . وإلاّ فسيهدم هذا البناء الذي أجهد رسول الله (ص) ووصيه (ع) أكثر من عشرين سنة لتشييده . فالفائدة العظيمة المرجوة من هذا الدين وهي تمام نور الله في أرضه ، وعبادة أهل الأرض لله ونشر كلمة لا إله إلاّ الله .

          ورفع راية الله أكبر على كل بقعة في الأرض لن تحقق في زمن النبي (ص) أو الوصي ، بل في زمن خاتم الأوصياء المهدي (ع) ، وهذه سنة إلهية في الأمم السابقة ، فقد أُرسل موسى إلى قوم من بني إسرائيل وعبروا معه البحر ، ولكن في صحراء سيناء تمردوا عليه ورفضوا قتال الجبابرة .

          قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ([66]) ، وبالتالي رفضوا حمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى الناس ، وعاقبهم الله سبحانه وتعالى بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة .

          وكان نتيجة هذا التيه العقوبة الإصلاحية خروج أمة ربانية صالحة ، وهم أبناء هؤلاء الفاسقين وأحفادهم ، وقد حملوا كلمة لا إله إلاّ الله مع يوشع بن نون وصي موسى (ع) ، وقاتلوا الجبابرة والطواغيت ونصروا دين الله في أرضه .

          إذن فالنتيجة المرجوة من هذه الأمة هي في آخر الزمان ، أي في زمن ظهور المهدي (ع) ، ونرجوا من الله أن يكون زماننا كما يدل عليه كثير من الروايات ، والله أعلم .

          وقد مر فيما سبق عن رسول الله (ص) ، قال: (.. إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوجاً ما لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وأطولها فرعاً وأحسنها جناً ... ) ([67]) .
          إذن فالرسول يرجو أن يكون آخر فوج من أمته هو أفضلها ، بل لعل هذه الأمة أي أصحاب المهدي وأنصاره لا يقرنون بمن سبقهم ، سواء من هذه الأمة أو من سواها على طول مسيرة الإنسانية على الأرض ، وقد مر وصفهم بالحديث القدسي: (وانتجبت لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للأيمان ، وحشوتها بالورع والإخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقى والزهد في الدنيا ، والرغبة فيما عندي ، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر ، واستخلفهم في الأرض … أولئك أوليائي ، اخترت لهم نبياً مصطفى ، وأميناً مرتضى ، فجعلته لهم نبياً ورسول ، وجعلتهم له أولياء وأنصار ، تلك أمة اخترتها …) ([68]) .

          والروايات عن أهل بيت العصمة في فضل أصحاب المهدي (ع) وأنصاره كثيرة ، ولو لم يكن من فضلهم إلاّ إعلاء كلمة الله ونشر التوحيد في كل بقعة من بقاع الأرض لكفى .

          ثانياً: إنّ صبر أمير المؤمنين (ع) كان حجة بالغة له ، فهو قد بين حقه ثم أعرض عن منازعة القوم الإمارة والحكم ، ليبين أنّه (ع) زاهد بهذه الإمارة وإنّما طلبه لها لإقامة الحق ونشر العدل ونصرة الدين ، وقد أبصر أمير المؤمنين (ع) عبر القرون بقية هذه الأمة وذراريهم ، وعلم أنهم سيعلمون ما جرّه عليهم تنحية الوصي عن الإمارة واغتصاب حقه من قبل الجبت والطاغوت ، حتى وصل الأمر إلى تسلط أولاد البغايا والزانيات على هذه الأمة ، وقد مر عليك هذا المعنى في خطبة الزهراء (ع) حيث قالت: (أما لعمر الهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعاقاً مرّاً هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما سن الأولون) ([69]) .

          وفي النهاية رجعت الخلافة إلى الإمام علي(ع) بعد هن وهن ، وحمل الناس على الحق واستقبل بهم القبلة والصراط المستقيم ، ولكنهم لم يحتملوا مرارة الحق ، وبعد أن قضوا وطراً في الانحراف عن صراط الله المستقيم لم يحتملوا عدالة علي (ع) ومساواته لهم بالعطاء ، بعد أن اعتادوا التميّز والأثرة من الماضين فبعد أن اعتادوا عبادة العجل وطاعة السامري ، لم يرق لهم طاعة علي وعبادة الله الواحد الأحد ، وقبول شريعته التي أراد علي (ع) العمل بها في مجتمع مزّقه فساد الماضين ، ومع هذا فقد رفع علي (ع) للحق راية وأرشد الناس إلى أتباعها ، ولكنهم خذلوه وخذلوا ولده المعصومين من بعده الذين لم يدخّروا جهداً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل إرشاد المسلمين إلى الصراط المستقيم حتى قضوا بين مسموم ومقطع بالسيوف .

          فعن أبي الهيثم ابن التيهان ، إنّ أمير المؤمنين (ع) خطب الناس في المدينة فقال: (الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو ، أيها الأمة التي خدعت فانخدعت ، وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت ، واتبعت أهوائها وضربت في عشواء غوائها ، وقد استبان لها الحق فصدت عنه والطريق الواضح فتنكبته ، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحق نهجه ، لنهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام ، وأضاء لكم الإسلام ، فأكلتم رغداً ، وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ، ولكن سلكتم سبيل الظلّام ، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها ، وسدت عليكم أبواب العلم ، فقلتم بأهوائكم ، واختلفتم في دينكم ، فأفتيتم في دين الله بغير علم ، واتبعتم الغواة فأغوتكم ، وتركتم الأئمة فتركوكم ، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر ، فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه ، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه ؟ رويداً عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم ، وتجدون وخيم ما اجترمتم ، وما اجتلبتم .

          والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم إني صاحبكم ، والذي به أُمرتم ، وإني عالمكم والذي به نجاتكم ووصي نبيكم ، وخيرة ربكم ولسان نوركم ، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم ، وما نزل بالأمم قبلكم ، وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم ، معهم تحشرون وإلى الله عز وجل غداً تصيرون ، أمّا والله لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعدادكم ، لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق ، وتنيبوا للصدق ، فكان أرتق للعتق ، وأخذوا بالرفق ، اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين) ([70]) .

          ________________________________________

          [1] - آل عمران: 144.
          [2]- الاحتجاج : ج1 ص136.
          [3]- معاني الأخبار: ص355 ، دلائل الإمامة للطبري: ص128 ، أمالي الطوسي: ص376 ، الاحتجاج: ج1 ص149 ، بحار الأنوار: ج 43 ص159.
          [4]- ينابيع المودة للقندوزي: ج2 ص56 ، ذخائر العقبى: ص39 ، أمالي الشيخ الصدوق: ص467.
          [5] - البقرة: 17.
          [6] - العنكبوت: 2 - 4.
          [7]- ذخائر العقبى: ص61 ، سنن الترمذي: ج5 ص300 ، تحفة الأحوذي: ج10 ص153.
          [8] - ذخائر العقبى: ص62 ، ينابيع المودة: ج1 ص245 ، أسد الغابة: ج5 ص548.
          [9] - ذخائر العقبى: ص63 ، ينابيع المودة: ج2 ص152.
          [10]- ذخائر العقبى: ص64 ، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج11 ص226 ، بحار الأنوار: ج38 ص308 ، أعيان الشيعة: ج1 ص354 ، وغيرها.
          [11]- ذخائر العقبى: ص64 ، الغدير: ج3 ص23 ، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (ع) : ج1 ص61.
          [12]- ذخائر العقبى: ص64 ، الغدير: ج3 ص220 ، تاريخ دمشق: ج42 ص39.
          [13]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص75 ، ذخائر العقبى: ص65.
          [14]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص217 ، وراجع المستدرك للحاكم: ج3 ص130 ، وغيره .
          [15]- نيل الأوطار للشوكاني: ج6 ص139 ، تاريخ بغداد: ج1 ص333 ، تاريخ دمشق: ج42 ص259 ، ميزان الاعتدال: ج2 ص586.
          [16]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص59 ، ذخائر العقبى: ص68.
          [17]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص316 ، ذخائر العقبى: ص86.
          [18]- ذخائر العقبى: ص69 ، مناقب أبن شهر أشوب: ج1 ص254 ،مجمع الزوائد: ج9 ص121 ، المعجم الكبير للطبراني: ج22 ص200.
          [19]- ذخائر العقبى: ص71 ، مناقب آل أبي طالب: ج2 ص35 ، ينابيع المودة: ج2 ص163.

          [20] - قال أحمد بن عبدالله الطبري في ذخائر العقبى بعد أن أورد الحديث المتقدم: وإن صح هذا الحديث فالتوريث محمول على ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال: قال علي: (يا رسول الله ما أرث منك ؟ قال: ما يرث النبيون بعضهم من بعض كتاب الله وسنة نبيه) . والوصية محمولة على ما رواه أنس: أن النبي (ص) قال: (وصيي ووارثي يقضى ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه) . أخرجه أحمد في المناقب .... أخرجه أحمد في المناقب وخرجه ابن السراج ، أو على ما رواه حسين بن علي عن أبيه عن جده قال: أوصى النبي (ص) عليا أن يغسله ، فقال علي: (يا رسول الله أخشى أن لا أطيق ذلك ، قال : إنك ستعان عليّ ، فقال علي رضي الله عنه : والله ما أردت أن أقلب من رسول الله (ص) عضواً إلاّ قلب لي) . ويعضد هذا التأويل بما ورد من الأحاديث الصحيحة في نفى التوريث والايصاء ، وإنه لم يعهد إليهم عهداً غير ما في كتاب الله وما في صحيفة فيها شئ من أسنان الإبل ومن العقل على ما قررناه في كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم . ذخائر العقبى: ص71.
          [21]- ذخائر العقبى: ص77، ينابيع المودة: ج2 ص170 ، جواهر الإمام علي بن أبي طالب(ع) : ج1 ص193.
          [22]- مسند أحمد: ج4 ص281 ، ذخائر العقبى: ص76.
          [23]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص236.
          [24]- بشارة المصطفى للطبري: ص362 ، ذخائر العقبى: ص68 ، شواهد التنـزيل للحاكم: ج1 ص349 ، وفيه : ويلك بدل ويحك.
          [25]- ذخائر العقبى: ص63 ، صحيح ابن حبان: ج15 ص371 ، المعجم الأوسط للطبراني: ج5 ص287 ، المعجم الصغير: ج2 ص22.
          [26] - الأعراف: 142.
          [27]- الاستنصار: ص8 ، الارشاد للمفيد: ج2 ص346 ، الكافي: ج1 ص533 ، مناقب آل أبي طالب: ج1 ص257
          [28]- الاستنصار: ص8.
          [29]- الاستنصار: ص8 ، تقريب المعارف للحلبي: ص419.
          [30]- الكافي: ج1 ص534 ، الاستنصار: ص8.
          [31]- كمال الدين: ص281 ، مقتضب الأثر: ص10 ، الاستنصار: ص8.
          [32] - الخصال: ص476 ، عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص56 ، كمال الدين: ص269.
          [33]- مقتضب الأثر: ص11 ، بحار الأنوار: ج36 ص372 ، وجاء في الخصال باختلاف يسير: ص475 ، ولاحظ عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص56.
          [34]- الكافي: ج1 ص294 ، بحار الأنوار: ج25 ص72.
          [35]- كمال الدين: ص253 ، غيبة الطوسي : ص173 ، بحار الأنوار: ج52 ص379 ، إلزام الناصب: ج1 ص169.
          [36] - في الكافي: ومديل المظلومين وديان الدين .
          [37] - في بعض نسخ الكافي: لا أعذب به .
          [38] - في بعض نسخ الكافي: بسليلك .
          [39] - في الكافي: حسن وحسين .
          [40] - في غيبة النعماني: فهو أفضل من استشهد في ، وأرفع الشهداء درجة عندي ، ... ، وحجتي البالغة عنده .
          [41] - في بعض نسخ الكافي: وزين أولياء الله الماضين .
          [42] - في بعض نسخ كمال الدين: شبيه جدّه .
          [43] - في الكافي : أبيحت . كما أنه في بعض نسخه: أتيحت . وهذا هو الموجود في غيبة النعماني .
          [44] - في بعض نسخ كمال الدين: لأن خيط وصيتي . وفي بعض نسخ غيبة النعماني: ألا إن خيط فرضي .
          [45] - جاءت في كمال الدين .
          [46] - في غيبة الطوسي: وأمتعه ، وفي العوالم: وأمنحنه .
          [47] - بابنه: (م ح م د).
          [48] - جاءت هذه العبارة في شرح اصول الكافي للمازندراني: ج7 ص363.
          [49] - جاء ت هذه الكلمة في غيبة الطوسي: ص146 . وفي غيبة النعماني: ص71.
          [50] - في الهداية الكبرى للخصيبي: عليه إكمال صفوة آدم ورفعة إدريس وسكينة نوح وحلم إبراهيم وشدة موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب.
          [51] - في الكافي: الرنا. والرنة : هي الصياح في المصيبة.
          [52] - في بعض نسخ كمال الدين: القيود .
          [53]- البقرة : 157.
          [54] - إكمال الدين: ص308 ، عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص48 ، الكافي: ج1 ص527 ، الاختصاص للمفيد: ص211 ، الاحتجاج: ج1 ص84 ، غيبة الطوسي: ص145 ، غيبة النعماني: ص71 ، مناقب آل أبي طالب: ج1 ص255.
          [55]- عيون أخبار الرضا: ج2 ص50 ، كمال الدين: ص311 ، الكافي: ج1 ص529.
          [56]- بحار الأنوار: ج36 ص200.
          [57] - آل عمران : 144.
          [58] - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، كنيته أبو عمرو ، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس . بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الامر له ، وصحت فيه فراسة عمر ، فإنه أوطأ بنى أمية رقاب الناس ، وولاهم الولايات وأقطعهم القطائع ، وافتتحت إفريقية في أيامه ، فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان ، فقال عبدالرحمن بن حنبل الجمحي : ...... وأعطيت مروان خمس البلاد . . . فهيهات سعيك ممن سعى ! شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 198.
          [59] - راجع كتاب الغدير للشيخ الأميني: ج8 ص292 وما بعدها ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج3 ص54 ، وغيرهما .
          [60]- روي في وصايا الرسول محمد (ص) لأبي ذر (ع): (... قلت: يا رسول الله ، زدني . قال: قل الحق وإن كان مراً. قلت: يا رسول الله ، زدني . قال: لا تخف في الله لومة لائم ...) الأمالي للطوسي: ص539 - 541.
          [61]- نهج البلاغة: ج2 ص17.
          [62]- راجع ترجمة مالك بن نويرة في الإصابة: ج5 ص560 ، ووفيات الأعيان لابن خلكان: ج6 ص14 ، معالم المدرستين: ج2 ص82.
          [63]- نهج البلاغة: ج1 ص36.
          [64] - الحجرات: 14.
          [65] - الأحزاب: 14.
          [66] - المائدة: 24.
          [67]- الخصال: ص476 ، عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص56 ، كمال الدين: 269.
          [68]- سعد السعود لابن طاووس: ص34 ، بحار الأنوار: ج52 ص384 ، إلزام الناصب: ج2 ص259.
          [69]- معاني الأخبار: ص355 ، دلائل الإمامة للطبري: ص128 ، أمالي الطوسي: ص376 ، الاحتجاج: ج1 ص149.
          [70]- الكافي: ج8 ص32.
          اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
          يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

          Comment

          • السلماني الذري
            عضو نشيط
            • 23-09-2008
            • 402

            #20
            رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

            بعد وفاة النبي (ص)


            قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ ([1]) .

            خير من يصف ما حدث بعد وفاة النبي (ص) هي الزهراء (ع) ، أقرب الخلق إلى رسول الله (ص) ، حيث قالت في خطبتها في مسجد النبي (ص) بعد وفاته: (… فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ومأوى اصفيائه ، ظهر فيكم حسكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الاقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحشمكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) ([2]) .

            ولما جاءت نساء المهاجرين والأنصار لعيادتها ، قلن لها: كيف أصبحت عن علتك ؟ فقالت: (أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم ، لفظتهم قبل أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحاً لفلول الحد ، وخور القناة ، وخطل الرأي ، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم ، أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون لا جرم لقد قلدتهم ربقتها ، وشننت عليهم عارها فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين ، ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين . وما نقموا من أبي الحسن ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله عز وجل .

            والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله (ص) إليه لاعتلقه ، ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يكلم خشاشه ، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه . ولأصدرهم بطاناً قد تحير بهم الري غير متحل منه بطائل ، إلا بغمر الماء وردعة شررة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون .

            ألا هلم فاسمع ، وما عشت أراك الدهر العجب ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث . إلى أي سناد استندوا وبأي عروة تمسكوا ، استبدلوا الذنابي والله بالقوادم ، والعجز بالكاهل . فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ .

            أما لعمر الهك لقد لقحت ، فنظره ريثما تنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً ، وذعافاً ممقراً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما سن الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً ، وطامنوا للفتنة جأشاً ، وأبشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً ، وزرعكم حصيداً . فيا حسرتي لكم ، وأنى بكم وقد عميت قلوبكم عليكم ، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) ([3]) .
            وهكذا قُدم المؤخر ، وأُخر المقدّم بعد وفاة النبي (ص) ، واستولى أبوبكر وعمر وأشياعهم على السلطة ، ونُحي وصي رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع) ، وأوذي هو والزهراء (عليهما السلام) ، وماتت (ع) أثر اقتحام عمر وجماعة من المنافقين دارها لإجبار الإمام علي (ع) على مبايعة أبي بكر ، وضربها بالسوط وضغطها بين الحائط والباب حتى كسر ضلعها ونبت المسمار في صدرها وأسقط جنينها . ووردت على أبيها مظلومة ، مقهورة من قوم كانوا يسمعون النبي (ص) يقول ما معناه: (إنّ الله يغضب لغضب فاطمة) ([4]) .

            فتعساً للقوم لما انتهكوا من حرم الله ، واستخفوا بخيرة خلقه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ ([5]) .

            هذا والنبي (ص) لم يترك المسلمين في حياته دون أن يوجههم إلى القيادة من بعده ، وإلى الأوصياء من ولده (ع) ، حيث أمره الله سبحانه بذلك . ولكن لابد من الفتـنة للتمحيص ، ولابد من السامري ، ولابد من العجل ، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ ([6]) .

            وإنّي لما أردت أن أختار بعض الروايات عن النبي (ص) الدالة على أنه أرشد المسلمين إلى الصراط المستقيم ، وإلى الأوصياء من بعده وخلفاء الله في أرضه ، احترت أيّها أختار لكثرتها سواء في كتب الشيعة أو السنة .
            وإنّي وإن اقتصرت على القليل منها ، ولكني أسأل الله أن يجعل فيها نصراً للدين ، ونفعاً للمسلمين وتأييداً للمؤمنين:
            روى الحافظ محب الدين أحمد الطبري ، وهو من علماء السنة ومحدثيهم في كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: عن أنس قال: (كان عند النبي (ص) طير فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي هذا الطير ، فجاء علي بن أبي طالب فأكل معه) ([7]) .

            وعن معاذة الغفارية قالت: دخلت على النبي (ص) في بيت عائشة وعلي خارج من عنده فسمعته يقول: (يا عائشة ، إنّ هذا أحب الرجال إليَّ وأكرمهم عليّ ، فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه) ([8]) .
            وعن البراء بن عازب قال: قال النبي (ص): (علي مني بمنزلة رأسي من جسدي) ([9]) .

            وعن المطلب بن عبدالله ابن حنطب قال: قال رسول الله (ص) لوفد ثقيف حين جاءوا: (لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلاً مني - أو قال مثل نفسي - ليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم ، وليأخذن أموالكم . قال عمر: فوالله ما تمنيت الأمارة إلاّ يومئذٍ ، إذ فجعلت انصب صدري رجاء أن يقول هو هذا . قال: فالتفتَ إلى علي فاخذَ بيدهِ ، وقال: هو هذا ، هو هذا) ([10]) .
            وعن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله (ص): (ما من نبي إلاّ وله نظير في أمته وعلي نظيري) ([11]) .

            وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله (ص): (لقد صلت الملائكة عليَّ وعلى علي ؛ لأنّا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا) ([12]) .

            وعن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): (لما اسري بي مررت بملك جالس على سرير من نور ، وإحدى رجليه في المشرق والأخرى في المغرب ، وبين يديه لوح ينظر فيه والدنيا كلها بين عينيه والخلق بين ركبتيه ويده تبلغ المشرق والمغرب ، فقلت: يا جبريل من هذا ؟ فقال: هذا عزرائيل تقدم فسلم عليه ، فتقدمت فسلمت عليه، فقال: وعليك السلام يا أحمد ما فعل ابن عمك علي . فقلت: هل تعرف ابن عمي علياً ؟ قال: وكيف لا أعرفه ، وقد وكلني الله بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح ابن عمك علي بن أبي طالب فإنّ الله يتوفاكما بمشيئته)([13]) .

            وعن أم سلمه ، عن رسول الله (ص) قال: (من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل) ([14]) .

            وعن ابن عباس ، قال: (كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله (ص) إذ دخل علي بن أبي طالب (ع) فسلم ، رد عليه رسول الله (ص) السلام وقام إليه وعانقه وقبله بين عينيه وأجلسه عن يمينه . قال العباس: يا رسول الله أتحب هذا ؟ فقال رسول الله: يا عم والله ، الله أشدّ حباً له مني ، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا) ([15]) .

            وعن عمران ابن حصين عن النبي (ص) ، قال: (إنّ علياً مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي) ([16]) .

            وعن أبي رافع قال: لما قتل علي أصحاب الألوية يوم أحد ، قال جبريل (ع): (يا رسول الله إنّ هذه لهي المواساة ، فقال النبي (ص): إنّه مني وأنا منه ، فقال جبريل: وأنا منكما يا رسول الله)([17]) .
            وعن أبي الخميس ، قال: قال رسول الله (ص): (أُسري بي إلى السماء فنظرت إلى ساقي العرش الأيمن ، فرأيت كتاباً فهمته محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به) ([18]) .
            وعن بريده ، عنه (ص): (لكل نبي وصي ووارث وإنّ علياً وصيي ووارثي) ([19]) .

            وعلق عليه الطبري واستدل بروايات أنّ المقصود بالوصاية هي أنّ النبي أوصى أن يلي غسله علي (ع) ([20]) .
            وإن تعجب فمن هؤلاء القوم ، يروون كل هذه الروايات ثم يميلون يميناً وشمالاً !!

            وروي عن أنس ، قال: كنت عند النبي (ص) فرأى علياً مقبلاً ، فقال: (يا أنس ، قلت: لبيك ، قال: هذا المقبل حجتي على أمتي يوم القيامة) ([21]) .

            وعن البراء ابن عازب ، قال: كنّا عند النبي (ص) في سفر فنزلنا في غدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله (ص) تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي ، وقال: (ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى ، فأخذ بيد علي وقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعادي من عاداه) ، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنه ([22]) .

            وفي المناقب زاد عليه: (وانصر من نصره وأحب من أحبه) ([23]) .

            وهذا هو حديث الغدير أشهر من نار على علم ، ومتواتر عن الفريقين ، ولكن القوم يؤولون الولاية مع أنّ رسول الله (ص) قرن ولاية علي(ع) بولايته <ص> ، وولايته (ص) بولاية الله سبحانه .
            وروى الطبري عن عمر أنّه قال لرجل: (ويحك ما تدري من هذا ، هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن) ([24]) .

            وليت شعري إذا كنت تعترف أنّه سيدك ومولاك فلماذا غصبتم حقه أنت وصاحبك وأردت إحراق داره ، بل تآمرتم على قتله ، أحسداً كحسد السامري لهارون (ع) ، وتكبراً كتكبر إبليس على آدم (ع) ؟! وليت شعري من علّم إبليس التكبر ، ومن أغواه ؟!

            وروى الطبري عن سعد بن أبي وقاص ، أن النبي (ص) قال لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي) ([25]) . وهذا الحديث أشهر من نار على علم .

            أقول: إذا كنتم ترون أنّه كهارون من موسى فهل عميت عليكم مكانة هارون من موسى ؟! أليس القرآن يهتف بكم أن هارون خليفة موسى ، ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ([26]) .

            فوالله إنّ وصايته ووصاية ولده من بعده وخلافتهم لرسول الله (ص) أبين من الشمس في ما يروي السنة عن رسول الله (ص) فضلاً عما يروي الشيعة ، وما يصرح به القرآن في آيات كثيرة ، بل إنّ ذكرهم موجود حتى في التوراة والإنجيل الموجودة حالياً ، وإن حاول اليهود والنصارى طمس ذكرهم في ما مضى ، كما حاول ويحاول اليوم بعض المسلمين مع الأسف الشديد مع أنّ القرآن أوصى بهم ورسول الله (ص) أوصى بهم . ولكن يا قومي أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ، فانتظروا إنّا منتظرون .

            ومن أراد المزيد في كتب السنة فعليه مراجعة ذخائر العقبى للطبري ، وينابيع المودة ، وفرائد السمطين ، وسنن الترمذي ، ومسند أحمد ، والمناقب ، ومطالب السؤول للشافعي ، ومسند البخاري ، ومسند مسلم أو ما يسمونهما بالصحيحين ، وسنن أبي داوود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم النيسابوري ، وكفاية الطالب ، وغيرها .

            وروى العلامة الفقيه محمد بن علي بن عثمان الكراجكي (رحمه الله) وهو من صدور علماء الشيعة الإمامية ومن معاصري الشيخ المحقق الطوسي (رحمه الله) ، وهو عند علماء الشيعة في الطبقة العليا من الاعتبار ، واختياراته من الطراز الأول كما قيل عنه وفي كتابه الاستنصار ، قال: أخبرني الشيخ المفيد وذكر السند إلى أبي جعفر الثاني (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين ، قال: قال رسول الله (ص): (آمنوا بليلة القدر ، فإنه ينزل فيها أمر السنة ، وإن لذلك الأمر ولاة من بعدي علي ابن أبي طالب وأحد عشر من ولده (ع)) ([27]) .

            وبإسناد عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(ع) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال رسول الله (ص): (تمسكوا بليلة القدر ، فإنها تكون بعدي لعلي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده بعده (ع)) ([28]) .

            وعن أبي جعفر الأول - أي الباقر (ع) - عن أبيه عن جده ، قال: قال رسول الله (ص): (إني واثنا عشر من أهل بيتي ، أولهم علي بن أبي طالب أوتاد الأرض التي أمسكها الله بها أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهبت الاثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم تنظروا) ([29]) .

            وعن أبي جعفر (ع) ، قال: قال رسول الله (ص): (من أهل بيتي أثنا عشر نقيباً محدَّثون مفهّمون ، منهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) ([30]) .
            وعن أبي عبد الله (ع) ، عن آبائه ، قال: قال رسول الله (ص): (إنّ الله اختار من الأيام يوم الجمعة ، ومن الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر . واختار من الناس الأنبياء ، واختار من الأنبياء الرسل ، واختارني من الرسل ، واختار مني علياً ، واختار من علي الحسن والحسين (عليهما السلام) ، واختار من الحسين الأوصياء ، وهم تسعه من ولد الحسين ينفون من هذا الدين تحريف الغالّيين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، تاسعهم ظاهرهم ناطقهم قائمهم ، وهو أفضلهم) ([31]) .

            وما رواه الصادق (ع) عن آبائه ، عن رسول الله (ص) ، قال: (ابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا - ثلاث مرّات - إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره ، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوجاً ما لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وأطولها فرعاً وأحسنها جنى ، وكيف تهلك أمه أنا فيها أولها ، وإثنا عشر من ولدي من السعداء أولي الألباب ، والمسيح ابن مريم آخرها ، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج ليس مني ولست منه) ([32]) .

            وروى العلامة ابن عياش (رحمه الله) في كتابه مقتضب الأثر بإسناده إلى سلمان الفارسي ، قال: كنا مع رسول الله (ص) والحسين بن علي (ع) على فخذه ، إذ تفرس في وجهه ، وقال له: (يا أبا عبد الله أنت سيد من السادة ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعه ، تاسعهم قائمهم إمامهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم) ([33]) .

            والأدلة على إمامة علي وولده الأحد عشر (ع) وخلافتهم لرسول الله (ص) كثيرة جداً ، ولعل أعظمها هو سورة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ .

            فهذه السورة دالة على أنّ الملائكة والروح تتـنزل بالأمر بعد النبي (ص) على خلفائه المعصومين ، وإلاّ لقيل بمضيها مع النبي (ص) ، مع أنّ المسلمين مجمعون على بقائها ، وهاهم يطلبونها في العشر الأواخر من شهر رمضان كل عام ، ومن أبى إلاّ العناد فليقل: عنـزه ولو طارت !!

            قال الإمام الباقر (ع): (يا معشر الشيعة خاصموا بسورة ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ تفلحوا ، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (ص) ، وإنها لسيدة دينكم ، وإنها لغاية علمنا يا معشر الشيعة . يا معشر الشيعة خاصموا بـ ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ فإنّها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (ص) … ) ([34]) .

            وعن الصادق (ع) ، عن آبائه ، عن النبي (ص) ، قال: (لما اسري بي أوحى إلي ربي جل جلاله ..... وساق الحديث إلى أن قال: فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة ابن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب درّي ، قلت: يا رب من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الأئمة ، وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللات والعزى - أي الأول والثاني - طريّين فيحرقهما ، فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشد من فتنة العجل والسامري)([35]) .

            وروى الصدوق في إكمال الدين وعيون أخبار الرضا (ع) معاً ، قال: عن أبي وابن الوليد معاً ، وأسند الحديث إلى الأمام الصادق ، عن الإمام الباقر (ع) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه رأى في يد فاطمة (ع) لوحاً أهداه الله عز وجل إلى الرسول (ص) ، وأعطاه الرسول (ص) لفاطمة(ع) ، مكتوب فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ووليه ، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين .

            عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ، ولا تجحد آلائي . إني أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبارين ، ومبير الظالمين ، ومذل الظالمين وديان يوم الدين ([36]) ، إني أنا الله لا إله إلاّ أنا فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه ([37]) أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد وعلي فتوكل ، إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلاّ جعلت له وصياً ، وإني فضلتك على الأنبياء ، وفضلت وصيك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك ([38]) بعده وسبطيك الحسن والحسين ([39]) ، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي ، وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، والحجة البالغة عنده ([40]) ، بعترته أثيب وأعاقب . أولهم علي سيد العابدين ، وزين أوليائي الماضين ([41]) ، وابنه سمي جدّه ([42]) المحمود محمد الباقر لعلمي ، والمعدن لحكمي . سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد علي ، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ، ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه . انتجبت بعده موسى ، وانتجبت ([43]) بعده فتنة عمياء حندس ؛ لأنّ خيط فرضي لا ينقطع ([44]) ، وحجتي لا تخفى ، وإنّ أوليائي لا يشقون ، ألا ومن جحد واحد منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ، وويل للمفترين الجاحدين . عند انقضاء مدة عبدي موسى ، وحبيبي وخيرتي ، (ألا) ([45]) إن المكذّب بالثامن مكذّب بكل أوليائي ، وعلي وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه ([46]) بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ، إلى جنب شر خلقي . حق القول مني لأقرّن عينه بمحمد إبنه ([47]) ، وخليفته من بعده ، فهو وارث علمي ، ومعدن حكمي ، وموضع سرّي ، وحجتي على خلقي (لا يؤمن عبد به إلاّ) ([48]) جعلت الجنة مثواه ، وشفعته في سبعين (ألفاً) ([49]) من أهل بيته ، كلهم قد استوجبوا النار ، وأختم بالسعادة لإبنه علي ولييّ وناصري ، والشاهد في خلقي ، وأميني على وحيي ، أخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي الحسن ، ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ([50]) .

            سيذلّ أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنين ([51]) في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل ، وأرفع الآصار([52])والأغلال﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ ([53])) ([54]) .
            قال عبدالرحمن ابن سالم ، قال أبو بصير: (لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك فَصنهُ إلاّ عن أهله) ([55]) .

            وروي مثله عن رسول الله (ص) بخط أمير المؤمنين في البحار ([56]) .

            ومع كل ما سمع الصحابة ، وما رووا عن النبي (ص) ومواقفه مع علي (ع) وتأكيده (ص) على اتباعه ، واتباع ولده الأحد عشر الأوصياء من بعده ، فإنّ معظم المسلمين اختاروا اتباع أئمة الضلال ، ووقعوا في فتنة العجل واتبعوا السامري !! وفعلوا مع علي (ع) عند وفاة النبي (ص) كما فعل بنو إسرائيل مع هارون (ع) عند غيبة موسى (ع) ، وهكذا حدثت الردّة التي حذرهم الله من الوقوع فيها ، قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ ([57]) ، وانقلب القوم على أعقابهم إلاّ نفراً قليلاً من أصحاب النبي هم عمار وأبو ذر والمقداد وسلمان . ثم أخذ كثير من الصحابة بالرجوع إلى الحق وإلى موالاة علي (ع) بعد أن خذلوه ولم ينصروا حقه في البداية ، وبعد أنّ رأوا الظلم الذي أخذ يتزايد يوماً بعد يوم نتيجة لتسلط الجبت والطاغوت على دفة القيادة وخلافة النبي (ص) ، وبدأت دواوين التميز في العطاء من بيت المال حتى وصل الأمر إلى أن يعطي عثمان خمس أرمينيا لمروان ابن الحكم ([58]) ، ومعاوية الطليق عدو الإسلام يصبح والي بلاد الشام في عهد عمر ، ويتحكم بأبي ذر (رحمه الله) ويهينه ويؤذيه ويطرده من بلاد الشام ، بعد أن فضح أبو ذر ترف معاوية واستيلاءه على أموال المسلمين ، وأخيراً يجهز عثمان على أبي ذر (رحمه الله) بنفيه إلى الربذة ، وتركه يموت فيها وحيداً مقهوراً يعاني الفقر والجوع ، في حين أن تركة عبدالرحمن بن عوف من الذهب تكسر بالفؤوس ، وطلحة وعثمان وسعد وغيرهم يملكون الكثير الكثير ، وإن لم أقل جميعه فمعظمه من بيت مال المسلمين .

            ومن أراد المزيد فليراجع تاريخ القوم في كتب التاريخ ([59]) .
            ولو سألنا أبا ذر (رحمه الله) لماذا كل هذه الآلام والمصائب في حياتك يا أبا ذر ؟
            لقال ما معناه: قال لي حبيبي رسول الله (ص) : قل الحق يا أبا ذر ، وقد قلت الحق وما أبقى لي الحق من خليل ([60]) .

            طوبى لك يا أبا ذر فقد ذل سجّانك ، وما قتلوك ولكن قتلتهم ، وهم ماتوا في حياتهم وأنت إلى اليوم حي في قلوب المؤمنين ، بل أنت معنا ومثل أعلى في قلب كل إنسان حر شريف يطالب بحقوق الفقراء والمساكين والمستضعفين أينما كان .

            ويكفيك قول سيد الموحدين بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع): (يا أبا ذر ، أنك غضبت لله فارج من غضبت له . إنّ القوم خافوك على دنياهم ، وخفتهم على دينك فاترك في أيديهم ما خافوك عليه ، واهرب بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عما منعوك ، وستعلم من الرابح غداً ، والأكثر حسداً . ولو إنّ السماوات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثم أتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً ، لا يؤنسنك إلاّ الحق ولا يوحشنك إلاّ الباطل ، فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك) ([61]) .

            وقبل هذه الحادثة حوادث ومصائب نالت من الإسلام والمسلمين ، فأبوبكر يرسل خالد ابن العتل الزنيم ليقتل مالك بن نويرة (رضي الله عنه) ويعتدي على زوجته في نفس الليلة التي قتله فيها ، لماذا ؟ لأنّ مالكاً رفض أن يدفع زكاة أموال بني تميم البطاح لأبي بكر ؛ لأنّه مغتصب لخلافة رسول الله من صاحبها الذي يعرفه المسلمون ، ورأوا وسمعوا رسول الله (ص) نصبه خليفة له في غدير خم وفي غيره من المناسبات ، وهو علي بن أبي طالب . والعجيب أنّ عباس محمود العقاد يمر على قول مالك بن نويرة:

            فقلت خذوا أموالكم غير ناظر ولا خائف فيما يجيء من الغد
            فان قام بالأمر المخوف قائـم منعنا وقلنا الدين دين محمد ([62]) .

            فيقول: (أغلب الظن أنّه بدد ما جمع من الصدقات في حياته وملاهيه ، ثم ليم في ذلك ؟ فأجاب لائميه بهذه الأبيات) !!

            وليت شعري كيف قرأت هذه الأبيات ، وفهمت هذا المعنى ؟‍‍! والحال أنّ الرجل يقول خذوا أموالكم ، أي: إنّه أعادها لهم . ثم بعد ذلك يحاول العقاد أن يجعل جريمة قتل مالك بن نويرة ، والاعتداء على زوجته غامضة لا يتضح فيها جرم أبي بكر وخالد ابن العتل الزنيم ، ليجعل بعد ذلك خالد بن الوليد عبقرياً فذّاً ، شغله الجهاد عن حفظ سورة واحدة من القرآن يقرأها في صلاته عندما يؤم المسلمين ، ما هكذا الأنصاف يا عقاد ، (وما هكذا يا سعد تورد الإبل) .

            فحسبنا الله ونعم الوكيل ، وسيعلم الذين يحملون الناس على أكتاف آل محمد أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة للمتقين .

            وعلى كل حال فالخطب جليل بعد وفاة النبي (ص) والممارسات غير المشروعة والظالمة كثيرة جداً ، ويكفي حادثة مالك بن نويرة لمن ألقى السمع وهو شهيد ، وقد انتهكت فيها دماء وأموال وأعراض المسلمين فهل بقي شيء ؟!

            ولسائل أن يسأل: لماذا لم يرفع علي بن أبي طالب (ع) سيفه ؟ ولماذا طلب منه رسول الله (ص) أن يصبر على الظلم من بعده ؟!

            ومع أنّ الإجابة فيما قدمت من البحث وفي قول أمير المؤمنين (ع): (فإن أقل يقولوا حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت ، هيهات بعد اللتيا والتي ، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، بل أندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة) ([63]) .

            ولكن لا بأس من التوضيح قليلاً ، وأذكر هنا سببين:

            الأول: إنّ الإسلام لم يترسخ في نفوس الناس ، فإسلامهم ظاهري وليس إيماناً حقيقياً راسخاً لا يخشى على أهله من الارتداد ، فحالهم كحال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، إلاّ القليل منهم ، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ ([64]) .

            وقال تعالى: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً﴾ ([65]) .

            وفي القرآن آيات كثيرة دالة على أنّ حال كثير من المسلمين متزلزل ومع وجود المنافقين ، لك أن تعرف النتيجة ، وعلى هذا فعلى الوصي أن يرضى بالظاهر ، ويصبر كما رضي رسول الله (ص) بالظاهر وصبر على المنافقين ، ومن يستمع لكلامهم . وإلاّ فسيهدم هذا البناء الذي أجهد رسول الله (ص) ووصيه (ع) أكثر من عشرين سنة لتشييده . فالفائدة العظيمة المرجوة من هذا الدين وهي تمام نور الله في أرضه ، وعبادة أهل الأرض لله ونشر كلمة لا إله إلاّ الله .

            ورفع راية الله أكبر على كل بقعة في الأرض لن تحقق في زمن النبي (ص) أو الوصي ، بل في زمن خاتم الأوصياء المهدي (ع) ، وهذه سنة إلهية في الأمم السابقة ، فقد أُرسل موسى إلى قوم من بني إسرائيل وعبروا معه البحر ، ولكن في صحراء سيناء تمردوا عليه ورفضوا قتال الجبابرة .

            قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ([66]) ، وبالتالي رفضوا حمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى الناس ، وعاقبهم الله سبحانه وتعالى بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة .

            وكان نتيجة هذا التيه العقوبة الإصلاحية خروج أمة ربانية صالحة ، وهم أبناء هؤلاء الفاسقين وأحفادهم ، وقد حملوا كلمة لا إله إلاّ الله مع يوشع بن نون وصي موسى (ع) ، وقاتلوا الجبابرة والطواغيت ونصروا دين الله في أرضه .

            إذن فالنتيجة المرجوة من هذه الأمة هي في آخر الزمان ، أي في زمن ظهور المهدي (ع) ، ونرجوا من الله أن يكون زماننا كما يدل عليه كثير من الروايات ، والله أعلم .

            وقد مر فيما سبق عن رسول الله (ص) ، قال: (.. إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوجاً ما لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وأطولها فرعاً وأحسنها جناً ... ) ([67]) .
            إذن فالرسول يرجو أن يكون آخر فوج من أمته هو أفضلها ، بل لعل هذه الأمة أي أصحاب المهدي وأنصاره لا يقرنون بمن سبقهم ، سواء من هذه الأمة أو من سواها على طول مسيرة الإنسانية على الأرض ، وقد مر وصفهم بالحديث القدسي: (وانتجبت لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للأيمان ، وحشوتها بالورع والإخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقى والزهد في الدنيا ، والرغبة فيما عندي ، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر ، واستخلفهم في الأرض … أولئك أوليائي ، اخترت لهم نبياً مصطفى ، وأميناً مرتضى ، فجعلته لهم نبياً ورسول ، وجعلتهم له أولياء وأنصار ، تلك أمة اخترتها …) ([68]) .

            والروايات عن أهل بيت العصمة في فضل أصحاب المهدي (ع) وأنصاره كثيرة ، ولو لم يكن من فضلهم إلاّ إعلاء كلمة الله ونشر التوحيد في كل بقعة من بقاع الأرض لكفى .

            ثانياً: إنّ صبر أمير المؤمنين (ع) كان حجة بالغة له ، فهو قد بين حقه ثم أعرض عن منازعة القوم الإمارة والحكم ، ليبين أنّه (ع) زاهد بهذه الإمارة وإنّما طلبه لها لإقامة الحق ونشر العدل ونصرة الدين ، وقد أبصر أمير المؤمنين (ع) عبر القرون بقية هذه الأمة وذراريهم ، وعلم أنهم سيعلمون ما جرّه عليهم تنحية الوصي عن الإمارة واغتصاب حقه من قبل الجبت والطاغوت ، حتى وصل الأمر إلى تسلط أولاد البغايا والزانيات على هذه الأمة ، وقد مر عليك هذا المعنى في خطبة الزهراء (ع) حيث قالت: (أما لعمر الهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعاقاً مرّاً هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما سن الأولون) ([69]) .

            وفي النهاية رجعت الخلافة إلى الإمام علي(ع) بعد هن وهن ، وحمل الناس على الحق واستقبل بهم القبلة والصراط المستقيم ، ولكنهم لم يحتملوا مرارة الحق ، وبعد أن قضوا وطراً في الانحراف عن صراط الله المستقيم لم يحتملوا عدالة علي (ع) ومساواته لهم بالعطاء ، بعد أن اعتادوا التميّز والأثرة من الماضين فبعد أن اعتادوا عبادة العجل وطاعة السامري ، لم يرق لهم طاعة علي وعبادة الله الواحد الأحد ، وقبول شريعته التي أراد علي (ع) العمل بها في مجتمع مزّقه فساد الماضين ، ومع هذا فقد رفع علي (ع) للحق راية وأرشد الناس إلى أتباعها ، ولكنهم خذلوه وخذلوا ولده المعصومين من بعده الذين لم يدخّروا جهداً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل إرشاد المسلمين إلى الصراط المستقيم حتى قضوا بين مسموم ومقطع بالسيوف .

            فعن أبي الهيثم ابن التيهان ، إنّ أمير المؤمنين (ع) خطب الناس في المدينة فقال: (الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو ، أيها الأمة التي خدعت فانخدعت ، وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت ، واتبعت أهوائها وضربت في عشواء غوائها ، وقد استبان لها الحق فصدت عنه والطريق الواضح فتنكبته ، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحق نهجه ، لنهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام ، وأضاء لكم الإسلام ، فأكلتم رغداً ، وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ، ولكن سلكتم سبيل الظلّام ، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها ، وسدت عليكم أبواب العلم ، فقلتم بأهوائكم ، واختلفتم في دينكم ، فأفتيتم في دين الله بغير علم ، واتبعتم الغواة فأغوتكم ، وتركتم الأئمة فتركوكم ، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر ، فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه ، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه ؟ رويداً عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم ، وتجدون وخيم ما اجترمتم ، وما اجتلبتم .

            والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم إني صاحبكم ، والذي به أُمرتم ، وإني عالمكم والذي به نجاتكم ووصي نبيكم ، وخيرة ربكم ولسان نوركم ، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم ، وما نزل بالأمم قبلكم ، وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم ، معهم تحشرون وإلى الله عز وجل غداً تصيرون ، أمّا والله لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعدادكم ، لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق ، وتنيبوا للصدق ، فكان أرتق للعتق ، وأخذوا بالرفق ، اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين) ([70]) .

            ________________________________________

            [1] - آل عمران: 144.
            [2]- الاحتجاج : ج1 ص136.
            [3]- معاني الأخبار: ص355 ، دلائل الإمامة للطبري: ص128 ، أمالي الطوسي: ص376 ، الاحتجاج: ج1 ص149 ، بحار الأنوار: ج 43 ص159.
            [4]- ينابيع المودة للقندوزي: ج2 ص56 ، ذخائر العقبى: ص39 ، أمالي الشيخ الصدوق: ص467.
            [5] - البقرة: 17.
            [6] - العنكبوت: 2 - 4.
            [7]- ذخائر العقبى: ص61 ، سنن الترمذي: ج5 ص300 ، تحفة الأحوذي: ج10 ص153.
            [8] - ذخائر العقبى: ص62 ، ينابيع المودة: ج1 ص245 ، أسد الغابة: ج5 ص548.
            [9] - ذخائر العقبى: ص63 ، ينابيع المودة: ج2 ص152.
            [10]- ذخائر العقبى: ص64 ، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج11 ص226 ، بحار الأنوار: ج38 ص308 ، أعيان الشيعة: ج1 ص354 ، وغيرها.
            [11]- ذخائر العقبى: ص64 ، الغدير: ج3 ص23 ، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (ع) : ج1 ص61.
            [12]- ذخائر العقبى: ص64 ، الغدير: ج3 ص220 ، تاريخ دمشق: ج42 ص39.
            [13]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص75 ، ذخائر العقبى: ص65.
            [14]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص217 ، وراجع المستدرك للحاكم: ج3 ص130 ، وغيره .
            [15]- نيل الأوطار للشوكاني: ج6 ص139 ، تاريخ بغداد: ج1 ص333 ، تاريخ دمشق: ج42 ص259 ، ميزان الاعتدال: ج2 ص586.
            [16]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص59 ، ذخائر العقبى: ص68.
            [17]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص316 ، ذخائر العقبى: ص86.
            [18]- ذخائر العقبى: ص69 ، مناقب أبن شهر أشوب: ج1 ص254 ،مجمع الزوائد: ج9 ص121 ، المعجم الكبير للطبراني: ج22 ص200.
            [19]- ذخائر العقبى: ص71 ، مناقب آل أبي طالب: ج2 ص35 ، ينابيع المودة: ج2 ص163.

            [20] - قال أحمد بن عبدالله الطبري في ذخائر العقبى بعد أن أورد الحديث المتقدم: وإن صح هذا الحديث فالتوريث محمول على ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال: قال علي: (يا رسول الله ما أرث منك ؟ قال: ما يرث النبيون بعضهم من بعض كتاب الله وسنة نبيه) . والوصية محمولة على ما رواه أنس: أن النبي (ص) قال: (وصيي ووارثي يقضى ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه) . أخرجه أحمد في المناقب .... أخرجه أحمد في المناقب وخرجه ابن السراج ، أو على ما رواه حسين بن علي عن أبيه عن جده قال: أوصى النبي (ص) عليا أن يغسله ، فقال علي: (يا رسول الله أخشى أن لا أطيق ذلك ، قال : إنك ستعان عليّ ، فقال علي رضي الله عنه : والله ما أردت أن أقلب من رسول الله (ص) عضواً إلاّ قلب لي) . ويعضد هذا التأويل بما ورد من الأحاديث الصحيحة في نفى التوريث والايصاء ، وإنه لم يعهد إليهم عهداً غير ما في كتاب الله وما في صحيفة فيها شئ من أسنان الإبل ومن العقل على ما قررناه في كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم . ذخائر العقبى: ص71.
            [21]- ذخائر العقبى: ص77، ينابيع المودة: ج2 ص170 ، جواهر الإمام علي بن أبي طالب(ع) : ج1 ص193.
            [22]- مسند أحمد: ج4 ص281 ، ذخائر العقبى: ص76.
            [23]- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص236.
            [24]- بشارة المصطفى للطبري: ص362 ، ذخائر العقبى: ص68 ، شواهد التنـزيل للحاكم: ج1 ص349 ، وفيه : ويلك بدل ويحك.
            [25]- ذخائر العقبى: ص63 ، صحيح ابن حبان: ج15 ص371 ، المعجم الأوسط للطبراني: ج5 ص287 ، المعجم الصغير: ج2 ص22.
            [26] - الأعراف: 142.
            [27]- الاستنصار: ص8 ، الارشاد للمفيد: ج2 ص346 ، الكافي: ج1 ص533 ، مناقب آل أبي طالب: ج1 ص257
            [28]- الاستنصار: ص8.
            [29]- الاستنصار: ص8 ، تقريب المعارف للحلبي: ص419.
            [30]- الكافي: ج1 ص534 ، الاستنصار: ص8.
            [31]- كمال الدين: ص281 ، مقتضب الأثر: ص10 ، الاستنصار: ص8.
            [32] - الخصال: ص476 ، عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص56 ، كمال الدين: ص269.
            [33]- مقتضب الأثر: ص11 ، بحار الأنوار: ج36 ص372 ، وجاء في الخصال باختلاف يسير: ص475 ، ولاحظ عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص56.
            [34]- الكافي: ج1 ص294 ، بحار الأنوار: ج25 ص72.
            [35]- كمال الدين: ص253 ، غيبة الطوسي : ص173 ، بحار الأنوار: ج52 ص379 ، إلزام الناصب: ج1 ص169.
            [36] - في الكافي: ومديل المظلومين وديان الدين .
            [37] - في بعض نسخ الكافي: لا أعذب به .
            [38] - في بعض نسخ الكافي: بسليلك .
            [39] - في الكافي: حسن وحسين .
            [40] - في غيبة النعماني: فهو أفضل من استشهد في ، وأرفع الشهداء درجة عندي ، ... ، وحجتي البالغة عنده .
            [41] - في بعض نسخ الكافي: وزين أولياء الله الماضين .
            [42] - في بعض نسخ كمال الدين: شبيه جدّه .
            [43] - في الكافي : أبيحت . كما أنه في بعض نسخه: أتيحت . وهذا هو الموجود في غيبة النعماني .
            [44] - في بعض نسخ كمال الدين: لأن خيط وصيتي . وفي بعض نسخ غيبة النعماني: ألا إن خيط فرضي .
            [45] - جاءت في كمال الدين .
            [46] - في غيبة الطوسي: وأمتعه ، وفي العوالم: وأمنحنه .
            [47] - بابنه: (م ح م د).
            [48] - جاءت هذه العبارة في شرح اصول الكافي للمازندراني: ج7 ص363.
            [49] - جاء ت هذه الكلمة في غيبة الطوسي: ص146 . وفي غيبة النعماني: ص71.
            [50] - في الهداية الكبرى للخصيبي: عليه إكمال صفوة آدم ورفعة إدريس وسكينة نوح وحلم إبراهيم وشدة موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب.
            [51] - في الكافي: الرنا. والرنة : هي الصياح في المصيبة.
            [52] - في بعض نسخ كمال الدين: القيود .
            [53]- البقرة : 157.
            [54] - إكمال الدين: ص308 ، عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص48 ، الكافي: ج1 ص527 ، الاختصاص للمفيد: ص211 ، الاحتجاج: ج1 ص84 ، غيبة الطوسي: ص145 ، غيبة النعماني: ص71 ، مناقب آل أبي طالب: ج1 ص255.
            [55]- عيون أخبار الرضا: ج2 ص50 ، كمال الدين: ص311 ، الكافي: ج1 ص529.
            [56]- بحار الأنوار: ج36 ص200.
            [57] - آل عمران : 144.
            [58] - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، كنيته أبو عمرو ، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس . بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الامر له ، وصحت فيه فراسة عمر ، فإنه أوطأ بنى أمية رقاب الناس ، وولاهم الولايات وأقطعهم القطائع ، وافتتحت إفريقية في أيامه ، فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان ، فقال عبدالرحمن بن حنبل الجمحي : ...... وأعطيت مروان خمس البلاد . . . فهيهات سعيك ممن سعى ! شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 198.
            [59] - راجع كتاب الغدير للشيخ الأميني: ج8 ص292 وما بعدها ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج3 ص54 ، وغيرهما .
            [60]- روي في وصايا الرسول محمد (ص) لأبي ذر (ع): (... قلت: يا رسول الله ، زدني . قال: قل الحق وإن كان مراً. قلت: يا رسول الله ، زدني . قال: لا تخف في الله لومة لائم ...) الأمالي للطوسي: ص539 - 541.
            [61]- نهج البلاغة: ج2 ص17.
            [62]- راجع ترجمة مالك بن نويرة في الإصابة: ج5 ص560 ، ووفيات الأعيان لابن خلكان: ج6 ص14 ، معالم المدرستين: ج2 ص82.
            [63]- نهج البلاغة: ج1 ص36.
            [64] - الحجرات: 14.
            [65] - الأحزاب: 14.
            [66] - المائدة: 24.
            [67]- الخصال: ص476 ، عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص56 ، كمال الدين: 269.
            [68]- سعد السعود لابن طاووس: ص34 ، بحار الأنوار: ج52 ص384 ، إلزام الناصب: ج2 ص259.
            [69]- معاني الأخبار: ص355 ، دلائل الإمامة للطبري: ص128 ، أمالي الطوسي: ص376 ، الاحتجاج: ج1 ص149.
            [70]- الكافي: ج8 ص32.
            اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
            يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

            Comment

            • السلماني الذري
              عضو نشيط
              • 23-09-2008
              • 402

              #21
              رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

              صلح الإمام الحسن (ع) ، وولاية العهد للإمام الرضا (ع)
              وأخيراً لابد لنا من المرور على حدثين مهمين في حياة أوصياء النبي الخاتم (ص) الأئمة الاثنا عشر (ص) ، لارتباطهما بهذا البحث:

              الأول: هو صلح الإمام الحسن (ع) مع الطاغية معاوية ابن هند (لعنه الله)

              وهو صلح ضروري ، بعد أن أخذت دولة المنافقين التي يقودها معاوية بالاتساع والاستيلاء على الأرض الإسلامية ، وبعد أن خذل المسلمون الإمام الحسن (ع) . فهو إذاً كصلح النبي (ص) للمشركين في الحديبية.

              وقد صرح الإمام الحسن (ع) بأنّ صلحه كان استبقاء للشيعة ، وهم أهل الحق وببقائهم يبقى الحق . وإذا نظرنا بعين البصيرة وجدنا أنّ صلح الإمام الحسن (ع) كان للتهيئة لثورة الإمام الحسين (ع) ، التي هي بدورها تهيئة لثورة الإمام المهدي (ع) ، فالإمام الحسن (ع) لما اضطر إلى تنحية السيف بدأ حرباً جديدة مع معاوية ، هذه المرّة حرب إعلامية الهدف منها تهيئة الأمة لثورة الحسين (ع) ، وعلى أقل تقدير أن تكون الأمة مستعدة لقبول هذه الثورة والتعاطف معها ، بل والتفاعل معها ولو بعد قيامها ، ومن اطلع على أحوال الأمة في زمن الإمام الحسن (ع) يعلم أن هذا هدف كبير يرجى من أمة نكس أبناؤها وخذلوا قائدهم المعصوم ، حتى أصبحوا يرون المنكر معروفاً ، وكاد أن لا يبقى للتشيع اسم ولا رسم لولا الحركة الإعلامية للإمام الحسن (ع) . فلم يكن صلح الإمام الحسن (ع) صلحاً بهذا المعنى ، إنما كان هدنة اضطر لها الإمام الحسن (ع) ليتبعها أخيه الحسين (ع) - الذي هو كنفسه - بثورة لا يزال صداها يهز الدنيا إلى اليوم ، فكما أنّ الإمام أمير المؤمنين (ع) كان ينظر إلى المستقبل وإلى دولة لا إله إلاّ الله العالمية ، كذلك كان الإمام الحسن (ع) ، فجميع المعصومين (ع) كانوا ينظرون إلى اليوم الذي يظهر فيه هذا الدين على الدين كله ، فمسيرة الإنسانية هي مسيره تكاملية في الجملة وإن تعرّضت لبعض الانتكاسات ، حيث إن نتيجتها هو صلاح معظم أهل الأرض في زمن ظهور الإمام المهدي (ع) .

              والأئمة (ع) كانوا يفعلون كل ما من شأنه توجيه هذه الأمة لحمل الرسالة الإلهية في يوم من الأيام إلى أهل الأرض جميعاً ، فكانوا (ع) يؤثرون رضا الله ومصلحة الإنسانية على أنفسهم ، ويتحملون أشدّ أنواع الأذى النفسي والجسدي في سبيل هذا الهدف العظيم ، وهو إيمان أهل الأرض بلا إله إلاّ الله محمد رسول الله .


              الثاني: ولاية العهد للإمام الرضا (ع)

              والثاني هو ولاية العهد التي قبلها الإمام الرضا (ع) بعد أن أجبره المأمون العباسي عليها ، وهي نظير وزارة يوسف (ع) لملك مصر التي كانت بالإجبار ، وإن كان فيها بعض النفع لعامة الناس ، فهي إذن فتنة وامتحان للمؤمنين كما امتحن سبحانه بني إسرائيل عندما جعل موسى (ع) يتربى ويعيش في قصر فرعون الطاغية (لعنه الله) ، فهذه كتلك: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾([1]) .

              وفي نهاية المطاف سم المأمون العباسي الإمام الرضا (ع) بعد أن وجد المأمون نفسه غير قادر على تحجيم عمل الإمام الرضا (ع) ، مع أنّه كان في قصره وتحت يده .
              وهكذا كانت حياة الأئمة (ع) أوصياء النبي الخاتم (ع) صورة لحياة الأنبياء السابقين على هذه الأرض ، فهم بين طاغوت متسلط مستبيح لدمائهم المقدسة ومن تبعه أو ركن له من علماء السوء غير العاملين ، وبين أمة خذلتهم واختارت عبادة العجل واتباع السامري إلاّ القليل ممن وفى بعهد الله ، ولما وصل الأمر إلى خاتم الأوصياء (ع) بقية الله في أرضه محمد بن الحسن المهدي (ع) شاء الله له الغيبة عن أنظار الناس والطواغيت ، ليحفظ بحفظه القرآن والشريعة حتى يأذن له بالظهور وإظهار الحق عندما تتهيأ الأمة لنصرته ، وقد ورد عنه (ع): (وأمّا علة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عز وجل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ ) ([2]) .

              والحر تكفيه الإشارة ، والسلام على نور الله في أرضه وبقيته في عباده الذي سماه آباؤه (ع) المظلوم ، وهو المظلوم حقاً حتى من شيعته الذين لا يكادون يذكرونه مع غيبته وشديد محنته .
              والسلام على المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته .

              بسم الله الرحمن الرحيم
              ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ ([3]) .

              ________________________________________

              [1] - العنكبوت: 2 - 3.
              [2]- كمال الدين: ص485 ، الغيبة للطوسي: ص292 ، الاحتجاج: ج2 ص284 ، بحار الأنوار: ج52 ص92.
              [3] - النور: 40 .
              اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
              يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

              Comment

              • السلماني الذري
                عضو نشيط
                • 23-09-2008
                • 402

                #22
                رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
                اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما

                نبدأ الجزء الثاني من كتاب العجل بحول الله وقوته بمقدمة الامام أحمد الحسن (ع)

                المقدمة

                بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمد لله رب العالمين ، الذي قال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ ([6]) .
                وصلى الله على الأنبياء والمرسلين وعلى خاتمهم المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله الغر الميامين ، وعلى خاتمهم الذي سيبعث نقمة على الكافرين .
                قدّمت في الجزء الأول إنّ هذا البحث هو: نظرة من خلال قصص الأنبياء والمرسلين والأمم الغابرة إلى حال المسلمين في الحاضر وفي المستقبل المرتقب فيه ظهور الإمام المهدي (ع) . كما أنّه دعوة للإصلاح ولمراجعة المسيرة ، وخصوصاً لمن يدّعون تمثيل الإمام المهدي . وهو دعوة للاستعداد لنصرة الإمام المهدي (ع) وتجنب الوقوف ضدّه ، سواء مع الطواغيت كالسفياني ، أو مع علماء السوء السامريين . وقد توخيت فيها أن ألزم جانب اللين والرحمة ، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ([7]) .
                فالواقع الإسلامي اليوم مخزٍ ، والحال مرير ، ولابدّ من الإصلاح ، ولابدّ أن يتصدّى مؤمنون لهذا الإصلاح . ومن الطبيعي أن تكون هناك تضحيات في صفوف السائرين على هذا النهج الشريف ، الذي هو كالسير على الجمر .
                فعن الإمام الباقر (ع) ، قال: (قال رسول الله (ص) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين . فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله ؟ فقال: لا ، إنّكم أصحابي ، وأخواني قوم في آخر الزمان ، آمنوا ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد - أي الشوك - في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا ([8]) ، أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة) ([9]) .
                فمن الصعب أن تقف بوجه الطواغيت وعلماء السوء السامريين تقارعهم وتقاتلهم ويدك خالية حتى من حجر تدافع به عن نفسك ، ولا ناصر ولا معين . وفي أيديهم أسلحة ودبابات وصواريخ وآلة إعلامية ضخمة ، وأسماء رنّانة صرفت أموال طائلة لإحاطتها بهالة من القدسية الزائفة ، وأموال طائلة تغدق على من يعبدهم من دون الله ويطبل ويزمر لهم ويسميهم زعماء وعلماء .
                ولكن لي ولإخواني المؤمنين بموسى وهارون أسوة ، عندما قارعا فرعون وهامان وقارون والسامري وبلعم بن باعورا (لعنه الله) الظاهر بلباس العالم العابد الناسك .
                ولنا بعيسى (ع) عندما قارع قيصر وبيلاطس وجيوش الرومان وعلماء بني إسرائيل الضالين أسوة . ولنا بمحمد (ص) عندما قارع الطواغيت وعلماء السوء أسوة . ولنا بآل محمد (ع) عندما قارعوا طواغيت بني أمية وبني العباس وعلماء السوء السامريين في هذه الأمة أسوة .
                ووالله لولا أنّ الله كتب على المؤمنين إنكار المنكر ، ولولا أني اطلعت على كثير من الحقائق التي ملأت كبدي قيحاً ، سواء من الحكام المفسدين أم من علماء السوء الفاسدين - ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ﴾ ([10])- لألقيت حبلها على غاربها ، ولما اخترت هذه المواجهة الدامية مع ألوف مؤلفة مسلحة بكل أنواع الأسلحة المادية والعسكرية والإعلامية . وليس بين يدي إلاّ أن أقول: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ ([11]) .
                أيّها الأحبة إني لماّ تدبرت طويلاً وصية أمير المؤمنين (ع) وجدته يقول: (والله ما فاجئني من الموت وارد كرهته ، ولا طالع أنكرته ، وما كنت إلاّ كقارب ورد ([12]) ، وطالب وجد ، وما عند الله خير للإبرار) ([13]) .
                ووجدت أنّ العاقل اللبيب المطيع لله الموتُ أحب إليه من الحياة . وما عند الله خير للإبرار . جعلني الله أنا الحقير المسكين ممن يتمرّغون في تراب وطئوه ، وممن يسلك الصراط المستقيم الذي سلكوه . وإنّي لما تدبرت طويلاً حال الأنبياء والأوصياء وعباد الله المخلصين في القرآن وفي سيرتهم ، وجدتهم أصحاب غيرة وأنوف حمية ، تأبى اختيار طاعة الطاغوت والخضوع له ، بل وجدتهم يقتلون ويقطّعون ويصلبون بعز وكرامة دونما لحظة خضوع أو مداهنة أو ركون لظالم .
                وجدت إبراهيم (ع) يحمل فأساً ويكسر الأصنام ، ولا يبالي بما سيفعله به الطواغيت وعلماء السوء ، حتى يلقى في النار .
                ووجدت يحيى (ع) يصرخ بوجه هيرودس: إنّك فاجر ، حتى يقطع رأسه .
                ووجدت الحسين (ع) يهتف بوجه يزيد (لعنه الله) إنّك كافر ، حتى قتل صحبه وبنو عمه وإخوته وبنوه ، فما خضع وما ركن للظالم حتى قتل ، ورُفع رأسه على رمح ، وسبيت نساؤه . فنصره الله لما نصر دين الله في أرضه .
                ووجدت موسى بن جعفر (ع) يهتف بوجه طواغيت بني العباس المهدي والهادي والرشيد الضالين: إنّكم كفرة ، حتى نقلوه من سجن إلى سجن ، ومن طامورة إلى طامورة ، فما خضع وما استسلم حتى قتله الرشيد (لعنه الله) في السجن بالسم .
                ووجدت موسى بن عمران (ع) يقارع فرعون (لعنه الله) وقواته المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة في حينها ، وليس معه إلاّ عصا شاء الله أن يجعلها آية من آياته .
                ووجدت أمير المؤمنين (ع) تثخنه الجراح في أُحُد ، فلا يزداد إلاّ يقيناً وقوة في دين الله ، تزيده قوّة في بدنه ، يجندل بها صناديد قريش .
                ووجدت حبيب الله محمداً (ص) بعد أن تثخنه الجراح ، وتكسر رباعيته في وقعة أُحُد ، يعود ويكر على المشركين بجمع من أصحابه ، معظمهم جرحى يتكئون على قوائم سيوفهم ورماحهم ، فيرحم الله سبحانه حالهم ويلقي الرعب في صفوف المشركين فيولون مدبرين بعد أن قرّروا استئصال النبي (ص) وأصحابه ، فنصره الله دونما قتال .
                ثم نظرت إلى حالنا اليوم فوجدت الطواغيت المتسلطين على هذه الأمة ، لم يبقوا من الدين إلاّ اسمه ، ومن القران إلاّ رسمه ، ويا ليتهم تركوه على حاله ، بل عمدوا إليه وأهانوه ونجسوه تقرّباً للشيطان الرجيم ، وامتثالاً لأوامر السحرة والكهان (لعنهم الله وأخزاهم) ، والمسلمون وعلماؤهم صامتون ، كأنّ على رؤوسهم الطير ، وكأنّ القرآن لا يعنيهم بشيء ([14]) .
                الويل لكم أيّها الصامتون ، هذا هو الكتاب الذي لا يمسّه إلاّ المطهرون ، هذا هو أحد الثقلين ، فكيف خلفتم رسول الله فيه ، كيف تسكتون على من ينجسه بدمه الخبيث ، أخوفاً من الموت أو القتل ؟! أذن لا تمتعون إلاّ قليلاً .
                أم تقولون تقية ، ويحيى بن زكريا (ع) قُتل وقطع رأسه من أجل أمر أقل من هذا بكثير ، من أجل زنا بمحرم ([15]) .
                أنتم يا علماء الإسلام ، يا من تدعون تمثيل الأنبياء ، ماذا بقي بعد الاستخفاف بكتاب الله وتنجيسه ؟! ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ ([16]) .
                قال عيسى (ع): (إنكم علماء السوء الأجر تأخذون والعمل تضيعون . يوشك رب العمل أن يطلب عمله ، وتوشكون أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه) ([17]) .
                لقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته ، فكفروا به فسوف يعلمون . لقد شُغلوا بدراسة المنطق والنحو وتدريسها عن دراسة كتاب الله وتدريسه ، وشُغلوا بتقديس المنطق عن كتاب الله وتقديسه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ ([18]) .
                بماذا ستعتذرون أمام الله عن خذلانكم لكتاب الله بالتقية ؟! إذاً لو كنتم في كربلاء لوقفتم مع جيش عمر بن سعد (لعنه الله) وقتلتم الحسين (ع) واعتذرتم بالتقية ، أو على الأقل لوقفتم جانباً واعتزلتم القتال ، واعتذرتم بهذا العذر القبيح ، نعم فقتلة الحسين كانوا يدَّعون أنهم شيعة وراسلوا الحسين (ع) وادعوا أنهم سينصرونه ، فلما وجدوا أنّ نصرته ستفقدهم حياتهم المادية قتلوه ونصروا أولاد البغايا ! وخذلوا ابن فاطمة (ع) من خستهم والخبث والجبن الذي انطوت عليه نفوسهم . وهكذا أنتم لو خذلتم كتاب الله اليوم ، فحتماً ستخذلون غداً ابن الحسين (ع) الإمام المهدي(ع) .
                بسم الله الرحمن الرحيم ﴿المر * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ([19]) . لا يؤمنون بالحق ؛ لأنّه مر . ولا يسلكون طريق الحق ؛ لأنّهم يستوحشون من السير فيه لقلة سالكيه ، ويعجبهم الخبيث لكثرته ، كأنهم لم يسمعوا قوله تعالى: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ ([20]) .
                بلى سمعوها ووعوها ، ولكنهم كما قال أمير المؤمنين (ع): (حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها) ([21]) . واجتمعوا على جيفة أُفتضحوا بأكلها ، ومن حلي في عينه شيء أعشى بصره وأعماه([22]) .
                قال تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ ([23]) .
                بلى مثلهم كالمنافقين في صدر الإسلام ، أوقدوا شعلة الإسلام مع الرسول (ص) فلما أسلم الناس نافقوا هم وطلبوا الدنيا ، فذهب الله بقشورهم الدينية التي غلفوا بها بواطنهم السوداء .

                ****

                [1]- البقرة :256.
                [2]- الشعراء :10 ـ 15.
                [3]- الكافي: ج1 ص338.
                [4]- الكهف : 18.
                [5]- أمالي الصدوق: ص93.
                [6]- فاطر : 22 - 25.
                [7]- آل عمران : 159.
                [8]- شجرة جمرها شديد الحرارة ويبقى فترة طويلة لا ينطفئ.
                [9]- بصائر الدرجات: ص104، بحار الأنوار: ج52 ص124، مكيال المكارم : ج1 ص346.
                [10]- الكهف : 18.
                [11]- القمر : 10.
                [12]- قارب ورد: يقال لطالب الماء ليلاً، ولا يقال لمن طلبه بالنهار.
                [13]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص21.
                [14]- يشير (ع) إلى ما فعله الطاغية صدام حسين حاكم العراق لعنه الله وأخزاه، حيث إنّه نجس القرآن الكريم، وذلك حينما كتب القرآن بدّمه النجس القذر. فلم يدافع المسلمون عن حرمة قرآنهم، كما لم يدافع العلماء عن حرمة القرآن الكريم الذي جعله الله تعالى هادياً للأمة ويمثل هويتهم الإسلامية، فانسلخوا عن مسؤوليتهم خوفاً من شوكة الطاغية الملعون، سواء في ذلك علماء السنة أم علماء الشيعة، فلم يعترض أحد منهم على هذه الجناية العظيمة بحق القرآن، بل أصبحوا لا يرغبون فيمن يعترض على ذلك!! فلم يقف أحد يدافع عن القرآن إلاّ السيد أحمد الحسن (ع) .... وأنزل بياناً في ذلك، وكان بتاريخ:20 / جمادي الأول / 1425هـ . ق، مما جعل علماء السوء الذين يلهثون خلف الدنيا يبتعدون عنه أبعدهم الله عن رضوانه، بل طرده بعضهم كما ذكر (ع) ذلك في كتاب الجواب المنير الجزء الثاني في جواب السؤال الثالث والعشرين من قسم الأسئلة العقائدية.
                [15]- روى ابن شهر آشوب في المناقب: عن مقاتل، عن زين العابدين (ع)، عن أبيه الحسين (ع): (إنّ امرأة ملك بني إسرائيل كبرت وأرادت أن تزوج بنتها للملك فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك، فعرفت المرأة ذلك وزينت بنتها وبعثتها إلى الملك فذهبت ولعبت بين يديه، فقال لها الملك: ما حاجتك؟ قالت: رأس يحيى بن زكريا، فقال الملك: يا بنية حاجة غير هذه، قالت: ما أريد غيره، وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه فخير بين ملكه وبين قتل يحيى فقتله، ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب فأمرت الأرض فأخذتها، وسلط الله عليهم بخت نصر فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ولا تعمل شيئاً، فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت: أيها الملك إنّ هذه مدينة الأنبياء لا ننفتح إلاّ بما أدلك عليه، قال: لك ما سألت، قالت: ارمها بالخبث والعذرة، ففعل فتقطعت فدخلها فقال: عليّ بالعجوز، فقال لها: ما حاجتك؟ قالت: في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن، فقتل عليه سبعين ألفاً حتى سكن، يا ولدي يا علي والله لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي الله فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص237.
                [16]- النساء : 77 - 78.
                [17] - بحار الأنوار: ج2 ص39، منية المريد: ص141، سنن الدارمي: ج1 ص103، الدر المنثور: ج2 ص29.
                [18]- الفرقان :30.
                [19]- الرعد : 1.
                [20]- المائدة :100.
                [21]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده : ج1 ص36.
                [22]- قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها، واصطلحوا على حبها، ومن عشق شيئاً أعشى بصره وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه، فهو عبد لها، ولمن في يده شيء منها، حيثما زالت زال إليها وحيثما أقبلت أقبل عليها. ولا يزدجر من الله بزاجر، ولا يتعظ منه بواعظ) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج1 ص 211.
                [23]- البقرة : 17.
                اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                Comment

                • السلماني الذري
                  عضو نشيط
                  • 23-09-2008
                  • 402

                  #23
                  رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                  الانحراف في الأمة الإسلامية عن الصراط المستقيم
                  قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ ([24]).
                  الانحراف عن الصراط المستقيم وقع حتماً في الأمة الإسلامية ، سواء في العقائد أو الأحكام الشرعية: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ ([25]) ، ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ ([26]) .
                  وقال رسول الله (ص): (والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، حتى لا تخطئون طريقهم ولا يخطئكم سنة بني إسرائيل) ([27]) .
                  والمستفاد من الروايات أنّ أول ما سيقوم به المهدي (ع) عند ظهوره وقيامه هو تعديل هذا الانحراف ، وإعادة الأمة إلى جادة الصراط المستقيم ، وإعادة الإسلام غضّاً طريّاً كما كان في عهد رسول الله (ص) ، بعد أن حرّفه أئمة الضلال السامريون .
                  عن أبي بصير ، قال: قال الإمام الصادق (ع): (الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء . فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله . فقال (ع): يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله (ص)) ([28]) .
                  وعن الصادق (ع) ، قال: (يصنع - أي القائم - ما صنع رسول الله (ص) ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (ص) أمر الجاهلية ، يستأنف الإسلام جديداً) ([29]) .
                  وعن ابن عطاء ، قال: (سألت أبا جعفر الباقر (ع) فقلت: إذا قام القائم (ع) بأي سيرة يسير في الناس ؟ فقال (ع): يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (ص) ، يستأنف الإسلام جديداً) ([30]) .
                  عن الباقر (ع) ، قال: (إذا قام قائمنا دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا رسول الله (ص) ، وإنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء) ([31]) .
                  وربما يُظن إنّ الانحراف طال السُـنَّة فقط ، باعتبارهم تركوا التمسك بآل النبي الأئمة الاثني عشر (ع) ، مما أدّى بهم في النتيجة إلى الانحراف سواء في العقائد أو الأحكام ، ولكن الحقيقة إنّ الأحاديث الواردة عن أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم دالة على أنّ الانحراف يطال الجميع قبل قيام الإمام المهدي (ع) ، كما أنّ الخلافات في العقائد وفي الأحكام الشرعية وفي طرق استنباط الأحكام الشرعية بين علماء المسلمين سواء بين السنة والشيعة ، أو بين علماء كل فرقة أنفسهم دالة على ذلك .
                  ولهذا فمن الضروري أن نعرف الأمور التي وقع فيها خلاف بين علماء المسلمين ولو بشكل موجز ، لكي لا نقع غداً عند ظهور الإمام المهدي (ع) فريسة سهلة لأحد أئمة الضلال السامريين ، فيصيرنا - بسب جهلنا للحقائق - أعداءً للإمام المهدي (ع) ونحن نظن أننا على الصراط المستقيم وأننا نحسن صنعاً ، ولهذا فسأحاول عرض بعض هذه الأمور وبشكل موجز ، وربما مجمل في بعض الأحيان ومن الله التوفيق .

                  ****

                  [24]- العنكبوت: 1 - 6.
                  [25]- الفتح: 23.
                  [26]- الانشقاق: 19.
                  [27]- تفسير العياشي: ج1 ص304 ، تفسير الصافي: ج2 ص26 ، بحار الأنوار: ج13 ص180.
                  [28]- تفسير العياشي: ج2 ص303 ، غيبة النعماني: ص337 ، بحار الأنوار: ج52 ص 366.
                  [29]- غيبة النعماني: ص236 باختلاف يسير جداً ، بحار الأنوار: ج52 ص353.
                  [30]- غيبة النعماني: ص238 ، بحار الأنوار: ج52 ص 354.
                  [31]- غيبة النعماني: ص336 ، بحار الأنوار: ج52 ص366.
                  اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                  يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                  Comment

                  • السلماني الذري
                    عضو نشيط
                    • 23-09-2008
                    • 402

                    #24
                    رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                    أولاً: التحريف في القران الكريم

                    وردت روايات كثيرة عن أهل بيت النبي (ص) دالة على التحريف ، كما وردت روايات عن صحابة النبي (ص) عن طريق السنة في كتبهم دالة على وقوع التحريف ([32]) .
                    والمقصود بالتحريف: أنّ القرآن الذي بين أيدينا غير كامل ، وإنّ بعض كلماته تبدلت أو بُدلت بقصد . ورجح بعض علماء المسلمين وقوع التحريف كما رجح بعضهم عدم وقوع التحريف .
                    ويَستدل القائلون بعدم التحريف بعدّة أمور هي:
                    1- آية الحفظ: ﴿إِنا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ([33]) .
                    وهذه الآية يمكن أن تفسّر بحفظ القرآن من التحريف ، وبقائه عند الأمّة سالماً من الزيادة والنقص والتغيير ، ومن أن تمتد يد أهل الباطل وأئمة الضلال إليه .
                    2- قال تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ ([34]) .
                    وهذه الآية يمكن أن تفسّر بأنّ القرآن محفوظ من ولوج الباطل بين طياته ، سواء أكان هذا الباطل بتبدّل بعض الكلمات أو بزيادة أو نقص بعض السور والآيات .
                    3- الروايات الدالة على التحريف يمكن حمل بعضها على أنّها دالة على التحريف المعنوي ، أي التحريف في التأويل لا التنـزيل ، وهذا أمر واقع يقرّه جميع المسلمين .
                    4- إنّ بعض الروايات الدالة على التحريف ضعيفة السند .
                    5- الروايات التي لا تقبل التأويل والدالة على التحريف اللفظي أو النقص يضرب بها عرض الجدار ؛ وذلك لأنّها مخالفة للقرآن ، وقد ورد عن المعصومين (ع) ما معناه: ما جاءكم عنا مخالف لكتاب الله فدعوه ([35]) .
                    6- القرآن المجموع في زمن النبي (ص) هو الذي بين أيدينا ؛ لأنّ من غير المعقول أنّ رسول الله (ص) لم يهتم بكتابة وجمع القرآن في حياته .
                    ثم جاء بعده أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت ليجمعوه ، وجاء بعدهم عثمان ليجمع الناس على مصحف واحد ويحرق أو يتلف البقية التي تختلف عنه بشكل أو بآخر ، فيكون الذي بين أيدينا هو المصحف العثماني كما يروي العامة والخاصة .
                    7- القول بتحريف القرآن يلزم هدم إثبات نبوة محمد (ص) اليوم ؛ لأنّ القرآن هو المعجز الذي جاء به النبي (ص) .
                    8- مع القول بالتحريف لا يبقى للقرآن الذي بين أيدينا فائدة ، ولا يمكن التعويل عليه في العقائد ، فضلاً عن الأحكام الشرعية وغيرها .
                    أمّا أدلة القائلين بالتحريف فهي:
                    1- الروايات الدالة على التحريف ، وهي كثيرة جداً عن طريق الشيعة والسنة ، وكمثال على ما روي عن طرق السنة ، إنّ رسول الله (ص) قال: (من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) ([36]) .
                    وعلى هذا يكون ابن مسعود من خير الصحابة الذين حفظوا القرآن .
                    ثم إنّهم يروون عن ابن مالك ، قال: (أمر بالمصاحف أن تغير ، قال: قال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله ، فإنّ من غل شيئاً جاء به يوم القيامة ، قال: ثم قال - أي ابن مسعـود -: قرأت من فم رسول الله (ص) سبعين سـورة ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله (ص) ؟) ([37]) . وعندهم السند صحيح كما قال أحمد محمد شارح مسند أحمد .
                    ورواه أبوداود ، وابن كثير في التفسير ، وروى معناه ابن سعد في الطبقات ([38]) .
                    ومعنى الحديث واضح: إنّ ابن مسعود يرى أنّ القرآن الذي كتبه عثمان ناقص ، أو حدث فيه بعض التغير على الأقل ، فقوله: (أفأترك ما أخذت من في رسول الله (ص)) ، دال على أنّ ما أخذه يختلف بشكل أو بآخر عمّا كتبه عثمان . وابن مسعود (رحمه الله) ظل مصراً على رأيه ورفضه لما كتبه عثمان حتى قتله عثمان عندما أحرق المصاحف وأحرق مصحفه ، وجلده حتى مات بعدها .
                    والروايات التي وردت في كتب السنة الدالة على نقص القرآن كثيرة ، وقد اختاروا اسم نسخ التلاوة للسور والآيات التي وردت عندهم بالروايات ، ولم تكتب بالمصحف الموجود اليوم ([39]) .
                    أمّا الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) فهي كثيرة ، ولكنّهم (ع) أمرونا أن نقرأ كما يقرأ الناس ، حتى يقوم القائم منهم صلوات الله عليه وعليهم ([40]) .
                    وسئل الشيخ المفيد (رحمه الله) في المسائل السرورية: ما قوله أدام الله تعالى حراسته في القرآن ؟ أهو ما بين الدفتين الذي في أيدي الناس ، أم هل ضاع مما أنزل الله تعالى على نبيه منه شيء أم لا ؟ وهل هو ما جمعه أمير المؤمنين (ع) ، أم ما جمعه عثمان على ما يذكره المخالفون ؟
                    فأجاب: (لا شك إنّ الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنـزيله ، وليس فيه شيء من كلام البشر ، وهو جمهور المنـزّل ، والباقي مما أنزله الله تعالى (قرآناً) ([41]) عند المستحفظ للشريعة ، المستودع للأحكام - أي المهدي (ع) - ، لم يضْيع منه شيء ، وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع ، لأسباب دعته إلى ذلك ، منها: قصوره عن معرفة بعضه . ومنها ما شك فيه . ومنها ما عمد بنفسه . ومنها ما تعمد إخراجه منه .
                    وقد جمع أمير المؤمنين (ع) القرآن المنـزل من أوله إلى أخره وألّفه بحسب ما وجب تأليفه ، فقدم المكي على المدني ، والمنسوخ على الناسخ ، ووضع كل شيء منه في حقّه .
                    فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق (ع): (أما والله لو قرئ القرآن كما أُنزل ألفيتمونا فيه مسمين ، كما سمي من كان قبلنا) ([42]) .
                    وقال (ع): (نزل القرآن أربعة أرباع ، ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع قصص وأمثال ، وربع قضايا وأحكام ، ولنا أهل البيت فضائل القرآن) ([43]) .
                    وقال المجلسي(رحمه الله): (غير أنّ الخبر قد صح عن أئمتنا (ع) أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين ، وأن لا نتعدّاها بلا زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم (ع) فيقرئ الناس القرآن على ما أنزله الله تعالى ، وجمعه أمير المؤمنين (ع)) ([44]) .
                    2- قيام عثمان بإحراق المصاحف بعد أن اختار أحدها ، مع وجود اختلاف بينها ، بل وأحرق مصحف عبدالله بن مسعود وأنكر عليه قراءته ، وضربه حتى مات ، مع أنّ رسول الله (ص) قال - على ما روي عنه:- (من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد) ([45]) .
                    3- اقتفاء سنن الماضين ، فاليهود حرفوا التوراة ، والمسيح حرفوا الإنجيل ، قال تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾([46]) .
                    وقد ورد حديث اقتفاء سنن الماضين عن النبي (ص) وأهل بيته المعصومين (ع) ، والحديث صحيح مستفيض الرواية ([47]) .
                    ومعنى اقتفاء سنن الماضين موجود في أرض الواقع ، وشيء حاصل بيّن لكل من تصفح التاريخ ولو إجمالاً ([48]) .
                    4- آية الحفظ متشابهة ، تحتمل وجوه كثيرة من التفسير والتأويل ، ومنها: إنّ القرآن محفوظ عند المعصوم (ع) .
                    وهذا الوجه في التفسير تدل عليه الروايات عنهم (ع) ([49]) .
                    وكذلك الآية الأخرى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾([50]) ، متشابهة تحتمل وجوه .
                    والعجيب أن يُرجع بعضهم روايات صحيحة السند محكمة الدلالة وردت عن أهل بيت العصمة إلى آيات متشابهة ، وهم يدعون فقه القرآن والسنة. فليت شعري المحكم يرجع إلى المتشابه أم المتشابه إلى المحكم ؟!
                    5- لا سبيل لردّ الروايات الصحيحة ؛ لأنّ بعضها محكمة في دلالتها على التحريف والنقص ، والآيات السابقة متشابهة والمتشابه يرجع إلى المحكم ليفهم معناه لا العكس ، كما أنّ تغيير حرف أو كلمة في آية لا يعد ، وما في القراءات السبعة من الاختلاف .
                    ومن هنا فإنّ قبول قراءة المعصوم أولى من قبول قراءة غيره ، وعلى أقل تقدير فلتقبل قراءته كقراءة غيره ، فلا وجه لحصر القراءات بسبعة مع أنّه توجد قراءات مروية غيرها .
                    6- القرآن الذي بين أيدينا جمع في زمن أبي بكر وعمر ، والدال عليه الروايات عن طريق السنة والشيعة ، بل إنّ هذه الحادثة متواترة في التاريخ وكانت هناك عدة مصاحف أحرقها عثمان وجمع الناس على مصحف واحد ([51]) .
                    أمّا القرآن الذي جمعه النبي (ص) فهو عند علي (ع) ، وقد عرضه على القوم ولم يقبلوه وهو عند الإمام الثاني عشر (ع) اليوم ، والدال عليه روايات كثيرة وردت عن أهل البيت (ع) .
                    عن سالم بن سلمة ، قال: قرأ رجل على أبي عبدالله (ع) وأنا استمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبوعبدالله (ع): (كف عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم (ع) قرأ كتاب الله (عز وجل) على حدّه ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي (ع)) . وقال: (أخرجه علي (ع) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، وقال لهم: هذا كتاب الله (عز وجل) كما أنزله الله على محمد وقد جمعته من اللوحين ، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القران لا حاجة لنا فيه ، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً ، إنما كان عليَ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه) ([52]) . وفي رواية أخرى عن النبي (ص) قبل وفاته أعطى القراطيس التي كتب فيها القرآن لعلي (ع) ، وأمر بجمعه وحفظه .
                    أمّا الإدعاء بأنّ القرآن الذي بين أيدينا جمع في زمن النبي (ص) فهي دعوى جزافية لا دليل عليها ، بل مردودة بما قدمت .
                    7- إنّ إثبات النبوة لمحمد (ص) بأخلاقه وأمانته وصدقه وسيرته قبل بعثته ومعجزات كثيرة القرآن أحدها . وقد نقل الكثير منها بشكل متواتر من جيل إلى جيل ، وفي كتب التاريخ .
                    ومنها ما كان في ليلة ميلاده كانشقاق إيوان كسرى ، وهدم أربعة عشر شرفة من شرفاته ، وخمود نيران فـارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، وغور بحيرة ساوة ، وفيض وادي السمـاوة ، وتهافت النجوم على الشياطين بالرجوم ، ومنعها من السمع ([53]) .
                    ومنها: المقرونة بدعوى النبوة والتحدّي ، كانشقاق القمر ، وانشقاق الشجر ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى بيده ، ونبع الماء من أنامله ، ونطق الجمادات والحيوانات لأجله ، وتسليم الغزال عليه ، ونطق اللحم المسموم بين يديه ، وكلام ذئب الفلاة لأجله ، ودر شاة أم مُعبد ، وبرق الصخرة يوم الخندق ، وأكل الخلق الكثير من الطعام القليل ([54]) .
                    كما أنّ القرآن الذي بين أيدينا عند القائلين بالتحريف هو قرآن من عند الله ولكنّه ليس جميعه ، وبهذا يبقى على إعجازه ، ويعتمد عليه في العقائد والأحكام وغيرها ، مع أنّ إعجاز القرآن مختلف فيه أصلاً كونه البلاغة أو الأسلوب أم الحكم والمواعظ أو الأخبار بالمغيبات أو سلامته من التناقض أو التشريع العادل ؟
                    وربما يقال: جميع هذه الأمور هي إعجاز القرآن . وربما قيل: إنّ إعجازه نفسي باطني .
                    ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً﴾ ([55]) ، ويؤيده طمأنينة نفس المؤمن عند قراءته ، ويؤيده أنّه شفاء للصدور ، ويؤيده إنّ بعض آياته إذا قرأت لها تأثير على الموجودات الملكوتية واللطيفة كالجن ، بل المادية كجسم الإنسان .
                    ورد عن المعصومين (ع) ما معناه: (إنّ الفاتحة إذا قرأت سبعين مرّة على ميت فلا تتعجبوا إذا قام حياً) ([56]) ، ﴿أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ .
                    وربما لن يظهر هذا الإعجاز بشكل واضح للجميع إلاّ في زمن ظهور القائم (ع) ؛ حيث ورد أنّ أصحابه يسيرون على الماء ([57]) ، بل لو تدبّرنا التحدّي في القرآن لوجدناه شاملاً للجميع لأهل العربية وغيرهم ، وللإنس والجن: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ ([58]) . فلو كان الإعجاز في تركيب الألفاظ أي بالبلاغة أو الأسلوب أو غيرها ، لكان التحدّي لغير أهل العربية لا معنى له مع أنّ الآية تشملهم ، فإذا كان الأمر كذلك أي إن إعجاز القران باطني نفسي كان بقاء آية واحدة من القرآن كافياً لبقاء إعجازه ، بل جزء من آية كافٍ ، مثل: ﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ ([59]) ، أو ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ ، بل الباء في البسملة كافية لإثبات إعجازه .
                    روي أنّ أمير المؤمنين (ع) تكلم في أسرار الباء في البسملة ليلة كاملة ([60]) .
                    وقال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ ([61]) .
                    فلا تتوهم أنّ سبب إيمان هؤلاء العلماء الربانيين القسيسين والرهبان هو: البلاغة أو الأسلوب ، بل الحقائق التي وراء تلك الألفاظ ، والتي جعلت أعينهم تفيض من الدمع . وهؤلاء وأمثالهم هم الحجة في كشف إعجاز القرآن لبني آدم ، لا من أقتصر علمه على القشور والألفاظ فقط .
                    قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ ([62]) .
                    فمن كشف معجزة موسى (ع) لبني آدم ؟! إنّهم السحرة عندما عرفوا أنها ليست بوهم ، بل حقيقة من رب العالمين فلم يستكبروا وخروا ساجدين .
                    والخلاصة: إنّ القول بالتحريف لا يعدو القول بالنقصان أو بتغيير بعض الكلمات اعتماداً على الروايات التي وردت عن المعصومين (ع) وعن بعض الصحابة . وكلاهما - أي النقصان وتغير بعض الكلمات - لا يقدح بكون الذي بين أيدينا قرآناً ، حيث إنّ القول بالنقصان يعني أن الذي بين أيدينا بعض القرآن ، فلا إشكال في أنّه من الله سبحانه .
                    أمّا القول بتغير بعض الكلمات مثل : (أمة بـ أئمة) ، و(اجعلنا بـ اجعل لنا) ، و (طلح بـ طلع) ، فهو شبيه بالقول بالقراءات السبعة أو العشر التي لاقت القبول من جميع المسلمين اليوم ، وهم لا يخطّئون من يقرأ بأي منها مع اختلاف بعض الكلمات من قراءة إلى أخرى ، سواء باللفظ أو بالمعنى .
                    هذا والحمد لله الذي رزقنا ذكره ومنّ علينا بكتابه الكريم وقرآنه العظيم ، والحمد لله وحده .
                    * * *

                    [32]- راجع : مسند أحمد: ج1 ص47 ، 55 ، وج6 ص67 ، صحيح البخاري: ج8 ص25 ،26 ،113 ، صحيح مسلم: ج5 ص116 ، سنن ابن ماجة: ج2 ص853 ، سنن أبي داوود: ج2 ص343 ، عمدة القاري للعيني: ج24 ص247 ، البرهان للزركشي: ج2 ص36 ، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج2 ص69 ، سنن الدارمي: ج1 ص318 ، ومن مصادر الشيعة راجع : الكافي: ج2 ص634 ، مختصر البصائر: ص275 ،213 ، غيبة النعماني: ص333 ، دلائل الإمامة: ص 106 ، المسائل السروية : ص79 ، بحار الأنوار: ج23 ص200 ، وغيرها.
                    [33]- الحجر : 9.
                    [34]- فصّلت : 42.
                    [35]- روى أحمد بن خالد البرقي: عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: (كل شيء مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) ، وعن كليب بن معاوية الأسدي ، عن أبي عبدالله (ع) قال: (ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل) ، وعن ابن أبي عمير ، عن الهشامين جميعاً وغيرهما ، قال: خطب النبي (ص) فقال: (أيّها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله) ، وعن أيوب ، عن أبي عبدالله (ع) قال: قال رسول الله (ص): (إذا حدثتم عنى بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده فإن وافق كتاب الله فأنا قلته ، وان لم يوافق كتاب الله فلم أقله) المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي: ج1 ص220.
                    [36]- مسند أحمد: ج1 ص7 ، سنن ابن ماجة: ج1 ص49 ، فضائل الصحابة: ص46 وفيه : رطباً بدل غضاً. المستدرك للحاكم: ج2 ص227 ، السنن الكبرى: ج1 ص452 ، مجمع الزوائد: ج9 ص287 ، وغيرها.
                    [37]- مسند أحمد: ج6 ص414 ، فتح الباري: ج9 ص44 ، تاريخ دمشق: ج33 ص138 ، سير أعلام النبلاء: ج1 ص486.
                    ومسألة تعريض ابن مسعود بالقراءة المعتمدة في جمع القران رويت حتى في صحيح البخاري: عن شقيق بن سلمة قال: (خطبنا عبدالله بن مسعود فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم ، قال شقيق: فجلست في الحلق اسمع ما يقولون فما سمعت راداً يقول غير ذلك) صحيح البخاري: ج 6 ص 102 باب القرّاء ... .
                    [38]- مسند أبي داوود الطيالسي: ص54 ، تفسير ابن كثير: ج1 ص433 ، الطبقات الكبرى: ج2 ص342.
                    [39]- أخرج البخاري ومسلم بإسنادهما: عن ابن عباس ، قال: خطب عمر بن الخطاب خطبته بعد مرجعه من آخر حجة حجها ، قال فيها: إنّ الله بعث محمداً (ص) بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل عليه الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده . فأخشى إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة انزلها الله . مسند أحمد: ج1 ص55 ، صحيح البخاري: ج8 ص25 ، صحيح مسلم: ج5 ص116 ، سنن ابن ماجة: ج2 ص853 ، سنن أبي داوود: ج2 ص343 ، وغيرها.
                    وأخرج الصنعاني في المصنف : عن ابن عباس ، قال: أمر عمر بن الخطاب منادياً ، فنادى: أن الصلاة جامعة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس لا تجزعن من آية الرجم فإنها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ، ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد... المصنف: ج7 ص33 ، كنز العمال: ج5 ص431 ، الدر المنثور: ج5 ص179.
                    وروى البخاري: عن عمر قال: (لولا أن يقول الناس إن عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي) صحيح البخاري: ج8 ص113 ، عمدة القاري للعيني: ج24 ص247. وهذا يعني أنّ عمر يقول بنقص القرآن ، لعدم وجود آية الرجم فيه ، ولا يقال كلامه كان في نسخ التلاوة ؛ لأنه يريد أن يكتبها ولكن يخاف من قول الناس . ولذا قال الزركشي في كتابه البرهان أنّ ظاهر قوله: (لولا أن يقول الناس ....الخ ، إنّ كتابتها جائزة ، وإنما منعه قول الناس ، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة ؛ لأنّ هذا شأن المكتوب) البرهان للزركشي: ج2 ص36 ، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج2 ص69. وروى أحمد والبخاري: عن عمر ، قال : إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (إن لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم . أو أن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ..) مسند أحمد: ج1 ص47 ، صحيح البخاري: ج8 ص26.
                    وهذا معناه أنّ عمر يقول بنقص آيات القرآن التي أُنزلت على الحبيب محمد (ص) .
                    وفي صحيح مسلم: ج3 ص100 ، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا: ... عن سويد بن سعيد ، حدثنا علي بن مسهر ، عن داود ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، قال: (بعث أبوموسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها ، لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها ، يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) .
                    صحيح مسلم: ج2 ص112 ، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر : عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة ، أنه قال: (أمرتني عائشة أن اكتب لها مصحفاً ، وقالت : إذا بلغت هذه الآية فأذني حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ، قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
                    وفي صحيح ابن حبان: ج10 ص273 ، والمستدرك للحاكم النيسابوري: ج2 ص415 : ( ... عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، قال : كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
                    وفي صحيح ابن حبان: ج10 ص274 ، عن زر بن حبيش ، قال: (لقيت أبي بن كعب فقلت له: إن بن مسعود كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول إنهما ليستا من القرآن فلا تجعلوا فيه ما ليس منه ، قال أبي: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لنا: فنحن نقول كم تعدون سورة الأحزاب من آية ؟ قال: قلت: ثلاثا وسبعين ، قال أبي: والذي يحلف به إن كانت لتعدل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها آية الرجم الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) .
                    وفي مجمع الزوائد للهيثمي: ج7 ص28 ، سورة براءة: عن حذيفة قال: (التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب وما يقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
                    وفي المستدرك للحاكم النيسابوري: ج2 ص330 – 331 ، عن حذيفة رضي الله عنه ، قال: (ما تقرؤن ربعها يعنى براءة وإنكم تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
                    وغير ذلك أحاديث كثيرة يضيق المقام عن استقصائها.
                    [40]- روى الصفار في بصائر الدرجات: عن سالم بن أبي سلمة ، قال: قرأ رجل على أبى عبدالله (ع) وأنا اسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس ، فقال أبوعبد الله (ع) : (مه مه ، كف عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام فقرأ كتاب الله على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي (ع) ، وقال: أخرجه علي (ع) إلى الناس حيث فرغ منه وكتبه ، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أُنزل الله على محمد (ص) ، وقد جمعته بين اللوحين ، قالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، قال: أمّا والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان عليّ أن أخبركم به حين جمعته لتقرؤه) بصائر الدرجات: ص213 ، مستدرك الوسائل: ج4 ص226 ، بحار الأنوار: ج89 ص88.
                    [41]- جاءت هذه الكلمة في بعض نسخ المسائل السرورية.
                    [42]- كذا جاء في المسائل السرورية: ص79 ، وفي بحار الأنوار: ج89 ص47 ، وفي تفسير العياشي: ج1 ص13 ، عن داود بن فرقد عمن أخبره ، عن أبي عبدالله (ع) ، قال: (لو قد قرء القرآن كما أُنزل لألفيتنا فيه مسمين ـ ثم ذكر بعده حديثاً فقال: وقال سعيد بن الحسين الكندي عن أبي جعفر (ع) بعد مسمين: (كما سمى من قبلنا) وعنه: بحار الأنوار: ج89 ص55.
                    [43]- كذا في المسائل السرورية: ص79 ، وفي تفسير العياشي: ج1 ص9: عن أبي الجارود ، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (نزل القرآن على أربعة أرباع ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع في فرايض وأحكام ، وربع سنن وأمثال ، ولنا كرائم القرآن) ، ورواه فرات ابن إبراهيم ، عن الأصبغ بن نباته ، عن أمير المؤمنين علي (ع) بهذا اللفظ: (القرآن أربعة أرباع ، ربع فينا وربع في عدونا ، وربع فرائض وأحكام ، وربع حلال وحرام ، ولنا كرائم القرآن) تفسير فرات الكوفي: ص46 ، كما ورواه القاضي النعمان المغربي عن أمير المؤمنين (ع) بهذا اللفظ : (نزل القرآن أرباعاً ، ربعاً فينا ، وربعاً في عدونا ، وربعاً سيرة وأمثال ، وربعاً فرائض وأحكام ، لنا عزائم القرآن) شرح الأخبار: ج3 ص11.
                    [44]- بحار الأنوار: ج89 ص74.
                    [45]- مسند أحمد: ج1 ص7 ، سنن ابن ماجة: ج1 ص49 ، فضائل الصحابة: ص46 ، وفيه: رطباً بدل غضاً. مستدرك الحاكم: ج2 ص227 ، السنن الكبرى: ج1 ص452 ، مجمع الزوائد: ج9 ص287 ، وغيرها.
                    [46]- الانشقاق: 19.
                    [47]- مسند أحمد: ج5 ص340 ، سنن الترمذي: ج3 ص321 ، مستدرك الحاكم: ج4 ص445 ، مجمع الزوائد :ج7 ص261 ، تحفة الأحوذي: ج6 ص339 ، وغيرها ، وأمّا ما رواه الخاصة ، فلاحظ: اليقين لابن طاووس: ص339 ، علل الشرايع: ج1 ص245 ، كمال الدين: ص481 ، الاحتجاج: ج1 ص151 ، غاية المرام: ج2 ص 120و ج6 ص179 ، بحار الأنوار: ج22 ص387 ، وغيرها.
                    [48]- روى الشيخ الكليني: عن زرارة ، عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ﴾ ، قال: (يا زرارة ، أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان) الكافي: ج1 ص415.
                    [49]- روى الكليني والصفار: عن أبي بصير ، عن أبي جعفر(ع) أنّه قرأ هذه الآية: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ، ثم قال: (يا أبا محمد ، والله ما قال بين دفتي المصحف ، قلت: من هم جعلت فداك؟ قال: من عسى أن يكونوا غيرنا ؟) الكافي: ج1ص214 ، بصائر الدرجات: ص225 ، وسائل الشيعة طبعة آل البيت (ع): ج27 ص180 ، بحار الأنوار: ج 23 ص201. وعن جابر ، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (ما من أحد من الناس يقول إنّه جمع القرآن كله كما أُنزل الله إلاّ كذّاب ، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلاّ علي بن أبي طالب والأئمة من بعده) بصائر الدرجات: ص213 ، عنه بحار الأنوار: ج89 ص88.
                    [50]- فصلت : 42.
                    [51]- ذكر السيوطي في كتاب الإتقان في علوم القرآن: عن الدير عاقولي في فوائده ، حدثنا إبراهيم بن يسار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد ، عن زيد بن ثابت ، قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء. قال الخطابي : إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته ، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة ، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر. ج1ص160.
                    وفيه أيضاً: عن ابن أشتة في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبوبكر وكتبه زيد - وكان الناس يأتون زيد بن ثابت - فكان لا يكتب آية الا بشاهدي عدل ، وان آخر سورة براءة لم يوجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت ، فقال: اكتبوها فان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب. وان عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده. ج1ص163.
                    وروى البخاري: عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه ، قال: أرسل إليّ أبوبكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبوبكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني ، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، واني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (ص) ، قال عمر : هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد : قال أبوبكر : انك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (ص) فتتبع القرآن فاجمعه ، فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله(ص) ؟ قال: هو والله خير ، فلم يزل أبوبكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبى بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن اجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه. صحيح البخاري: ج6 ص98 ، وراجع : فتح الباري لابن حجر: ج9 ص13 باب جمع القرآن ، البيان في تفسير القرآن للخوئي ، القرآن في الإسلام وتفسير الميزان : ج12 للطباطبائي ، بحوث في تاريخ القرآن وعلومه لمير محمدي زرندي ، تدوين القرآن للكوراني ، وغيرها.
                    [52]- بصائر الدرجات: ص213 ، مستدرك الوسائل: ج4 ص226 ، بحار الأنوار: ج89 ص88 ، أصول الكافي: ج2 ص633.
                    [53]- روى الشيخ الصدوق في الأمالي: عن أبي عبدالله الصادق (ع) ، قال: (كان إبليس (لعنه الله) يخترق السماوات السبع ، فلما ولد عيسى (ع) حجب عن ثلاث سماوات ، وكان يخترق أربع سماوات ، فلما ولد رسول الله (ص) حجب عن السبع كلها ، ورميت الشياطين بالنجوم ، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، وقال عمرو بن أمية ، وكان من أزجر أهل الجاهلية: انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف ، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث. وأصبحت الأصنام كلها صبيحة مولد النبي (ص) ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه ، وارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى ، وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وفاض وادي السماوة ، وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأي المؤبذان في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العوراء ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق ، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً ، والملك مخرساً لا يتكلم يومه ذلك ، وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب ، وسموا آل الله عز وجل). قال أبوعبد الله الصادق (ع): (إنما سموا آل الله عز وجل لأنهم في بيت الله الحرام . وقالت آمنة: إن ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده ، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثم خرج مني نور أضاء له كل شئ ، وسمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمداً ، وأتي به عبدالمطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه ، فأخذ فوضعه في حجره ، ثم قال:
                    الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان
                    قد ساد في المهد على الغلمان
                    ثم عوذه بأركان الكعبة ، وقال فيه أشعارا . قال: وصاح إبليس (لعنه الله) في أبالسته ، فاجتمعوا إليه ، فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم: ويلكم ، لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم ، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه ، فقالوا: ما وجدنا شيئاً ، فقال إبليس: أنا لهذا الامر . ثم انغمس في الدنيا ، فجالها حتى انتهى إلى الحرم ، فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة فذهب ليدخل ، فصاحوا به فرجع ، ثم صار مثل الصر - وهو العصفور - فدخل من قبل حراء ، فقال له جبرئيل: وراءك لعنك الله. فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض ؟ فقال له: ولد محمد (ص). فقال له: هل لي فيه نصيب ؟ قال: لا. قال: ففي أمته ؟ قال : نعم . قال: رضيت) أمالي الشيخ الصدوق : ص 360.
                    [54]- راجع الكافي للحلبي: ص76 ، الاقتصاد للشيخ الطوسي: ص179 ، بحار الأنوار: ج17 ص363 باب معجزات النبي(ص) ، صحيح البخاري: ج4 ص186.
                    [55]- الرعد: 31.
                    [56]- روى الشيخ الكليني: عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله (ع) قال: (لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثم ردت فيه الروح ما كان ذلك عجباً) الكافي: ج2 ص623 ، الدعوات لقطب الدين الراوندي: ص188.
                    [57]- روى الشيخ النعماني في الغيبة: عن عبدالله بن حماد الأنصاري ، عن محمد بن جعفر بن محمد ، عن أبيه (ع) ، قال: (إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك ، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها ، قال: ويبعث جندا إلى القسطنطينية ، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء ، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء ، فكيف هو ؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة ، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون) كتاب الغيبة للنعماني: ص334 ، بحار الأنوار: ج52 ص365 ، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج2 ص251 ، مكيال المكارم: ج1 ص130.
                    [58]- الإسراء: 88.
                    [59]- البقرة: 255.
                    [60]- ذكر في الصراط المستقيم: قال ابن شهر آشوب: سمعت مذاكرة أنه (ع) تكلم لابن عباس في الباء من بسم الله إلى قرب الفجر وقال: (لو زادنا الليل لزدنا) الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج1 ص219.
                    [61]- المائدة: 82 - 83.
                    [62]- فاطر: 22.
                    اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                    يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                    Comment

                    • السلماني الذري
                      عضو نشيط
                      • 23-09-2008
                      • 402

                      #25
                      رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                      ثانياً: التشريع بدليل العقل
                      بعد وفاة النبي (ص) كان على المسلمين الرجوع إلى أوصيائه (ع) ؛ لمعرفة الأحكام الشرعية المشتبهة عليهم أو التي تستجد مع مرور الزمن ، ولكن بما أنّ جماعة من المسلمين انحرفوا عن الأوصياء (ع) ، وتركوا الأخذ عنهم - وهم أهل السنة - فقد أدّى مرور الزمن بهم إلى تأليف قواعد عقلية مستندة إلى القواعد المنطقية ، اعتمدوا عليها في إصدار بعض الأحكام الشرعية ، وسمّوها بـ(أصول الفقه) ، وأعرض بعض علمائهم عنها والتزم بالقرآن وما صح عندهم أنّه صدر عن النبي (ص) .
                      أمّا الشيعة فكانوا دائماً يرجعون إلى الإمام المعصوم (ع) بعد النبي (ص) ، ولما وقعت الغيبة الصغرى كانوا يرجعون إلى سفير الإمام (ع) ، فلمّا وقعت الغيبة التامة كانوا يرجعون إلى الفقهاء الذين كانوا يروون عن المعصومين (ع) ، ومع مرور الزمن رجع بعض علماء الشيعة إلى القواعد العقلية التي بدأ بكتابتها علماء السنة . وقيل: إنّ أول من كتب في القواعد العقلية من الشيعة هو العلامة الحلي (رحمه الله) ، حيث قام باختصار أحد كتب السنة في أصول الفقه .
                      وقع بعد ذلك خلاف كبير بين علماء الشيعة حول التوقف عند محكمات القرآن والروايات الواردة عن المعصومين (ع) في تحصيل الحكم الشرعي أو تجاوز الأمر إلى دليل العقل ، وزاد آخرون الإجماع . وكل استدل على صحة طريقه بأدلة هي:
                      1- الأدلة على أنّ دليل العقل من أدلة التشريع:
                      وإنّه لا يجب التوقف عند محكمات الكتاب والروايات ، ومنها:
                      أ- إنّ المشرّع سبحانه من جملة العقلاء - حسب ما قاله بعض الأصوليين - فما اتفق عليه العقلاء أقرّه المشرّع سبحانه ([63]) .
                      ب- إنّ الشريعة موافقة للعقل ، فكل ما حسّنه العقل حثت عليه الشريعة ، وكل ما قبّحه العقل نهت عنه الشريعة ([64]) .
                      ج- إنّ التوقف عن الفتوى عند الشبهات يلزم العسر؛ لأنّ العمل بالاحتياط قد يكون فيه عسر على المكلفين ، كصلاة القصر والتمام أو صيام اليوم وقضاءه .
                      د- إنّ التوقف عن الفتوى عند عدم وجود رواية أو آية محكمة ، يلزم جمود الشريعة وعدم مواكبتها للتطور . والمستحدثات أصبحت كثيرة خصوصاً في المعاملات ، كأطفال الأنابيب والتلقيح الصناعي ، والمعاملات المصرفية والمالية المتنوعة وتقنية الاستنساخ البشري والحيواني وغيرها .
                      2- الأدلة على وجوب التوقف عند الروايات والآيات المحكمة:
                      والتوقف عن الفتوى عند الشبهات والمستحدثات التي لا يوجد دليل نقلي عليها والعمل فيها بالاحتياط، ومنها:
                      أ- إنّ العقل حجة باطنة ، وهذا ورد في الروايات عنهم (ع) ([65]) ، فبالعقل يستدل على وجود الخالق ، ثم بالعقل تعارض الروايات وتُعرف دلالة كل منها ، وبالعقل تُفهم الآيات ويُعرف المتشابه والمحكم . وهذا لا اعتراض عليه ، إنّما الاعتراض على وضع قاعدة عقلية غير مروية يستـنبط بواسطتها حكم شرعي ([66]) .
                      فهذه هي عبادة العباد للعباد ([67]) ، وهكذا نعود إلى الحام والبحيرة والسائبة ([68]) ، وعدنا إلى تحريم علماء اليهود بأهوائهم وتخرّصاتهم العقلية وتحليلهم المحرّمات ، وهكذا نقرّ للطواغيت تشريعاتهم الوضعية الباطلة .
                      ب- اتفاق العقلاء المدّعى غير موجود ([69]) ، ثم إنّ بعض القواعد العقلية لم يتحرّر النـزاع فيها في الأصول بين الأصوليين أنفسهم ، فكيف يعتمد عليها في استنباط الأحكام الشرعية ([70]) . هذا فضلاً عن إنّ اعتبار المشرّع سبحانه من جملة العقلاء غير صحيح ([71]) .
                      ج- إنّ بعض الأشياء التي نهى عنها الشارع قبحها بيّن ، فالعقل يحكم بقبحها ، ولكن هناك كثير من الأشياء غير بيّنة القُبح والحُسن في الظاهر ، فلابدّ من الاطلاع على حقائق الأشياء لمعرفة الحَسِن من القبيح . ولا يعرف حقائق الأشياء إلاّ خالقها أو من شاء الله اطلاعه عليها ، ثم لعل بعض الأشياء نعتقد نحن بقبحها لعدم اطلاعنا على حقائقها وبواطنها ، واكتفائنا بمنافاة ظاهرها لطباعنا وأحوالنا وتقاليدنا الاجتماعية التي عادة يعتبرها الناس نواميس إلهية يحرُم خرقها . قال تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ ([72]) ، وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ([73]) .
                      وبعض الأشياء فيها حسن وقبح وملائمة ومنافاة ولكن أحدهما أرجح من الآخر ، قال تعالى:
                      ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾([74]) ، فنحن وإن قلنا بأنّ الحسن والقبح مفهومان عقليان ، ولكن تطبيق هذين المفهومين على الموجودات في الخارج - أي المصاديق - أمرٌ متعسّر ؛ لأنّ بعض الموجودات متشابهة .
                      د- إنّ في الشبهات حكمة إلهية ، فالذي نزّل القرآن قادر على أن يجعل جميع آياته محكمة - أي بينة المعنى - ، ولكنه سبحانه جعل فيه آيات متشابهات - أي مشتبهة على جاهلها وتحتمل أكثر من وجه في التفسير والتأويل – لحكمة ، ولعلها- والله العالم - بيان الحاجة إلى المعصوم (ع) الذي يعلم تفسير وتأويل المتشابه .
                      فعن رسول الله (ص) ما معناه: (أمر بيّن رشده فيتبع ، وأمر بيّن غيه فيجتنب ، ومتشابهات بين ذلك يرد حكمها إلى الله وإلى الراسخين في العلم العالمين بتأويله) ([75]) .
                      إذن ، ففي الشبهات إشارة إلى حاجة الأمة إلى الراسخين في العلم وهم الأئمة (ع) بعد النبي (ص) ، وفي زماننا صاحب الأمر (ع) ، ولعل الذي يفتي في الشبهات يلغي هذه الإشارة ، بل لعله يشير إلى الاستغناء عن المعصوم عندما يفتي فلا حاجة لنا بك ، فقد أصبحنا بفضل القواعد العقلية نفتي في كل مسألة وما عدنا نتوقف وما عاد لدينا شبهات ، ومع أننا فقدناك فإننا اليوم لا نواجه عسراً في تحصيل الحكم الشرعي !!
                      هـ- ربما يكون الفساد الذي يحصل من فتوى غير صحيحة مستندة إلى دليل العقل أكبر بكثير مما نعتقده جمود في الشريعة عند الاحتياط والتوقف عن الفتوى . ثم إنّ الدين لله فمتى أصبح هناك عسر في الدين والشريعة ، فإنّه سبحانه سيفرج هذا العسر حتماً وفق حكمته وعلمه بما يصلح البلاد والعباد . ثم إنّه سبحانه وتعالى لم يكلفنا أمر التشريع ، فما الذي يدفعنا للتصدّي لهذا الأمر الخطير المحصور به سبحانه ؟ ولم يتصدَ له الأنبياء والمرسلون والأئمة (ع) مع تمام عقولهم ، وانكشاف كثير من الحقائق لهم .
                      بل لعله عندما يفتي في أي مسألة وإن لم يكن عليها دليل نقلي يقول بلسان الحال للإمام المهدي (ع): ارجع يا ابن فاطمة فلا حاجة لنا بك !!
                      و- الروايات الدالة على وجوب التوقّف عند الأدلة النقلية:
                      ومنها : قال أمير المؤمنين (ع): (واعلموا عباد الله إنّ المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أوّل ، ويحرّم العام ما حرّم عاماً أوّل ، وإنّ ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئاً مما حرّم عليكم ، ولكن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرّم الله . فقد جربتم الأمور وضرستموها ووعظتم بمن كان قبلكم ، وضربت الأمثال لكم ودعيتم إلى الأمر الواضح ، فلا يصم عن ذلك إلاّ أصم ولا يعمى عن ذلك إلاّ أعمى . ومن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب لم ينتفع بشيء من العظة وأتاه التقصير من أمامه حتى يعرف ما أنكر وينكر ما عرف . وإنما الناس رجلان: متبع شرعة ومبتدع بدعة ، ليس معه من الله سبحانه برهان سنة ، ولا ضياء حجة ، وإنّ الله سبحانه لم يعظ أحد بمثل هذا القرآن ، فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين وفيه ربيع القلب وينابيع العلم . وما للقلب جلاء غيره ، مع أنّه قد ذهب المتذكّرون ، وبقي الناسون والمتناسون ، فإذا رأيتم خيراً فأعينوا عليه ، وإذا رأيتم شرّاً فاذهبوا عنه ، فإنّ رسول الله (ص) كان يقول: يا بن آدم اعمل الخير ودع الشر ، فإذا أنت جواد قاصد) ([76]) .
                      وعن النبي (ص): (إنّ المؤمن أخذ دينه عن الله ، وإن المنافق نصب رأياً واتخذ دينه منه) .
                      وعن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: (إنّ من أبغض الخلق إلى الله عزّ وجل لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشغوف بكلام بدعة ، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ، ضال عن هدي من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته ، حمّال خطايا غيره ، رهن بخطيئته . ورجل قمش جهلاً في جهّال الناس ، عان بأغباش الفتنة ، قد سمّاه أشباه الناس عالماً ولم يغن فيه يوماً سالماً ، بكر فاستكثر ، ما قل منه خير مما كثر ، حتى إذا ارتوى من آجن ، واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره وإن خالف قاضياً سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده ، كفعله بمن كان قبله ، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشواً من رأيه ثم قطع به ، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ ، لا يحسب العلم في شيء مما أنكر ، ولا يرى أنّ وراء ما بلغ فيه مذهباً ، إن قاس شيئاً بشيء لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به ، لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له: لا يعلم . ثم جسر فقضى ، فهو مفتاح عشوات ، ركاب شبهات ، خبّاط جهالات ، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ، ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم ، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ، تبكي منه المواريث ، وتصرخ منه الدماء ، يستحل بقضائه الفرج الحرام ، ويحرّم بقضائه الفرج الحلال ، لا ملئ بإصدار ما عليه ورد ، ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق) ([77]) .
                      وروي أنّه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته ، فقال قوم: لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلي ؟ فهمّ عمر بذلك وسأل أمير المؤمنين ، فقال (ع): (إنّ القرآن أنزل على النبي (ص) والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حلي الكعبة فيها يومئذٍ فتركه الله على حاله . ولم يتركه نسياناً ، ولم يخف عليه مكاناً فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله) ، فقال عمر: لولاك لافتضحنا ، وترك الحلي بحاله ([78]) .
                      وعن أبي بصير ، قال: قلت لأبي عبدالله (ع): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة فننظر فيها ، قال: (لا ، أما إنّك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عزّ وجل)([79]) .
                      عن الصادق ، عن أبيه ، عن علي (ع) قال: (من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس) ([80]) .
                      قال: وقال أبوجعفر (ع): (من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم) ([81]) .
                      وعن أبي عبدالله (ع) في محاججته لأبي حنيفة في حديث طويل ، قال: (يا أبا حنيفة ، تعرف كتاب الله حق معرفته ، وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال: نعم . قال: يا أبا حنيفة ، لقد ادعيت علماً !! ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلاّ عند الخاص من ذرية نبينا (ص) ، ما ورثك الله من كتابه حرفاً فإن كنت كما نقـول ولست كما تقول …… ) ([82]) .
                      وعن عبدالله بن شبرمة ، قال: ما ذكرت حديثاً سمعته من جعفر بن محمد (ع) إلاّ كاد أن يتصدع له قلبي ، سمعته يقول: (حدثني أبي ، عن جدي ، عن رسول الله (ص) ، قال ابن شبرمة: - وأقسم بالله ما كذب أبوه على جدّه ولا جدّه على رسول الله (ص) - قال: رسول الله (ص): (من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك) ([83]) .
                      وعن الصادق (ع): (إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تفتي الناس برأيك ، وأن تدين بما لا تعلم) ([84]) .
                      وعن الباقر (ع): (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه) ([85]) .
                      وعن النبي (ص): (من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) ([86]) .
                      وعن الصادق (ع): (العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً)([87]) .
                      وعن الصادق (ع): (إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس ، فلم يزدهم المقاييس عن الحق إلاّ بعداً ، وأنّ دين الله لا يصاب بالمقاييس) ([88]) .
                      وعن الكاظم (ع): (من نظر برأيه هلك ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر) ([89]) .
                      وعن أمير المؤمنين (ع): (يا معشر شيعتنا والمنتحلين ولايتنا إياكم وأصحاب الرأي فأنهم أعداء السنن ، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها ، وأعيتهم السنة أن يعوها ، فاتخذوا عباد الله خولاً ، وماله دولاً ، فذّلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب ، ونازعوا الحق وأهله فتمثلوا بالأئمة المعصومين الصادقين ، وهم من الجهّال الملاعين ، فسألوا عن ما لا يعلمون ، فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون ، فعارضوا الدين بآرائهم ، وضلوا فاضلوا ، أما لو كان الدين بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهما) ([90]) .
                      وقال الصادق (ع): (أيتها العصابة المرحومة المفلحة ، إن الله أتم لكم ما أتاكم من الخير ، واعلموا أنّه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل الله القرآن ، وجعل فيه تبيان كل شيء ، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن - أي آل محمد (ع) - الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس . أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه ، وخصّهم به ، ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر) ([91]) ، ([92]) .
                      * * *

                      [63]- قال الشيخ المظفر في كتابه أصول الفقه: إن تطابق آراء العقلاء بما هم عقلاء في القضايا المشهورة العملية التي نسميها (الآراء المحمودة) والتي تتعلق بحفظ النظام والنوع يستكشف به الحكم الشرعي ؛ لأنّ الشارع من العقلاء ـ بل رئيسهم وهو خالق العقل ـ فلابد أن يحكم بحكمهم . أصول الفقه: ج3 ص104. وقد ناقش الشهيد محمد باقر الصدر في هذه المقولة في بحث كشف السيرة العقلائية عن الإمضاء ، فقال: وعلى هذا يعرف إنّ كشف السيرة العقلائية عن إمضاء الشارع ، إنما هو بملاك دلالة السكوت عنها على الإمضاء لا بملاك إن الشارع سيد العقلاء وطليعتهم ، فما يصدق عليهم يصدق عليه كما يظهر من بعض الأصوليين ، وذلك لانّ كونه كذلك بنفسه يوجب احتمال تميزه عنهم في بعض المواقف ، وتخطئته لهم في غير ما يرجع إلى المدركات السليمة الفطرية لعقولهم كما واضح . دروس في علم الأصول: ج1 ص235. فنفس افتراض الشارع سيد العقلاء يوجب عدم تطابقه معهم ؛ لاحتمال اختلافه عنهم .
                      [64]- وقع خلاف في مسألة الحسن والقبح ، فقال الأشاعرة: بأنّ الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع ، فأنكروا التقبيح والتحسين العقليين ، في حين أنّ المعتزلة والإمامية أثبتوا التحسين والتقبيح العقليين ، وقالوا: بأنّ للأشياء قبح وحسن في ذاتها بغض النظر عن الشرع ، فكل ما حسنه العقل حثت عليه الشريعة ، وكل ما قبحه العقل نهت عنه الشريعة . وأنكر الأخباريون من الشيعة التلازم بين حكم العقل وحكم الشرع . لاحظ: خلاصة علم الكلام للفضلي: ص146 ، محاضرات في الإلهيات للسبحاني: ص155 ، وسيأتي منه (ع) الجواب على هذه القاعدة في النقطة (ج) .
                      [65]- روى الشيخ الكليني: عن الإمام الكاظم (ع) في وصيته لهشام بن الحكم ، قال: (يا هشام إنّ لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (ع) ، وأمّا الباطنة فالعقول) الكافي: ج1 ص16 .
                      [66]- من بين الدروس في الحوزات العلمية الشيعية اليوم هو درس أصول الفقه ، أو ما يسمى بعلم الأصول ، وهو علم موروث من أهل السنة ؛ لأنهم احتاجوا إليه بسبب ابتعادهم عن أهل البيت (ع) فاحتاجوا لمعرفة أحكام الشرع لهذه القواعد التي هي من نتاج الفكر البشري القاصر عن الوصول إلى علل التشريع وحِكمه ، فجعلوا هذه القواعد واسطة توصلهم للحكم الشرعي . ومن ثم انتقل هذا العلم إلى الشيعة لكن بحذف بعض مباحثه كالقياس الذي عُرف به أبي حنيفة ، ومن المباحث المهمة التي يبحثوها في علم الأصول هي مباحث الدليل العقلي ، وعرفوا الدليل العقلي بأنّه الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم الشرع ، ويحتوي الدليل العقلي على جملة قواعد اجتهادية عقلية غير مروية عن الأمناء على شرع الله سبحانه وتعالى ، وهم محمد (ص) والعترة الطاهرة (ع) ، بل من المؤسف جدّاً أنّهم يقدّمون هذه القواعد العقلية على النصوص الشرعية في أكثر الأحيان ، ويردّوا الروايات ؛ لأنّها مخالفة للقاعدة الأصولية العقلية !! فأصبحت هذه القواعد العقلية هي الميزان في تقييم كلمات الهادين (ع) ، وهذا يضاف إلى ظلامتهم (ع) . ثم إنه حصل خلاف بين المدرسة الأخبارية والمدرسة الأصولية ، فالأولى لا تسوغ العمل بالدليل العقلي والثانية تسوغ العمل به وتعتبر دراسته ضرورة لمن أراد الوصول لمعرفة أحكام الشريعة . وقد صرح الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله في مقدمة رسالته المعروفة بالفتاوى الواضحة بعدم الحاجة إلى الدليل العقلي مع إيمانه به ، وذلك لأنّ نصوص الشريعة كافية في إثبات الأحكام الشرعية ، فقال: (اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أو لا فنحن وان كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به ولكنا لم نجد حكما واحدا يتوقف اثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة) الفتاوى الواضحة : ص 15 .
                      [67]- قال تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ التوبة : 31 .
                      روى الشيخ الكليني: عن أبي بصير ، قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن قول الله عز وجل: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّه﴾ ، فقال: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون) .
                      ورى أيضاً: عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبدالله (ع) قال: (من أطاع رجلاً في معصية فقد عبده) الكافي: ج2 ص 398 .
                      [68]- قال تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ المائدة: 103 .
                      روى الصدوق في معاني الأخبار: عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (ع) في قول الله عزّ وجل: ﴿ مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ ﴾ ، قال: (إنّ أهل الجاهلية كانوا إذا ولدت الناقة ولدين في بطن واحد قالوا: وصلت ، فلا يستحلون ذبحها ولا أكلها ، وإذا ولدت عشرا جعلوها سائبة ولا يستحلون ظهرها ولا أكلها ، و"الحام" فحل الإبل لم يكونوا يستحلونه ، فأنزل الله عز وجل أنه لم يكن يحرم شيئا من ذلك) .
                      قال الصدوق: (وقد روي أن البحيرة الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء ، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها أي شقوه وكانت حراماً على النساء والرجال لحمها ولبنها ، وإذا مات حلت للنساء ، والسائبة البعير يسيب بنذر يكون على الرجل إن سلمه الله عز وجل من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك ، والوصيلة من الغنم كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبح فأكل منه الرجال والنساء ، وإن كانت أنثى تركت في الغنم ، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم تذبح وكان لحومها حراما على النساء إلا أن يكون يموت منها شيء فيحل أكلها للرجال والنساء ، والحام الفحل إذا ركب ولد ولده قالوا: قد حمى ظهره . وقد يروى أنّ الحام هو من الإبل إذا أنتج عشرة أبطن ، قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء) معاني الأخبار: ص148 .
                      [69]- بدليل اختلافهم في القاعدة الأولية الأساسية في حالة الشك ، فقد ذهب مشهور الاصوليين بأنّ القاعدة الأولية هي قبح العقاب بلا بيان ، وعليه فيكون المكلف غير مسؤولاّ عن التكاليف التي لم يقم عليها البيان ، وعليه فالظن أو الشك أو الاحتمال بالتكليف لا يوجب الاحتياط فيه ، بينما يعتقد الشهيد محمد باقر الصدر بأنّ القاعدة الأولية هي حق الطاعة ، بمعنى إنّ للمولى حق الطاعة في التكاليف المحتملة والمشكوكة ، فالظن أو الشك أو الأحتمال للتكليف يوجب امتثال التكليف ، وهذا هو الاحتياط العقلي . نعم إن رخص الشرع في ترك الاحتياط فيقدم الترخيص الشرعي على القاعدة . فلاحظ عبارة الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله في بيان ما تقدم ، قال: (والذي ندركه بعقولنا أن مولانا سبحانه وتعالى له حق الطاعة في كل ما ينكشف لنا من تكاليفه بالقطع أو بالظن أو بالاحتمال ما لم يرخص هو نفسه في عدم التحفظ) دروس في علم الأصول: ج1 ص 156 .
                      وقال: (والصحيح في رأينا هو أن الأصل في كل تكليف محتمل هو الاحتياط نتيجة لشمول حق الطاعة للتكاليف المحتملة ، فإن العقل يدرك أن للمولى على الإنسان حق الطاعة لا في التكاليف المعلومة فحسب ، بل في التكاليف المحتملة أيضا ، ما لم يثبت بدليل أن المولى لا يهتم بالتكليف المحتمل إلى الدرجة التي تدعو إلى إلزام المكلف بالاحتياط . وهذا يعني أن الأصل بصورة مبدئية كلما احتملنا حرمة أو وجوبا هو أن نحتاط ، فنترك ما نحتمل حرمته ونفعل ما نحتمل وجوبه ،.... ويخالف في ذلك كثير من الأصوليين إيمانا منهم بأن الأصل في المكلف أن لا يكون مسؤولاً عن التكاليف المشكوكة ، ولو احتمل أهميتها بدرجة كبيرة ، ويرى هؤلاء الأعلام أن العقل هو الذي يحكم بنفي المسؤولية ؛ لأنه يدرك قبح العقاب من المولى على مخالفة المكلف للتكليف الذي لم يصل إليه ، ولأجل هذا يطلقون على الأصل من وجهة نظرهم اسم (قاعدة قبح العقاب بلا بيان) أو (البراءة العقلية) أي إن العقل يحكم بأن عقاب المولى للمكلف على مخالفة التكليف المشكوك قبيح ، وما دام المكلف مأمونا من العقاب فهو غير مسؤول ولا يجب عليه الاحتياط . ويستشهد لذلك بما استقرت عليه سيرة العقلاء من عدم إدانة الموالي للمكلفين في حالات الشك وعدم قيام الدليل ، فإن هذا يدل على قبح العقاب بلا بيان في نظر العقلاء .... ، وأمّا ما استشهد به من سيرة العقلاء فلا دلالة له في المقام لأنه إنما يثبت أن حق الطاعة في الموالي العرفيين يختص بالتكاليف المعلومة ، وهذا لا يستلزم أن يكون حق الطاعة لله تعالى كذلك أيضاً ؛ إذ أي محذور في التفكيك بين الحقين والالتزام بأن أحدهما أوسع من الآخر . فالقاعدة الأولية إذن هي أصالة الاحتياط) دروس في علم الأصول: ج1 ص 117 .
                      [70]- وهذه حقيقة واضحة وجلية لمن تتبع أرائهم في بحوثهم العقلية ، وعلى سبيل المثال اختلافهم في مسألة الشرط المتأخر ، فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً جداً كما يقول الشيخ محمد رضا المظفر ، وإليك نص عبارته ، قال: (وإنما وقع الشك في الشرط المتأخر ، أي أنه هل يمكن أن يكون الشرط الشرعي متأخرا في وجوده زمانا عن المشروط أو لا يمكن ؟ ومن قال بعدم إمكانه قاس الشرط الشرعي على الشرط العقلي ، فإن المقدمة العقلية يستحيل فيها أن تكون متأخرة عن ذي المقدمة ؛ لأنه لا يوجد الشيء إلاّ بعد فرض وجود علته التامة المشتملة على كل ما له دخل في وجوده ، لاستحالة وجود المعلول بدون علته التامة ، وإذا وجد الشيء فقد انتهى ، فأية حاجة له تبقى إلى ما سيوجد بعد . ومنشأ هذا الشك والبحث: ورود بعض الشروط الشرعية التي ظاهرها تأخرها في الوجود عن المشروط ، وذلك مثل الغسل الليلي للمستحاضة الكبرى الذي هو شرط - عند بعضهم - لصوم النهار السابق على الليل . ومن هذا الباب إجازة بيع الفضولي بناء على أنها كاشفة عن صحة البيع ، لا ناقلة . ولأجل ما ذكرنا من استحالة الشرط المتأخر في العقليات اختلف العلماء في الشرط الشرعي اختلافا كثيراً جداً . فبعضهم ذهب إلى إمكان الشرط المتأخر في الشرعيات ، وبعضهم ذهب إلى استحالته قياساً على الشرط العقلي كما ذكرنا آنفاً . والذاهبون إلى الاستحالة أولوا ما ورد في الشريعة بتأويلات كثيرة يطول شرحها) أصول الفقه: ج2 ص334 .
                      [71]- سيبطل (ع) هذا القول عند تعرضه للبحث الآتي ، فانتظر .
                      [72]- النساء: 19 .
                      [73]- البقرة: 216 .
                      [74]- البقرة: 219 .
                      [75]- عن أبي عبدالله الصادق (ع) ، عن آبائه (ع) ، قال: قال رسول الله (ص): (... الأمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه ، وأمر تبين لك غيه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل) الأمالي للصدوق: ص381 – 382 ، الخصال للصدوق: ص153 .
                      وعن أبي عبدالله (ع) قال: قال رسول الله (ص): (حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم) الكافي: ج1 ص 68 .
                      وعن النعمان بن بشير ، قال: سمعت رسول الله (ص) ، يقول: (حلال بين ، وحرام بين ، وبينهما شبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا إن لكل ملك حمى ، وإن حمى الله تعالى محارمه) مستدرك الوسائل: ج17 ص323 .
                      وعن رسول الله (ص): (حلال بين ، وحرام بين ، وشبهات تتردد بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات ، وهلك من حيث لا يعلم ...) مستدرك الوسائل: ج17 ص321 – 322 .
                      وعن موسى بن جعفر ، عن أبيه (ع) ، قال: قال رسول الله (ص) ، عند عد شروط الاسلام وعهوده: (والوقوف عند الشبهة ، والرد إلى الامام فإنه لا شبهة عنده) مستدرك الوسائل: ج17 ص322 .
                      [76]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج2 ص94 ، مستدرك الوسائل: ج17 ص262 ، بحار الأنوار: ج2 ص312 .
                      [77]- الكافي: ج1 ص55 .
                      [78]- نهج البلاغة: ج4ص 65 ، وسائل الشيعة: ج13 ص255 ، بحار الأنوار: ج30 ص695 .
                      [79]- الكافي: ج1 ص56 ، المجاسن: ج1 ص213 ، وسائل الشيعة: ج27 ص40 .
                      [80]- قال المازندراني في شرح أصول الكافي: (والمعنى من أقام نفسه للعمل بالقياس واستخراج الأحكام به كان مدة عمره في التباس الجهالات واختلاط الشبهات ، أو كانت همته وإرادته منحصرة في التباس وتخليط بين الحق والباطل وجمع شبهات ؛ لأن القياس لا يفيد إلاّ جهلاً مركباً . (ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس) ، أي: من أطاع الله وعبده بالرأي وتقرب إليه من جهة العمل بالأحكام القياسية والاستحسانات العقلية كان مدّة عمره مرتمساً في بحار الظلمة والجهالة ، ومنغمسا في آجن الشبهة والضلالة التي تحيط بها كإحاطة الماء بالغائص باعتبار استخراج الأحكام بالقياس ؛ لأنه يلتبس عليه الأمور ويشبه عليه الحق والباطل ، والارتماس باعتبار العمل بتلك الأحكام) شرح أصول الكافي: ج2 ص267 .
                      [81]- الكافي: ج1 ص58 ، وسائل الشيعة: ج27 ص41 ، شرح اصول الكافي: ج2 ص267 ، الفصول المهمة: ج1 ص535 ، بحار الأنوار: ج2 ص299 .
                      [82]- علل الشرائع: ج1 ص89 ، الوسائل: ج27 ص48 .
                      [83]- أمالي الصدوق: ص507 ، الكافي: ج1 ص43 ، مستدرك الوسائل: ج17 ص257 .
                      [84]- الكافي: ج1 ص42 ، الخصال: ص52 ، وسائل الشيعة: ج27 ص21 .
                      [85]- الكافي: ج1 ص42 ، التهذيب: ج6 ص223 ، وسائل الشيعة: ج27 ص20 .
                      [86]- الكافي: ج1 ص44 ، تحف العقول: ص47 ، وسائل الشيعة: ج27 ص25 .
                      [87]- الكافي: ج1 ص34 ، أمالي الصدوق: ص507 ، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص401 .
                      [88]- وسائل الشيعة: ج27 ص43 ، الفصول المهمة للعاملي: ج1 ص531 .
                      [89]- الكافي: ج1 ص56 ، وسائل الشيعة :27 ص40 ، الفصول المهمة للعاملي: ج1 ص126 .
                      [90]- الحدائق الناضرة: ج10 ص62 ، مستدرك الوسائل: ج17 ص301 ، بحار الأنوار: ج2 ص84 .
                      [91]- روى الشيخ الكليني وغيره: عن عبدالرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبدالله (ع): ﴿اسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ النحل: 43 ، قال: (الذكر محمد (ص) ونحن أهله المسؤولون ، قال: قلت: قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ الزخرف: 44 ، قال: (إيانا عنى ، ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون) الكافي: ج1 ص210 .
                      [92]- الكافي: ج8 ص5 ، وسائل الشيعة : ج27 ص37 ، مستدرك الوسائل: ج7 ص34 .
                      اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                      يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                      Comment

                      • السلماني الذري
                        عضو نشيط
                        • 23-09-2008
                        • 402

                        #26
                        رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                        ثالثاً: الـعقـائــد
                        والخلاف فيها كبير بين علماء الإسلام السنّة والشيعة وغيرهم . كما أنّ السنة افترقوا فيها إلى معتزلة وأشاعرة ([93]) ، واختلف علماء كل فرقة فيما بينهم ، ولعل الخلاف الرئيسي بين فرق المسلمين يدور حول الإمامة والقيادة الدينية والدنيوية بعد النبي (ص) لهذه الأمّة .
                        ثم جرّ هذا الخلاف خلافات عقائدية أخرى كان سببها أنّ الشيعة يرجعون في عقائدهم إلى أوصياء النبي (ص) المعصومين (ع) ، والسنة يرجعون إلى استدلالات عقلية كما يدّعون والتي تعارضها عقول قوم آخرين .
                        كما حصل في مسألة الجبر والتفويض ، التي وقع الخلاف فيها بين الأشاعرة والمعتزلة فجاء جواب آل النبي (ص) بأنّه: (لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين) ([94]) .
                        أو كقضية خلق القرآن ، التي استغلها كفار بني العباس للخوض في دماء المسلمين وأعانهم على ذلك بعض أئمة الضلال السامريين ([95]) .
                        فجاء ردّ أهل القرآن آل النبي المصطفى (ص) بأنّ القران كلام الله لا غير ([96]) ، ليدع الناس السفسطة والجدل الشيطاني الذي لا طائل وراءه إلاّ حب الظهور والعلو على الناس بلقب العالم .
                        كما وقع خلاف واسع في توحيد الخالق سبحانه وصفاته ، أو ما سمّي بـ (علم الكلام) .
                        والحقيقة إنّ علم الكلام ما هو إلاّ شكل آخر من الفلسفة اليونانية المشائية أو الاستدلالية ، فمن تتبع الفلسفة اليونانية القديمة يعلم أن فيها طريقين رئيسيين ، وإنّ كليهما يبحث في الوجود:
                        الأول: الاستدلالي . أو ما يسمى بـ (المشائي) ، ويعتمد على الأدلة العقلية .
                        والثاني: الإشراقي . ويعتمد على تصفية النفس من رذائل الأخلاق ، وبالتالي يكون الإنسان أهلا لإشراق الحقائق في نفسه .
                        وقد تأثر علماء المسلمين بالفلسفة اليونانية المشائية بعد ترجمتها ، وأعادوا كتابتها كل بحسب ما يعتقد . وبدأ يظهر ما يسمى بـ (الفلسفة الإسلامية المشائية) أو(الاستدلالية) التي اشتق منها علم الكلام ، الذي يبحث في وجود الخالق وتوحيده وصفاته . وربما يلحق به مباحث العدل والمعاد والنبوة والإمامة وغيرها .
                        وإنّ ما سمي بـ (علم الكلام) كونه يبحث حول أشرف موجود سبحانه ، فالألف واللام لاستغراق الصفات ، فلعلهم أرادوا القول إنّ هذا العلم فيه أشرف كلام ، والله اعلم .
                        وكان لعلم الكلام أو لخوض علماء المسلمين في الفلسفة اليونانية دور كبير في تناحر فرق المسلمين ، حتى وصل الأمر إلى تكفير بعضهم بعضاً ، وأصبح علماء كل فرقة يتأولون آيات القرآن وفق أهوائهم لتوافق القواعد الفلسفية أو العقلية التي يعتقدونها . فجعلوا أنفسهم أئمة الكتاب لا أنّ الكتاب إمامهم ، وتقدّموا الكتاب بعد أن تقدموا العترة ([97]) ، فضلوا .
                        وأي ضلال بعد أن أعرضوا عن وصية رسول الله (ص) في حديث الثقلين المشهور بأن لا يتقدّموهما ([98]) .
                        لقد ضيع المسلمون الحق المبين واتبعوا من لم يزده علمه إلاّ خساراً بعدم رجوعهم إلى آل النبي (ص) واعتمادهم على الأدلة العقلية والفلسفية اليونانية ، أو علم الكلام المستند إليها والمشتق منها ، مع أنّ في الفلسفة كثيراً من السفسطة والمغالطات والمجادلات ، وقالوا وقلنا التي لا تنتهي ، والتي لا يعدو كثير منها اللغو ، وليس وراءه طائل ولا ثمرة علمية أو عملية .
                        والحق أنه ليس لنا - ونحن المغروسين في المادة ، وليس لكثير منا حظ من العقل إلاّ ظلة - أن نتكلم عن الحي القيوم جل شأنه ، إلاّ بحدود ما ورد في القرآن وحديث النبي (ص) وآله الأطهار(ع) ، وهو عن الله سبحانه وتعالى وما هو إلاّ وحي يوحى ، وقد صرح بهذا المعنى الملا صدرا (رحمه الله) في الشواهد الربوبية .
                        وليعلم أولئك الذين يدعون الحجج العقلية وهم مختلفون ، أنهم لو كانوا عقلاء بالمعنى الحقيقي لما اختلفوا ؛ لأنّ العقل واحد ، وهو الحق المطلوب من ابن آدم الوصول إليه ، ليعقل نفسه ويعرف ربه ، وهو عالم كلي لا تنافي فيه . قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ([99]) .
                        أمّا الذي يشترك فيه جميع بني آدم فهو ظل لذلك العقل ، أو النفس الإنسانية لا العقل الحقيقي . وهذه النفس موجودة في عالم الملكوت وهو عالم متـنافيات تماماً كعالم الشهادة ، إلاّ أنه مجرّد من المادة .
                        قال المصطفى (ص) ما معناه: (لولا إنّ الشياطين يحومون حول قلب ابن آدم لنظر إلى ملكوت السماوات) ([100]) ، أي إنّ ابن آدم لو أخلص لله لنظر إلى ملكوت السماوات .
                        وبما أنّ اللّب الذي بين جنبينا هو ظل للعقل ، فيكون الإنسان قادراً على إدراك كثير من قوانين عالم المادة ، وربما شيئاً من عالم الملكوت ولكنه غير قادر على معرفة عالم العقل ؛ لأنّه فوقه إلاّ بالوصول إليه . ولا يصل إلاّ العبد المخلص لله المجيب لدعاء (أقبِل) بعد أن أدبر وغرس في عالم المادة ([101]) ، فإذا عرفنا هذا عرفنا خطأ من ادعى العقل ابتداءً لكل بني آدم ، ثم جعل المشرّع سبحانه من جملة العقلاء جل شأنه خالقنا وخالق عالم العقل الذي لا يصله إلاّ المقرّبون ، ﴿كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ ([102]) ، مع أنّ ما ادعاه عقلاً ما هو إلاّ ظل له وصورة له تختلف باختلاف المرآة التي انعكست عليها والنفس التي انطبعت فيها ، ففي النفوس المنكوسة تنطبع الصورة معكوسة ، قال أمير المؤمنين علي (ع): (وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج الدرة من بين حب الحصيد) ([103]) .
                        ومن هنا فإن اتفق عشرة على أمرٍ معين خالفهم عشرة آخرون ، ولو رجعوا إلى كنـز التوحيد محمد وعلي وآلهما (ع) وتدبروا كلامهم لأراحوا واستراحوا ، فالصواب أن يكون علم الكلام في الإسلام مستنداً إلى القرآن والسنّة الصحيحة عن النبي وآله الأطهار (ص) . ولا بأس بالاستدلالات العقلية كسند ثانوي للعقائد الإسلامية المستقاة من القرآن والسنّة الصحيحة .
                        روي أنّ الإمام الصادق (ع) قال ليونس بن يعقوب: (وددت أنك يا يونس تحسن الكلام . فقال له يونس: جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأهل الكلام ، يقول هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله . فقال أبوعبدالله (ع): إنما قلت ويل لهم إذا تركوا قولي وصاروا إلى خلافه …) ([104]) .
                        وقال الإمام الصادق (ع): (حاجوا الناس بكلامي ، فإن حجوكم فأنا المحجوج) ([105]) .
                        وقال الصادق (ع): (من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنّة زالت الجبال ولم يزل) ([106]) .
                        وقال (ع): (إياكم والتقليد ، فإنّه من قلّد في دينه هلك ، إنّ الله تعالى يقول: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ([107]) ، فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكنهم أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً ، وقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم لا يشعرون) ([108]) .
                        وقال (ع): (من أجاب ناطقاً فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان) ([109]) .
                        أمّا العرفان في الإسلام ، فقد أرجعه بعضهم إلى الفلسفة اليونانية الإشراقية ، والعرفان عند الشيعة إلى السنة .
                        وقالوا: إنّ أول من بحث في العرفان هو (ابن عربي) أو غيره من علماء السنة .
                        والحقيقة إنّ هذا خطأ ومغالطة ، لا تنطلي على من تفحّص الأديان الإلهية والشرائع السماوية ، حيث إنّ السلوك العرفاني أو العمل لمعرفة الله هو الذي جاء به الأنبياء ، بل هو الفطرة التي فطر عليها الإنسان ، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾([110]) . وقال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾([111]) .
                        فالآيات في الأنفس لمن زكّاها ، وفي الآفاق لمن أراد الاستدلال بالعقل ولمن زكّى نفسه . كما أنّ النبي (ص) والأوصياء (ع) نبهوا المؤمنين في أحاديث كثيرة إلى هذا الطريق وضرورة سلوكه وعدم التواني في تطبيق الشريعة ، واجبها ومستحبها ومحرّمها ومكروهها . والتي هي وهي فقط الطريق الموصل إلى الله لا الألفاظ ولا المصطلحات وتخرّصات بعض الذين كتبوا في العرفان وما يسمونه بمجاهدات ما أنزل الله بها من سلطان .
                        فمعرفة الله إنما تتم بتزكية النفس ، وتزكية النفس لا تتم إلاّ بتطبيق الشريعة والزهد في الدنيا ، والإنفاق في سبيل الله ، والتحلّي بمكارم الأخلاق ، والحب في الله والبغض في الله ، والشدّة في ذات الله والغلظة مع الكافرين والمنافقين ، والرحمة مع المؤمنين . قال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ ([112]) .
                        والحمد لله وحده ، ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ ([113]) .

                        رابعاً: الإعراض عن أوصياء النبي (ص)

                        وهذا بيّن ، فقد أعرض السنّة عن الأئمة (ع) ، وتركوا الأخذ منهم والرجوع إليهم في المتشابهات .
                        أمّا بالنسبة للإمام المهدي (ع) فالأعراض عنه حاصل سواء في زمن الغيبة الصغرى أم في زمن الغيبة الكبرى ، ويكاد الشيعة فضلاً عن غيرهم لا يذكرونه .
                        وسيأتي البحث في إعراض الأمة عن قائدها خاتم أوصياء النبي (ص) المهدي (ع) .
                        * * *
                        [93]- قيل أن سبب تسميتهم بهذا الاسم ـ معنزلة ـ هو: إنّ واصل بن عطاء كان يجلس إلى الحسن البصري ، فلما ظهر الاختلاف وقالت الخوارج بتكفير مرتكب الكبائر ، وقال آخرون بأنّهم مؤمنون وإن فسقوا بالكبائر ، فخرج واصل بن عطاء عن الفريقين ، وقال إنّ الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر منزلة بين منزلتين ، فطرده الحسن عن مجلسه فاعتزل عنه ، وجلس إليه عمرو بن عبيد فقيل لهما ولأتباعهما معتزليون . لاحظ : أوائل المقالات للشيخ المفيد: ص146 ، وفيات الأعيان: ج6 ص8 .
                        كما أنّ الأشاعرة سمّوا أشاعرة نسبة لأبي الحسن الأشعري المولود عام 260 ه‍ ، والمتوفى عام 324 ه‍ ، وهو من أحفاد أبي موسى الأشعري ، فالأشاعرة هم اتباعه . ظلال التوحيد للسبحاني: ص101 .
                        [94]- الكافي: ج1 ص160 ، الاعتقادات للصدوق: ص29 ، توحيد الصدوق: ص206 ، عيون أخبار الرضا(ع): ج2 ص114 ، بحار الأنوار: ج5 ص12. والحديث عن الإمام الصادق (ع) .
                        [95]- من بين الأحداث المهمة التي عاصرها الإمام الرضا (ع) هي فتنة خلق القرآن ، وهي مسألة عقائدية ، نشأت في أواخر الدولة الأموية ، وأول من أثارها هو الجعد بن درهم ، معلم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية ، وأذاعها في دمشق فطلبته السلطة فهرب منها ثم نزل الكوفة فتعلم منه الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية .
                        ويقول ابن الأثير: إن هشام بن عبدالملك قبض على الجعد وأرسله مخفوراً إلى خالد القسري أمير العراق وأمره بقتله ، فحبسه خالد ولم يقتله فبلغ الخبر هشاماً فكتب إليه يلومه ويعزم عليه بقتله ، فأخرجه خالد من الحبس في وثاقه ، فلما صلى العيد يوم الأضحى قال في آخر خطبته: انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم ، فاني أريد أن أضحي اليوم بالجعد ، فإنه يقول: ما كلم الله موسى ، ولا اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، تعالى الله عما يقول الجعد ، ثم نزل وذبحه الكامل في التاريخ: ج5 ص263 .
                        وظلت هذه الفكرة بعد مقتل الجعد تحت الخفاء وفي طي الكتمان إلى دور هارون الرشيد ، وعندما ظهر أمر المعتزلة ، وانتشرت أفكارهم أعلنوا القول بخلق القرآن ، ولما ولي الحكم المأمون نشطت الحركة وأخذت الفكرة بالنمو والاتساع وتبنى المأمون القول بخلق القرآن ، وقرّب المأمون أبا هذيل محمد بن الهذيل العلاف وهو من أئمة المعتزلة ، كما وقرّب أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام وهو أيضاً أحد رؤوس المعتزلة المشهورين . وحمل المأمون الناس على القول بها فمن خالفها تعرض للنقمة والعذاب . حيث كتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب صاحب الشرطة يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن ، وكان ممن تعرّض للأذى من المأمون هو أحمد بن حنبل ، فقد سيق مكبلاً بالأغلال للمثول بين يدي المأمون بطوس ، ولكن بلغه في الطريق موت المأمون . وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهراً لامتناعه عن القول بخلق القرآن ، وأطلق سنة 220 ه‍ـ . ولم تكف الدولة عن إيذاء أحمد بن حنبل إلاّ في عهد المتوكل .
                        وعندما حقق المأمون بعض أهدافه السياسية البعيدة المدى ، وصفّى وجود المخالفين للحكم العباسي وغيرهم بهذه الحجة ، ثم عاد إلى مذهب الآباء معتبراً الروافض والمعتزلة والخوارج من أعلام جهنم ، ينقل ابن حجر في لسان الميزان: إنّ المأمون قال لحاجبه يوماً: انظر من بالباب من أصحاب الكلام ؟ فخرج وعاد إليه ، فقال: بالباب أبوالهذيل العلاف ، وهو معتزلي ، وعبدالله بن أباض الأباضي ، وهشام بن الكلبي الرافضي . فقال المأمون : ما بقي من أعلام جهنم أحد إلاّ حضر . قال ابن حجر: يعني أنّ الهذيل رأس المعتزلة ، وهشاماً رأس الرافضة ، وابن أباض رأس الخوارج . لسان الميزان لابن حجر : ج5 ص413 .
                        وقد بيّن الإمام الرضا (ع) القول الفصل في هذه الفتنة ، فقد روى الشيخ الصدوق : عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، قال: كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (ع) إلى بعض شيعته ببغداد : (بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فإن يفعل فأعظم بها نعمة ، وإن لا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ويتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلاّ الله عز وجل ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) أمالي الصدوق: ص640 ، بحار الأنوار : ج89 ص118 .
                        وعن سليمان بن جعفر الجعفري: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): يا بن رسول الله ، ما تقول في القرآن ؟ فقد اختلف فيه من قبلنا ، فقال قوم إنه مخلوق وقال قوم إنه غير مخلوق ، فقال (ع): (أمّا أنا لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول إنّه كلام الله عزّ وجل) أمالي الصدوق: ص647 ، بحار الأنوار: ج89 ص118 .
                        [96]- لاحظ قول الإمام الرضا (ع) في الهامش السابق .
                        [97]- قال أمير المؤمنين (ع) في خطبة طويلة: (... وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله . وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه ، ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر . فقد نبذ الكتاب حملته ، وتناساه حفظته . فالكتاب يومئذ وأهله منفيان طريدان ، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو . فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم ، ومعهم وليسا معهم ، لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا . فاجتمع القوم على الفرقة ، وافترقوا عن الجماعة ، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ، فلم يبق عندهم منه إلا اسمه ، ولا يعرفون إلا خطه وزبره . ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة ، وسموا صدقهم على الله فرية ، وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة وإنما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم وتغيب آجالهم ، حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة ، وترفع عنه التوبة ، وتحل معه القارعة والنقمة) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج2 ص30 ، الكافي: ج8 ص388 .
                        [98]- روى الطبراني في المعجم الكبير: عن زيد بن أرقم ، قال: قال رسول (ص): (إني لكم فرط وإنكم واردون علي الحوض عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى ، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين . فقام رجل فقال: يا رسول الله وما الثقلان ؟ فقال رسول الله (ص): الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا ، والأصغر عترتي وإنهم لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، وسألت لهما ذاك ربي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم) المعجم الكبير: ج3ص65 ، ولاحظ كنز العمال: ج1 ص188 .
                        وروى العياشي: عن أبي جميلة المفضل بن صالح عن بعض أصحابه قال: خطب رسول (ص) يوم الجمعة بعد صلاة الظهر انصرف على الناس فقال: (يا أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير انه لن يعمر من نبي إلا نصف عمر الذي يليه ممن قبله ، واني لأظنني أوشك أن ادعى فأجيب ، واني مسؤول وإنكم مسؤولون ، فهل بلغتكم فما إذا أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد بأنك قد بلغت ونصحت وجاهدت ، فجزاك الله عنا خيراً ، قال : اللهم اشهد ، ثم قال : يا أيها الناس ألم تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق من بعد الموت قالوا: [اللهم] نعم ، قال: اللهم اشهد ، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، ثم قال: أيها الناس إني فرطكم وأنتم واردون على الحوض وحوضي اعرض ما بين بصرى وصنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة الأواني ، سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما حتى تلقوني ، قالوا: وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيدي الله وطرف في أيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تذلوا والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أن لا يتفرقا حتى يلقياني ، وسئلت الله لهما ذلك فأعطانيه فلا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، فلا تعلموهم فهم اعلم منكم) تفسير العياشي: ج1 ص4 .
                        وروى الشيخ الطوسي في الأمالي: عن رافع مولى أبي ذر ، قال: صعد أبوذر (رضي الله عنه) على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب ، ثم أسند ظهره إليه ، فقال: أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ومن أنكرني فأنا أبوذر ، سمعت رسول الله (ص) يقول: (إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تركها هلك) ، وسمعت رسول الله (ص) يقول: (اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين) أمالي الشيخ الطوسي: ص482 ، بحار الأنوار: ج23ص121 .
                        [99]- غافر: 67.
                        [100]- بحار الأنوار: ج56 ص163 ، مستدرك سفينة البحار: ج8 ص572 ، العلم في الكتاب والسنة: ص120 .
                        [101]- يشير (ع) بهذه الكلمة لما روي عن أهل البيت (ع) ، فقد روى الشيخ الكليني بسنده عن أبي جعفر (ع) قال: (لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل ، فأقبل ، ثم قال له: أدبر ، فأدبر . ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب ، أما إني إياك آمر ، وإياك أنهى وإياك أعاقب ، وإياك أثيب) الكافي : ج1 ص10 .
                        [102]- العلق: 6- 8 .
                        [103]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج3 ص73 ، بحار الأنوار: ج33 ص475 .
                        [104]- تصحيح الاعتقاد للمفيد: ص70 ، الكافي: ج1 ص171 ، وفيه: أن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون . وكذا في وسائل الشيعة: ج16 ص197 . الإرشاد: ج2 ص194 ، بحار الأنوار: ج23 ص9 .
                        [105]- تصحيح الاعتقاد للمفيد: ص70 ، الاعتقادات في دين الإمامية للصدوق: ص43 ، وفيه: فإن حاجوكم كنت أنا المحجوج لا أنتم .
                        [106]- تصحيح الاعتقاد للمفيد: ص72 ، الفصول المهمة للعاملي: ج1 ص125 ، وفي الكافي: ج1 ص7 باختلاف يسير .
                        [107]- التوبة: 31 .
                        [108]- تصحيح الاعتقاد للمفيد: ص72 ، تفسير البرهان: ج10 ص120 .
                        [109]- تصحيح الاعتقاد للمفيد: ص73 ، الكافي: ج6 ص434 باختلاف يسير .
                        [110]- فصلت: 53 .
                        [111]- الذاريات: 20 – 21 .
                        [112]- النور: 35 .
                        [113]- يونس: 82 .
                        اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                        يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                        Comment

                        • السلماني الذري
                          عضو نشيط
                          • 23-09-2008
                          • 402

                          #27
                          رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                          خامساً: الإعراض عن القرآن والسنة

                          والإعراض ، إمّا بقلة دراسة القرآن وتفسيره وتدبّر معانيه والبحث في القرآن وسنة النبي وآله المعصومين (ص) .
                          وأمّا بتفسير القرآن بعيداً عن روايات المعصومين (ع) واعتماد القواعد النحوية والفلسفية في التفسير ، والتي معظمها استقرائية وخلافية لم يتحرّر النزاع فيها ، ولن يتحرّر .
                          وأمّا بتفسير القرآن وفق الأهواء الشخصية ، فكل يحاول أن يحمل القرآن على هواه ، فلأنّ نفسه انطوت على جبن وخضوع للطاغوت لا يجد في القرآن دعوة لجهاد الطواغيت المتسلطين على هذه الأمة ، بل يجد أنّ طاعتهم واجبة وإنّ التقية بلا حدود . فالمهم أن يبقى هو حيّاً ، وإن لم يبقَ من الإسلام إلاّ اسمه !! ولأنّه عبد لشهوته لا يجد في القرآن دعوة للزهد في هذه الدنيا ، بل يجد فيه دعوة لإشباع شهواته من أموال المسلمين التي ائتمنوه عليها ، ويقول من حرّم زينة الله ولا يقول إنّ كثيراً من الأحبار والرهبان أو العلماء غير العاملين وأعوانهم ليأكلون أموال الناس بالباطل .
                          ولأنّه تابع لإبليس إمام المتكبّرين لا يجد في القرآن دعوة للتواضع ، بل يجد فيه دعوة للتكبر على ضعفاء المؤمنين ، واحتقارهم والاستخفاف بهم .
                          وهكذا فهم يحملون القرآن على أهوائهم ، والهدى على الهوى ، والقرآن على الرأي: (كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) ([114]) كما روي عنهم (ع) .
                          قال أمير المؤمنين (ع) في وصف حال القائم مع هذه الأمة وعلمائها عند ظهوره: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ، ويعطف الرأي على القران إذا عطفوا القرآن على الرأي) ([115]) .
                          وقال الصادق (ع): (ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن) ([116]) .
                          وقال (ع): (من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر) ([117]) .
                          وقال (ع): (ما من رجل ضرب القرآن بعضه ببعض إلاّ وكفر) ([118]) .
                          وقال (ع): (المتشابه ما اشتبه على جاهله) ([119]) .
                          وقال أبوجعفر (ع): (نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله) ([120]) .
                          وقال أبوعبدالله (ع): (من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر ، فإن أخطأ كان إثمه عليه)([121]) .
                          وقال أبوجعفر الباقر (ع) في حديث مع قتادة ، وقد أخطأ قتادة في تفسير آية فقال (ع): (ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به) ([122]) .
                          وقال أمير المؤمنين (ع): (إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء - أي الأئمة (ع) - فإنّه رب تنزيل يشبّه بكلام البشر وهو كلام الله وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شيئاً من خلقه يشبهه كذلك ، لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئاً من أفعال البشر ، ولا يشبه شيء من كلامه لكلام البشر ، وكلام الله تبارك وتعالى صفته ، وكلام البشر أفعالهم ، فلا تشبّه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل) ([123]) .
                          وعن الإمام الحسين (ع) في كتابه لأهل البصرة ، قال: (بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ([124]) .
                          والمقصود بالعلم من الله كما هو للمعصومين (ع) أو ما أخذ منهم .
                          وعن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (ع) ، قال: (قال رسول الله (ص): قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني) ([125]) .
                          وقال رسول الله (ص): (إنما أتخوف على أمتي بعدي ثلاث خصال ؛ أن يتأول القرآن على غير تأويله ، أو يتبعوا زلّة العالم ، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا وبطروا ، وسأنبئكم المخرج من ذلك ، أمّا القرآن فأعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، وأمّا العالم فانظروا فيه ولا تتبعوا زلته ، وأمّا المال فإنّ المخرج شكر النعمة وأداء حقه) ([126]) .
                          وتأويل القرآن أو تفسيره لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم ، وهم محمد وآل محمد (ص) . وقد صرّح القرآن بذلك ، فالآيات المتشابهة تحكم بحديثهم ويعرف المراد بها منهم ، وقد ورد عنهم (ع) تفسير للقرآن الكريم فيجب الرجوع إلى حديثهم . وقد رسموا (ع) جادة وصراطاً مستقيماً لمن تدبر آيات الكتاب الكريم . فعلى المفسّر أو المتدبر أن لا يتجاوز هذا الصراط فتزل قدمه ويهوي في الجحيم ، بل عليه أن لا يتعرّض للتفسير ما لم يطهر نفسه . قال تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ ([127]) .
                          أمّا زلّة العالم ؛ فلأنه إذا ضل يضل أمة تتبعه كما أضل السامري بني إسرائيل .
                          وأمّا المال ؛ فلأن الإنسان الغني مادياً عادة يقل توجهه إلى الله لطلب الحوائج ، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ ([128]) . فالفقر والبلاء عادة داعي إلى التوجّه إلى الله والرجوع إليه .
                          أمّا العلاج المصفّى الذي أرشد إليه المصطفى (ص) ، فهو بالنسبة لمتشابه القرآن الإيمان به ، وإنه نزل من الله ويجب الرجوع في تأويله إلى آل محمد (ص) . فمتشابه الكتاب من أعظم الأدلة الدالة على إمامتهم وحاجة الأمة إليهم ، ولعل اشتباه كثير من الأحكام اليوم وعدم معرفة الحلال من الحرام ؛ لبيان الحاجة إلى خاتم الأوصياء المهدي (ع) .
                          وبالنسبة إلى العلماء ، فالنظر فيهم وفي أحوالهم فهم غير معصومين ، وربما كان فيهم سامريون وأئمة ضلال . وإياك أن تكون مقلداً أعمى فتتبع من يحل لك الحرام ويحرّم عليك الحلال ، فتكون عابداً له لا لله .
                          وقد حذّروا (ع) من علماء غير عاملين يحطمون رواياتهم (ع) ويذرونها ذرو الريح للهشيم ([129]) .
                          وبالنسبة للمال فبشكر النعمة ، وأداء حقه ، أي: بالتوجه إلى الله بالعبادة والطاعة ، وباستعمال هذا المال لنصرة الدين ، وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله ، ومواساة الفقراء .
                          هذه هي أهم الانحرافات في الأمة الإسلامية وبشكل مجمل . ومن الطبيعي أن يكون بعضها بل ربما جميعها بفعل فاعل قاصد أن يضل الناس . ومن الطبيعي أن يكون من شياطين الأنس وعبد من عبيد إبليس ، وربما كان بعض هؤلاء الأئمة الذين يدعون إلى النار يظن أنّه يحسن صنعاً .
                          * * *

                          [114]- مستدرك الوسائل: ج4 ص250 ، بحار الأنوار: ج89 ص184 ، وفيه: (رب تال للقرآن والقرآن يلعنه) .
                          [115]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج2 ص21 ، بحار الأنوار: ج31 ص549 .
                          [116]- تفسير العياشي: ج1 ص18 ، مستدرك الوسائل: ج17 ص335 ، بحار الأنوار: ج89 ص111 .
                          [117]- تفسير العياشي: ج1 ص18 ، وسائل الشيعة: ج27 ص60 ، بحار الأنوار: ج89 ص111 .
                          [118]- ثواب الأعمال: ص280 ، بحار الأنوار: ج89 ص390 .
                          [119]- تفسير العياشي: ج1 ص12 ، بحار الأنوار: ج66 ص93 ، ميزان الحكمة: ج3 ص2534 .
                          [120]- بصائر الدرجات: ص224 ، الكافي: ج1 ص213 ، ورواه عن الصادق (ع) . وكذا في وسائل الشيعة:ج27 ص179 عنه (ع) ، بحار الأنوار: ج23 ص199 .
                          [121]- تفسير العياشي: ج1 ص17 ، مستدرك الوسائل: ج17 ص337 ، بحار الأنوار: ج89 ص110 .
                          [122]- الكافي: ج8 ص312 ، وسائل الشيعة: ج27 ص185 ، بحار الأنوار: ج24 ص238 .
                          [123]- التوحيد للصدوق: ص265 ، مستدرك الوسائل: ج17 ص326 ، مصباح البلاغة: ج3 ص69 ، بحار الأنوار: ج8 ص107 .
                          [124]- التوحيد للصدوق: 50 ، وسائل الشيعة: ج27 ص189 ، بحار الأنوار: ج3 ص223 .
                          [125]- أمالي الصدوق: ص55 ، وسائل الشيعة: ج27 ص45 ، الاحتجاج: ج2 ص191 ، بحار الأنوار: ج2 ص297 .
                          [126]- الخصال للصدوق: ص164 ، بحار الأنوار: ج2 ص42 ، معدن الجواهر للكراجكي: ص31 .
                          [127]- الواقعة: 79 .
                          [128]- العلق: 6 – 7 .
                          [129]- يشير (ع) إلى ما روي عن جده أمير المؤمنين (ع) ، فقد روى الشيخ الكليني: عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (إن من أبغض الخلق إلى الله عز وجل لرجلين ، رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشغوف بكلام بدعة ، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ، ضال عن هدي من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته ، حمال خطايا غيره ، رهن بخطيئته . ورجل قمش رجلا في جهال الناس ، عان بأغباش الفتنة ، قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما ، بكر فاستكثر ، ما قل منه خير مما كثر ، حتى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره ، وإن خالف قاضيا سبقه ، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده ، كفعله بمن كان قبله ، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه ، ثم قطع به ، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ ، لا يحسب العلم في شيء مما أنكر ، ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا ، إن قاس شيئا بشئ لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به ، لما يعلم من جهل نفسه ، لكيلا يقال له : لا يعلم ، ثم جسر فقضى ، فهو مفتاح عشوات ، ركاب شبهات ، خباط جهالات ، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم ، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم تبكي منه المواريث ، وتصرخ منه الدماء ، يستحل بقضائه الفرج الحرام ، ويحرم بقضائه الفرج الحلال ، لا ملئ بإصدار ما عليه ورد ، ولا هو أهل لما منه فرط ، من ادعائه علم الحق) الكافي ج1 ص55 ، وقد ذكره (ع) في بحث الأدلة على وجوب التوقف في الفتوى في ص36 .
                          اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                          يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                          Comment

                          • السلماني الذري
                            عضو نشيط
                            • 23-09-2008
                            • 402

                            #28
                            رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                            المحرّفــون
                            وهم الحكام والمتظاهرون بالإسلام ، وعلماء السوء غير العاملين .
                            أمّا الحكام ، فداعيهم إلى تحريف الشريعة هـو الملك لا غير . فكل معتقد أو حكم شرعي يتعارض وبقاءهم على كرسي الحكم يجب أن يحرّف بحسب نظرهم الفاسد ، بأيّ صورة كانت سواء بوضع أحاديث وإلصاقها بالرسول (ص) ، أم بحذف آيات أو سور من القرآن لو أمكن ، أو بمنع رواية الأحاديث الصحيحة عن الرسول (ص) ، أو بمنع قراءة القرآن كما أُنزل وتأويله كما يريد الله ، أو بشراء مرتزقة يسمونهم علماء يحرّفون القرآن ويؤولونه ويفسّرونه على هوى الحكّام الظلمة .
                            وطبعاً لو أمكنهم وضع تشريعات وقوانين مخالفة لشريعة الله ، ولكنها تساعد على بقائهم في السلطة مدّة أطول لسارعوا إلى وضعها ، خصوصاً إذا أعانتهم ظروف الجهل الديني في المجتمع الإسلامي ووجود علماء سوء غير عاملين ، كما هو حال البلاد الإسلامية اليوم .
                            وأمّا علماء السوء ، فهم أخطر من الحكّام الظلمة ؛ لأنّ الحاكم الجائر يدلك كثير من تصرفاته وأعماله العلنية في محاربة أولياء الله على خروجه عن الشريعة ومحاربتها ، أمّا العالم غير العامل فربما يتسربل بلباس العابد الناسك ، فتجده مثلاً متماوتاً في مشيته ، خاضعاً في كلمته ، ولعله يظهر التذلل والخضوع ليصطاد الأتباع . ولكنّك إذا سبرت غوره وجدّته فاسداً متكبّراً ، يتصنّع الصلاح والتواضع ، بل إنّ ظاهره يدلك على باطنه ، فتصدر منه كثير من الفلتات التي تفضح باطنه الأسود ، فـ (الإناء ينضح بالذي فيه) .
                            وخطر علماء السوء يمتد حتى بعد موتهم ، فتبقى مذاهبهم ومعتقداتهم الفاسدة وفتواهم غير الصحيحة ، ويبقى لهم أتباع كما أنهم يمتازون بالنفاق وإخفاء بواطنهم الفاسدة ، ودواعي هؤلاء للتحريف كثيرة ، منها: طلب القيادة الدينية ، وإرضاء الأهواء النفسية .
                            ومنها: إنهم يأنفون من قول (لا أعلم) ، ولهذا يدّعون معرفة كتاب الله والعلم بالتنزيل والتأويل والمحكم والمتشابه ، وإنّ لديهم فتوى لكل مسألة شرعية ، وحل لكل معضلة عقائدية . وربما يأخذ التكبر منهم كل مأخذ ، فيرون أنفسهم علماء وسواهم جهلاء . وإنهم خير من الجميع وأعلم من الجميع .
                            وربما كان من دواعيهم إلى التحريف الخوف من الطاغوت الحاكم ، فيفتون إرضاء له وتجنباً للاصطدام معه مثلاً بجواز الانخراط في صفوف قواته المسلحة ، التي مهمتها الأساسية هي ضرب الشعوب الإسلامية ، وإضعاف دين الله في أرضه والقضاء عليه إذا أمكن .
                            وربما كان بعضهم أخس من ذلك ، فيكون داعيهم للتحريف إضافة إلى الجبن الدنيا والمال ، فيداهنون الطاغوت ، ويضلون المسلمين ويحرّفون الشريعة .
                            قال الإمام الصادق (ع): (إذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتهموه على دينكم ، فإنّ كل محب يحوط ما أحب) ([130]) .
                            وقال (ع): (أوحى الله تعالى إلى داود (ع) ، لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيضلك عن طريق محبتي ، فإنّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم إن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم) ([131]) .
                            ومن كلام عيسى (ع): (إنّكم علماء السوء ، الأجر تأخذون والعمل تضيعون ، يوشك رب العمل إن يطلب عمله ، وتوشكون إن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه) ([132]) .
                            وكلاهما - أي علماء السوء غير العاملين ، والحكّام الطواغيت الذين يحكمون البلاد الإسلامية اليوم - أخطر من الكافر الحربي كالصهاينة على الإسلام ؛ وذلك لأنّ بقاء علماء السوء يعني بقاء الحكّام الظلمة متسلطين على المسلمين ، وبقاء الحكّام الظلمة يعني بقاء الصهاينة يحتلون أرض المسلمين ، وبقاء الأمريكان متسلطين على المسلمين يجرعونهم الويل والثبور ؛ لأنّ هؤلاء الحكّام هم خدم للطاغوت الأمريكي سواء بعلمهم أم برعونتهم وتخبطهم الأهوج ، كما أنّ الصهاينة وطيلة أشهر من الانتفاضة المباركة في أرض فلسطين لا يقتلون إلاّ مائة شخص أو أكثر بقليل . أمّا هؤلاء الحكّام الطواغيت فهم يقتلون في يوم واحد المئات ، بل وآلاف المسلمين . كما أنّ الصهاينة يقتلون المسلمين ليحتفظوا بالأرض التي اغتصبوها ، أمّا هؤلاء الحكّام الظلمة وأعوانهم فيقتلون المؤمنين ؛ لأنهم يتلذذون بسفك الدماء . فهؤلاء الطواغيت وأعوانهم مسوخ شيطانية منكوسون لا يعرفون شيئاً من الخير ، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ ([133]) .
                            ومعركة الإصلاح يجب إن تبدأ مع علماء السوء غير العاملين ، ثم تنتقل إلى الطواغيت المتسلطين على البلاد الإسلامية ، ثم من يليهم من الطواغيت المتسلطين على العالم ، بل وقبل كل ذلك يجب أن نبدأ مع أنفسنا ونطهّرها من جنود الشيطان . فرسول الله (ص) بدأ حركته الإصلاحية في أم القرى في مكة ، المدينة التي تمثل المرجعية الدينية للأحناف والمدينة التي يحج إليها الأحناف ، ثم انتقل إلى ما حولها من القرى في الجزيرة العربية ، ثم انتقل إلى الإمبراطوريات المحيطة به صلوات الله عليه وعلى آله .
                            ومن الطبيعي أنّ مواجهة التيارات الجاهلية جميعها ومواجهة قادتها صعبة تحتاج إلى شدّة في ذات الله ، وعزم وصبر على الملمات .
                            وربما لن يقوى على القيام بها إلاّ معصوم مؤيد من الله سبحانه وتعالى وهو المهدي (ع) ، فواجبنا اليوم هو التهيئة لدولته (ع) ، إصلاح الانحرافات الموجودة ما أمكن أو على الأقل تعريفها للناس ، لا أن نقف مكتوفي الأيدي ونقول لا حول ولا وقوّة إلاّ بالله .
                            نعم ، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وإنّا لله وإنا إليه راجعون ، ولكن الله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً . وأسألوا الله إن يعجل فرج مولانا المهدي (ع) ويمن علينا بفضله وعطائه الابتداء وجوده وكرمه بظهوره وقيامه ، ليأخذ بأيدينا إلى الصراط المستقيم ، ويخرجنا من الظلمات إلى النور ، ويرينا مناسكنا والأحكام الشرعية الصحيحة .
                            * * *
                            المصلح المنتظر (ع)

                            قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ ([134]) .
                            الإمام المهدي (ع) الوصي الثاني عشر من أوصياء النبي الخاتم (ص) ، الإمام خامل الذكر لسنين طويلة حتى بين شيعته الذين يقولون بإمامته وخلافته لله في أرضه . هو المصلح الذي تنتظره البشرية جمعاء، المسلمون وغيرهم ، شيعته وأعداؤه . أناس ينتظرون ظهوره لنصرته ، وآخرون يتربّصون به الدوائر للقضاء عليه حال ظهوره وقيامه ، ويظنون أنهم قادرون على تغيير سنة الله .
                            مؤمنون يهيئون لظهوره وآخرون يتهيئون لظهوره ، وبعض المسلمين غافلين لا يكادون يعرفون عنه شيئاً ، وبعض شيعته أو من يسميهم الناس بشيعته لا يعرفونه إلاّ كرمز ، يئسوا من ظهوره وقيامه وهذا اليأس ظاهر من أعمالهم ، وإن لم يصرحوا به بأقوالهم .
                            وفي هذه اللحظات الحاسمة التي نقترب فيها من ساعة الصفر ، نلاحظ أناساً بعيدين عن الحق بدؤوا يقتربون منه شيئاً فشيئاً حتى كأنهم دخلوا فيه ، وآخرون في قلب دائرة الحق بدؤوا يبتعدون عنه شيئاً فشيئاً حتى كأنهم خرجوا منه . وهكذا أناساً في هوة الوادي بدؤوا يرتقون الجبل شيئاً فشيئاً ، وآخرون وجدوا أنفسهم في القمّة بدؤوا ينحدرون عنها حتى كأنهم قد سقطوا في الهاوية .
                            وبعبارة أخرى: دنيا وآخرة ، ولكل أبناؤها ، فمن أختار الحق احتضن الموت وسار إلى الآخرة ، فلا يبالي سواء وقع على الموت أو وقع الموت عليه . ومن اختار الباطل حرص على الحياة وعبد الدنيا . وبين الفريقين قوم يترنحون كالسكارى ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فهم يعرفون الحق ولا ينصرونه ، ويكرهون الباطل ولا يعادونه . خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ ([135]) .
                            * * *
                            [130]- علل الشرايع: ج2 ص394 ، مشكاة الأنوار: ص245 ، بحار الأنوار: ج2 ص107 .
                            [131]- علل الشرايع: ج2 ص394 ، مشكاة الأنوار: ص245 ، ورواه في الكافي: ج1 ص46 عن النبي (ص) .
                            [132]- منية المريد: ص141 ، بحار الأنوار: ج2 ص39 ، سنن الدارمي: ج1 ص103 ، تاريخ دمشق: ج47 ص464 .
                            [133]- البقرة: 18 .
                            [134]- القصص: 4 – 6 .
                            [135]- النساء: 97 .
                            اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                            يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                            Comment

                            • السلماني الذري
                              عضو نشيط
                              • 23-09-2008
                              • 402

                              #29
                              رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                              المهدي (ع) في الأديان الإلهية

                              الإمام المهدي (ع) كمصلح منتظر ، وكمنقذ لشريعة الله في أرضه موجود تقريباً في جميع الأديان الإلهية السابقة للإسلام ، كاليهودية والنصرانية .
                              ففي التوراة ، مرّة تجده في (سفر دانيال في رؤيا بختنصر) ، التي يُعبرها دانيال (ع) بعد أن يراها . ومرّة تجده في (رؤيا دانيال للممالك والإمبراطوريات الكبرى) التي تقوم على الأرض من بعده (ع) ، وتجده كذلك في غير هذا السفر من التوراة المتداولة اليوم .
                              أمّا في الإنجيل ، فهو (قديم الأيام) المصلح المنتظر الذي ينزل معه عيسى (ع) من السماء ، فتجده في الإنجيل وفي (رؤيا يوحنا اللاهوتي) . كما أنّك تجد عيسى (ع) يذكر في الإنجيل علامات لعودته إلى الأرض ، هي بعينها العلامات التي ذكرها النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) لظهور المهدي (ع) وقيامه ، كخسوف القمر وكسوف الشمس ، والحروب وأخبار الحروب . وذلك ؛ لأنّ عيسى (ع) ينزل من السماء في زمن ظهور المهدي (ع) ، وزيراً له ومؤيداً لحقّه .
                              أمّا عند المسلمين ، فالمهدي (ع) من ضروريات الدين ومنكره منكر لنبوة محمد (ص) ، فقد جاء ذكره متواتراً عن النبي (ص) ، سواء عن طريق السنة أو الشيعة . ولكن السنة لما أعرضوا عن أوصياء النبي (ص) وتركوا حديثهم وقعوا في شبهة ، أنّه سيولد في آخر الزمان ، وإن اعترفوا أنّه من ولد علي وفاطمة (ع) .
                              ثم جاء من علماء السنة في الغيبة الكبرى من اعترف بأنّ الإمام المهدي (ع) هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع) ، وإنّه حي وغائب عن الأبصار كالخضر (ع) .
                              ومن هؤلاء ، الشافعي في كتابه (مطالب السؤول) ، حيث عقد فصلاً في نهاية كتابه المشار إليه للدفاع عن اعتقاده ، إنّ الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري (ع) .
                              أمّا الشيعة الإمامية الإثنا عشرية ، فقد كانوا يرجعون إلى أوصياء النبي (ص) من بعده وتابعوهم إمام تلو إمام ، حتى وصلت الإمامة وخلافة النبي وخلافة الله في أرضه إلى خاتم الأوصياء الإمام محمد بن الحسن المهدي (ع) ، ومع أنّه كان غائباً عن أنظار العامة ويتصل مع شيعته عن طريق أحد خلّص المؤمنين ، إلاّ إنّ الشيعة تقبلوا هذا الوضع ؛ لأنّ النبي (ص) والأئمة (ع) من بعده مهدوا لغيبته (ع) وذكروها في أحاديثهم .
                              وحياة الإمام المهدي (ع) قبل الغيبة تقريباً بخمس سنوات قضاها مع والده الإمام الحسن العسكري (ع) ، فهو (ع) ولد يوم 15 شعبان سنة 255 هـ . ق على بعض الروايات ، وبدأت غيبته مع أول يوم من إمامته ، وهو يوم تسعة ربيع الأول 260 هـ . ق .
                              وفي هذه السنوات الخمس لم يعرف ولادته ولم يره إلاّ الخلّص من الشيعة . ربما أربعون أو أقل أو أكثر ، فهو (ع) محجوب عن الناس منذ ولادته للحفاظ على حياته ، وهذا لأنّ أئمة الجور والضلال من العباسيين (لعنهم الله) كانوا يترقبون ولادته للقضاء عليه وقتله ، كما كان فرعون (لعنه الله) يترقب ولادة موسى (ع) لقتله ، وكما أراد الحاكم الروماني قتل عيسى (ع) عندما علم بولادته ، وكانوا يريدون إن يطفئوا نور الله بأفواههم العفنة ، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الأمويون والعباسيون وأئمة الضلال والطواغيت الذين يحكمون الأمة الإسلامية .
                              ومن عظيم شأن هذا الإمام (ع) أنّه قد جاء في أحاديث كثيرة عن النبي (ص) في كتب السنة والشيعة ، إنّ عيسى (ع) يصلي خلفه ويكون وزيراً له . ثم إنّ هذا العبد الصالح مدّخر لإقامة القسط والعدل في الأرض وحمل كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله (ص) إلى أهل الأرض جميعهم . وقد اصطفاه الله سبحانه من جميع بني آدم لهذا الأمر ، كما روي إنّ أوّل من يبايعه على هذا الأمر عند قيامه جبرائيل (ع) ، وإنّه عند قيامه يحفّه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله .
                              عن سالم الأشل ، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (نظر موسى بن عمران في السفر الأول بما يعطى قائم آل محمد من التمكين والفضل ، فقال موسى: ربي اجعلني قائم آل محمد ، فقيل له: إنّّ ذاك من ذرية أحمد . ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك ، فقال مثله ، فقيل له مثل ذلك . ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله ، فقال مثله ، فقيل له مثله) ([136]) .
                              وعن محمد بن علي (ع) ، قال: (كان عصا موسى (ع) لآدم (ع) ، فصارت إلى شعيب ، ثم صارت إلى موسى بن عمران ، وإنها لعندنا ، وإنّ عهدي بها آنفاً ، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها ، وإنها لتنطق إذا استنطقت ، أعدّت لقائمنا ، يصنع كما كان موسى يصنع بها ، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون ، وتصنع كما تؤمر ، وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون ، لها شفتان ([137]) ، أحداهما في الأرض والأخرى في السقف ، وبينهما أربعين ذراعاً ، وتلقف ما يأفكون بلسانها) ([138]) .
                              وعن جابر الأنصاري ، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (إنّ ذي القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجة على عباده ، فدعا قومه إلى الله عزّ وجل وأمرهم بتقواه ، فضربوه على قرنه ، فغاب عنهم زماناً حتى قيل مات أو هلك بأي وادٍ سلك ؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه ، ألا وفيكم من هو على سنته ، وإنّ الله عزّ وجل مكن له في الأرض وآتاه من كل شيء سبباً ، وبلغ المشرق والمغرب ، وإنّ الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ويبلغه شرق الأرض وغربها ، حتى لا يبقى سهل ولا موضع من سهل ولا جبل وطئه ذي القرنين إلاّ وطئه ، ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنه ، و ينصره بالرعب ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) ([139]) .
                              وسئل أبوعبدالله (ع): هل ولد القائم ؟ فقال: (لا ، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي) ([140]) .
                              فصلوات الله على من يقول فيه إمام معصوم: لو أدركته لخدمته أيام حياتي .
                              * * *
                              [136]- غيبة النعماني: ص246 ، بحار الأنوار: ج51 ص77 ، معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج3 ص246 .
                              [137]- في بعض نسخ الكافي: شعبتان .
                              [138]- الكافي: ج1 ص231 ، بحار الأنوار: ج26 ص219 ، و: ج52 ص318 ، ورواه كما هو الآن في المتن عن بصائر الدرجات ، بينما رواه في بصائر الدرجات: ص203 ، وفي الإمامة والتبصرة: ص116 ، وفي كمال الدين: ص674 ، باختلاف في آخر الرواية . وقد ذكرت الزيادة في هامش مختصر بصائر الدرجات وأنها عن نسخة البحار .
                              [139]- كمال الدين: ص393 ، بحار الأنوار: ج52 ص323 ، معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج1 ص256 .
                              [140]- غيبة النعماني: ص252 ، بحار الأنوار: ج15 ص148 ، معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج3 ص385 .
                              اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                              يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                              Comment

                              • السلماني الذري
                                عضو نشيط
                                • 23-09-2008
                                • 402

                                #30
                                رد: كتـــــاب العجــــــل في أجـــــــــــزاء

                                الغيبة
                                عن أبي عبدالله (ع): قال رسول الله (ص): (لابد للغلام من غيبة . فقيل: ولم يا رسول الله ؟ قال: يخاف القتل) ([141]) .
                                وقال أبوجعفر (ع): (إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم) ([142]) .
                                وقال أبوعبدالله (ع): (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه) ([143]) .
                                الإمام المهدي (ع) ليس بدعاً من الرسل والأنبياء الذين سبقوه ، فقد غاب موسى (ع) عن قومه عشر سنين قضاها في مدين يرعى الأغنام لنبي الله شعيب (ع) ، وغاب يوسف (ع) وغيرهم من الأنبياء . فغيبة الإمام (ع) عن أبصار الناس والطواغيت أمر طبيعي حصل للأنبياء السابقين (ع) .
                                أمّا حول عمره الشريف ، فهو ليس بأطول من عمر الخضر (ع) .
                                وفي بداية غيبة الإمام (ع) كان له نواب أو سفراء أو أبواب سمّهم ما شئت ، المهم أنهم جماعة من خلّص المؤمنين ، كانت مهمتهم إيصال كتب المؤمنين ومسائلهم الشرعية للإمام (ع) ، وإيصال أجوبة الإمام (ع) عليها ، وإيصال توجيهاته إلى المؤمنين . وسفراؤه هم:
                                - عثمان بن سعيد ([144]) .
                                - ومحمد بن عثمان ([145]) .
                                - والحسين بن روح ([146]) .
                                - وعلي بن محمد ([147]) .
                                وانقطعت السفارة واتصال المؤمنين بالإمام (ع) بموت علي بن محمد السمري (رحمه الله) ، ووقعت الغيبة التامة .
                                * * *
                                [141]- علل الشرائع: ج1 ص243 ، بحار الأنوار: ج52 ص90 ، ميزان الحكمة: ج1 ص184 .
                                [142]- علل الشرايع: ج1 ص224 ، بحار الأنوار: ج52 ص90 .
                                [143]- الكافي: ج1 ص340 ، بحار الأنوار: ج52 ص155 .
                                [144]- عثمان بن سعيد العمري ، يكنى أبا عمرو السمّان ويقال له الزيّات الأسدي ، وهو جليل القدر ، له منزلة عظيمة عند الأئمة (ع) ، فحظي برضى الأئمة وتوثيقهم له عند توكيله من قبلهم (ع) . والسمّان: قيل إنّه كان يتّجر بالسمن تغطية على الأمر ؛ لأنّه كان ينقل الأسئلة من الشيعة ويوصلها للائمة (ع) ويأتيهم بأجوبة الرسائل توجيهات أئمتهم (ع) ، فكان الشيعة يرسلون رسائلهم وغيرها عبر عثمان بن سعيد ، وهو يخفيها في جراب السمن ، ويحمله إلى أبي محمد (ع) تقية وخوفاً . وقد توكل للأئمة الهادي والعسكري والمهدي (ع) ، وقام بدور الواسطة بينهم وبين قواعدهم الشعبية الموالية . وقبره على ما جاء في غيبة الشيخ الطوسي بالجانب الغربي من مدينة السلام - يعني بغداد - وهو يزار ويقع في منطقة الميدان في أول الموضع المعروف بدرب جبلة ببغداد . ومدة سفارته للإمام المهدي (ع) حوالي خمس سنوات ، توفي سنة 266 ه‍ـ . راجع غيبة الشيخ الطوسي: ص353 وما بعدها .
                                [145]- محمد بن عثمان بن سعيد العمري: يكنّى أبا جعفر ، له منزلة جليلة بعد أبيه عند الإمام المهدي (ع) . حيث استلم الشيخ العمري السفارة بعد وفاة أبيه وقام مقامه بناءً على كتاب التعزية والتولية الصادر عن الإمام المهدي (ع) . ومدة سفارته حوالي الخمسين سنة ، توفي سنة 305 هـ ‍. وقبره عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه . راجع غيبة الطوسي: ص366 .
                                [146]- أبوالقاسم الحسين بن روح النوبختي: توفي الحسين بن روح في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمئة ه‍ ، وله قبر يزار في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار على بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل ، منطقة سوق الشورجة بجانب الرصافة ببغداد ، الحسين بن روح النوبخت ، ومدة سفارته حوالي الواحد وعشرين عاماً ، توفي 326 ه‍ . راجع ترجمته في غيبة الشيخ الطوسي: ص367 وما بعدها .
                                [147]- علي بن محمد السمري: يكنّى بأبي الحسن ، تولى السفارة من حين وفاة أبي القاسم بن روح عام 326 إلى أن لحق بالرفيق الأعلى عام 329 في النصف من شعبان ، فتكون مدة سفارته ثلاثة أعوام ، وقبره يزار في منطقه سوق السراي في جانب الرصافة ببغداد . راجع غيبة الطوسي:ص393 وما بعدها .
                                اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
                                يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك

                                Comment

                                Working...
                                X
                                😀
                                🥰
                                🤢
                                😎
                                😡
                                👍
                                👎